اخر الروايات

رواية وله في ظلامها حياة الفصل الثلاثون 30 والاخير بقلم دينا احمد

رواية وله في ظلامها حياة الفصل الثلاثون 30 بقلم دينا احمد



لفصل الثلاثون "النهايـة" ❤
≈ ظلامها حياة ≈

صر أسنانه يرمق رحمة النائمة بغضب مردداً كلمة "حامل!" بينما تجمدت أطراف نورا من الصدمة صارخة:
- يا نهار أبيض!! بتخوني يا مراد وكمان حامل؟!

عقد الطبيب حاجباه باستغراب ليهتف مراد بنبرة مقتضبة:
- نـورا.. اطلعي فوق نتكلم..
همت بالاعتراض أذنها تطلق شرارة دليلة على غضبها الحارق ليقاطعها قبل أن تتحدث:
- كلامي يتسمع مش هكرره تاني.

مطت شفتيها في تمرد فـ دبدبت الأرض بقدميها في غضب من نظراته المُحذرة وتطلعت إلى رحمة بعينان تُطلق شظايا الغيرة والكره ثم انطلقت كالاعصار،
بينما ودع مراد الطبيب بعد أن أعطاه حفنة من النقود ليتنهد في يأس مستمعاً إلى صوت الباب الذي أصدر صريراً مرتفعاً حينما أغلقته مجنونته الصغيرة خلفها مؤكداً أن هذه الليلة سوف يحدث مالا يحمد عقباه.. توجه إلى رحمة الراقدة فأرتفع صوته الهادر:
- طبعاً هتقوليلي أن الحمل ده من جاسر الـ***
أول حاجة كدا... هتطلقي منه من بعد اللحظة دي وألا قسماً بالله اجيبه لحد عندك ميت.. أكيد هو عارف أنك اختي من زمان عشان كده ضحك عليكي وخلاكي حامل!! بس اللي مخليني أتعجب هو أنتي إزاي سبتي نفسك ليه... دا جالك دعوة من بيت الطاعة بسببه يا غبية.

جحظت عيناها قائلـة وأصبحت على مشارف البُكاء:
- لأ.. أرجوك متأذهوش.. أنا بحبه وهو بيحبني ومعملناش حاجة غلط.. هو أعترف بكل حاجة عن نورا والله ما لمسها آ...

- رحمة!! إيه مالك بتعيطي ليه؟؟
قالها جاسر بخوف ملحوظ وقد وقف مكانه فهو شعر بالقلق الشديد يختلج صدره، قلق لا يعلم سببه فقرر ترك عمله وكل ما يحيله عن حبيبته وبعدها آتي إلى هنا رغم علمه بأن لقائه مع مراد لن يمر بسلام ولكن ليحترق كل شيء، في البداية كان سينتظر بسيارته على مقربة من الفيلا ولكن الفزع شق طريقه إليه وهو يري مراد يخرج بصحبة شخص علم بمهنته من تلك الحقيبة الجلدية التي يمسكها فلم يتردد لثانية واحدة ودلف للداخل يدعو بداخله ألا تتأذى محبوبته...

أطل مراد واقفاً بطوله الفارع فصاح:
- أنت اللي جيت لـ قضاك يا جاسر...

أنقض عليه كالأسد يُسدد له لكمات عديدة يتلفظ بعبارات وقحة، فبدأ جاسر يتفادى البعض و يبادله أيضاً باللكمات فـ نشب بينهم معركة لن يخرج منها إحداهما بخير فصرخت بهما رحمة:
- كفايـة الجنان اللي بتعملوه ده حرام عليكم.. نورا ممكن لو نزلت وشافت الوضع ده يحصل معها حاجة..

وقفت بينهم وقد بدت كطفلة صغيرة للغاية بقامتها القصيرة وعبوس وجهها اللطيف:
- بتتصرفوا بهمجية ولا كأنكم طالعين من الحبس عدل!
في حاجة أسمها كلام ودي يا بني آدم منك ليه
أظن لو قعدتم مع بعض اتكلموا بعقلانية هتكون طريقة أفضل.

- محدش ينفع يتصرف بعقلانية وهو شايف الشخصية النجسة دي.. موته هيكون نعيم للناس التانية.
قالها مراد بصوت خفيض كي لا تصل أصواتهم إلى أُذن نورا ولكن صوته كان غاضباً، محتقراً.. فهتف جاسر قائلاً بغضب:
- شايفة قلة الأدب.. واللي خلق الخلق لولاكي لكنت علمته و ربيته من جديد.

أبتسم مراد بسخرية لاذعة من كلمات جاسر لتتحول إلى قهقهات صاخبة ألمت معدته وادمعت عيناه على أثرها.. قائلاً:
- مش سامع كنت بتقـول إيه... آه كنت بتقول قلة أدب و ربيته صح؟

دفعت رحمة جاسر متآففة:
- يالا يا جاسر نمشي دلوقتي لو سمحت مش عايزة مشاكل..
ثم أكملت متهكمة:
- شكراً يا مراد على المُقابلة الحلوة دي...

أوقفها قبيل أن تغادر:
- استني عندك على فين العزم أن شاء الله؟ أنا قولت مفيش خروج و هتطلقي غصب عن عين أي حد.

- لأ.
كانت إجابتها بمنتهي التلقائية والحزم ثم أردفت وهو تتطلع لملامحه المتعجبة:
- لأ يعني لأ.. مش بكيفك تطلقني أنا لما جيت.. جيت عشان أحس إنك اخويـا مش عشان تفرض سيطرتك عليا جاسر جوزي وهيبقي أبو اللي في بطني.

تأبطت ذراع جاسر تُرغمه على السير بينما تمتم مندهشاً:
- يعني أنتِ حامل؟ معقول هكون أب!

صاح مراد بعصبية تملكت منه:
- هترجعي يا رحمة.. هترجعي عشان مش هسيبك مع واحد زي ده.

ودون أن تلتفت له صاحت هي الأخرى بنفس علو الصوت:
- أنا قولت اللي عندي
ليه متتكلموش بشكل ودي؟

انصرفت تسحب جاسر خلفها تاركة مراد يزداد تعجبه أكثر فتذكر فجأة ما حدث مع نورا ليصعد على الفور ليزيل الشك الذي ينمو في عقلها بشأن وجود علاقة بينـه وبين رحمة...
فتح باب الغرفة بدون استئذان فوجدها جالسة القرفصاء، أقترب منها قائلاً بحنق وقد اغضبه و أذاه بكائها:
- ممكن أعرف ليه الدراما دي... لو بس تسمعيـ...

قاطعته ناهضة من تلك الجلسة قائلة بإنفعال:
- دراما!
بقي أنا بعمل دراما.. إزاي تسمي اللي أنا حساه دراما وانا شفت بعيني وأنت حاضنها بالشكل... أنت ندل خاين.

رفعت يدها لصفعه ولكنه كان الأسرع وهو يلويها خلف ظهرها يُهددها بصوت يرتعد له أعتي الرجال:
- إياكي.. إياكي تفكري ترفعي أيدك عليا أنا مراد النجدي يعني مفيش جنس مخلوق يعمل اللي تعمليه ده
اللي يشفعلك حبي ليكي بس في المرة التالتة اللي أيدك تتمد هدوس على قلبي واربيكي من الأول
فاهمة كلامي طبعاً.. عايزك تحفظيه كويس أوي.. أنتي المسئولة عن أي حاجة تحصلك.

تأوهت بآلم من قبضته ليدير جسدها عنوة ثم أمسكها من مؤخرة عنقها لتقابل وجهها بالجدار فوجدت جسده التصق بجسدها من الخلف ليهمس بفحيح مستعر بجانب أذنها بعد أن أزاح شعرها للجانب:
- صوتك الحلو ميعلاش... انتي شفتي حنية مراد وطيبته بس لما بقلب.. قلبتي وحشة ومش تناسبك اتقي شر الحليم إذا غضب.
(حليم برضوا 😂)

تجلّى على ملامحها الرعب لتصيح بجرأة تعكس خوفها:
- ليك عين تهدد!! والله معندكش دم، مستفز بصحيح.

- حاضر هوريكي اللي معندوش دم.

أبتعد قليلاً ثم جرها خلفه ليجلس على حافة السرير وجذبها ليستقر نصف جسدها على ساقيه ورأسها أصبحت في الهواء وكذلك قدمها فحاولت التملص ولكن صفعته التى تلقتها من الخلف اذهلتها وشلت لسانها فهتف هو:
- أول حاجة لسانك طويل.. بتغلطي عادي.

صفعة أخرى:
- مرضتيش تسمعي الكلام وتستني لما اطلع اكلمك بالعقل والمنطق..

- أنت بتعمل إيه سيـ ـبني وبطل جنان.
صاحت بعدم تصديق واجاب هو بحدة:
- بأدبك... تعرفي تعدي لحد كام واسيبك بعدها؟

- يالهوي! خلاص آسفة والله قول وأنا اسمعك.

عيناه متلذذة بعاقبها فـ همس بمكر:
- تـؤ تـؤ، بتتآسفي ليه أنا هتكلم وأنتي هتسمعيني.. أصلاً عاجبني الوضع ده.

شهقت متألمة من صفعة تلقتها وهو يقول:
- يا دماغ الجزمة متبقيش متسرعة في رد فعلك.. رحمة تبقي أختي من الأم زيها زي أسما بالظبط.

- أنت كداب.

- برضوا كداب... أنتي زودتيها ومش سايبك الليلادي.
رد متهكمًا يكمل ما يفعله فصرخت به:
- كفاية بقي.

- هش اخرسي... وجعتك مش كدا؟

هزت رأسها إيجاباً بحزن وآلم ليضحك هو متمتماً بإنتصار:
- أحسن..
ثم أكمل مثبتاً جسدها على ساقه:
- تختاري الوضع ده ولا تنزلى على الأرض تعملي خمسين ضغط؟!

أتسعت ملقتاها قائلة برجاء:
- لو عملت خمسين ضغط جسمي يتكسح، ولو فضلت كدا مش هقدر يا مراد والله.

وفي ثانية كان يعدل جسدها حتى استقرت جالسة في حضنه، تهاوت دموعها من ألمها ليزفر في غيظ قائلاً بحدة:
- ردي عليا.. اللي عملتيه غلط ولا لأ؟

انتحبت ولم تجيبه ليهمس بصوت خافت:
- نوري.. أنا بسألك.

نظرت له بمعاتبة ثم هزت رأسها بالنفي قائلة:
- أنتت غلطان.. أنا.. أنا.. شفتك معها.

قبّل عيناها المغرقة بالدموع قائلاً بصوت شجي مُحبب لقلبها:
- أنا لو قدامي ستات العالم كلهم.. مقدرش أقرب من وحدة فيهم، أنتي وبس، أنتي القادرة أنك تقتليني بنظرة منك.. ليه مش شايفة كدا؟! ها.. ليه عايزة تدمري اللي بينا بسبب شكك.. طلعتي عيني معاكي يا نوري.

العجيب أنها صمتت، صمتت عن كل شيء تاركة كلامته تداعبها وتُذيب قلبها العاشـق له فأنحنت بوجهها مُقبلة وجنته تطوق عنقه بيدها قائلة ببراءة:
- كمل..

ثبت يده خلف شعرها ينظر لها بحالمية مغمغماً بشغف:
- حاضر هكمل.
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈

بعد مرور ثمانية أشهر...

- أنا سعيد أن رحلتنا الطويلة مع بعض نجحت وأخيراً، نور أنتي من اكتر الحالات الصعبة اللي مرت عليا عشان كدا أنا فخور بيكي و مبسوط أن دي آخر جلسة ليكي معايا، كدا أقدر أقولك أنتي اتخلصتي من كل عقدك القديمة.. دلوقتي بقا هسألك سؤال وجاوبي بصراحـة.
تحدث عاصم بابتسامة واسعة يشعر بالفخر من هذا التغير الذي طرأ على شخصيتها فأصبحت مفعمة بالحياة، وتنهدت نورا قائلة بتلقائية وبساطة شديدة:
- اسأل يا عاصم زي ما تحب.

تسائل هو بأسلوب مباشر حتى يتمكن من رصد تعابير وجهها:
- حازم بالنسبالك إيه دلوقتي؟ أهم حاجة عندي الصراحة عشان محسش أن تعبنا راح هدر.

أبتسمت له نورا كـ تلميذة مغمغمة بصدق:
- حازم مات.. اللي حصل معايا بسببه مات معاه.. أنا مبقتش خايفة منه عشان هو مش هينفع يعمل معايا حاجة... عمر أبني زي ما هو أبنه وهعوضه عن فقدان أبوه أنا ومراد أنا بعتبره الهدية الوحيدة اللي ممكن اشفع لحازم بيها، كفاية مجرد ما اشيله أحس الدنيا مش سيعاني.

أماء لها بتفهم ثم هتف متسائلاً:
- طب وجاسر؟

- جاسر الموضوع بينا حساس جداً، ومهما حاولت أتعامل معاه عادي على أنه جوز رحمة برضوا مبقدرش، بلاحظ برضوا نظرات الندم والآسف من عنياه بس مش عارفة.. يعني اللي عمله مش سهل خالص.. أنا اتعميت بسببه، فاهمني يا عاصم؟

شبك عاصم أصابعه في بعضهم ينظر لها بتمعن فـ زفر مخرجاً ما بصدره قائلاً:
- نورا سبق وأديت قسم المهنة بس اللي عايزه اقوله ده مهم... جاسر بيتعالج ويجي هنا جلسات من حوالي شهرين، متخيلة أنه خايف على بنته اللي في بطن أمها منه!!
خايف بنتـه يبقي زيه في يوم من الأيام ونار ظلمه تسيطر عليه، هو ضعيف من جواه جداً، تقريباً حالتك أنتي وهو مش مختلفين عن بعض أنا اللي قدرت استنتجه أنه برضوا خايف منك، خايف يبص في وشك أو يكلمك حتى.. حياته مش سهلة خالص، عارفة يعني إيه راجل مقهور؟
الرسول صلّ الله عليه وسلم قال
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ"
ببساطة كدا جاسر ميؤس من نفسه مقهور لأسباب كتيرة أوي، أن عيلته الصغيرة تختفي من حياته بين يوم وليلة دي حاجة تقيلة أو تضحيته أنه يبعد عن الجو الأسري عشان يأسس حياة نضيفة لأخته يخلي أبوه وأمه فخورين بيه وفجأة شغفه للحاجات دي كلها يختفي يحس بموته البطيء، بالمختصر يا نور عشان مدخلش في مواضيع شخصية، مراته خانته وهربت، طفولته مش اتمتع بيها، كل حاجة ضده
فا نصيحة ياريت تتقبليها مني كـ أخ مش دكتور، حاولي تبيني أن الموضوع عدى.. كلميه عادي أو حتي بلاش توريه أنك خايفة... هو شايف نفسه كدا شيطان، نفسه يتوب ويمشي عدل قبل ما ولادة رحمة مراته.

ابتلعت غصة حلقها كأنها تبتلع قطعة حجر صلبة فتحدثت:
- أوعدك يا عاصم.. كلامك فرق معايا كتير أوي.

- احكيلي بقي عن مراد عايز أسمع.

زرقاوتاها كادت أن تُخرج قلوب حمراء وقد مرت صورة معشوقها في مخيلتها لتتحدث في هيام ونبرة عاشقة:
- مـراد.. النظرة في عيناه نور، بحسه شاب من الطراز القديم اللي هو عظمة في نفسه، عنده ثقة مش موجودة عن جنس مخلوق تاني.. لهفته عليا، غيرته المجنونة اللي ممكن يعمل فيها جريمة لو زاد الموضوع عن حده بتحسسني قد إيه أنا مهمة عنده.. بيتحدي نفسه وينجح، تعرف يا عاصم.. فتي أحلامي دايماً كان بيبقي شاب من زمن الستينيات جامد كدا لبسه منظم وأنيق جداً، لحيته الخفيفة أو شعره الأسود الناعم، يسحبلي الكرسي، يفتحلي العربية Gentle وفي نفس الوقت Bad boy يعني ميكس لذيذ، كل تفصيلة في ملامحه حافظاها بقلبي، غمزة من عينه كفيلة تدوبني...
عنده كاريزما خاصة، نبره صوته الحادة الرخيم و رزانته بتجذب اي حد كأنه لحن، انفعاله لسبب إهمالى في نفسي بيوسع حبه في قلبي كمان وكمان، مابيبخلش بمشاعره عني، يعترف مرة واتنين ومليون أنه بيبحبني، أنا اللي قادرة أأثر فيه، فخورة إني وأخيراً لقيته، كل حاجة تخصه تخصني أنا زيه، أب حنون بيعاملني أنا وعمر زي أطفاله... أنا مبسوطة يا عاصم مبسوطة من جوايا.

أبتسم عاصم ابتسامة متسعة ثم تحدث بمرح:
- خلي الكلام ده بيني وبينك متجبيش سيرة المواضيع دي قدام يارا احسن تقلب عليا وأنا مش ناقص هرموناتها اللي مجنناني و بنتها الزنانة شبها.. ما تكلميها كدا خليها تحن عليا.

تسائلت نورا بضحكة صغيرة مُدركة أن صديقتها المخطئة:
- ليه حصل إيه بس؟

زفر عاصم قائلاً بقلة حيلة:
- أبداً يا ستي غصبت عليا ألعب معاها امبارح الشايب وكسبت قامت قالتلي أنزل أجيب عصير قصب الساعة أربعة الفجر رفضت أنا ومن ساعتها وهي زعلانة رافضة تكلمني.

- أنت هتقولى على دماغها دي عبيطة والله... أنا هتصل عليها المهزأ.

صاح عاصم برسمية وعملية:
- كدا يا نورا أقدر أقولك مبروك.. أنتي اتخطيتي حواجز كتيرة كانت مستحيلة بالنسبالك ودا فضل ونعمة من عند ربنا.. أهم حاجة تبقي ملتزمة بدينك، اتقربي من كل الي حواليكي.

أومأت له بسعادة وامتنان ليهتف عاصم:
- هتعرفي مراد أنك حامل إزاي؟

همهمت قائلة بحماس:
- بكرة عيد ميلاده حبيت تكون مفاجأة كبيرة أنا حتى بخطط عشانها بقالي شهر ونص من وقت ما عرفت حملي.

رفع حاجبيه مغمغماً:
- عايزة أعرف تفاصيل كل كبيرة وصغيرة..

- هحكيلك...
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
في المقابر...

- قومي يا رحمة يالا.. معاد جلسة نورا تقريباً خلص.
قالها مراد وهو يتفقد الساعة كل ثانية تمر عليه فـ أزالت رحمة دموعها المتساقطة قائلة بضعف:
- ملحقتش أشبع منها كنت محتجاها معايا أحس بحنان الأم.

قبّل جبينها ثم احتضنها بحنان فطري:
- ربنا يرحمها... رحمة حبيبتي ممكن متعيطيش اكتر عشان غلط على البيبي.

- أنا بحبك أوي... أوعى تسيبني، أنت وأسما وجاسر اللي مليين عليا حياتي.

- عمري ما اسيبك يا روح قلب اخوكي.

عبست قائلة بتذمر:
- بس أسما أنا زعلانة منها كتير.. عشان بعد لما اتجوزت شهاب سابتنا وسافرت معاه.

تنهد مربتاً على حجابها يهتف باشتياق:
- بكرة ترجع وتنور علينا حياتنا تاني.. كانت متصلة بتقول جايـة.

- آه صحيح قالتلي هتيجي قبل موعد الولادة بتاعتي بيومين.

- لو سمحت أبعد أيدك عن مراتي القمر وسيبهالي...!
أبتسم جاسر وهو يبعدها عنه ثم احتضنها هو متمتماً بهمس:
- مش قولتلك لما تبقي عايزة تعيطي تيجي حضني وتعيطي براحتك ولا أنتي حولة!

صاح مراد بحدة مصتنعة:
- بتقول حاجة يا خفيف؟

اشاح جاسر بيده واليد الأخري ملتفة حول خصر رحمة قائلاً:
- أنت مالك يا جدع.. كلام خاص بينا الله.

وضع مراد يده على عنقه:
- ياما نفسي امسكك يا رحمة انفخك على البلوة جوزك ده.

وضعت يدها على خصرها قائلة ببراءة:
- الله وأنا مالي يا لمبي؟

ابعدهم عنه ينظر لهم باشمئزاز ثم دلف سيارته وانطلق مسرعاً... وبعد عدة دقائق ترجل عن السيارة وصعد البناية فوجدها تقف أمام المصعد لتقول بتعجب:
- فكرتك مشغول وكنت هاجى بنفسي.

سحبها داخل المصعد:
- مفيش حاجة تشغلني عن نوري.

أشارت له بتحذير:
- بقولك إيه أنا عارفة هبتدأ تتكلم بالطريقة دى وبعدها تقرب مني.. أحترم نفسك ممكن يبقي في كاميرات مراقبة.

زم شفتيه يرخي جسده يتمتم:
- واخدة عني فكرة مش كويسـة دايماً...

ثم أكمل:
- Proud of you, my little girl
Let's start a new life
"فخور بكِ صغيرتي
دعينا نبدأ حياة جديدة"

همست نورا بإعجاب:
- تصدق صوتك حلو برضوا وأنت بتتكلم انجليزي!

عدل ملابسه يدّعى الفخر:
- I am distinguished from others, my little one
"أنا اتميز عن الآخرين، صغيرتي"

تآففت قائلة بحدة:
- Vous imbécile, arrêtez de vous vanter
"أيها الأحمق، توقف عن التفاخر"

توقف المصعد ليسنح لها فرصة الخروج أولاً ثم دندن بإحدي الأغاني:
- بتعدي في حته أنا قلبي بيتكسر مية حته..
أفضل فى مكاني إن شاء الله لسته الصبح بفكر فيك..
تقابلني في سكة قصادي تفوت أبقى أنا على تكه..
ومش مظبوط حد يقولي أعمل إيه يحكمني عليه....!

أتسعت عيناها بإحراج عندما وجدت شخصين ينظرون إليهم بتعجب فأسرعت تجلس في السيارة تنفخ في غيظ:
- طب أرد أقول عليه إيه بس؟!

جلس وهو يشعل المحرك يتحدث بسماجة:
- بعمل إحتفال بيكي يا قلب مراد.

أشعل إحدى الأغاني يردد معها بصوته الجميل؛

"خطوة... يا صاحب الخطوة
خطوة... أمشيلي لو خطوة
ده أنت عالقلب ليك سطوة
خطوة يا صاحب الخطوة
خطوة أمشيلي لو خطوة
ده أنت عالقلب ليك سطوة

نظرة مبطلبش غير نظرة
وأنت فاهم و ليك نظرة
شوف حالي... شوف إيه بيجرالي
حبيت و بصمت بالعشرة

عشرة فات ليلة فات عشرة
و أنت يا خاين العشرة
فالبعد عشرة علي عشرة

غمزة من عينك الغمزة
غمزة علي خدك الغمزة
ده كلام حساس وليه مغزى
غمزة من عينك الغمزة
غمزة علي خدك الغمزة
ده كلام حساس وليه مغزى

كلمة مبطلبش غير كلمة
وأنت فاهم و ليك كلمة
شوف حالي.. شوف إيه بيجرالي
حبيت و حلفت بالنعمة

نعمة رضاك علينا نعمة
نعمة أيام لقاك طعمة
واللي حسدنا ف عينيه يعمى"
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
نظر للجميع فوجدهم يمرحون ويتحدثون بأشياء شيقة، أبتسم بعذوبة وعيناه تتابع كل ثنائي، فـ خالد و غادة في حكم المخطوبين ولا يتوقفوا عن العراك وبعدها يتصالحون ببضع كلمات مُحبة، أمّا رحمة وجاسر يجلسون على أرجوحة معاً و وجنتي رحمة كالطماطم الناضجة فيبدو أن زوجها الئيم يشاكسها كعادته، يتفقد فقط نسرين ابنة عمه و سامر صديقه فهم أتموا اليوم العاشر في شهر العسل ولن يعودوا الآن، تنفس يستمتع بنسمات الهواء الرطب ينظر لزرقة السماء الصافية المتشابهة لعيني "نوره" التفت بجسده ينظر لوالده الذي يناديه فأقترب منه قائلاً بلباقة:
- نعم يا حج.

مد رآفت الهاتف إليه يقول بدفء:
- كنت بكلمك أسما وهي عايزة تسمع صوتك.

أزدادت ابتسامته ابتهاجاً فآخذ من والده الهاتف قائلاً بلهفة:
- أسما حبيبتي عاملة إيه؟ وحشتيني جداً جداً.

= مممم... أنت كمان واحشني يا روحي.

هتف بهدوء:
- أخبارك أنتي وشهاب والعيال إيه؟

= زي الفل و بيسلموا عليك كتير.. آدم ممرمطني معاه عايز يرجع عشانك.

- قوليله خالك مجهزلك حتة مفاجأة إنما إيه.. لوز العنب.

= كدا أنا عرفت آدم بيجيب الألفاظ دي منين.. محسسني أنه عايش في صفط اللبن.

- حبيبي والله.. واخدني قدوة يا بنتي.

= هو أنا أطول أبني يبقي زينة الرجال زيك.

- اوعى شهاب يكون بيعمل فيكي حاجة تزعلك.. هجيلك ساعتها في ثانية وقبل ما آخدك هاخد روحه.

= جرا إيه يا مراد مش للدرجادي يعني.. عايز تاخد روحي يا جاحد.

يبدو أن شهاب كان بجانب أسما وهو يُحدثها لذلك هب مدافعاً عن حاله فهتف مراد:
- ألف مبروك على الصفقة الجديدة.. دي هتنقلك نقلة عالمية.

= الله يبارك فيك يا كبير.

- صحيح معاد الطيارة امتا؟

= بعد أربع أيام.. مفيش داعي تيجي تستقبلنا عشان الساعة هتكون عدت تلاتة الفجر.

وقفت أمامه فاتن منتظرة إنهائه للحديث حتي تهاتف أسما فهي اشتاقت لها كثيراً فتحدث مراد:
- ماشي تمام.. خد طنط فاتن اهي.

أعطاها الهاتف لتبتسم فاتن قائلة:
- هات يابني البت يا حبة عيني وحشتني.. اكيد أهملت نفسها.

أبتعد قليلا ليجد حوريته تقترب إليه
حاملة عمر وثغرها الكرزي يتراقص بابتسامة تخمد روحه الملتاعة فقدمت ذراعها قائلاً بميوعة تُشعل اوداجه:
- ممكن حبيبي ياخد عمر ينومه هو بمعرفته.. معرفش أيدك في لمسة سحرية ولا إيه، بينام في ثانية من غير فرهدة.. آه ولما ينام خليه قدامك عشان لو صحي.

تلاعب حاجباه يغمغم بصوت خشن من فرط عاطفته:
- قصدك أيدي فيها لمسة سحرية لـ عمر وأم عمر، إيه يا حبيبتي مراد مش وحشك؟! ولا أنتي بس اللي بتوحشيني..؟

ردت في خجل:
- مراد قليل الأدب مش وحشني.

بلل شفتيه غامزاً:
- هنشوف يا نوري، هروح الشركة وأرجع بدري إياكي تنامي يا بونبونايه يا سكر محلى أنتي!

فرت تاركة مراد يقهقه خلفها قائلاً بمرح:
- استني يا بت نسيتي إبنك.. خديه معك.

≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈

استعدت لإتمام كل شيء وتجهيزه بنفسها على قدم وساق، تريد الإحتفال بميلاده بطريقة مميزة.. خاصة بهما فقط، أبتسمت تتنهد براحة تنظر للمكان بفخر لا تصدق أنها صنعت هذا المجد بنفسها، ارتدت فستان ناعم و بسيط من اللون الكحلي الغامق يداهم نعومة بشرتها البيضاء ثم تركت موجات شعرها بحرية تنسدل على كتفها و وضعت مكياج بسيط يكاد يكون منعدم، هبت واقفة وهى تستمع لـ أبواق سيارته دليلاً على قدومه فنظرت للنافذة لتجده بالفعل قد آتي بحضوره الطاغي يحمل العظمة والشموخ، نظرت للمرة الأخيرة في المرآة نظرة سريعة خاطفة تتفقد مظهرها الصارخ بالأنوثة والجمال المثير فـ نسيت تماماً ارتداء ذلك الحذاء العالي فهي تكرهه من الأساس، ركضت مسرعة قبل دخوله ولكنها وجدته الأسرع وهو يقف في المنتصف عيناه الواسعة تطلق شارات الذهول والدهشة من هذا المنظر البديع حوله فصاح منادياً بـ "نوري" ليستمع إلي صوت لهاث عنيف خلفه وهى تُحدثه بآلم تقلص في معدتها من ركضها السريع:
- أنا هنا أهو.

التفت ثم اسندها قائلاً بقلق:
- أهدي يا نوري.. بتجري ليه بس؟

تذكرت أمر حملها لتعض على شفتيها مغمغمة:
- أووف مش معقول.. لو كنت أتاخرت دقيقتين مكنش حصل اللي حصل.

تطلع لها بانبهار وعشـق وصدره ظل يعلو و يهبط في عنف يكاد قميصه يتفتك أسفل بذلته فصاح بأنفاس متثاقلة:
- انتي إزاي كدا؟

حركت أصابعها قائلة:
- كل سنة وأنت طيب يا حبيبي، حبيت أعمل مفاجأة صغيرة بمناسبة عيد ميلادك.

تحركت ثلاث خطوات تأخذ لوحة قد رسمتها له لتوها ثم أعطته إياها مُكملة بدلالها:
- دي أول هديـة.

كانت أفضل منه وكأنها رسامة عالمية فقد رسمته جالساً على كرسي كبير مرصع بالذهب الخالص كعرش امبراطور أو ملك، يستند بيده الصلبة على مسند الكرسي يوجد بجانب أصابعه تاج ملوكي مرصع بالجواهر، يرتدي بذلة سوداء بقميص أسود أظهرت مقدمة صدره العريض، ينظر لمن أمامه نظرة ثاقبة كـعين الصقر، بدا نرجسي، ملامحه حادة، وما أذهل عقله الجانب الأيسر من الرسمة وهو وجود أسد ينظر نفس نظراته ويده الثانيـة كانت فوق رأس الأسد كأنه مُدربه ومسيطره الوحيد...!

ارتطم جسدها الغض في جسده الصلب ليحتضن إياها يدفن وجهه في عنقها وشعرها لتتعثلم هي:
- مراد لسه في حاجة كمان.

استرسلت باقي عبارتها تنظر لملامحه المتسائلة:
- أنا حامل.

تهللت معالم وجهه وكادت ابتسامته أن تصل لأذنيه مردداً:
- حامل!!
أنتي حامل يا نوري؟!

أكدت حديثها بهز رأسها فـ أدمعت عيناه بفرح وسعادته حلقت به في عنان السماء قائلاً بصوت مبحوح:
- نوري.. أنا عايزها بنت نسخة منك واسميها نورسين.. نربيها مع عمر أو أقولك تعالي نسافر في بلد بعيدة ميكونش حد بينا... يالا تعالي حالاً نروح للدكتور.

صاحت نورا بتعجب:
- حبيبي أهدأ، دلوقتي الساعة اتناشر.. وبعدين سيبك من دا كله نبقي نخطط بعدين.

- تسع شهور كتير عليا يارب صبرني.

≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈

- بسم الله ما شاء، الله أكبر.
صاحت فاتن حاملة طفلة صغيرة لم يتعدي عمرها اليوم، بينما حاول مراد أن يعطي سامر "عمر" حتي يحمله ولكن الصغير أزداد تعلقاً به شاعراً بالغيرة من فكرة وجود أحد آخر في حياتهم ليقبله مراد برطوبة قائلاً:
- سيب بابي عشان يشوف النونو مش ممكن يا مورة اللي بتعمله!

هز الأخير رأسه يحتضنه بقوة يهمهم بعض الكلمات الطفولية الرافضة ليعقد مراد حاجباه:
- واد يا عمر.. أوعى تكون بتشتم فيا! أنا مش فاهم كلامك الصيني ده.

تنهد رآفت ضاحكاً بيأس:
- بتعجب منه والله.. متعلق بيك بطريقة غريبة.

رد مراد مجيباً بحب:
- دا شرف عظيم ليا...

همس بصوت لا يسمعه أحد غير عمر:
- إيه رأيك نشوف النونو دقيقتين وبعدها ننزل ونسيبهم نروح أنا وأنت بعيد؟

صفق الصغير موافقاً رأيه فأنسحب من في الغرفة جميعاً لتبقي العائلة الصغيرة المكونة من أربع أشخاص ليقترب مراد من نورا طابعاً قبلة على شفتيها قائلاً:
- لو مكنش سي عمر معانا كنت بوستك لحد الصبح بس كفاية عليكي كدا احسن ينفخك.

انهالت الدموع من زرقاوتيها قائلة بصدق:
- بحبك يا مراد... بحبك اكتر من أي حاجة في حياتي.

همس بنبرة عاشقة:
- بحبك يا نوري، يا نبض قلبي ونور حياتي.

وكأنه شعـاع متوهج انتشلها من عتمتهـا فأصبـح له في ظلامها حيـاة ❤

"تمت بحمد الله"
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close