رواية رحلة الآثام الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم منال سالم
الفصل السابع والثلاثون
(نبتة غير صالحة)
وكأنه كان ينتظر هذا الاقتـــراح منه لينجو من المأزق الحرج الذي وضع فيه، جراء لهثه وراء ما يطفئ لهيب الجسد، دون أن يضع في الحسبان تأثير مثل هذه السلوكيات غير الأخلاقية على نشأة صغيره وتقويم أخلاقه، فعادة حينما يلجأ لمثل هذه الممارسات المتجاوزة كان يهيئ الظروف ويتخذ الاحتياطات اللازمة لضمان الحصول على المتعة الكاملة، لذا هذه المرة ترك "مهاب" لرفيقه مهمة تأديب ابنه بأسلوبٍ شبه صارم. بلا تردد أقبل "ممدوح" عليه، مختطفًا إياه من بين يديه، وكأن الفرصة واتته على طبق من ذهب ليفعل فيه ما يشاء دون أن يردعه رادع، اشتدت قبضته على "أوس"، والأخير يقاومه بضراوة رغم الرعب المسيطر عليه، استوقفهما "مهاب" قبل أن يبتعدا بالسؤال، ونظرته الحادة مرتكزة على طفله:
-هتعمل معاه إيه؟
مبتسمًا بابتسامة لا تضمر خيرًا أجابه مقتضبًا وهو يدير رأسه تجاهه لينظر إليه:
-متقلقش.
بإشارة من إصبعه حذره رفيقه بتشددٍ رغم الضيق المندلع في صدره:
-مش عاوز "تهاني" تعرف باللي حصل!
أكد عليه بهدوءٍ:
-اطمن، دي مراتي، وأنا عارف هسيطر عليها إزاي وأدخل عليها منين.
على عكسه بدا "مهاب" قلقًا ومزعوجًا، فكرر عليه تحذيره بصيغة أخرى:
-مش ناقص مشاكل، وخصوصًا مع "ناريمان"، لأنها لو عرفت آ...
قاطعه قبل أن ينهي كلامه هاتفًا بثقة:
-عيب عليك!
ثم ثبت نظراته الغامضة على الصغير، تلك التي يخفي ورائها كراهية عميقة، وهو يتابع:
-أنا بنفسي هتأكد إن الجميل ده مش هيفتح بؤه نهائي!
ظل ذلك الشعور المزعج يناوش رفيقه، فناداه:
-"ممدوح"!!
حاول "أوس" بكل جهده الإفلات منه، ومع كل مقاومة يبديها لهذا المقيت كانت أصابعه تتصلب وتشد قوة عليه، ليشعر بمدى عجزه حين يجابهه، رفعه "ممدوح" عن الأرضية متجهًا به إلى الخارج وهو يؤكد لرفيقه:
-أنا ليا لي أسلوبي، متقلقش!
..................................................
ارتفعت صرخات الصغير "أوس" وهو يُقاد قسرًا إلى غرفته، بدا "ممدوح" مستمتعًا بأصوات صياحه المستغيث وغير المجدي، ما إن ولج إلى داخل الحجرة حتى ألقاه بغيظٍ على فراشه، ليرتد جسده عليه، تزحف عليه محاولًا الابتعاد عنه؛ لكن لا مهرب له، خاصة بعدما أغلق الباب بالمفتاح ليصبح أسيره.
بحث الصغير بعينيه المرتعبتين عن بقعة يختبئ بها، ومع ذلك ظل متسمرًا في موضعه، يحملق في وجه "ممدوح" الذي اربدت قسماته بعلامات البُغض، واسودت نظراته إليه، فطالعه بنظرة مُميتة، لا تحوي إلا كل ما هو مـــفزع، حين صرخ الصغير مرة أخرى طالبًا النجدة من أبيه، أخرسه غليظ القلب بأمره الصارم:
-ماسمعش حسك!
غريزيًا انطلقت من أعماقه نداءات الاستغاثة بمن كانت تحنو عليه مؤخرًا، خاصة بعدما لم يجد أي جدوى من أبيه، فراح يردد بارتعابٍ:
-ماما، أنا عاوز ماما!
رد عليه باستخفافٍ زاده فزعًا على فزع:
-هنا مافيش ماما، ولا حتى بابا...
لحظتها بدا وكأنه يرى الوجه الحقيقي لذلك الوحش الكاســـر، تبرز أنيابه من فكيه بدلًا من أسنانه، انتفض في رعب مضاعف عندما واصل "ممدوح" تهديده إليه:
-إنت موجود هنا تحت رحمتي!
ارتجف كامل بدنه، ولم يجرؤ على الصراخ، فقد أدرك أن استغاثته بلا جدوى، في اللحظة التي شرد فيها "أوس" غارقًا في تخيلاته المخيفة، كان "ممدوح" قابضًا عليه من كتفه، ضغط على عظامه الهشة بشراسةٍ متعمدًا إيلامه، ثم سدد له نظرة أكثر إرعابًا وهو يهمس له:
-عارف أنا هعمل فيك إيه؟
تراقصت بسمة شيطانية على شفتيه سرعان ما اتسعت لتخيفه وهو يكمل وصلة تهديده:
-زي ما أبوك بيعمل في الخدامة اللي فوق!
ومض عقل "أوس" بلمحات خاطفة ومتداخلة لمشهد المربية شبه العـــارية وهي تصرخ بتأويهات مكتومة، قبل أن يبصرها وهي مقيدة إلى الفراش، تنازع للتحرر من قيدها، بعفوية بريئة حاول الصغير مبادلته التهديد:
-أنا هقول لماما عليك.
ضحك هازئًا منه، ليبتر بعدها ضحكته المستفزة فجأة قائلًا بعدم اكتراث:
-مش هتقدر تعملي برضوه حاجة.
من ثقته الزائدة تيقن الصغير أنه هالك لا محالة، وما دعم ذلك الشعور ما فاه به في صيغة تساؤلية:
-تعرف، الأحسن من ده إيه؟
بلا سؤال نطقت عينا "أوس" بالكثير، فاستغل الفرصة ليميل برأسه حتى يهمس له، وأنفاسه الكريهة تلطم بشرته:
-إني أقطع حتة من جسمك، وتبقى عاجز!
برقت عيناه ارتعابًا، فأضاف على نفس المنوال ليضمن بقائه صامتًا:
-وصدقني محدش هيقدر يمنعني إني أذيـــــك!!
هوى قلبه في موضع قدميه هلعًا من حديثه الذي نجح كليًا في زعزعة عالمه، وإشعاره تمامًا بالوحدة والضعف، خاصة حينما امتدت يده الأخرى لتقبض على ذراعه، حمله بخفة وألقاه على الفراش، قبل أن يثبته ببساطة من صدره بقبضته القاسية، حدجة بنظرة خالية من الحياة، وأمره بلا صرامةٍ:
-اللي شوفته في أوضة أبوك يتنسى، ولا كأنه حصل، مفهوم؟
تخشب الصغير في مكانه كالصنم، وكأنه فقد حتى قدرته على المقاومة، فقد جمده الخوف ورعب الخيالات المفزعة، ليضاعف "ممدوح" من إفزاعه أكثر، قام أيضًا بتهديده علنًا:
-شكلك ما بتفهمش بالكلام بس، إيه رأيك أوريك أنا هعمل إيه فيك؟!
كان على وشك إيهامه بأنه قادر على الاعتداء عليه بدنيًا دون أن يجرؤ أحدهم على منعه من إحداث أدنى أذى به، نظرته، وطريقته، وملامحه الموحية أكدت ذلك بقوة، لحظتها –ومن شدة خوفه- بلل الصغير ثيابه التحتية، معتقدًا أنه سيستأصل قطعة منه، ما أوقفه قبل أن يشرع في تنفيذ ذلك صوت قرع الجرس، نظر إليه مجددًا، قبل أن يرفعه عن الفراش، ويلقيه أرضًا بخشونةٍ قائلًا بابتسامة لئيمة:
-حظك حلو...
انطرح "أوس" أرضًا متأثرًا بالسقطة العنيفة، فضحك "ممدوح" ساخرًا منه، ثم غمز له بطرف عينه متابعًا:
-فلت المرادي مني!
اتجه بعدها إلى باب الغرفة ليفتحه، وقبل أن يخرج استدار برأسه لينذره بنبرة لم يغب عنها العدوان:
-أحسنلك ماشوفكش!
من طريقته الصارمة لم يكن بممازحٍ معه، بمجرد أن انصرف استند "أوس" على مرفقيه لينهض، ثم هرول نحو الدولاب ليفتح ضلفته، اختبأ داخله، وهو بالكاد يحاول السيطرة على الرجفة العظيمة التي انتابته، كل ما كان يفكر فيه آنئذ ألا تطاله يد هذا الوضيع وتصيبه بالضرر.
..................................................
الأصوات المرتفعة خارج الغرفة تداخلت وأصبحت غير واضحة ليتمكن من فهم ما يدور من مخبأه شبه المعلوم، استطاع "أوس" أن يميز نبرة والدته عندما أصبح قريبًا، أرهف السمع أكثر، فوصل إليه صوتها اللائم والغاضب:
-وطبعًا إنت كمان معاه، ما هو صاحبك!
تجرأ ليدفع الضلفة برويةٍ وحذر، واختلس النظرات من الفرجة الصغيرة المواربة، طاف بنظره محاولًا تبين أين تقف، تصلب وجفت دمائه عندما وقعت عيناه على "ممدوح" الذي تعلل بكذبه المعتاد:
-أنا جاي أجيب ابنك.
واجهته "تهاني" بغير اقتناعٍ وهي لا تزال على استهجانها المستنكر:
-والمفروض أصدق؟
لمحه وهو يضع يده على جانب ذراعها، كنوعٍ من إظهار الودية لها، واستطرد قائلًا:
-براحتك.
أبعدت يده عنها، وسألته في تحفزٍ:
-و"ناريمان" عندها خبر باللي بيعمله "مهاب"؟
كتم "أوس" شهقة مرتعبة عندما أمسك به "ممدوح" وهو ينظر إليه من فرجة الدولاب، وقتئذ تراجع ملتصقًا بظهره في اللوح الخشبي، ومتجنبًا نظراته المخيفة، ليختفي في الظلام المحيط به، ومع ذلك شعر بأنه محاصر منه، مرة أخرى ارتفعت نبرة صوت "تهاني" الغاضبة وهي تتكلم:
-ولا تلاقيها لسه على عماها مش دريانة بحقيقته.
تمكن من سماع وقع كعبي حذائها وهي تتحرك داخل الغرفة، ليأتيه بعد ذلك صوت "ممدوح" القائل:
-مايخصناش اللي بينهم.
بدت والدته متحفزة للغاية، رافضة لما يجري، فاستمرت على عنادها المهدد:
-طالما هو مرعاش ابنه، ومصمم يعمل قلة الأدب دي وهو موجود عنده، فأنا مش هسكت.
أحس "أوس" بقدرٍ من الطمأنينة لإصرارها على كشف الحقائق، وإن كانت دنسة وملوثة بالموبقات. لم يبدُ "ممدوح" راضيًا عما تنتوي فعله، وصاح بها:
-"تهاني"!
أصرت على قرارها هاتفة:
-أبوه هيفضل زي ما هو، عمره ما هيتغير حتى لو اتجوز مين!
أمسك بها من ذراعها راجيًا إياها:
-اسمعيني بس.
تلوت بذراعها محاولة تخليصه من قبضته وهي تصيح:
-سيبني.
وقتئذ عاود "أوس" النظر من الفرجة الصغيرة للضلفة، متوهمًا أن والدته تتشاجر مع زوجها القميء، رآه وهو يسحبها نحو الفراش متحدثًا إليها في نبرة مالت للخبث:
-تعالي بس.
اتسعت عيناه عندما وجده ينهال عليها بقبلٍ نهمة، جائعة، محفزة للحواس، وموقظة للمشاعر الكامنة، بالكاد تمكنت "تهاني" من إبعاد شفتيه عنها لتلتقط أنفاسها، وهتفت في توترٍ مرتبك:
-إنت بتعمل إيه؟، الكلام ده مش هنا!
وكأن في تمنعها عليه دعوة خفية للاقتراب منها أكثر بحميمية جامحة، فضمها إليه ليعانقها، ثم حاوطها بذراعيه لتصبح أسيرته، كان متيقنًا أن ابنها يتابعهما، لهذا تعمد استثارة أعصابه بإظهار مدى هيمنته على والدته، أغرقها بالمزيد من القبل العنيفة، ليخبرها بنبرة أجاد بها اللعب على أوتار عواطفها الساذجة:
-بقولك وحشتيني.
امتقع وجه الصغير واشمئزت تعابيره رغم اختفائها في الظلام، وما زاد من شعوره بالغثيان والنفور هو تجاوبها معه بلا عناء. ترقرقت نبرتها الحادة لتصبح أقرب للهمس وهي تناديه:
-"ممدوح"!
لم يكف عن حصارها بما يجيد فعله، ليتبدد غضبها ويصبح القلق من احتمالية كشف أمرهما، ارتجفت نبرتها وهي تخاطبه:
-إنت ناسي، "مهاب" موجود هنا!
رد بغير مبالاة:
-وإيه يعني؟ مش مراتي حبيبتي، وبعدين هو يعني راحم نفسه، ما هو قاعد يحب جوا وبرا وفي كل حتة.
ضحكت في دلال مما أغاظ الصغير المختبئ، فتوقف عن مشاهدة عاصفة الحب التي هبت فجأة بينهما، فكيف لها أن تنساق وراء أكاذيبه المضلة بهذه السهولة، وكأنه صاحب السطوة والسلطة عليها، أين اختفى غضبها؟ ولماذا تراجعت عن انتقامها؟ سد أذنيه لئلا يصله أي أصواتٍ غريبة جراء، فقط تبين اسمه في سؤال بدا بالنسبة له عابرًا وغير ضروري:
-طب و"أوس"؟ أنا مش شايفاه.
تعمد رفع صوت ضحكته قبل أن يجيبها بمكرٍ:
-اطمني، هو في الحفظ والصون.
مما عايشه في موضع اختبائه، بدأت مداركه المحدودة في الاستعداد لاستيعاب مفهوم جديد عليه، بصورة غير صحيحة، يتمثل في وجود لذة مرضية وغريبة، تتلخص في فرض القوة والهيمنة على الآخرين، خاصة الضعفاء والمفتقرين إلى حرية الاختيار، وكأنهم لا يملكون مصائرهم إلا بإشارة ممن يتسيدهم.
.................................................
كانت ثمة ما يؤرقها طوال الأيام الماضية، فأصبحت أكثر اضطرابًا وتوترًا، وللسيطرة على ما ينتابها من هواجس وخواطر، قررت الذهاب إلى الطبيب النسائي لعرض حالتها عليه. أثناء انتظارها بعيادته، استحضرت في ذاكرتها تفاصيل لقائها بـ "مهاب" أثناء مراسم الاحتفال بالشراكة مع أبيها، وقتئذ كانت تعاني من بعض الأعراض الطفيفة، ولفت انتباهها إلى ذلك من خلال محادثته اللطيفة معها؛ لكنها ظنت أنها محاولة سخيفة منه للتودد إليها، فتجاهلته، وتغاضت عن شعور الألم الذي كان يناوشها من آن لآخر، لتذهب بعد وقت إلى أحد الأطباء، فشخص ما تمر به في معاناتها من القولون العصبي، والذي يحتاج إلى عدة إجراءات لتجنب أعراضه، ومع زيادة حدة الوجع تم احتجازها بالمشفى ليصارحها الطبيب المنوط بمتابعة حالتها بوجود مشكلة عويصة في رحمها، فتم استدعاء "مهاب" على وجه السرعة لمراجعة ملفها الطبي، وبحضور والدها رجل الأعمال والطبيب المخضرم سابقًا.
على نحو يثير الذعر، صرخت "ناريمان" في هياج محتجة على ما آلم بها:
-اشمعنى أنا؟
حاول السيد "شوقي" تهدئتها، فمسح على جبينها متوسلًا إياها:
-حبيبتي، دي إرادة ربنا، كل حاجة هتتحل، إنتي قوية، وهتقدري تعدي أي محنة.
امتزج صوتها بنهنهات بكائها الحادة:
-ده مستقبلي، يعني ممكن أتحرم من أغلى حاجة!
رد عليها بتعقلٍ لتقبل بنصيحته:
-اطمني، حتى لو ده حصل، ففي بدائل تانية...
ثم التفت بوجهه ناظرًا إلى الواقف بجواره قبل أن يخاطبه على وجه الخصوص:
-وبعدين الدكتور "مهاب" موجود معانا، وده من أشطر الجراحين.
تكلم الطبيب الآخر المتواجد بالغرفة في نبرة عملية جادة:
-استئصال الرحم في حالتك مهم، وإلا آ...
قاطعه "مهاب" في صوتٍ مماثل له في جديةٍ؛ لكنه أكثر حزمًا وحسمًا:
-احنا لازم نعيد التحاليل والإشاعات تاني، مافيش داعي نعمل حاجة باستعجال، طالما لسه الوقت في صالحنا.
وكأنه نجح في اجتذاب انتباهها بكلماته المنتقاة بعناية، تطلع إليها باسمًا وهو يخبرها:
-مش عايزك تقلقي، إنتي في إيد أمينة.
آنئذ اطمأن "شوقي" لوجوده، وأحس بموجة من الارتياح تتدفق إلى داخله المضطرب بمتابعته الجادة لحالتها الحرجة، مرة أخرى تكلم "مهاب" في هدوءٍ ماكر:
-وأنا مش هسيبك، هفضل جمبك لحظة بلحظة.
أنهى جملته ويد قد امتدت بجراءة منقطعة النظير ليمسك بكفها ويحتضنه، نظرت "ناريمان" من بين دموعها المنسابة بغزارة إلى ما يفعل، وحملقت فيه وهو يخاطبها:
-وصدقيني اللي جاي هيكون أحسن بكتير.
عصفت بها مشاعر الخوف، فاستل يدها من كفه، وتشبثت برأيها في عنادٍ أكبر:
-مش هعمل العملية مهما حصل!
نفضة خفيفة أعادت "ناريمان" إلى أرض الواقع نتيجة الصوت المنادي باسمها، فقد حان موعد لقائها بالطبيب بعد انتظار لا تعرف إلى متى استمر. اتجهت إلى حيث أشارت لها الممرضة، فاستقبلها الطبيب بترحابٍ، جلست في مواجهته، واستفسرت منه عن نتائج الاختبارات الطبية التي أجرتها بناءً على طلبه بعد تشخيصه السابق لها، سألته في تلهفٍ مترقب متوقعة أن تكون بالأوراق البشرى السارة:
-ها يا دكتور، أنا حامل صح؟
نكس رأسه في شيءٍ من الحرج، وقال بترددٍ:
-مش عارف أقولك إيه يا هانم.
استشعرت من طريقته المريبة وجود خطب ما، خاصة مع تجنب النظر ناحيتها، انقبض قلبها وهي تسأله:
-هو في حاجة؟
فرك بيده جبينه، ولاذ بالصمت لعدة ثوانٍ كانت بالنسبة لها الأطول، إلى أن استجمع جأشه ليخبرها بوضوحٍ:
-صعب يا هانم تكوني حامل، لأن مافيش عندك رحم ....................................... !!
(نبتة غير صالحة)
وكأنه كان ينتظر هذا الاقتـــراح منه لينجو من المأزق الحرج الذي وضع فيه، جراء لهثه وراء ما يطفئ لهيب الجسد، دون أن يضع في الحسبان تأثير مثل هذه السلوكيات غير الأخلاقية على نشأة صغيره وتقويم أخلاقه، فعادة حينما يلجأ لمثل هذه الممارسات المتجاوزة كان يهيئ الظروف ويتخذ الاحتياطات اللازمة لضمان الحصول على المتعة الكاملة، لذا هذه المرة ترك "مهاب" لرفيقه مهمة تأديب ابنه بأسلوبٍ شبه صارم. بلا تردد أقبل "ممدوح" عليه، مختطفًا إياه من بين يديه، وكأن الفرصة واتته على طبق من ذهب ليفعل فيه ما يشاء دون أن يردعه رادع، اشتدت قبضته على "أوس"، والأخير يقاومه بضراوة رغم الرعب المسيطر عليه، استوقفهما "مهاب" قبل أن يبتعدا بالسؤال، ونظرته الحادة مرتكزة على طفله:
-هتعمل معاه إيه؟
مبتسمًا بابتسامة لا تضمر خيرًا أجابه مقتضبًا وهو يدير رأسه تجاهه لينظر إليه:
-متقلقش.
بإشارة من إصبعه حذره رفيقه بتشددٍ رغم الضيق المندلع في صدره:
-مش عاوز "تهاني" تعرف باللي حصل!
أكد عليه بهدوءٍ:
-اطمن، دي مراتي، وأنا عارف هسيطر عليها إزاي وأدخل عليها منين.
على عكسه بدا "مهاب" قلقًا ومزعوجًا، فكرر عليه تحذيره بصيغة أخرى:
-مش ناقص مشاكل، وخصوصًا مع "ناريمان"، لأنها لو عرفت آ...
قاطعه قبل أن ينهي كلامه هاتفًا بثقة:
-عيب عليك!
ثم ثبت نظراته الغامضة على الصغير، تلك التي يخفي ورائها كراهية عميقة، وهو يتابع:
-أنا بنفسي هتأكد إن الجميل ده مش هيفتح بؤه نهائي!
ظل ذلك الشعور المزعج يناوش رفيقه، فناداه:
-"ممدوح"!!
حاول "أوس" بكل جهده الإفلات منه، ومع كل مقاومة يبديها لهذا المقيت كانت أصابعه تتصلب وتشد قوة عليه، ليشعر بمدى عجزه حين يجابهه، رفعه "ممدوح" عن الأرضية متجهًا به إلى الخارج وهو يؤكد لرفيقه:
-أنا ليا لي أسلوبي، متقلقش!
..................................................
ارتفعت صرخات الصغير "أوس" وهو يُقاد قسرًا إلى غرفته، بدا "ممدوح" مستمتعًا بأصوات صياحه المستغيث وغير المجدي، ما إن ولج إلى داخل الحجرة حتى ألقاه بغيظٍ على فراشه، ليرتد جسده عليه، تزحف عليه محاولًا الابتعاد عنه؛ لكن لا مهرب له، خاصة بعدما أغلق الباب بالمفتاح ليصبح أسيره.
بحث الصغير بعينيه المرتعبتين عن بقعة يختبئ بها، ومع ذلك ظل متسمرًا في موضعه، يحملق في وجه "ممدوح" الذي اربدت قسماته بعلامات البُغض، واسودت نظراته إليه، فطالعه بنظرة مُميتة، لا تحوي إلا كل ما هو مـــفزع، حين صرخ الصغير مرة أخرى طالبًا النجدة من أبيه، أخرسه غليظ القلب بأمره الصارم:
-ماسمعش حسك!
غريزيًا انطلقت من أعماقه نداءات الاستغاثة بمن كانت تحنو عليه مؤخرًا، خاصة بعدما لم يجد أي جدوى من أبيه، فراح يردد بارتعابٍ:
-ماما، أنا عاوز ماما!
رد عليه باستخفافٍ زاده فزعًا على فزع:
-هنا مافيش ماما، ولا حتى بابا...
لحظتها بدا وكأنه يرى الوجه الحقيقي لذلك الوحش الكاســـر، تبرز أنيابه من فكيه بدلًا من أسنانه، انتفض في رعب مضاعف عندما واصل "ممدوح" تهديده إليه:
-إنت موجود هنا تحت رحمتي!
ارتجف كامل بدنه، ولم يجرؤ على الصراخ، فقد أدرك أن استغاثته بلا جدوى، في اللحظة التي شرد فيها "أوس" غارقًا في تخيلاته المخيفة، كان "ممدوح" قابضًا عليه من كتفه، ضغط على عظامه الهشة بشراسةٍ متعمدًا إيلامه، ثم سدد له نظرة أكثر إرعابًا وهو يهمس له:
-عارف أنا هعمل فيك إيه؟
تراقصت بسمة شيطانية على شفتيه سرعان ما اتسعت لتخيفه وهو يكمل وصلة تهديده:
-زي ما أبوك بيعمل في الخدامة اللي فوق!
ومض عقل "أوس" بلمحات خاطفة ومتداخلة لمشهد المربية شبه العـــارية وهي تصرخ بتأويهات مكتومة، قبل أن يبصرها وهي مقيدة إلى الفراش، تنازع للتحرر من قيدها، بعفوية بريئة حاول الصغير مبادلته التهديد:
-أنا هقول لماما عليك.
ضحك هازئًا منه، ليبتر بعدها ضحكته المستفزة فجأة قائلًا بعدم اكتراث:
-مش هتقدر تعملي برضوه حاجة.
من ثقته الزائدة تيقن الصغير أنه هالك لا محالة، وما دعم ذلك الشعور ما فاه به في صيغة تساؤلية:
-تعرف، الأحسن من ده إيه؟
بلا سؤال نطقت عينا "أوس" بالكثير، فاستغل الفرصة ليميل برأسه حتى يهمس له، وأنفاسه الكريهة تلطم بشرته:
-إني أقطع حتة من جسمك، وتبقى عاجز!
برقت عيناه ارتعابًا، فأضاف على نفس المنوال ليضمن بقائه صامتًا:
-وصدقني محدش هيقدر يمنعني إني أذيـــــك!!
هوى قلبه في موضع قدميه هلعًا من حديثه الذي نجح كليًا في زعزعة عالمه، وإشعاره تمامًا بالوحدة والضعف، خاصة حينما امتدت يده الأخرى لتقبض على ذراعه، حمله بخفة وألقاه على الفراش، قبل أن يثبته ببساطة من صدره بقبضته القاسية، حدجة بنظرة خالية من الحياة، وأمره بلا صرامةٍ:
-اللي شوفته في أوضة أبوك يتنسى، ولا كأنه حصل، مفهوم؟
تخشب الصغير في مكانه كالصنم، وكأنه فقد حتى قدرته على المقاومة، فقد جمده الخوف ورعب الخيالات المفزعة، ليضاعف "ممدوح" من إفزاعه أكثر، قام أيضًا بتهديده علنًا:
-شكلك ما بتفهمش بالكلام بس، إيه رأيك أوريك أنا هعمل إيه فيك؟!
كان على وشك إيهامه بأنه قادر على الاعتداء عليه بدنيًا دون أن يجرؤ أحدهم على منعه من إحداث أدنى أذى به، نظرته، وطريقته، وملامحه الموحية أكدت ذلك بقوة، لحظتها –ومن شدة خوفه- بلل الصغير ثيابه التحتية، معتقدًا أنه سيستأصل قطعة منه، ما أوقفه قبل أن يشرع في تنفيذ ذلك صوت قرع الجرس، نظر إليه مجددًا، قبل أن يرفعه عن الفراش، ويلقيه أرضًا بخشونةٍ قائلًا بابتسامة لئيمة:
-حظك حلو...
انطرح "أوس" أرضًا متأثرًا بالسقطة العنيفة، فضحك "ممدوح" ساخرًا منه، ثم غمز له بطرف عينه متابعًا:
-فلت المرادي مني!
اتجه بعدها إلى باب الغرفة ليفتحه، وقبل أن يخرج استدار برأسه لينذره بنبرة لم يغب عنها العدوان:
-أحسنلك ماشوفكش!
من طريقته الصارمة لم يكن بممازحٍ معه، بمجرد أن انصرف استند "أوس" على مرفقيه لينهض، ثم هرول نحو الدولاب ليفتح ضلفته، اختبأ داخله، وهو بالكاد يحاول السيطرة على الرجفة العظيمة التي انتابته، كل ما كان يفكر فيه آنئذ ألا تطاله يد هذا الوضيع وتصيبه بالضرر.
..................................................
الأصوات المرتفعة خارج الغرفة تداخلت وأصبحت غير واضحة ليتمكن من فهم ما يدور من مخبأه شبه المعلوم، استطاع "أوس" أن يميز نبرة والدته عندما أصبح قريبًا، أرهف السمع أكثر، فوصل إليه صوتها اللائم والغاضب:
-وطبعًا إنت كمان معاه، ما هو صاحبك!
تجرأ ليدفع الضلفة برويةٍ وحذر، واختلس النظرات من الفرجة الصغيرة المواربة، طاف بنظره محاولًا تبين أين تقف، تصلب وجفت دمائه عندما وقعت عيناه على "ممدوح" الذي تعلل بكذبه المعتاد:
-أنا جاي أجيب ابنك.
واجهته "تهاني" بغير اقتناعٍ وهي لا تزال على استهجانها المستنكر:
-والمفروض أصدق؟
لمحه وهو يضع يده على جانب ذراعها، كنوعٍ من إظهار الودية لها، واستطرد قائلًا:
-براحتك.
أبعدت يده عنها، وسألته في تحفزٍ:
-و"ناريمان" عندها خبر باللي بيعمله "مهاب"؟
كتم "أوس" شهقة مرتعبة عندما أمسك به "ممدوح" وهو ينظر إليه من فرجة الدولاب، وقتئذ تراجع ملتصقًا بظهره في اللوح الخشبي، ومتجنبًا نظراته المخيفة، ليختفي في الظلام المحيط به، ومع ذلك شعر بأنه محاصر منه، مرة أخرى ارتفعت نبرة صوت "تهاني" الغاضبة وهي تتكلم:
-ولا تلاقيها لسه على عماها مش دريانة بحقيقته.
تمكن من سماع وقع كعبي حذائها وهي تتحرك داخل الغرفة، ليأتيه بعد ذلك صوت "ممدوح" القائل:
-مايخصناش اللي بينهم.
بدت والدته متحفزة للغاية، رافضة لما يجري، فاستمرت على عنادها المهدد:
-طالما هو مرعاش ابنه، ومصمم يعمل قلة الأدب دي وهو موجود عنده، فأنا مش هسكت.
أحس "أوس" بقدرٍ من الطمأنينة لإصرارها على كشف الحقائق، وإن كانت دنسة وملوثة بالموبقات. لم يبدُ "ممدوح" راضيًا عما تنتوي فعله، وصاح بها:
-"تهاني"!
أصرت على قرارها هاتفة:
-أبوه هيفضل زي ما هو، عمره ما هيتغير حتى لو اتجوز مين!
أمسك بها من ذراعها راجيًا إياها:
-اسمعيني بس.
تلوت بذراعها محاولة تخليصه من قبضته وهي تصيح:
-سيبني.
وقتئذ عاود "أوس" النظر من الفرجة الصغيرة للضلفة، متوهمًا أن والدته تتشاجر مع زوجها القميء، رآه وهو يسحبها نحو الفراش متحدثًا إليها في نبرة مالت للخبث:
-تعالي بس.
اتسعت عيناه عندما وجده ينهال عليها بقبلٍ نهمة، جائعة، محفزة للحواس، وموقظة للمشاعر الكامنة، بالكاد تمكنت "تهاني" من إبعاد شفتيه عنها لتلتقط أنفاسها، وهتفت في توترٍ مرتبك:
-إنت بتعمل إيه؟، الكلام ده مش هنا!
وكأن في تمنعها عليه دعوة خفية للاقتراب منها أكثر بحميمية جامحة، فضمها إليه ليعانقها، ثم حاوطها بذراعيه لتصبح أسيرته، كان متيقنًا أن ابنها يتابعهما، لهذا تعمد استثارة أعصابه بإظهار مدى هيمنته على والدته، أغرقها بالمزيد من القبل العنيفة، ليخبرها بنبرة أجاد بها اللعب على أوتار عواطفها الساذجة:
-بقولك وحشتيني.
امتقع وجه الصغير واشمئزت تعابيره رغم اختفائها في الظلام، وما زاد من شعوره بالغثيان والنفور هو تجاوبها معه بلا عناء. ترقرقت نبرتها الحادة لتصبح أقرب للهمس وهي تناديه:
-"ممدوح"!
لم يكف عن حصارها بما يجيد فعله، ليتبدد غضبها ويصبح القلق من احتمالية كشف أمرهما، ارتجفت نبرتها وهي تخاطبه:
-إنت ناسي، "مهاب" موجود هنا!
رد بغير مبالاة:
-وإيه يعني؟ مش مراتي حبيبتي، وبعدين هو يعني راحم نفسه، ما هو قاعد يحب جوا وبرا وفي كل حتة.
ضحكت في دلال مما أغاظ الصغير المختبئ، فتوقف عن مشاهدة عاصفة الحب التي هبت فجأة بينهما، فكيف لها أن تنساق وراء أكاذيبه المضلة بهذه السهولة، وكأنه صاحب السطوة والسلطة عليها، أين اختفى غضبها؟ ولماذا تراجعت عن انتقامها؟ سد أذنيه لئلا يصله أي أصواتٍ غريبة جراء، فقط تبين اسمه في سؤال بدا بالنسبة له عابرًا وغير ضروري:
-طب و"أوس"؟ أنا مش شايفاه.
تعمد رفع صوت ضحكته قبل أن يجيبها بمكرٍ:
-اطمني، هو في الحفظ والصون.
مما عايشه في موضع اختبائه، بدأت مداركه المحدودة في الاستعداد لاستيعاب مفهوم جديد عليه، بصورة غير صحيحة، يتمثل في وجود لذة مرضية وغريبة، تتلخص في فرض القوة والهيمنة على الآخرين، خاصة الضعفاء والمفتقرين إلى حرية الاختيار، وكأنهم لا يملكون مصائرهم إلا بإشارة ممن يتسيدهم.
.................................................
كانت ثمة ما يؤرقها طوال الأيام الماضية، فأصبحت أكثر اضطرابًا وتوترًا، وللسيطرة على ما ينتابها من هواجس وخواطر، قررت الذهاب إلى الطبيب النسائي لعرض حالتها عليه. أثناء انتظارها بعيادته، استحضرت في ذاكرتها تفاصيل لقائها بـ "مهاب" أثناء مراسم الاحتفال بالشراكة مع أبيها، وقتئذ كانت تعاني من بعض الأعراض الطفيفة، ولفت انتباهها إلى ذلك من خلال محادثته اللطيفة معها؛ لكنها ظنت أنها محاولة سخيفة منه للتودد إليها، فتجاهلته، وتغاضت عن شعور الألم الذي كان يناوشها من آن لآخر، لتذهب بعد وقت إلى أحد الأطباء، فشخص ما تمر به في معاناتها من القولون العصبي، والذي يحتاج إلى عدة إجراءات لتجنب أعراضه، ومع زيادة حدة الوجع تم احتجازها بالمشفى ليصارحها الطبيب المنوط بمتابعة حالتها بوجود مشكلة عويصة في رحمها، فتم استدعاء "مهاب" على وجه السرعة لمراجعة ملفها الطبي، وبحضور والدها رجل الأعمال والطبيب المخضرم سابقًا.
على نحو يثير الذعر، صرخت "ناريمان" في هياج محتجة على ما آلم بها:
-اشمعنى أنا؟
حاول السيد "شوقي" تهدئتها، فمسح على جبينها متوسلًا إياها:
-حبيبتي، دي إرادة ربنا، كل حاجة هتتحل، إنتي قوية، وهتقدري تعدي أي محنة.
امتزج صوتها بنهنهات بكائها الحادة:
-ده مستقبلي، يعني ممكن أتحرم من أغلى حاجة!
رد عليها بتعقلٍ لتقبل بنصيحته:
-اطمني، حتى لو ده حصل، ففي بدائل تانية...
ثم التفت بوجهه ناظرًا إلى الواقف بجواره قبل أن يخاطبه على وجه الخصوص:
-وبعدين الدكتور "مهاب" موجود معانا، وده من أشطر الجراحين.
تكلم الطبيب الآخر المتواجد بالغرفة في نبرة عملية جادة:
-استئصال الرحم في حالتك مهم، وإلا آ...
قاطعه "مهاب" في صوتٍ مماثل له في جديةٍ؛ لكنه أكثر حزمًا وحسمًا:
-احنا لازم نعيد التحاليل والإشاعات تاني، مافيش داعي نعمل حاجة باستعجال، طالما لسه الوقت في صالحنا.
وكأنه نجح في اجتذاب انتباهها بكلماته المنتقاة بعناية، تطلع إليها باسمًا وهو يخبرها:
-مش عايزك تقلقي، إنتي في إيد أمينة.
آنئذ اطمأن "شوقي" لوجوده، وأحس بموجة من الارتياح تتدفق إلى داخله المضطرب بمتابعته الجادة لحالتها الحرجة، مرة أخرى تكلم "مهاب" في هدوءٍ ماكر:
-وأنا مش هسيبك، هفضل جمبك لحظة بلحظة.
أنهى جملته ويد قد امتدت بجراءة منقطعة النظير ليمسك بكفها ويحتضنه، نظرت "ناريمان" من بين دموعها المنسابة بغزارة إلى ما يفعل، وحملقت فيه وهو يخاطبها:
-وصدقيني اللي جاي هيكون أحسن بكتير.
عصفت بها مشاعر الخوف، فاستل يدها من كفه، وتشبثت برأيها في عنادٍ أكبر:
-مش هعمل العملية مهما حصل!
نفضة خفيفة أعادت "ناريمان" إلى أرض الواقع نتيجة الصوت المنادي باسمها، فقد حان موعد لقائها بالطبيب بعد انتظار لا تعرف إلى متى استمر. اتجهت إلى حيث أشارت لها الممرضة، فاستقبلها الطبيب بترحابٍ، جلست في مواجهته، واستفسرت منه عن نتائج الاختبارات الطبية التي أجرتها بناءً على طلبه بعد تشخيصه السابق لها، سألته في تلهفٍ مترقب متوقعة أن تكون بالأوراق البشرى السارة:
-ها يا دكتور، أنا حامل صح؟
نكس رأسه في شيءٍ من الحرج، وقال بترددٍ:
-مش عارف أقولك إيه يا هانم.
استشعرت من طريقته المريبة وجود خطب ما، خاصة مع تجنب النظر ناحيتها، انقبض قلبها وهي تسأله:
-هو في حاجة؟
فرك بيده جبينه، ولاذ بالصمت لعدة ثوانٍ كانت بالنسبة لها الأطول، إلى أن استجمع جأشه ليخبرها بوضوحٍ:
-صعب يا هانم تكوني حامل، لأن مافيش عندك رحم ....................................... !!