رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الثالث 3 بقلم نهال مصطفي
"لو علم البحر قدر لؤلؤه ما فرط فيه"
مهما كانت العتمة فلا بد من سَنا يرشد به الأبصار ، فـ الليل رغم قوته لكن لا تطأ براثينه بريق نجوم السماءِ ، بل اتحدت تحت شموخه وأصبحت خريطة يهتدي بها قلب العالمِ .
لقاء القلوبِ لا يزول ، بل تتجاذب كما تنجذب الفراشة للورودِ ، وهذا الذي جمع بين " شمس " و " عاليـة " ، رُبما تماثل المصائر ، أو تشابه الصفاتِ ، فـ الشمسِ سمتها العُلو ، والعلو مزية الشمسِ ..
بعد محاولات كثيرة لمهاتفة " عاصي" فـ أنتهت جميعهـا بالفشـلِ ، تأملت " عالية " لحمامة السلام التي ألقاها أخيها عليهم صباحًا ، وهي تؤدي مناسك الصلاة بخشوع وخضوع ، حتى أطالت شمس السجود وهي تناجي ربها أن ينقذها من الشبكة التي سقطت بها ، مرت دقائق طويلة حتى فرغت من صلاتها وقبل ما تبدأ في الأذكار تدخلت " عالية " بفرحة تضييء وجهها وقالت داعية :
-تقبل الله يا شمس .
نهضت شمس وثنت سجادة الصلاة وتبسمت إليها بعرفان:
-منا ومنكم يارب ، متعرفيش أنا ارتحت أد أيه ، مكنتش هعرف أنام من غير ما أصلي .
اخفضت عالية درجة برودة " التكييف " وقالت برقة:
-بفضلك أخدت حسنات أد كدا ، المفروض أنا اللي اشكرك .
جلست شمس على الأريكة بهدوء وأردفت بحب :
-دعيت لك على فكرة ، أنا وساجدة معرفتش أقول إيه ولا إيه لربنا ، بس اول حاجة افتكرتها كانت أنتِ، لإنك ادتيني الفرصة دي .
جلست عالية بجوارها وهي تربت على كتف شمس بإعجاب:
-أنتِ دخلتي قلبي وحبيتك أوي.
شمس بمدح صادق :
-وأنت كمان ، حاسة جواكي خير يقضي على كل الشر اللي فالعالم .
تنهدت عالية بسعادة بالغة وشكرتها بعيونها ثم أتبعت قائلة بنبرة يكسوها الحرج :
-اتصلت بعاصي كتير ، بس مردش ، شكله كدا مش جاي النهاردة .
برقت شمس بـ تيهٍ وأطلقت زفيرًا من الكللِ :
-طيب أنا أعمل أيه دلوقتِ ! وكمان لازم أوصل لحد من أهلي أكيد قلقانين عليـا .
نظرت إليها عالية بشفقة وأسف وقالت :
-سامحيني يا شمس ، والله نفسي اساعدك ، بس ما دام عاصي عمـل كدا يبقي الموضوع بينكم مش مجرد إيجار وبس ، ولو ساعدتك ومشيتك من هنا محدش هيتأذي غيرك .
ثم فركت كفيها بحيرة عششت فوق روؤسهن وأتبعت :
-أنا محتارة زيك ، بس مفيش في أيدينا حاجة نعملها !
فارتفعت نبرة صوتها بحماس مقترحة :
-بس أنت ممكن تاخدي تليفوني تكلمي أهلك ، وتخلصي علاج تميم وتيجي تباتي هنا معايـا ، قولتي أيه !
شمس مجبرة :
-واضح أن مفيش حل غير كدا !
في اللحظة التي أخذت فيها شمس الهاتف لتتصل بأختها نوران ، دخلت " علبة " وبيدها عُلبة قطيفة بها عقد من إلماس باهظ الثمن وما أن نادت باسم عالية ، فوجئت بوجود شمس فتبدلت معالم وجهها الضاحكة وقالت بفظاظة :
-هي دي بتعمل أيه عندك هنا .
توترت عالية توترًا لا يقل عن قلق شمس التي أحست بالخجل ، تجلجلت عالية راكضة نحو أمها وهي توبخها بنظراتها وتقول :
-شمس ، الدكتورة شمس قاعدة معايا هنا !
قذفت عبلة ما بيدها فوق السرير وقالت معترضة :
-الدكتورة جاية هنا تشتغل ، مش نقضيها تسالي وسهر !
ضغطت عالية على كف والدتها بتوسل ألا تتمادى بالأمر وقالت راجية
-يامامي بقا ، لو سمحتِ أنا اللي قُلت لها تيجي تقعد معايا محصلش حاجة !
ازاحت عالية من طريقها واقتربت خطوتين من شمس التي تصلبت مكانها ولم يتحرك بها إلا دموعها وأكملت إهانتها :
-أنتِ عايزه تدخلي واحدة منعرفش أصلها من فصلها أوضتك اللي كلها مجوهرات بملايين ! أنت لسه صغيرة ومتعرفيش الاشكال دي !
ثم أعلنت نظرة التحدي بينها وبين شمس وأتبعت
-بس أنا عارفاهم كويس أوي .
لم تتحمل شمس كلمات الهجاء والإذلال أكثر من ذلك بل رفعت رأسها متفهمة الأمر وقالت بهدوء يعاكس ثورة دواخلها وقالت
-مامتك عندها حق يا عالية .. عن إذنكم .
كادت أن تخطو خطوة فأوقفتها عبلة بصوتها القاطع كالسيف وقالت آمرة :
-مكانك في أوضة تميم ، دا لو مش أد المقام ! ثانيًا مالكيش دعوة بأي حد في القصر هنا وبالأخص البشمهندسة عالية !
انفجرت عالية عن صمتها ونهرت أمها معاتبة :
-يا مامي لو سمحتي بقا كفاية كدا ؟!
أغتصـ بت كلمات عبلة كبرياء وشموخ شمس التي لا تعرف الانكسار أبدًا ، ولكنها قررت ربح المعركة بهدوئها وحكمتها ، فـ الشجار لا يخلق إلا إهانات متزايدة لعصفورٍ بُترت أجنحته .. أومأت رأسها بالموافقة بصمت تام وانسحبت من مجلسهم برقة فراشة متوجهة نحو بستانها الذي زُرع من شوكٍ .
••••••••
" عودة الي الغردقـة "
أردف عاصي جُملته الأخيرة بنبرة مُخالفة عن داخله ، شيء ما يحثه على أن يحاول مرة آخرى ، أن يناضل كي يمنح الحياة التي حُرم منها لشخصٍ أخر ، انعقدت حزمة من الاسئلة برأس رجل لا يشغل فكره إلا جمع المـال كلها التفت حول مصير تلك النجـمة التي اُجهضت من رحم السماء فسقطت بين يديه ، واللؤلؤة التي قذفها البحر أمام مركبته !
أمسك أحد الرجال بساقي وذراعي " رسيل " التي ظلت ليوم وليلة يُراقص البحر جثمانها ويتقاذفها هنا هناك حتى رسى بها بـ برٍ قدر غير معلوم مصائره ، اندلعت نبرة قوية من بين شدقي " عاصي " لرجاله وهو يأمرهم :
-استنوا !
صُوبت كل الأعين نحوه وهي يجثو على رُكبتيه بالقُرب من الفتاة المُغيبة ويُزيح خصيلات الشعر المُلتصقة بوجهها ، وعاد ليُكرر انعاش رئتيها بالضغط عليهم من جديد ، مع كل ضغطه كان يُطالع ملامحها بأمل لامع وسرعان ما ينطفىء بعد استجابتها له ، كرر الأمر كثيرًا حتى أردف يسرى ناصحًا :
-معاليك متتعبش نفسك ، ومتبوظش سهرتك ودماغك مع واحدة منعرفهاش .
رمقه عاصي بعيون يحاصرها التساءل ، فالبرغم من صدق حديث يسري وتصديقه له إلا أن شيء ما يجبره على المحاولة ، عاد أن يتفحص الفتاة مرة أخرى ولكن تلك المرة أحس فيها عروق رقبتها وهنا تسرب الأمل من جديدٍ إليه بنبض عروقها الضعيف ، فاندفع قائلًا بحماس :
-البنت دي عايشة لسه !
جلس يسري بجواره مذهولًا وأخذ يتحسس مكان ما اشار إليه عاصي حتى اقترحت أحد الفتيات بحميـة :
-جرب إعملها تنفس صناعي كدا !
اندفعت أيدي عاصي إلي وجهها وكل يد عرفت مكانها ، حيث وضع يساره على جبهتها ، ويمينه تحت ذقنها ومال نحوها ببطء وتردد لا يعلم مصدره ، لامس شدقيه شفتيها الذابلة فأحس بقشعريرة أنتابت جسده لا يعلم سببها ، وكأن ثغره الذي قام بتقبيل قبيلة من النساء تلك كانت أول مرة يتذوق مذاق التوت ، كان الفارق كـ من ظل عمره ينقب عن الفحم حتى ذاق ثغره الذهب !
شرع عاصي في إجراء التنفس الصناعي لها وتحفيز عملية التنفس التي تُعتبر جزءاً من العملية الأيضية وتبادل الغازات في الجسم بوساطة التنفس الرئوي والتنفس الخارجي والتنفس الداخلي .. تكررت العملية لمرات عديدة حتى أوشك أمل عاصي على الانطفاء .
وما أن رفع رأسه عنها انفجر فمها بسعال شديد كما استرد الحياة من جديد ، تطوق الجميع حولها بفضول رهيب ، وهما يتفحصون تلك الحورية التي تفتح جفونها ببطيء ولا ترى من المحيطين إلا تشويش .
لحظت أحد الفتيات ارتعاشها ورجفة بدنها فقالت بصوت مسموع
-انا هجيب لها حاجة تتغطى بيها .
فتحت " رسيل " عيونها بعد محاولات متكررة من ذلك وأول جُملة سمعتها كانت من صوتِ ذكوري رخيم :
-أنتِ كويسة !
شرعت أن ترفع رأسها ولكن صاحت متأوهة :
-ااه !
ثم استلقت مرة أخرى وهي تتشبث برأسها الذي أوشك على الانفجار:
-أنا فين ، وأنتوا مين !
أتت الفتاة وبيدها مفرش ثقيل وبدأت أن تدسر به جسد رسيل وتقول
-لازم تدفى كويس .
بدون تفكير امتدت اذرع عاصي وحملها بين يده ، والنظرات التي صوبت منه وإليها كانت تحمل سؤالًا واحدًا " لماذا لم يأمر أحد رجاله بـ هذا ! " .. أسرع متجهًـا ناحية أحد الُغرف فلحق به يسري محذرًا
-أنا مش مرتاح للبنت دي معاليك !
ركل عاصي الباب بقدمه ودلف إلى الغرفة ووضعها على الفراش متجاهلًا حديث يسري وقال آمرًا :
-شوف حد من البنات يغيرلها ، ويجوا يقعدو جمبها .
أغمض يسري جفونه معترضًا ولكن لا يملك إلا قول
-حاضر !
ثم أوقفه قائلًا :
-قول لمنعم يرجع !
-يرجع ليه ؟! وسهرتك ؟!
نفذ صبر عاصي من تكرار الاسئلة ونهره قائلًا
-نفذ اللي بقولك عليه يا يسري !
••••••••
وصلت شمس لغُرفة تمـيم وهي مُثقلة بأصفار الحُزن التي تفاقمت فوق كتفيها من أُمسية وضُحاها ، دقت الباب حتى أذن لها بالدخول ، ومجرد ما لامست أقدامها أعتاب الغرفة جالت أعينها تبحث عنه فوق فراشه الخالي منه فلم تجده ، ما أن ألتفت يسارًا وجدته يشغل أحد الأفلام ليُشاهدها .
تعمدت أن تترك البـاب مواربًا ثم تقدمت بصمت تعاني كي تكسره حتى لا يلحظ حزنها ، وقفت بجواره وسألته :
-اتعشيت !
انتهى من تشغيل أحد الافلام لـ " توم كروز " وتحرك بمقعده قليلًا وقال :
-سيدة جابت السندوتشات في ميعادها ، زي ما قولتي بالظبط .
بصوت مبحوح أجابته :
-طيب كويس .. ممكن تتعشى عشان تاخذ بقية أدويتك !
وجه تميم مقعده نحو مائدة العشاء مُلبًا لطلبها وتحركت هي لتجلس بعيدًا بأقصي رُكن بالغُرفة ، وضع الصينية على قدميه وشرع في أخذ أحد الأرغفة ولكنه توقف على عتبة سؤاله لها :
-أكلتي !
فركت كفيها بارتباك وتحاشت النظر إليه متعمدة:
-آه ... لا .. مش مهم !
تحرك تميم إليـها حتى اقترب من مجلسها وسألها بوجهه الضاحك :
-آه ولا لا ! الاتنين مش ينفعوا مع بعض في جُملة واحدة !
تحمحمت بخفوت محاولة أن تخفي خوفها منه وقالت بنبرة ضجر :
-لا مش عايزه اكل .
فأعلنت معدتها الاعتراض وهي تلومها جوعًا حتى رأي ذلك برعشة عيونها وقال :
-محدش هيحس بوجعك لما تعاقبي نفسـك بالجوع !
انعقدا حاجبيها بغرابة :
-قصدك أيه !
-قصدي إنك مش مُجبرة تأذي نفسك عشان تباني أقوى ، اتفضلي كُلي حاجة حاجة خفيفة عشان تقدري تكملي يومك .. هي دي القوى !
زفرت بضيق رغم اقتناعها بحديثه وقالت بحدة
-قُلت مش عايزة .
لم يجادلها أكثر من ذلك بل وضع الطعام كحاجز بينهم ودار بنقعده المتحرك يشاهد التلفاز ، حيث التقم دواخله إنها من النوع العنيد الذي لا تُلين قراراته كثرة الحديث ، شرع تميم في تناول عشاءه ورغم عادته وهو يطالع افلامه المفضله بأن عيونه ألا تنشغل بشيء غير الشاشة أمامه إلا أن عناد الفتاة التي جاورت مجلسه كانت لها النصيب الأكبر من اختلاس النظرات الفضولية التي أراد أن يحاول اكتشافها بيهم .
لم يمر الكثير من الوقت على انكسار أبريق عنادها ومد يدها لتتناول رغيف محشو ، فـ طالعها بابتسامة فشل في إخفاءها ، فـ بررت موقفها سريعا وقالت :
-فكرت في كلامك ولقيت إنه معاك حق .
اكتفى تميم برسم بسمة الرضا والانتصار معًا ثم عاد ليشاهد التلفاز مرة أخرى خاصة بعد ما غادرت مجلسه وذهبت لتحتمي بشرفة غرفته وهى تلوم نفسها عما فعلت .
•••••••••
وصل عاصى إلى القرية السياحية التابعة له ، وأمر رجاله بتوصيل تلك الفتاة لغرفة وطلب لها طبيب القرية ليفحصها وعزم على وجود ممرضة معها طول الليل .
ما أن اطمئن على حالها وتركها نائمة ودخل الغُرفة المُلاصقة لغرفتها فأتبعه يسري ناصحًا :
-أنا مش عارف ليه معاليك تتعب نفسك بحوار زي دا ، مش كنا سبناها في البحر وكملنا سهرتنا !
نزع عاصي قميصه الأبيض وألقاه على أقرب مقعد وقال بحدة غير مبررة :
-يسري ، مش عايز كلام كتير !
ثم ألقى نظرة على فراشه فوجده خاليًا من عطر حواء ، فقال بنبرة تعكس دواخله :
-انا ضارب المشوار دا كله عشان أقضي الليلة من غير عشا يا يسري !!
تحمس يسري متفهمًا على سيده وهو يسرع
-حالًا معاليك ، يسري عنده الحل .
جلب يسري أحد الفتيات إليه بعد ما ألقى على أذانها عريضة أوامره ، والشروط التي لا يمكن تجاوزها مع سيده وتقاضت الفتاة أجرها ، تسلل يسري بهدوء وقفل باب الغرفة متجهًا إلى أحد البارات الموجودة بالقرية .
هنا أتاه هاتف من " عبلة المحلاوي " وهي تنهره :
-أومال اللي مشغلك فينه !
تبسم يسري بمـكر :
-يا هانم لو كلفتي نفسك وبصيتي على الساعة هتلاقيها تجاوزت الـ ١٢ ودا الوقت الخاص بالباشا !
زفرت عبلة باختناق ثم قالت :
-طيب بص يا يسري ، عايزاك تفتح ودانك معايا وتوصله الكلمتين دول .
-معاليكي تؤمري ويسري يتفذ !
-إدارة فرع دويدار الجديد قصاد حضوره للحفلة ، ومش بس كدا ، عقد تنازلي عن حصتي مقابل عقد جوازه ! وباقي التفاصيل هو عارفها .
انكمشت ملامح يسري بضيق ثم قال مجبرًا
-أي أوامر تانية عبلة هانم !
قفلت المكالمة بدون سابق إنذار ثم ألقت هاتفها متأففًا ومعلنة الحرب عليه وقالت:
-يانا يا أنت يا ابن دويدار !
••••••••
تفحصت أعين شمس المكان حولها فوجدت مليئًا بالرجال والحرس منتشرون في كل الارجاء وكل منهما يتمسك بسلسلة " كلب " من الأنواع المخصصة للحراسة ، انتهى الرغيف بيدها مع نهاية رحلة استكشافها للمكان .. كررت غلق جفونها عدة مرات لتتأكد من أن كل ذلك مجرد حلم وستيقظها نوران منه ولكن غلق جفونها لم يغير من الأمر بشيء ، ربما كان مجرد هدنة من يوم مكتظ بالأحداث التي لا يتقبلها العقل ، أطلقت تنهيدة قوية عانقت نجوم السماء وقالت :
"لو كان باستطاعة الإنسان أن يعيش حياته بشكلٍ جديد، أن يصحو ذات صباح صافيًا هادئًا ويحس أنه يبدأ حياته من جديد"
هنا فاقت من شرودها على صوت عالية وهي تقف بجوارها وتعقد ذراعيها أمام صدرها وتقول :
-أي حد بيبص على القصر من بره بيفتكر أن صحابه عايشين فالجنة ، ولكن الحقيقة هي أنهم حاولوا يجملوا كل حاجة حوليهم إلا قلوبهم !
انتبهت شمس لحديثها بغرابة وكادت أن تحاورها ولكن أوقفها حديث عالية مكملة :
-كل نفس في القصر حد مشاركك فيه ، أسطول من الرجالة بتلف حولين البيت عشان يأمنوه ، رغم كدا عمري ما نمت ليلة مطمنة ! هنا كل واحد بيجري ورا حاجة مش عارف أيه هي ، بس بيجري .
شردت شمس بحديث عالية وقالت بألم :
-كنت دايمًا مفكرة أن الفقير بس اللي مش مرتاح ، بس طلع كمان اللي معاه فلوس مش عارف يشتري راحته .
ربتت عالية على كتفها وترجتها :
-أسفه على كلام مامي ، هي كدا دايما بتعدني عن أي حد أعرفه ، لازم عشان اعرف حد يكون من خلالها ، كلمي دي عشان بنت طنت فلانه ، وكانت النتيجة إني طلعت وحيدة من غير صحاب .
شمس بشفقه :
-هي أكيد خايفة عليكي !
-الانسان من حقه يعيش تجاربه بنفسه ! أحنا مش هنمشي نطبق على بعض نتيجة تجاربنا !
أيدتها شمس بالموافقة :
-عندك حق .
القت عالية نظرة سريعة على تميم وقالت
-أصدق مكان في القصر دا هو هنا ، الأوضة دي ، لما بحب اتعرف على الدنيا بشوفها في عيون تميم ، على فكرة تميم حد طيب جدًا ، مفيش داعي لقلقك وخوفك دا كله .
ثم ربتت على كتفها وقالت :
-كان نفسي تباتي معايا بس مامي ممكن تعمل مشكلة كمان وبصراحة أن بتجنب أي مشاكل في البيت دا .
تفهمت عالية الأمر وقالت برضا:
-أنا عارفة ، عمومًا أنا هدخل أدي أدوية تميم ، وهنام على الكرسي في البلكونة .. متشغليش بالك بيا .
••••••••
" الساعة الخامسة صباحًا "
رفعت رسيل رأسها الذي أوشك أن يتفجر من على الوسادة وهي تتأوه ، ثم نزعت إبرة المحاليل من يدها فسقطت عيناها على الفتاة النائمة بجوارها ، تأزمت حركة جفونها فاستلقت مرة أخرى على الفراش وهي تتشبث برأسها ، أخر شيء تذكرته قبل النوم هو حديث الطبيب موجهًا الممرضة أن تأخذ من هذا إذا أحست بالصداع !
تحملت على ضعفها ووثبت قائمة وهى تتناول قرص الدواء واترشفت بعده المياه ، أخذت تتجول بأعينها المكان فلم تتذكر أي شيء سوى أضغاث من الاحلام ، لامست اقدامها العارية الأرض وذهبت إلى المرحاض وأخذت تبلل وجهها بالماء حتى سقطت أنظارها على ملامحها الشاحبة ، مررت أناملها ببطء على تفاصيل وجهها أمام المرآة حتى أطلقت سؤالًا لا أحد يملك إجابته غيرها !
-أنا مين ؟!
ارتعشت جفونها بعبرات الضعف وأخذت تسكب الماء على وجهها بجنون محاولة منها لتذكر أي شيء ولكن بدون فائدة ، دفنت وجهها في المنشفة القطنية ثم ألقتها بغضبٍ وهى تستند بذراعيها على الحوض وتقول
-أنا مين ؟! ومين الناس اللي شوفتها ؟! وأنا بعمل أيه هنا !
أطاحت يدها بكل ما وجددته أمامها من مستلزمات صحية فأفزع الصوت الممرضة فأتتها راكضة :
-أنت قومتي !
صرخت رسيل بوجهها وقالت باكية
-أنا مين ! أنا مش فاكرة حاجة !
تدخلت الممرضة لتهدئتها :
-ممكن تهدي ، هروح اشوف الدكتور واجي لك تمام .
دفعتها رسيل بقوة وهي تصيح
-انا بعمل أيه هنا !
يأست الممرضة في التعامل مع شخصية رسيل ، ففركضت مسرعة كي تنادي على الطبيب ، بينما عن رسيل جلست أرضًا محاولة أن تتحكم في نفسها ربما تتذكر أي شيء ، أحست بالصداع يأكل برأسها وجسدها ، وثبت قائمة وغادرت الحمام متجهة نحو ستائر الغرفة ورفعها فوجدت المنظر الطبيعي مثير للاستكشاف ، زاحت الباب الزجاجي وظنت أن الطبيعة ستشفي جروحها ، خطت بأقدامها العارية للخارج وظلت تطالع البحر بنظرات ابنة تطالع ابيها ، تشعر بأنها تنتمي لهذا المكان ، وأن شيء بها يجذبها نحوه .
بالرغم من كل الفوضى التي برأسها إلا أن هناك صوت أخر اثار جنونها ، وهو صوت ارتفاع الموسيقى والغناء بصخب وكلمات مبنذة تتنافر مع طبيعية العقل البشر ، حاولت تجاهل الصوت ولكن بدون فائدة ، فارقة حديقة غرفتها وذهبت نحو مصدر الصوت فوجدت الباب الزجاجي للغرفة الثانية مفتوحًا ، ويتعالى منه أصوات منبوذة وضحكة نسائية منفرة ، اقتربت أكثر حتى طرقت على الباب بقوة ، فخرج لها من بين الستائر رجل ينافس الرجال في تفاخره وقال ناهرًا :
-أنت مجنونة !
تراجعت للخلف بخوف ، وأخذ الاخير يتفقد هيئتها المتهرئة وشعرها المبعثر وفستانها الذي يبرز جمال ركبتيها ، لحظ الخوف في عيونها ولكنه تجاهل خوفها وعاد مزمجرًا :
-أنت ازاي تتجرأي وتيجي مكان خاص بعاصي دويدار .
مسحت على شعرها بتوتر وقالت :
-من فضلك وطي صوت الأرف اللي جوه دا ، في بني آدمين عايشين معاك !
نفى حديثها بثقة :
-المكان كله هنا مفيهوش غيري ! أنت اللي جاية مكان مش ليكي !
ثم تذكر ما حدث ليلة أمس وتذكر أمر الفتاة التي وصى يسري بأن ينزلها في جناحه الخاص ، حيث انخفضت نبرته وسألها :
-أنت مين !
رج السؤال رأسها ، هي لا تعلم من هي وإي موج قذفها لهنا ، بللت حلقها بخوف بلغ ذروته وتراجعت خطوة للوراء وتعمدت الصمت عن سؤاله الذي لا تحمل له جوابًا ، لحظته يقترب منها بهيئته المروعة للنفس البشرية ويقول متسائلًا :
-أنتِ البنت بتاعت البحر مش كدا !
لحظ الحيرة في عيونها فاقترب أكثر وأكمل بثقة :
-ماهو فيش غيرك هنا ؟!
أحست بعودة الصداع يـضـ رب برأسها من جديد فسألته :
-أنت مين !
مد رأسه لأعلي وقال برتابة :
-المفروض أنا اللي اسال السؤال دا ، بس هجاوبك ، أنا اللي طلعتك من المية !
ظل يطالع عيونها والموج المتقلب بداخلهم بلون البحر وكأن هناك وادي انشق من البحر وانصب في عيونها وقال بهدوء :
-أنت كويسة دلوقت!
بثت نظراته الغريبة لها الرعب بقلبها وقالت معاندة وهي تمسك رأسها :
-هبقى أحسن لو قفلت الدوشة دي !
أول مرة يصادف إمراة تأمره ولم تمجده وتقدم له قربان الطاعة بل تجاهلت كل هذا ولم تطالعه حتى بنظرة تقدير ، تكورت يده بغضب وأطرق قائلًا :
-مش مهم تبقي كويسة ، المهم ابقى مبسوط .
وقف على نصل عيونها الحادة ومنع طريقها وأكمل :
-ولو مش عجباكي الدوشة بتاعتي ، أنا ممكن أرجعك لهدوء البحر اللي خرجتك منه !
هنا أحست بالدوار في رأسها يجوب بها كالمكوك بقوة ، حاولت أن تحتفظ بجفونها مفتوحة ولكنها فشلت ، بات ظهوره أمامها مشوشًا حتى ساءت حالتها وسقطت مغشية عليها .
تدلت أنظاره لأسفل وهو يتفحصها ملقي بالأرض لا حول لها ولا قوة ولكنه قرر أن يُدير ظهره دون أن يلتفت متجهًا نحو غرفته وإلى الفتاة التي كانت تراقبهم من بعيد .
عاد لغرفته وشد الباب الزجاجي ، فعارضته الفتاة صارخة :
-البنت مغمى عليها بره !
تفاقم الغضب بوجهه وأحمرت نيرانه وقال :
-أنتِ لسه هنا ؟!
تلجلجت الفتاة بخوفٍ
-ما قلتش امشي !
بحدة وصرامة :
-وأديني قلت .
طأطأت الفتاة وتناولت سترتها المُلقاة وارتدتها ، وجلس هو الأخير ينفث دخان سيجارته الذي انقعد كالسحابة فوق رأسه وهو يتأمل من خلف الزجاج تلك المُلقاة أرضًا ، انقطع شروده علي صوت قفل الباب ورحيل الفتاة عن غرفته وعاد مرة أخرى يشد دخان تبغه حتى أوشكت سيجارته على الانتهاء ، رق قلبه قليلًا فاطفئ سيجارته وارتدى قميصه الخفيف دون الاهتمام بقفل ازراره وعاد إليها ليحملها بين يديه ويعيدها إلى غرفتها .
وضع جسدها على الفراش وظل يُطلع تلك اللوحة الفنية النائمة أمامه ، حيث لفت انتباه شعرها الغزير والطويل الذي يتتدلى من جانب السرير ، لم يكن بالظلام الدامس بل خالطته بعض خيوط الشمس فأصبح أكثر جمالًا .. جلسه لعدة دقائق يتأملها حيث انفلت زمام يده لتلامس تلك الخصيلات الحريرية التي لم يراها على امراة من قبل ، وهنا أتت الممرضة بصُحبة الطبيب راكضًا ، تراجع عاصي عن نواياه سريعا والتفت إليهم قائلًا :
-أنت ازاي تسيبيها فالحالة دي !
تنهدت الفتاة مبررة:
-روحت اصحي الدكتور ، لان حالتها كانت وحشة أوي .
شرع الطبيب في فحصها ومحاولة إيفاقتها حيث استغرق معها وقتًا طويلًا ظل يحتسبه عاصي بالدقيقة فالخارج ، حرق فيهم عُلبة كاملة من التبغ حتى خرج الطبيب إليه وقال :
-للاسف ، زي ما كنت متوقع ، جالها فقدان في الذاكرة ، ارجح أن حاجة تقيلة وقعت على دماغها ودا لاثر الجرح اللي في دماغها .
اندهش عاصي بما قاله الطبيب وعاد متسائلًا :
-يعني فاقدة الذاكرة !
-يعني مش فاكرة أي حاجة ، لا هي مين ولا اسمها أيه ولا أيه جابها هنا ، انا اديتها حقنة مهدئة هتنام شوية وهتصحى احسن .
تدخل يسري هنا في حديثهم :
-قلت لمعاليك مش لازم نورط نفسنا مع واحدة زيها .
أطرق الطبيب بهدوء مستأذنًا :
-بعد اذنكم وأي حاجة قلت للممرضة تكلمني .
انصرف الطبيب وتوجه يسري إلى عاصي قائلًا :
-هتعمل أيه يا بُص !
تجاهل عاصي سؤاله وقال :
-جهز نفسك قبل الوفد الأجنبي ما يوصل .
يسري مندهشًا :
-والبنت اللي جوه دي !
تغافل عاصي عنه وولى ظهره منصرفًا :
-كلمهم يبعتولي البدلة .
•••••••••
انفلـق الصباح بأحداثٍ جديدة ونهض كل من بالقصر ، فرت عالية مُبكرًا إلى جامعتها ، ونهضت عبلة وشرعت في اقامة طقوس صباحها اليومية ، وجلست بالحديقة ترتشف قهوتها وتتفحص هاتفها ومن جهة أخرى تراقب العُمال لتنظيم الحفل .
ارتدت هدير زيها الرياضي وحملت حقيبتها متأهبة للذهاب إلى صالة الرياضة وما أن قفلت باب غرفتها فوجئت " بكريم " أمامها .. سار الاخوات معًا حتى نهاية الممر فسألته :
-كريم المحلاوي صاحي ٨ الصبح !
تحمس كريم بنشاط :
-عندي مشوار مهم ، لازم اعمله !
تعجبت هدير وسألته
-مشوار أيه !
-هروح القسم أقدم بلاغ في عاصي !
ألتفت باندهاش جعلها تتوقف مكانها :
-أنت أكيد بتهزر !
ضحك كريم بمكرٍ وعبث بمفاتيحه بعد ما رأي اتصال نوران فـ أردف :
-أومال بتكلم بجد ؟!
بمجرد ما انهي جُملته ركض من أمامها وأكل خطاوي الدرج مسرعًا ، ضر.بت هدير كف على الآخر وهي تقول :
-هيجنني .
ثم تذكرت بعض الأمور التي تحتاج أن تخبر بها أمها ، فاتجهت نحو غرفته وما أن جاءت لتفتح الباب فأتاها صوت أمها بجُملتها الأخيرة وهي تتحدث بالهاتف :
-مراد دي الطريقة الوحيدة اللي هينفع تتجوز بيها عالية ، غير كدا انسي .
ثم سكتت للحظة وأتبعت بثقة :
-لازم هدير تساعدك ، دا لمصلحتنا كلنا !
هنا اقتحمت هدير الغرفة على والدتها وقالت بذهول :
-أيه اللي سمعته دا يا مامي ؟!
•••••••••••
غازلت الشمس جفون "شمس" المتقوسة على مقعدها مستندة برأسها على رُكبتيها ، تدلت ساقيها بخمول وأخذت عينياها تتفقد بديع المنظر أمامها بإعجاب شديد ، نهضت متجاهلة تعب عظامها واصوات فرقعتهم وألقت نظرة على تميم من خلف الزجاج فـ وجدته يرتشف قهوته يقرأ بكتاب في يده وما أن جرت الباب فوصل إليها صوت فيروز وهي تشاركه قهوته وكتابه ، لا تعلم سبب شعور الراحة الذي دق صدرها ، ربما سلامه النفسي ، أو الجو الذي يهيئه لنفسه كي يحاوط نفسه بالونس .
سقطت أنظارها على الباب فوجدته مازال مواربًا ، لم يقفل ، فـ بث الأمان بقلبها واقتربت منه بخطوات هادئة وسألته :
-هي الساعة كام !
ألقى نظرة على ساعة يده وقال
-٩ ونص !
اتسع بؤبؤ عينيها :
-ياخبر ! معاد الدوا .
ثم توترت بوضح وهي تفتش في الأدوية وتبتهل معتذرة
-انا اسفة إني نمت كل دا ، بجد ....
ثم قاطعها قائلاً بهدوئه المثير للغرابة :
-بجد محصلش أي حاجة ، أنا فطرت وأخدت أدويتي وكل حاجة تمام.
ثم أشار إلى مكان الطاولة :
-وكمان هتلاقي فطارك هناك !
هدأت شمس تدريجيا وهي تتفقده بذهول وقالت متسائلة
-أومال أنا بعمل أيه هنا ؟!
تبسم تميـم بهدوء وصمت للحظات ثم قال :
-يمكن مش مكتوب لي أعيش وحيد طول عمري ، فـ ربنا بعتك هنا ! على الأقل أشوف ناس جديدة .
تصلبت تعابير وجهها وهي تحاول أن تترجم معاني كلماته ولكنها غيرت مجرى الحديث وقالت
-فضلت طول الليل مستنية أخوك عشان يشوف لي حل في الورطة دي بس شكلي سهرت على الفاضي !
رفع حاجبه متسائلا
-محاولتيش تهربي ليه ؟!
طوقت الغرابة عيونها وقالت بدون تفكير :
-بصراحة حاولت ، بس أهرب أزاي من الجيش اللي تحت ، هو أنتوا عليكم تار ؟!
خرج تميـم من هدوئه ضاحكًا بصوت مسموع انجذبت له عيون شمس فلمعت لجمال ضحكته ثم قال ممازحًا :
-أعداءنا كتير ، خافي على نفسك وأهربي .
لحظ أقدام الخوف تُقاسم تفاصيل وجهها ثم قال ضاحكًا :
-متخافيش كدا ، عاصي دويدار مستحيل يسمح لأحد حد يقرب من هنا !
زفرت بضيق وهي تقول بهمس :
-والله ما بقا غير سي عاصي دا هو الكابوس اللي في حياتي !
-طيب وطي صوتك عشان هنا حتى الحيطان ليها ودان !
شهقت شمس بخوف وهي تتساءل
-أنت سمعتني !
أومأ بالموافقة وأغمض جفونه لجزء من الثانية:
-متخافيش سرك في بير .
كان سبب اول ابتسامة ترتسم على وجهها منذ مجيئها إلي هنا ، تحمحمت بخفوت ثم اتبعت في حماس وهي تقول :
-المفروض تقعد فالشمس على الأقل ساعة والجو تحت حلو أوي ، أي رأيك !
-والله لو هتعرفي تقنعي عبلة هانم بالكلام دا ، اتفضلي !
شمس بحيرة :
-يعني أيه ؟!
-ممنوع نزولي تحت !
-ليه؟!
-القوانين كدا ؟!
لم تقتنع شمس بما قاله تمـيم وقالت باعتراض :
-أنا هنا دكتورة ، وأنا اللي احط القوانين اللازمة للمريض بتاعي ، وعلشان كدا بقولك لازم ننزل تحت ، اتفضل من غير مناقشات كتير .
••••••••
في سيارة عاصي الفارهة متجهًا إلي اجتماعه بالوفد الأجنبي ، يجلس يسري أمامه ويقول :
-عبلة هانم كلمتني أمبارح ، وسابت لمعاليك رسالة .
عاصي بفضول
-خير ! عايزه أيه ؟!
-بتأكد على معاليك وبتفكرك بمواعد حفلة بكرة !
قفل عاصي جهاز الحاسوب متأففًا :
-دماغي مش رايقة لدلع عبلة هانم !
يسري بمكر أكمل :
-المهم أنا اطقست وعرفت سبب إصرارها الرهيب على حضورك الحفل ، خاصة لما ربطت دا بكلامها معايا .
طالعه عاصي بعيون منتبه ، فأكمل يسري :
-عبلة هانم هتحطك قدام الأمر الواقع في الحفلة وتعلن فالمايك أن عاصي دويدار هيختار عروسته ، شكل الهانم عايزة تفرح بيك !
رفع حاجبه منكرًا :
-واثقة أوي من نفسها عبلة هانم !
تحمحم يسري وأكمل :
-لازم تكون واثقة ، خاصة لما يكون دا شرطها الوحيد للتنازل عن حصتها عشان معاليك تمسك مجلس الإدارة .
تفهم هنا عاصي خطة أمه وقبض على مربط الموضوع وقال ساخرًا :
-شكلها اتجننت !
نفى يسري سخرية عاصي واستخفافه بـ عبلة وقال :
-يبقي لسه معرفتش الهانم الكبيرة !
انفجر عاصي رافضًا :
-دا اسمه جنان ولعب عيال يا يسري !
قدم له يسري عُلبة التبغ ليهدأ وقال واثقًا من نفسه :
-وأحنا بنحب نلعب ، وبنحب نتسلى كمان !
عاصي بـ شكٍ:
-تقصد أيه !
يسري بثقة عارمة وهو يضع ساق على الأخرى :
-لقيت الحل اللي هيمسكنا عقد الإدارة ، ويخرجك من دماغ عبلة هانم للأبد من غير ما يأثر على رفاهية معاليك !
مهما كانت العتمة فلا بد من سَنا يرشد به الأبصار ، فـ الليل رغم قوته لكن لا تطأ براثينه بريق نجوم السماءِ ، بل اتحدت تحت شموخه وأصبحت خريطة يهتدي بها قلب العالمِ .
لقاء القلوبِ لا يزول ، بل تتجاذب كما تنجذب الفراشة للورودِ ، وهذا الذي جمع بين " شمس " و " عاليـة " ، رُبما تماثل المصائر ، أو تشابه الصفاتِ ، فـ الشمسِ سمتها العُلو ، والعلو مزية الشمسِ ..
بعد محاولات كثيرة لمهاتفة " عاصي" فـ أنتهت جميعهـا بالفشـلِ ، تأملت " عالية " لحمامة السلام التي ألقاها أخيها عليهم صباحًا ، وهي تؤدي مناسك الصلاة بخشوع وخضوع ، حتى أطالت شمس السجود وهي تناجي ربها أن ينقذها من الشبكة التي سقطت بها ، مرت دقائق طويلة حتى فرغت من صلاتها وقبل ما تبدأ في الأذكار تدخلت " عالية " بفرحة تضييء وجهها وقالت داعية :
-تقبل الله يا شمس .
نهضت شمس وثنت سجادة الصلاة وتبسمت إليها بعرفان:
-منا ومنكم يارب ، متعرفيش أنا ارتحت أد أيه ، مكنتش هعرف أنام من غير ما أصلي .
اخفضت عالية درجة برودة " التكييف " وقالت برقة:
-بفضلك أخدت حسنات أد كدا ، المفروض أنا اللي اشكرك .
جلست شمس على الأريكة بهدوء وأردفت بحب :
-دعيت لك على فكرة ، أنا وساجدة معرفتش أقول إيه ولا إيه لربنا ، بس اول حاجة افتكرتها كانت أنتِ، لإنك ادتيني الفرصة دي .
جلست عالية بجوارها وهي تربت على كتف شمس بإعجاب:
-أنتِ دخلتي قلبي وحبيتك أوي.
شمس بمدح صادق :
-وأنت كمان ، حاسة جواكي خير يقضي على كل الشر اللي فالعالم .
تنهدت عالية بسعادة بالغة وشكرتها بعيونها ثم أتبعت قائلة بنبرة يكسوها الحرج :
-اتصلت بعاصي كتير ، بس مردش ، شكله كدا مش جاي النهاردة .
برقت شمس بـ تيهٍ وأطلقت زفيرًا من الكللِ :
-طيب أنا أعمل أيه دلوقتِ ! وكمان لازم أوصل لحد من أهلي أكيد قلقانين عليـا .
نظرت إليها عالية بشفقة وأسف وقالت :
-سامحيني يا شمس ، والله نفسي اساعدك ، بس ما دام عاصي عمـل كدا يبقي الموضوع بينكم مش مجرد إيجار وبس ، ولو ساعدتك ومشيتك من هنا محدش هيتأذي غيرك .
ثم فركت كفيها بحيرة عششت فوق روؤسهن وأتبعت :
-أنا محتارة زيك ، بس مفيش في أيدينا حاجة نعملها !
فارتفعت نبرة صوتها بحماس مقترحة :
-بس أنت ممكن تاخدي تليفوني تكلمي أهلك ، وتخلصي علاج تميم وتيجي تباتي هنا معايـا ، قولتي أيه !
شمس مجبرة :
-واضح أن مفيش حل غير كدا !
في اللحظة التي أخذت فيها شمس الهاتف لتتصل بأختها نوران ، دخلت " علبة " وبيدها عُلبة قطيفة بها عقد من إلماس باهظ الثمن وما أن نادت باسم عالية ، فوجئت بوجود شمس فتبدلت معالم وجهها الضاحكة وقالت بفظاظة :
-هي دي بتعمل أيه عندك هنا .
توترت عالية توترًا لا يقل عن قلق شمس التي أحست بالخجل ، تجلجلت عالية راكضة نحو أمها وهي توبخها بنظراتها وتقول :
-شمس ، الدكتورة شمس قاعدة معايا هنا !
قذفت عبلة ما بيدها فوق السرير وقالت معترضة :
-الدكتورة جاية هنا تشتغل ، مش نقضيها تسالي وسهر !
ضغطت عالية على كف والدتها بتوسل ألا تتمادى بالأمر وقالت راجية
-يامامي بقا ، لو سمحتِ أنا اللي قُلت لها تيجي تقعد معايا محصلش حاجة !
ازاحت عالية من طريقها واقتربت خطوتين من شمس التي تصلبت مكانها ولم يتحرك بها إلا دموعها وأكملت إهانتها :
-أنتِ عايزه تدخلي واحدة منعرفش أصلها من فصلها أوضتك اللي كلها مجوهرات بملايين ! أنت لسه صغيرة ومتعرفيش الاشكال دي !
ثم أعلنت نظرة التحدي بينها وبين شمس وأتبعت
-بس أنا عارفاهم كويس أوي .
لم تتحمل شمس كلمات الهجاء والإذلال أكثر من ذلك بل رفعت رأسها متفهمة الأمر وقالت بهدوء يعاكس ثورة دواخلها وقالت
-مامتك عندها حق يا عالية .. عن إذنكم .
كادت أن تخطو خطوة فأوقفتها عبلة بصوتها القاطع كالسيف وقالت آمرة :
-مكانك في أوضة تميم ، دا لو مش أد المقام ! ثانيًا مالكيش دعوة بأي حد في القصر هنا وبالأخص البشمهندسة عالية !
انفجرت عالية عن صمتها ونهرت أمها معاتبة :
-يا مامي لو سمحتي بقا كفاية كدا ؟!
أغتصـ بت كلمات عبلة كبرياء وشموخ شمس التي لا تعرف الانكسار أبدًا ، ولكنها قررت ربح المعركة بهدوئها وحكمتها ، فـ الشجار لا يخلق إلا إهانات متزايدة لعصفورٍ بُترت أجنحته .. أومأت رأسها بالموافقة بصمت تام وانسحبت من مجلسهم برقة فراشة متوجهة نحو بستانها الذي زُرع من شوكٍ .
••••••••
" عودة الي الغردقـة "
أردف عاصي جُملته الأخيرة بنبرة مُخالفة عن داخله ، شيء ما يحثه على أن يحاول مرة آخرى ، أن يناضل كي يمنح الحياة التي حُرم منها لشخصٍ أخر ، انعقدت حزمة من الاسئلة برأس رجل لا يشغل فكره إلا جمع المـال كلها التفت حول مصير تلك النجـمة التي اُجهضت من رحم السماء فسقطت بين يديه ، واللؤلؤة التي قذفها البحر أمام مركبته !
أمسك أحد الرجال بساقي وذراعي " رسيل " التي ظلت ليوم وليلة يُراقص البحر جثمانها ويتقاذفها هنا هناك حتى رسى بها بـ برٍ قدر غير معلوم مصائره ، اندلعت نبرة قوية من بين شدقي " عاصي " لرجاله وهو يأمرهم :
-استنوا !
صُوبت كل الأعين نحوه وهي يجثو على رُكبتيه بالقُرب من الفتاة المُغيبة ويُزيح خصيلات الشعر المُلتصقة بوجهها ، وعاد ليُكرر انعاش رئتيها بالضغط عليهم من جديد ، مع كل ضغطه كان يُطالع ملامحها بأمل لامع وسرعان ما ينطفىء بعد استجابتها له ، كرر الأمر كثيرًا حتى أردف يسرى ناصحًا :
-معاليك متتعبش نفسك ، ومتبوظش سهرتك ودماغك مع واحدة منعرفهاش .
رمقه عاصي بعيون يحاصرها التساءل ، فالبرغم من صدق حديث يسري وتصديقه له إلا أن شيء ما يجبره على المحاولة ، عاد أن يتفحص الفتاة مرة أخرى ولكن تلك المرة أحس فيها عروق رقبتها وهنا تسرب الأمل من جديدٍ إليه بنبض عروقها الضعيف ، فاندفع قائلًا بحماس :
-البنت دي عايشة لسه !
جلس يسري بجواره مذهولًا وأخذ يتحسس مكان ما اشار إليه عاصي حتى اقترحت أحد الفتيات بحميـة :
-جرب إعملها تنفس صناعي كدا !
اندفعت أيدي عاصي إلي وجهها وكل يد عرفت مكانها ، حيث وضع يساره على جبهتها ، ويمينه تحت ذقنها ومال نحوها ببطء وتردد لا يعلم مصدره ، لامس شدقيه شفتيها الذابلة فأحس بقشعريرة أنتابت جسده لا يعلم سببها ، وكأن ثغره الذي قام بتقبيل قبيلة من النساء تلك كانت أول مرة يتذوق مذاق التوت ، كان الفارق كـ من ظل عمره ينقب عن الفحم حتى ذاق ثغره الذهب !
شرع عاصي في إجراء التنفس الصناعي لها وتحفيز عملية التنفس التي تُعتبر جزءاً من العملية الأيضية وتبادل الغازات في الجسم بوساطة التنفس الرئوي والتنفس الخارجي والتنفس الداخلي .. تكررت العملية لمرات عديدة حتى أوشك أمل عاصي على الانطفاء .
وما أن رفع رأسه عنها انفجر فمها بسعال شديد كما استرد الحياة من جديد ، تطوق الجميع حولها بفضول رهيب ، وهما يتفحصون تلك الحورية التي تفتح جفونها ببطيء ولا ترى من المحيطين إلا تشويش .
لحظت أحد الفتيات ارتعاشها ورجفة بدنها فقالت بصوت مسموع
-انا هجيب لها حاجة تتغطى بيها .
فتحت " رسيل " عيونها بعد محاولات متكررة من ذلك وأول جُملة سمعتها كانت من صوتِ ذكوري رخيم :
-أنتِ كويسة !
شرعت أن ترفع رأسها ولكن صاحت متأوهة :
-ااه !
ثم استلقت مرة أخرى وهي تتشبث برأسها الذي أوشك على الانفجار:
-أنا فين ، وأنتوا مين !
أتت الفتاة وبيدها مفرش ثقيل وبدأت أن تدسر به جسد رسيل وتقول
-لازم تدفى كويس .
بدون تفكير امتدت اذرع عاصي وحملها بين يده ، والنظرات التي صوبت منه وإليها كانت تحمل سؤالًا واحدًا " لماذا لم يأمر أحد رجاله بـ هذا ! " .. أسرع متجهًـا ناحية أحد الُغرف فلحق به يسري محذرًا
-أنا مش مرتاح للبنت دي معاليك !
ركل عاصي الباب بقدمه ودلف إلى الغرفة ووضعها على الفراش متجاهلًا حديث يسري وقال آمرًا :
-شوف حد من البنات يغيرلها ، ويجوا يقعدو جمبها .
أغمض يسري جفونه معترضًا ولكن لا يملك إلا قول
-حاضر !
ثم أوقفه قائلًا :
-قول لمنعم يرجع !
-يرجع ليه ؟! وسهرتك ؟!
نفذ صبر عاصي من تكرار الاسئلة ونهره قائلًا
-نفذ اللي بقولك عليه يا يسري !
••••••••
وصلت شمس لغُرفة تمـيم وهي مُثقلة بأصفار الحُزن التي تفاقمت فوق كتفيها من أُمسية وضُحاها ، دقت الباب حتى أذن لها بالدخول ، ومجرد ما لامست أقدامها أعتاب الغرفة جالت أعينها تبحث عنه فوق فراشه الخالي منه فلم تجده ، ما أن ألتفت يسارًا وجدته يشغل أحد الأفلام ليُشاهدها .
تعمدت أن تترك البـاب مواربًا ثم تقدمت بصمت تعاني كي تكسره حتى لا يلحظ حزنها ، وقفت بجواره وسألته :
-اتعشيت !
انتهى من تشغيل أحد الافلام لـ " توم كروز " وتحرك بمقعده قليلًا وقال :
-سيدة جابت السندوتشات في ميعادها ، زي ما قولتي بالظبط .
بصوت مبحوح أجابته :
-طيب كويس .. ممكن تتعشى عشان تاخذ بقية أدويتك !
وجه تميم مقعده نحو مائدة العشاء مُلبًا لطلبها وتحركت هي لتجلس بعيدًا بأقصي رُكن بالغُرفة ، وضع الصينية على قدميه وشرع في أخذ أحد الأرغفة ولكنه توقف على عتبة سؤاله لها :
-أكلتي !
فركت كفيها بارتباك وتحاشت النظر إليه متعمدة:
-آه ... لا .. مش مهم !
تحرك تميم إليـها حتى اقترب من مجلسها وسألها بوجهه الضاحك :
-آه ولا لا ! الاتنين مش ينفعوا مع بعض في جُملة واحدة !
تحمحمت بخفوت محاولة أن تخفي خوفها منه وقالت بنبرة ضجر :
-لا مش عايزه اكل .
فأعلنت معدتها الاعتراض وهي تلومها جوعًا حتى رأي ذلك برعشة عيونها وقال :
-محدش هيحس بوجعك لما تعاقبي نفسـك بالجوع !
انعقدا حاجبيها بغرابة :
-قصدك أيه !
-قصدي إنك مش مُجبرة تأذي نفسك عشان تباني أقوى ، اتفضلي كُلي حاجة حاجة خفيفة عشان تقدري تكملي يومك .. هي دي القوى !
زفرت بضيق رغم اقتناعها بحديثه وقالت بحدة
-قُلت مش عايزة .
لم يجادلها أكثر من ذلك بل وضع الطعام كحاجز بينهم ودار بنقعده المتحرك يشاهد التلفاز ، حيث التقم دواخله إنها من النوع العنيد الذي لا تُلين قراراته كثرة الحديث ، شرع تميم في تناول عشاءه ورغم عادته وهو يطالع افلامه المفضله بأن عيونه ألا تنشغل بشيء غير الشاشة أمامه إلا أن عناد الفتاة التي جاورت مجلسه كانت لها النصيب الأكبر من اختلاس النظرات الفضولية التي أراد أن يحاول اكتشافها بيهم .
لم يمر الكثير من الوقت على انكسار أبريق عنادها ومد يدها لتتناول رغيف محشو ، فـ طالعها بابتسامة فشل في إخفاءها ، فـ بررت موقفها سريعا وقالت :
-فكرت في كلامك ولقيت إنه معاك حق .
اكتفى تميم برسم بسمة الرضا والانتصار معًا ثم عاد ليشاهد التلفاز مرة أخرى خاصة بعد ما غادرت مجلسه وذهبت لتحتمي بشرفة غرفته وهى تلوم نفسها عما فعلت .
•••••••••
وصل عاصى إلى القرية السياحية التابعة له ، وأمر رجاله بتوصيل تلك الفتاة لغرفة وطلب لها طبيب القرية ليفحصها وعزم على وجود ممرضة معها طول الليل .
ما أن اطمئن على حالها وتركها نائمة ودخل الغُرفة المُلاصقة لغرفتها فأتبعه يسري ناصحًا :
-أنا مش عارف ليه معاليك تتعب نفسك بحوار زي دا ، مش كنا سبناها في البحر وكملنا سهرتنا !
نزع عاصي قميصه الأبيض وألقاه على أقرب مقعد وقال بحدة غير مبررة :
-يسري ، مش عايز كلام كتير !
ثم ألقى نظرة على فراشه فوجده خاليًا من عطر حواء ، فقال بنبرة تعكس دواخله :
-انا ضارب المشوار دا كله عشان أقضي الليلة من غير عشا يا يسري !!
تحمس يسري متفهمًا على سيده وهو يسرع
-حالًا معاليك ، يسري عنده الحل .
جلب يسري أحد الفتيات إليه بعد ما ألقى على أذانها عريضة أوامره ، والشروط التي لا يمكن تجاوزها مع سيده وتقاضت الفتاة أجرها ، تسلل يسري بهدوء وقفل باب الغرفة متجهًا إلى أحد البارات الموجودة بالقرية .
هنا أتاه هاتف من " عبلة المحلاوي " وهي تنهره :
-أومال اللي مشغلك فينه !
تبسم يسري بمـكر :
-يا هانم لو كلفتي نفسك وبصيتي على الساعة هتلاقيها تجاوزت الـ ١٢ ودا الوقت الخاص بالباشا !
زفرت عبلة باختناق ثم قالت :
-طيب بص يا يسري ، عايزاك تفتح ودانك معايا وتوصله الكلمتين دول .
-معاليكي تؤمري ويسري يتفذ !
-إدارة فرع دويدار الجديد قصاد حضوره للحفلة ، ومش بس كدا ، عقد تنازلي عن حصتي مقابل عقد جوازه ! وباقي التفاصيل هو عارفها .
انكمشت ملامح يسري بضيق ثم قال مجبرًا
-أي أوامر تانية عبلة هانم !
قفلت المكالمة بدون سابق إنذار ثم ألقت هاتفها متأففًا ومعلنة الحرب عليه وقالت:
-يانا يا أنت يا ابن دويدار !
••••••••
تفحصت أعين شمس المكان حولها فوجدت مليئًا بالرجال والحرس منتشرون في كل الارجاء وكل منهما يتمسك بسلسلة " كلب " من الأنواع المخصصة للحراسة ، انتهى الرغيف بيدها مع نهاية رحلة استكشافها للمكان .. كررت غلق جفونها عدة مرات لتتأكد من أن كل ذلك مجرد حلم وستيقظها نوران منه ولكن غلق جفونها لم يغير من الأمر بشيء ، ربما كان مجرد هدنة من يوم مكتظ بالأحداث التي لا يتقبلها العقل ، أطلقت تنهيدة قوية عانقت نجوم السماء وقالت :
"لو كان باستطاعة الإنسان أن يعيش حياته بشكلٍ جديد، أن يصحو ذات صباح صافيًا هادئًا ويحس أنه يبدأ حياته من جديد"
هنا فاقت من شرودها على صوت عالية وهي تقف بجوارها وتعقد ذراعيها أمام صدرها وتقول :
-أي حد بيبص على القصر من بره بيفتكر أن صحابه عايشين فالجنة ، ولكن الحقيقة هي أنهم حاولوا يجملوا كل حاجة حوليهم إلا قلوبهم !
انتبهت شمس لحديثها بغرابة وكادت أن تحاورها ولكن أوقفها حديث عالية مكملة :
-كل نفس في القصر حد مشاركك فيه ، أسطول من الرجالة بتلف حولين البيت عشان يأمنوه ، رغم كدا عمري ما نمت ليلة مطمنة ! هنا كل واحد بيجري ورا حاجة مش عارف أيه هي ، بس بيجري .
شردت شمس بحديث عالية وقالت بألم :
-كنت دايمًا مفكرة أن الفقير بس اللي مش مرتاح ، بس طلع كمان اللي معاه فلوس مش عارف يشتري راحته .
ربتت عالية على كتفها وترجتها :
-أسفه على كلام مامي ، هي كدا دايما بتعدني عن أي حد أعرفه ، لازم عشان اعرف حد يكون من خلالها ، كلمي دي عشان بنت طنت فلانه ، وكانت النتيجة إني طلعت وحيدة من غير صحاب .
شمس بشفقه :
-هي أكيد خايفة عليكي !
-الانسان من حقه يعيش تجاربه بنفسه ! أحنا مش هنمشي نطبق على بعض نتيجة تجاربنا !
أيدتها شمس بالموافقة :
-عندك حق .
القت عالية نظرة سريعة على تميم وقالت
-أصدق مكان في القصر دا هو هنا ، الأوضة دي ، لما بحب اتعرف على الدنيا بشوفها في عيون تميم ، على فكرة تميم حد طيب جدًا ، مفيش داعي لقلقك وخوفك دا كله .
ثم ربتت على كتفها وقالت :
-كان نفسي تباتي معايا بس مامي ممكن تعمل مشكلة كمان وبصراحة أن بتجنب أي مشاكل في البيت دا .
تفهمت عالية الأمر وقالت برضا:
-أنا عارفة ، عمومًا أنا هدخل أدي أدوية تميم ، وهنام على الكرسي في البلكونة .. متشغليش بالك بيا .
••••••••
" الساعة الخامسة صباحًا "
رفعت رسيل رأسها الذي أوشك أن يتفجر من على الوسادة وهي تتأوه ، ثم نزعت إبرة المحاليل من يدها فسقطت عيناها على الفتاة النائمة بجوارها ، تأزمت حركة جفونها فاستلقت مرة أخرى على الفراش وهي تتشبث برأسها ، أخر شيء تذكرته قبل النوم هو حديث الطبيب موجهًا الممرضة أن تأخذ من هذا إذا أحست بالصداع !
تحملت على ضعفها ووثبت قائمة وهى تتناول قرص الدواء واترشفت بعده المياه ، أخذت تتجول بأعينها المكان فلم تتذكر أي شيء سوى أضغاث من الاحلام ، لامست اقدامها العارية الأرض وذهبت إلى المرحاض وأخذت تبلل وجهها بالماء حتى سقطت أنظارها على ملامحها الشاحبة ، مررت أناملها ببطء على تفاصيل وجهها أمام المرآة حتى أطلقت سؤالًا لا أحد يملك إجابته غيرها !
-أنا مين ؟!
ارتعشت جفونها بعبرات الضعف وأخذت تسكب الماء على وجهها بجنون محاولة منها لتذكر أي شيء ولكن بدون فائدة ، دفنت وجهها في المنشفة القطنية ثم ألقتها بغضبٍ وهى تستند بذراعيها على الحوض وتقول
-أنا مين ؟! ومين الناس اللي شوفتها ؟! وأنا بعمل أيه هنا !
أطاحت يدها بكل ما وجددته أمامها من مستلزمات صحية فأفزع الصوت الممرضة فأتتها راكضة :
-أنت قومتي !
صرخت رسيل بوجهها وقالت باكية
-أنا مين ! أنا مش فاكرة حاجة !
تدخلت الممرضة لتهدئتها :
-ممكن تهدي ، هروح اشوف الدكتور واجي لك تمام .
دفعتها رسيل بقوة وهي تصيح
-انا بعمل أيه هنا !
يأست الممرضة في التعامل مع شخصية رسيل ، ففركضت مسرعة كي تنادي على الطبيب ، بينما عن رسيل جلست أرضًا محاولة أن تتحكم في نفسها ربما تتذكر أي شيء ، أحست بالصداع يأكل برأسها وجسدها ، وثبت قائمة وغادرت الحمام متجهة نحو ستائر الغرفة ورفعها فوجدت المنظر الطبيعي مثير للاستكشاف ، زاحت الباب الزجاجي وظنت أن الطبيعة ستشفي جروحها ، خطت بأقدامها العارية للخارج وظلت تطالع البحر بنظرات ابنة تطالع ابيها ، تشعر بأنها تنتمي لهذا المكان ، وأن شيء بها يجذبها نحوه .
بالرغم من كل الفوضى التي برأسها إلا أن هناك صوت أخر اثار جنونها ، وهو صوت ارتفاع الموسيقى والغناء بصخب وكلمات مبنذة تتنافر مع طبيعية العقل البشر ، حاولت تجاهل الصوت ولكن بدون فائدة ، فارقة حديقة غرفتها وذهبت نحو مصدر الصوت فوجدت الباب الزجاجي للغرفة الثانية مفتوحًا ، ويتعالى منه أصوات منبوذة وضحكة نسائية منفرة ، اقتربت أكثر حتى طرقت على الباب بقوة ، فخرج لها من بين الستائر رجل ينافس الرجال في تفاخره وقال ناهرًا :
-أنت مجنونة !
تراجعت للخلف بخوف ، وأخذ الاخير يتفقد هيئتها المتهرئة وشعرها المبعثر وفستانها الذي يبرز جمال ركبتيها ، لحظ الخوف في عيونها ولكنه تجاهل خوفها وعاد مزمجرًا :
-أنت ازاي تتجرأي وتيجي مكان خاص بعاصي دويدار .
مسحت على شعرها بتوتر وقالت :
-من فضلك وطي صوت الأرف اللي جوه دا ، في بني آدمين عايشين معاك !
نفى حديثها بثقة :
-المكان كله هنا مفيهوش غيري ! أنت اللي جاية مكان مش ليكي !
ثم تذكر ما حدث ليلة أمس وتذكر أمر الفتاة التي وصى يسري بأن ينزلها في جناحه الخاص ، حيث انخفضت نبرته وسألها :
-أنت مين !
رج السؤال رأسها ، هي لا تعلم من هي وإي موج قذفها لهنا ، بللت حلقها بخوف بلغ ذروته وتراجعت خطوة للوراء وتعمدت الصمت عن سؤاله الذي لا تحمل له جوابًا ، لحظته يقترب منها بهيئته المروعة للنفس البشرية ويقول متسائلًا :
-أنتِ البنت بتاعت البحر مش كدا !
لحظ الحيرة في عيونها فاقترب أكثر وأكمل بثقة :
-ماهو فيش غيرك هنا ؟!
أحست بعودة الصداع يـضـ رب برأسها من جديد فسألته :
-أنت مين !
مد رأسه لأعلي وقال برتابة :
-المفروض أنا اللي اسال السؤال دا ، بس هجاوبك ، أنا اللي طلعتك من المية !
ظل يطالع عيونها والموج المتقلب بداخلهم بلون البحر وكأن هناك وادي انشق من البحر وانصب في عيونها وقال بهدوء :
-أنت كويسة دلوقت!
بثت نظراته الغريبة لها الرعب بقلبها وقالت معاندة وهي تمسك رأسها :
-هبقى أحسن لو قفلت الدوشة دي !
أول مرة يصادف إمراة تأمره ولم تمجده وتقدم له قربان الطاعة بل تجاهلت كل هذا ولم تطالعه حتى بنظرة تقدير ، تكورت يده بغضب وأطرق قائلًا :
-مش مهم تبقي كويسة ، المهم ابقى مبسوط .
وقف على نصل عيونها الحادة ومنع طريقها وأكمل :
-ولو مش عجباكي الدوشة بتاعتي ، أنا ممكن أرجعك لهدوء البحر اللي خرجتك منه !
هنا أحست بالدوار في رأسها يجوب بها كالمكوك بقوة ، حاولت أن تحتفظ بجفونها مفتوحة ولكنها فشلت ، بات ظهوره أمامها مشوشًا حتى ساءت حالتها وسقطت مغشية عليها .
تدلت أنظاره لأسفل وهو يتفحصها ملقي بالأرض لا حول لها ولا قوة ولكنه قرر أن يُدير ظهره دون أن يلتفت متجهًا نحو غرفته وإلى الفتاة التي كانت تراقبهم من بعيد .
عاد لغرفته وشد الباب الزجاجي ، فعارضته الفتاة صارخة :
-البنت مغمى عليها بره !
تفاقم الغضب بوجهه وأحمرت نيرانه وقال :
-أنتِ لسه هنا ؟!
تلجلجت الفتاة بخوفٍ
-ما قلتش امشي !
بحدة وصرامة :
-وأديني قلت .
طأطأت الفتاة وتناولت سترتها المُلقاة وارتدتها ، وجلس هو الأخير ينفث دخان سيجارته الذي انقعد كالسحابة فوق رأسه وهو يتأمل من خلف الزجاج تلك المُلقاة أرضًا ، انقطع شروده علي صوت قفل الباب ورحيل الفتاة عن غرفته وعاد مرة أخرى يشد دخان تبغه حتى أوشكت سيجارته على الانتهاء ، رق قلبه قليلًا فاطفئ سيجارته وارتدى قميصه الخفيف دون الاهتمام بقفل ازراره وعاد إليها ليحملها بين يديه ويعيدها إلى غرفتها .
وضع جسدها على الفراش وظل يُطلع تلك اللوحة الفنية النائمة أمامه ، حيث لفت انتباه شعرها الغزير والطويل الذي يتتدلى من جانب السرير ، لم يكن بالظلام الدامس بل خالطته بعض خيوط الشمس فأصبح أكثر جمالًا .. جلسه لعدة دقائق يتأملها حيث انفلت زمام يده لتلامس تلك الخصيلات الحريرية التي لم يراها على امراة من قبل ، وهنا أتت الممرضة بصُحبة الطبيب راكضًا ، تراجع عاصي عن نواياه سريعا والتفت إليهم قائلًا :
-أنت ازاي تسيبيها فالحالة دي !
تنهدت الفتاة مبررة:
-روحت اصحي الدكتور ، لان حالتها كانت وحشة أوي .
شرع الطبيب في فحصها ومحاولة إيفاقتها حيث استغرق معها وقتًا طويلًا ظل يحتسبه عاصي بالدقيقة فالخارج ، حرق فيهم عُلبة كاملة من التبغ حتى خرج الطبيب إليه وقال :
-للاسف ، زي ما كنت متوقع ، جالها فقدان في الذاكرة ، ارجح أن حاجة تقيلة وقعت على دماغها ودا لاثر الجرح اللي في دماغها .
اندهش عاصي بما قاله الطبيب وعاد متسائلًا :
-يعني فاقدة الذاكرة !
-يعني مش فاكرة أي حاجة ، لا هي مين ولا اسمها أيه ولا أيه جابها هنا ، انا اديتها حقنة مهدئة هتنام شوية وهتصحى احسن .
تدخل يسري هنا في حديثهم :
-قلت لمعاليك مش لازم نورط نفسنا مع واحدة زيها .
أطرق الطبيب بهدوء مستأذنًا :
-بعد اذنكم وأي حاجة قلت للممرضة تكلمني .
انصرف الطبيب وتوجه يسري إلى عاصي قائلًا :
-هتعمل أيه يا بُص !
تجاهل عاصي سؤاله وقال :
-جهز نفسك قبل الوفد الأجنبي ما يوصل .
يسري مندهشًا :
-والبنت اللي جوه دي !
تغافل عاصي عنه وولى ظهره منصرفًا :
-كلمهم يبعتولي البدلة .
•••••••••
انفلـق الصباح بأحداثٍ جديدة ونهض كل من بالقصر ، فرت عالية مُبكرًا إلى جامعتها ، ونهضت عبلة وشرعت في اقامة طقوس صباحها اليومية ، وجلست بالحديقة ترتشف قهوتها وتتفحص هاتفها ومن جهة أخرى تراقب العُمال لتنظيم الحفل .
ارتدت هدير زيها الرياضي وحملت حقيبتها متأهبة للذهاب إلى صالة الرياضة وما أن قفلت باب غرفتها فوجئت " بكريم " أمامها .. سار الاخوات معًا حتى نهاية الممر فسألته :
-كريم المحلاوي صاحي ٨ الصبح !
تحمس كريم بنشاط :
-عندي مشوار مهم ، لازم اعمله !
تعجبت هدير وسألته
-مشوار أيه !
-هروح القسم أقدم بلاغ في عاصي !
ألتفت باندهاش جعلها تتوقف مكانها :
-أنت أكيد بتهزر !
ضحك كريم بمكرٍ وعبث بمفاتيحه بعد ما رأي اتصال نوران فـ أردف :
-أومال بتكلم بجد ؟!
بمجرد ما انهي جُملته ركض من أمامها وأكل خطاوي الدرج مسرعًا ، ضر.بت هدير كف على الآخر وهي تقول :
-هيجنني .
ثم تذكرت بعض الأمور التي تحتاج أن تخبر بها أمها ، فاتجهت نحو غرفته وما أن جاءت لتفتح الباب فأتاها صوت أمها بجُملتها الأخيرة وهي تتحدث بالهاتف :
-مراد دي الطريقة الوحيدة اللي هينفع تتجوز بيها عالية ، غير كدا انسي .
ثم سكتت للحظة وأتبعت بثقة :
-لازم هدير تساعدك ، دا لمصلحتنا كلنا !
هنا اقتحمت هدير الغرفة على والدتها وقالت بذهول :
-أيه اللي سمعته دا يا مامي ؟!
•••••••••••
غازلت الشمس جفون "شمس" المتقوسة على مقعدها مستندة برأسها على رُكبتيها ، تدلت ساقيها بخمول وأخذت عينياها تتفقد بديع المنظر أمامها بإعجاب شديد ، نهضت متجاهلة تعب عظامها واصوات فرقعتهم وألقت نظرة على تميم من خلف الزجاج فـ وجدته يرتشف قهوته يقرأ بكتاب في يده وما أن جرت الباب فوصل إليها صوت فيروز وهي تشاركه قهوته وكتابه ، لا تعلم سبب شعور الراحة الذي دق صدرها ، ربما سلامه النفسي ، أو الجو الذي يهيئه لنفسه كي يحاوط نفسه بالونس .
سقطت أنظارها على الباب فوجدته مازال مواربًا ، لم يقفل ، فـ بث الأمان بقلبها واقتربت منه بخطوات هادئة وسألته :
-هي الساعة كام !
ألقى نظرة على ساعة يده وقال
-٩ ونص !
اتسع بؤبؤ عينيها :
-ياخبر ! معاد الدوا .
ثم توترت بوضح وهي تفتش في الأدوية وتبتهل معتذرة
-انا اسفة إني نمت كل دا ، بجد ....
ثم قاطعها قائلاً بهدوئه المثير للغرابة :
-بجد محصلش أي حاجة ، أنا فطرت وأخدت أدويتي وكل حاجة تمام.
ثم أشار إلى مكان الطاولة :
-وكمان هتلاقي فطارك هناك !
هدأت شمس تدريجيا وهي تتفقده بذهول وقالت متسائلة
-أومال أنا بعمل أيه هنا ؟!
تبسم تميـم بهدوء وصمت للحظات ثم قال :
-يمكن مش مكتوب لي أعيش وحيد طول عمري ، فـ ربنا بعتك هنا ! على الأقل أشوف ناس جديدة .
تصلبت تعابير وجهها وهي تحاول أن تترجم معاني كلماته ولكنها غيرت مجرى الحديث وقالت
-فضلت طول الليل مستنية أخوك عشان يشوف لي حل في الورطة دي بس شكلي سهرت على الفاضي !
رفع حاجبه متسائلا
-محاولتيش تهربي ليه ؟!
طوقت الغرابة عيونها وقالت بدون تفكير :
-بصراحة حاولت ، بس أهرب أزاي من الجيش اللي تحت ، هو أنتوا عليكم تار ؟!
خرج تميـم من هدوئه ضاحكًا بصوت مسموع انجذبت له عيون شمس فلمعت لجمال ضحكته ثم قال ممازحًا :
-أعداءنا كتير ، خافي على نفسك وأهربي .
لحظ أقدام الخوف تُقاسم تفاصيل وجهها ثم قال ضاحكًا :
-متخافيش كدا ، عاصي دويدار مستحيل يسمح لأحد حد يقرب من هنا !
زفرت بضيق وهي تقول بهمس :
-والله ما بقا غير سي عاصي دا هو الكابوس اللي في حياتي !
-طيب وطي صوتك عشان هنا حتى الحيطان ليها ودان !
شهقت شمس بخوف وهي تتساءل
-أنت سمعتني !
أومأ بالموافقة وأغمض جفونه لجزء من الثانية:
-متخافيش سرك في بير .
كان سبب اول ابتسامة ترتسم على وجهها منذ مجيئها إلي هنا ، تحمحمت بخفوت ثم اتبعت في حماس وهي تقول :
-المفروض تقعد فالشمس على الأقل ساعة والجو تحت حلو أوي ، أي رأيك !
-والله لو هتعرفي تقنعي عبلة هانم بالكلام دا ، اتفضلي !
شمس بحيرة :
-يعني أيه ؟!
-ممنوع نزولي تحت !
-ليه؟!
-القوانين كدا ؟!
لم تقتنع شمس بما قاله تمـيم وقالت باعتراض :
-أنا هنا دكتورة ، وأنا اللي احط القوانين اللازمة للمريض بتاعي ، وعلشان كدا بقولك لازم ننزل تحت ، اتفضل من غير مناقشات كتير .
••••••••
في سيارة عاصي الفارهة متجهًا إلي اجتماعه بالوفد الأجنبي ، يجلس يسري أمامه ويقول :
-عبلة هانم كلمتني أمبارح ، وسابت لمعاليك رسالة .
عاصي بفضول
-خير ! عايزه أيه ؟!
-بتأكد على معاليك وبتفكرك بمواعد حفلة بكرة !
قفل عاصي جهاز الحاسوب متأففًا :
-دماغي مش رايقة لدلع عبلة هانم !
يسري بمكر أكمل :
-المهم أنا اطقست وعرفت سبب إصرارها الرهيب على حضورك الحفل ، خاصة لما ربطت دا بكلامها معايا .
طالعه عاصي بعيون منتبه ، فأكمل يسري :
-عبلة هانم هتحطك قدام الأمر الواقع في الحفلة وتعلن فالمايك أن عاصي دويدار هيختار عروسته ، شكل الهانم عايزة تفرح بيك !
رفع حاجبه منكرًا :
-واثقة أوي من نفسها عبلة هانم !
تحمحم يسري وأكمل :
-لازم تكون واثقة ، خاصة لما يكون دا شرطها الوحيد للتنازل عن حصتها عشان معاليك تمسك مجلس الإدارة .
تفهم هنا عاصي خطة أمه وقبض على مربط الموضوع وقال ساخرًا :
-شكلها اتجننت !
نفى يسري سخرية عاصي واستخفافه بـ عبلة وقال :
-يبقي لسه معرفتش الهانم الكبيرة !
انفجر عاصي رافضًا :
-دا اسمه جنان ولعب عيال يا يسري !
قدم له يسري عُلبة التبغ ليهدأ وقال واثقًا من نفسه :
-وأحنا بنحب نلعب ، وبنحب نتسلى كمان !
عاصي بـ شكٍ:
-تقصد أيه !
يسري بثقة عارمة وهو يضع ساق على الأخرى :
-لقيت الحل اللي هيمسكنا عقد الإدارة ، ويخرجك من دماغ عبلة هانم للأبد من غير ما يأثر على رفاهية معاليك !