رواية اغلال الروح الفصل السابع والعشرون 27 بقلم شيماء الجندي
لفصل السابع والعشرون " رفض ! "
الذهول هو الوصف الأدنى لحالة صديقه العائد من الخارج بعد رحلة استجمام من نوع خاص استغرقت ما يقرب الشهر انفصل عن عالمه وأصدقائه واختار التواجد مع عائلته المقيمة بـ لوس أنجلوس الأمريكية وفور عودته توجه إلى صديق العمر "آسر" مستطلعًا ما مر به من دونه وليته لم يفعل حيث وقف يحدق به بأعين متسعة لمدة دقيقة أو أكثر و أخيرًا استطاع الحديث مرددًا بتردد :
- لأ معلش أنت اتجوزت سديم النصابـ ...آآ أقصد اللي مثلت دور بنت عمك ؟!!!! يعني هي مراتك و بينكم ريليشن ("_علاقة_") و لاڤ استوري ("_قصة حب_") بجد ؟!!!!
هز "رائف" رأسه سلبًا و استند بيديه إلى المكتب ذاته الذي اسند "آسر" مرفقيه إليه و نكس رأسه مغمضًا عينيه يستمع إلى لوم صديقه الذي واصل بعد اتكاؤه إلى المكتب الزجاجي :
- أنت أكيد بتهزر معايااا !!!!! طيب والمفروض بقا تعمل إيه مع عيلتك تنفصل عنهم عشان مراتك ؟!!! أنت متخيل إن هيجي يوم ويقبلوها أصلًا ؟!!!!! يا آسـ... آ
قاطعه حين وقف فجأة صافعًا قطعة الزينة الزجاجبة المجاورة ليديه محاولًا التعبير عن شدة اشتعاله ، صارخًا بـ"رائف" بعد أن نفذ صبره و أصبحت طاقة تحمُل سوء الكلمات من حوله على وشك النفاذ :
- كفااااية ، أنا مش ناقصك ، أهي طلبت الطلاق و هتريحكم كلكم !!!! مطلوب مني إيه تااااني أروح اقتلهالكم عشان ترضوا عني !!!!!
ركل المقعد بقدمه و تحرك بغضب شديد متحدثًا بنَّزَق و قد استقر أمام النافذة الزجاجبة يراقب سكون الأجواء الصباحية بشرود واضح :
- مش معقول بتتصرف كدا من نفسها ، دي دخلت البيت دا عشاني !!! ومن وقت رفضهم وهي لحظة معايا و مليون لحظة بعيد عني و بمنتهى الغباء أنا روحت احاسبها النهاردة رغم إني شايف طاقة الرفض دي كلها ناحيتها !!!
رفع "رائف" حاجبه بصدمة من استسلام صاحبه لتيار تلك الفتاة وحالة التخبط والتشتت التي يراه عليها للوهلة الأولى منذ طفولتهم !!!! تحرك خلفه يردف بعجب من محاولة التبرير لها رغم رغبتها بالإنفصال عنه !!! :
- أنت مستوعب بتقول إيه ؟!!! أنت بتطلع نفسك غلطان بعد كل اللي حكيته ؟!!! في راجل في الدنيا مراته تخرج من وراه و تطلب منه الطلاق يقول كلامك دا ؟!!! مش شايف إنها بتلعب معاك يعني ؟!!!!
إلتفت إليه فجأة و حدجه بنظرات نارية مشهرًا سبابته يهدر بتحذير غاضب :
- رائف مش هقولك تاني خد بالك من تلميحاتك عن مراتي ، متندمنيش إني حكيتلك !!!
اتسعت عينيه و سأله بدهشة مُشيرًا إلى حاله باستنكار:
- مراتك !!! و تندم إنك حكيتلي ؟!!!
ثم واصل محاولًا استيعاب مشاعر صديقه بعد أن أدرك مدى حساسيته تجاه تلك المحتالة :
- أنا مكنتش أعرف إن الموضوع واصل معاك لكدا ياصاحبي !! طيب قولي تفسيرك إيه لحالتك دي و للتصرفات اللي مراتك عملتها لحد دلوقت ؟
لمس "آسر" في نبرة صديقه التراجع عن توجيه الإهانات لشخص زوجته لذلك أردف بحيرة و عاد يراقب الخارج بشرود :
- مكنش ينفع اتخانق معاها وانتقدها بالمنظر دا ! أنا كدا حسستها إنها غريبة مهما عملت ، أنا كأني باخدها من أرضها بالعافية و بزرعها جوا أرضي و عاوز الحصاد في خلال أيام يطلعلي !!!!
رغم انزعاج "رائف" من رؤية صديقه بتلك الحالة لأجل محتالة مخادعة انتزعت صديقه من عائلته و حققت مخاوفه تجاهها لكنه حاول تجنب خسارة رفيقه قائلًا بهدوء ظاهري لا يعكس ما يحدث داخله :
- مفيش زرعة بتخرج من تربتها و تعيش ياآسر !
وواصل بغضب مفاجئ حين وجد ملامح "آسر" تتبدل و على وشك الرفض و توبيخه على مايقوله :
- مينفعش ياآسر و لو هي بريئة زي مابتقول كدا يبقا أبعد عنها قبل ماعيلتك تبدأ تاخد خطوة ، أبوك مش هيسكت كتير زي ما أنت متخيل و باله مش طويل زيك ، مش هتتحدى الكون كله عشان واحدة نصـ .. آ واحدة عايزة تسيبك أصلًا بلاش تدور على مبررات ياصاحبي وخد قرارك زي ما هي عملت مش يمكن هي عايزة توصلك للحالة دي !!!
عقد حاجبيه و إلتفت إليه يردف بسخرية لاذعة متجاهلًا رأيه :
- أنت دلوقت أثبتلي إنها عندها ومهما عملت أنا اللي لازم استحملها هي صح فعلًا في كل خطوة عارف ليه ؟
واصل وهو يقترب منه محدقًا داخل عينيه وهامسًا بإشمئزاز :
- انتوا رسمتوا صورة محددة و حطتوها في إطار النصابة وخلصتوا خلاص ! لا فارق معاكوا ترجع عن طريقها ولا تغسل ذنوبها ولا إن رفضكم دا ممكن يرجعها أسوأ من الأول المهم انتوا تبقوا ولاد ناس ورافضين تتعاملوا مع واحدة زيها ، وهي قالتلي كدا بس أنا مفهمتهاش وقتها أوي !!! تخيل واحدة بتطلب مني الطلاق وعايزة تبعد عني و برضه طالعة وحشة وبتحاول تنصب عليا محدش فيكم سأل نفسه إيه اللي يخليها تسيب حياة مرفهة و تسجن خالها و ترجع لبيت أبوها أو حتى شقتها المنفصلة عنه و تحاول تبدأ من الصفر رغم إنها عايشة حياة مرتاحة ، حتى أنا كنت قربت أصدق من كتر كلامكم إنها ممكن تسيبني في لحظة و تختفي !!!!
رفع زاوية فمه و همس ساخرًا بإشمئزاز :
- إحنا إزاي بالقرف دا ؟
احتدت نبرة صوت "رائف" و ضرب كف بالآخر يقول متعجبًا :
- إحنا خلاص بقينا كلنا مقرفين عشان شايفين سديم وحشة ؟! أروح أحب أي واحدة من الشارع واجيبها لأهلي اقولهم اقبلوها زي ما أنت بتقدملها أعذار وشايفها ملاك الطبيعي تقدملنا أعذار منطقية كمان إحنا طبيعي نخاف عليك !!!!
صاح به "آسر" و توجه إلى أقرب أريكة يجلس فوقها هادرًا بعنف:
- منطق إيه و أعذار إيه هو أنا خلاص بقيت بالنسبالكم عيل صغير مش عارف أحكم على ست قدامي وأعرف بتستغلني ولا لأ ؟!!! إحنا عدينا بأشكال وألوان ياأخي سواء في الشغل أو برا عمرك شوفتني اتسرعت في حكم على حد ؟!!!
رفع وجهه ينظر إليه لحظات قبل أن يستقيم واقفًا يتحرك تجاهه مواصلًا عتابه بحدة و إنفعال :
- وأنا قولت رائف عاقل وهيفهمني في وقت ابويا و أخويا و كل عيلتي مش قادرة تستوعب دماغي فيه ، بحبها يااأخي سيبوني أغلط مرة ما أنا ياما شيلت غلطاتكم و صلحت ورا الكل !!! خلاص عملتوا مني مجنون عشان شوفت حاجة انتوا مش شايفنهااا ؟!!!!
أشاح "رائف" بيديه و هو يصرخ به بغضب حين شعر أن العاطفة تملكت من صديقه و رؤيته تقتصر على تلك الفتاة فقط دون غيرها صانعًا من عائلته و أصدقائه أعداء:
- شوفت إيه منهااا ياااآسر خلاك هتتجنن كدااا !!!!
صرخ بقوة ونفاذ صبر : روحهاااااا !!!
صمت "رائف" و خمدت ثورته ضد أفكار صديقه خاصة بعد كلمته العفوية و النابعة من بين ثنايا روحه المتألمة من رفض جميع المحيطين به مساندته ولكنه يتخبط بصدق داخل دائرة عشق الأرواح و كما أخبرته والدته يومًا ما أن تلاحم الأرواح لا يفنى و إن فنت الأرواح دامت قصة يرويها الحاضرين إلى أبد الآبدين !!!!!
سارت عينيه على صديقه دامع العينين مشعث الخصلات الذي منذ صرخته به بهذا العنف قد ارتفع صدره و هبط عدة مرات متتالية وكأنه على وشك تمزيق قميصه و خمدت ثورته هو الآخر يراقبه بألم شديد وداخل عينيه ذهول من خروج مشاعره إلى النور بهذا الصدق المبالغ به !!!! بالفعل هو عاشق لروحها الحرة المحلقة في سماء كبريائها رغم جميع ما مرت به ورغم القيود التي تُفرض عليها كلما حاولت التحليق وكأنها قيود لا تفنى ولكنها تستحدث من العدم !!!!!
أبعد عينيه الدامعة عن صديقه الصامت عجزًا عن الحديث و أنقذ احتدام الوضع الهاتف الذي تصاعد صوته فجأة ليتحرك تجاهه مجيبًا بإتزان يخالف حالته الحالية :
- أيوا ؟!
صمت لحظات قبل أن يسأل باستنكار :
- سليم ؟!! معرفش أنا مشوفتوش من امبارح ليه ؟
تنهد وأردف محاولًا تهدئة المتصل : تمام أنا هتصل اشوفه متقلقيش !
وأغلق المكالمة يعبث بالهاتف و قد اقترب "رائف" يسأله بقلق :
- ماله سليم ؟
هز "آسر" كتفيه بجهل و أردف وهو يرفع الهاتف إلى أذنه :
- معرفش بيتصلوا بيه مش بيرد و قلقوا عشان كان قايلهم يستنوه على الغدا و .. آ !
قطع حديثه مع "رائف" و تحدث بجدية حين أجابه صوت رجل آخر على هاتف ابن عمه :
- مين معايا ؟
صمت لحظات ثم أردف بحدة واضحة : سليم فين و بترد مكانه ليه أصلًا !
اتسعت عيني "رائف" بذهول حين واصل صديقه الحديث و صاح بغضب وهو يتلفت باحثًا عن متعلقاته وجامعًا إياها بسرعة :
- مستشفى و مدرسة نيرة ؟!!! أنت بتهزر معايااا ؟!
ركض إلى الخارج وهو يغلق الهاتف و يتبعه "رائف" صائحًا بصدمة:
- سليم بخير ؟!! حصل إيه يابني متنطق ؟!!!!
أغمض "آسر" عينيه وأجاب باقتضاب و هو يضغط على زر المصعد مستدعيًا إياه :
- معرفش ، بيقول حادثة صغيرة وهو بيجيب نيرة و خيطوا الجرح !
اتسعت عيني "رائف" وكاد يتحدث بسخط عن زوجته وشقيقتها لكنه صمت حين حذره "آسر" بغضب ووعيد :
- إياك تتكلم عن نيرة تحديدًا يارائف دي بالذات ملهاش أي ذنب في العك دا كله حقيقي هخسرك فيها فعلًا !!!
وإلتوى فمه بعدها يواصل بسخرية :
- افتكر كفاية عليك سيرة مراتي !!!
لم ينتظر تعليقه بل دلف إلى المصعد يتبعه الآخر بصمت مطبق حيث وجد أن الأمور ليست على مايرام واحترام ألم صديقه واجب لا مفر منه حتى وإن خالفه في الرأي والتفكير !!!!
عودة بالوقت قبل ساعة تقريبًا وداخل المشفى بعد أن طمأن الطبيب "نائل" و "نيرة" و أخبرهم أن الجرح غير مقلق بل وسوف يتم معالجته وتطهيره في وقت قليل حاول "نائل" تهدئتها بجميع السبل الممكنة لكن دون جدوى جلست بجانبه تبكي و تنتفض مايقرب الساعة و هاتف "سليم" بيده يعلن عن متصل كل دقيقة تقريبًا إلى أن أجاب على "آسر" بنهاية الأمر ووجد بعدها الاسم "روحي" يعاود الإتصال من جديد فظن أنها حبيبته ولا تكف عن الازعاج رغم جميع تلك المكالمات ، زفر فجأة بغضب و أردف بحدة :
- أنا مش فاهم إيه الدوشة دي هرد بقا واللي يحصل يحصل دي زنانة !!!!
انتبهت "نيرة" إليه لكنها لم تحاول الخروج من أحضان شقيقتها بينما استمعت "سديم" _التي وصلت منذ دقائق واستمعت إلى ملخص حالة سليم" إليه يقول بحدة طفيفة:
- ايوا الراجل دخل المستشفى خلاص مش قادرة تصبري يعني دا أنا لو منه هنفصل عنك ؟!!!!
صمت لحظات ثم أردف بسخرية:
- هكون مين يعني واحد ربنا غضب عليه عشان يوقعه مع واحدة زنانة زيك !!!! قال كاتب اسمك روحي دا المفروض يكتب دوشتي ايه الصداع داااا رن رن رن فوق الخمسين مرة !!!!
عقدت "سديم" حاجبيها لحظات قبل أن تتسع عينيها وقد تذكرت أن هذا اللقب يخص والدة "سليم" حاولت إمساك ذراعه و لفت انتباهه لكنه انتفض بعيدًا يقول بغضب :
- اناااا مش متربييي ؟!!!! تصدقي بقااا إنك بومة !!! وشكلك كدا هتجيبي أجله المرة الجاية !!!!
صفعت "سديم" رأسها و حاولت لكزه والإشارة له متجنبة إظهار تواجدها بهذا الحادث أيضًا لكنه صاح بغضب واضح :
- استني أنتِ ياسديم أنا عارف الأشكال دي كويس !!!
صمت لحظة ثم هدر بتهكم وسخرية:
- آه سديم هنا مالها سديم الاسم مش عاجبك ؟!!! بقولك إيه المستشفى عنوانها ******** تعالي وشوفيه بنفسك وأنا ههزر معاكِ ليه يعني !!! دا إيه البلاوي دي !!!!
وأغلق الهاتف يلقيه بجانبه فوق المقعد و هو يقول بغضب :
- إيه ياسديم عمالة تخبطي فيا ليه ، واحدة قليلة ذوق و رديت عليها فيه إيه لكل دا !!!!
هزت رأسها ببسمة ساخرة ثم قالت بهدوء ظاهري يناقض غضبها من المصائب التي تلاحقها :
- لأ مفيش أي حاجة ، الزنانة دي تبقا والدة سليم وكاتب عليها روحي يعني مش حبيبته ، و مكنتش عايزاها تعرف أني هنا لأن العيلة دي مابتصدق تمسك اسمي في مصيبة !!!
اتسعت عينيه تدريجيًا ثم ازدرد رمقه بصعوبة يقول بتوتر : يعني أنا كلمت دلوقت أم التنين المجنح اللي جوا دا ؟
هزت رأسها بالإيجاب ليواصل بخوف بالغ :
- وقبلها قولت بنفسي العنوان للتنين التاني ؟
عقدت حاجبيها و سألته بترقب واضح :
- قصدك مين ؟
همس بتوتر وهو يتلفت حوله :
- آسر طبعًا !!!!
أغمضت عينيها ثم همست بغضب شديد:
- أنت عارف يانائل لو ما اخافتش من وشي دلوقت أنا هجهزك بقا للتنين دا ! قوووم !
انتفض واقفًا و هو يصرخ بها بصوت مرتفع :
- الله !!! وأنا عملت إيه يعني لده كله !!!! ربنا ينتقم منكم كلكم ياظلمة عيلتين يجيبوا الهم و يقصروا العمر !!!
ثم صاح بـ"نيرة" بغضب :
- تعالي ياعيوطة أنتِ اعزمك على أي طفح بدل ما أنتِ مخلصة مناديل المستشفى بنواحك دا ، اييييه بتعيطي لييييه كانوا قالولك الواد مات ماهو زي القرد أهو جوا مكنش غرزتين هياخدهم يعني !!!!!
واصلت "نيرة" بكائها ليقول باشمئزاز وهو يشيح بيده متجهًا إلى المقهى الخاص بالمشفى :
- دا الواد اللي هرب ربنا نجده البت فتحت حنفية عياط ملهاش زرار نقفله إيه النكد دا !!!!
________________ *** _________________
وقفت "سديم" بالخارج تربت فوق خصلات شقيقتها التي دست جسدها المرتعش بأحضانها و استمعت إلى ما يقصه "نائل" من تفاصيل دقيقة تخص الحادث و قد كان يتضح على ملامحها الغضب الشديد من غدر صديقها و لكنها أردفت بهدوء و هي تخرج "نيرة" من أحضانها :
- تعالى معايا يانائل نشوف الحساب و بعدها هاخد نيرة وامشي قبل مايوصلوا و أنت تغير ركنة عربيتك اللي قالولك عليها و أنتِ خليكِ هنا يانيرة متتحركيش خالص إلا لو حد وصل كلميني متقلقيش أنا في الأوضة اللي في آخر الممر دا !
تحرك معها بالفعل و وقفت "نيرة" محلها ثم تلفتت تراقب الأجواء حولها قبل أن تتجه إلى أقرب مقعد تجلس فوقه و المشاهد تتكرر داخل عقلها للمرة المائة لا تصدق ما آلت إليه أمورهم و رأت اليوم بعينيها أيضًا غدر الصديق راقبت شقيقتها إلى أن اختفت من الممر و عقلها يصرخ بدهشة واستنكار " كيف اعتادت شقيقتها الألم والغدر إلى درجة أنها لم تندهش من فعلة كريم بل ولم تعلق عليها اهتمت بالإطمئنان على حالة سليم و إنهاء حالة الذعر التي أصابتها لكنها لم تحاول إظهار حزنها أو تأثرها !!!! " خرجت من أفكارها حين وقفت أمامها تلك السيدة تقول بلطف :
- لو سمحت ياآنسة ! الحالة اللي جوا تبع حضرتك مش كدا ؟!
وقفت تهز رأسها بالإيجاب و تسألها بذعر :
- آه حصله حالة ؟!!!!
ابتسمت لها الممرضة و أجابت مطمئنة إياها حين وجدتها ترتدي الزي المدرسي : لأ حبيبتي متخافيش هو بخير أوي محتاج بس حد من عيلته وقالي أنادي اللي برا !
هزت رأسها بالإيجاب ثم أمسكت الحقيبة المدرسية و القميص المتعلق بـابن خالتها و دلفت إلى الداخل بخطوات متوترة و أعين متسعة تبحث عنه بخوف إلى أن وجدته لكنها شهقت بفزع و استدارت مسرعة تقول بخجل واضح :
- أنا آسفة هي قالت برا إنك عايزنا مكنتش أعرف إنك كدا !!!!
و رغم أنها منحته ظهرها إلا أنها أشارت إلى جزعه العلوي العاري ليبتسم بوهن و يقول بصوت يحمل الإرهاق :
- مانا طلبت نائل عشان القميص اللي في إيدك دا ، لو تسمحي تجيبيه ألبسه !
لا تعلم ماسبب تلك القشعريرة التي دبت بجسدها مع حديثه اللبق رغم إرهاقه و أدهشها تقلبه من الغضب الشديد الرفض القاطع إلى السكون أحيانًا إلى رجل غريب الطباع دفعها اليوم إلى الاستغاثة به رغم خوفها بالبداية منه !!! نظرت إلى القميص القابع بين أنامله تقبض عليه بخجل من هيئته التي طُبعت داخل عقلها ثم بدأت تعود إلى الخلف بخطوات بسيطة مترددة دفعته إلى الضحك و قد ترك الفراش الصغير و استقام مقاومًا وخزات الألم بجانبه و فور أن اعتدل وجدها ظهرها يرتطم بصدره و تنتفض بهلع محاولة تجنب السقوط حيث اختل توازنها من فرط رعبها و الارتباك الذي أصابها تأوه حين صدمت ذقنه برأسها و لكنه تجاهل الأمر و أمسك خصرها خشية سقوطها و همس لها بدعابة محاولًا تهدئتها :
- حاسبي كفاية حوادث بقا !
اعتدلت إليه باكية و أردفت بأسف معبرة عن ندمها و تسببها بما حدث تنكس رأسها أرضًا :
- أنا متخيلتش إنه ممكن يوصل لكدا بس أنا خوفت أوي ، أنا آسفة !!!!
عقد حاجبيه و سألها بدهشة و عينيه تسير على ملامحها المتأثرة بحزن حقيقي :
- أنتِ بتتأسفي ليه ؟! أنت ملكيش ذنب !!!
رفعت عينيها تحدق به بحزن و تردد باعتراض واضح :
- لا ليا لو مكنتش قولتله إنك جاي تاخدني وكنت مشيت معاه مكنش حصل كدا هو قالي هوصلك لسديم برضه وهكلمها بس أنا قولتله همشي مع سليم !
لم يتمكن من إخفاء تلك البسمة الصغيرة النابعة من سعادته الداخلية الغير مفهومة باعترافها أنها فضلت العودة معه على التواجد مع هذا الرجل و خرج سؤاله العفوي بتلك النبرة التي دفعتها إلى حافة التوتر :
- قولتي هتمشي معايا ؟!
كادت تنظر أرضًا لكن اتسعت عينيها حين وجدت حالها غافلة عن تواجدها داخل أحضانه و ذراعه لازالت تلتف حول خصرها عاجزة عن منع نفسها من السير فوق جزعه العلوي المنحوت ببراعة نتيجة مداومته على الرياضة لتزدرد رمقها و تحاول إفلات نفسها زاجرة الأفكار الغريبة التي طرأت فجأة على عقلها قائلة بخجل :
- سديم جت برا و راحت تشوف الحساب وغالبًا آسر جاي برضه !
أفاق على كلماتها الأخيرة و إنصاع إلى رغبتها بالإفلات منه قائلًا بقلق و هو يلتقط منها القميص :
- انتوا قولتوا لأسر اللي حصل ؟
هزت رأسها بالإيجاب و رددت باستنكار : اكيد عشان يجي يشوفك وكمان مامتك جاية تقريبًا !!!
عقدت حاجبيها حين صدح صوت "نريمان" الغاضب تقول بحدة و هجوم :
- مامته وصلت فعلًا و شافت بعينيها إنكم مش بس نصابين دا انتوا قتالين قتلة انتوا ومعارفكم اللي شبهكمممم !!!!
حملقت بها بذهول بينما اتسعت عيني "سليم" و أردف بغضب موجهًا حديثه إلى والدته :
- إيه الكلام دا قتل إيه و نصب إيه ؟! ماكفاية بقا ياماما الحرب دي مش هنخلص منها نيرة ملهاش ذنب !!!!
توجهت إليه تصرخ بها بغضب وكأنها أصيب بحالة من الهياج خاصة مع رؤية لطخة دماء فلذة كبدها فوق قميص تلك الفتاة لتنتفض "نيرة" بذعر و تعود إلى الخلف :
-أختك فين هي فييييين العقربة الكبيرة والله لارميها في السجن رباية الشوارع دي !!!!
اشتعل "سليم" غاضبًا من والدته خاصة حين شعر بها ترتجف أمامه وتحدق بتلك السيدة التي تفوق عمر والدتها بصدمة بالغة مما دفعه إلى جذبها خلفه ممسكًا رسغها بقوة وقبل أن يتحدث خرجت الكلمات من فم ابن عمه الذي وصل للتو تزامنًا مع عودة "سديم" و "نائل" أيضًا :
- مراتي مش عقربة ولا رباية شوارع يامرات عمي أظن عيب أوي تخوضي في عرض واحدة من عيلتك ؟!!!!
تأزم الموقف خاصة مع وصول "رأفت" الذي أردف ساخرًا و هو يدلف إلى الداخل :
- العيب إنك تسيب واحدة حرامية على ذمتك ياآسر المدام مطلوب القبض عليها وأنا قولت مفوتش المشهد دا ماهو مش معقول تسرقني واسكت ؟!!!!
صدرت شهقة من "نيرة" التي ركضت تجاه شقيقتها تتشبث بأحضانها بقوة و تنتفض برعب مع دخول أفراد الأمن إلى الغرفة وسط ذهول و صدمة جميع المتواجدين وقد عقدت الصدمة ألسنة الجميع حين صدح صوت الضابط يسأل بحزم :
- فين سديم المغازي ؟
تعلقت عينيه بها برعب حيث رفعت حاجبها الأيسر ووزعت نظراتها المتسلية بينه وبين "رأفت" الذي راقبها بشماتة تلاشت وبهتت ملامحه حين أجابت بجفاء وبرود :
- أنا سديم المغازي و هاجي معاك حالًا بس عندي فضول غريب كدا هو اللي ينسب بنته لراجل تاني ومش أي راجل لأ دا أقرب واحد ليه القانون يعاقبه ولا دا عادي ؟!!!
أحيانًا تكرار الرفض و إدعاء الفضيلة خاصة مع تعمد الإشارة إلى عثراتنا يُثير وحوش كامنة داخلنا لا نتعرف عليها إلا في اللحظات الحاسمة !!!
الذهول هو الوصف الأدنى لحالة صديقه العائد من الخارج بعد رحلة استجمام من نوع خاص استغرقت ما يقرب الشهر انفصل عن عالمه وأصدقائه واختار التواجد مع عائلته المقيمة بـ لوس أنجلوس الأمريكية وفور عودته توجه إلى صديق العمر "آسر" مستطلعًا ما مر به من دونه وليته لم يفعل حيث وقف يحدق به بأعين متسعة لمدة دقيقة أو أكثر و أخيرًا استطاع الحديث مرددًا بتردد :
- لأ معلش أنت اتجوزت سديم النصابـ ...آآ أقصد اللي مثلت دور بنت عمك ؟!!!! يعني هي مراتك و بينكم ريليشن ("_علاقة_") و لاڤ استوري ("_قصة حب_") بجد ؟!!!!
هز "رائف" رأسه سلبًا و استند بيديه إلى المكتب ذاته الذي اسند "آسر" مرفقيه إليه و نكس رأسه مغمضًا عينيه يستمع إلى لوم صديقه الذي واصل بعد اتكاؤه إلى المكتب الزجاجي :
- أنت أكيد بتهزر معايااا !!!!! طيب والمفروض بقا تعمل إيه مع عيلتك تنفصل عنهم عشان مراتك ؟!!! أنت متخيل إن هيجي يوم ويقبلوها أصلًا ؟!!!!! يا آسـ... آ
قاطعه حين وقف فجأة صافعًا قطعة الزينة الزجاجبة المجاورة ليديه محاولًا التعبير عن شدة اشتعاله ، صارخًا بـ"رائف" بعد أن نفذ صبره و أصبحت طاقة تحمُل سوء الكلمات من حوله على وشك النفاذ :
- كفااااية ، أنا مش ناقصك ، أهي طلبت الطلاق و هتريحكم كلكم !!!! مطلوب مني إيه تااااني أروح اقتلهالكم عشان ترضوا عني !!!!!
ركل المقعد بقدمه و تحرك بغضب شديد متحدثًا بنَّزَق و قد استقر أمام النافذة الزجاجبة يراقب سكون الأجواء الصباحية بشرود واضح :
- مش معقول بتتصرف كدا من نفسها ، دي دخلت البيت دا عشاني !!! ومن وقت رفضهم وهي لحظة معايا و مليون لحظة بعيد عني و بمنتهى الغباء أنا روحت احاسبها النهاردة رغم إني شايف طاقة الرفض دي كلها ناحيتها !!!
رفع "رائف" حاجبه بصدمة من استسلام صاحبه لتيار تلك الفتاة وحالة التخبط والتشتت التي يراه عليها للوهلة الأولى منذ طفولتهم !!!! تحرك خلفه يردف بعجب من محاولة التبرير لها رغم رغبتها بالإنفصال عنه !!! :
- أنت مستوعب بتقول إيه ؟!!! أنت بتطلع نفسك غلطان بعد كل اللي حكيته ؟!!! في راجل في الدنيا مراته تخرج من وراه و تطلب منه الطلاق يقول كلامك دا ؟!!! مش شايف إنها بتلعب معاك يعني ؟!!!!
إلتفت إليه فجأة و حدجه بنظرات نارية مشهرًا سبابته يهدر بتحذير غاضب :
- رائف مش هقولك تاني خد بالك من تلميحاتك عن مراتي ، متندمنيش إني حكيتلك !!!
اتسعت عينيه و سأله بدهشة مُشيرًا إلى حاله باستنكار:
- مراتك !!! و تندم إنك حكيتلي ؟!!!
ثم واصل محاولًا استيعاب مشاعر صديقه بعد أن أدرك مدى حساسيته تجاه تلك المحتالة :
- أنا مكنتش أعرف إن الموضوع واصل معاك لكدا ياصاحبي !! طيب قولي تفسيرك إيه لحالتك دي و للتصرفات اللي مراتك عملتها لحد دلوقت ؟
لمس "آسر" في نبرة صديقه التراجع عن توجيه الإهانات لشخص زوجته لذلك أردف بحيرة و عاد يراقب الخارج بشرود :
- مكنش ينفع اتخانق معاها وانتقدها بالمنظر دا ! أنا كدا حسستها إنها غريبة مهما عملت ، أنا كأني باخدها من أرضها بالعافية و بزرعها جوا أرضي و عاوز الحصاد في خلال أيام يطلعلي !!!!
رغم انزعاج "رائف" من رؤية صديقه بتلك الحالة لأجل محتالة مخادعة انتزعت صديقه من عائلته و حققت مخاوفه تجاهها لكنه حاول تجنب خسارة رفيقه قائلًا بهدوء ظاهري لا يعكس ما يحدث داخله :
- مفيش زرعة بتخرج من تربتها و تعيش ياآسر !
وواصل بغضب مفاجئ حين وجد ملامح "آسر" تتبدل و على وشك الرفض و توبيخه على مايقوله :
- مينفعش ياآسر و لو هي بريئة زي مابتقول كدا يبقا أبعد عنها قبل ماعيلتك تبدأ تاخد خطوة ، أبوك مش هيسكت كتير زي ما أنت متخيل و باله مش طويل زيك ، مش هتتحدى الكون كله عشان واحدة نصـ .. آ واحدة عايزة تسيبك أصلًا بلاش تدور على مبررات ياصاحبي وخد قرارك زي ما هي عملت مش يمكن هي عايزة توصلك للحالة دي !!!
عقد حاجبيه و إلتفت إليه يردف بسخرية لاذعة متجاهلًا رأيه :
- أنت دلوقت أثبتلي إنها عندها ومهما عملت أنا اللي لازم استحملها هي صح فعلًا في كل خطوة عارف ليه ؟
واصل وهو يقترب منه محدقًا داخل عينيه وهامسًا بإشمئزاز :
- انتوا رسمتوا صورة محددة و حطتوها في إطار النصابة وخلصتوا خلاص ! لا فارق معاكوا ترجع عن طريقها ولا تغسل ذنوبها ولا إن رفضكم دا ممكن يرجعها أسوأ من الأول المهم انتوا تبقوا ولاد ناس ورافضين تتعاملوا مع واحدة زيها ، وهي قالتلي كدا بس أنا مفهمتهاش وقتها أوي !!! تخيل واحدة بتطلب مني الطلاق وعايزة تبعد عني و برضه طالعة وحشة وبتحاول تنصب عليا محدش فيكم سأل نفسه إيه اللي يخليها تسيب حياة مرفهة و تسجن خالها و ترجع لبيت أبوها أو حتى شقتها المنفصلة عنه و تحاول تبدأ من الصفر رغم إنها عايشة حياة مرتاحة ، حتى أنا كنت قربت أصدق من كتر كلامكم إنها ممكن تسيبني في لحظة و تختفي !!!!
رفع زاوية فمه و همس ساخرًا بإشمئزاز :
- إحنا إزاي بالقرف دا ؟
احتدت نبرة صوت "رائف" و ضرب كف بالآخر يقول متعجبًا :
- إحنا خلاص بقينا كلنا مقرفين عشان شايفين سديم وحشة ؟! أروح أحب أي واحدة من الشارع واجيبها لأهلي اقولهم اقبلوها زي ما أنت بتقدملها أعذار وشايفها ملاك الطبيعي تقدملنا أعذار منطقية كمان إحنا طبيعي نخاف عليك !!!!
صاح به "آسر" و توجه إلى أقرب أريكة يجلس فوقها هادرًا بعنف:
- منطق إيه و أعذار إيه هو أنا خلاص بقيت بالنسبالكم عيل صغير مش عارف أحكم على ست قدامي وأعرف بتستغلني ولا لأ ؟!!! إحنا عدينا بأشكال وألوان ياأخي سواء في الشغل أو برا عمرك شوفتني اتسرعت في حكم على حد ؟!!!
رفع وجهه ينظر إليه لحظات قبل أن يستقيم واقفًا يتحرك تجاهه مواصلًا عتابه بحدة و إنفعال :
- وأنا قولت رائف عاقل وهيفهمني في وقت ابويا و أخويا و كل عيلتي مش قادرة تستوعب دماغي فيه ، بحبها يااأخي سيبوني أغلط مرة ما أنا ياما شيلت غلطاتكم و صلحت ورا الكل !!! خلاص عملتوا مني مجنون عشان شوفت حاجة انتوا مش شايفنهااا ؟!!!!
أشاح "رائف" بيديه و هو يصرخ به بغضب حين شعر أن العاطفة تملكت من صديقه و رؤيته تقتصر على تلك الفتاة فقط دون غيرها صانعًا من عائلته و أصدقائه أعداء:
- شوفت إيه منهااا ياااآسر خلاك هتتجنن كدااا !!!!
صرخ بقوة ونفاذ صبر : روحهاااااا !!!
صمت "رائف" و خمدت ثورته ضد أفكار صديقه خاصة بعد كلمته العفوية و النابعة من بين ثنايا روحه المتألمة من رفض جميع المحيطين به مساندته ولكنه يتخبط بصدق داخل دائرة عشق الأرواح و كما أخبرته والدته يومًا ما أن تلاحم الأرواح لا يفنى و إن فنت الأرواح دامت قصة يرويها الحاضرين إلى أبد الآبدين !!!!!
سارت عينيه على صديقه دامع العينين مشعث الخصلات الذي منذ صرخته به بهذا العنف قد ارتفع صدره و هبط عدة مرات متتالية وكأنه على وشك تمزيق قميصه و خمدت ثورته هو الآخر يراقبه بألم شديد وداخل عينيه ذهول من خروج مشاعره إلى النور بهذا الصدق المبالغ به !!!! بالفعل هو عاشق لروحها الحرة المحلقة في سماء كبريائها رغم جميع ما مرت به ورغم القيود التي تُفرض عليها كلما حاولت التحليق وكأنها قيود لا تفنى ولكنها تستحدث من العدم !!!!!
أبعد عينيه الدامعة عن صديقه الصامت عجزًا عن الحديث و أنقذ احتدام الوضع الهاتف الذي تصاعد صوته فجأة ليتحرك تجاهه مجيبًا بإتزان يخالف حالته الحالية :
- أيوا ؟!
صمت لحظات قبل أن يسأل باستنكار :
- سليم ؟!! معرفش أنا مشوفتوش من امبارح ليه ؟
تنهد وأردف محاولًا تهدئة المتصل : تمام أنا هتصل اشوفه متقلقيش !
وأغلق المكالمة يعبث بالهاتف و قد اقترب "رائف" يسأله بقلق :
- ماله سليم ؟
هز "آسر" كتفيه بجهل و أردف وهو يرفع الهاتف إلى أذنه :
- معرفش بيتصلوا بيه مش بيرد و قلقوا عشان كان قايلهم يستنوه على الغدا و .. آ !
قطع حديثه مع "رائف" و تحدث بجدية حين أجابه صوت رجل آخر على هاتف ابن عمه :
- مين معايا ؟
صمت لحظات ثم أردف بحدة واضحة : سليم فين و بترد مكانه ليه أصلًا !
اتسعت عيني "رائف" بذهول حين واصل صديقه الحديث و صاح بغضب وهو يتلفت باحثًا عن متعلقاته وجامعًا إياها بسرعة :
- مستشفى و مدرسة نيرة ؟!!! أنت بتهزر معايااا ؟!
ركض إلى الخارج وهو يغلق الهاتف و يتبعه "رائف" صائحًا بصدمة:
- سليم بخير ؟!! حصل إيه يابني متنطق ؟!!!!
أغمض "آسر" عينيه وأجاب باقتضاب و هو يضغط على زر المصعد مستدعيًا إياه :
- معرفش ، بيقول حادثة صغيرة وهو بيجيب نيرة و خيطوا الجرح !
اتسعت عيني "رائف" وكاد يتحدث بسخط عن زوجته وشقيقتها لكنه صمت حين حذره "آسر" بغضب ووعيد :
- إياك تتكلم عن نيرة تحديدًا يارائف دي بالذات ملهاش أي ذنب في العك دا كله حقيقي هخسرك فيها فعلًا !!!
وإلتوى فمه بعدها يواصل بسخرية :
- افتكر كفاية عليك سيرة مراتي !!!
لم ينتظر تعليقه بل دلف إلى المصعد يتبعه الآخر بصمت مطبق حيث وجد أن الأمور ليست على مايرام واحترام ألم صديقه واجب لا مفر منه حتى وإن خالفه في الرأي والتفكير !!!!
عودة بالوقت قبل ساعة تقريبًا وداخل المشفى بعد أن طمأن الطبيب "نائل" و "نيرة" و أخبرهم أن الجرح غير مقلق بل وسوف يتم معالجته وتطهيره في وقت قليل حاول "نائل" تهدئتها بجميع السبل الممكنة لكن دون جدوى جلست بجانبه تبكي و تنتفض مايقرب الساعة و هاتف "سليم" بيده يعلن عن متصل كل دقيقة تقريبًا إلى أن أجاب على "آسر" بنهاية الأمر ووجد بعدها الاسم "روحي" يعاود الإتصال من جديد فظن أنها حبيبته ولا تكف عن الازعاج رغم جميع تلك المكالمات ، زفر فجأة بغضب و أردف بحدة :
- أنا مش فاهم إيه الدوشة دي هرد بقا واللي يحصل يحصل دي زنانة !!!!
انتبهت "نيرة" إليه لكنها لم تحاول الخروج من أحضان شقيقتها بينما استمعت "سديم" _التي وصلت منذ دقائق واستمعت إلى ملخص حالة سليم" إليه يقول بحدة طفيفة:
- ايوا الراجل دخل المستشفى خلاص مش قادرة تصبري يعني دا أنا لو منه هنفصل عنك ؟!!!!
صمت لحظات ثم أردف بسخرية:
- هكون مين يعني واحد ربنا غضب عليه عشان يوقعه مع واحدة زنانة زيك !!!! قال كاتب اسمك روحي دا المفروض يكتب دوشتي ايه الصداع داااا رن رن رن فوق الخمسين مرة !!!!
عقدت "سديم" حاجبيها لحظات قبل أن تتسع عينيها وقد تذكرت أن هذا اللقب يخص والدة "سليم" حاولت إمساك ذراعه و لفت انتباهه لكنه انتفض بعيدًا يقول بغضب :
- اناااا مش متربييي ؟!!!! تصدقي بقااا إنك بومة !!! وشكلك كدا هتجيبي أجله المرة الجاية !!!!
صفعت "سديم" رأسها و حاولت لكزه والإشارة له متجنبة إظهار تواجدها بهذا الحادث أيضًا لكنه صاح بغضب واضح :
- استني أنتِ ياسديم أنا عارف الأشكال دي كويس !!!
صمت لحظة ثم هدر بتهكم وسخرية:
- آه سديم هنا مالها سديم الاسم مش عاجبك ؟!!! بقولك إيه المستشفى عنوانها ******** تعالي وشوفيه بنفسك وأنا ههزر معاكِ ليه يعني !!! دا إيه البلاوي دي !!!!
وأغلق الهاتف يلقيه بجانبه فوق المقعد و هو يقول بغضب :
- إيه ياسديم عمالة تخبطي فيا ليه ، واحدة قليلة ذوق و رديت عليها فيه إيه لكل دا !!!!
هزت رأسها ببسمة ساخرة ثم قالت بهدوء ظاهري يناقض غضبها من المصائب التي تلاحقها :
- لأ مفيش أي حاجة ، الزنانة دي تبقا والدة سليم وكاتب عليها روحي يعني مش حبيبته ، و مكنتش عايزاها تعرف أني هنا لأن العيلة دي مابتصدق تمسك اسمي في مصيبة !!!
اتسعت عينيه تدريجيًا ثم ازدرد رمقه بصعوبة يقول بتوتر : يعني أنا كلمت دلوقت أم التنين المجنح اللي جوا دا ؟
هزت رأسها بالإيجاب ليواصل بخوف بالغ :
- وقبلها قولت بنفسي العنوان للتنين التاني ؟
عقدت حاجبيها و سألته بترقب واضح :
- قصدك مين ؟
همس بتوتر وهو يتلفت حوله :
- آسر طبعًا !!!!
أغمضت عينيها ثم همست بغضب شديد:
- أنت عارف يانائل لو ما اخافتش من وشي دلوقت أنا هجهزك بقا للتنين دا ! قوووم !
انتفض واقفًا و هو يصرخ بها بصوت مرتفع :
- الله !!! وأنا عملت إيه يعني لده كله !!!! ربنا ينتقم منكم كلكم ياظلمة عيلتين يجيبوا الهم و يقصروا العمر !!!
ثم صاح بـ"نيرة" بغضب :
- تعالي ياعيوطة أنتِ اعزمك على أي طفح بدل ما أنتِ مخلصة مناديل المستشفى بنواحك دا ، اييييه بتعيطي لييييه كانوا قالولك الواد مات ماهو زي القرد أهو جوا مكنش غرزتين هياخدهم يعني !!!!!
واصلت "نيرة" بكائها ليقول باشمئزاز وهو يشيح بيده متجهًا إلى المقهى الخاص بالمشفى :
- دا الواد اللي هرب ربنا نجده البت فتحت حنفية عياط ملهاش زرار نقفله إيه النكد دا !!!!
________________ *** _________________
وقفت "سديم" بالخارج تربت فوق خصلات شقيقتها التي دست جسدها المرتعش بأحضانها و استمعت إلى ما يقصه "نائل" من تفاصيل دقيقة تخص الحادث و قد كان يتضح على ملامحها الغضب الشديد من غدر صديقها و لكنها أردفت بهدوء و هي تخرج "نيرة" من أحضانها :
- تعالى معايا يانائل نشوف الحساب و بعدها هاخد نيرة وامشي قبل مايوصلوا و أنت تغير ركنة عربيتك اللي قالولك عليها و أنتِ خليكِ هنا يانيرة متتحركيش خالص إلا لو حد وصل كلميني متقلقيش أنا في الأوضة اللي في آخر الممر دا !
تحرك معها بالفعل و وقفت "نيرة" محلها ثم تلفتت تراقب الأجواء حولها قبل أن تتجه إلى أقرب مقعد تجلس فوقه و المشاهد تتكرر داخل عقلها للمرة المائة لا تصدق ما آلت إليه أمورهم و رأت اليوم بعينيها أيضًا غدر الصديق راقبت شقيقتها إلى أن اختفت من الممر و عقلها يصرخ بدهشة واستنكار " كيف اعتادت شقيقتها الألم والغدر إلى درجة أنها لم تندهش من فعلة كريم بل ولم تعلق عليها اهتمت بالإطمئنان على حالة سليم و إنهاء حالة الذعر التي أصابتها لكنها لم تحاول إظهار حزنها أو تأثرها !!!! " خرجت من أفكارها حين وقفت أمامها تلك السيدة تقول بلطف :
- لو سمحت ياآنسة ! الحالة اللي جوا تبع حضرتك مش كدا ؟!
وقفت تهز رأسها بالإيجاب و تسألها بذعر :
- آه حصله حالة ؟!!!!
ابتسمت لها الممرضة و أجابت مطمئنة إياها حين وجدتها ترتدي الزي المدرسي : لأ حبيبتي متخافيش هو بخير أوي محتاج بس حد من عيلته وقالي أنادي اللي برا !
هزت رأسها بالإيجاب ثم أمسكت الحقيبة المدرسية و القميص المتعلق بـابن خالتها و دلفت إلى الداخل بخطوات متوترة و أعين متسعة تبحث عنه بخوف إلى أن وجدته لكنها شهقت بفزع و استدارت مسرعة تقول بخجل واضح :
- أنا آسفة هي قالت برا إنك عايزنا مكنتش أعرف إنك كدا !!!!
و رغم أنها منحته ظهرها إلا أنها أشارت إلى جزعه العلوي العاري ليبتسم بوهن و يقول بصوت يحمل الإرهاق :
- مانا طلبت نائل عشان القميص اللي في إيدك دا ، لو تسمحي تجيبيه ألبسه !
لا تعلم ماسبب تلك القشعريرة التي دبت بجسدها مع حديثه اللبق رغم إرهاقه و أدهشها تقلبه من الغضب الشديد الرفض القاطع إلى السكون أحيانًا إلى رجل غريب الطباع دفعها اليوم إلى الاستغاثة به رغم خوفها بالبداية منه !!! نظرت إلى القميص القابع بين أنامله تقبض عليه بخجل من هيئته التي طُبعت داخل عقلها ثم بدأت تعود إلى الخلف بخطوات بسيطة مترددة دفعته إلى الضحك و قد ترك الفراش الصغير و استقام مقاومًا وخزات الألم بجانبه و فور أن اعتدل وجدها ظهرها يرتطم بصدره و تنتفض بهلع محاولة تجنب السقوط حيث اختل توازنها من فرط رعبها و الارتباك الذي أصابها تأوه حين صدمت ذقنه برأسها و لكنه تجاهل الأمر و أمسك خصرها خشية سقوطها و همس لها بدعابة محاولًا تهدئتها :
- حاسبي كفاية حوادث بقا !
اعتدلت إليه باكية و أردفت بأسف معبرة عن ندمها و تسببها بما حدث تنكس رأسها أرضًا :
- أنا متخيلتش إنه ممكن يوصل لكدا بس أنا خوفت أوي ، أنا آسفة !!!!
عقد حاجبيه و سألها بدهشة و عينيه تسير على ملامحها المتأثرة بحزن حقيقي :
- أنتِ بتتأسفي ليه ؟! أنت ملكيش ذنب !!!
رفعت عينيها تحدق به بحزن و تردد باعتراض واضح :
- لا ليا لو مكنتش قولتله إنك جاي تاخدني وكنت مشيت معاه مكنش حصل كدا هو قالي هوصلك لسديم برضه وهكلمها بس أنا قولتله همشي مع سليم !
لم يتمكن من إخفاء تلك البسمة الصغيرة النابعة من سعادته الداخلية الغير مفهومة باعترافها أنها فضلت العودة معه على التواجد مع هذا الرجل و خرج سؤاله العفوي بتلك النبرة التي دفعتها إلى حافة التوتر :
- قولتي هتمشي معايا ؟!
كادت تنظر أرضًا لكن اتسعت عينيها حين وجدت حالها غافلة عن تواجدها داخل أحضانه و ذراعه لازالت تلتف حول خصرها عاجزة عن منع نفسها من السير فوق جزعه العلوي المنحوت ببراعة نتيجة مداومته على الرياضة لتزدرد رمقها و تحاول إفلات نفسها زاجرة الأفكار الغريبة التي طرأت فجأة على عقلها قائلة بخجل :
- سديم جت برا و راحت تشوف الحساب وغالبًا آسر جاي برضه !
أفاق على كلماتها الأخيرة و إنصاع إلى رغبتها بالإفلات منه قائلًا بقلق و هو يلتقط منها القميص :
- انتوا قولتوا لأسر اللي حصل ؟
هزت رأسها بالإيجاب و رددت باستنكار : اكيد عشان يجي يشوفك وكمان مامتك جاية تقريبًا !!!
عقدت حاجبيها حين صدح صوت "نريمان" الغاضب تقول بحدة و هجوم :
- مامته وصلت فعلًا و شافت بعينيها إنكم مش بس نصابين دا انتوا قتالين قتلة انتوا ومعارفكم اللي شبهكمممم !!!!
حملقت بها بذهول بينما اتسعت عيني "سليم" و أردف بغضب موجهًا حديثه إلى والدته :
- إيه الكلام دا قتل إيه و نصب إيه ؟! ماكفاية بقا ياماما الحرب دي مش هنخلص منها نيرة ملهاش ذنب !!!!
توجهت إليه تصرخ بها بغضب وكأنها أصيب بحالة من الهياج خاصة مع رؤية لطخة دماء فلذة كبدها فوق قميص تلك الفتاة لتنتفض "نيرة" بذعر و تعود إلى الخلف :
-أختك فين هي فييييين العقربة الكبيرة والله لارميها في السجن رباية الشوارع دي !!!!
اشتعل "سليم" غاضبًا من والدته خاصة حين شعر بها ترتجف أمامه وتحدق بتلك السيدة التي تفوق عمر والدتها بصدمة بالغة مما دفعه إلى جذبها خلفه ممسكًا رسغها بقوة وقبل أن يتحدث خرجت الكلمات من فم ابن عمه الذي وصل للتو تزامنًا مع عودة "سديم" و "نائل" أيضًا :
- مراتي مش عقربة ولا رباية شوارع يامرات عمي أظن عيب أوي تخوضي في عرض واحدة من عيلتك ؟!!!!
تأزم الموقف خاصة مع وصول "رأفت" الذي أردف ساخرًا و هو يدلف إلى الداخل :
- العيب إنك تسيب واحدة حرامية على ذمتك ياآسر المدام مطلوب القبض عليها وأنا قولت مفوتش المشهد دا ماهو مش معقول تسرقني واسكت ؟!!!!
صدرت شهقة من "نيرة" التي ركضت تجاه شقيقتها تتشبث بأحضانها بقوة و تنتفض برعب مع دخول أفراد الأمن إلى الغرفة وسط ذهول و صدمة جميع المتواجدين وقد عقدت الصدمة ألسنة الجميع حين صدح صوت الضابط يسأل بحزم :
- فين سديم المغازي ؟
تعلقت عينيه بها برعب حيث رفعت حاجبها الأيسر ووزعت نظراتها المتسلية بينه وبين "رأفت" الذي راقبها بشماتة تلاشت وبهتت ملامحه حين أجابت بجفاء وبرود :
- أنا سديم المغازي و هاجي معاك حالًا بس عندي فضول غريب كدا هو اللي ينسب بنته لراجل تاني ومش أي راجل لأ دا أقرب واحد ليه القانون يعاقبه ولا دا عادي ؟!!!
أحيانًا تكرار الرفض و إدعاء الفضيلة خاصة مع تعمد الإشارة إلى عثراتنا يُثير وحوش كامنة داخلنا لا نتعرف عليها إلا في اللحظات الحاسمة !!!