اخر الروايات

رواية مملكة سفيد الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحمة نبيل



قبل القراءة متنسوش التصويت والتعليق برأيكم..
صلوا على نبي الرحمة
__________________
ثغر ملتوي وملامح منقبضة ونظرات حانقة، كان هذا كل ما ظهر من تبارك حين عودتها مع سالار من زيارة ذلك الشخص الذي لم تحتمل حقًا التحدث معه كلمة واحدة، يا الله أعان عائلته على هذا المتجبر الـ ...
توقفت أن الحديث فجأة تستدير صوب سالار وكأنها استوعبت للتو أمرًا ما :
" لِمَ منعتني من ذكر كهرمان أمام الملك !؟"
صمتت ثم قالت بتفكير وشك، وقد انتبهت وبشكل كبير للشبه الواضح في بعض الملامح حتى أنها كادت تُسحب من لسانها وتخبره أنه يشبه فتاة تعرفها :
" هل هناك علاقة تربطه بها، لا يعقل هذا الشبه في الأعين بينهما، عيونه تـ ..."
قاطعها دون الحاجة للحديث الطويل معها كارهًا أنها استطاعت النظر لعيونه فترة تسمح لها بتمييزها، ابتسم بسخرية يقول :
" هو شقيقها "
أطلقت تبارك شهقة مرتفعة وهي تتوقف فجأة بحصانها تنظر لظهره بصدمة كبيرة، كهرمان هي شقيقة الملك أرسلان ؟؟ إذن هي ...مهلًا شقيقة الملك ؟! هي أميرة ؟؟
" أميرة ؟؟ شقيقة الملك ؟!"
هز سالار رأسه وهو ينظر لملامح الذهول التي علت وجهها ليبتسم بسمة صغيرة على مظهرها، يتحرك بهدوء بعيدًا عنها لحثها على التحرك كي لا يدركهم الظلام :
" نعم هي شقيقته وهي أميرة مشكى "
" أميرة مشكى وتعمل كعاملة في القصر ؟! هل أخبرت الملك بهذا الأمر؟ هل يعلم أن شقيقته موجودة في سفيد كعاملة ؟!"
" لا، لم أفعل فأرسلان شخص عنيد ذو رأس متحجر، إن علم أن شقيقته تحيا أسفل سماء سفيد كعاملة سيأتي ليحطم القصر فوق رؤوس الجميع وينتزعها منا بالقوة "
نظرت له تبارك ثواني وقد شردت وهي لا ترى الطريق الذي يسير به فرسها، تقول بصوت خافت :
" يبدو أنه يحب شقيقته كثيرًا "
هز رأسه يقول بصوت عادي وقد غفل عن نظراتها تلك :
" نعم، أكثر مما تتخيلين، هذه روح أرسلان التي تتحرك خارج جسده، هو من اعتنى بها واتخذها ابنة حين بدأت تعي لما يحطيها، على كلٍ معرفة أرسلان بوجود كهرمان الآن وهو في هذه الحالة لن يتسبب لنا إلا في مصائب فقط "
كل تلك الأحاديث لم تعي منهم تبارك شيء، لم تعي فقط سوى لشيء لم تنتبه كل هذه السنوات، هي يومًا لم تمتلك شقيق، ربما لو كانت تفعل لاختلفت العديد من الأمور، ربما كان حماها، دافع عنها، ربما ...
وسالار الذي أبعد عيونه عن الطريق يلقي لها نظرة متعجبة من صمتها الغريب ذاك، صُدم لرؤية دموعها تسيل على وجهها :
" مولاتي ؟؟؟"
لا ليس الآن رجاءً، دعني ارثي حياتي ووحدتي بعيدًا عن صوتك الهامس بهذه الكلمة، ابتلعت ريقها تقول بصوت خافت :
" نعم ؟؟"
" هل أنتِ بخير ؟؟ "
" نعم أنا فقط كنت....كنت أتساءل أنني احتاج في حياتي لشخص كالملك أرسلان"
انتفض جسد سالار بقوة وهو ينظر لها بشر يشدد من إمساك اللجام الخاص بحصانه، وقد توقف فجأة بشكل آثار ريبتها تكمل جملتها المعلقة :
" أو أنني احتاج لشقيق، ليس شرطًا أن يكون مثله، فقط احتاج لشقيق يساعدني ويخبرني أن كل شيء سيكون بخير "
صمتت ثم نظرت له بأعين باكية تهمس برجاء :
" هل يمكنني ؟؟"
" لا أعلم ولا أعتقد أنه يمكنك ذلك حقًا، فأنتِ وإن لم تمتلكِ شقيق لكِ، فلا مجال لتعاملي أحدهم كشقيق، فجميع الرجال بالنسبة لكِ عدا محارمك هم خطوط حمراء "
" حتى أنت؟؟ أنت معلمي "
نظر لعيونها ثواني يقول بصوت خافت :
" خاصة أنا..."
ختم حديثه يزيد من سرعة حصانه بعيدًا عنها تاركًا إياها في حيرة شديدة وهي تود معرفة مقصده، ما الذي يعنيه بخاصة أنا؟!
زادت من سرعة حصانها تحاول اللحاق به وهي تقول :
" ماذا عن كهرمان ؟؟"
نظر لها بعدم فهم لتوضح له :
" لا يعقل أن تكون أميرة وتعاملونها كعاملة في القصر، هي تستحق أن تُعامل كملكة و...."
توقفت عن الحديث وكأنها تزن الأمور في عقلها، ثم قالت بجدية :
" أو لا، لا داعي لتُعامل كملكة، أنا عارفة معاملة الملكات عندكم، عاملوها كعاملة اكرم ليها والله "
رفع سالار حاجبه باعتراض وهو يقول ببساطة :
" لا تقلقي فإيفان لا يعاملها كعاملة، بل يوفر لها دون أن تشعر كل الرفاهية التي قد تسهل حياتها، دون أن تعلم أنها كُشفت "
" وهذا سؤال آخر، لماذا لم تذهب للملك وتطلب منه اللجوء والحماية بدل من التنكر في زيّ عاملة و.."
قاطعها سالار يعلم أنه إن فتح لها المجال للتعمق في هذا الحديث فلن ينتهوا ولو مكثوا يومًا كاملًا .
" حسنًا لنقل أن هذا الأمر معقد بعض الشيء، وأنتِ في غنى عن معرفة كل هذه الأمور، لكن لنختصر الحديث بأن إيفان وارسلان كانا اصدقاء وحدث خلاف بينهما تسبب في كل هذه الفوضى "
نظرت له بفضول وهو نجح في كبحه حين قال ببسمة صغيرة كمن يتعامل مع طفلة ويحاول صرف انتباهها عن خروج والدتها دونها :
" إذن يبدو أنكِ تتقنين حقًا عملك، أنتِ بارعة عليّ الاعتراف"
حسنًا هذا أكثر مما انتظرت حقًا، ابتسمت له بسمة واسعة صافية سعيدة، لتلتمع أعين سالار بقوة حين رأى سعادتها تلتمع في عيونها تقول بجدية :
" حقًا؟؟ أوتعلم لقد كنت من أكثر الممرضين براعة في المشفى بأكملها، في يومٍ ما حينما كنت اعمل في الطوارئ جاء العديد من الأشخاص في حادثة سير و...."
انجرفت تبارك في حديث طويل تحت أعين سالار الذي كان يتابعها ويتفاعل معها دون وعي، يبتسم تارة بفخر، وتارة أخرى يلوي ثغره بعدم رضا، وتارة يدقق في حديثها وكأنه سيُسئل فيه بعد انتهائها ..
حوار طويل دار من جهة واحدة، جهة تبارك التي أخذت تقص عليه ما مرت به وكأنها لا تصدق أن أحدهم اهتم بسماع قصصها وكفاحها، حوار من طرفها وانصات من طرفه .
وسالار هذا الرجل الجاد الذي لم يكن يطيل الحديث أو يهتم بالأحاديث الطويلة، ها هو قضى طريقه بأكمله يسمعها باهتمام شديد سلب قلبها، هناك من يهتم بسماع احاديثها المملة، بل ويناقشها فيها ..
" هذه رفيقتك مخطئة وأنتِ محقة، إياكِ أن تتنازلي لحظة واحدة عن مبادئك لأجل شيء، أحسنت "
نظرت له ببسمة سعيدة، منتشية بتشجيعه :
" شكرًا لك يا قائد، أنت حقًا ...."
عجزت عن إيجاد كلمة تُقال فاكتفت بـ :
" قائد رائع، ومعلم جيد ..."
هز رأسه لها بهدوء، ثم نغز حصانه بخفة يستعد لسباق آخر:
" إذن لنسرع قبل أن يجن الليل علينا ....."
__________________
دارت في المكان بأكمله بحثًا عنهما، لكن لا شيء، وكأن الفتاتين تبخرتا في الهواء.
شعرت زمرد بالغيظ الشديد وهي تتحرك بعيدًا صوب حجرتها، لكن وقبل أن تفعل أبصرت بوابة القصر تُفتح ويدخل منها حصان يستقر أعلى ظهره امرأة، ركضت بسرعة صوبها وهي تأمل أن تكون كهرمان ولا تدري حقًا السبب الذي سيجعل كهرمان تمتطي خيلًا هنا، لكن كان أمل وتلاشى بمجرد رؤيتها لاعين الفارسة والتي لم تكن سوى تبارك .
تحركت بسرعة خلف الحصان والذي كانت تبارك تتحرك به بعيدًا صوب الاسطبل، لكن وقبل أن تلحق بها، أبصرت سالار يدخل القصر لتتعجب من الأمر :
" هل كانت تبارك رفقة قائد الجيوش ؟؟"
ورغم تعجبها إلا أنها تحركت بسرعة صوب الاسطبل متجاهلة كل تلك الأسئلة، تقول بصوت مرتفع وصل لتبارك دون الاهتمام أنها من المفترض تتحدث مع الملكة :
" تبارك، هل رأيتي الفتيات اليوم ؟؟ "
نظرت لها تبارك وهي تترجل عن الحصان تسلمه لعامل الاسطبل، ثم اقتربت من زمرد تقول بعدم فهم :
" لا لم أفعل، لماذا ؟؟ ألا تسيرون طوال الوقت معًا ؟؟"
أجابت زمرد بملامح متغضنة :
" لقد تركتهم منذ ساعات للقيام ببعض الأشياء والآن لا أجدهم لا في الغرفة ولا في غيرها، ولا ادري أين هما "
نزعت تبارك اللثام كي تتنفس براحة :
" يمكنك البحث عنهما في أماكن الجلوس المعتادة لكم، لربما ذهبا للسير أو ما شابه "
تنفست زمرد بصوت مرتفع قبل أن تقبض على يد تبارك تجذبها خلفها مجبرة وهي تقول :
" حسنًا اتبعيني سوف نرى أين يمكن أن تكونا "
سارت خلفها تبارك مرغمة رغم حاجتها للراحة، لتقابل أثناء ذلك سالار الذي كان يتحرك صوب الاسطبل بحصانه، والذي رمقهما بتعجب وهي لم تنظر صوبه تقول بصوت منخفض :
" حسنًا زمرد يمكنك ترك يدي لن اهرب، جذبك لي بهذا الشكل يهز من صورتي كملكة، وهي في الأساس مهتزة"
نظرت لها زمرد من خلف اللثام بغيظ :
" سيري خلفي دون هذه الأحاديث الفارغة، ملكة وأميرة، هذه المسميات لا تسير عليّ ولا اهتم بها، احتفظي بها لمن يخشاها "
التوى ثغر تبارك تخطو معها الحدائق التي تجلس بها الفتيات عادة، مرددة بحنق شديد :
" لا عزيزتي لا أحد يخشاها هنا "
بدأت تبارك تنظر حولها تبحث عن أي أثر للفتيات، وزمرد ما تزال تأسر يدها حتى ملت هي ذلك الحال تجذب يدها بحنق تفركها :
" يا فتاة لن اطير من أمامك ما بكِ ؟؟"
" فقط أبقي جواري لا ينقصني أن تضلي أنت الأخرى مني وأبحث عنكِ واظل وحدي "
حدقت بها تبارك بتعجب :
" أتخشين الوحدة ؟؟"
اجابتها زمرد بكل بساطة وهي تتحرك في الحديقة :
" بل اكرهها وبشدة "
ختمت حديثها تتحرك في المكان وهي تجذب خلفها تبارك التي بدأت تتذمر، مخبرة إياها أن تتركها كي يتفرقوا وتبحث معها، بهذا الشكل لن يصل الاثنان لشيء و...
فجأة توقفت تبارك عن الحديث بصدمة تهمس بعدم تصديق لما ترى :
" برلنت ؟؟ "
استدارت لها زمرد بسرعة :
" أين ؟؟ أين تلك الـ ..."
ولم تخرج باقي الكلمة لتظل عالقة على بوابة فمها حين أبصرت جسد برلنت الملقي ارضًا والدماء تحيط بها وقد بدأت الأرضية تمتصه من حولها، شحب وجه زمرد وهي ترتجف مما ترى تتحرك بصدمة صوب جسد برلنت :
" برلنت ؟؟ برلنت ؟؟ يا الله برلنت ؟؟ برلنت ما الذي ...من ...من فعل بكِ هذا؟؟ يا ويلي من فعل هذا بكِ بيرلي، يا ويلي برلنت "
انهارت زمرد ارضًا بسرعة وهي تولول برعب تجذب لها جسد برلنت تحاول أن تجعلها تفيق :
" برلنت ...هيييه ما بكِ من فعل بكِ هذا ؟؟ برلنت لماذا لا تتحدثين يا ويلي تحدثي، برلنت "
بدأت زمرد تدخل في حالة هيسترية وهي تحاول أن تجعلها تفيق، بينما تبارك في هذه اللحظة شعرت بالتوتر والرعب وهي ترى تلك الصغيرة التي كانت تضج بالحياة شاحبة الوجه كالأموات غارقة في دمائها، اقتربت منها بسرعة تحاول الرؤية من بين دموعها تتحسس نبضها والذي كان ضعيفًا :
" هي حية، زمرد ساعديني لننقلها إلى المشفى، زمرد ساعديني لأخذها للمشفى ارجوكِ "
لكن زمرد كانت فقط تضم برلنت وهي تتحدث معها برعب تسألها أن تكون بخير وتسألها عن كهرمان ولا تجيب تبارك بكلمة ..
لتنهض الأخيرة بسرعة متراجعة وفي ثواني كانت تركض بسرعة مخيفة تبحث من بين دموعها .
تحركت وهي تسأل الجنود بلهفة عن مكان صانع الأسلحة ليشير البعض منهم متعجبًا حالتها صوب قاعة العرش، ودون تفكير اقتربت هي من قاعة العرش تفتح الباب بقوة دون الاهتمام لا بالجنود أو بأحد تصرخ برعب باكية ..
صرخة جعلت جسد سالار ينتفض بشكل مرعب وهو ينظر صوب الباب يهتف بصدمة من مظهرها وبقع الدماء التي تزين فستانها :
" مولاتي ؟؟ ما الذي حدث ؟!"
وإيفان الذي لا يفهم ما يحدث تحرك بعيدًا عن مقعده صوبها بلهفة يهتف باسمها في شكل جعل سالار يشعر بشعور سييء للغاية متراجعًا للخلف بعض الخطوات مع الاحتفاظ بمسافة تتيح له إمكانية رؤيتها وسماعها .
وتبارك لم تنتبه لكل ذلك بل تحركت بسرعة صوب تميم الذي لم يكن يفهم ما يحدث تقول ببكاء مشيرة صوب الباب:
" تميم ...برلنت هي ..في الحديقة الجانبية غارقة في دمائها، أحدهم أصابها بشكل سييء و..."
وفورًا انتقل كامل الزعر والخوف لتميم الذي شعر أن صوت تبارك قادم من بئر سحيق، وجسده تلقى إشارة من عقله بالهرولة، الهرولة بشكل مرعب صوب الخارج لا يرى أمامه شيء وقد أصبح وجهه يحاكي الموت دون حتى أن ينتظر ليعلم ما حدث منها .
قلبه يرتجف وشعور سييء أصابه، ليس بيرلي ليس هي ...
بينما سالار نظر لتبارك الباكية لا يعجبه أن تنهار بهذا الشكل أمام أحد، الجميع يتابع بشفقة وهو لا يحب هذا، أن يرمق أحدهم ضعفها ويرميها بشفقة هذا لا يعجبه البتة .
تنحنح يقول بصوت جاد :
" مولاتي، هل يمكنك اخبارنا ما حدث ؟؟"
رفعت عيونها له بلهفة تقول :
" لقد ...هو زمرد ..."
اعتدل دانيار في وقفته يقترب من تبارك دون وعي هامسًا برعب وريبة :
" زمرد ؟؟ هي بخير ؟؟"
ولم يهتم لنظرات أحد حوله وهو يرتقب كلمات تبارك بلهفة والتي لم تتأخر وهي تقول من بين دموعها :
" زمرد بخير هي ..نحن كنا نبحث عن برلنت وكهرمان رفاقنا، لكننا لم نجدهم في أي مكان وحين وصلنا الحديقة وجدنا برلنت غارقة في دمائها بهذا الشكل "
تحدث إيفان دون وعي وقلبه يضرب بقوة حتى شعر به يكاد يثقب صدره ويخرج :
" و كهرمان ؟؟"
رفعت تبارك عيونها له تهز كتفها ببطء :
" لا أحد يعرف أين هي، لقد ...اختفت ...."
_____________________
طرق الباب وانتظر ردًا بفارغ الصبر من الداخل وجاءه سريعًا ليبتسم وهو يتحرك بعدما فتحت له الباب تقول بصوت منخفض :
" تفضل، والدي ينتظرك بالداخل "
تحرك مهيار صوب البهو حيث يجلس والد ليلا، ينظر لها ببسمة صغيرة هامسًا :
" هل أنتِ بخير ؟؟"
نظرت له ثواني بحيرة وكأنها لا تفهم حديثه، حتى فجأة ابتسمت بسمة واسعة تقول :
" نعم أنا بخير، شكرًا لك سيدي الطبيب ..."
" مهيار "
نظرت له بتعجب وبدون وعي قالت وكأنها تسأله إن كان يقصد ذلك :
" سيدي الطبيب مهيار ؟؟"
ضحك مهيار بخفة بتقول بصوت خافت :
" بالطبع لا اقصد هذا، أقصد أن تناديني مهيار فقط ليلا "
نظرت له ليلا ثواني، ثم اخفضت رأسها بخجل تشير صوب البهو تقول :
" لا بد أن ابي ينتظر بالداخل سيدي "
ابتسم لها يتحرك حيث يجلس والدها والذي استقبله ببسمة واسعة يقول :
" مرحبًا يا بني، تفضل بالجلوس "
وبمجرد جلوسه تحركت ليلا بعيدًا لتحضر شيء تقدمه ضيافة لمهيار الذي وبمجرد ابتعاد لئلا تحدث بصوت منخفض :
" حسنًا سيدي لقد تحدثت مع ليلا واقنعتها بمحاولة العلاج، وأنا، حتى الآن مازلت أبحث عن أسباب لتلك التشنجات التي تنشأ في جسدها، وعما قريب سأجد حل لها، لكن ..."
صمت يقول بعد تردد قصير :
" أردت أن استأذنك لعقد قراني على ليلا، اريد أن اعاجلها دون أن أخشى قربًا منها، أو فتنة "
نظر له والد ليلا بعض الوقت قبل أن يتنهد قائلًا :
" لكن يابني أنت تعلم أن الأمر قد لا يُعالج و..."
" إن شاء الله ستُعالج يا عم، فقط قدم المشيئة وثق بالله عز وجل، أنا لن أتوقف عن البحث حتى اصل لسبب يساعدني في معرفة ما يحدث معها، لكني فقط اطالبك بليلا زوجة لي، ما رأيك يا عم ؟؟"
خرجت ليلا في هذه اللحظة تسير صوبهم ببسمة صغيرة تقدم لهم بعض المشروبات وبعض الفواكهة، نظرت لمهيار الذي ابتسم يقول بلطف شديد لها :
" شكرًا لك آنسة ليلا .."
ارتفع وجه ليلا له بتعجب وهي ترمقه مستنكرة عودته لهذا اللقب بعدما عزف عنه منذ ايام، وهو من طالبها منذ ثواني أن تناديه باسمه مجردًا، لكنها رغم ذلك ابتسمت له بسمة صغيرة :
" عفوًا ...سيدي الطبيب مهيار "
أنهت جملتها تستقيم للتحرك بعيدًا عنهم، لكن فجأة توقفت حين سماعها بصوت والدها يقول بجدية :
" مهلًا ليلا، هناك ما يجب التحدث به "
توقفت تنظر لوالدها بترقب، ثم تحركت عيونها صوب مهيار الذي كان يجلس بكل هدوء ينظر أمامه وهو يرتشف بعض العصير بثبات ورقي أشد، وكأن والدها لا يتحدث أو ما شابه، عادت بنظراتها لوالدها الذي قال :
" لقد قال مهيار قبل مجيئك أنه يحتاج لعقد قرآنه عليك "
وضع مهيار كوب العصير يقول بجدية مكملًا حديث والدها :
" صحيح، وكلما اسرعنا كان افضل"
رفعت حاجبها وهو اكمل ببسمة صغيرة :
" لأجل صحتك بالطبع "
ابتسم والدها يقول بأمل شديد:
" يقول أنه ربما هناك أمل في إيجاد علاج لحالتك يا ابنتي "
شعرت ليلا بالحنق والغضب الشديد، هي لا تريد هذا، أن تُبنى علاقتها من البداية معه على شفقة ومريض وطبيب، هذا الشيء لا تريده، هي تريد أن يكون مهيار عاشقًا لها، لا طبيبًا، ولأجل هذا قالت :
" شكرًا لك سيدي، أقدر لك صنيعك حقًا، لكنني لست بحاجة لأن تضحي بعزوبيتك لأجل معالجتي، يمكنك أن تكون طبيبي دون الحاجة لعقد القرآن"
ختمت حديثها تستأذن منهما راحلة بسرعة صوب غرفتها وهي تكاد تبكي، لكن فجأة توقفت حين سمعت صوته الذي جعل عيونها تتسع .
انتفض مهيار يقول بصوت حانق مغتاظ :
" هل أنتِ بلهاء يا امرأة ؟! وهل كنت على علم بحالتك قبل المجئ ؟؟ وهل ترينني اتزوج جميع مرضاي ؟؟"
صمت ثم صرخ بغضب من تصرفاتها الغبية وهو قد اتفق معها مسبقًا في المحل :
" يا ويلي لو أنني افعل كما اتهمتني منذ ثواني لكنت الآن متزوج من نصف نساء القصر وبعض العجائز في الطرقات بالإضافة لرجال الجيش اجمعين "
ختم حديثه بملامح مشمئزة غاضبة، وهي فقط تحدق فيه بأعين متسعة، تراه قد أنتزع عنه عباءة اللطف والرقة المعتادة يحدثها بهذا الشكل .
ووالدها يراقب ما يحدث دون معرفة إن كان يحتاج للتدخل أو لا .
ابتلع ريقه يقول بصوت منخفض :
" إذن يا ابنتي، هو محق، حين جاء كان يرغب بكِ زوجة له، والآن عرضه هذا ليس سوى تسريع فقط للزواج لأجل أن..."
قاطعه مهيار وهو يقول بصوت منخفض يصفف خصلاته بأصابعه:
" عفوًا على المقاطعة يا عم، لكن ابنتك لا تحتاج تبريرًا، اعتقد أنها اذكى مما تظهر الآن لنخبرها مبرر ما نفعل، لذا جهزها للزواج، سوف نعقد القرآن في مسجد القصر "
ولم تكد ليلا تتحدث، حتى قاطعها هو يقول ببسمة صغيرة :
" سوف اعود لاحقًا لتحديد موعد عقد القرآن وحتى ذلك الحين، ألقاكم على خير "
تحرك صوب الباب دون أن يمنح لأحدهم فرصة واحدة للاعتراض أو قول كلمة من شأنها تعطيل مخططاته، لكن فجأة توقف بشكل مفاجئ، يستدير لهما قائلًا :
"هل تعتقدون أنني كنت وقحًا منذ قليل ؟؟"
رمقه الاثنان بصدمة وبلاهة، وهو ابتسم :
" كنت صحيح ؟؟ حسنًا اعتذر لكما، أنا لست هكذا في العادة وانتم تعلمون جيدًا، هي لحظات نادرة تلك التي أفقد بها هدوئي، والآن أنتم لستم معترضين على ما قلت، ولا اجبركم صحيح ؟!"
وأحد لم يتحدث بكلمة واحدة، بينما هو ابتسم بسمة واسعة يقول :
" جيد إذن ألقاكم على خير غدًا ربما، أو بعد غد، لا أدري حقًا حينما ينتهي دانيار من مشاكله الشخصية وحياته المعقدة سأحضره لنحدد موعد عقد القرآن، وداعًا يا عم ."
ابتسم ينظر لليلا :
" إلى اللقاء آنستي ."
خرج تاركًا ليلا ووالدها ينظرون للباب ببلاهة شديد قبل أن يقول والدها بتردد :
" محترم هذا المهيار "
رمقته ليلا بتشنج ليبتسم هو متسائلًا بشك :
" أليس كذلك ؟؟"
هزت رأسها تقول بصوت منخفض :
" اعتقد هذا ..."
______________________
العربة تتحرك على طريق وعر، هي تشعر بهذا، ولا تعلم أين هي وماذا يحدث في هذه اللحظة، فقط وجع رأس كبير يلازمها، واهتزاز العربة بهذه القوة يؤذيها ..
ابتلعت ريقها تحرك عيونها في ذلك الصندوق المسجونة به، والذي كان عبارة عن عربة خشبية مغلقة من جميع الجهات .
تحسست ثيابها بسرعة على أمل أن تجد سلاح مخبأ بين طياتها، لكن أي أسلحة تلك وهي لا تحملها إلا عندما تواجه الملك .
فجأة سمعت صوتًا يأتي من الخارج لتتحرك بسرعة صوب أحد الجوانب ترهف السمع بانصات شديد لما يحدث في الخارج .
" إذن أين سنتركها ؟؟ "
" على حدود سبز سيتسلمها منا بعض الرجال لتنتقل خدمتها لقصر الملك بارق، وبهذا تبتعد دون أذية أحد"
شعرت كهرمان برأسها يدور وهي تعود للجلوس في العربة، تنظر أمامها بأعين زائغة، سترحل عن المملكة، سيأحذونها بعيدًا عن هنا، لكن لِمَ ؟؟ ما السبب الذي يجعل أحدهم يفعل ذلك مع خادمة ؟؟
هل سيأخذونها بعيدًا عن المملكة و.....رفاقها وكل من تبقى لها في هذه الحياة ؟؟؟
عند هذه الفكرة انتفض جسدها دون شعور وهي تطرق على الجدران الخشبية للعربة تتحدث بصوت مرتفع :
" أنتم في الخارج، دعوني ارحل، من أنتم ؟؟ سأشكوكم للملك، دعوني ارحل "
لكن حتى هذه الكلمات المهددة المكتومة، لم تهز منهم شعرة واحدة وهم يستكملون الطريق ببرود شديد، وهي في الداخل تكاد تحطم العربة لشدة غضبها، تتحرك دون هوادة صارخة بهم أن يدعوها ترحل ..
لكن هيهات ...
توقفت كهرمان عما تفعل وهي تضم جسدها لنفسها باكية بصوت منخفض، تشعر بالضعف، ربما هذا عقاب لها، أن مدت أعينها لما ليس لها، أو ربما هي تذكرة نجاة من إثمٍ وشيك .
" لقد تعبت، تعبت من التنقل هنا وهناك، من مشكى لسفيد ومن سفيد لسبز وغيرها، وكل ما أريده فقط أن أعود لبلادي، أريد العود لمشكى، أريد أن اتنفس هواءها، أن اتلمس طيف عائلتي بها، أمي، أرسلان... أين أنتما ؟؟"
__________________
استند على الفراش جواره بتعب ينهض عن سجادة الصلاة الخاصة به مستغفرًا ربه، يدعوه أن يعينه على أن يعود كما كان، لا يطمح سوى أن يمنحه الله القوى لنصرة الحق .
" يا الله رحمتك يا رحيم "
طوى أرسلان سجادته، ثم جلس على الفراش يدفن وجهه بين يديه يدعو لوالدته وشقيقته بالرحمة، وقلبه يأكله، ونفسه تطالبه ببكاء يريحه، لكن لا والله لن يبكيهم حتى يثأر لهم .
" بأي عين سأبكيهم وأنا لم احصل على قصاصهم بعد ؟؟ بعد كل ما حدث لي، لن يشفي صدري إلا القصاص ..."
استند على الفراش وعقله عرض له مشاهد انقاذه على يد سالار وتميم ودانيار ..
كان سالار وبعدما انتهى من الهجوم على مشكى وتعليم بافل ورجاله درسًا، بل وترك له رسالة ردًا على هجومه، وانتقم كذلك لإصابة تميم .
ها هم في طريقهم للعودة إلى سفيد، لكن وأثناء طريقهم ذاك، سمع الجميع صوت آثار انتباههم، وريبتهم .
نظروا لبعضهم وقد تحدث تميم بشك :
" هل هذه اصوات حيوانات ليلة ؟!"
نفى دانيار ذلك الاحتمال بجدية :
" بل اصوات خطوات بشرية، هناك أحد هنا "
ثواني هي حتى أخرج الثلاثة أسلحتهم وهبط سالار عن حصانه يشير لهم بالهدوء، يتحرك بحذر شديد صوب ذلك الصوت .
وعند الصوت كان أرسلان والذي اختفى جسده خلف دمائه، بعدما القى به جنود بافل الحمقى هنا، وتركوه دون أن ينفذوا اومر قائدهم بحرقه، ابتسم بسمة مخيفة، لا يدري عدد الساعات التي ظل بها مسطحًا دون القدر على التحرك، ساعات طويلة شعر فيها بروحه تُسحب شيئًا فشيء، حتى واخيرًا نطق الشهادة وغامت الدنيا حوله .
رحلة طويلة تنقل بها جسده بين منزل أحد الرحالة الذي قضى به أيام، وكذلك الغابات، حتى تحرك بغية الذهاب لسفيد فسقط على الحدود دون القدرة على الحركة، لتكون رحمة الله به أن أرسل له سالار..
شيء لم تصدقه عيون أرسلان الذي وحين أبصر وجهه شعر فجأة براحة كبيرة تملئ صدره وهو يهمس بصوت منخفض :
" سالار ..سالار "
الأمر كان بمثابة معجزة، أن يعثر عليه أحدهم هنا في هذا الليل لهي معجزة، فما بالكم حين يكون هذا الاحدهم رفيقه الذي كان يقصده .
في هذه اللحظة ومنذ بداية المعركة وما حدث له، ولأول مرة تسقط دمعة من عين أرسلان، ليس وجعًا أو حزنًا، بل عدم تصديق ولسانه يلهج بالشكر والحمد لله أن كان به رحيمًا، أكثر من رحمته هو بنفسه .
" سالار .. "
وسالار الذي أخترقت همسات غريبة أذنه، اسرع من خطوات بشكل جعل دانيار وتميم يرمقونه بعدم فهم .
تحدث تميم يمسك مرفق سالار :
" سيدي انتبه ربما كان فخًا "
لكن سالار أبعد يده بسرعة وقلبه يقرع بشكل مخيف، يتحرك بسرعة أكبر واقدام أكثر تلهفًا، يدور حول أحد الأشجار وهو يردد :
" هناك أحد يحتاج مساعدتي، اسمع صوت أحدهم يستغيث تميم "
نظر له دانيار بعدم فهم :
" لكنني لم اسمع شيء سيدي "
" لقد ...لقد ناداني باسمي دانيار، أحدهم يناديني "
وخلف الأشجار كان جسد أرسلان يقاوم للنهوض، يود التحرك ليخبرهم أنه هنا، أنا حي، امسك أحد الصخور وهو يرفعها بضعف، ينظر أمامه وعيونه لا ترى سوى اقدامهم، رفع الصخرة أكثر، ثم ألقاها بقوة بالقرب من الإقدام وانفاسه تضعف تدريجيًا نتيجة المجهود الذي بذله جراء تلك الحركة الصغيرة .
انتفض دانيار ينتزع سيفه وهو ينظر حوله بحثًا عن أي تهديد، لكن كل ما ابصره كان جسدًا متخفي في الظلام، همس بصوت مرتاب :
" سيدي يبدو أن هناك جسد ملقى ارضًا هناك "
استدار سالار بسرعة يحاول رؤية ذلك الجسد، وارسلان لم يكن يصدق ما يراه ويسمعه، سالار هنا، يا الله سالار هنا، حاول الزحف صوبه بضعف شديد وهو يهتف :
" سالار...سالار هذا أنا..."
وسالار الذي كان يحاول رؤية ذلك الجسد بشكل جيد، فجأة انتفض بشكل جعل تميم ودانيار يتراجعان بقوة وهو يركض صارخًا بلهفة ورعب :
" أرسلان ؟؟؟ أرسلان ؟؟ يا ويلي أرسلان، أرسلان أنت حي"
كان يركض بجنون حتى أنه تعرقل في أحد الاحجار ولم يهتم وهو ينهض مجددًا يركض صوب أرسلان يتلقف جسده يتأكد أنه ليس سرابًا، منذ ساعات كان يرثيه، والآن هو هنا أمامه ؟؟
مشاعر عدة تلبست سالار في هذه اللحظة ويده التي تضم جسد رفيقه ترتجف بشدة .
نظر له يترجاه ألا يكون سرابًا :
" أرسلان، أرسلان يا اخي أنت بخير ؟؟ أرسلان أنت حي ؟! "
كان يتحدث باكيًا دون شعور، بينما أرسلان مد يده يضعها على كتف سالار يرفع جسده مستندًا على عضده وهو يهمس بصوت منخفض وبسمة واسعة وقد بدأت أنفاسه تتلاشى :
" وهل ظننتم أنكم ستتخلصون مني بهذه السرعة ؟؟ ماذا أخبرتك أنا سالار ؟؟ موتي لن يكون بهذه الوضاعة "
ختم أرسلان حديثه قبل أن تسقط رأسه على كتف سالار الذي ضمه بقوة يمنح نفسه واخيرًا فرصة التنفس بحرية ....والبكاء، بكى بقوة وهو يزيد من ضم أرسلان يقول بحرقة وقهر :
" الحمدلله الذي اعادك لي سالمًا يا اخي، الحمدلله حتى تنقطع انفاسي، الحمدلله "
كان يتحدث وهو يرتجف من هول الموقف، ودانيار يقف جوار تميم لا أحد يفقه شيئًا مما يحدث، هل هذه معجزة التي تحدث أمامهم ؟؟
رفع سالار رأسه بقوة يقول للاثنين:
" ساعدوني، ساعدوني لحمله سوف آخذه لكوخ والديّ اعالجه هناك، لا أحد، لا أحد سيعلم بوجود أرسلان، لا اريد لأحد أن يعلم شيء بخصوصه ..مفهوم حديثي ؟؟"
هز الإثنان رأسيهما دون فهم لكل ذلك ..
أفاق أرسلان على صوت بعض الطيور حوله لينظر من النافذة بشرود، يشعر بشعور سييء، شعور أن هناك شيء يزعجه يحدث الآن، لكن أي شيء هذا ؟؟؟
___________________
" إن لم تجدوا الفتاة قبل أن يحل الليل فلا تعودوا للقصر، جدوها لي والآن..."
كانت صرخات إيفان ترن في أنحاء القصر والجميع يركض يمينًا ويسارًا بشكل مخيف، جُن الملك، وخرج واخيرًا عن طور هدوئه، الرجل الذي كان يستفز الجميع ببرودته في احلك المواقف، جُن واخيرًا .
يتحرك في طرقات القصر بشكل مخيف صوب جناحه تحرر من عبائته لا يطيقها على جسده، يتحرك هنا وهناك وهو يرى الجنود يركضون في القصر وقد أعلنوا حالة طوارئ قصوى .
قابل في طريقه والدته التي نظرت حولها بحيرة شديد تهتف بصوت مرتفع :
" إيفان ما الذي يحدث في القصر ؟؟ هل هناك هجوم علينا ؟؟"
لكن إيفان كان يتحرك دون أن يتوقف حتى للرد على كلمات والدته، وكل تفكيره ذهب أن أحد المنبوذين اسرها، يا الله أميرة مشكى وآخر من تبقى من العائلة المالكة وأمانة صديقه ضاعت من بين يديه، هو المخطئ الوحيد، هو الملام الوحيد، ما كان عليه تركها للعبتها الغبية تلك .
دخل جناحه وهو يتحرر من ثيابه محضرًا ثياب أخرى أكثر راحة كي يتحرك بها للبحث عن الأميرة المفقودة ..
في الوقت الذي سمع صوت الجنود في الخارج يأذنون لسالار بالدخول، لم يتحدث ولم يجبهم بكلمة حتى انتهى من ارتداء ثيابه، ثم أخذ يرتدي حذاءه وهو يقول بصوت هادئ :
" دعوه يدخل "
دخل سالار بسرعة للمكان يقول :
" مولاي "
رفع له إيفان رأسه يقول بجدية :
" إن لم تكن تحمل خبر مكانها للأميرة فلا أعتقد أن وجودك هنا في هذه اللحظة ضروري سالار "
اتسعت عين سالار وهو يرى حالة إيفان المريبة، يتحدث بصوت منخفض :
" لقد ابصر أحد الجنود منذ ساعة أو أكثر بعض جنودنا يتحركون بعربة مغلقة خارج القصر "
نظر له إيفان باهتمام شديد :
" و؟؟"
" نحن لم نرسل جنود لأي شيء في الخارج يستدعي التحرك بعربة خشبية مغلقة سيدي "
انتفض جسد إيفان يقول بتحليل سريع :
" تعتقد انهم اختطفوها في هذه العربة ؟؟"
هز سالار كتفه بهدوء :
" هذا احتمال سيدي وليس شيء أكيد"
حمل إيفان سيفه يدسه في غمده، ثم استقام يقول :
" وأنا لن انتظر الاحتمالات سالار، أنا أريد خبرًا أكيدًا، أين ذهبت تلك العربة ؟!"
نظر له سالار بشك كبير :
" لا ادري لقد ارسلت بعض الرجال لتتبع خط سيرها عن طريق الجنود المنتشرين في الطرقات العامة وغيرها، وارسلت أحدهم للحدود لمنع أي أحد من الخروج ايًا كانت هويته "
" هل تشك أنهم سيأخذونها خارج البلاد ؟؟"
اجاب سالار بصوت هادئ جاد عملي بشكل كبير :
" هذه احتمالات سيدي وأنا أحاول تضييق الخناق على من أخذها "
أعاد إيفان خصلاته للخلف بعصبية مخيفة :
" هل تأكدتم أنها خُطفت ؟!"
هز سالار رأسه بإيجاب :
" لقد أخبرتنا زوجة تميم أن أحدهم اخذها من أمام أعينها وحين حاولت المساعدة ضربوها بعنف في الشجرة "
حدق به إيفان قليلًا قبل أن يقول بهدوء بعض الشيء مشفق :
" كيف حالها، هل هي بخير ؟؟ "
صمت سالار ثواني قبل أن ينفي برأسه:
" لا اعتقد، فهي لم تتحدث كلمتين قبل أن تسقط في أغماءه ويبدو من ملامح الملكة حين رأت ما حدث أن حالتها لا تبشر بالخير و..."
صمت يقول بحزن شديد :
" تميم يرابط أمام غرفتها على وشك فقدان عقله وهو يرفض الحديث أو التحرك دونها "
انتفض قلب إيفان بقوة وهو يهتف بصوت حاد رغم نبرته الهادئة بعض الشيء :
" جدوا لي من فعل ذلك سالار، لن أرحمه أيًا كان الفاعل، سأقتص منهم لأجل تلك المسكينة التي تعافر للحياة، ولأجل ...الأميرة التي يعلم الله وحده أين هي الآن وما تعانيه "
هز سالار رأسه ثم نظر له بهدوء يقول :
" سنفعل مولاي، لن يهدأ لي بال حتى اجدهم..."
___________________
لا يعلم كيف صمد على قدميه حتى هذه اللحظة ؟! لا يدري حتى كيف حملها حتى هنا ؟؟ كيف استطاع جسده أن يتحرك خطوة واحدة وهو يحمل بين يديه حياته التي تنازع للحياة .
تقهقر تميم ببطء للاسفل ليجلس على الأرض وهو ينظر أمامه بتعب شديد، تلك اللحظة التي سمع بها كلمات الملكة وهي تخبرهم ما حدث لزوجته، انطلق بين الممرات كالقذيفة لا يبصر شيئًا أمامه، حتى وصل لها ليجدها تتوسط أحضان رفيقتها ودماؤها تحيط بها ..
شعر بالحياة تُسحب منه وهو يتنفس بشكل غير منتظم يهتف اسمها على أمل أن تفتح عيونها وتجيبه :
" برلنت ...بيرلي صغيرتي "
انتبهت له زمرد التي كانت تبكي، رفعت عيونها له تراه يحدق في جسد برلنت بشكل مثير للشفقة، كانت حالته مثيرة للشفقة وبحق .
ابتلعت ريقها تقول بصوت منخفض :
" لقد ...لقد كانت ..مُلقية ارضًا مضجرة بالدماء، ساعدها ارجوك "
وتميم الذي لا يعي مما حوله سوى رؤيته لجسدها ذلك، انحنى ببطء يجذبها من بين أحضان زمرد لاحضانه هو وذكرى أول مرة حملها في طفولتها تأتي في عقله .
همس بصوت متقطع مقهور :
" بيرلي صغيرتي .."
ضمها إليه ولا يدري كيف نهض وحملها وركض بها بين الممرات واقتحم المشفى وهو يصرخ باسم مهيار، لا يعلم كيف اصبحت على الفراش وهو يراقبها تتحدث بكلمات متقطعة .
لا يدري سوى أن أحدهم دفعه للخارج واغلقوا الباب، وها هو يجلس أمامه في انتظار أن يشفق عليه أحدهم ويخبره أن بيرلي بخير .
ويبدو أن ما تمناه حدث، إذ شعر تميم بصوت جواره يهتف بحنان :
" ستكون بخير يا اخي، لا تقلق ستكون بخير أنا أثق في ذلك "
نظر له تميم بملامح متغضنة يهمس بصوت موجوع :
" إن حدث لها شيء سألحق بها دانيار "
ضمه دانيار له بقوة يهتف يفزع لتلك الفكرة :
" استغفر ربك تميم، ستكون بخير، تفائل فيأتيك الله بالخير يا اخي، ستكون بخير، ستكون بخير، أنت قوي تماسك، ما بك وقد تلاشى تماسكك وقوتك ؟؟"
نظر له تميم بوجه حزين اسود مما رأى:
" أي قوة ترجوها مني، وحياتي في الداخل تنازع للحياة يا دانيار؟؟ أي تماسك هذا وانا على شفا جرفٍ من الضياع إن مسها سوء، هذه القوة في حروب الجسد، لكن الآن الحرب في قلبي دانيار "
اغمض دانيار عيونه يضمه له وعلى لسانه تدور كلمات أسرها في نفسه، ود لو يخبره أنه يعلم كل ذلك، رغم أن وجعه هو لا يقارن بوجع تميم، فهو على استعداد للتخلي عن حبه لها مقابل أن يراها بخير أمامه، وعلى ذكرها بخير، لمحها تقترب من المكان بخطوات هزيلة وكأنها فقدت الحياة.
وحين وصلت له خصته بنظرات متوسلة :
" هل ...هل هي بخير ؟؟ "
رفع لها دانيار عيونه وود لو يريحها ويخبرها نعم، لكنه لم يشأ أن يعطها أملًا كاذبًا، فأكتفى بهزة رأس وكلمات قليلة :
" ستكون بخير، لا تقلقي ستكون بخير ..."
هزت رأسها تنظر حولها كالطفلة وكأنها تبحث عن شيء ما ليبتعد دانيار قليلًا عن تميم، ثم تحرك صوب إحدى الغرف وعاد لها يقول بصوت خافت وهو يحمل مقعدًا لها :
" اجلسي هنا "
نظرت له بتردد فمنحها بسمة حنونة جلبت الدموع لعيونها، وهزت رأسها ببساطة تجلس عليه أمامهم، وهو ابتسم لها بسمة صغيرة، ثم عاد ليجلس جوار تميم يكمل دوره كداعم لرفيقه :
" هيا تعال هنا .."
نظر له تميم يستند برأسه على كتفه، ولو رآهما أحد الآن لن يصدق أنهما من قادة الجيش الذين يعكفون على بث الحماس والقوى داخل صدور الجنود قبل أي معركة، مظهرهم الآن لا يعكس أيًا مما يفعلون عادة، بل كانا فقط كأي رجلين عاديين ...
في الداخل عند مهيار وتبارك التي كانت تساعده في تدارك الجروح التي تعرضت لها، قالت وهي تنظر صوبه بجدية :
" هل تعتقد أن هناك إصابات خطيرة ؟؟"
ترك مهيار ما كان يفعل وهو ينظر لوجه تبارك متحدثًا بجدية :
" لا، لا اعتقد، لكن يبدو أن الضربة كانت أقوى مما يمكن أن تتحمله هي، لذا أدى ذلك لتعرضها إلى تلك الإغماءة "
نظرت له بتردد وهي تمسح الدماء ثم بدأت تضع لها بعض الأعشاب التي أخبرها عنها مهيار :
" كيف تتأكد أنها ليست مصابة بنزيف داخلي ؟؟"
رفع مهيار عيونه لها يقول بجدية :
" لقد أجريت لها بالفعل فحص ولم أجد أي شيء داخلي قد يُشكل خطرًا عليها "
" فحصتها ؟؟ كيف ذلك ؟! لا اعتقد أنكم تمتلكون الأجهزة الخاصة بتلك الأمور "
ابتسم لها مهيار بسمة صغيرة وصمت وهي تعجبت صمته، تراه وقد بدأ يقطب لها الجروح العميقة وهي تتابعه تعطيه ما يطلب حتى تحدث بهدوء :
" ربما لا نمتلك تلك الأجهزة المتطورة التي أخبرني عنها صمود من قبل، لكننا نمتلك طريقتها في فعل ما نريد، ربما يومًا ما أطلعك على بعض اسرارنا الطبية مولاتي "
ابتسمت له تبارك بسمة صغيرة قبل أن تندمج فيما تفعل وبعد دقائق طويلة انتهوا واخيرا .
تنهد مهيار وهو يطهر يده قائلًا :
" لنتركها تستكين بعض الشيء، ثم نرى ما حدث معها "
هزت رأسها تقول بصوت منخفض :
" إذن طمئن تميم في الخارج فهو يكاد يجن، وانا سأذهب لأرى ما وصلوا له بشأن صديقتي "
خرجت من الغرفة بسرعة لتقابل زمرد التي انتفضت عن مقعدها تقول بلهفة كبيرة :
" تبارك ..كيف ..كيف هي برلنت ؟؟ هل هي بخير ؟!"
ربتت تبارك على ذراعها بحنان :
" لا تقلقي زمرد ستكون بخير إن شاء الله، الطبيب مهيار سيخبركم كل شيء يخص حالتها .."
نظرت زمرد خلف تبارك لتجد مهيار خرج وبدأ يتحدث عن حالتها، بينما تبارك انسلت من بينهم تتحرك خارج المكان وهي تفكر في من له اليد لخطف كهرمان ؟؟ كان القصر مقلوبًا رأسًا على عقبٍ .
وفي طريقها للقصر ابصرته يتحدث مع بعض الرجال بجدية كبيرة، ثم تحرك صوب الاسطبل لتعلم أنه على وشك الخروج، تحركت بسرعة كبيرة صوبه وهي تفتح فمها لتناديه لكن فجأة توقف عن الحديث حين أبصرت امرأة تتحرك خلفه صوب الاسطبل، وقد كانت تلك المرأة تنظر حولها بشكل مثير ..للشك .
همست تبارك بعدم فهم :
" من هذه المرأة التي تتبع سالار ؟؟؟"
______________________
تتحرك أمامه بدلال لا يليق سوى بها، ومن مثلها يستطيع التمايل بكل ثقة أمامه، الوحيدة التي استطاعت سلب لب ذلك الرجل الذي يقسم الجميع بصلابته .
مالت الفتاة بكل دلال وهي تنظر له تحرك خصلاتها وخصرها وتغني بصوتها الذي فتن جميع المحيطين بها، لكنها لم تعبأ لا لفتنة، أو لاثم، لا تعبأ لشيء سوى له ..
تحركت صوبه وهي تحرك يديها في الهواء بدلال وصوتها يعلو أكثر، تغمز له وهو يبتسم بسمة جانبية، وحين وصلت له مالت عليه تبتسم وهي تهمس له ببعض الكلمات ليطلق ضحكات مرتفعة .
ابتعدت تكمل رقصتها وتدور في المكان والعيون تدور معها، قبل أن تصطدم في أحدهم ليتوقف جسدها عن الدوران، نظرت لصاحب ذلك الجسد الصلب والذي نظر لها ببرود شديد ينفضها بعيدًا عنه بإشمئزاز شديد كما لو كانت حشرة، يتحرك صوب المقعد الذي يتوسطه بافل ..
وبافل بمجرد أن لمحه ابتسم بسمة واسعة يرحب به بيدين مفتوحتين :
" مرحبًا بصديقي العزيزي، أنرت مشكى "
رمقه الرجل بكره وغضب يقول :
" توقف عن هذه الأفعال فهي لا تليق بك بافل، وتحرك معي بعيدًا عن قذارتك تلك للتحدث "
نظر بافل حوله برجاله الذين يحتفلون بكل سعادة :
" يا لك من صاحب قلب تقي، تخشى المعاصي ويدك ملوثة بالدماء ؟!"
اتسعت عين ذلك الرجل وهو يصرخ بصوت مرتفع :
" إن لم تتحرك معي الآن للانتهاء من كل تلك الالاعيب القذرة اقسم أنني سأتركك وارحل "
ابتسم بافل ينهض عن العرش وهو يتحرك له وعيونه ما تزال مثبتة على الفتاة التي كانت تنظر بغضب للرجل، فقد كان ذلك الرجل هو أول من يرفضها وهي التي ركض خلفها جميع الرجال من كبيرهم كوالد بافل لصغيرهم حتى شقيق بافل الاحمق تسيل لعابه لأجلها .
تحرك بافل معه وهو يهمس له :
" يبدو أن تجاهلك أزعج الغالية موري "
ابتسم الرجل بتقزز :
" معذرة لموري، فأنا متزوج ولا أحبذ التعامل مع المخلفات "
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن هذا المكان تاركًا الجميع خلفه ليطلق بافل ضحكات مرتفعة يغمز لموري، ثم مال عليها يهمس بعض الكلمات وبعدها ابتعد حين تحولت ملامحها شيئًا فشيء للرضى..
تحرك بافل خلف ذلك الرجل وحين ابتعدوا عن الضوضاء أشار بافل له بالجلوس، ثم قال دون مقدمات :
" إذن هل وصلتك رسالتي ؟؟"
" بشأن هذا بافل .."
ابتسم له بافل بسمة صغيرة يقول وهو يتذكر كلمات سالار له، كلمات أعجبته وتمنى لو يكون له فرصة يرددها بها وها هي أتته، كان كما لو أنه يسعد بترديد كلمات من شأنها إعطاءه هيبة لا يمتلك القليل منها :
" سيد بافل بالنسبة لك يا عزيزي "
ابتسم الرجل بسمة جانبية :
" اسمع يا حقير، هذه الأمور لا تسير عليّ، منذ متى كان أصحاب الدرجة الدنيا امثالك أسياد لنا نحن الملوك ؟؟ ليس لأنني لوثت يدي يومًا بوضعها في خاصتك تظن أنك سترفع رأسك في وجهي، قسمتها لك لو فعلت "
ختم حديثه وهو ينظر له بقوة ليتأتأ له بافل وهو يعود بظهره في برود شديد للخلف :
" يا رجل هؤلاء الملوك أصحاب كبرياء مزعج، أنت تشبه ذلك الرجل أرسلان، وكذلك إيفان وسالار، مزعجين، هذا الكبرياء الذي تتعالون به لن ينفعكم مقدار شعرة أمامي، حسنًا دعنا من الحديث عن الملوك ولنتحدث عن الممالك "
ابتسم له الرجل يقول بصوت خافت :
" العيد الوطني .."
اتسعت بسمة بافل بشدة وهو يميل على الطاولة ينظر في عيونه بشكل مريب :
" نعم ؟؟"
" سندخل سفيد في العيد الوطني .."
ضاقت عين بافل وهو يقول بصوت خافت :
" وجيشك ؟؟ "
" سيندس بين رجالك للدخول هناك "
صمت ثواني ثم قال بسخرية :
" أتعتقد أن رجالك سيستطيعون أن يتحركوا خطوة داخل سفيد دون مساعدة من رجال كرجال جيشي ؟؟ انت بالطبع تمزح، لو أنني اعتمدت عليك، ما كان أرسلان ترك منكم حشرة حية، رجالك لا يستطيعون التقدم خطوة دون أن يتساقطوا واحدًا تلو الآخر "
ضحك بافل بصوت صاخب :
" نعم نعم، علمنا أن رجالك في غاية البراعة، لكن رجالي عددهم يفوق خاصتك، فلا تخبرني أن عدد الرجال الذين تمن عليّ بهم هم سبب النصر "
نظر الرجل في عيونه يقول بجدية وبصوت واثق :
" رجالك مجرد حشرات تلتف حول الجيوش لتشتتهم، بينما عمليات الاقتحام والقتل يقوم بها رجالي المدربين، فلا تتفلسف أمامي الآن بهؤلاء الحشرات "
" أنت كررت هذه الكلمة مئات المرات أمامي، وأنا أمررها لك مولاي، لكن لا اعتقد أنني سأكون من الصبر لتحمل كل هذا الاحتقار الذي ينطق به وجهك"
ضرب الرجل الطاولة بقوة وهو يقول بصوت صارم قوي :
" سيكون عليك فعل ذلك، فأنا إن انسحبت من هذه الحرب لن يصمد رجالك أمام جيش سفيد لخمس ثوانٍ فقط "
وبهذه الكلمات أعلن الرجل انتهاء الاجتماع بلا مقدمات أو كلمة إضافية يرحل عن بافل الذي ابتسم يقول :
" يا الله من هؤلاء الملوك المتعجرفين ؟؟ صبرًا حتى أدفن رؤوسكم واحدًا تلو الآخر في الرمال، ننتهي من سفيد ويحين دورك ومن بعدها ستكون المملكة الأخيرة اسهل من فرقة إصبع "
_____________________
شعرت كهرمان بعد ساعة أو أكثر بتوقف السيارة بشكل مفاجئ لتعلو ضربات قلبها وهي تتحرك بسرعة صوب مقدمة الصندوق الخشبي تحاول النظر من بين فتحاته الضيقة لتبصر أجساد تخيم عليها ..
نظرت بشكل جيد تلاحظ أن هناك بعض الجنود يقفون أمام العربة ..
وصوت أحدهم يهتف بقوة :
" إلى أين ؟؟"
ارتفع صوت رجل في المقابل :
" نحن ذاهبون بشيء لملك سبز "
نظر حراس الحدود لبعضهم البعض قبل أن يشير أحدهم صوب العربة :
" ما الذي تحمله في هذه العربة ؟! افتحها "
توترت ملامح الجنود الذين يقودون كهرمان خارج المملكة، وابتلع أحدهم ريقه بشكل أثار شك رجال الحدود ليهتف أحدهم بصرامة :
" افتح هذه العربة الآن"
منعه أحدهم هاتفًا بقوة :
" لا تأمرني فنحن بنفس الرتبة، وهذه العربة خرجت بأمر ملكي "
ابتسم له الحراس بشكل مقيت يتحرك صوب العربة هاتفًا بكل غيظ :
" وهذا التفتيش بأمر من الملك شخصيًا، لا اعتقد أن هناك أوامر تعلو فوق أوامر الملك "
ختم حديثه يتوقف جوار العربة يأمره بفتحها وقبل أن يتحدث أحد الرجال بكلمة يمنع بها فتح السيارة وصل لهم صوت طرق من الداخل و كهرمان تصرخ بصوت مرتفع :
" أنا هنا ...افتحوا لي العربة، ساعدوني، ساعدوني"
اتسعت أعين الرجال بصدمة كبيرة ونظروا صوب الحراس الذين يقودون العربة وفي ثواني ارتفعت السيوف في وجوههم يصرخ قائدهم:
" افتحوا هذه العربة "
انتفضت الأجساد وتحرك أحد الحراس بسرعة للهرب بالعربة، لكن لم يكد أحدهم يمسك لجام الفرس حتى جذبه أحد الرجال بملامح محتدة :
" ألم تسمع القائد ؟؟ أخبرك أن تفتح العربة "
عانده الحارس وهو يخبره بغيظ :
" هذه العربة مغلقة ولن يتم فتحها إلا في سبز هذه أوامر ملكية "
" وأنا أخبرك أنك ستفتح هذه العربة، وهذه أيضًا أوامر ملكية..."
ولم تكن الجملة الأخيرة صادرة من أحد الحراس، بل كانت صادرة من الملك شخصيًا والذي بمجرد أن علم أمر العربة تحرك بسرعة حين اخبره الحراس وجهتها .
التفت جميع الحراس له وانحنوا له بعض الشيء باحترام شديد .
وهو نقل نظراته بينهم وبين العربة يقول بصوت صارم حاد :
" افتحوا هذه العربة والآن .."
ابتلع الرجال ريقهم بريبة شديدة، قبل أن يحاول أحدهم الاعتراض :
" لكن مولاي هو ..."
انتفضت الأجساد فجأة على صرخة إيفان الذي قال بصوت مرعب :
" اخبرتكم الآن......."
وهذه الصرخة لم تتسبب في انتفاضة أجساد الرجال فقط، بل كان لها تأثير على جسد تلك المسكينة التي تقبع داخل العربة، تحركت كهرمان بلهفة وهي تطرق من الداخل صارخة بصوت مرتفع :
" مولاي ...مولاي ساعدني، أخرجني من هنا، مولاي أنا هنا "
انتفض قلب إيفان بقوة واختض في موضعه وهو يسمع صوتها الملتاع، هبط عن حصانه وهو يتحرك صوب العربة، ثم نظر للرجل يصرخ في وجهه بجنون :
" افتح هذه العربة اللعينة الآن"
فزع الرجل يتحرك بسرعة صوب العربة وهو يحاول أن يتماسك، رفع سلسلة المفاتيح الخاصة بالعربة وهو يتحرك صوبها .
مد يده يفتح الباب الخاص بتلك العربة والتي كانت أشبه بصندوق خشبي، وبمجرد فتحه قفزت كهرمان منه بسرعة كبيرة ..
وبمظهر مزري جعل أعين إيفان تتسع بشر وجسده يرتجف بغضب وهو يستدير صوب الجنود الذين نظروا ارضًا .
ابتسم بسمة مرعبة يقول لهم بصوت أثار في نفوسهم هلع :
" سوف أحيل المتبقي من حياتكم لجحيم ..."
ارتجفت الأجساد برعب شديد، يدركون أن الملك لا يقول كلمات فقط، اقترب منهم إيفان خطوات جعلت أجسادهم تتراجع للخلف وهو توقف أمامهم يقول بصوت هادئ يخفي الكثير خلفه :
" لكن وبإعتباري ملك رحيم، سأمنحكم طريق العودة للقصر فرصة للتفكير في حجج قد ترحمكم من عقابي، وصدقوني هذا لن يكون سهلًا، أو بمعنى آخر سيكون مستحيلًا، فما فعلتم لن اغفره لكم "
رفع أحدهم رأسه في وجه الملك يقول بصوت مرتعب :
" مولاي نحن، اقسم أننا لم نقصد ذلك هذ?

" لكن وبإعتباري ملك رحيم، سأمنحكم طريق العودة للقصر فرصة للتفكير في حجج قد ترحمكم من عقابي، وصدقوني هذا لن يكون سهلًا، أو بمعنى آخر سيكون مستحيلًا، فما فعلتم لن اغفره لكم "
رفع أحدهم رأسه في وجه الملك يقول بصوت مرتعب :
" مولاي نحن، اقسم أننا لم نقصد ذلك هذه أوامر .."
نظر لهم إيفان بعيون ضيقة وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة واحدة سمع إيفان صوت سيفه يسحب من غمده، وحين استدار رأى كهرمان ترفع سيفه وهي ترفعه على رقاب الرجال بشكل جعله يفتح فمه منبهرًا :
" اقسم أن رقابكم تلك لن تكفيني إن مسّ رفيقتي سوءً "
صرخت بصوت مرتفع جنوني :
" سأخذ القصــاص بيديّ هاتين، لقد تركتموها غارقة في دمائها "
ختمت حديثها تضرب أحدهم بظهر السيف ليسقط ارضًا بقوة، ثم تحركت صوب الآخر تضربه بقدمها في معدته والثالث رفعت يدها تلكمه بقوة، ورغم أن عظام يدها آلمتها إلا أنها تنفست تستدير صوب إيفان الذي كان يرمقها بأعين غامضة ونظرات غريبة لها، وهي تجاهلت كل ذلك تقول بقوة دون أن تنحني نصف انحناءة حتى .
" أنت يا مولاي تتفاخر بعدلك وحكمتك، وأنا الآن اطالبك بعدلك، وأطالب امامك بقصاصي منهم "
نظر لها إيفان ثواني قبل أن ترتسم على فمه بسمة صغيرة يهمس لها بهدوء شديد وهو يميل لها ميلة بسيطة، ثم رفع عيونه لها بخبث :
" لكِ قصاصك لا ينقص مقدار شعرة، سمو الأميرة........"
___________________
تحرك داخل المكان بهدوء، ثم اغلق الباب خلفه ينزع حذاءه، واخيرًا صعد على الفراش جوارها يضم جسدها له بحنان شديد :
" كيف حال صغيرتي ؟؟ "
ولم يحصل على جواب يخفف وجع صدره ليميل مقبلًا رأسها وهو يهمس لها بصوت منخفض :
" لقد كنت سأخبرك اليوم أنني... أنني سامحت والدك، سامحته أمام الملك وتنازلت عن حقي ولن اطالبه بالقصاص، لكن تبقى عقابه على جرائم لا علاقة لي بها، و...لقد تنازل أبي أيضًا عن حقه، لقد أخبرته أن يأتي ويتنازل عن حقه أمام الملك .."
نظر لوجهها وهو يهمس لها بصوت مختنق :
" لقد علمت من والدك أنه لم يخبرك حقيقة ما حدث، لقد خدعك وخدعني صغيرتي، لكنني اسامحه لاجلك، لا أريد أن نبدأ حياتنا على رواسب الماضي بيرلي ..."
ابتسم يقول بصوت منخفض به غصة بكاء وخوف عليها :
" أبي حي بيرلي، هو لم يُعدم، و...الفضل لله ثم للقائد سالار والملك إيفان، هم وقتها من ساعدوني لاثبت براءته قبل تنفيذ حكم الأعدام في حقه ..."
ما يزال يتذكر ذلك اليوم، يوم الحكم على والده وانهيار والدته، ضمها له بقوة يبكي بجزع ورعب وهو يرى الجنود يسحبون والده لسجنه حتى وقت تنفيذ الحكم :
" اقسم لك مولاي أن والدي لم يفعلها، والله لم يفعلها، اعطني فرصة لاثبت براءته مولاي، هو فقط اوصل الرجال للمنزل ولم يعلم أنهم سيقتلون أحد، اقسم بالله أنه لم يفعلها مولاي "
كان يتحدث ببكاء وهو يضم والدته وشعور اليتم بدأ يأكل صدره، بدأ يبكي وهو يشعر بالهلع قد تمكن منه، سيفقد والده ويفقد سنده، هو يفقد عائلته الواحد تلو الآخر، اولًا بيرلي والآن والده، ووالدته التي سقطت ارضًا سترحل خلف والده .
انهار تميم وهو يشعر بالرعب يراقب عالمه ينهار من حوله، كل ذلك قبل أن يشعر بيد تجذب جسد ليقف وصوت يقول :
" وحّد الله يا رجل وتوقف عن البكاء لأجل والدتك "
رفع تميم عيونه الباكية يبصر شابًا يبدو في بداية العشرينات من عمره يرتدي ثياب الجنود ليهتف بصوت باكي :
" اقسم لك سيدي أن أبي لم يفعل شيئًا، ارجوك أنا لا امتلك غيره في هذه الحياة .."
ابتسم سالار بسمة صغيرة له يربت أعلى كتفه :
" تستطيع إثبات ذلك ؟!"
نظر له تميم بعدم فهم ولهفة ليمنحه سالار بسمة صغيرة قائلًا :
" يمكنني أن اتوسط لك عند الملك فيمنحك بعض الوقت لتثبت ذلك قبل تنفيذ الحكم "
مسح تميم عيونه بلهفة وهو يهز رأسه:
" نعم نعم، سأثبت ذلك، فقط اعطني بعض الوقت ارجوك سيدي "
ابتسم له سالار، ثم نظر بطرف عيونه خلفه ليجد إيفان ما يزال في مكانه وهو ينظر صوبه بفضول شديد وبسمة صغيرة، فتحدث سالار لتميم :
" يبدو أنني لن احتاج للتوسط لك عند الملك "
رفع تميم عيونه له بتسائل ليشير سالار صوب إيفان الذي نظر له بهدوء دون أن يظهر أي شفقة أو تعاطف، لكن ثواني هي وابتسم بسمة صغيرة يرحل وكأنه بتلك النظرة منحه موافقة على شيء لا يعلمه تميم .
ولم يكن تميم مهتمًا بذلك إذ قال بسرعة :
" سوف احضر لكم دليل براءة أبي، شكرًا لك سيدي اقسم أنني أدين لك بحياتي "
ربنا سالار على كتفه :
" أنا لست سيدك، حين تأتي للعمل معي بالجيش حينها أصبح سيدك "
" الجيش ؟؟"
" ألا تريد أن تصبح جزءًا من جيش البلاد يا فتى ؟!"
اتسعت أعين تميم دون فهم ليبتسم له سالار يلاحظ بنيته القوية وهو ما كان يومًا ليخطأ وجهة نظره، يشير خلفه وهو يقول :
" اقترب دانيار .."
نظر تميم بتعجب صوب الخلف ليجد شاب تقريبًا من عمره يقترب منه، شاب تعرف عليه بسرعة وكيف لا وهو نفسه دانيار صديقه القديم الذي انتقل من جوارهم.
ابتسم دانيار حين رأى تميم ليقول سالار :
" دانيار هو من طلب مني أن اساعدك، يبدو أن مكانتك كبيرة عنده ."
نظر تميم صوب دانيار الذي ابتسم له بشوق يقول :
" كيف حالك تميم ؟؟"
انقض تميم دون كلمة على دانيار وهو يهتف بلوعة باكيًا :
" دانيار، يا الله دانيار اشتقت إليك يا أخي، أين ذهبت وتركتني وحدي؟!"
ضمه دانيار له يقاوم بكاءه، فحين أبصر انهياره ركض بسرعة صوب سالار والذي كان ذو رتبة عالية بعض الشيء في الجيش والذي يدرك قربه من الملك، يتوسله أن يساعد رفيقه، ويقسم له أن والده ما كان ليرتكب مثل هذه الجريمة .
ابتسم سالار لهما يتركهما بعدما قال بهدوء :
" سأذهب أنا.."
نظرت له والدة تميم بامتنان شديد :
" ليرح الله قلبك يا بني، عسى الله أن يرزقك الخير"
ابتسم لها سالار ينحني لها انحناءة صغيرة، ثم تحرك بعيدًا عنهم ..
لا ينسى تميم ذلك اليوم الذي كان بداية تعرفه على القائد والملك وبداية عودته لرفيق طفولته دانيار، بداية تغير حياته، وانضمامه للجيش بشهادة من دانيار أنه يجيد أي شيء يدوي وبمهارة ..
ابتسم تميم ينظر صوب برلنت يقبل رأسها:
" فقد استيقظي فأبي وأمي يشتاقون لزوجة ابنهم، هم ينتظرونك حبيبتي ..."
ختم حديثه يضمها له مقبلًا رأسها بحنان شديد :
" استيقظي وسيصبح كل شيء بخير صغيرتي، كل شيء سيكون بخير "
__________________
تحركت بخطوات بطيئة صوب الاسطبل رغم جميع الاصوات التي تصرخ في رأسها أن تعود، اصوات كثيرة تخبرها أن قربها خاطئ، لكن منذ متى كانت تفعل شيئًا صحيحًا ؟؟
توقفت أمام الاسطبل تستمع لصوت نقاش بين سالار وتلك المرأة، نظرت لها بأعين ضيقة تحاول معرفة هويتها وبعدما استمعت لصوتها همست بصدمة :
" الملكة شهرزاد ؟!"
وفي الداخل كان سالار يحضر حصانه ليلحق بالملك والجنود صوب الحدود حيث العربة المشكوك في امرها، لكن قاطع كل ذلك صوت خطوات خلفه .
استدار سالار يرى جسد يقترب منه، جسد علم هويته بمجرد أن ظهر له ليحرك رأسه بهدوء واحترام :
" مولاتي "
ابتسمت له شهرزاد بسمة مقيتة وهي تقول :
" مرحبًا بقائد الجيوش وحافظ أسرار الملك ."
ورغم أن نبرتها لم ترق سالار مقدار ذرة، إلا أنه أجاب بهدوء واحترام وملامح جامدة :
" مرحبًا بكِ، هل اساعدك في شيء ؟؟"
" نعم رجاءً، أخبرني ما الذي يدور بين بني وتلك الخادمة "
نظر لها سالار بعدم فهم لتقول هي بصوت حانق غاضب محركة إصبعها أمام عيونه :
" لا تنظر لي هذه النظرات، أنا أدرك جيدًا أن هناك ما يدور في هذا المكان من وراء ظهري، الملك يدور حول تلك العاملة بشكل واضح للجميع، وأنت تدور حول تلك الفتاة التي أحضرتها لنا من ذاك العالم "
" الملكة "
نظرت له شهرزاد بعدم فهم، ليردد هو بقوة وملامح جامدة لا تظهر أي انفاعلات تدور داخله :
" هذه الفتاة هي الملكة مولاتي "
أطلقت شهرزاد ضحكات صاخبة وهي تقول :
" أوه الملكة ؟؟ حقًا ؟؟ إن كانت هي الملكة فمال ولدي يلاحق تلك العاملة سالار؟؟"
كانت تبارك تستمع لكل تلك الكلمات وهي لا تفهم شيء منها، هي فقط تشعر أن هناك أمور تدور خلف ظهرها .
وسالار احتدت عيونه بقوة يهتف في وجهها :
" لا اعتقد أن الملك سيعجبه ما تقولينه مولاتي، ثم لست أنا من توجه له تلك الاسئلة، بل الملك، فمالي أراكِ تحققين معي ؟؟"
نظرت له بشر تهمس من بين أسنانها :
" لانك الوحيد القريب له في هذا المكان، ولا يخفي عنك شيئًا، أم أن ما يحدث هنا يعجبك، تنتظر خطأ من الملك لتكون لك اليد العليا هنا ؟؟ أم لنقل أن انجذاب الملك للعاملة فيه خير لك إذ أن الطريق صوب تلك الفتاة سيخلو لك، لم تحذر فأنا لن ادع لكم فرصة واحدة لاستغلال الملك "
اتسعت أعين سالار بقوة وكذلك تبارك التي شعرت بالغضب يصيب جسدها بأكمله، تلك المرأة ما بالها تتهمه هكذا اتهامات ؟؟
وسالار قال بصوت لا تدرك تبارك حقًا كيف تحكم فيه أن يخرج دون غضب هكذا :
" أنا لي اليد العليا دون شيء مولاتي، لست كأحدهم استغل لحظات ضعف أو سقوط الآخرين لافرض قوتي "
شحب وجه الملكة بقوة تهمس له بعدم فهم :
" ما الذي ترمي له سالار ؟!"
اقترب منها سالار خطوات أجبرتها على التراجع وقد شعرت تبارك في تلك اللحظة أن جسده ازداد ضخامة، جسده أصبح مشتد بشكل مخيف .
والملكة تنظر له كأنه وحش سيهجم عليها :
" أنتِ لن تحبي مواجهتي مولاتي، صدقيني تحديكِ لي ليس بالشيء الجيد لكِ "
" هل تهددني ؟؟"
مال عليها سالار هامسًا بصوت لم يصل لتبارك، بل فقط رأته يميل عليها يردد كلمات مبهمة لها، لكنها كانت قادرة لترى مردود تلك الكلمات على جسد الملكة .
وسالار ابتسم وهو يردد في أذنها :
" واحرق المملكة على رؤوس من بها إن أُصيبت الملكة بخدش شوكة، فأحذري أن تمارسي الاعيبك عليها كما فعلتي مع العاملة، حياة الملكة وسلامتها مقابل حياتك ...مولاتي "
ابتعد عنها ينظر لها نظرات جعلتها تُصدم، نظرت في عيونه لترى ما أكد شكوكها، لم تكن شكوك، لقد تأكدت الآن، هي متأكدة في هذه اللحظة أنه يحبها ..
سالار يحب تلك الفتاة .
بل إن صح القول فإن سالار يعشق الملكة المستقبلية للبلاد .......
________________
نعم ...كُشفت الكثير وتبقى الأكثر.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close