رواية اغلال الروح الفصل الثاني 2 بقلم شيماء الجندي
الفصل الثاني "جمرات ! "
دارت "سديم" داخل تلك الغرفة الهادئة بذلك المنزل الأنيق ، تراقب الأثاث و التحف الصغيرة بفتور واضح ثم أطلقت أنفاسها بإرهاق و توجهت إلى الزجاج الذي يطل على الحديقة و شردت بماضيها حيث اجتماعها بعائلتها في الماضي منذ عشرة أعوام !
دمعت عيناها حين مر على عقلها الآن والدها و وصاياه و أحاديثه الشيقة ، ذكرى جميلة أعاد شعورها بها اليوم "عاصم" دون قصد ، لكنها دنست طهارتها و قُضي الأمر !
Flash back ...
جلست "سديم" في منزل خالها بجانب والدتها "نبيلة" تستمع إليه يقول مبتسمًا :
- ماشاء الله يا نبيلة ! بنتك كبرت و احلوت أوي !
ابتسمت نبيلة بتكلف و قالت :
- آه سديم ماشاء الله عليها و شاطرة و ذكية يعني مش هتغلبك !
هز رأسه بالإيجاب و قال بلطف :
- قاعدة مكسوفة كدا ليه ياسديم دا أنتِ في بيت خالك ياحبيبتي ! تعالى جنبي هنا !
تسمرت بمحلها لحظات قبل أن تستقيم واقفة بابتسامة صغيرة زينت ثغرها بعد إشارة من عيني والدتها ، توجهت "سديم" إليه و جاورته بمجلسه ليُحيط "سامح" كتفيها بذراعه قائلًا :
- أنا زي بابا ياسديم اوعي تتكسفي تطلبي مني أي حاجه في يوم من الأيام ، أنا ربنا مرزقنيش بعيال آه ، بس أنتِ مولودة على ايدي و زي بنتي ، الله يسامح اللي فرقنا بقاا !
ألقى نظرة عتاب تجاه والدتها "نبيلة" التي علقت بحزن قائلة :
- أهو ربنا جمعنا تاني ياسامح ، و إحنا اللي محتاجينك اهو !
عقد حاجبيه و أردف بخشونة :
- محتاجة دا إيه يانبيلة ! دا أنتِ وبنتك فوق راسي و حتى جوزك اللي مش بيطيقني عنيا ليه وقت الزنقة !
اغضبها حديثه عن والدها و ازداد غضبها حين صمتت والدتها و رسمت تلك البسمة المنكسرة فوق شفتيها ، تعرف تلك البسمة عن ظهر قلب ، منذ حادثه والدها و فقدانه البصر و الحركة و جلوسه فوق مقعد متحرك و لم تفارق تلك البسمة محياهما وكأن كل واحدة منها تخادع الأخرى بصمود واهي !
لاحظ "سامح" شرود "سديم" و نظراتها الغاضبة اللوامة الموجهة ناحية أمها و كأنها تعاتبها بصمت على أقوال الرجل المجاور لها و الذي عرفت أنه خالها منذ ساعات قليلة و من الواضح أن والدها على خلاف معه !
كسر "سامح " الصمت و قال بضحكة خفيفة :
- انتوا بقا هتتغدوا الأول و بعد كدا نتفاهم !
صاحت فجأة "نبيلة" بتوتر :
- لا لااا غدا إيه احنا مش عايزين نأخر على أسامة و نيرة أنت عارف ظروفه دلوقت و نيرة صغيرة مش هتعرف تقعد معاه أكتر من كدا !
عقد حاجبيه قائلًا :
- و لزمتها إيه البهدلة دي كلها يانبيلة ما أنا قولتلك تيجوا تقعدوا هنا معايا في الڤيلا مرضتوش قولتلك اجهزلك الڤيلا الصغيرة مرضتيش برضه ، عرضت عليكِ ابعتلك مساعدة و اتكلف بكل مصاريفها رفضتي ، أنتِ مش حمل البهدلة دي !
بدأت الأسئلة تتكاثر بعقل "سديم" ، لماذا يقاطع والدها رجل بكل هذا السخاء ؟ من الواضح أنه يرغب بمعاونة شقيقته إذًا ما سبب القطيعة والجفاء !
ليقول فجأة ضاغطًا بخفة فوق كتفها :
- احضرينا أنتِ ياعاقلة ! مش لما نلاقي حد محتاج لازم نساعده ؟
عقدت "سديم" حاجبيها و أجابت تلك المرة غاضبة فور أن استقامت مبتعدة عنه :
- بابا مش محتاج مساعدات من أي حد و إحنا هنا عشان كدا اشتغل و اخد مقابل شغلي مش شفقة !
ابتسم لها "سامح" بلطف و استقام هو الآخر يستمع إلى والدتها تقول بلطف :
- سديم ماينفعش كدا ، خالو ما يقصدش !
اتجه إليها "سامح" ووضع يديه فوق كتفيها قائلًا بإعجاب :
- سيبيها يانبيلة أنا أحب البنات اللي تدافع عن حقها وحبايبها و متسكتش ، جدعة ياسديم و جدعنتك دي هتنفعك أوي في شغلك معايا ! و آسف ياحبيبتي لو كلامي ضايقك !
صمت لحظات ثم أكمل :
- مش أنتِ عندك 16 سنة دلوقت ياسديم ؟
هدأت قليلًا متأثرة بإطرائه وهزت رأسها بالإيجاب و دهشتها تزداد من سر ابتعاد والدها عن ذلك الرجل المتفاهم إلى هذا الحد !
أكمل "سامح" متجهًا إلى والدة "سديم" و أمسك الظرف المتواجد منذ قدومهم فوق المنضدة قائلًا بلطف :
- أمسكِ يانبيلة دا جزء من مرتب سديم مشي الفترة دي حياتك كدا و ارجعي لمستواكِ بقا ، و سديم هتبدأ شغل معايا من بكرة و هجهزلها أوضة هنا بتاعتها و اطمني هتبقا تحت عيني طول الوقت !
ابتسمت نبيلة له و أمسكت الظرف بيدها تقول بدهشة :
- بس دا شكله كبير ياسامح جزء من مرتب إزاي ؟
ابتسم لها و رفع رأسه بكبرياء قائلًا بفخر :
- سديم بنتك هتبقا زي دراعي اليمين ياا نبيلة و أنا هلاقي حد زي بنت أختي آمنها على حالي ومالي ؟ ميرڤت مهما كان ليها أهلها و مش هستنى أهل ميرڤت يورثوني في الآخر عشان ربنا مكرمنيش بعيل ! بذمتك مش بنتك أولى بالخير دا كله ؟
أشار بيديه إلى مظاهر الترف من حوله و عينيه لم تفارق "سديم" التي نظرت إليه بهدوء و صمت على عكس أمها التي أبدت رغبتها و بهجتها بتلك البداية و وقفت قائلة بتوتر :
- طيب و في سنها هتعرف تساعدك ياسامح ؟
عقد حاجبيه و أجاب بغضب :
- قلقانه على بنتك ولا إيه يانبيلة ؟ على العموم تعالي بكرة معاها و شوفي مكتبها اللي هتقعد فيه و اوضتها هنا تتفرش على ذوقك أنا عايز اعوضكم عن البهدلة اللي شوفتوها يانبيلة ابقا غلطان برضوا !
هزت رأسها بالسلب و أجابت بقلق :
- لا غلطان دا إيه وهو حد يقدر يقول كدا كتر خيرك أوي على وقفتك دي ياسامح !
اتجه إليها يحتضنها و يقول بلطف رابتًا على كتفها :
- عيب ياأختي دا أنا و كل اللي ملكي بتاعك أنتِ وحبيبة خالها دي ، وسلميلي على نيرة بقاا لولا الملامة كنت جيت و زورتها هي و أسامة !
تنفست بهدوء و ابتسمت له تقول :
- ربنا يخليك لينا ياحبيبي ، مش محتاج أقولك أنا هكلمك بلاش أسامة يعرف إني جيت !
هز رأسه بتفهم و أجاب :
- طبعًا طبعًا متقلقيش ! خدي بالك من ماما ياسديم !
ودعهما "سامح" و فور أن خرجت "سديم" قالت برفض واضح :
- أنا مش مرتاحة ياماما لكل دا ! إيه الفلوس الكتير اوي دي ؟ و ليه نخبي على بابا و احنا جايين و نخبي إني هشتغل مع خالو ؟ و ليه أصلا بابا مقاطع خالو ؟
زفرت "نبيلة" بغضب وقالت :
- كنت عارفة إني مش هخلص من أسئلتك ياسديم ! أنا مش قعدت معاكِ و عرفت وضعنا كله عاجبك وضع باباكِ ؟ عاجبك و إحنا مش قادرين نعمله عمليات ؟ و لا قادرين على مصاريف العلاج حتى ؟ عجباكِ حياتنا !
عقدت "سديم" ذراعيها أسفل صدرها و أجابت بحزن شديد على حالة والدها :
- ايوا بس دا مش مبرر إننا نخدعه و بابا مش هيزعل لو عرف إني بشتغل و بذاكر برضه و كمان مع حد قريب مننا كدا !
رفضت "نبيلة" و أردفت بتوتر :
- اوعي ياااسديم ! بابا مش هيقبل وكمان هنجرحه لو حس إنه مش قادر يكفي احتياجات البيت هيزعل أوي !
صمتت لحظات ثم أكملت :
- مش أنتِ كنتِ لسه بتسألي بابا بعيد عن سامح ليه ؟ عشان سامح كان رافض جوازنا أصلًا بسبب حالة والدك المادية و لما أنا أصريت اتضطر يوافق وقاطعنا و تخيلي بقا لو باباكِ عرف دلوقت إنك هتشتغلي مع خالك اللي رفض كل دا من الأول ؟ ليه نعمل مشاكل الدنيا مش ناقصة و خالك مش هيبقا تتبهدلي و آمان لينا و هيوفرلك أوضة هنا تذاكري وترتاحي فيها لو حابة و حتى في الشغل مش هيضغط عليكِ ! عشان خاطري ياسديم أنا مصدقت ألاقي حل ! الدنيا بدأت ترجع زي الأول ، إحنا هنروح دلوقت كمان نجيب علاج باباكِ حالًا اهو !
ورفعت أمام عينيها الحزينة ظرف الأموال ، ثم اقتربت منها تحتضنها وتقول بلطف :
- معلش ياسديم أنا عارفة أنه ضغط عليكِ بس كلنا في الظروف دي مساعدتنا في إيدك ولا مصاريفك ولا مصاريف مدرسة أختك هقدر عليها و لا هعرف اشتغل زي ما فهمت باباكِ أنا أصلا معنديش خبرة في اي حاجه و لولا عرض خالك و عشان أنتِ صغيرة هتفيديه طبعًا في شغله عنه كنتِ أحسن حل لينا !
شعرت "نبيلة" أنها أخيرًا نجحت في إقناع ابنتها بقبول وظيفة بسيطة بوجهة نظرها لن يضرها خالها و لن يضر والد "سديم" إخفاء الأمر ! العائلة على وشك الإنهيار إما التضحية بواحدة أو سوف تفقد جميع ماتملك بليلة وضحاها !!!
ابتسمت "سديم" لوالدتها و قررت معاونتها لعلها ترى أبيها كما كان ! لعله يعود إلى تمام الصحة والعافية ، لعلها ترى بريق عينيه اللامع بهجة بها ! لعله يُبصر !
منذ تلك اللحظة تحولت "سديم" و فقدت نقاء روحها ، وأصبح الخداع والمرواغة رفيقيها إلى الآن ، وبين انهزام و انتصار و انكسار و جبر تركت جسد بلا روح أو بمعنى أدق جسد يحمل روح مُهشمة !
إلى كل من يرغب في الاحتفال معي بإنتصاراتي ، أين أنت حين كنت أخوض المعارك بمفردي ؟!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
Back
استقامت واقفة بابتسامة فاترة رسمتها فوق شفتيها بصعوبة بالغة حين طرق "عاصم" الباب و دلف إليها بابتسامته البشوش يقول بقلق :
- الأوضة عجبتك ياحبيبتي ؟
هزت رأسها بالايجاب و قالت بهدوء و هي تتجه ناحيته :
- آه ، Nice decor "ديكور جميل" !
ثم أضافت بتساؤل :
- أنا ممكن أسأل عن حاجه ؟
اتجه معها إلى الأريكة وجلس بجوارها قائلًا :
- طبعًا مش محتاجة استئذان !
تنفست بهدوء و قالت :
- حضرتك متجوز وعندك بنت تاني مش كدا ؟
توترت نظراته و عقد حاجبيه قائلًا بقلق :
- مين قالك ؟ أنا كنت هستنى لحد ما تاخدي على العيلة و اقولك أكيد !
رفعت حاجبها مبتسمة و قالت بدهشة :
- طيب و ليه كل دا ؟ دا حقك و حاجة ما تضايقش أكيد عشان تستخبى ! هما فين ؟
ابتسم لها و أردف بحماس :
- هما في السخنة بس هتصل اقولهم يرجعوا الصبح !
ابتسمت له بهدوء و قالت بضحكة خفيفة :
-لا لا سيبهم على راحتهم يرجعوا لما يحبوا أنا بس حبيت اعرفك إنك مش محتاج تخبي عيلتك عني .
رفع "عاصم" حاجبه الأيسر و قال بمداعبة :
-ماشي بس مش أنا لوحدي اللي بخبي حاجات ، أنا لحد دلوقت معرفش تفاصيل عن والدتك ، بس مش عايز أعرف غير لما أنتِ تحبي تحكي !
رفعت عينيها و نظرت إليه بحزن ، واجتمعت الدموع بعينيها و عقلها يرسم صور والدها بمخيلتها وكأنه يتعمد جلدها بـسوط الذكريات ، أفاقت حين رفع يديه يكور وجهها قائلًا بلهفة :
- سديم ! مالك ياحبيبتي ؟
هزت رأسها و أجابت بهدوء :
- أنت طيب أوي ، بتفكري بحد أعرفه !
عقد حاجبيه و سأل :
- مين ؟ و دا يخليكِ تزعلي كدا ياحبيبتي ؟
ابتسمت له و قالت بألم :
- بابا واحدة صاحبتي ! بس مات خلاص !
ضم شفتيه بحزن و احتضنها يربت فوق خصلاتها قائلًا بلطف :
- أنا آسف إني فكرتك !
تركت دموعها تهبط بهدوء و همست بخفوت و هي داخل أمان أحضان ذلك الرجل الذي أجبرها على استرجاع ذكريات منذ أعوام تحاول الفرار منها ! :
- أنا مش بنسى أصلًا !
و أن عناق أبي لا زال عالق بين ثنايا عقلي وقلبي ، لازلت أراقب الصبايا التي تجاور أبيها في الطريق و تتمسك به إن تعثرت .. لازلت أنظر إلى جميع الآباء بأعين يملؤها الحنين ومع كل انتصار أعود إلى وسادتي ليلًا و تبدأ معركة خيالاتي حول نظراته لي و أحضانه و ثناؤه المحبب إلى قلبي حين يراني بذاك الصمود !!! لازلت أُغمض عيناي ليلًا و انتظره داخل أحلامي لأخبره عن هزائمي دون خجل ، لازلت ولازلت لكن قد زال أبي من الحياة و ترك أحبة تنتظره كل ليلة داخل وهم يسمى الأحلام !
#شيماء_الجندي
#أغلال_الروح
________________ *** _________________
داخل الحديقة المظلمة أمسكت "سديم" المصباح الصغير و سارت بخطوات حذرة تقول بصوت مرتفع :
- حد هنا ؟!!
عقدت حاجبيها حين استمعت إلى أصوات خافتة خلف الشجرة الكبيرة المثمرة و تدريجيًا أبصرت جسد والدها يزحف فوق الأرض بصعوبة بالغة يحمل فوق ظهره صندوق صغير لكن يبدو أنه ثقيل الوزن !
هرعت إليه وهبطت أرضًا تجلس بجانبه قائلة بصدمة تحاول إزاحة الصندوق عنه :
- بااابا ! أنت إيه اللي عمل فيك كدا ؟!! و إيه الصندوق دا حاطه كدا ليه !!!
رفع أبيها وجهه المتعرق و رأت ملامحه شديدة الآسى ينظر إليها بألم قائلًا :
- أنتِ مين ؟ أنا معرفكيش ، الصندوق دا بتاع بنتي سديم ولازم أوصله !
انطلقت الدموع من عينيها و أردفت بخوف ولازالت محاولاتها لرفع الصندوق عنه مستمرة :
- أنا سديم ياباابا !
نظر "أسامة" إليها و عقد حاجبيه قائلًا بدهشة :
- لو كنتِ سديم كنتِ هتقدري ترفعي الصندوق ! أنا معرفش صوتك ولا دي ملامح بنتي !
ثم صرخ فجأة بقوة حين وضعت يدها فوق الصندوق تحاول استكشاف سبب ثقله ، لكنها رفعتها حين صرخ بقوة وهدر بألم :
- ااااه ، تقلتي الحِمل يااابنتي !!!
انتفضت "سديم" فوق فراشها تضع يدها فوق صدرها الذي يرتفع ويهبط بقوة و رفعت يدها الأخرى تسير بها حول عنقها بهدوء و هي تهمس :
- مكنش قصدي اتقل حِملك !
و أحيانًا تُصبح الأحلام كالجمرات تحرق أرواحنا و كأنها تُخبرنا أن نيران ذنوبنا لم ولن تخمد ، بل إنها تتعمد إرسال رسائلها المُؤلمة لنا على هيئة جَمْرَات!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
ثم اغمضت عينيها و قد انتظمت أنفاسها بعد فترة صغيرة لكنها عقدت حاجبيها حين ارتفع رنين هاتفها برقم غير مُسجل لكنها تحفظه عن ظهر قلب !
رفعت الهاتف إلى أذنها و قالت بنبرة جافة :
- دي مواعيد إتصال ؟! الساعة 3 الصبح !
استمعت إلى ضحكته الرجولية ثم نبرته المداعبة يقول :
- أهو أنا متصل مخصوص عشان اسمعك بتكلميني كدا ، خالك لسه مقابل كارثة متحركة ياسديم وقال يطمن على أول يوم ليكِ مع عيلة الجندي !
زفرت بإرهاق و اسندت جسدها إلى الوسادة خلفها تقول بفتور :
- عايز إيه ياسامح أنا مش طايقة نفسي !
استمعت إليه يتنفس بملل و يقول :
- يووه ياسديم على طول قاتلة حماسي ببرودك كدا ، على العموم مادلين ظهرت و قابلتني من شوية في الـnightclub "ملهى ليلي" و المجنونة مُصرة تطلبلي البوليس تخيلي ، بس على مين الورق اللي معايا قلقها أوي و اعتذرتلي عن سوء التفاهم مجرد ما شافت الصور على الفون معايا اترعبت !
أنهى كلماته ضاحكًا بقوة بينما ضيقت "سديم" عينيها و علقت متسائلة :
- الورق ! أنت مصور الورق على فونك ليه أصلًا ؟
استمعت إليه يقول ساخرًا :
- ليه !! عشان موقف زي كداا ياسديم ، هو أنا اللي هقولك الكلام دا ، دا أنتِ أجدع واحدة في الخروج من المصايب !
جزت على أسنانها بقوة و قالت بغضب طفيف :
- بخرج من المشاكل منغير ما ابتز الناس !
ضحك بقوة و أردف :
- و أنا بحب شغلك عشان كدا ياقلب خالك ، على نضيف دايمًا عشان كدا أنتِ عندك دلوقت ، بالمناسبة أمجد بيدور عليكِ و بعت صورك لواحد يشوف حكايتك شكلهم لسه مقلقين ، أنا ظبطت الدنيا و أنتِ حاولي تنجزي بسرعة العيلة دي كبيرة و مليانة !
رفعت حاجبها حين نظرت من خلف زجاج غرفتها المُطل على الحديقة و رأت أحدهم يجلس بالخارج فوق الأريكة لكن الأضواء خافتة و جسده غير واضح لها ، همست حينها بخفوت :
- اقفل دلوقت ياسامح و خد بالك من مواعيد اتصالك لو خايف على الحوار دا و عايزه يتم منغير مشاكل !
وافقها الرأي و أجاب :
- عندك حق ، بالمناسبة أنا طلبت دفعة جديدة من آسر تحت الحساب يعني عشان يفضل فايق معايا كدا !
زفرت بملل و أجابت :
- بقولك إيه اعمل اللي تعمله معاه انتوا أحرار أنا كل اللي يهمني نصيبي و بس ، سلام بقاا !
أغلقت الهاتف و لم تنتظر رد ، ثم أزاحت الباب الزجاجي و خرجت إلى الحديقة ، تسير بخفة لكنها توقفت فجأة تعقد حاجبيها حين وجدت "أمجد" هو الشخص المجهول و يجلس واضعًا يده فوق صدره و يميل إلى الأمام قليلًا ، رددت بصوت واضح ومسموع :
- "Are you ok ?! " أنت بخير !؟
ثم واصلت سيرها بخطوات أسرع حين لم تجد رد و لم يلتفت إلى مصدر الصوت ، وقفت أمامه و ضيقت عينيها حين رفع رأسه و قد احتل الألم ملامحه و قال :
- أنا تمام ، كنت هطلع البيت بس حسيت بوجع قولت ارتاح دقايق ، روحي أنتِ !
أجابته بفتور :
- تحب اكلم سليم ؟
استقام فجأة صائحًا بجزع :
- لااا اوعيي تعمليهاا آ .آآآه !
أنهى جملته بصرخة قوية و قد اشتد الألم و مال إلى الأمام مما دفعها إلى إمساك كتفيه و إجباره على الجلوس قائلة بجمود :
- أنت محتاج حد يسعفك !
صمتت حين وجدت "آسر" يظهر من العدم فجأة صدره يعلو ويهبط بقوة و أنفاسه الغير منتظمة تخبرها أنه رآها و آتى ركضًا و لم ينتظر أن تظن هي الظنون حيث صاح بها فجأة و هو يزيح جسدها بعيدًا عن عمه و يجلس القرصاء أمامه محاولًا استكشاف سبب ألمه :
- أنتِ عملتي إيه ؟
رفعت حاجبها بدهشة و أردفت :
- أنت لسه هترغي ، دا شكله بيمر بأزمة ياتنقله مستشفى يا تطلب إسعاف و تلحقه !
نظر إليها بغضب و أجاب ساخرًا :
- و الدكتورة كانت بتشخص حالته بقا كل دااا ، ليه منادتيش علينااا !
عقدت حاجبيها و تنفست بهدوء ثم نظرت إلى عمه المتألم و قالت بنبرة حادة قليلًا :
- أنت لسه هتتخانق دا بيروح مننا ! هات مفاتيح عربيتك اخرجها وأنت ساعده لحد برا !
اخرج المفاتيح من بنطاله و تركها لها ثم مال يعاون "أمجد" بالوقوف ، بينما ركضت هي إلى السيارة و ماهي إلا لحظات و كانت أمامه بها تهبط منها و تفتح الباب الخلفي تدلف إلى الداخل و تعاونه عن طريق جذب جسد "أمجد" إليها و أسرع "آسر" إلى مقعد القيادة ليصل به إلى أقرب مشفى ، أما أمجد فقد شحب لون وجهه و تمكن الألم من صدره و لازال يقبض بقوة فوقه محاولًا تنظيم أنفاسه ، راقبها "آسر" و هي تحل رَبْطَة العُنُق الخاصة به ثم أول زر من القميص و هي تتحدث إليه قائلة :
- متقلقش دقايق و نوصل !
قبض "أمجد" على يدها بقوة و أغمض عينيه ، عقدت حاجبيها بألم لكنها رفعت يدها اليسرى و حلت ساعة اليد الخاصة بها وبعد عناء قليل نجحت بوضعها في يده و بدأت بقياس معدل نبضات قلبه و متابعة مؤشراته الحيوية تحت مراقبته و دهشته من اهتمامها !
بعد مرور ساعتين داخل المشفى ..
توجه الطبيب إليهما ثم توقف أمام "سديم" و جابت عينيه ملامحها ثم هبطت إلى ما ظهر من جسدها بانبهار واضح حيث كانت ترتدي قميص قطني ذي حمالات عريضة أظهر جمال نحرها و بنطال رياضي ضيق يصل إلى أسفل ركبتيها بقليل ، رفعت حاجبها الأيسر و كادت توبخه لكنها وجدت رفيقها الغاضب يجذبها من ذراعها خلفه و يحل محلها أمام الطبيب و قد أصبح مثل الحائط البشري يحول بينها و بينه قائلًا بانفعال بَيِّن :
- خير ؟
توترت نظرات الطبيب و قال :
- أستاذ أمجد تمام جدًا ويقدر يروح معاكم كمان دلوقت ، واضح أنه بيتكرر معاه الألم بتاع النهاردة و مش بيقول لأن دي أعراض ذبحة صدرية و إحنا عملنا الإسعافات اللازمة و المعلومات اللي قالتها الآنسة عن مؤشراته الحيوية اللي قاستها في الطريق ساعدتنا الحقيقة ، ياريت كل الناس عندها الوعي دا !
كانت "سديم" قد وقفت بجانب "آسر" تتابع تشخيصه بهدوء إلى أن تحدث لها و ابتسم فجأة لها ، فبادلته ببسمة مصطنعة و صمتت تبتعد عنها تاركة إياه مع الآخر الذي أردف بخشونة موجهًا حديثه إليه :
- لأ و خد بالك زي ما في ناس عندها وعي ، أنا اعرف ناس بتفقد الوعي لما عينهم بتزوغ منهم كدا !
زفرت بإرهاق ثم توجهت إلى الغرفة التي تضم "أمجد" و "سليم" و "يوسف" الذي فور أن رآها اتجه إليها يقول باهتمام و صوت خافت :
- الدكتور طمنكوا ؟
هزت رأسها بالإيجاب و ابتسمت له تنظر إلى "أمجد" الذي جلس فوق المقعد يعاونه ابنه بإغلاق أزرار قميصه لتقول :
- هو أول مرة يحصله كدا ؟
هز كتفيه و قال :
- مش عارف دي أول مرة يحصل كل دا ، أصلًا آسر لما كلمنا مصدقناش إنه اتنقل مستشفى !
قاطع حديثهم وصول "سليم" قائلًا بامتنان :
- أنا مش عارف اشكرك ازاي ياسديم ، لولا وجودك مكنش حد حس بيه الحمدلله إنك كنتِ معاه في وقتها .
ابتسمت له و أجابت بعبث :
- دا أنا قولت هتقولوا حصل كل دا من أول يوم قعدت فيه معاكم .
ضحك "يوسف" و أردف :
- لأ اللي ممكن يقول كدا حد تاني خاالص لكن إحنا عاقلين متقلقيش !
رفعت حاجبها الأيسر و أردفت بتساؤل : مين بقا ؟
مال "يوسف" وهمس بأذنها لتضحك بخفة و كادت تتحدث لكن وصول "آسر" غاضب يقول بإنفعال واضح :
- أنتِ إيه اللي كان موقفك برا ؟
نظرت إليه بهدوء بينما قال "سليم" بدهشة :
- فيه إيه ياآسر ؟
انتظر ردها لكنها آثرت الصمت و راقبت ملامحها الجامدة ببرود واضح بينما أكمل هو بغضب :
- أنتِ واخدة بالك بصلك إزاي وأنا واقف ؟
هزت كتفيها بلامبالاة واضحة و أجابت :
- آه أخدت ، اعمله إيه يعني واحد مش متربي وعينه فارغة !
رد بإنفعال :
- وليه متقوليش إن لقى حاجة مُباحة قصاده !
ابتسمت ببرود و أجابت :
- معلش المرة الجاية هقولك استنى لحد ما البس و يروح فيها المريض عادي ، وبعدين أنت مالك أنت مُباحة ولا لأ هو جسمك ولا جسمي دا أنت غريب !
ثم تركتهم و كادت تغادر لكنه رد بغضب :
- أنا اللي غريب ولا أنتِ اللي بجحة ، ماشية بالمنظر دا ومش مستنية الناس تتفرج عليكِ ؟
عادت إليه مرة أخرى و ردت بابتسامة ماكرة :
- طيب هفرض معاك إني بجحة و المفروض أخد بالي في وقت أزمة زي دا و أسيب الناس تضيع و كدا ، أنت بقا كنت فين ؟ مش أنا ركبت معاك العربية و جيت لحد هنا بنفس المنظر !
ضيق عينيه بغضب و صمت لكنها أكملت غير مبالية :
- ولا أنت قولت محدش شافها بيبقا عادي لكن أول ما حد عينه فارغة يبص يبقا المشكلة مني لوحدي مش كدا !
انقذه "سليم" الذي قال بابتسامة :
- مش كدا ياجماعة إحنا سايبين بابا تعبان ولازم نمشي دلوقت بيه الصبح طلع علينا !
ليهمس "يوسف" له :
- جبهة ابن عمك في ذمة الله دلوقت تلاقيه هينفجر !
و قاطع حديثهم "أمجد" الذي قال بإرهاق :
- مين دا اللي تعبان أنا تمام أوي و همشي مع سديم قصادكم و اسيبكم هنا لوحدكم !
ثم اتجه إليها يحيط كتفيها و يسير معها إلي الخارج قائلًا بأسف :
- متشكر على اللي عملتيه معايا و آسف لو كانت مقابلتي ليكِ مش أوي امبارح ، بس حطي نفسك مكاني أنا خوفت على أخويا !
ابتسمت له و أجابت بهدوء :
- آه اكيد فهماك ، المهم إنك بخير حمدلله على سلامتك !
ربت فوق كتفها و أجاب :
-الله يسلمك !
ثم واصلا السير بصمت إلى السيارات " ليقف "آسر" قائلًا :
- تحب تركب معانا يا عمي ولا مع يوسف و سليم !
كاد يُجيبه لكن قالت "سديم" :
- معانا دي اللي هما مين !
أجاب ساخرًا : هيكون مين يعني أكيد أنا وحضرتك !
هزت كتفيها و أجابت بهدوء :
- آهاا !
ثم نظرت إلى "سليم" مبتسمة بلطف و قالت :
- هو أنت مكسوف مني ياسليم ؟ يعني من لبسي أو شكلي !
رفع حاجبه بدهشة و أجاب بعفوية :
- لا طبعًا !
ابتسمت له و أعادت السؤال على "يوسف" :
- وأنت يايوسف ؟
نظر إلي "سليم" ثم قال مندهشًا :
- اكيد لأ ياسديم ليه بتقولي كدا ؟
أجابته بفتور :
- بقول كدا عشان مش هركب مع الكابتن ياهركب معاكم يا هتصرف وأروح لوحدي ، أنا مبمشيش مع حد بيتكسف مني !
رد "آسر " بغضب و أشار إلى حاله بصدمة :
- أنا قولت كدا !!!
أجابت بسخرية :
- أنت قولت الأسوأ من كدا و اتدخلت في حاجات متخصكش !
أنهى "أمجد" النقاش و قال :
- خلاص كفاية كدا ياولاد ، سديم هتركب معايا أنا و سليم و أنت ياآسر معاك يوسف و يلا بقا خلونا نروح الشمس طلعت !
و قد كان و عاد الجميع إلى المنزل بسلام إلا ذاك المارد المشتعل بنيران الغضب من كارثة متحركة وضعها بنفسه بين آل بيته !!!!!
دارت "سديم" داخل تلك الغرفة الهادئة بذلك المنزل الأنيق ، تراقب الأثاث و التحف الصغيرة بفتور واضح ثم أطلقت أنفاسها بإرهاق و توجهت إلى الزجاج الذي يطل على الحديقة و شردت بماضيها حيث اجتماعها بعائلتها في الماضي منذ عشرة أعوام !
دمعت عيناها حين مر على عقلها الآن والدها و وصاياه و أحاديثه الشيقة ، ذكرى جميلة أعاد شعورها بها اليوم "عاصم" دون قصد ، لكنها دنست طهارتها و قُضي الأمر !
Flash back ...
جلست "سديم" في منزل خالها بجانب والدتها "نبيلة" تستمع إليه يقول مبتسمًا :
- ماشاء الله يا نبيلة ! بنتك كبرت و احلوت أوي !
ابتسمت نبيلة بتكلف و قالت :
- آه سديم ماشاء الله عليها و شاطرة و ذكية يعني مش هتغلبك !
هز رأسه بالإيجاب و قال بلطف :
- قاعدة مكسوفة كدا ليه ياسديم دا أنتِ في بيت خالك ياحبيبتي ! تعالى جنبي هنا !
تسمرت بمحلها لحظات قبل أن تستقيم واقفة بابتسامة صغيرة زينت ثغرها بعد إشارة من عيني والدتها ، توجهت "سديم" إليه و جاورته بمجلسه ليُحيط "سامح" كتفيها بذراعه قائلًا :
- أنا زي بابا ياسديم اوعي تتكسفي تطلبي مني أي حاجه في يوم من الأيام ، أنا ربنا مرزقنيش بعيال آه ، بس أنتِ مولودة على ايدي و زي بنتي ، الله يسامح اللي فرقنا بقاا !
ألقى نظرة عتاب تجاه والدتها "نبيلة" التي علقت بحزن قائلة :
- أهو ربنا جمعنا تاني ياسامح ، و إحنا اللي محتاجينك اهو !
عقد حاجبيه و أردف بخشونة :
- محتاجة دا إيه يانبيلة ! دا أنتِ وبنتك فوق راسي و حتى جوزك اللي مش بيطيقني عنيا ليه وقت الزنقة !
اغضبها حديثه عن والدها و ازداد غضبها حين صمتت والدتها و رسمت تلك البسمة المنكسرة فوق شفتيها ، تعرف تلك البسمة عن ظهر قلب ، منذ حادثه والدها و فقدانه البصر و الحركة و جلوسه فوق مقعد متحرك و لم تفارق تلك البسمة محياهما وكأن كل واحدة منها تخادع الأخرى بصمود واهي !
لاحظ "سامح" شرود "سديم" و نظراتها الغاضبة اللوامة الموجهة ناحية أمها و كأنها تعاتبها بصمت على أقوال الرجل المجاور لها و الذي عرفت أنه خالها منذ ساعات قليلة و من الواضح أن والدها على خلاف معه !
كسر "سامح " الصمت و قال بضحكة خفيفة :
- انتوا بقا هتتغدوا الأول و بعد كدا نتفاهم !
صاحت فجأة "نبيلة" بتوتر :
- لا لااا غدا إيه احنا مش عايزين نأخر على أسامة و نيرة أنت عارف ظروفه دلوقت و نيرة صغيرة مش هتعرف تقعد معاه أكتر من كدا !
عقد حاجبيه قائلًا :
- و لزمتها إيه البهدلة دي كلها يانبيلة ما أنا قولتلك تيجوا تقعدوا هنا معايا في الڤيلا مرضتوش قولتلك اجهزلك الڤيلا الصغيرة مرضتيش برضه ، عرضت عليكِ ابعتلك مساعدة و اتكلف بكل مصاريفها رفضتي ، أنتِ مش حمل البهدلة دي !
بدأت الأسئلة تتكاثر بعقل "سديم" ، لماذا يقاطع والدها رجل بكل هذا السخاء ؟ من الواضح أنه يرغب بمعاونة شقيقته إذًا ما سبب القطيعة والجفاء !
ليقول فجأة ضاغطًا بخفة فوق كتفها :
- احضرينا أنتِ ياعاقلة ! مش لما نلاقي حد محتاج لازم نساعده ؟
عقدت "سديم" حاجبيها و أجابت تلك المرة غاضبة فور أن استقامت مبتعدة عنه :
- بابا مش محتاج مساعدات من أي حد و إحنا هنا عشان كدا اشتغل و اخد مقابل شغلي مش شفقة !
ابتسم لها "سامح" بلطف و استقام هو الآخر يستمع إلى والدتها تقول بلطف :
- سديم ماينفعش كدا ، خالو ما يقصدش !
اتجه إليها "سامح" ووضع يديه فوق كتفيها قائلًا بإعجاب :
- سيبيها يانبيلة أنا أحب البنات اللي تدافع عن حقها وحبايبها و متسكتش ، جدعة ياسديم و جدعنتك دي هتنفعك أوي في شغلك معايا ! و آسف ياحبيبتي لو كلامي ضايقك !
صمت لحظات ثم أكمل :
- مش أنتِ عندك 16 سنة دلوقت ياسديم ؟
هدأت قليلًا متأثرة بإطرائه وهزت رأسها بالإيجاب و دهشتها تزداد من سر ابتعاد والدها عن ذلك الرجل المتفاهم إلى هذا الحد !
أكمل "سامح" متجهًا إلى والدة "سديم" و أمسك الظرف المتواجد منذ قدومهم فوق المنضدة قائلًا بلطف :
- أمسكِ يانبيلة دا جزء من مرتب سديم مشي الفترة دي حياتك كدا و ارجعي لمستواكِ بقا ، و سديم هتبدأ شغل معايا من بكرة و هجهزلها أوضة هنا بتاعتها و اطمني هتبقا تحت عيني طول الوقت !
ابتسمت نبيلة له و أمسكت الظرف بيدها تقول بدهشة :
- بس دا شكله كبير ياسامح جزء من مرتب إزاي ؟
ابتسم لها و رفع رأسه بكبرياء قائلًا بفخر :
- سديم بنتك هتبقا زي دراعي اليمين ياا نبيلة و أنا هلاقي حد زي بنت أختي آمنها على حالي ومالي ؟ ميرڤت مهما كان ليها أهلها و مش هستنى أهل ميرڤت يورثوني في الآخر عشان ربنا مكرمنيش بعيل ! بذمتك مش بنتك أولى بالخير دا كله ؟
أشار بيديه إلى مظاهر الترف من حوله و عينيه لم تفارق "سديم" التي نظرت إليه بهدوء و صمت على عكس أمها التي أبدت رغبتها و بهجتها بتلك البداية و وقفت قائلة بتوتر :
- طيب و في سنها هتعرف تساعدك ياسامح ؟
عقد حاجبيه و أجاب بغضب :
- قلقانه على بنتك ولا إيه يانبيلة ؟ على العموم تعالي بكرة معاها و شوفي مكتبها اللي هتقعد فيه و اوضتها هنا تتفرش على ذوقك أنا عايز اعوضكم عن البهدلة اللي شوفتوها يانبيلة ابقا غلطان برضوا !
هزت رأسها بالسلب و أجابت بقلق :
- لا غلطان دا إيه وهو حد يقدر يقول كدا كتر خيرك أوي على وقفتك دي ياسامح !
اتجه إليها يحتضنها و يقول بلطف رابتًا على كتفها :
- عيب ياأختي دا أنا و كل اللي ملكي بتاعك أنتِ وحبيبة خالها دي ، وسلميلي على نيرة بقاا لولا الملامة كنت جيت و زورتها هي و أسامة !
تنفست بهدوء و ابتسمت له تقول :
- ربنا يخليك لينا ياحبيبي ، مش محتاج أقولك أنا هكلمك بلاش أسامة يعرف إني جيت !
هز رأسه بتفهم و أجاب :
- طبعًا طبعًا متقلقيش ! خدي بالك من ماما ياسديم !
ودعهما "سامح" و فور أن خرجت "سديم" قالت برفض واضح :
- أنا مش مرتاحة ياماما لكل دا ! إيه الفلوس الكتير اوي دي ؟ و ليه نخبي على بابا و احنا جايين و نخبي إني هشتغل مع خالو ؟ و ليه أصلا بابا مقاطع خالو ؟
زفرت "نبيلة" بغضب وقالت :
- كنت عارفة إني مش هخلص من أسئلتك ياسديم ! أنا مش قعدت معاكِ و عرفت وضعنا كله عاجبك وضع باباكِ ؟ عاجبك و إحنا مش قادرين نعمله عمليات ؟ و لا قادرين على مصاريف العلاج حتى ؟ عجباكِ حياتنا !
عقدت "سديم" ذراعيها أسفل صدرها و أجابت بحزن شديد على حالة والدها :
- ايوا بس دا مش مبرر إننا نخدعه و بابا مش هيزعل لو عرف إني بشتغل و بذاكر برضه و كمان مع حد قريب مننا كدا !
رفضت "نبيلة" و أردفت بتوتر :
- اوعي ياااسديم ! بابا مش هيقبل وكمان هنجرحه لو حس إنه مش قادر يكفي احتياجات البيت هيزعل أوي !
صمتت لحظات ثم أكملت :
- مش أنتِ كنتِ لسه بتسألي بابا بعيد عن سامح ليه ؟ عشان سامح كان رافض جوازنا أصلًا بسبب حالة والدك المادية و لما أنا أصريت اتضطر يوافق وقاطعنا و تخيلي بقا لو باباكِ عرف دلوقت إنك هتشتغلي مع خالك اللي رفض كل دا من الأول ؟ ليه نعمل مشاكل الدنيا مش ناقصة و خالك مش هيبقا تتبهدلي و آمان لينا و هيوفرلك أوضة هنا تذاكري وترتاحي فيها لو حابة و حتى في الشغل مش هيضغط عليكِ ! عشان خاطري ياسديم أنا مصدقت ألاقي حل ! الدنيا بدأت ترجع زي الأول ، إحنا هنروح دلوقت كمان نجيب علاج باباكِ حالًا اهو !
ورفعت أمام عينيها الحزينة ظرف الأموال ، ثم اقتربت منها تحتضنها وتقول بلطف :
- معلش ياسديم أنا عارفة أنه ضغط عليكِ بس كلنا في الظروف دي مساعدتنا في إيدك ولا مصاريفك ولا مصاريف مدرسة أختك هقدر عليها و لا هعرف اشتغل زي ما فهمت باباكِ أنا أصلا معنديش خبرة في اي حاجه و لولا عرض خالك و عشان أنتِ صغيرة هتفيديه طبعًا في شغله عنه كنتِ أحسن حل لينا !
شعرت "نبيلة" أنها أخيرًا نجحت في إقناع ابنتها بقبول وظيفة بسيطة بوجهة نظرها لن يضرها خالها و لن يضر والد "سديم" إخفاء الأمر ! العائلة على وشك الإنهيار إما التضحية بواحدة أو سوف تفقد جميع ماتملك بليلة وضحاها !!!
ابتسمت "سديم" لوالدتها و قررت معاونتها لعلها ترى أبيها كما كان ! لعله يعود إلى تمام الصحة والعافية ، لعلها ترى بريق عينيه اللامع بهجة بها ! لعله يُبصر !
منذ تلك اللحظة تحولت "سديم" و فقدت نقاء روحها ، وأصبح الخداع والمرواغة رفيقيها إلى الآن ، وبين انهزام و انتصار و انكسار و جبر تركت جسد بلا روح أو بمعنى أدق جسد يحمل روح مُهشمة !
إلى كل من يرغب في الاحتفال معي بإنتصاراتي ، أين أنت حين كنت أخوض المعارك بمفردي ؟!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
Back
استقامت واقفة بابتسامة فاترة رسمتها فوق شفتيها بصعوبة بالغة حين طرق "عاصم" الباب و دلف إليها بابتسامته البشوش يقول بقلق :
- الأوضة عجبتك ياحبيبتي ؟
هزت رأسها بالايجاب و قالت بهدوء و هي تتجه ناحيته :
- آه ، Nice decor "ديكور جميل" !
ثم أضافت بتساؤل :
- أنا ممكن أسأل عن حاجه ؟
اتجه معها إلى الأريكة وجلس بجوارها قائلًا :
- طبعًا مش محتاجة استئذان !
تنفست بهدوء و قالت :
- حضرتك متجوز وعندك بنت تاني مش كدا ؟
توترت نظراته و عقد حاجبيه قائلًا بقلق :
- مين قالك ؟ أنا كنت هستنى لحد ما تاخدي على العيلة و اقولك أكيد !
رفعت حاجبها مبتسمة و قالت بدهشة :
- طيب و ليه كل دا ؟ دا حقك و حاجة ما تضايقش أكيد عشان تستخبى ! هما فين ؟
ابتسم لها و أردف بحماس :
- هما في السخنة بس هتصل اقولهم يرجعوا الصبح !
ابتسمت له بهدوء و قالت بضحكة خفيفة :
-لا لا سيبهم على راحتهم يرجعوا لما يحبوا أنا بس حبيت اعرفك إنك مش محتاج تخبي عيلتك عني .
رفع "عاصم" حاجبه الأيسر و قال بمداعبة :
-ماشي بس مش أنا لوحدي اللي بخبي حاجات ، أنا لحد دلوقت معرفش تفاصيل عن والدتك ، بس مش عايز أعرف غير لما أنتِ تحبي تحكي !
رفعت عينيها و نظرت إليه بحزن ، واجتمعت الدموع بعينيها و عقلها يرسم صور والدها بمخيلتها وكأنه يتعمد جلدها بـسوط الذكريات ، أفاقت حين رفع يديه يكور وجهها قائلًا بلهفة :
- سديم ! مالك ياحبيبتي ؟
هزت رأسها و أجابت بهدوء :
- أنت طيب أوي ، بتفكري بحد أعرفه !
عقد حاجبيه و سأل :
- مين ؟ و دا يخليكِ تزعلي كدا ياحبيبتي ؟
ابتسمت له و قالت بألم :
- بابا واحدة صاحبتي ! بس مات خلاص !
ضم شفتيه بحزن و احتضنها يربت فوق خصلاتها قائلًا بلطف :
- أنا آسف إني فكرتك !
تركت دموعها تهبط بهدوء و همست بخفوت و هي داخل أمان أحضان ذلك الرجل الذي أجبرها على استرجاع ذكريات منذ أعوام تحاول الفرار منها ! :
- أنا مش بنسى أصلًا !
و أن عناق أبي لا زال عالق بين ثنايا عقلي وقلبي ، لازلت أراقب الصبايا التي تجاور أبيها في الطريق و تتمسك به إن تعثرت .. لازلت أنظر إلى جميع الآباء بأعين يملؤها الحنين ومع كل انتصار أعود إلى وسادتي ليلًا و تبدأ معركة خيالاتي حول نظراته لي و أحضانه و ثناؤه المحبب إلى قلبي حين يراني بذاك الصمود !!! لازلت أُغمض عيناي ليلًا و انتظره داخل أحلامي لأخبره عن هزائمي دون خجل ، لازلت ولازلت لكن قد زال أبي من الحياة و ترك أحبة تنتظره كل ليلة داخل وهم يسمى الأحلام !
#شيماء_الجندي
#أغلال_الروح
________________ *** _________________
داخل الحديقة المظلمة أمسكت "سديم" المصباح الصغير و سارت بخطوات حذرة تقول بصوت مرتفع :
- حد هنا ؟!!
عقدت حاجبيها حين استمعت إلى أصوات خافتة خلف الشجرة الكبيرة المثمرة و تدريجيًا أبصرت جسد والدها يزحف فوق الأرض بصعوبة بالغة يحمل فوق ظهره صندوق صغير لكن يبدو أنه ثقيل الوزن !
هرعت إليه وهبطت أرضًا تجلس بجانبه قائلة بصدمة تحاول إزاحة الصندوق عنه :
- بااابا ! أنت إيه اللي عمل فيك كدا ؟!! و إيه الصندوق دا حاطه كدا ليه !!!
رفع أبيها وجهه المتعرق و رأت ملامحه شديدة الآسى ينظر إليها بألم قائلًا :
- أنتِ مين ؟ أنا معرفكيش ، الصندوق دا بتاع بنتي سديم ولازم أوصله !
انطلقت الدموع من عينيها و أردفت بخوف ولازالت محاولاتها لرفع الصندوق عنه مستمرة :
- أنا سديم ياباابا !
نظر "أسامة" إليها و عقد حاجبيه قائلًا بدهشة :
- لو كنتِ سديم كنتِ هتقدري ترفعي الصندوق ! أنا معرفش صوتك ولا دي ملامح بنتي !
ثم صرخ فجأة بقوة حين وضعت يدها فوق الصندوق تحاول استكشاف سبب ثقله ، لكنها رفعتها حين صرخ بقوة وهدر بألم :
- ااااه ، تقلتي الحِمل يااابنتي !!!
انتفضت "سديم" فوق فراشها تضع يدها فوق صدرها الذي يرتفع ويهبط بقوة و رفعت يدها الأخرى تسير بها حول عنقها بهدوء و هي تهمس :
- مكنش قصدي اتقل حِملك !
و أحيانًا تُصبح الأحلام كالجمرات تحرق أرواحنا و كأنها تُخبرنا أن نيران ذنوبنا لم ولن تخمد ، بل إنها تتعمد إرسال رسائلها المُؤلمة لنا على هيئة جَمْرَات!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
ثم اغمضت عينيها و قد انتظمت أنفاسها بعد فترة صغيرة لكنها عقدت حاجبيها حين ارتفع رنين هاتفها برقم غير مُسجل لكنها تحفظه عن ظهر قلب !
رفعت الهاتف إلى أذنها و قالت بنبرة جافة :
- دي مواعيد إتصال ؟! الساعة 3 الصبح !
استمعت إلى ضحكته الرجولية ثم نبرته المداعبة يقول :
- أهو أنا متصل مخصوص عشان اسمعك بتكلميني كدا ، خالك لسه مقابل كارثة متحركة ياسديم وقال يطمن على أول يوم ليكِ مع عيلة الجندي !
زفرت بإرهاق و اسندت جسدها إلى الوسادة خلفها تقول بفتور :
- عايز إيه ياسامح أنا مش طايقة نفسي !
استمعت إليه يتنفس بملل و يقول :
- يووه ياسديم على طول قاتلة حماسي ببرودك كدا ، على العموم مادلين ظهرت و قابلتني من شوية في الـnightclub "ملهى ليلي" و المجنونة مُصرة تطلبلي البوليس تخيلي ، بس على مين الورق اللي معايا قلقها أوي و اعتذرتلي عن سوء التفاهم مجرد ما شافت الصور على الفون معايا اترعبت !
أنهى كلماته ضاحكًا بقوة بينما ضيقت "سديم" عينيها و علقت متسائلة :
- الورق ! أنت مصور الورق على فونك ليه أصلًا ؟
استمعت إليه يقول ساخرًا :
- ليه !! عشان موقف زي كداا ياسديم ، هو أنا اللي هقولك الكلام دا ، دا أنتِ أجدع واحدة في الخروج من المصايب !
جزت على أسنانها بقوة و قالت بغضب طفيف :
- بخرج من المشاكل منغير ما ابتز الناس !
ضحك بقوة و أردف :
- و أنا بحب شغلك عشان كدا ياقلب خالك ، على نضيف دايمًا عشان كدا أنتِ عندك دلوقت ، بالمناسبة أمجد بيدور عليكِ و بعت صورك لواحد يشوف حكايتك شكلهم لسه مقلقين ، أنا ظبطت الدنيا و أنتِ حاولي تنجزي بسرعة العيلة دي كبيرة و مليانة !
رفعت حاجبها حين نظرت من خلف زجاج غرفتها المُطل على الحديقة و رأت أحدهم يجلس بالخارج فوق الأريكة لكن الأضواء خافتة و جسده غير واضح لها ، همست حينها بخفوت :
- اقفل دلوقت ياسامح و خد بالك من مواعيد اتصالك لو خايف على الحوار دا و عايزه يتم منغير مشاكل !
وافقها الرأي و أجاب :
- عندك حق ، بالمناسبة أنا طلبت دفعة جديدة من آسر تحت الحساب يعني عشان يفضل فايق معايا كدا !
زفرت بملل و أجابت :
- بقولك إيه اعمل اللي تعمله معاه انتوا أحرار أنا كل اللي يهمني نصيبي و بس ، سلام بقاا !
أغلقت الهاتف و لم تنتظر رد ، ثم أزاحت الباب الزجاجي و خرجت إلى الحديقة ، تسير بخفة لكنها توقفت فجأة تعقد حاجبيها حين وجدت "أمجد" هو الشخص المجهول و يجلس واضعًا يده فوق صدره و يميل إلى الأمام قليلًا ، رددت بصوت واضح ومسموع :
- "Are you ok ?! " أنت بخير !؟
ثم واصلت سيرها بخطوات أسرع حين لم تجد رد و لم يلتفت إلى مصدر الصوت ، وقفت أمامه و ضيقت عينيها حين رفع رأسه و قد احتل الألم ملامحه و قال :
- أنا تمام ، كنت هطلع البيت بس حسيت بوجع قولت ارتاح دقايق ، روحي أنتِ !
أجابته بفتور :
- تحب اكلم سليم ؟
استقام فجأة صائحًا بجزع :
- لااا اوعيي تعمليهاا آ .آآآه !
أنهى جملته بصرخة قوية و قد اشتد الألم و مال إلى الأمام مما دفعها إلى إمساك كتفيه و إجباره على الجلوس قائلة بجمود :
- أنت محتاج حد يسعفك !
صمتت حين وجدت "آسر" يظهر من العدم فجأة صدره يعلو ويهبط بقوة و أنفاسه الغير منتظمة تخبرها أنه رآها و آتى ركضًا و لم ينتظر أن تظن هي الظنون حيث صاح بها فجأة و هو يزيح جسدها بعيدًا عن عمه و يجلس القرصاء أمامه محاولًا استكشاف سبب ألمه :
- أنتِ عملتي إيه ؟
رفعت حاجبها بدهشة و أردفت :
- أنت لسه هترغي ، دا شكله بيمر بأزمة ياتنقله مستشفى يا تطلب إسعاف و تلحقه !
نظر إليها بغضب و أجاب ساخرًا :
- و الدكتورة كانت بتشخص حالته بقا كل دااا ، ليه منادتيش علينااا !
عقدت حاجبيها و تنفست بهدوء ثم نظرت إلى عمه المتألم و قالت بنبرة حادة قليلًا :
- أنت لسه هتتخانق دا بيروح مننا ! هات مفاتيح عربيتك اخرجها وأنت ساعده لحد برا !
اخرج المفاتيح من بنطاله و تركها لها ثم مال يعاون "أمجد" بالوقوف ، بينما ركضت هي إلى السيارة و ماهي إلا لحظات و كانت أمامه بها تهبط منها و تفتح الباب الخلفي تدلف إلى الداخل و تعاونه عن طريق جذب جسد "أمجد" إليها و أسرع "آسر" إلى مقعد القيادة ليصل به إلى أقرب مشفى ، أما أمجد فقد شحب لون وجهه و تمكن الألم من صدره و لازال يقبض بقوة فوقه محاولًا تنظيم أنفاسه ، راقبها "آسر" و هي تحل رَبْطَة العُنُق الخاصة به ثم أول زر من القميص و هي تتحدث إليه قائلة :
- متقلقش دقايق و نوصل !
قبض "أمجد" على يدها بقوة و أغمض عينيه ، عقدت حاجبيها بألم لكنها رفعت يدها اليسرى و حلت ساعة اليد الخاصة بها وبعد عناء قليل نجحت بوضعها في يده و بدأت بقياس معدل نبضات قلبه و متابعة مؤشراته الحيوية تحت مراقبته و دهشته من اهتمامها !
بعد مرور ساعتين داخل المشفى ..
توجه الطبيب إليهما ثم توقف أمام "سديم" و جابت عينيه ملامحها ثم هبطت إلى ما ظهر من جسدها بانبهار واضح حيث كانت ترتدي قميص قطني ذي حمالات عريضة أظهر جمال نحرها و بنطال رياضي ضيق يصل إلى أسفل ركبتيها بقليل ، رفعت حاجبها الأيسر و كادت توبخه لكنها وجدت رفيقها الغاضب يجذبها من ذراعها خلفه و يحل محلها أمام الطبيب و قد أصبح مثل الحائط البشري يحول بينها و بينه قائلًا بانفعال بَيِّن :
- خير ؟
توترت نظرات الطبيب و قال :
- أستاذ أمجد تمام جدًا ويقدر يروح معاكم كمان دلوقت ، واضح أنه بيتكرر معاه الألم بتاع النهاردة و مش بيقول لأن دي أعراض ذبحة صدرية و إحنا عملنا الإسعافات اللازمة و المعلومات اللي قالتها الآنسة عن مؤشراته الحيوية اللي قاستها في الطريق ساعدتنا الحقيقة ، ياريت كل الناس عندها الوعي دا !
كانت "سديم" قد وقفت بجانب "آسر" تتابع تشخيصه بهدوء إلى أن تحدث لها و ابتسم فجأة لها ، فبادلته ببسمة مصطنعة و صمتت تبتعد عنها تاركة إياه مع الآخر الذي أردف بخشونة موجهًا حديثه إليه :
- لأ و خد بالك زي ما في ناس عندها وعي ، أنا اعرف ناس بتفقد الوعي لما عينهم بتزوغ منهم كدا !
زفرت بإرهاق ثم توجهت إلى الغرفة التي تضم "أمجد" و "سليم" و "يوسف" الذي فور أن رآها اتجه إليها يقول باهتمام و صوت خافت :
- الدكتور طمنكوا ؟
هزت رأسها بالإيجاب و ابتسمت له تنظر إلى "أمجد" الذي جلس فوق المقعد يعاونه ابنه بإغلاق أزرار قميصه لتقول :
- هو أول مرة يحصله كدا ؟
هز كتفيه و قال :
- مش عارف دي أول مرة يحصل كل دا ، أصلًا آسر لما كلمنا مصدقناش إنه اتنقل مستشفى !
قاطع حديثهم وصول "سليم" قائلًا بامتنان :
- أنا مش عارف اشكرك ازاي ياسديم ، لولا وجودك مكنش حد حس بيه الحمدلله إنك كنتِ معاه في وقتها .
ابتسمت له و أجابت بعبث :
- دا أنا قولت هتقولوا حصل كل دا من أول يوم قعدت فيه معاكم .
ضحك "يوسف" و أردف :
- لأ اللي ممكن يقول كدا حد تاني خاالص لكن إحنا عاقلين متقلقيش !
رفعت حاجبها الأيسر و أردفت بتساؤل : مين بقا ؟
مال "يوسف" وهمس بأذنها لتضحك بخفة و كادت تتحدث لكن وصول "آسر" غاضب يقول بإنفعال واضح :
- أنتِ إيه اللي كان موقفك برا ؟
نظرت إليه بهدوء بينما قال "سليم" بدهشة :
- فيه إيه ياآسر ؟
انتظر ردها لكنها آثرت الصمت و راقبت ملامحها الجامدة ببرود واضح بينما أكمل هو بغضب :
- أنتِ واخدة بالك بصلك إزاي وأنا واقف ؟
هزت كتفيها بلامبالاة واضحة و أجابت :
- آه أخدت ، اعمله إيه يعني واحد مش متربي وعينه فارغة !
رد بإنفعال :
- وليه متقوليش إن لقى حاجة مُباحة قصاده !
ابتسمت ببرود و أجابت :
- معلش المرة الجاية هقولك استنى لحد ما البس و يروح فيها المريض عادي ، وبعدين أنت مالك أنت مُباحة ولا لأ هو جسمك ولا جسمي دا أنت غريب !
ثم تركتهم و كادت تغادر لكنه رد بغضب :
- أنا اللي غريب ولا أنتِ اللي بجحة ، ماشية بالمنظر دا ومش مستنية الناس تتفرج عليكِ ؟
عادت إليه مرة أخرى و ردت بابتسامة ماكرة :
- طيب هفرض معاك إني بجحة و المفروض أخد بالي في وقت أزمة زي دا و أسيب الناس تضيع و كدا ، أنت بقا كنت فين ؟ مش أنا ركبت معاك العربية و جيت لحد هنا بنفس المنظر !
ضيق عينيه بغضب و صمت لكنها أكملت غير مبالية :
- ولا أنت قولت محدش شافها بيبقا عادي لكن أول ما حد عينه فارغة يبص يبقا المشكلة مني لوحدي مش كدا !
انقذه "سليم" الذي قال بابتسامة :
- مش كدا ياجماعة إحنا سايبين بابا تعبان ولازم نمشي دلوقت بيه الصبح طلع علينا !
ليهمس "يوسف" له :
- جبهة ابن عمك في ذمة الله دلوقت تلاقيه هينفجر !
و قاطع حديثهم "أمجد" الذي قال بإرهاق :
- مين دا اللي تعبان أنا تمام أوي و همشي مع سديم قصادكم و اسيبكم هنا لوحدكم !
ثم اتجه إليها يحيط كتفيها و يسير معها إلي الخارج قائلًا بأسف :
- متشكر على اللي عملتيه معايا و آسف لو كانت مقابلتي ليكِ مش أوي امبارح ، بس حطي نفسك مكاني أنا خوفت على أخويا !
ابتسمت له و أجابت بهدوء :
- آه اكيد فهماك ، المهم إنك بخير حمدلله على سلامتك !
ربت فوق كتفها و أجاب :
-الله يسلمك !
ثم واصلا السير بصمت إلى السيارات " ليقف "آسر" قائلًا :
- تحب تركب معانا يا عمي ولا مع يوسف و سليم !
كاد يُجيبه لكن قالت "سديم" :
- معانا دي اللي هما مين !
أجاب ساخرًا : هيكون مين يعني أكيد أنا وحضرتك !
هزت كتفيها و أجابت بهدوء :
- آهاا !
ثم نظرت إلى "سليم" مبتسمة بلطف و قالت :
- هو أنت مكسوف مني ياسليم ؟ يعني من لبسي أو شكلي !
رفع حاجبه بدهشة و أجاب بعفوية :
- لا طبعًا !
ابتسمت له و أعادت السؤال على "يوسف" :
- وأنت يايوسف ؟
نظر إلي "سليم" ثم قال مندهشًا :
- اكيد لأ ياسديم ليه بتقولي كدا ؟
أجابته بفتور :
- بقول كدا عشان مش هركب مع الكابتن ياهركب معاكم يا هتصرف وأروح لوحدي ، أنا مبمشيش مع حد بيتكسف مني !
رد "آسر " بغضب و أشار إلى حاله بصدمة :
- أنا قولت كدا !!!
أجابت بسخرية :
- أنت قولت الأسوأ من كدا و اتدخلت في حاجات متخصكش !
أنهى "أمجد" النقاش و قال :
- خلاص كفاية كدا ياولاد ، سديم هتركب معايا أنا و سليم و أنت ياآسر معاك يوسف و يلا بقا خلونا نروح الشمس طلعت !
و قد كان و عاد الجميع إلى المنزل بسلام إلا ذاك المارد المشتعل بنيران الغضب من كارثة متحركة وضعها بنفسه بين آل بيته !!!!!