رواية غيبيات تمر بالعشق الفصل الثاني 2 بقلم مروة البطراوي
الفصل الثانى
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
أصبح المصنع مكانًا مألوفًا لديها خصوصًا هذا الركن الذي تعشقه ألا وهو المعمل. تعتبر المعمل مكان تبتعد فيه عن الأخرين فيما عدا صديقتها التي تنير عتمة أيامها نورا الاسم الذي على مسمى. استطاعت في خلال أسبوع أن تنجز أكبر قدر من تركيبات العطور الطبيعية تتذكر رغبتها في تحضير رسالة الدكتوراه والتي منعها عنها قصي لإدعائه الحب وغيرته عليها. تفكر هل من الممكن أن تفعلها لو جمعت بعض المال بدلًا من أن تفتح مصنع خاص بها أن تستكمل مسيرتها الدراسية. ثلاث سنوات بائت بزواج فاشل ضيعت فيهم عمرها وكرامتها، والأخير تم الطلاق والذي تم مثل الذبح البارد هي فقط تحتاج إلى التركيز في عملها ونسيان الماضي. شردت في أحلامها التي تحطمت والتي كانت تتمثل في وجود صغار لها في منزلها مع حبيبها حلم بات مستحيلًا وكان مقابل تحطمه لها المزيد من القسوة التي لم تستطع تحملها كانوا يريدون منها شيئًا مستحيلًا. لعنت ذلك اليوم الذي تعرفت عليه في الجامعة وصاحبته ثم تحولت صحبتهم إلى عشق. أنتبهت نورا على شرودها فربتت على كتفيها قائلة : ريحانة أنتِ مزهقتيش من الشغل هنا. أنا بصراحة زهقت المكان هنا هادي أوي أنا عايزة ناس أتكلم معاها وأنت طول الوقت غرقانة في شغلك.
هزت ريحانة رأسها بيأس قائلة بلوم : أنت لازم تزهقي، بس في حاجة أنتِ لو زهقتي ممكن ترجعي تقعدي في البيت تاني أنت مش محتاجة. إنما أنا محتاجة، أنا قدامي طموح ولازم أحققه.
لوت نورا شفتيها قائلة : ما أنا قلتلك مقدرش أسيبك..وأنا شغالة علشانك بس أمر المصنع ده مريب..يعني المصنع الطويل العريض ده مش فيه غير اتنين كيميائيين بس؟
تحدثت ريحانة بثقة قائلة : ولا مريب ولا حاجة أنا كده مبسوطة. أنا مش بحب حد يتمريس عليا وبعدين كل التقارير اللي بتطلع بناخد عليها ممتاز..ايه اللي قلقك بقا؟
زمت نورا شفتيها قائلة : ريحانة أنتِ مش قلقانة من ساعه ما شفت زيدان هنا، وبصراحة ده كان خارج من مكتب أنا عرفت مين صاحبه طلع الكيميائي اللي بنسلمه التقارير.
قطبت ريحانة جبينها قائلة : اه قصدك ماجد طب وايه يعني وبعدين ماجد ده إنسان محترم ايه اللي يعرفه بواحد زي زيدان بقولك ايه يا نورا فكك من التخاريف دي يمكن واحد شبهه.
هزت نورا رأسها باستسلام واستكملت عملها ولكن الواضح أنه جائت اشارة البدء فقد صبر زيدان كثيرًا لابد من الكشف عن نفسه تحدث إلى ماجد ليستدعيها فهاتفها ماجد لجلب التقارير الجديدة وسرعان ما خلعت معطفها وظبطت ثيابها التي كانت عبارة عن فستان طويل وبأكمام طويلة باللون البنفسجي دلفت إلى مكتب ماجد لتجده يدير ظهره إليها جالسًا على كرسيه الوثير رفعت حاجبيها باندهاش واستغربت فعلته فهو دائما ينتظر ويقف لها احترامًا فتنحنحت قائلة : دكتور ماجد اتفضل التقارير.
ظل دون رد لتقطب جبينها وتسأله بتوجس قائلة : حضرتك سامعني؟
ابتسم زيدان بخبث وهو موليًا ظهره لها ليتنهد بعمق كمن وصل لمبتغاه ويرد عليها بصوته الماكر الذي طالما سمعته من قبل وضايقها بطبقاته المختلفة كثيرًا ليتحدث بسخرية قائلًا : ايه ده أنتِ اللي جايبه التقارير بنفسك؟
ثم صمت لتستوعب الصدمة وردد بحروف مفعمة بالاستهزاء قائلًا : طب كنتي ابعتي نورا على الأقل حلوة ولسه مدخلتش دنيا ومناسبة لماجد.
ثم استدار بأريحية قائلًا وهو يتفرس ملامحها بدقة : إنما أنتِ ما صدقتي تيجي جري بناء على ايه؟
ثم ابتسم بخبث قائلًا : ايه ناويه تجربي حظك تاني؟
وضعت يدها على قلبها الذي تسارعت دقاته من سماع هذا الصوت البغيض لكنه لم يكتفي بصوته بل تنقل ببصره ينظر إليها بجمود قائلًا : أنت مطلقة وعاقر وفرصتك في الحاجات دي قليلة.
ثم هز رأسه بلهجة آمرة وقال : سيبي غيرك يقلب عيشه وأنتِ كمان فكري صح ومسيرك يبقا عندك فرصة تعوضي بيها حرمانك من حاجات كتير ضاعت منك.
تحرك صدرها علوًا وهبوطًا تود الرد عليه ولكن اختنقت الكلمات وانحشرت في حلقها ليدلف ماجد قائلًا بسماجة : أنا أسف يا مدام ريحانة أسف مرة تانية. دكتورة ريحانة كلنا هنا تحت أمر زيدان باشا وأنتِ مش بتخرجي من المعمل وكان لازم تعرفي مين صاحب المصنع.
نهض زيدان ليقف أمام مكتبه متكأ بقبضه يده عليه قائلًا : أناصاحب المصنع اللي أنتِ شغالة فيه يا دكتورة.
اتسعت حدقتيها ليبتسم بشماتة قائلًا : أومال (ز& ر) دي معناها ايه معناها زيدان صاحب مصنع زهرة الريحان.
ثم تنفس بعمق قائلًا : وعلى فكرة عطر الريحان اللي بتصنعيه رهيب بحييكي عليه.
التفتت جانبًا لترى ماجد قائلًا بصوت ماكر : يعني أنا هنا زي زيك بالظبط، بس بصراحة أنتِ بشهادة زيدان باشا تفوقتي عليا احنا شويه شويه هنعمل ماركة عالمية بسبب تحضيراتك.
خرجت من صمتها وارتفع صوتها قائلة : تبقى نورا عندها حق لما شافتك وأكدت لي إنك خارج من عند ماجد.
ثم حسمت أمرها قائلة : طب تمام شكرًا على الأسبوع اللطيف اللي قضيته هنا في المصنع وأعتقد إن مكنتش مؤثرة .
ثم رفعت أكتافها بفخر قائلة : عطر الريحان ده نقطة في بحر تركيباتي.
أشار زيدان لماجد لكي يخرج حتى أنها أنتبهت وظلت تنظر إليه بعيون الصقر الجريح منتظرة رد على حديثها فأخرج من درج مكتبه عقدها واستدار حول مكتبه ليقف في مقابلتها قائلًا بثقة : كل حاجة في العقد ده أنت موافقة عليها وبإمضائك هتفضلي ماسكة المعمل لمدة تلات سنين.
شهقت ريحانة فتعالت ضحكاته قائلًا :هههه زي مدة جوازك من قصي.
هزت رأسها غير مصدقة تشعر أنها وضعت في موقف تمثيلي ليحذرها قائلًا : ولو سبتي المعمل غرامه نص مليون جنيه ولو وافقتي الغرامة هتتحول لمكسب في جيبك.
فتحت الملف الخاص بعقدها وأنتبهت إلى الشرط الجزائي والذي لم يكن موجودًا من قبل لتعلم أنها وقعت في فخه لتتسائل ما الذي سيستفيده من ذلك.
لتسأله بتوجس قائلة : وأنت بقا هتستفاد ايه من كل اللي بتعمله ده ؟
قابلها بابتسامة ساخرة لتلوي شفتيها باستهزاء قائلة : اوعى تفكر اني هصعب على قصي يقوم يطلق شذى وترجعلك.
رفع أكتافه بلا مبالاة لتبتسم بسخرية قائلة : ميصعبش عليك غالي، وحتى لو صعبت عليه هوافق إنه يخلصني من العقد الرخيص ده وبرضه مش راجعة له.
ثم استطردت بكل ثقة وغرور حتى أنها كانت مثيرة لاعجابه ورددت قائلة : لأنه ميلزمنيش لا هو ولا الفلوس.
هز زيدان رأسه بخبث قائلًا : من ناحية هستفاد فأنا هستفاد كتير.
ثم مط شفتيه قائلًا : بس مش ملزم أقولك دلوقتي الموضوع ده محتاج له قاعدة تانية. أنا دلوقتي يهمني المصلحة روحي كمليها خلينا نصدر الماركة.
ثم استطرد بثقة قائلًا : وأوعدك أن هيكون ليكي الحلاوة لو رفعتي المصنع ده بتركيباتك اللي تسحر زيك.
أخذت تنظر إليه مطولًا ليمرر عيناه على فستانها الذي يعد مألوفا لعينه فهو يعشق هذا اللون البنفسجي خاصة إذا كان يتمثل في جسدها المثير كانت على وشك الرحيل ولكن أنتبهت إلى نظراته وحالة شروده التي جعلته يهدأ من ثورته عليها زفرت بحنق لينتبه أنها فهمت نظراته ليجدها ترحل صافعة الباب من خلفها ليذهب ويجلس على كرسيه مرة أخرى ويرتشف قهوته التي بردت مثلما برد قلبه ليسرح في شكلها باستمتاع ويتذكره بدقة لم تلفت أنتباهه ولا مرة واحده منذ أن ارتبطت بابن خاله حيث تمتلك شعراً كستنائى اللون وعيون مثل العسل المصفي وقوام فتان. علم لما اختارها قصي لأنها تختلف عن سواها في الجمال الرباني الذي لا يحتاج إلى أي مؤثرات.
استغرب تحول تفكيره بها من النقيض إلى النقيض الأخر لا يدري سبب التحول. هي أيضًا لا تدري ماذا تفعل مع ذلك البغيض وماذا يريد منها وجدت نفسها تبحث عن أي مخرج من هذه المشكلة ما زال صوته يتردد في أذانها وطلبه عفوًا هذا ليس طلبًا هذا إلزامًا، وهي لبت ووافقت على الإلتزام لأن ما باليد حيلة. كان لقائه أعصف من لقاء النار بدء باستهزاء وتحول إلى نظرات وقحة، لا تعلم سببها.
على الجانب الأخر كانت تجوب المشفى مع شقيقها ناجي حيث أنها تمتلك أكبر المستشفيات الخاصة بالنساء والتوليد والعقم. أخذت تنظر شكران والدة زيدان بجبروت ليفهم ناجي مغزى النظرات ليحاول إفهامها الأمر فيقول : والله يا شكران سمر حاولت معاه بقالها أسبوع أهو دي ما صدقت أصلًا إنه يرجع الشركة الكبيرة وكانت بتعامله ولا الطفل بس مأخدتش منه لا حق ولا باطل.
جزت شكران على أسنانها قائلة : وطي صوتك يا ناجي أنت جاي تفضحني في قلب المستشفى وبعدين هي عادة سمر ولا هتشتريها طول عمرها خايبة وقال ايه متقلقيش يا عمتو.
دلفت إلى مكتبها ودلف خلفها ناجي يهتف بهدوء كأنه يتوسل إليها قائلًا : فعلًا يا شكران هي عملت معاه كل الحيل، وهو فاهمها ابنك مش صغير ولا عبيط حتى شذى خطيبته مكنتش بتقدر عليه. أنا بس نفسي أفهم مش عاجبه ايه في سمر.
ابتسمت شكران بسخرية قائلة : سمر! سمر دي مين يا ناجي. أنا بس هاودتك بس أنا عارفة إنها غبية وضعيفة ومش هتقدر عليه وابني ذكي جدا وهيعرف إنها معانا.
اغتاظ ناجي من غرورها فرد بجمود قائلًا : وده اللي مجنني عارف إنها معانا ومع ذلك ساعدها وعطاها مبلغ محترم جابت بيه شقة تمليك وقلت فرصة هيروح يقعد معاها بس ده لسه قاعد معاكي بعد اللي عملتيه فيه.
ابتسمت شكران بخبث قائلة : ده كده يأكد لك إن لا قصي ولا شذى فارقين معاه أنا ابني أكيد هيدور على مصلحته وهيختار واحدة من الوسط بتاعه مش واحدة سنكوحه وعلى فكرة يا ناجي الواحدة دي أكيد مش سمورة حبيبه عمتها فخليها تريح نفسها ومتشغلش بالها.
بعد خروجها من مكتبه وصفعها للباب خلفها هزت رأسها ترفض استيعاب الموقف فلم يعد مسموحًا لتلك العائلة أن تدلف لحياتها مرة أخرى ترى ما المخبئ خلف كلمات زيدان أهي الخيانة مرة أخرى؟ ..تذكرت نظراته المتفحصة لها واستاءت للأمر هل ستتعرض إلى خيبة أمل جديدة ؟ تعتبرها تجربة قاسية في حياتها كان عندها اعتقاد راسخ أن زيدان سيفسد ما فعلوه بها لتعتبره داعمًا لها ودون تفكير منها خرجت من المصنع دون أن تخبر نورا بالأمر ذهبت إلى منزل نورا فلديها مفتاح ودلفت إلى غرفة نورا لتجلس على الفراش تضم نفسها بحرص لم تجد احتواء غير احتوائها لذاتها لم تجد من يخفف حزنها الوحيد الذي كان يفتعل ذلك ومن أجلها هو قصي ولكنه يأس ومل لكن تتذكر جيدًا وقوفه أمامها وبيده شذى عروسًا له وهو متصلب جامد القلب. ذرفت الكثير من الدموع لتذكرها هذا الموقف ومرت ساعة وقامت بالاغتسال لعلها تزيل أثار نظرات زيدان لها وبالرغم من برودة ماء الاستحمام إلا أنها كانت تكوي جسدها لتتزايد دموعها كأنها تجلد من جديد أنهت استحمامها العصيب وخرجت تضم نفسها بكلتا ذراعيها لتتصلب أمامها وهي تلمح طيفه في ظل المرأة كأنه يقف خلفها لتهتز وترتعش وتستدير للخلف مغمضة عينيها تفتحها ببطء ولكن لم تجده كانت ترى صورته في المرآة بابتسامته البارده التي دومًا تبغضها شعرت بالضعف يغتالها ولكن لما يريد ابقائها في المصنع. فتح الباب فجأة لتنتفض لتجدها نورا تنظر إليها بلوم وعتاب لتركض ريحانة نحوها ترتمي في أحضانها تشهق قائلة : مستحيل اللي بيحصل معايا ده يا نورا طلع هو زيدان اللي شفتيه المصيبة الكبيرة انه طلع صاحب المصنع ومضاني في العقد على شرط جزائى.
جحظت نورا بعينيها غير مصدقة وابتلعت ريقها تربت على ظهر ريحانة لتهدئ شهقاتها قائلة : اهدي بس يا ريحانة أنا قلتلك أنا شفته بعيني وأنت مصدقتنيش بس أنتِ كنت رايحة لماجد ايه اللي عرفك انه صاحب المصنع ماجد اللي قالك صح؟
خرجت ريحانة من أحضانها تتحدث بصعوبة قائلة : لا ماجد كان مرتب معاه أدخل المكتب ألاقيه وأهاني. أهاني يا نورا أنا؟ بيقولي أنت عايزة ماجد في ايه؟ مفكرني رخيصة الحيوان.
أجلستها نورا بهدوء لتستمع إلى ما سردته ريحانة عما حدث بمكتب ماجد وبعد أن أنتهت ريحانة سألتها نورا بتوجس قائلة : وأنتِ هتعملي ايه؟
استكملت نحيبها قائلة : مضطرة يا نورا أكمل وأشوف البني أدم ده عايز مني ايه. أكيد بيعمل كده علشان قصي يطلق شذى لأن أكيد قصي هيخاف عليا.
هزت نورا رأسها بسخرية قائلة : على فكرة قصي لو عرف مش هيعملك حاجة لأنه بصراحة عمره ما حبك ومتزعليش مني.
هزت ريحانة رأسها بتفهم قائلة : طب أعمل ايه؟
ابتسمت نورا بخبث قائلة : هتكملي عادي وتشوفي أخره ايه بس اسمعي اما أقولك جو الخوف ده اوعي تبينيه ليه فهماني.
ضحكت ريحانة قائلة : لا خالص محصلش ومش هيحصل أنا عمري ما أخاف منه، بس نظراته مش مريحة أول مرة يبص عليا بوقاحة. ده أنا عمري ما شفته بيبص لخطيبته كده قبل كده.
أدارت نورا وجهها إلى الجانب الأخر لتتأكد أن زيدان نظراته لريحانة يدور خلفها لغز كبير.
جاء الصباح ونهضت نورا مسرعة لتأخذ ملابس ريحانة التي توجد عندها وتبعث بهم إلى المغسلة لتحتار ريحانة فيما تلبس لتعرض عليها كنزتها البنية بلون شعرها المكشوفة الذراعين لتحمد ريحانة ربها أنها ترتدي معطف المعمل فوقهم ومعطف الشتاء خاصتها ولكن تخلعه عنها في المعمل. هبطت من سيارة نورا وتحججت نورا أنها ستأخذ وقت لتصف السيارة لأنها وجدت زيدان من مرآة السيارة يدلف قبلهم وتأكدت أنه سيدلف إلى المعمل أولًا وتخمينها كان صحيحًا دلفت ريحانة إلى المعمل غير متوقعة وجوده لتذهب إلى الدولاب الموضوع فيه البالطو لتأخذه كي ترتديه.
لتنتفض على صوته وهو يقول : في تأخير تلت ساعة على الشغل.
رفعت حاجبيها بنفاذ صبر ليستهزأ بها قائلًا : ينفع موظفة ولا بلاش كيمائية عظيمة تتأخر عن الشغل وتيجي بعد مديرها ولا الهانم أخدت على الراحة ؟ والسهر في بيت مامتها لنص الليل مع الزباين.
نظرت ريحانة إلى الجانب الأخر وزفرت بحنق ورمت المعطف على الأريكة مربعة ذراعيها فوق صدرها تنظر إليه ببرود لتضايقه فينفجر قائلًا : تمام أنتِ مش أخده على الراحة وبس أنتِ أخده على قلة الأدب وعدم احترام رئيسك في الشغل.
ليعلو ثغرها ابتسامة نصر حيث أنها نجحت أن أوصلته للغضب منها لتتفاجئ بضحكاته الشيطانية قائلًا من بينها : هههههه بتضايقيني علشان ألغي العقد صح؟ طب مش لاغي يا رينووو ايه رأيك بقى؟
تضايقت من استخدام اسم لها يداعبها به ولكنها تمسكت ببرودها وصمتها حتى يفيض ما بداخله لتدلف في هذه اللحظة نورا بابتسامتها الساخرة وهي تمد يدها لكي تصافحه قائلة : صباح الخير يا مستر زيدان المعمل نور والله بجد أنا مبسوطة كتير من ساعه ما ريحانة قالت ليا إن حضرتك صاحب المصنع وأخيرًا عرفت سر ز&ر.
ليبتسم بتفاخر وسخرية وهو يسلط أنظاره على ريحانة التي بدأت تفور من الغيظ لتندفع قائلة : دي ماركة هو عاملها علشان يوضح للكل انه زيدان صاحب عطر الريحان اللي بقاله فترة هيتجنن ويطلع عطر له بس مش زي العطور المتداولة.
ثم استطردت بسخرية قائلة : أصله عايز يبقى وحش العطور.
ليرفع حاجبيه بانتصار قائلًا وهو يترك لها المكان : وهيحصل وعن قريب كمان زي ما أنا مرتب كل حاجة أنا مفيش قوة توقفني.
واستطرد وهو ينظر إلى عينيها بثقة قائلًا : وهبقى وحش العطور زي ما بتقولي لأن أنا وحش ومسيطر في كل حاجة.
خرج ليتركها في حالة ثورة عارمة تود حرق المعمل بأكمله لتنظر إليها نورا بغضب وهي تشير بإصبعها بحركة دائرية على وجه ريحانة : اللي أنتِ بتعمليه ده مفيش منه فايدة قلتلك نكمل شغل ونشوف أخره مستعجلة على ايه؟ واضح كده من عينيه انه مش مستعجل.
زفرت ريحانة بحنق قائلة : عارفة إن اللي عملته غلط، بس أنا نفسي يسيبني في حالي أو يقول هو عايز مني ايه وبعدين ايه اللي مدخله هنا وأنا مش موجودة ؟
ضحكت نورا ضحكة ساخرة قائلة بسخرية : يا ريحانة ده مصنعه يدخل في أي مكان فيه وفي أي وقت أنت متقدريش تقوليله لا واللي عمله النهارده ده البداية. التقيل جاي ورا.
تنهدت ريحانة بعمق وقررت استكمال عملها وكل يوم تدعو الله ألا تقابله وبالفعل يستجيب لدعواتها حيث رجع إلى شركاته مع سمر التي حاولت مرارًا وتكرارًا إستمالته لها ولكن دون جدوى حتى قامت بمراقبته وعلمت أنه يمتلك مصنع في منطلقة نائية وترددت لتسأل عن المصنع وموظفيه حتى لمحتها تسير في الممر الذي يؤدي إلى المعمل وتتبعتها دون خوف ولا حرص ودلفت خلفها بدون استئذان لتتفاجئ بها ريحانة أمامها غير مستوعبة وجودها هي الأخرى لتهتف سمر باندهاش قائلة : ريحانة! أنتِ بتعملي ايه هنا مش ده برضه مصنع زيدان ولا أنا غلطت في العنوان ولو ده مصنعه أنتِ بتعملي ايه هنا لا وجوه المعمل كمان؟
تنهدت ريحانة قائلة : اه ده مصنع زيدان وأنا بشتغل كيمائية هنا وطبعًا يا سمر أنتِ هتمثلي عليا انك مكنتيش عارفة زي ما مثلتي زمان وقلتيلي إن مكنش عندك خبر بجوازة قصي.
جزت سمر على أسنانها قائلة : أنا اتفاجئت زي زيك بالظبط بس هقولك على حاجة حتى لو أعرف هسيبك تتصدمي لأنك تستحقي بقا دايرة تلفي على زيدان علشان تنتقمي؟
رفعت ريحانة حاجبيها باندهاش من غباء سمر لتبتسم بسخرية قائلة : وهو أنا لما أحب أنتقم ألجأ لزيدان طب ده هو أول واحد لازم أنتقم منه، عارفة ليه؟ لأنه مش راجل زي أخوكي قدرت تضحك عليه واحدة وتوقعه في فخها.
نظرت إليها سمر باحتقار قائلة : أنتِ اللي خايبة ومقدرتيش تخلفي حتة عيل لأخويا واحمدي ربنا انه صبر عليكي تلات سنين على الأقل أهو هيخلف قريب الدور والباقي عليكي.
أغلقت ريحانة عينيها بخيبة أمل قائلة : ياااه للدرجة دي يا سمر الحقد مالي قلبك من ناحيتي وأنا اللي كنت مفكراكي أختي يلا معلش طالما هعارض مصلحتك يبقى لازم ترفصيني.عمومًا يا سمر أنا بشتغل هنا تحت أي مسمى ملكيش فيه ويا ريت تمشي بسرعة لأن زيدان يعرف انك جيتي هنا وأنت عارفة هو ممكن يعمل فيكي ايه.
أنتفضت سمر من تذكيرها بزيدان ونظرت لها باستهزاء وخرجت من المصنع تتمنى ألا يعلم زيدان بأمر مجيئها.
اختنقت ريحانة وقررت أن تخرج مبكرًا من المصنع لعلها ترتاح قليلا قبل أن تعود إلى منزل نورا لأنها لا تريد أن تسرد لنورا أمر زيارة سمر لطالما نورا لا تعلم به لأنها كانت غائبة ذهبت إلى مطعم قريب لتتناول الغذاء بمفردها وطلبت من النادل طعام بسيط نظرًا لما تمتلكه من مال بسيط رجعت بظهرها إلى الخلف وأغمضت عينيها لتلفح نسمات الهواء بشرتها البيضاء ثم فتحت عينيها ببطء لتنظر أمامها لتجده جالسا أمامها ينظر إليها باستمتاع قائلًا : كنت جاي المصنع قبل ميعاد الانصراف علشان أشوفك وصلتي لفين أنا سيبتك كتير بس للأسف لا لقيتك أنجزتي ولا لقيتك في المصنع.
ثم سألها بمكر قائلًا : ايه هو غيابي هيخليكي تتجاوزي؟
ربعت ذراعيها فوق صدرها تتصنع الهدوء قائلة : يعني روحت المصنع ولقيت مفيش انجاز ولا لقتني بس عرفت مكاني صح طب منين أووووه لا يكون حضرتك مخاوي عفريت بيراقبني.
ثم تصنعت الخوف قائلة : كده هخاف منك بجد.
لوى ثغره يبتسم بخبث قائلًا : طب كويس انك شكيتي في موضوع العفريت ده هيسهل عليا حاجات كتير أهمها انك تخافي مني زي ما الكل بيخاف مني وبيعملي ألف حساب.
ثم انحنى بجسده أمامها ليرى ردة فعلها قائلًا : شفتي أنا ذكي ازاي؟
انحنت بجسدها أمامه ولم تخش من اقتراب وجهها من وجهه قائلة بقوة : عايزاك بس تعرف حاجة كل اللي بيخافوا منك دول وبيعملوا ليك ألف حساب بيرجعوا يعملوا اللي هما عاوزينه من وراك.
ثم رجعت بظهرها إلى الخلف تتحدث بتحدي قائلة : أنا بقى هعمله قدامك لأني مش جبانة زيهم.
ابتسم ابتسامة ساخرة استغربتها وهو يقول : أيوه بقا هو ده اللي أنا عاوزه امرأة منتقمة جبارة تعرف تاخد حقها تالت ومتلت مش تقعد تعيط زي الأطفال.
ثم استطرد بتأكيد قائلًا : بس هرجع أقولك مصيرك تيجي لحد عندي وتقفي لأن أنا زيدان الجمال.
رجعت برأسها وأمالته إلى الخلف تتلاعب بخصلات شعرها للخلف ليجد نفسه يتابعها كمن يتابع مشهد تمثيليًا لنجمة سينمائية تتصنع دورها بإتقان وما زالت تتصنع البرود والهدوء قائلة : تمام هنشوف بس ازاي ده اللي نفسي أعرفه سبق وقلت لي انك هتعوزني في حاجات كتير بس مش وقته.
ثم رجعت بوضعية رأسها فجأة لتجده كان شاردًا فيها لتضيق عينيها قائلة : ممكن أعرف ايه سر الإنتظار على فكرة أنا بكره الإنتظار.
تجاهلها وأشار إلى النادل لكي يجلب الطعام الذي لم تطلبه كان طعامًا فخمًا يحتوي على الكثير من المأكولات الباهظة الثمن لتعلم أنه يستهزأ بها وبفقرها ليفهم نظراتها الغاضبة ويبتسم بخبث يجيبها على سؤالها : سر الإنتظار إن لازم يكون في عشرة بيني وبينك أو زي ما بيقولوا عيش وملح.
ثم استطرد بخبث لأنه علم بضيقها من طلباته للنادل : علشان لما أطلب منك طلبي يبقي بعشم بدل ما ترفضي وتدوخيني معاكي.
زفرت بحنق قائلة : أنت نسيت إن كان بينا عشرة زمان ولا ايه وأعتقد كان بينا عيش وملح احنا أغلب عشانا كان بيبقى عندكم.
ثم نظرت حولها ونفخت بضيق قائلة : وهو العيش والملح يبقى بالطريقة دي؟ ولا بتكسر عيني؟
ابتسم بانتصار لأنه قام بتحويل برودها إلى حالة ثورة وغضب بطلبه لهذا الطعام ليزيد غضبها قائلًا : وأنا مش بحب العيش والملح بتاعكم لازم لما أعزم أعزم بحاجة تليق بمستوايا، وأعزم حد عارف إنه في يوم من الايام هيليق بمستوايا.
ثم أشار بسبابته نحوها بكل ثقة قائلًا : وأنتِ الحد ده.
نفخت بغضب قائلة : وأنا بقى هليق بمستواك ازاي؟ ده أنا ريحانة اللي أنت والست والدتك اعترضتوا عليها زمان لما جوزي طلبني للجواز دلوقتي هليق بمستواك؟
ثم سخرت قائلة : طب تيجي ازاي دي؟
هتف زيدان بسخرية قائلًا : أنا مش بتكلم عن المستوى المادي وعلى فكرة أنا عمري ما اعترضت عليكي أنتِ كنتي أنتِ وقصي هوا بالنسبة ليا.
ثم ابتسم ابتسامة بسيطة وأشاد بها قائلًا : بس مكنتش أعرف إن دماغك ألماظ في التركيبات، ده أنتِ كنتي خسارة فيه.
تنهدت ريحانة بحزن قائلة : تركيبات وكيميا! ..ده أنا معايا ماجستير عملته وأنا بستنى أستاذ قصي يكون نفسه ويتجوزني يا ريته كان اتأخر كمان كنت عملت الدكتوراه.
ثم زفرت قائلة : على الأقل كانت نفعتني دلوقتي ومحوجتنيش للشغل.
لفتت نظره إلى لقب الدكتورة الذي دائمًا يبغضه كبغضه لتصرفات والدته المغرورة فسألها قائلًا : قوليلي يا ريحانة لو كان قصي اتاخر عليكي وكنتي عملتي الدكتوراه كنت هتكملي معاه وكأنك مأخدتهاش ولا كنتي هترفضيه وتتجوزي واحد من مستواكي التعليمي؟ علشان توصلي أكتر.
صمتت وشردت وهو منتظر إجابتها على أحر من الجمر والتي فكرت بها وبعمق لتجيبه قائلة : لو كنت أعرف مصيري معاه كنت أنا اللي سيبته بس طالما إننا منعرفش علم الغيب أنا لا يمكن كنت أتخلى عنه علشان لقب دكتورة .
ثم ابتسمت بضعف قائلة : عبيطة اللي تبيع الحب علشان منصب أو فلوس، بس لما يكون حب حقيقي مش مزيف وأناني.
ردها كان عبارة عن ذبذبات وإشارات إلى عقله تحثه على التراجع حتى لا يقوم بظلمها مرتين ولكن صوت العقل القاسي كان أعلى وكان من الضروري إنتظار ما سيحدث في الغد فغير نطاق الموضوع قائلًا : ماشي يا دكتوره أنا بعطيكي فرصة من دهب على طبق فضه خلصي التركيبة وليكي نص تمن الماركة ده غير إنها هتكون باسمك.
ثم استطرد محاولًا أن يغريها أكثر قائلًا : وممكن أشوفلك منحة وتاخدي الدكتوراه.
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة : لو على التركيبة تخلص بسرعة بس الموضوع مش موضوع تركيبة ولا ماركة أنت وراك هدف ومسيري هعرفه.
ثم حذرته قائلة : بس وأنت بتعرفه ليا خد بالك مني أنامش سهلة ولو طلع اللي في دماغي اعرف انه مستحيل. ريحانة القديمة اللي كلكم تعرفوها بح أنتهت، ولا ممكن ترجع تاني لأني ادبحت ومستعدة أدبح المره دي.
ابتسم إليها ابتسامة باردة ولم يرد عليها يكفيه احساس الضعف والخوف الذي يشاهده في عينيها حتى لو كانت قادرة على أن تخفيه.
معرفته بها منذ ثلاث سنوات تؤكد له أنها لم تناسب عالمه يومًا لذلك في كل مرة يحاول فيها إخبارها بما يريده عيناها تجبره على إخفاء السر وراء احتكار وجودها بالمصنع لو كان الأمر مثل ورقة عقد العمل لكان فعلها وجعلها زوجته مثلما جعلها تعمل بالمصنع ثلاث سنوات قادمة رغمًا عنها يعلم جيدًا أنها سترفضه لأنها كانت تحب قصي حبا أسطوريًا، ولكنها غفت غفوة بسيطه تحول فيها قصي من فتى الأحلام إلى تراب الأساطير. نظر إلى عمق عينيها ليجد كلمات وطلاسم مخفية فلذلك عزم أمره أن يظل يلاحقها حتى يكشف سر هذه الطلاسم تحدي عينيها له يجعله مهووس ومتيم بها لا ينكر أنه حلم يومًا أن يجد امرأة تحمل صفاتها وظل يبحث ولكن لم يجد مثلما رسم لو كان وجدها قبل قصي لكان شعر بالكمال يسخر من قصي الذي تركها وأخل بوعوده معها يعتبره رجلًا فاشلًا ففي قانونه الرجل الذي يشعر المرأة بالخذلان لا يعد رجلًا خاصة مع أول مشكلة تقابلهم. يظن قصي أن الزواج من أخرى وحملها يؤدي إلى تحقيق الذات وبناء العائلة. يعتبر زيدان هذا الأمر لا يمثل فارقًا اذا حدث معه يصف قصي بصفة واحدة عندما تخلى عن معشوقته القديمة فهو جبان.
أنتهى الطعام وعادت ريحانة إلى منزل نورا بمفردها رغم عرضه عليها ايصالها ولكنها رفضت سردت على نورا ما دار بالمصنع حتى مقابلته فابتسمت نورا بخبث قائلة : حلو أوي يا ريحانة كل اللي حصل النهارده ده يطمنك إن زيدان لعبته ملهاش دعوة بقصي أما بالنسبة لسمر فأنت عجبتيني بردودك عليها.
تذكرت ريحانة وقاحة سمر معها فتنهدت قائلة : وليه متقوليش إن زيارة سمر دي زيدان اللي خطط ليها ركزي كويس يا نورا هتلاقي زيدان مش بيجي بقاله كام يوم اشمعنا جه النهارده؟
كادت نورا أن ترد عليها ولكن أتى ريحانة إتصالًا هاتفيًا فقطبت جبينها حيث أنه بدون اسم ومع ذلك ردت ليأتيها صوته اللعين متحدثًا بإستعطاف قائلًا : ليه سيبتيني يا ريحانة وأنت عارفة كويس اني بحبك ليه مسمعتيش أعذاري زي ما بتسمعيني كل مرة ليه كنتي قاسيه عليا يا ترى هتلاقي حد يعوضك حبي؟ يا حبي.