اخر الروايات

رواية وله في ظلامها حياة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دينا احمد

رواية وله في ظلامها حياة الفصل السابع والعشرون 27 بقلم دينا احمد



الفصل السابع والعشرون
≈ الشبيهة ≈

شهقة عالية أصدرتها نورهان عندما أستمعت إلي صوت من ورائها لتجده علي يبتسم بتسلية فوضعت يدها على صدرها قائلة بحنق:
- يوووه يا علي اتخضيت.

ليجيبها علي بعبث:
- سلامتك من الخضة يا قمر.

ابتلعت نورهان ريقها قائلة بتوتر:
- أخلص خرجها من هنا ممكن يلاحظوا أن كاميرات المراقبة متوقفة.

أقترب علي حاملاً نورا ثم وضعها في المقعد الخلفي وأحكم وضع تلك القبعة التي يرتديها فوق رأسه حتي لا يتعرف أحد على هويته وتحدث إلي نورهان رافعاً سبابته بتحذير:
- الغلطة فيها موتك يا نورهان... متتساهليش وتفكري أن المهمة سهلة لا أنا عايز أقولك أن مراد ذكي جداً وممكن يكتشفك في ثانية.. يبقي نثبت كدا و زي ما قولتلك اتكلمي معاه عادي بلاش المياصة وكهن النسوان بتاعك ده تجيبي حتة الفلاشة دي اخليكي تسافري برا البلد وتفتحي مشروع محترم زي مانتي عايزة.

أومأت له نورهان ليكمل هو قائلاً:
- ها عرفتي أشكال وأسماء أصحابها ولا هتفضحينا ؟
ركزي كدا وبلاش غباوة.

تآففت نورهان بضيق ثم هتفت بإقتضاب:
- لو خلصت كلامك امشي وإلا اللي بتقوله ده هيروح في حيط لو حد شافنا دلوقتي.

هرع علي إلي السيارة عندما أستمع إلى صوت دعسات حذاء قادمة نحوهم ثم أعطي إلي نورهان حقيبة يد نورا من النافذة و انطلق سريعاً، بينما تنفست نورهان بعمق ثم ذهبت إلي المكان المتواجد به صديقات نورا وهي تبحث عنهم فهي قد شاهدت صورهم قبل مجيئها، أبتسمت بإصفرار وهي تجلس على الطاولة بجانبهم لتصيح يارا:
- اتأخرتي اوي فكرتك مشيتي.

هزت نورهان رأسها قائلة ببرود:
- أنا اهو قدامك.

بينما عقدت ياسمين حاجبيها مغمغمة بتعجب:
- أنتي حاطيتي حاجة في وشك؟!

اشاحت نورهان بوجهها قائلة بارتباك:
- مانا كـويسة معملتش حاجة في وشي الله.

تسائلت شيرين مغيرة مجري الحديث:
- طب آخر كلام الفستان الأحمر حلو ولا الفستان الأخضر؟ أنا حاسة الأخضر هيبقي تغيير وتصميمه أصلاً تحفة.

صاحت يارا بنفاذ صبر:
- يا بنتي تعبتي قلبي أنا حاسة إني هولد دلوقتي بسببك.. الاتنين أحلى من بعض والله.

أستمعت نورهان إلى رن هاتف نورا من تلك الحقيبة لتفتحها ثم آخذت الهاتف فوجدت اسم مراد يضيء على الشاشة لتبتلع ريقها ثم تحدثت مجيبة إياه بغنجية:
- بتتصل ليه يا حبيبي؟

رفع مراد حاجباه ثم أجابها في حنق:
- هيكون ليه يعني! اخلصي يا نورا سامح واقف مستني تحت هو اللي هيوصلك.

- حاضر ثواني واكون تحت.

نهضت فجأة قائلة بجفاء:
- اسيبكم انا.

نظرت الثلاث فتيات إليها بحيرة ثم بادرت يارا قائلة عندما وجدتها تبتعد عنهم:
- مستعجله علي ايه يا بنتي؟ وبعدين سايبة الهدوم اللي جيبتيها وماشية كدا!

ضربت نورهان يدها على رأسها تتصنع النسيان:
- معلشي بس بجد تعبت انهارده و مراد أتصل قال إنه جاي ياخدني.

أعطتها ياسمين الحقائب قائلة بمشاكسة:
- الله يسهلوا الاستاذ مراد ... كل مرة تخرجي معانا فيها يجي ياخدك كأنك هتتخطفي.

لم تكترث نورهان لتلك الهمهمات خلفها إنما أسرعت بخطواتها إلي خارج المول وهي تنظر حولها محاولة التعرف على السائق ولكنها فشلت ليقترب منها سامح الذي لاحظ نظراتها الباحثة تحدث برسمية:
- اتفضلي يا هانم.

حمل تلك الحقائب ثم وضعها بالسيارة وبعد مرور بعض الوقت وقفت السيارة أمام ذلك البيت الضخم لتتسع عيني نورهان في دهشة متمتمة بين نفسها:
- يا نهار ابيض! يعني أنا هعيش في البيت ده...!
دا مش بيت دا قصر.. يا علي يا أبن الـ*** ليك حق تطمع في ثروته دي بس أكيد مش هطلع من المولد بلا حمص.

فتح إليها سامح السيارة باحترام لترفع أنفها بكبرياء ثم توجهت للداخل لتستوقف أحدي الخدمات قائلة باستعلاء وغرور:
- شوفي مراد فين و جهزيلي حمام سخن بسرعة.

- هتحضري الأكل معانا ولا نبدأ احنا يا هانم؟
سألتها الخادمة بابتسامة متوترة لتندثر عندما هتفت نورهان بتكبر:
- اومال انتوا هنا بتعملوا ايه طالما أنا اللي أحضر الأكل؟! يالا غوري من قدامي شوفي شغلك بلا هم.

نظرت تلك الخادمة في الأرضية تُخفي دموعها تبتلع تلك الإهانة فهي معتادة أن تخبر نورا بوقت إحضار الطعام لأنها أخبرتهم من قبل بأنها ستتولى إحضاره أثناء وجودها، وبالطبع لم تتعامل نورا مع أحد من قبل بهذه الطريقة اللازعة دائماً ما توزع ابتسامتها البشوشة العفوية المحبة لدي الجميع.

انصرفت الخادمة لتبقي نورهان تنظر حولها بانبهار لذلك الأساس الفخم قائلة بابتسامة واسعة:
- يعني أنا اسيب الخدم و الحشم وثروة زي دي وأرجع اشتغل رقاصة!!
أنا قتيلة البيت ده.

صعدت على الدرج تلملم فستانها بيدها تدندن بشئ ما ثم دلفت إلي أحدي الغرف بعد بحث أستمر لبضع دقائق لمعرفة غرفتها و توجهت إلى المرحاض ليُفرغ ثغرها في دهشة متأملة حجم وجمال الحمام تُقسم بأنه أكبر من منزلها الصغير، ملئت المغطس الكبير وعملت على وضع جميع أنواع العطور به لتنعم بحمام دافئ متناسية تماماً لما جائت إلي هنا ! أستمعت إلي طرقات الباب لتزفر قائلة بإنزعاج:
- يادي النيلة الواحد ميعرفش ياخد راحته أبداً.

حمحمت أحدي الخادمات قائلة بجدية:
- مراد بيه طالب حضرتك في المكتب.

أبتسمت نورهان بخبث تستعد لتلك المواجهة بينهم تُملي على نفسها ما يجب أن تفعل ثم صاحت:
- روحي انتي أنا خارجة.

أرتدت ذلك القميص القصير بلونه الأبيض و وضعت بعض من مساحيق التجميل لترتسم ابتسامة واثقة على شفتيها اعتقاداً بأن مراد سيكون صيداً سهلاً فهي قد تعاملت مع رجال عدة فقط باستخدامها لحركاتها المغرية و دلالها المبالغ به يلهث خلفها الرجال...!
رفعت شعرها إلي الأعلى ثم خرجت من الغرفة متوجهة إلى الأسفل متعمدة التمايل في خطواتها تدبدب الأرض بذلك الحذاء ذو الكعب العالي الذي أصدر معزوفة على تلك الأرضية اللامعة... وقفت أمام باب المكتب لتدير مقبض الباب ولجت مكتبه ليسلب أنفاسها حتي توقفت عن التنفس لبرهة متأملة ذلك الرجل الجالس على مكتبه شعره مبعثر على جبهته من أثر انشغاله بكومة الأوراق أمامه، توقف عقلها عن التفكير فقط تنظر إلى كتلة الوسامة المُفرطة امامها ملامح رجولية بحتة
أزدردت ريقها عندما آتي صوته ببحته المميزة على مسامعها بينما صب كامل تركيزه على الأوراق:
- واقفة عندك ليه؟ اقعدي يا نوري عايـ...

بتر باقي جملته قاطباً جبينه ينظر لتلك الخرقة التي ترتديها ثم هتف ببرود صقيع دون النظر بعيناها:
- من امتا وانتي بتلبسي كدا؟

أقتربت منه ثم وقفت ورائه و أصبح يحيل عنها ذلك الكرسي الجالس عليه لتحاوط عنقه بيدها هامسة بدلال:
- وأفرض عايزة اعمل تغيير... دا كله لجوزي حبيبي.

امتدت يدها تفك أزار قميصه متعمدة لمس صدره لتجد يده توقفها عما بدأت قائلاً بجفاء:
- برا.

همت بتقبيله ليدفعها حتي ترنحت وكانت آيلة للسقوط أرضاً ولكنه أمسكها من رسغ يدها متسائلاً بحدة:
- مالك كدا؟

اهتزت نبرتها وهي تبتعد عنه قائلة:
- ولا حاجة يعـ ـني حبيبت أعمل تغيير بس.

نظر مراد إلي يدها ليجدها خالية لا يوجد أثر لذلك الخاتم حتي!! خلل شعره يتنفس بعمق قائلاً من بين أسنانه:
- طيب يا حبيبتي استنيني فوق أنا جايلك.

وضعت يدها على وجهها تنظر بتلك الزرقاوتان القاتمة في أرجاء المكتب متحاشية نظراته ثم خرجت مسرعة
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
- يعني ايه؟!
تسائلت رحمة بحاجبان مرتفعان ليضع جاسر يده أسفل ذقنها حتي تنظر إليه فهمس بدوره:
- اقعدي وافهمك كل حاجة...

أجبر جسدها الضئيل على الالتفات ثم دفعها على الأريكة لتجلس عليها تنظر له بعينان متسائلة ترجوه أن يكذب ما قاله ولكنه جلس بجانبها ينظر للأمام قائلاً بهدوء:

- أنا حابب أعرفك أنتي الاول واكيد مراد هيقبل يسمعك.. حاولت أقابله بس هو رافض... المهم أنا قابلت هدي هانم أم مراد استغربت لما طلبت تقابلني بس شوفتها وقالتلي كلام غريب أنا مصدقتش في البداية بس...

~ Flashback ~
جلس جاسر أمام تلك المرأة في ذلك المقهي ليعقد ما بين حاجبيه قائلاً:
- أنتي طلبتي تقابليني ليه؟ وياريت تتكلمي بسرعة عشان مشغول.

قابلت هدي كلامته بطأطأت رأسها ثم هتفت بخفوت:
- أنا أم رحمة.

أبتسم جاسر بعدم استيعاب قائلاً:
- أنتي بتخرفي ولا إيه الحكاية؟

هزت هدي رأسها بالنفي ثم أجابته بآلم غلف على نبرتها:
- لما انفصلت أنا و رآفت والد مراد كان سبب الانفصال اصلاً هو راجل ظهر في حياتي اسمه داوود أبو الفضل صاحب رآفت قابلته اكتر من مرة واعترفلي أنه بيحبني ساعتها كنت حامل في حازم...

صمتت لبرهة تنظر إلى جاسر الذي تشنجت ملامح وجهه عندما ذكرت اسم حازم ولكنها أكملت قائلة:
- استنيت لما ولدت حازم وبعدها طلبت الطلاق من رآفت وكنت بتحجج واعمل معاه مشاكل عشان يزهق مني ويطلقني وفعلاً طلقني بس مخدتش كلامه على محمل الجد وهو بيقول "بكرة ترجعي تندمي ... أنتي خلاص خسرتي حبي ليكي و موتي قلبي اللي محبش غيرك ... أمشي يا هدي معيزش أشوفك تاني مراد و حازم و أسما أولادي مش هحتاج من واحدة زيك تعتني بيهم اخاف عليهم يطلعوا خاينين نفس شخصيتك ... أنتي طالق!" لما داوود عرف بطلاقي آخدني فيلته وعشت فيها ... عشنا مع بعض من غير جواز لما كنت بطلب منه يتجوزني لأني كنت قرفانة من العلاقة دي بس رده بيكون "أحمدي ربنا أنك عايشة في مكان زي ده سيبك من الجواز و الهبل ده عيشي عيشة اهلك أنا مش جايبك غصب عنك أنتي هنا بمزاجك يا حلوة ... إيش ضمني لما اتجوزك متلفيش على واحد صاحبي و تقرتصيني زي رآفت ... لا فوقي كدا وبلاش تحلمي أحلام مش قدها أنا داوود أبو الفضل مفيش ست تمشي كلامها عليا" اضطريت اعيش معاه كدا لأني كنت بحبه ولو حتي حاولت أروح لأمي هترفضني... فضلت عايشة معاه ست سنين وبعدها اكتشفت إني حامل سكتت ومقولتش عشان عارفة أن رده أنزل اللي في بطني مع أنه عارف أن غلط عليا لما اكتشف إني حامل كنت في الشهر السادس لأني كنت بتهرب منه وألبس حاجات واسعة يومها ضربني جامد قاصد يموت اللي في بطني جالي نزيف وعرفوا ينقذوا اللي في بطني وحياتي هتبقي في خطر لو نزلته... تم التسع شهور ولدت بنت...

أبتسمت بمرارة وقد امتلئت عيناها بالدموع مُكملة حديثها:
- حسيت بذنب رآفت و إني سبت أولادي لما داوود آخدها مني وحطها قدام ملجأ ومحسش بأي حاجة ولا كأنها بنته اللي من دمه... بعدها علطول صفى حساباته و حجز طيارة خيارني يا إما أسافر معاه ونتجوز أو يرميني في الشارع وحتي معرفنيش اسم الملجأ اللي البنت فيه... استلمت وسافرت معاه سايبة اطفالي الأربعة أنا كنت مطمنة على أولاد رآفت لاني عرفاه هيقدر يعتني بيهم ويشيلهم في عيناه.

انفجرت في البكاء الهستيري حتي نظر إليها الموجودين بينما نظر إليها جاسر بإنزعاج معاتباً اياها فأكملت بشهقات متقطعة:
- عشرين سنة عايشة قلبي محروق عليهم هما الأربعة نفسي اشوفهم متجمعين مع بعض بس ربنا عاقبني فيهم كلهم حازم مات و أسما اتطلقت و مراد جوازاته كلها منحوسة وطبعاً الصغيرة ملقتهاش.

أبتسم جاسر قائلاً بتهكم:
- وانتي طبعاً بعد العشرين سنة جاية تلمي الشمل... الحاجة الوحيدة اللي أقدر أقولها أنك إنسانة مهملة معندكيش احساس لو بتحسي وزعلانة أوي كدا مكنتيش غلطتي في البداية... انا غلطان إني قاعد بسمع كلامك ده.. مفيش دليل واحد يدل على أنك أم رحمة فعلاً.

نهض مباعداً الكرسي يحدجها بنظرات ساخطة لتمسك يده قبل أن يتحرك متوسلة إياه:
- أرجوك خليني أكمل... أقعد بس؛ الموضوع يخص بنت عايشة عندك في الفيلا.

ابتلع ريقه ثم جلس عاقداً ذراعيه يحاول تكذيب الكلمات التي سوف تقولها متمنياً بألا تخص رحمة ولكنها ضربت أمنياته في عرض الحائط بكلامتها:

- داوود مات وأنا جيت هنا بعد ما خلصت من سجنه كنت عايزة استنجد بمراد يدور عليها بس هو حتي رافض يبص في وشي... كرهني أوي!
معرفتش أعمل إيه ادور عليها في الشوارع زي المجنونة!
انا بالصدفة جيت أشتري الفيلا اللي قصادكم ومن يومين كنت بتفرج عليها، وأنا خارجة شفت بنت ماسكة في أيدك وانتوا خارجين مع بعض قربت منكم حتي أنت بصيت باستغراب بس كنت عايزة اكدب نفسي وأنا شايفة نسخة مني وأنا صغيرة واقفة قدامي... العلامة الوحيدة اللي كنت أقدر اتعرف بيها على بنتي هي علامة لونها بُني في صابعها الطويل في أيدها اليمين موجودة عندما من أول يوم اتولدت فيه.

صفع جاسر الطاولة التي أمامه قائلاً بحدة:
- أنتي عايزة تنصبي عليا بالكلمتين دول؟
رحمة أكيد مش بنتك وبلاش تخرفي بالكلام تاني.

كفكفت هدي دموعها تهز رأسها بعنف ثم أردفت:
- اسمعني ... لو سمحت ... انا مريـ ـضة بالمرض الخبيث ... يعني هموت في خلال شـ ـهور صدقني المرض بياكل فيا..

فتحت حقيبتها لتأخذ منها قطعة قماش ثم فتحتها أمام جاسر المتعجب لأفعالها فوجد بها بعض الشعيرات ليزداد تعجبه و حيرته أكثر بينما أخبرته بعينان مترجية:
- الشعر ده شعر داوود أنا قصيته قبل ما يموت واحتفظت بيه عشان كنت حاسة اني هلاقيها ... كل اللي أنا طلباه منك تاخد خصلتين من شعرها ونعمل تحليل ... والله لو مطلعتش بنتي هسافر واسيب البلد ... هي أخر أمل ليا ... كلهم رافضيني ... أمسكهم وارجوك نفذ طلب واحدة محكوم عليها بالموت.

آخذ جاسر منها القماشة بعد أن غلفها بعناية وابتلع تلك الغصة التي بحلقه قائلاً بهدوء وقد شعر بالشفقة تجاهها:
- أوعدك.
~ End ~

كانت رحمة تستمع إليه بأعين تذرف الدموع بصدمة وشعرت كأن جسدها شل عن الحركة ليُكمل جاسر ينظر لملامحها بحزن و شفقة في آن واحد:
- اخدت خصلات من شعرك و عملت تحليل طلعت النتيجة مطابقة.

وصد عيناه متمنياً الا تكرهه بما فعله ولكنها فاجأته عندما ارتمت بأحضانه وقد تملكها البُكاء لتنهمر دموعها كالشلالات ثم صرخت بنحيب جعله يشعر بأنه في يغرق في قاع من الجحيم:
- أنا ليه بيحصل معايا كدا؟! حياتي كلها غلط في غلط ... في يوم وليلة ألاقي نفسي مراتك وبعدين أعرف أن ليا أم وأخوات!!
أنا تعبت أوي والله مبقتش قادرة استحمـ....

قاطعها جاسر بلين يربت على كتفها:
- كفاية عياط أنا هعملك اللي أنتي عايزاه ... لو معيزاش تشوفيها دي حاجة ترجعلك بس أنا من رأيي أنها محتاجة تحس بيكي و واضح أنها فعلاً تعبانة و بتعاني.

تعالى عويلها و شهقاتها بينما قبّل جاسر جبينها قائلاً:
- أنتي دماغك دي فيها إيه انا بقولك متعيطيش يبقي بس خلاص ... أهدي يا حبيبتي.

ظل يُخبرها بالعديد من الكلمات لعله يواسيها و يثلج قلبه ولو لبعض الوقت...
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
فتحت عيناها وقد تحولت ملامح وجهها للأنزعاج من تلك الرائحة العطرة التي تسللت لأنفها لتتأوه في ألم تنظر إلى سقف الغرفة باستغراب تشعر بأن عقلها لا يستوعب ما يحدث حولها لتهتف بإرهاق تجاهد كي لا توصد جفينها:
- مراد .... رحت فين؟

صاح شريف متأففاً في حنق:
- انسيه بقي... انسيه و أوعدك اني مأذيهوش ليه مش مقدرة إني أنا اللي حبيتك الأول.

استندت نورا بذراعيها على الفراش حتي اعتدلت وهي تتسائل بحذر:
- ايه الكلام اللي بتقوله ده يا شريف؟! أنا بعمل ايه هنا عايزة أمشي.

وقف شريف ثم جلس أمامها ممسكاً بيدها لتزدرد في ارتباك بينما تحدث شريف بحزن محاولاً استمالتها:
- بقولك أنسي كلمة مراد دي مش عايز لسانك ينطقها أبداً ... نتفق إتفاق مع بعض واللي أوله شرط آخره نور.

مد يده ساحباً أوراق متواجدة على المنضدة ومعها قلم أيضاً ثم وضعها على ساقيه مجبراً نورا على الإمساك بالقلم لتخرج الكلمات من شفتيها مهتزة:
- أنت.. هتعمل.. ايـ ـه؟!

تحسس شريف وجهها بأطراف أنامله لترتعد هي وحاولت النهوض أو الابتعاد ولكن جسدها تجمد على أثر كلماته التي لو كانت صفعات لكانت أرحم مما اختبرته:
- أيدك الجميلة دي توقع على ورقة طلاقك من سي مراد ... وكدا تضمني اني مخلصش منه أنا هقرص ودنه بس و اخسره أملاكه وتعب سنينه كلها.

أكمل ضاحكاً بقوة:
- فاكرة يا نورا يوم ما جيت اعترفتلك بحبي للمرة التانية وكنت هقبل بأبنك اللي في بطنك؟ ساعتها قال "ما عاش ولا كان اللي ياخد حاجة تخص مراد النجدي ... ألزم حدودك يا شريف وأبعد عن طريق نورا لأنها هتكون مراتي..."
جاوبيني بقي قبلتي جوازك منه ليه؟ عايز افهم إيه يميزه عني عشان ياخدك وأنا بتمني نظرة أو ابتسامة منك طول السنين دي!!!

توسعت عيناها في ذهول قائلة بتعثلم:
- أنت.. أنـ... إزاي؟ أنت واعي ...!

اشاح شريف بنظره قائلاً بقسوة:
- أنا واعي دلوقتي اكتر من أي وقت ... مش معقول هسيبك كل مرة ... تعرفي أنا كنت طاير من الفرحة لما طلبت من جدك أروح اطلبك مكنتش مصدق أنه هيوافق بالسهولة دي خصوصاً أنه كان واعد خالك محروس أبو أدهم أنك متكونيش غير مرات أدهم.

انعقد لسانها ولم تستطيع اخراج الكلمات من جوفها ليقول شريف بتهكم:
- متستغربيش من كلامي ده... الموضوع قديم أوي قبل موت عم محروس اللي هو أكبر أبن في العيلة وصي أن نورا تتجوز أدهم و فرحة أخته تبقي مراتي... عشان كدا كانت سمرا مش طايقاكي ايام الفرح.. قوليلي بقا أنا مستاهلكيش؟!

هزت نورا برأسها مغمغمة بصدق:
- يا شريف أنا بحب مراد وهو بيحبني بلاش تبعدنا عن بعض أنا عمرى ما هكون غير ليه.

- آآآآه
صرخت في ألم عندما انهال عليها بصفعة قوية بكف يده ثم نهض صارخاً بغضب:
- واضح أن الكلام الهادي معاكي مبجيبش نتيجة، قدامك أربعة وعشرين ساعة ماضيتي يبقي خير و بركة معملتيش هتبقي أرملة بدل مطلقة.

أبتسم ابتسامته الشيطانية لتصيح به بحدة وقد سيطرت على دموعها المتعلقة بأهدابها:
- لو فاكر أنه هيسيبك تبقي اتجننت..

أطلق شريف ضحكات عالية كأنها قصت عليه دعابة مضحكة ثم تحدث بين ضحكاته:
- مستنيه بفارغ الصبر I'm ready for kill him (أنا جاهز لقتله)

لف أحدي خصلات شعرها على أصابعه يظهر أنيابه بتلك الابتسامة المخيفة:
- أنتي كدا حلوة أوي.. أنا عايزك.. عايزك بكل حاجة فيكى.. ستات العالم كلها مأثرتش فيا زيك... كانت أيدي تتقطع لما مديت أيدي عليكي... آسف أعتبريها آخر مرة.

دفعته بيدها تصرخ في عنفوان:
- يارب كانت اتقطعت يا شيخ.. أنت مريض.. إزاي تفكر فيا كدا...؟!

تصنع شريف الفزع قائلاً:
- تصدقي خوفت وهسيبك كدا.

غمغمت بنبرة استفزازية اغتاظ منها حتي كاد أن يقتلع رأسها من جسدها:
- لو كنت أد المواجهة فعلاً و راجل مش هتتشطر عليا وتضربني... و أيوا خاف من دلوقتي عشان مش هيرحمك يا أبن خالي.

ضرب شريف الحائط بقبضته عدة مرات يطلق سيل من الشتائم الوقحة التي يخص بها مراد ثم خرج صافعاً الباب خلفه حتي كاد أن ينكسر...

بينما وضعت نورا يدها تمسد على وجنتها من أثر الصفعة قائلة بين نفسها تأخذ نفساً عميقاً وتزفره ببطئ:
- أهدي يا نورا ... أهدي وكل حاجة هتبقي تمام هو أكيد مش هيسيبني ... يارب اديني القوة والثبات عشان أقدر اتماسك ... متعيطيش زي الهبلة كل مرة وبلاش تستسلمي من دلوقتي.

ثم أكملت بتهكم:
- ايه الحياة اللي مليانة اكشن وخطف دي لأ وكمان مستشفيات ما شاء الله! بومة بومة مفيش كلام.

عقلها يكاد ينفجر من كثرة الأفكار التي تتداول به، تحاول إيجاد فكرة للهروب من ذلك المكان....
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
رن هاتف مراد بينما هو يجوب في المكان ذهاباً وإياباً ليجيب صارخاً بلهفة:
- عملت ايه؟!
ايه الجنان بتاعكم ده مشغل عندي شوية بهايم..
نعم!!
متعملش حاجة غير لما أقولك يا غبي..
كل خطوة تخطوها أعرف بيها..
مفيش عندي احتمالات قولتلك..
ابعت مع فتحي للمكان زي ما قولتلك عليه..
الست دي تجيبوها من تحت الأرض..
أقفل يا غبي..

أنهي المكالمة يحاول تهدئة ذلك الوحش الذي يزأر بداخله يتمني لو توقعاته تلك ليست صحيحة!!
ولكن كيف؟ بالتأكيد يهذي!!
سيصعد إليها ويكتشف كل شئ فقط ليخمد شكوكه و ظنونه المبالغ بهم... الاختلاف الجذري الذي حدث اليوم يثير كل خلية من أعصابه.

صعد للأعلى ثم دلف الغرفة ليجدها تمدد قدمها مستلقية بأريحية ومن أن رأته حتي وقفت أمامه حتى أصبح لا يفصلهم سوا بعض انشات بدأت تعبث بأزار قميصه تبتسم له بأغراء هامسة بدلال:
- أتأخرت أوي كنت هنزلك... وحشتني أوي أوي.

أحقاً؟ من أين أتت بتلك الجرأة؟ يعهدها فتاة خجولة لا تطيل النظر بعيناه حتي..!

جذبته من ياقة قميصه ليصبح وجهه أقرب إليها أكثر بينما كان هو ساكناً نظراته جامدة خاوية لتطبع هي قبلة على مقدمة أنفه جعلت النيران تندلع بقلبه على عكس ملامحه الهادئة، الآن قد سأم من هذا العرض الرخيص بنظره وضع يداه الاثنين حول عنقها لتبتسم هي بخبث ظنناً بأنها بدأت بتأثيرها عليه ولكن ذاغت عيناها و وصدتها رغماً عنها عندما ضغط على الأوداج في عنقها ببراعة فسقطت على السرير خلفها تغط في بئر لا نهاية له....
≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈≈
في صباح اليوم الثاني...

أنتهت نورهان من ارتداء ملابسها أو بمعني أصح ملابس نورا والتي عملت على اختيار أقل الملابس احتشاماً تليق بشخصيتها و مهنتها المخزية التي اعتادت أن ترتدي ملابس مخجلة تخص العاهرات كأمثالها..
وضعت يدها تدلك عنقها قائلة بحيرة:
- هو ايه اللي حصل امبارح انا مش فاكره غير لما قرب مني! المهم لازم استغل فرصة خروجه و أجيب الفلاشة دي.

أبتسمت بمكر ثم أطلقت ضحكة خليعة تناسب راقصة مثلها مقررة استغلال الموقف لمصلحتها هي و إرغام كلاً من علي و شريف حتي ينفذوا ما تريده وإلا فلن تعطيهم تلك الورقة الرابحة التي ستمتلكها عاجلاً أم آجلاً، الآن عليها بالبحث عنها مستغلة انشغاله بأعماله...

وقفت على أطراف أصابعها تأخذ مفاتيح خزانته من فوق أحدي الرفوف الخشبية فهي رأته يضعها في هذا المكان عندما دلف إلى الغرفة بالأمس، سحبتها ببطئ شديد لتتسع ابتسامتها المنتصرة وبدأت في العبث بالمفاتيح...

توجهت إلى المكتب بخطوات حذره حتي لا تعلم إحدى الخادمات وتُخبر مراد عند مجيئه، ولجت المكتب وأغلقت على نفسها الباب ببطئ ثم أضاءت الإنارة استغرقت أكثر من ساعة في البحث عن الحزينة هنا وهناك ولكن يبدو أنه حاذر للغاية كي لا يعلم أحد بمكانها، زفرت بإنزعاج واضح واطلقت آنة متألمة تمسد على ظهرها الذي ألمها بشدة من جهد بحثها لتجلس على كرسيه الجلدي ممددة ظهرها قائلة بحسرة:
- وبعدين بقا في عم الغامض ده! أنا خلاص مش قادرة جسمي اتكسر واعصابي مش على بعضها أصلاً.

حركت قدمها لتصتدم بشيء معدني صلب
انحنت برأسها نحو هذا الشىٔ لتصيح بحماس:
- أخيراً لقيتك... ياااه يا حلم بعيد ونولته.

أزاحت ذلك الكرسي على أحدي الجوانب ثم جلست على ركبتيها تتطلع إلي الخزينة بأعين لامعة ببريق الانتصار ... آخذت المفاتيح الذي وضعتها على سطح المكتب فكانوا مكونين من أربعة مفاتيح حاولت لثلاث مرات و الرابعة نجحت في فتح الخزينة
تراقص قلبها فرحاً عندما وجدت تلك الفلاشة في المقدمة و يصحبها عدة أوراق وملفات تبدو مهمة بالنسبة إليه حتي يحتفظ بها هكذا

لما لا تستغل مراد نفسه لمصلحتها...؟ هذا الشئ الذي في قبضة يدها غالى الثمن بقدر ثروته الهائلة كما سمعت من شريف و علي! حسناً سوف تغير الخطة وتستخدم خطة من عقلها، معجبة به للوهلة الأولى منذ أن رأته سوف تبتزه وترغمه على فعل ما تريد حتي تحركه كالآلة بيدها

وضعت ذلك الكنز في جيب بنطالها ثم رتبت تلك الفوضى التي قامت بها واعادت المكتب كما كان لتخرج منه ثم سارت إلى خارج الحديقة ممسكة بهاتفها الاصلى لتجرى اتصالاً به.

اتسعت عيناها بذعر عندما وجدت يد تحيط جسدها من الخلف وكادت أن تصرخ حتى همس بصوت هادئ ارعبها:
- اششش يا حبيبتي مالك شوفتي عفريت ولا ايه؟


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close