رواية وله في ظلامها حياة الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم دينا احمد
الفصل التاسع والعشرون
≈ صغيرتي الدُمية ≈
أطلق أمجد رصاصة من مسدسه صوب قدم شريف الذي صرخ بألم تاركاً مسدسه يسقط أرضاً ليهتف أمجد ببرود:
- قولتلك أثبت مكانك وحط مسدسك في الأرض بس أنت شكلك عايز تموت... آخر إنذار ليك يا إما تستسلم يا إما الرصاصة التانية هتكون في قلبك.
أبتسم مراد متهكماً قائلاً بيأس:
- دايماً تيجي متأخر... نفسي مرة تغلط وتيجي في معادك.. منك لله يا أمجد يا أبن زينات وشي اتشوه.
ضغط أمجد بذراعه على عنق علي بحدة ليصيح صاح بمكر:
- معلشي يا صاحبي كان لازم أجيب معايا قوات اصلهم حاطين شوية تيران برا... يالا ربنا يرحمهم.
ثم أكمل بقسوة وهو يشعر بـ لهاث علي القوي محاولاً التقاط أنفاسه:
- وأنت بقي يا علي محتاج تتشوى في قعر جهنم، يكش تخلص الناس من رخامتك و سذاجتك دي، طول عمري اقولك يا مراد أن الواد علي ده شخصية غلسة من النوع التقيل على القلب.
أخرج علي آلة حادة "مطوة" من جيب بنطاله ببطئ وحذر شديد ليبتسم قائلاً بشر:
- بس لو متت مش هموت لوحدي.
صرخت نورا بذعر وهي تتابع ما يحدث:
- حاسب السكينة!! هتموووت.
غرس تلك السكين في جانب خصر أمجد ثم ضربه برأسه من الخلف مما جعل أمجد يترنح إلى الوراء واندفعت الدماء منه بغزارة ولكنه تماسك ضاغطاً بيده على مكان الجرح والأخرى رفع سلاحه بها حتى صدرت زمجرته الغاضبة صوتاً مرتفعاً مما جعل عروقه تنفر دلالة على بركان ناره المشتعل، ثوان كان الصمت يعم المكان، صمت مريب الجميع أعينهم متسعة بصدمة مما حدث ! ينظرون إلى جثة علي الغارق في دمائه حيث بحركة سريعة من أمجد كانت رصاصته الثانية في صدر علي ليفقد علي الحياة بعدها
وقبل أن يتحرك شريف كان رجال الشرطة يحاوطوه يمنعون عنه الهروب، بينما ارتجف جسد نورا ارتجافات حادة قوية من شدة الوجل لتبدأ في الصراخ بهستيريا عيناها جاحظتان من الدماء التى ملئت الأرض!
هز مراد الأصفاد من حوله بعنف صارخاً بحدة:
- فكني يا غبي..!
توجه نحوه أمجد ثم حل عنه الأصفاد المُكبل بها:
- متغلطش أحسن أرزعك كف يشوه وشك بحق.. كائن غريب!
دفعه مراد بحدة ثم هرع نهاية نورا التي ضمت جسدها المرتجف تنتحب دون هوادة ليضمها إليه مربتاً على ظهرها يخفيها عن أنظار أمجد وعناصر رجال الشرطة بجسده الضخم قائلاً برقة:
- أهدي خلاص احنا كدا في التمام... يالا يا حبيبتي نمشي من المكان الوحش ده.
- هما ليه عملوا فينا كدا؟! كان عايز يقتلك.
صرخت بين بكائها المرير الذي حمل جبلاً من آلامها فشعر بيدها التى تعتصر قميصه وكأن صراخها الرنان لهب مشتعل يُصيب جسده أردف بدوره:
- اديني قدامك زي القـرد أهو... نوري عشان خاطري أهدي وخلي جسمك يرتخي كدا غلط عليكي.
كلامه كان إشارة لها فأطبقت جفونها مستسلمة بين يداه، وما أن تأكد بأنها فقدت الوعي حتي تنهد بارتياح كأنه أزاح ثقل عن قلبه، مد أمجد يده بقطعة قماش "حجاب" قائلاً بسخرية:
- أخلص يا عم العاشق قوم وبطل مراهقة دمي اتصفي.
نزع من يده الحجاب متمتماً بغيظ:
- مهو القر بتاعك ده اللي جايبنا ورا... روح إلهي تعتر في واحدة تسففك تراب الأسفلت.
انكمشت ملامح أمجد بآلم ليهتف بإقتضاب:
- الواحدة دى لو ظهرت في حياتي هخلص منها بمعرفتي الحب متخلقش لواحد زيي.
ثم راح يُكمل حديثه وهو يوليه ظهره:
- هروح بقي على أي مستشفي اخيط الجرح أصل لو رجعت كدا أمي هتعمل مناحة وممكن توصل لـ صوان عزا
أمي في الـOver معندهاش ياما ارحميني.
أبتسم إليه مراد قائلاً بأمتنان:
- لو مكنتش جيت في الوقت المناسب معرفش كان ممكن يحصل إيه!
ألف سلامة عليك يا بطل ويارب تنتظم في مواعيدك مرة.
لاحت ابتسامة ظافرة على ثغر أمجد ثم أستعد للخروج وهو يغمغم:
- متنساش تعمل كمدات وتحط تلج على وشك تصدق نفسي اصورك وأنت كدا
صورتك تبقي في أول صفحة من الجرايد بعنوان
'سارق قلوب العذارى وفارس أحلامهم في مظهره الجديد' تخيل بقي.
زمجر مراد وهو يسبه بسخط و وقاحة:
- تصدق أنك شخصية ****
يالا أمشي من قدامي والا هتصل بالحجة زينات وعليا وعلى اعدائي.
- على ايه أنا أصلاً همشي.. آه صحيح البقاء لله في أبن عمك كان ونعم الشباب.
- الدوام لله يا حبيبي منجيش في حاجة وحشة.. على إتصال طبعاً.
أومأ له أمجد وخرج ليزيد مراد من ضمه إليها وأحكم لف الحجاب جيداً ثم نهض وهو يحملها تاركاً هذا المكان اللعين الأشبه بـ مقبرة.
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
- آه يا واطي وليك عين تتصل بيا.
تمتمت أسما بغيظ وهي ترمق هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين بإسم شهاب
- لأ بقي أنت عايز تتحط في الـ Black list
أسفوخس عليك إنسان ندل!
وضعته في قائمة المحظورين وألقت هاتفها على السرير تقضم أظافرها وتهز قدميها بعصبية وغضب قد بلغ أقصاه
كان يريد الثأر منها ! الثأر لشيء تجهله تماماً، فقط لو رآته مرة أخرى سوف تمطره بالشتائم والصفعات للنيل منه ولكرامتها، يأتي بكل تبجح ويعترف بحبه بعد أن فجر في وجهها هذه القنبلة
أخرجها من شرودها صوت آدم طفلها وهو يضربها على قدمها بيده الصغيرة قائلاً باحتجاج:
- يا مامي عايز هوت شوكليت بقالي نص ساعة بقولك عايز يوووه بقي!!!!
تسائلت أسما ولم تستمع حقاً لما يقوله أبنها:
- بتقول حاجة يا حبيبي؟
صاح طفلها بحدة كأنه يبلغ العشرون عام وليس فقط ست سنوات:
- مش عايز حاجة يا ست ماما... دي بقت عيشة تقرف أنا أنزل أقول لـ تيتة فاتن أحسن.
شهقت أسما ضاربة بيدها على صدرها من طريقة آدم الفظة لتزجره بنبرة غاضبة:
- ولد عيب! ليك عقاب عشان تبقي تقول ست ماما، و عيشة تقرف، مانا لو بحاسبك على كل كلمة مكنتش هتقل آدبك، إيه رأيك اني هاخد منك الألعاب طول الأسبوع ومفيش فسحة كمان.
رفع آدم يده بلامبالاة ثم صاح بهيمنة وكبرياء أذهل أسما:
- أصلاً أنا كبرت على اللعب والكلام الفاضي ده وخالو مراد وعدني هو اللي يفسحني مع نورا.
أخرج لها لسانه بطريقة طفولية اغاظتها لتهتف:
- بقي حتة سوسة قدك مفكر نفسه هيمشي كلامه عليا طب مش هتـ....
عقد يده خلف ظهره يقاطعها وهو يغمغم بصوت أجش:
- أنا مش سوسة ولا صغير يا مامي... بكرة أنزل الشركة واصرف عليكي أنتي وأختي... أنا عارف أن بابا مبيصرفش علينا عشان كدا هبقي مكانه وكمان أنا بحوش مصروفي عشان أعمل شركة لنفسي.
ابتلعت ريقها متحسرة لترسم ابتسامة مزيفة على شفتيها ثم ضمت وجه صغيرها بيدها و لانت نبرتها:
- حبيب قلب مامي أنا طبعاً واثقة فيك، و واثقة أنك سند أختك وسندي، تعرف يا دومة بفكر أعمل شركة ونروح أنا وأنت نشتغل.
أبتسم لها آدم بحماس و براءة طفولية قائلاً بلهفة وقد راق له هذه الفكرة:
- يعني همسك الشركة وأروح معاكي الشغل كل يوم؟؟
أماءت له بالايجاب ولكن ابتسامته تلاشت ليحل محلها الحزن:
- بس بابي ممكن يزعق ويقول عليا عيل... أنا زعلان منه أوي عشان آخر مرة طلبت منه بلايستيشن ضربني وقالي أنت مش راجل؛ عشان كدا مش هطلب ألعاب أو حاجة تانية، بس هو أتأخر أوي في سفره المرادي لما يجي هقوله آسف و أصالحه.
رمشت عدة مرات تحاول التماسك أمام صغيرها لتُحدثه بتحشرج وقد توقفت تلك الغصة بحلقها كأنها قطعة من الحجر:
- تعالي يالا يا سيدي نعمل مع بعض أحلى هوت شوكليت لأحلى آدم في الدنيا وأنا بسحب كلامي وهتخرج فسحة كمان غير فسحة خالو مراد.
- ماشي يا ماما شكراً ليكي وأنا مش هتكلم كدا تاني.
- شطور يا نور عين ماما، ايه رأيك نعمل سندوتشات بالنوتيلا كمان؟
- أشطا، يالا بينا.
سار قبلها برزانة و خطوات رتيبة، بينما نظرت له وهي غير مصدقة لعقل ذلك الطفل الأكبر من عمره...!
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
في اليوم التالي...
فتحت تلك الزرقاوتان تنظر للسقف لجزء من الثانية...
نظرة مشتتة، ضائعة، خائفة، اغلقتها سريعاً وقد تسرب صوت القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد إلى مسامعها وحينها أيقنت فراق علي المزعوم بـ "أبن عمها" للحياة، فرت دمعة سريعة على خديها تشكر الله على نجاة زوجها من الموت وعلى حين غرة شعرت بشيء خفيف يداعب ذراعها، جف حلقها غير قادرة على ابتلاع ريقها عقلها يصور العديد والعديد من التخيلات لا تتجرأ على فتح عيناها، شعرت بتوقف حركة هذا الشيء خفيف الوزن على بطنها كتمت صرختها وهي تنهض بفزع لتصطدم بذلك الجسد فكان جسد عمر صغيرها الذي ينام فوق جسدها ويتململ بطريقة لطيفة جعلتها تبتسم بعذوبة وحنان اموي من هذا المشهد الرائع المريح لبصرها، رفعت يدها مداعبة ظهره بأناملها تستنشق رائحته الذكيـة باستمتاع تام، عيناها رصدت دخول مراد وهو يفتح باب الغرفة بهدوء حتي لا يصدر صوتاً تاركاً العنان لها للأستغراق في النوم فيكفي الصراع الذي عانته بـ ليلة الأمس، أبتسم ابتسامة صغيرة وعيناه العسلية تقابل عيناها في وصال من المَحَبَّـة الهَوًى
اختطف قبلة على وجنتها يتنهد بتعب وأرق فهو لم يذق طعم النوم منذ يومين كاملين ثم دلك عنقه متمتماً:
- إذا سمحتم يعني.. ممكن أنام معاكم؟
أجابته بصوت ناعس تشير لمكان بجانبها:
- أنت تيجي تنام واحنا اللي نطلع برا كمان.. هو احنا عندنا كام مراد.
دلف بجانبها ممدداً جسده المنهك ثم التصق صدره بظهرها من الخلف ليقول ساخراً:
- مش ملاحظة أنك بقالك اكتر من خمستاشر ساعة نايمة!
أدارت وجهها نحوه تتسائل مباشرة والحزن سيطر عليها:
- هو مات صح؟
هز رأسه تأكيداً قائلاً بإقتضاب:
- مدفون الساعة عشرة الصبح، آخدنا العزا ويادوب لسه الناس ماشيين بس في ستات تحت.
جز على أسنانه بغضب متذكراً مجئ جاسر للتعزية منذ قليل وتذكر جملته التى ألقاها في وجه جاسر قائلاً بأسنان مطبقة "عقبالك يارب"
همهمت له لتُكمل سؤالها:
- طب.. طب شريف؟
- زفت لسه معرفش عنه حاجة.. أمجد قبض عليه امبارح وممكن يكون أتعرض على النيابة.
انفعلت ملامح وجهها قائلة:
- يستاهل دا حيوان حلوف... اتجنن خلاص!!
أنا مش مصدقة أنه كان هيضربك بالنار.
مازحها مراد في نبرته المشاكسة مغمغمًا:
- حبيبة بابي اللي خايفة عليه.. لو أعرف أن ليا معزّة عندك كدا كنت خطفتك من زمـان.
- معزّة ايه! أنت محسسني أنك ابن أختي.. اومال لو مخفتش على جوزي هخاف على مين؟
أتسعت ابتسامته المشرقة لتضع هي طفلها بجانبها برفق شديد ثم اندفعت تختبئ بحضنه بعد أن طبعت قبلة شغوفة مسرعة ليصيح مراد ضاحكاً بمرح:
- الحقوووني... نورا بتتحمرش بيا.
تآففت توبخه بضيق:
- مـراد متهرجش! ممكن يسمعنا حد.
هدأ من ضحكاته تدريجياً ليقول بجدية:
- طبعاً محدش يعرف بأي حاجة حصلت اليومين اللي فاتوا، أنا قولتلهم علي طلع عليه حرامية وقتلوه لما حاول يقاوم، هو مصدقوش في الأول بس صدقوا بعدين... المهم محدش لازم يعرف باللي حصل يا نوري.
- حاضر، بس هقول ايه لو سألوا على غيابنا؟
- أنا قولت لمامتك أنك كنتي معايا في الإسكندرية بوقع صفقة جديدة.
- كدا تمام.. أنا هنزل تحت بقي و...
قاطعها وهو يزمجر باعتراض يحتضنها بالقوة حتي شعرت بتكسر ضلوع جسدها:
- مفيش كلمة هنزل وتسيبيني كدا... احضنيني يا نوري متبعديش عني.
بالطبع لن يتركها تذهب كما يحلو لها، يريد أن ينعم بدفء جسدها ونعومته، يكفيه هذا الحرمان الذي ظن بأنه طال لسنوات عدة، لو فقط تعلم بمقدار الراحة التي يستمدها منها لن تتركه أبداً، قُربها منه جنة وبُعدها عنه كالجحيم، رائحتها الوردية التي تتسلل لأنفه تجعله يحلق في الأفق
شعر بيدها تغوص بين ثنايا شعره الفحمي لتهمس برقة اذابت قلبه:
- ماشي يا سيدي هفضل معاك مع اني نمت كتير بس هنام تاني.
- بصي لو مش عايزة تنامي متناميش.. أو اقولك لما تلاقيني نمت أبقي قومي ومتخافيش على عمر لو صحى هقولك.
قال جملته بتلقائية وهو يوصد عيناه لتبتسم هي
واحست بانتظام أنفاسه وسكونه برغم محاوطته لها من جميع الجهات ولكنه ينام بعمق كما لم يفعل من قبل...
وبعد مرور مالا يقل عن الساعتين نهضت بخفة بعد أن فكت حصاره لها كأنه سد منيع، ثم فتحت الدولاب المشترك بينهم وبعدها أرتدت ملابسها التي اتشحت بالسواد حداداً على موت قريبها وخرجت من الغرفة على أطراف أصابعها حتي لا يستيقظ زوجها أو طفلها
هبطت الدرج لتستمع إلى أصوات بكاء وعويل في الداخل، زفرت بحدة متمتمة بصوت خفيض:
- لو بس يعرفوا هو كان هيعمل فينا ايه مكنوش عيطوا خمس دقايق على بعضها، بس يالا ربنا يرحمه ريح الناس من شره.
- يا بنتي بكلمك مبترديش ليه؟!
صاحت فاتن وهي تهـز ذراع نورا لتنتبه لها قائلة بعدم فهم:
- بتقولي حاجة يا ماما؟
- هتجبيلي سكتة قلبية في يوم يا بنت بطني.. بقولك منزلتيش من بدري ليه؟ كلهم مستغربين غيابك.
التوي ثغره نورا ثم هتفت مصتنعة التعب:
- معلشي أصل السفر تعبني لما جيت نمت محستش بنفسي...
تحسست فاتن كتف ابنتها وهى تضغط عليه قائلة بتهكم وعدم رضا:
- مالك نشفتي و ضعفتي كدا ليه؟
عيني عليكي يا بنتي.. أقولك في فيتامينات تقوي الجسم وبعدين اهتمي بـ أكلك شوية أكيد الواد مراد هادد حيلك معاه ابقي قوليلي يخـ..أتسعت عيني نورا من جرأة والدتها لتقاطعها وقد اصتبغ كامل وجهها بحُمرة الخجل:
- أنتي بتتكلمي كدا ازاي!! عيب يا ماما الله
وبعدين دا وقته تتكلمي في الموضوع العيب ده وسايبة العزا.
رفعت فاتن أنفها شامخة قائلة بنبرة ساخرة:
- يا شيخة اتنيلي، دلوقتي انا اللي بتكلم في العيب!
طب واللي عمله جوزك المفضوح يوم الفرح تسميه ايه؟
دا مبطلش يـ.....
فرت نورا سريعاً دون أن تستمع إلى باقي حديث فاتن والذي سينتهي بجملة مُخجلة لن تتحملها
ذهبت نحو نسرين التي ما أن رآتها حتي ارتمت معانقة إياها و انفجرت باكية فحاولت أن تواسيها وشعرت بتكون غمامة على عيناها شفقة على حال ابنة عمها و والدتها، بينما تجلس أسما وآثار البكاء ظاهرة على بياض عيناها الذي تحول للون الدماء وانفها القاني...
ابتلعت في حزن فهي مُدركة لما تعانيه أسما، حتي لو أظهرت عدم الاكتراث لن تصدقها فهي كانت زوجته لأكثر من ست سنوات و بينهم اطفال، أحبته أيضاً وكيف لا تُحبه وهو يرتدي قنـاع البراءة و الود أمام الجميع!
توجهت وانتصفت جلستها بين أسما و يارا صديقتها التي أتت من باب اللباقة...
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
بعد مرور أسبوعين...
فتح النافذة يدخن بشراهة مفكراً كيف سيتصرف مع نورا وقد هاتف عاصم منذ قليل وأخبره بمدى خوفها واضطرابتها النفسية التي تزداد بشكل ملحوظ وطلب منه أن يساعده للحصول على نتائج مُفرحة في وقت قصير، أبتسم بسخرية متذكراً آخر الأخبار التى انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي مصحوبة بصورة قد التقطت لـ شريف وهو يخرج من السجن ويصاحبه بعض المسعفون من المصحة النفسية، عناوين الأخبار سواء في الجرائد أو المواقع تؤكد تعرضه للجنون التام، أسودت حدقتاه تتراقص على شفتيه نص ابتسامة ولكن لو رآها أحد لسقط صريعاً من هيئته الجحيمية تلك..
جذب الهاتف الذي يرن وكان هويـة المتصل هو فتحي، جاسوسه و ذراعه اليمين
أجاب ببرود:
- آلو ازيك يا فتحي.
ردد فتحي بصوت منخفض ومذهول كلمة 'ازيك' فهو لم يستمعها من مراد أبداً ولكنه هتف بلهفة
= الحمد لله تمام يا باشا.
صاح مراد:
- جريدة الشعب وصلتلي انهارده والخبر كان في أول صفحة زي ما آمرتك عشان كدا ليك عندي هدية إنما ايه.. أول مرة أبقي فخور بيك، تيجيلي بكرة و دفتر الشيكات هيبقي قدامك تكتب فيه المبلغ اللي يملي عينك.
أزدادت ابتسامة فتحي وهو يشعر بالفخر ثم تحدث
= كله من خيرك يا باشا... بس يعني الدكتور قال الحبوب اللي اشتريتها هتقعد ست شهور ومفعولها هيقل بعدها... بس لو عنده مشكلة نفسية بعدها هيبقي مجنون فعلاً.
قلب عيناه بملل ليهتف ببرود:
- مهو ده المطلوب يا غبي.. المهم حبوب الهلوسة دي جبتها منين؟
= دي جاية من ألمانيا مخصوص... عنوان المستشفي اللي دخلها بعته على اللوكيشن يا باشا.
- تمام كدا.. بكرة بقي تيجي الصبح تاخد نصيبك وزيادة كمان... سلام.
أغلق المكالمة ليقهقه مراد بهستيرية شديدة يشعر بلذة إنتصار لم يجربها عندما كسب أكبر صفقة في حياته!!
انعكست ابتسامته أمام المرآة وهو ينظر إلى جروح وجهه التي بدأت تتلاشى رويداً رويداً ليلعن شريف في سره، ثم أرتدي قميصاً قطني ولبى نداء نورا وهى تطلب منه الهبوط للأسفل لتناول الطعام
- صباح الخير.
صاح بتهكم وهو يجلس على مقعده لتعقد حاجبيها قائلة بتوجس:
- مالك بتتكلم كدا ليه؟!
صب اهتمامه على الطبق أمامه يجيب ببرود:
- مفيش.
تركت الملعقة التي بيدها قائلة:
- أنا عايزة أروح لماما، بقالي أسبوعين مروحتش من يوم موتت علي.
- لأ.
كانت أجابته جافة خاوية لتتسع عيناها من رفضه قائلة:
- لأ ليه يعني؟
- عشان أنا عايز كدا.
هذا البرود منذ الصباح يُغضبها ولكنها حادثته وكانت على وشك البكاء:
- بس كدا أنت بتخنقني بقولك ماما و أسما وحشوني.
أكمل تناول طعامه وهو يجيبها:
- دا آمر ولازم تتقبليه.
أطلت ناهضة من جلستها وهي تريد الصعود حتي لا يري دموعها فصاح بنبرة حازمة:
- نـورا.
التفتت إليه ولم تتحدث ليتسائل وهو يمسك رسغ يدها:
- ليه مش اعترضتي؟ إيه الضعف ده! أي كلمة حد يآمرك بيها تنفذيها من غير كلام.
أبعدت يده قائلة بارتعاش:
- عشان خايفة اتعاقب.. أنا شايفاك حازم يا مراد.
أخفض رأسه بخزي مفكراً بكلامها وقد شعر باستحالة معالجتها ركض خلفها متبعاً طريقها وقبل أن يدلف هو قامت بدفع الباب في وجه
ليتحدث بأعين جاحظة:
- قفلت في وشي!!
طرق على الباب قائلاً بحدة:
- افتحي يا نورا.. إزاي تقفلي في وشي؟!
صرخت به فأدرك أنه لو لم يتوقف سوف تتعرض لإحدى النوبات التى تأتيها:
- بقولك إيه أبعد عني احسنلك والله لو ضربتني همشي ومش هتعرفلي طريق.
تحدث بلين مستعطفاً نورا:
- نوري حبيبتي أنا مراد.. افتحيلي نتفاهم أنا مش عاجبني سكوتك ده.
فتحت الباب تنظر له بعبوس و براءة طفولية ليقرص وجنتها يبتسم بمشاكسة:
- دا أنا هظرفك حتة بوسـة إنما إيه... ليڤل الوحش!
تعثلمت وهي تضع يدها على صدره:
- ايه.. الكلام.. ده.. لو سـ سمحت.
غمز بطرف عيناه وهو يدفعها لداخل الغرفة و وصده خلفهم هامساً بمكر:
- هشش.. الحيطان ليها ودان مش عايز أسمع صوت
أنا هصالحك بمعرفتي...
حينها أدركت بما ينويه فسكتت عن الكلام المباح
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
قطب جبينه في خوف وهو يستمع إلى صوتها تتأوه بآلم داخل المرحاض، إلى هنا ويكفي فقد بلغ قلقه لأقصي الحدود فأسرع يفتح باب المرحاض الملحق بالغرفة على مصراعيه فوجدها منحنية أمام الحوض تتقيأ وتسعل بشدة ممسكة بمعدتها، في أقل من الثانية كان يقف خلفها قائلاً بخوف وهو ينظر لشحوب وجهها:
- مالك يا رحمة؟ في ايه بس؟
- مش قادرة يا جاسر... هموت من التعب.
قالتها رحمة وهي تبكي من الألم، فأسرع هو قائلاً بلهفة و انفعال:
- تعالي نروح للدكتور حالاً.
تنفست بتثاقل وهى تجفف وجهها المبتل:
- أنا هبقي كويسة ملوش لزوم الدكتور.
- متأكدة ولا بتكدبي عليا؟
- الله أنا بقولك كويسة يبقي خلاص.
- خلاص طالما هوصلك عند مراد عشان تكلميه واحنا ماشيين تبقي تكشفي من باب الاحتياط.
أومأت له مبتسمة بشحوب و أردفت:
- هروح أجهز عشان نمشي دلوقتي.. كدا احنا اتأخرنا أوي.
مر بعض الوقت و وقفت سيارة جاسر أمام فيلا مراد و ترجلت منها رحمة التى سارت ببطئ حتى استغرقت عشر دقائق كاملة للدخول، تنهد جاسر ببعض من الارتياح بعد أن تأكد من وصولها بخير ثم أنطلق بسيارته إلى مقر عمله
بينما جلست رحمة في غرفـة الإستقبال تنتظر مجئ شقيقها، أبتسمت بسعادة عندما دلفت نورا بطلتها البهية فصاحت نورا قائلة بحماس وهي تستقبل رحمة بحفاوة:
- أخيراً شفتك!
انا مصدقتش لما قالولي أنك تحت..
أبتسمت رحمة قائلة بصدق:
- وحشتيني أوي.
تطلعت إليها نورا قائلة ببلاهة:
- بس أنتي جميلة أوي.. قصدي مكنتش متخيلة تكوني قمر كدا.
أبتسمت رحمة قائلة بخجل:
- دا من ذوقك بس.
- مدام نورا لو سمحتي تعالي شوفي الحاجات اللي عملناها مظبوطة ولا لأ.
صاحت بها الخادمة باحترام لتهز نورا رأسها قائلة:
- اتفضلي أنتي يا أنعام أنا جاية وراكي.
تنحنحت نورا قائلة بحرج:
- معلشي دقيقة واحدة وهكون هنا... أصل مراد بيحب كل حاجة مظبوطة وهما بياخدوا رأيي.
أبتسمت رحمة بمجاملة:
- لأ عادي ولا يهمك.
هبت نورا واقفة وهي تخرج من الغرفـة فأخذت رحمة تفرك في يدها بارتباك وهى تستمع إلى صوت طرق حذاء على الأرض فعلمت بأنه مراد الذي عقد حاجبه في استنكار ما أن رآها وخمّن بأنها آتية من أجل نورا ليتحدث بابتسامة صغيرة:
- أهلاً آنسة رحمة... استئذن أنا بقي.. مكنتش أعرف أنك هنا.
كان يهمّ بالخروج ولكن يد رحمة أوقفته قائلة بسرعة:
- لا خليك أنا عايزاك.. قصدي يعني عايزة أتكلم معاك.
نظر ليدها بحدة محذراً إياها لتبتلع هي وتسائلت بعين امتلئت بالرجاء:
- ممكن؟
حمحم و أماء لها بإقتضاب ثم أشار لها بالجلوس وجلس هو الآخر على مقعد بعيد قائلاً:
- اتفضلي قولي أنتي عايزة إيه؟
- لو بس تديني فرصة أتكلم معاك براحة بدل طريقتك دي هتكلم علطول.. بس حاضر هتكلم.
عقد ذراعه يستعد للاستماع لها فهتفت هي:
- أسمي رحمة داوود أبو الفضل.
أزدردت وهى تتابع ملامح وجهه التي ظهر عليها الامتعاض ثم تحدث بين أسنانه:
- أومال ايه رحمة حسيني دي؟ يا ترا بقي ابوكي هو اللي باعتك هنا ولا مين.
- اسمعني بس.. الإسم ده معرفتش عنه حاجة غير من حوالي شهر
مامتك هدي آخدت عينة مني وعينة من بابا داوود قبل موته وعملت تحليل طلعت بنته.
زفر يخلل شعره قائلاً بهدوء مزيف:
- و هدي هانم إيه مصلحتها تعمل كل ده؟
لم يعجبها طريقته الفظة فهتفت بضيق:
- هدي هانم دي تبقي أمي زي ما هي أمك.
- نعم !
- هحكيلك كل حاجة، ولازم تصدقني أرجوك.
عض على شفتيه يغمغم:
- اتفضلي أنا سامعك.
آخذت نفساً تزفره على مهلٍ ثم بدأت تسرد عليـه كل شيء بدأ من لقاء جاسر لهدي إلى هذا اليوم وما جعلها ترتاح هو تأثر ملامحه وهى تقص عليه ما حدث
ختمت حديثها مغمغمة بآلم:
- أنا بس اللي طلباه منك متسبنيش طول عمري كنت بتمني يكون ليا أخ اتحامي فيه من الدنيا.. ارجوك صدقني.
رق قلبه وقد التمس الصدق من حديثها لينهض واقفاً مما جعلها تغمض عيناها بحزن معتقدة بأنه لا يصدقها ولكنها اتسعت بدهشة عندما جذبها محتضناً إياها قائلاً بحنان ادهشها أكثر:
- أنا مصدقك يا حبيبتي.
استمعوا إلى صوت تكسير لينظروا معاً فوجدوا نورا تقف عيناها تطلق شرارة الغضب والغيرة صارخة:
- إيه اللي بيحصل هنا؟!
وقبل أن يبرر مراد فعلته وجد جسد رحمة يترنح آيل للسقوط وقد أغلقت عيناها أخيراً فأسرع بالتقاط جسدها وحملها ممدداً إياها على الأريكة وهو يصيح بـ نورا المتجمدة في مكانها:
- واقفة عندك ليه اتفضلي اتصلي بدكتور.
تصاعد غضبها من لهفته الظاهرة عليه وتضخم وحش الغيرة بداخلها ولكن صراخه عليها اربكها للغاية:
- اخلصي يا بنتي!!
حمل رحمة و أدخلها لإحدى الغرف و نورا تتابعهم بعين الصقر لتجهش في البكاء تهشم الهاتف الذي بيدها في الحائط، بينما جاء الطبيب سريعاً حاملاً أدواته اللازمة وبعد بضع دقائق خرج الطبيب قائلاً بابتسامة رسمية يتابع لهفة مراد:
- مبروك المدام حامل.
≈ صغيرتي الدُمية ≈
أطلق أمجد رصاصة من مسدسه صوب قدم شريف الذي صرخ بألم تاركاً مسدسه يسقط أرضاً ليهتف أمجد ببرود:
- قولتلك أثبت مكانك وحط مسدسك في الأرض بس أنت شكلك عايز تموت... آخر إنذار ليك يا إما تستسلم يا إما الرصاصة التانية هتكون في قلبك.
أبتسم مراد متهكماً قائلاً بيأس:
- دايماً تيجي متأخر... نفسي مرة تغلط وتيجي في معادك.. منك لله يا أمجد يا أبن زينات وشي اتشوه.
ضغط أمجد بذراعه على عنق علي بحدة ليصيح صاح بمكر:
- معلشي يا صاحبي كان لازم أجيب معايا قوات اصلهم حاطين شوية تيران برا... يالا ربنا يرحمهم.
ثم أكمل بقسوة وهو يشعر بـ لهاث علي القوي محاولاً التقاط أنفاسه:
- وأنت بقي يا علي محتاج تتشوى في قعر جهنم، يكش تخلص الناس من رخامتك و سذاجتك دي، طول عمري اقولك يا مراد أن الواد علي ده شخصية غلسة من النوع التقيل على القلب.
أخرج علي آلة حادة "مطوة" من جيب بنطاله ببطئ وحذر شديد ليبتسم قائلاً بشر:
- بس لو متت مش هموت لوحدي.
صرخت نورا بذعر وهي تتابع ما يحدث:
- حاسب السكينة!! هتموووت.
غرس تلك السكين في جانب خصر أمجد ثم ضربه برأسه من الخلف مما جعل أمجد يترنح إلى الوراء واندفعت الدماء منه بغزارة ولكنه تماسك ضاغطاً بيده على مكان الجرح والأخرى رفع سلاحه بها حتى صدرت زمجرته الغاضبة صوتاً مرتفعاً مما جعل عروقه تنفر دلالة على بركان ناره المشتعل، ثوان كان الصمت يعم المكان، صمت مريب الجميع أعينهم متسعة بصدمة مما حدث ! ينظرون إلى جثة علي الغارق في دمائه حيث بحركة سريعة من أمجد كانت رصاصته الثانية في صدر علي ليفقد علي الحياة بعدها
وقبل أن يتحرك شريف كان رجال الشرطة يحاوطوه يمنعون عنه الهروب، بينما ارتجف جسد نورا ارتجافات حادة قوية من شدة الوجل لتبدأ في الصراخ بهستيريا عيناها جاحظتان من الدماء التى ملئت الأرض!
هز مراد الأصفاد من حوله بعنف صارخاً بحدة:
- فكني يا غبي..!
توجه نحوه أمجد ثم حل عنه الأصفاد المُكبل بها:
- متغلطش أحسن أرزعك كف يشوه وشك بحق.. كائن غريب!
دفعه مراد بحدة ثم هرع نهاية نورا التي ضمت جسدها المرتجف تنتحب دون هوادة ليضمها إليه مربتاً على ظهرها يخفيها عن أنظار أمجد وعناصر رجال الشرطة بجسده الضخم قائلاً برقة:
- أهدي خلاص احنا كدا في التمام... يالا يا حبيبتي نمشي من المكان الوحش ده.
- هما ليه عملوا فينا كدا؟! كان عايز يقتلك.
صرخت بين بكائها المرير الذي حمل جبلاً من آلامها فشعر بيدها التى تعتصر قميصه وكأن صراخها الرنان لهب مشتعل يُصيب جسده أردف بدوره:
- اديني قدامك زي القـرد أهو... نوري عشان خاطري أهدي وخلي جسمك يرتخي كدا غلط عليكي.
كلامه كان إشارة لها فأطبقت جفونها مستسلمة بين يداه، وما أن تأكد بأنها فقدت الوعي حتي تنهد بارتياح كأنه أزاح ثقل عن قلبه، مد أمجد يده بقطعة قماش "حجاب" قائلاً بسخرية:
- أخلص يا عم العاشق قوم وبطل مراهقة دمي اتصفي.
نزع من يده الحجاب متمتماً بغيظ:
- مهو القر بتاعك ده اللي جايبنا ورا... روح إلهي تعتر في واحدة تسففك تراب الأسفلت.
انكمشت ملامح أمجد بآلم ليهتف بإقتضاب:
- الواحدة دى لو ظهرت في حياتي هخلص منها بمعرفتي الحب متخلقش لواحد زيي.
ثم راح يُكمل حديثه وهو يوليه ظهره:
- هروح بقي على أي مستشفي اخيط الجرح أصل لو رجعت كدا أمي هتعمل مناحة وممكن توصل لـ صوان عزا
أمي في الـOver معندهاش ياما ارحميني.
أبتسم إليه مراد قائلاً بأمتنان:
- لو مكنتش جيت في الوقت المناسب معرفش كان ممكن يحصل إيه!
ألف سلامة عليك يا بطل ويارب تنتظم في مواعيدك مرة.
لاحت ابتسامة ظافرة على ثغر أمجد ثم أستعد للخروج وهو يغمغم:
- متنساش تعمل كمدات وتحط تلج على وشك تصدق نفسي اصورك وأنت كدا
صورتك تبقي في أول صفحة من الجرايد بعنوان
'سارق قلوب العذارى وفارس أحلامهم في مظهره الجديد' تخيل بقي.
زمجر مراد وهو يسبه بسخط و وقاحة:
- تصدق أنك شخصية ****
يالا أمشي من قدامي والا هتصل بالحجة زينات وعليا وعلى اعدائي.
- على ايه أنا أصلاً همشي.. آه صحيح البقاء لله في أبن عمك كان ونعم الشباب.
- الدوام لله يا حبيبي منجيش في حاجة وحشة.. على إتصال طبعاً.
أومأ له أمجد وخرج ليزيد مراد من ضمه إليها وأحكم لف الحجاب جيداً ثم نهض وهو يحملها تاركاً هذا المكان اللعين الأشبه بـ مقبرة.
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
- آه يا واطي وليك عين تتصل بيا.
تمتمت أسما بغيظ وهي ترمق هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين بإسم شهاب
- لأ بقي أنت عايز تتحط في الـ Black list
أسفوخس عليك إنسان ندل!
وضعته في قائمة المحظورين وألقت هاتفها على السرير تقضم أظافرها وتهز قدميها بعصبية وغضب قد بلغ أقصاه
كان يريد الثأر منها ! الثأر لشيء تجهله تماماً، فقط لو رآته مرة أخرى سوف تمطره بالشتائم والصفعات للنيل منه ولكرامتها، يأتي بكل تبجح ويعترف بحبه بعد أن فجر في وجهها هذه القنبلة
أخرجها من شرودها صوت آدم طفلها وهو يضربها على قدمها بيده الصغيرة قائلاً باحتجاج:
- يا مامي عايز هوت شوكليت بقالي نص ساعة بقولك عايز يوووه بقي!!!!
تسائلت أسما ولم تستمع حقاً لما يقوله أبنها:
- بتقول حاجة يا حبيبي؟
صاح طفلها بحدة كأنه يبلغ العشرون عام وليس فقط ست سنوات:
- مش عايز حاجة يا ست ماما... دي بقت عيشة تقرف أنا أنزل أقول لـ تيتة فاتن أحسن.
شهقت أسما ضاربة بيدها على صدرها من طريقة آدم الفظة لتزجره بنبرة غاضبة:
- ولد عيب! ليك عقاب عشان تبقي تقول ست ماما، و عيشة تقرف، مانا لو بحاسبك على كل كلمة مكنتش هتقل آدبك، إيه رأيك اني هاخد منك الألعاب طول الأسبوع ومفيش فسحة كمان.
رفع آدم يده بلامبالاة ثم صاح بهيمنة وكبرياء أذهل أسما:
- أصلاً أنا كبرت على اللعب والكلام الفاضي ده وخالو مراد وعدني هو اللي يفسحني مع نورا.
أخرج لها لسانه بطريقة طفولية اغاظتها لتهتف:
- بقي حتة سوسة قدك مفكر نفسه هيمشي كلامه عليا طب مش هتـ....
عقد يده خلف ظهره يقاطعها وهو يغمغم بصوت أجش:
- أنا مش سوسة ولا صغير يا مامي... بكرة أنزل الشركة واصرف عليكي أنتي وأختي... أنا عارف أن بابا مبيصرفش علينا عشان كدا هبقي مكانه وكمان أنا بحوش مصروفي عشان أعمل شركة لنفسي.
ابتلعت ريقها متحسرة لترسم ابتسامة مزيفة على شفتيها ثم ضمت وجه صغيرها بيدها و لانت نبرتها:
- حبيب قلب مامي أنا طبعاً واثقة فيك، و واثقة أنك سند أختك وسندي، تعرف يا دومة بفكر أعمل شركة ونروح أنا وأنت نشتغل.
أبتسم لها آدم بحماس و براءة طفولية قائلاً بلهفة وقد راق له هذه الفكرة:
- يعني همسك الشركة وأروح معاكي الشغل كل يوم؟؟
أماءت له بالايجاب ولكن ابتسامته تلاشت ليحل محلها الحزن:
- بس بابي ممكن يزعق ويقول عليا عيل... أنا زعلان منه أوي عشان آخر مرة طلبت منه بلايستيشن ضربني وقالي أنت مش راجل؛ عشان كدا مش هطلب ألعاب أو حاجة تانية، بس هو أتأخر أوي في سفره المرادي لما يجي هقوله آسف و أصالحه.
رمشت عدة مرات تحاول التماسك أمام صغيرها لتُحدثه بتحشرج وقد توقفت تلك الغصة بحلقها كأنها قطعة من الحجر:
- تعالي يالا يا سيدي نعمل مع بعض أحلى هوت شوكليت لأحلى آدم في الدنيا وأنا بسحب كلامي وهتخرج فسحة كمان غير فسحة خالو مراد.
- ماشي يا ماما شكراً ليكي وأنا مش هتكلم كدا تاني.
- شطور يا نور عين ماما، ايه رأيك نعمل سندوتشات بالنوتيلا كمان؟
- أشطا، يالا بينا.
سار قبلها برزانة و خطوات رتيبة، بينما نظرت له وهي غير مصدقة لعقل ذلك الطفل الأكبر من عمره...!
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
في اليوم التالي...
فتحت تلك الزرقاوتان تنظر للسقف لجزء من الثانية...
نظرة مشتتة، ضائعة، خائفة، اغلقتها سريعاً وقد تسرب صوت القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد إلى مسامعها وحينها أيقنت فراق علي المزعوم بـ "أبن عمها" للحياة، فرت دمعة سريعة على خديها تشكر الله على نجاة زوجها من الموت وعلى حين غرة شعرت بشيء خفيف يداعب ذراعها، جف حلقها غير قادرة على ابتلاع ريقها عقلها يصور العديد والعديد من التخيلات لا تتجرأ على فتح عيناها، شعرت بتوقف حركة هذا الشيء خفيف الوزن على بطنها كتمت صرختها وهي تنهض بفزع لتصطدم بذلك الجسد فكان جسد عمر صغيرها الذي ينام فوق جسدها ويتململ بطريقة لطيفة جعلتها تبتسم بعذوبة وحنان اموي من هذا المشهد الرائع المريح لبصرها، رفعت يدها مداعبة ظهره بأناملها تستنشق رائحته الذكيـة باستمتاع تام، عيناها رصدت دخول مراد وهو يفتح باب الغرفة بهدوء حتي لا يصدر صوتاً تاركاً العنان لها للأستغراق في النوم فيكفي الصراع الذي عانته بـ ليلة الأمس، أبتسم ابتسامة صغيرة وعيناه العسلية تقابل عيناها في وصال من المَحَبَّـة الهَوًى
اختطف قبلة على وجنتها يتنهد بتعب وأرق فهو لم يذق طعم النوم منذ يومين كاملين ثم دلك عنقه متمتماً:
- إذا سمحتم يعني.. ممكن أنام معاكم؟
أجابته بصوت ناعس تشير لمكان بجانبها:
- أنت تيجي تنام واحنا اللي نطلع برا كمان.. هو احنا عندنا كام مراد.
دلف بجانبها ممدداً جسده المنهك ثم التصق صدره بظهرها من الخلف ليقول ساخراً:
- مش ملاحظة أنك بقالك اكتر من خمستاشر ساعة نايمة!
أدارت وجهها نحوه تتسائل مباشرة والحزن سيطر عليها:
- هو مات صح؟
هز رأسه تأكيداً قائلاً بإقتضاب:
- مدفون الساعة عشرة الصبح، آخدنا العزا ويادوب لسه الناس ماشيين بس في ستات تحت.
جز على أسنانه بغضب متذكراً مجئ جاسر للتعزية منذ قليل وتذكر جملته التى ألقاها في وجه جاسر قائلاً بأسنان مطبقة "عقبالك يارب"
همهمت له لتُكمل سؤالها:
- طب.. طب شريف؟
- زفت لسه معرفش عنه حاجة.. أمجد قبض عليه امبارح وممكن يكون أتعرض على النيابة.
انفعلت ملامح وجهها قائلة:
- يستاهل دا حيوان حلوف... اتجنن خلاص!!
أنا مش مصدقة أنه كان هيضربك بالنار.
مازحها مراد في نبرته المشاكسة مغمغمًا:
- حبيبة بابي اللي خايفة عليه.. لو أعرف أن ليا معزّة عندك كدا كنت خطفتك من زمـان.
- معزّة ايه! أنت محسسني أنك ابن أختي.. اومال لو مخفتش على جوزي هخاف على مين؟
أتسعت ابتسامته المشرقة لتضع هي طفلها بجانبها برفق شديد ثم اندفعت تختبئ بحضنه بعد أن طبعت قبلة شغوفة مسرعة ليصيح مراد ضاحكاً بمرح:
- الحقوووني... نورا بتتحمرش بيا.
تآففت توبخه بضيق:
- مـراد متهرجش! ممكن يسمعنا حد.
هدأ من ضحكاته تدريجياً ليقول بجدية:
- طبعاً محدش يعرف بأي حاجة حصلت اليومين اللي فاتوا، أنا قولتلهم علي طلع عليه حرامية وقتلوه لما حاول يقاوم، هو مصدقوش في الأول بس صدقوا بعدين... المهم محدش لازم يعرف باللي حصل يا نوري.
- حاضر، بس هقول ايه لو سألوا على غيابنا؟
- أنا قولت لمامتك أنك كنتي معايا في الإسكندرية بوقع صفقة جديدة.
- كدا تمام.. أنا هنزل تحت بقي و...
قاطعها وهو يزمجر باعتراض يحتضنها بالقوة حتي شعرت بتكسر ضلوع جسدها:
- مفيش كلمة هنزل وتسيبيني كدا... احضنيني يا نوري متبعديش عني.
بالطبع لن يتركها تذهب كما يحلو لها، يريد أن ينعم بدفء جسدها ونعومته، يكفيه هذا الحرمان الذي ظن بأنه طال لسنوات عدة، لو فقط تعلم بمقدار الراحة التي يستمدها منها لن تتركه أبداً، قُربها منه جنة وبُعدها عنه كالجحيم، رائحتها الوردية التي تتسلل لأنفه تجعله يحلق في الأفق
شعر بيدها تغوص بين ثنايا شعره الفحمي لتهمس برقة اذابت قلبه:
- ماشي يا سيدي هفضل معاك مع اني نمت كتير بس هنام تاني.
- بصي لو مش عايزة تنامي متناميش.. أو اقولك لما تلاقيني نمت أبقي قومي ومتخافيش على عمر لو صحى هقولك.
قال جملته بتلقائية وهو يوصد عيناه لتبتسم هي
واحست بانتظام أنفاسه وسكونه برغم محاوطته لها من جميع الجهات ولكنه ينام بعمق كما لم يفعل من قبل...
وبعد مرور مالا يقل عن الساعتين نهضت بخفة بعد أن فكت حصاره لها كأنه سد منيع، ثم فتحت الدولاب المشترك بينهم وبعدها أرتدت ملابسها التي اتشحت بالسواد حداداً على موت قريبها وخرجت من الغرفة على أطراف أصابعها حتي لا يستيقظ زوجها أو طفلها
هبطت الدرج لتستمع إلى أصوات بكاء وعويل في الداخل، زفرت بحدة متمتمة بصوت خفيض:
- لو بس يعرفوا هو كان هيعمل فينا ايه مكنوش عيطوا خمس دقايق على بعضها، بس يالا ربنا يرحمه ريح الناس من شره.
- يا بنتي بكلمك مبترديش ليه؟!
صاحت فاتن وهي تهـز ذراع نورا لتنتبه لها قائلة بعدم فهم:
- بتقولي حاجة يا ماما؟
- هتجبيلي سكتة قلبية في يوم يا بنت بطني.. بقولك منزلتيش من بدري ليه؟ كلهم مستغربين غيابك.
التوي ثغره نورا ثم هتفت مصتنعة التعب:
- معلشي أصل السفر تعبني لما جيت نمت محستش بنفسي...
تحسست فاتن كتف ابنتها وهى تضغط عليه قائلة بتهكم وعدم رضا:
- مالك نشفتي و ضعفتي كدا ليه؟
عيني عليكي يا بنتي.. أقولك في فيتامينات تقوي الجسم وبعدين اهتمي بـ أكلك شوية أكيد الواد مراد هادد حيلك معاه ابقي قوليلي يخـ..أتسعت عيني نورا من جرأة والدتها لتقاطعها وقد اصتبغ كامل وجهها بحُمرة الخجل:
- أنتي بتتكلمي كدا ازاي!! عيب يا ماما الله
وبعدين دا وقته تتكلمي في الموضوع العيب ده وسايبة العزا.
رفعت فاتن أنفها شامخة قائلة بنبرة ساخرة:
- يا شيخة اتنيلي، دلوقتي انا اللي بتكلم في العيب!
طب واللي عمله جوزك المفضوح يوم الفرح تسميه ايه؟
دا مبطلش يـ.....
فرت نورا سريعاً دون أن تستمع إلى باقي حديث فاتن والذي سينتهي بجملة مُخجلة لن تتحملها
ذهبت نحو نسرين التي ما أن رآتها حتي ارتمت معانقة إياها و انفجرت باكية فحاولت أن تواسيها وشعرت بتكون غمامة على عيناها شفقة على حال ابنة عمها و والدتها، بينما تجلس أسما وآثار البكاء ظاهرة على بياض عيناها الذي تحول للون الدماء وانفها القاني...
ابتلعت في حزن فهي مُدركة لما تعانيه أسما، حتي لو أظهرت عدم الاكتراث لن تصدقها فهي كانت زوجته لأكثر من ست سنوات و بينهم اطفال، أحبته أيضاً وكيف لا تُحبه وهو يرتدي قنـاع البراءة و الود أمام الجميع!
توجهت وانتصفت جلستها بين أسما و يارا صديقتها التي أتت من باب اللباقة...
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
بعد مرور أسبوعين...
فتح النافذة يدخن بشراهة مفكراً كيف سيتصرف مع نورا وقد هاتف عاصم منذ قليل وأخبره بمدى خوفها واضطرابتها النفسية التي تزداد بشكل ملحوظ وطلب منه أن يساعده للحصول على نتائج مُفرحة في وقت قصير، أبتسم بسخرية متذكراً آخر الأخبار التى انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي مصحوبة بصورة قد التقطت لـ شريف وهو يخرج من السجن ويصاحبه بعض المسعفون من المصحة النفسية، عناوين الأخبار سواء في الجرائد أو المواقع تؤكد تعرضه للجنون التام، أسودت حدقتاه تتراقص على شفتيه نص ابتسامة ولكن لو رآها أحد لسقط صريعاً من هيئته الجحيمية تلك..
جذب الهاتف الذي يرن وكان هويـة المتصل هو فتحي، جاسوسه و ذراعه اليمين
أجاب ببرود:
- آلو ازيك يا فتحي.
ردد فتحي بصوت منخفض ومذهول كلمة 'ازيك' فهو لم يستمعها من مراد أبداً ولكنه هتف بلهفة
= الحمد لله تمام يا باشا.
صاح مراد:
- جريدة الشعب وصلتلي انهارده والخبر كان في أول صفحة زي ما آمرتك عشان كدا ليك عندي هدية إنما ايه.. أول مرة أبقي فخور بيك، تيجيلي بكرة و دفتر الشيكات هيبقي قدامك تكتب فيه المبلغ اللي يملي عينك.
أزدادت ابتسامة فتحي وهو يشعر بالفخر ثم تحدث
= كله من خيرك يا باشا... بس يعني الدكتور قال الحبوب اللي اشتريتها هتقعد ست شهور ومفعولها هيقل بعدها... بس لو عنده مشكلة نفسية بعدها هيبقي مجنون فعلاً.
قلب عيناه بملل ليهتف ببرود:
- مهو ده المطلوب يا غبي.. المهم حبوب الهلوسة دي جبتها منين؟
= دي جاية من ألمانيا مخصوص... عنوان المستشفي اللي دخلها بعته على اللوكيشن يا باشا.
- تمام كدا.. بكرة بقي تيجي الصبح تاخد نصيبك وزيادة كمان... سلام.
أغلق المكالمة ليقهقه مراد بهستيرية شديدة يشعر بلذة إنتصار لم يجربها عندما كسب أكبر صفقة في حياته!!
انعكست ابتسامته أمام المرآة وهو ينظر إلى جروح وجهه التي بدأت تتلاشى رويداً رويداً ليلعن شريف في سره، ثم أرتدي قميصاً قطني ولبى نداء نورا وهى تطلب منه الهبوط للأسفل لتناول الطعام
- صباح الخير.
صاح بتهكم وهو يجلس على مقعده لتعقد حاجبيها قائلة بتوجس:
- مالك بتتكلم كدا ليه؟!
صب اهتمامه على الطبق أمامه يجيب ببرود:
- مفيش.
تركت الملعقة التي بيدها قائلة:
- أنا عايزة أروح لماما، بقالي أسبوعين مروحتش من يوم موتت علي.
- لأ.
كانت أجابته جافة خاوية لتتسع عيناها من رفضه قائلة:
- لأ ليه يعني؟
- عشان أنا عايز كدا.
هذا البرود منذ الصباح يُغضبها ولكنها حادثته وكانت على وشك البكاء:
- بس كدا أنت بتخنقني بقولك ماما و أسما وحشوني.
أكمل تناول طعامه وهو يجيبها:
- دا آمر ولازم تتقبليه.
أطلت ناهضة من جلستها وهي تريد الصعود حتي لا يري دموعها فصاح بنبرة حازمة:
- نـورا.
التفتت إليه ولم تتحدث ليتسائل وهو يمسك رسغ يدها:
- ليه مش اعترضتي؟ إيه الضعف ده! أي كلمة حد يآمرك بيها تنفذيها من غير كلام.
أبعدت يده قائلة بارتعاش:
- عشان خايفة اتعاقب.. أنا شايفاك حازم يا مراد.
أخفض رأسه بخزي مفكراً بكلامها وقد شعر باستحالة معالجتها ركض خلفها متبعاً طريقها وقبل أن يدلف هو قامت بدفع الباب في وجه
ليتحدث بأعين جاحظة:
- قفلت في وشي!!
طرق على الباب قائلاً بحدة:
- افتحي يا نورا.. إزاي تقفلي في وشي؟!
صرخت به فأدرك أنه لو لم يتوقف سوف تتعرض لإحدى النوبات التى تأتيها:
- بقولك إيه أبعد عني احسنلك والله لو ضربتني همشي ومش هتعرفلي طريق.
تحدث بلين مستعطفاً نورا:
- نوري حبيبتي أنا مراد.. افتحيلي نتفاهم أنا مش عاجبني سكوتك ده.
فتحت الباب تنظر له بعبوس و براءة طفولية ليقرص وجنتها يبتسم بمشاكسة:
- دا أنا هظرفك حتة بوسـة إنما إيه... ليڤل الوحش!
تعثلمت وهي تضع يدها على صدره:
- ايه.. الكلام.. ده.. لو سـ سمحت.
غمز بطرف عيناه وهو يدفعها لداخل الغرفة و وصده خلفهم هامساً بمكر:
- هشش.. الحيطان ليها ودان مش عايز أسمع صوت
أنا هصالحك بمعرفتي...
حينها أدركت بما ينويه فسكتت عن الكلام المباح
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
قطب جبينه في خوف وهو يستمع إلى صوتها تتأوه بآلم داخل المرحاض، إلى هنا ويكفي فقد بلغ قلقه لأقصي الحدود فأسرع يفتح باب المرحاض الملحق بالغرفة على مصراعيه فوجدها منحنية أمام الحوض تتقيأ وتسعل بشدة ممسكة بمعدتها، في أقل من الثانية كان يقف خلفها قائلاً بخوف وهو ينظر لشحوب وجهها:
- مالك يا رحمة؟ في ايه بس؟
- مش قادرة يا جاسر... هموت من التعب.
قالتها رحمة وهي تبكي من الألم، فأسرع هو قائلاً بلهفة و انفعال:
- تعالي نروح للدكتور حالاً.
تنفست بتثاقل وهى تجفف وجهها المبتل:
- أنا هبقي كويسة ملوش لزوم الدكتور.
- متأكدة ولا بتكدبي عليا؟
- الله أنا بقولك كويسة يبقي خلاص.
- خلاص طالما هوصلك عند مراد عشان تكلميه واحنا ماشيين تبقي تكشفي من باب الاحتياط.
أومأت له مبتسمة بشحوب و أردفت:
- هروح أجهز عشان نمشي دلوقتي.. كدا احنا اتأخرنا أوي.
مر بعض الوقت و وقفت سيارة جاسر أمام فيلا مراد و ترجلت منها رحمة التى سارت ببطئ حتى استغرقت عشر دقائق كاملة للدخول، تنهد جاسر ببعض من الارتياح بعد أن تأكد من وصولها بخير ثم أنطلق بسيارته إلى مقر عمله
بينما جلست رحمة في غرفـة الإستقبال تنتظر مجئ شقيقها، أبتسمت بسعادة عندما دلفت نورا بطلتها البهية فصاحت نورا قائلة بحماس وهي تستقبل رحمة بحفاوة:
- أخيراً شفتك!
انا مصدقتش لما قالولي أنك تحت..
أبتسمت رحمة قائلة بصدق:
- وحشتيني أوي.
تطلعت إليها نورا قائلة ببلاهة:
- بس أنتي جميلة أوي.. قصدي مكنتش متخيلة تكوني قمر كدا.
أبتسمت رحمة قائلة بخجل:
- دا من ذوقك بس.
- مدام نورا لو سمحتي تعالي شوفي الحاجات اللي عملناها مظبوطة ولا لأ.
صاحت بها الخادمة باحترام لتهز نورا رأسها قائلة:
- اتفضلي أنتي يا أنعام أنا جاية وراكي.
تنحنحت نورا قائلة بحرج:
- معلشي دقيقة واحدة وهكون هنا... أصل مراد بيحب كل حاجة مظبوطة وهما بياخدوا رأيي.
أبتسمت رحمة بمجاملة:
- لأ عادي ولا يهمك.
هبت نورا واقفة وهي تخرج من الغرفـة فأخذت رحمة تفرك في يدها بارتباك وهى تستمع إلى صوت طرق حذاء على الأرض فعلمت بأنه مراد الذي عقد حاجبه في استنكار ما أن رآها وخمّن بأنها آتية من أجل نورا ليتحدث بابتسامة صغيرة:
- أهلاً آنسة رحمة... استئذن أنا بقي.. مكنتش أعرف أنك هنا.
كان يهمّ بالخروج ولكن يد رحمة أوقفته قائلة بسرعة:
- لا خليك أنا عايزاك.. قصدي يعني عايزة أتكلم معاك.
نظر ليدها بحدة محذراً إياها لتبتلع هي وتسائلت بعين امتلئت بالرجاء:
- ممكن؟
حمحم و أماء لها بإقتضاب ثم أشار لها بالجلوس وجلس هو الآخر على مقعد بعيد قائلاً:
- اتفضلي قولي أنتي عايزة إيه؟
- لو بس تديني فرصة أتكلم معاك براحة بدل طريقتك دي هتكلم علطول.. بس حاضر هتكلم.
عقد ذراعه يستعد للاستماع لها فهتفت هي:
- أسمي رحمة داوود أبو الفضل.
أزدردت وهى تتابع ملامح وجهه التي ظهر عليها الامتعاض ثم تحدث بين أسنانه:
- أومال ايه رحمة حسيني دي؟ يا ترا بقي ابوكي هو اللي باعتك هنا ولا مين.
- اسمعني بس.. الإسم ده معرفتش عنه حاجة غير من حوالي شهر
مامتك هدي آخدت عينة مني وعينة من بابا داوود قبل موته وعملت تحليل طلعت بنته.
زفر يخلل شعره قائلاً بهدوء مزيف:
- و هدي هانم إيه مصلحتها تعمل كل ده؟
لم يعجبها طريقته الفظة فهتفت بضيق:
- هدي هانم دي تبقي أمي زي ما هي أمك.
- نعم !
- هحكيلك كل حاجة، ولازم تصدقني أرجوك.
عض على شفتيه يغمغم:
- اتفضلي أنا سامعك.
آخذت نفساً تزفره على مهلٍ ثم بدأت تسرد عليـه كل شيء بدأ من لقاء جاسر لهدي إلى هذا اليوم وما جعلها ترتاح هو تأثر ملامحه وهى تقص عليه ما حدث
ختمت حديثها مغمغمة بآلم:
- أنا بس اللي طلباه منك متسبنيش طول عمري كنت بتمني يكون ليا أخ اتحامي فيه من الدنيا.. ارجوك صدقني.
رق قلبه وقد التمس الصدق من حديثها لينهض واقفاً مما جعلها تغمض عيناها بحزن معتقدة بأنه لا يصدقها ولكنها اتسعت بدهشة عندما جذبها محتضناً إياها قائلاً بحنان ادهشها أكثر:
- أنا مصدقك يا حبيبتي.
استمعوا إلى صوت تكسير لينظروا معاً فوجدوا نورا تقف عيناها تطلق شرارة الغضب والغيرة صارخة:
- إيه اللي بيحصل هنا؟!
وقبل أن يبرر مراد فعلته وجد جسد رحمة يترنح آيل للسقوط وقد أغلقت عيناها أخيراً فأسرع بالتقاط جسدها وحملها ممدداً إياها على الأريكة وهو يصيح بـ نورا المتجمدة في مكانها:
- واقفة عندك ليه اتفضلي اتصلي بدكتور.
تصاعد غضبها من لهفته الظاهرة عليه وتضخم وحش الغيرة بداخلها ولكن صراخه عليها اربكها للغاية:
- اخلصي يا بنتي!!
حمل رحمة و أدخلها لإحدى الغرف و نورا تتابعهم بعين الصقر لتجهش في البكاء تهشم الهاتف الذي بيدها في الحائط، بينما جاء الطبيب سريعاً حاملاً أدواته اللازمة وبعد بضع دقائق خرج الطبيب قائلاً بابتسامة رسمية يتابع لهفة مراد:
- مبروك المدام حامل.