رواية اغلال الروح الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شيماء الجندي
لفصل السادس والعشرون " احتيال !"
استيقظ "آسر" من نومه يبحث عنها داخل المنزل بأكمله لكن دون جدوى وقف خارج غرفة "نيرة" يزفر بغضب جم ثم نظر إلى التوقيت بهاتفه و طرق الباب عدة مرات ليتأكد أنها هي أيضًا ليست بالداخل ، اتسعت عيناه فجأة و ركض إلى الغرفة و تحديدًا إلى غرفة الملابس ليجد جميع متعلقاتها كما هي إذًا لم ترحل لكنه ضم قبضته بقوة و طرق فوق الحائط بجانبه هادرًا بعنف :
- دا مش ممكن تعب الأعصاب داااااا !!!!!!
عقد حاجبيه حين اخترق صوت والده الساخر أذنيه حيث أردف بتهكم وهو يتجه ناحيته واضعًا مفتاح المنزل الخاص به فوق المنضدة الجانبية :
- ولسه هو أنت شوفت حاجة ؟ كأني بشوف إعادة لقصة عمك عاصم بالظبط بس المرة دي في ابني !!!
كانت ملامحه "آسر" ولغة جسده يصرخان بوالده أنه يحترق الآن من فرط قلقه وغضبه منها وعليها أيضًا حقيقة أنها لا تكترث له تؤرقه و تؤلمه و كلماته أيضًا قبل أن يخلد إلى النوم كانت قاسية على روحها !!! حاول بطريقة مهذبة أن يُحذر والده من الخوض في تفاصيل حياته الزوجية الخاصة و أردف متجاهلًا حديثه عنها و هو يتجه إلى الغرفة الأخرى و والده يتبعه :
- مش اتفقنا إنك مش هتدخل بالمفاتيح تاني عشان مراتي بقيت معايا ومبقتش عايش لوحدي ! ياريت تاخد بالك يابابا !
ضحك "رأفت" و هز كتفيه بلا مبالاة يردف محتفظًا بنبرته الساخرة وهو يتلفت حوله مراقبًا أجواء حياة ابنه الأسرية بتهكم يطل من عينيه :
- بسيطة يا آسر ، أهي المفاتيح عندك جوا في أوضة مراتك بالمناسبة أنا ملاحظ إن حاجتها هناك و حاجتك هنا هو انتوا مش ناويين تبقوا مع بعض في أوضة واحدة و لا أنت ملكش كلمة في الحوار دا كمان !!!
توقف عن الحركة و رمق والده بنظراته مشتعلة غاضبة و لم يحاول "رأفت" تدارك الأمر بل تقدم منه ووقف أمامه مباشرةً مواصلًا الضغط بعنف على جرح كرامة ابنه النازف أمام مقلتيه :
- صحيح هي مراتك فين دلوقت ؟ ولا متعرفش ؟!!!
ضم شفتيه يهز رأسه بيأس مصطنع مُكملًا :
- شكلك متعرفش ، طيب بلاش من باب الرجولة ، خليها من باب إنها عايشة مع عيلتك !!! تخيل كدا تخرج تقعد على الفطار منغيرها و يسألوك فين مراتك ؟ هتقولهم إيه ؟! عملت زي روزاليا وخرجت منغير إذني ؟ ولا معلش أصلها هي اللي ليها الكلمة الأولى والأخيرة في البيت ؟ وأنا مليش لزمة في حياتها بقا بذمتك دي واحدة طبيبعة عاوزني اطمن ليها ؟!!!
ابتسم حين وجد نيران غضب "آسر" تتراقص على ألحان كلماته القاسية التي هبطت كالسوط فوق روحه تجلده بعنف و تشعره أنه لا قيمة له لدى زوجته بل إنها تتعمد إهانته و التقليل من شأنه الرفيع أمام عائلته غير مكترثه لأثر أفعالها الهوجاء على هيئته أمام الجميع تمامًا مثلما كانت تفعل زوجة عمه !!!!!
يؤلمه عجزه عن رد الكلمات بحقها لكنها تسببت الآن بجرح غائر لكرامته كرجل أمام عيني والده ، إن كانت تحبه كما قالت لماذا لا تحاول إبداء بعض الاحترام والتقدير له و كأن والده بقرأ ما يجوب بعقله رغم صمته و اتجاهه إلى غرفة الملابس لتجهيز ملابسه استعدادًا للخروج :
- أنا خايف عليك يابني مش عايزك كل يوم الصبح تقوم تدور عليها زي المجنون كدا وهي مش فارق معاها وجودك ، دا مش حب يابني لو بتحبك كانت احترمتك و قدرت وجودك !
ثم رفع يده التي تحمل الهاتف الخاص به أمام عينيه و أكمل : افتح كدا شوف ، أراهنك لو كانت سيبالك حتى رسالة تطمنك عليها ولا تعرفك هي فين ! دي عاشت حياتها كدا منغير رقيب ولا حسيب وعمرك ماهتعرف تغير دا ، أنت من عيلة محترمة و فيه ناس حواليك واغلبهم عارفين قصة عاصم ليه عاوز تكررها يابني ؟
اختار أن يترك المنطق جانبًا و يظهر عكس ما يبطنه لأن والده لن يتمكن من إدراك ما بجوب داخله هو هدفه الانتصار بحربه و إخراج زوجته من حيز العائلة غير مبالي بما يحمله ابنه من مشاعر تجاهها لذلك أردف باقتضاب و هو يتحرك إلى المرحاض :
- والله أنا حر ! وأنت عملت اللي عليك و نصحتني لما اجيلك ندمان ابقا سمعني كل دا !!!
أوقفه محله حين أردف بهدوء :
- تمام يا آسر لو دا رأيك يبقا أنا من حقي أعيش حياتي زي مانا مخططلها !
عقد حاجبيه و أجابه بعقل شارد وتأفف :
- اعمل اللي أنت عايزه !
وبالفعل انصرف "رأفت" بنفس راضية عن صنيعه و أفكاره التي زرعها داخل عقل ابنه بموقف صغير و بسيط وفور أن خرج وجد "فريدة" تقف أمامه ببسمة صغيرة تنتظره قائلة بهدوء :
- أتمنى يكون اقتنع بقا !!
هز "رأفت" رأسه بالسلب و أردف مبتسمًا و قد رفع أنامله يعبث بخصلاته الخلفية و علق عينيه بمنزل ابنه :
- لأ مش هيجري يطلقها بس أنا عارف ابني كويس الموضوع مش سهل عليه بالمناسبة متشكر ليكِ لولا كلامك مع الأمن و اهتمامك بوقت خروجها مكنتش هعرف ألاقي مدخل زي دا واتكلم منه دا مكنش قابل أي حرف عنها !!
هزت رأسها و أردفت بلطف و هي تربت فوق ذراعه :
- شكر ايه يارأفت أنا معملتش حاجة كلها توقعات وصادفت إنها صح أصل نوعية سديم دي أنا حفظاها مش بتاعة ارتباط بولاد ناس زي آسر و بصراحة ابنك متورط معاها برضه ودا دورك إنك تنقذه !!
ابتسم لها وظهر على ملامحه الإعجاب باختيارها إياه كمنقذ لابنه الذي انساق خلف حفنة مشاعر مدمرة له ! تنهد بصوت مسموع ثم مرر عينيه على ملابسها الرياضية وعقد حاجبيه يسألها بدهشة :
- أنتِ خلصتي ولا لسه هتبدأي ؟ لو هتبدأي ممكن نتمشى مع بعض !!
منحته بسمة لطيفة و هزت رأسها بالإيجاب تردد بترحيب رغم أنها بالفعل قد أنهت رياضتها اليوم :
- لو حاسس إنك هتقدر يلا أنا لسه هبدأ !
رفع حاجبه وردد باستنكار ساخرًا و هو يتجه معها إلى الداخل :
- أقدر لأ دا أنتِ متعرفنيش أبدًا ؟!!! على فكرة أنا لسه شباب أوي كل الحكاية إني اتجوزت بدري حبتين لكن أنا أصلا اكبر من عاصم بسنتين بس !!
حصل على ضحكة ناعمة منها و سارا معًا إلى داخل المنزل الأساسي !!!
و بالعودة إلى "آسر" نجده يقف داخل كابينة الاستحمام تاركًا المياه تنهمر فوق رأسه الذي لم يتوقف عن التفكير بكلمات أبيه القاسية لطالما مقت ضعف عمه تجاه زوجته هل بالفعل يتكرر الأمر معه دون شعوره ؟ أم أنها غاضبة منه بعد مصارحته لها لما يجوب عقله ومخاوفه و إن كان الأمر كذلك لماذا لم تحاول إعلامه بخروجها و كيف لم يدرك حركتها و مغادرتها المنزل !!!! والعديد من الأفكار تتسابق داخل عقله و قد ازداد توتره وقلقه من علاقته بها بها وبدأ الشك يراوده أنها تحاول التجاوب معه لرؤيتها ضعفه تجاهها فقط و لكن الحقيقة أنه خارج مجال رؤية قلبها !!!!
زفر بغضب ناثرًا قطرات المياه فوق الزجاج و خرج من الكابينة يلف خصره بالمنشفة متجهًا إلى الهاتف الذي تركه فوق سطح الرف الجانبي و عبث به لحظات ثم ضبطه على وضع مكبر الصوت وتحرك إلى غرفة الملابس ليأتيه صوتها الهادئ تردف بإتزان أشعل فتيل غضبه لثباتها وكأنها لم تفعل شيئ :
- ايوا يا آسر !
عقد حاجبيه محاولًا السيطرة على أعصابه لكنه فشل وخرج صوته الغاضب صائحًا بإنفعال :
- لأ آسر ايه بقااا قولي ستالايت أسهل ، أنتِ فين ؟!!!!
استمع إلى صوت أنفاسها و كأنها تزفرها بغضب أو إجهاد ثم صوتها المحافظ على ثباته رغم طريقته الهجومية عليها :
- أنا كنت هبعتلك لوكيشن أصلًا و عربية نائل اكيد وصلت خدها عشان عربيتك معايا ، أنا بعت حد جابها الصبح !
عجز عن فهم ما تهدف إليه بتصرفاتها وكلماتها و أردف محتدًا على طريقتها المنتهجة بتحريكه حسب رغبتها كأنه قطعة شطرنج :
- يعني إيه تبعتيلي لوكيشن على أي أساس فكرتي بالشكل دا و إني فاضي مثلًا و تحت أمرك ، أنا مش عارف مين فينا اللي بيمشي التاني بجد بس تعرفي أنا محتاج فعلًا أجي واتكلم معاكِ عشان نحط حد للهبل دا !!!
صمتها رغم اشتعاله يجعله داخل حالة من الهياج و يؤكد شعور أنها لا تكترث لأمره بل و تتعمد إهانته لذلك سارع بإغلاق الهاتف بوجهها قبل أن يتفاقم الأمر بينهما من فرط اشتعاله وغضبه !!!
بينما على الجهة الأخرى و داخل المقهى المعتاد لها وضعت الهاتف فوق المنضدة و رفعت عينيها إلى "سليم" الذي علق بثقة واضحة :
- حصل مشكلة أكيد !
ثم أكمل معاتبًا بهدوء :
- كنتِ صحيه ياسديم قوليله إنك خارجة هو مش هيمانع لكن كدا أكيد الأمن بلغه بمعاد خروجك كأنك عاملة كارثة من وراه !!
بللت شفتيها وهزت رأسها بالإيجاب و قد رفعت يديها تدسها داخل خصلاتها و تعبث بها بتوتر بيّن هامسة بنبرة مليئة بالألم و الإجهاد :
- عندك حق أنا فعلًا مركزتش وجايز متعودتش على كدا !
حمحم "نائل" و اعتدل بجلسته يردف محاولًا التخفيف من حدة الموقف و من جهة أخرى داخله يرفض التخلي عنها منذ ما رآه صباح اليوم من وحدة شديدة البشاعة على فتاة بعمرها كما أنه من حقها مساحة خاصة لها هي وزوجها :
- طيب أنا شايف إن وجودنا ملهوش لازمة يعني لو جيه وشافنا ممكن يتضايق أكتر أنا هقعد على تربيزة قريبة عشان نروح سوا و أنت ياسليم هتروح تجيب نيرة مش كدا ؟
هز "سليم" رأسه بالإيجاب بينما أردفت "سديم" بامتنان وهي تراقب استقامتهم و جمع متعلقاتهم :
- أنا مش عارفة أشكرك إزاي ياسليم بس أنا هحاول اظبط موضوع السواق دا لنيرة في أقرب وقت !
رمقها "نائل" باشمئزاز و أردف ساخطًا :
- هو إيه دا اللي تشكريه إزاي لما أنا اللي بفضيلك المكان ياناكرة الجمايل أنتِ مفيش شكرًا يانائل على بهدلتك من امبارح ولا أنا حظي في الشكر كمان زفت زي حظي في قرايبي كدا !!
رفعت حاجبها الأيسر و سألته باستنكار :
- أنت بتتكلم عليا أنا يلاا ؟!!!
اتسعت عينيه وحملق بها بذهول ثم ازدرد رمقه بتوتر من نظراتها المحذرة و أردف متراجعًا عن كلماته :
- لا طبعًا أنا أقصد قرايبي من جهة والدي العزيز يعني أصله بعيد عنك معرفش يختار عيلته حلو عندك مثلا فهد دا مشافش ثانية واحدة رباية و بيقولي يلا برضه زيك كدا !!
طرقت فوق المنضدة و سألته بهدوء ما قبل العاصفة :
- قصدك إني مشوفتش رباية ؟
عقد حاجبيه وجلس بجانبها قائلًا بصوت منخفض و هو يتلفت حوله بقلق :
- بمناسبة الرباية هو أنتِ متأكدة إن أنا خالي نصاب !! و أنتِ اشتغلتي معاه وعملتوا عصابة كبيرة و نصبتي على ناس كتار في مستوى جوزك ؟
هزت رأسها بالإيجاب و أردفت بتأكيد و ثقة :
- ايوا طبعًا متأكدة !!
أشاح بيده و أردف بغضب وهو يلعن حظه :
-ومالك بتقوليها بفخر كدااا أومال لو كنتوا فاتحين عيادة أسنان كنتِ هتقوليها إزاي !!!! منكوا لله هقول إيه لفهد اللي مستني يشمت فيا دلوقت !!!!
و بالفعل أعلن هاتفه عن مكالمة و اتسعت عينيه بذهول يصيح بها بصدمة :
- أهو مجبتش حاجة من عندي اهووووه ! يانهار شماتة !!!!
راقبته ببسمة صغيرة كاتمة ضحكتها هي و "سليم" الذي جلس مرة أخرى يتابعه بتسلية وهو يُجيب بتوتر :
- حبيب قلبي كنت لسه بحكي عنك لسديم !!!
صمت لحظات و اتسعت حدقتيه يواصل بخوف :
- اه لقيتهم وهما تمام الحمدلله بس أنا هقعد معاهم يومين تلاته كدا !
نظر إليها ليجدها تضحك بخفوت على هيئته ليتجنب تشتيت الإنتباه محدقًا بنقطة وهمية وهو يقول بتردد :
- اه ولقيت خالي بالمناسبة أنا كنت عايز منك كام حاجة كدا بس لما تفضى يعني فشوية كدا واكلمك !!!
وأغلق الهاتف ينظر إليها بغضب و يشير إلى حاله قائلًا بحزن :
- عارفة ياسديم ، أنا كنت فاكر إني هرتاح لما ابعد يومين عن عيلة البراري آه والله بس ثانكس جاد طلعت بنت خالتي ألعن منهم !!!! أنا هغور من وشك قبل ماارتكب جناية !!!!!
ضحكت "سديم" بخفة و أردفت بدعابة و هي تتابع استعداده للانتقال إلى منضدة أخرى :
- يانائل يامرعب يابتاع الجنايات أنت ماتوريني جناية منهم كدا !!!!
اعتدل ينظف ياقة قميصه بطرف أنامله و هو يقول بغرور أثناء انصرافه :
- هه ، أخاف على قلبك شكله رهيف مش هيستحمل مصايبي !!!
ضحك "سليم" و علق مستعدًا هو الآخر للرحيل :
- جيه في وقته بصراحة شكله جدع أوي وطيب انتوا إزاي متعرفوش بعض غير امبارح ؟!!
هزت كتفيها بجهل و أردفت بذهن شارد :
- معرفش أي تفاصيل عن مامته بابا بس كان بيقولي إن ماما ليها أخت و ماتت !
رفع حاجبه و ردد بدهشة : ماما ؟!!
عقدت حاجبيها حين أدركت أنها رددت جملة أبيها و التي تضمن اعتراف بأمومة تجردت منها والدتها منذ أعوام ظهر على ملامحها توتر طفيف و زفرت أنفاسها بضيق تسأله بتهرب واضح من تعليقه :
- هو أنت ممكن تجيب نيرة على بيتنا القديم و خد نائل معاك و أنا هقول لآسر يجيلي على هناك مش عايزاها تتشتت أكتر من كدا !
هز رأسه بالإيجاب ثم ربت فوق يدها قائلًا بتعاطف :
- حاضر !
وكاد يغادر لكنه توقف محله مردفًا بلطف :
- سديم مش عايزك تاخدي كلام آسر بحساسية هو مضغوط من كذا اتجاه ، عارف إنك حالتك أسوأ بس في الأوقات دي بنحاول نعدي فاهماني ؟! أنا واثق إنك عاقلة وهتقدري تستوعبي الموقف !!!!
هزت رأسها بتفهم و ابتسمت له تراقب إنصرافه و يدها تعبث بهاتفها ترسل له رسالة نصية متجنبة الحديث معه إلى حين انفجاره المتوقع بها !!!
________________ *** _________________
أوقف "سليم" السيارة يتلفت حوله باحثًا عنها بعينيه لكنه وجد الباب مغلق نظرًا لإنتهاء وقت خروج الطلاب منذ أكتر من ساعة ونصف بدأت نظراته بالتوتر و عقد حاجبيه ثم دلف بالسيارة إلى شارع جانبي و أوقفها مترجلًا منها و هو يعبث بهاتفه متحركًا بعشوائية و زافرًا بغضب حين وجد هاتفها مغلق و خشى أن يحاول الإتصال بشقيقتها فيصيبها القلق فوق قلقها وقف فجأة حين استمع إلى صوت نقاش حاد يشبه صوتها و قريبًا منه تلفت حوله متتبعًا مصدر الصوت إلى أن توقف محله جاحظًا عينيه حيث وجدها تبتعد إلى الخلف محاولة فك أسر ذراعها من رجل يقبض عليه بقوة بل إنه هو "كريم" !!!!!
صرخت برعب مستغيثة به حين لمحته بطرف عينيها الباكية و لازالت تقاوم و توزع نظراتها بينه و بين "كريم" الذي إلتفت إليه يراقبه :
- سليم إلحقنييييي !!!
ما كان ينقصه سوى تلك الاستغاثة ليطوي الأرض بخطواته الغاضبة و قد اتسعت عيني "كريم" من شراسة هجومه عليه و دفعه إياه بقوة من صدره جاذبًا "نيرة" من يدها حتى لا يختل توازنها و تسقط أرضًا ليهدر به "كريم" و هو يندفع بجسده تجاهه معلنًا عن مشاجرة جسدية ليست منصفة له :
- أنت فاكر هتاخدها مني وأنا واقف شايفني **** يا **** ؟!!!
وضعت "نيرة" يديها فوق شفتيها و راقبت ما يحدث ببكاء هستيري خاصة حين خرجت الألفاظ النابية من صديق عمرهن هي و شقيقتها و شن هجوم قابله "سليم" بشراسة بالغة حيث ركله بقوة مستغلًا قوته الجسمانية الواضحة و تعمد ركله مرة أخرى بمعدته صارخًا به و هو يراقب ارتطام ظهره بالحائط :
- ما أنت لو راجل مش هتعمل كدا في بنت لكن أنت فعلًا **** !!
وصل "نائل" التائه أخيرًا بعد أن صادف رؤية سيارة "سليم" بالشارع الجانبي و استمع إلى صوت العراك ليتتبعه حين تسرب إليه صوت يعرفه جيدًا تسمر محله و اتسعت عينيه من هول الموقف لكنه أفاق مع صرخة "سليم" به آمرًا إياه وهو يواصل الشجار العنيف مع هذا الرجل الغريب :
- خد نيرة على العربية بسرعة يااا نائل ، يلاااا !!!!
أسرع إلى "نيرة" التي جلست بالزاوية تبكي برعب جلي و تضع يديها فوق أذنيها تحاول صمها و أوقفها بلطف محاولًا تهدئتها موزعًا نظراته بينها و بين المشاجرة التي تتفاقم بمرور الوقت و رغم غلبة "سليم" جسمانيًا إلا أن "كريم" فور أن سقط أرضًا بجانب حقيبته العملية فتحها بوهن شديد و أخرج منه أداة حادة و لم يلاحظه أحد سوى "نيرة" توقفت فجأة صارخة باسم "سليم" _ الذي كان يتحرك تجاهها مطمئنًا إياها _ تزامنًا مع الطعنة التي سددها له صديق العمر الخائن !!!!!
وقف بعدها "كريم" يحدق برعب بما اقترفته يداه في لحظة غضب ليتحول من طبيب مؤتمن على الأرواح إلى رجل آخر يحاول إزهاقها ثائرًا لكرامته أمام فتاة و ظنت "نيرة" أنه سوف يتطلع إلى إسعافه لتصرخ به بخوف حبن وجدت الدماء تلطخ قميص "سليم" الذي وقف محله يضع يده فوق جانبه و ينظر إليها عاقدًا حاجبيه عاجزًا عن صرف أمر يخص مغادرتها حيث تمكن الألم منه و إن فتح شفتاه لصرخ من فرط حدة الألم :
- حرام عليك يااااكريمممم !!!! إلحقه !!!!!!
نظر المدعو "كريم" إليها ثم إلى جرحه النازف و إلى "نائل" الذي أسرع يسند جسد "سليم" و يتجه مع إلى أقرب حائط مصدومًا من رجل يستبيح الدماء و بتلك البشاعة و في وضح النهار !!!!!!!
مال "كريم" على حقيبته و إلتقطها بعشوائية يهز رأسه بالسلب رافضًا رجاءها و راكضًا بأقصى سرعة لديه هاربًا قبل أن يحاول "نائل" مطاردته لتفيق "نيرة" من صدمتها به وتركض إلى "سليم" تحتضن خصره باكية و قد وضعت يدها فوق يده على الجرح صارخة بـ "نائل" برعب :
- شوف الإسعاف وكلم سديمممم بسرعااااه !!!!
هز "نائل" رأسه بالإيجاب ولكنه أردف باعتراض :
- لأ لأ اسنديه معايا للعربية مش هنستنا بيه كدا و أنا هكلم سديم في السكة !!!!!
________________ *** _________________
صعدت إلى المنزل وعقلها يكرر عليها ما حدث بينها وبين الخال في الصباح و رغم خوفها الداخلي من القادم إلا إنها جلست فوق الأريكة تنتظر و تستعيد لحظاتها الخاصة بالأمس معه ساخرة من حالتها بين ليلة و أخرى تنقلب الأمور رأسًا على عقب وتحولت السكينة إلى اضطراب بالغ الأثر مثل اضطرابه الآن أمام عينيها حيث تحرك ذهابًا و إيابًا بغضب شديد متحدثًا بنَّزَق :
-أنتِ إزاي تخرجي منغير إذني كأنك عايشة مع هوا مش مع بني آدم أصلًا ، يعني إيه أقوم أدور على مراتي زي المجنون كدا ؟!!! يعني إيه ابقا نايم في السرير و أنتِ دايرة مع ابن خالتك من ورايا ومنغير ماأعرف مكانكم فيييين !!!!!!
لم يترك لها "آسر" مجالًا للرد أو الدفاع بل واصل هجومه كأن كلمات والده لازالت تتردد داخل أذنيه ومخاوفه من تكرار حياته العم غلبت حبها ليصرخ بها مهتاجًا من سكونها فوق الأريكة تنتظر لحظة هدوء وصمت منه :
- ليه مش عايزة تفرقي بين حياتك لوحدك وحياتك و أنتِ متجوزة و مسؤلة عن بيت والمفروض إنك هتربي عيالنا بعد كدااا ، أثق فيكِ إزاي بعد تصرفاتك دي ردي علياااا ؟!!!!
لن يثق بها أبدًا بل داخله على قناعة تامة بأفكار عائلته تجاهها لقد تشابهت الآن أقواله مع أقوال شقيقه و السؤال ذاته يتكرر ، كيف يمكن لمحتالة مثلها أن تنشئ طفل صالح داخل هذا المجتمع إن كانت لا تُدرك أبسط الأمور الزوجية أو بمعنى أدق تغفل عنها نتيجة حياتها الهوجاء صفعها بإيمانه الداخلي و ظهرت حربه مع المنطق والمبادئ و أدركت الآن أن الحب غير كافي خاصة في حالتها هي بحاجة إلى الثقة والدعم وخلق فرصة من اللا فُرص لينهزم الحب أمام المبادئ و منطق عقله و أخيرًا ترى داخل عينيه الإفاقة من غيبوبة الغضب و السخط على عشقه لها وكأنه أدرك لتوه ما تفوه به حين وجدها تحدق به بأعين لامعة مليئة بخذلانها من كلماته الصريحة و المواجهة لها لكنه غاضب و خائف من صُنع "روزاليا" جديدة داخل حياته فكيف يقص عليها تلك المخاوف ؟!!!
عم الصمت المكان بل يمكننا سماع أصوات استغاثة قلبيهما من تلك الحرب الجامحة و القاتلة لأرواحهما المُقيدة تحرك تجاهها بخطوات متوترة ثم ألقى بثقل جسده فوق الأريكة وأردف بإجهاد وبدأت عينيه تسير فوق ملابسها السوداء الملطخة بالأتربة ليصرخ به عقله أن المكان الوحيد الذي يمكن الخروج إليه في هذا التوقيت و بتلك الملابس هو المقابر !!!!! لقد كانت زوجته في زيارة من نوع خاص !!! لكن ما فائدة تواجد ابن خالتها معها وعادت النيران تشتعل مرة أخرى داخل صدره وكاد يعود إلى حالة الغضب الهياج لكنها اصمتته حين أردفت بجفاء :
- أنا مش محتاجة مساعدتك عشان ابقى روزاليا !!!
ثم رفعت رأسها تسأله بسخرية لاذعة حيث بدأ الاختناق يتمكن من صوتها :
- كل اللي فرق عندك إني كنت مع نائل و إني خرجت منغير إذنك ؟ شغلت بالك سديم كانت فين أصلًا ؟ تؤ مظنش إنك حاولت تفكر لثانية واحدة بعيد عن آسر وكرامة آسر و حياة آسر اللي سديم بدأت تخربها !!!!
اعتدلت بجلستها و صرخت به فجأة :
- فكرت للحظة واحدة أنا ازاي منمتش و خرجت بدري بالشكل دا ؟!!!! فكرت لثانية واحدة إني ممكن من قلة النوم اعمل حادثة واموتتتت ؟!!!! لو أنت مش عايز تعمل روزاليا تااااني فأنا كمان مش مستعدة لنبيلة من جديد في حياتي !!!! نائل اللي مش عاجبك أول ما لمحني بعربيتك مشي ورايااا لحد المقابر و محستش أصلًا بيه من كتر ماأنا شايلة وجع وهموم ومشاكل ، زي مابتقارني بروزاليا من حقي اقارنك بنائل و اقولك إنك رميت كلام زي السم ليا ونمت عادي و أنا لحد دلوقت مش عارفة اعدي ورجعت لقلة نومي تاااني كنت بتقولي إني أنا بطلعك سابع سما و انزلك سابع أرض في لحظة أنت عملت كدا معايا امبارح لمجرد إنك اكتشفت إن عندي ابن خالة ، اتهمتني بالأسرار والتخبية بعدها اعترفت إنك خايف تثق فيا و تسيب أهلك عشاني رغم إنك لو فكرت ثانية واحدة كنت هتلاقيني رافضة بعدك عنهم لدرجة قبلت اقعد أنا و أختي في مكان مرفوضين فيه عشانك بس دي مش تضحية ولا نقطة تتضاف ليا أنت بتتوجع من تجاهل سديم ليك رغم إني مش قصداه أصلًا لكن سديم عادي تخبط راسها في أكبر حيط بس أنا مبقتش قادرة ولا عايزة ولا بعرف أخد دور الضحية الصامتة بتاعتكم دا !!!!
عقد حاجبيه و وقف محله مذهول من كمية المشاعر التي رفضت إطلاعه عليها بالليلة الماضية والآن تنفجر بجميع ما تحمله داخلها من مشاعر عاقدة مقارنة بينه و بين رجل تعرفت عليه وعلى صلة قرابته بها بالأمس فقط ، تلاقي اشتعاله و غضبه مع رفضها و كبريائها و بدأت حرب الرفض والقبول تجوب المكان حيث تحرك تجاهها و خرجت نبرته مهتزة يسألها بأعين خائفة وقلب ينتفض من ختام كلماتها المريب :
- قصدك إيه ؟!
رفعت عينيها و أجابته بجفاء غير مبالية بأثر كلماتها التي كانت كالخناجر تخترق قلبه بقسوتها :
- يعني أنا مش هدخل حرب جديدة مع راجل مش واثق فيا وهو وعيلته شايفيني مش مناسبة ليهم ، ومش هتوصل إني بعد كل اللي شوفته دا مكافئتي تكون التشبية بروزاليا رغم إنها ضحية زي الكل لكن برضه أفعالنا مش واحدة ، تقدر تريح نفسك من كل الرعب و القلق والتوتر دا و تختار واحدة أنسب ليك تعرف تستأذن منك قبل ماتتحرك !!!!
ما هذا الشعور الذي يتملك منه الآن وكأنه يحترق من الداخل قهرًا و قد أثبتت له الآن أنه مجرد سلعة رخيصة بل قد زهدت في ثمنها !!!!! كيف استطاعت طعنه بسلاحه الذي خبأه بين أحضانها دونًا عن نساء العالم ، بل و تخبره ببساطة أن السيدة التي حولت طفولته لجحيم ضحية ؟!! ركدت نظراته فجأة وتجسدت صورة عمه أمام عينيه وخاصة لحظة ضعفه أمام زوجته ليهز رأسه بالإيجاب و تظهر بسمة السخرية فوق شفتيه متقدمًا منها يقف أمامها مباشرةً مضيقًا عينيه ومتحديًا الاختناق بنبرته هامسًا لها بثبات زائف :
- روزاليا ضحية ؟!!! براڤوا !!!
مط شفتيه و صفق لها بهدوء يواصل أسئلته بنظرات جليدية و نبرة ساخرة :
- دا وعدك ليا إنك مش هتسيبيني ؟!
صرفت عينيها عن عينيه اللوامة ذات النظرات المتألمة التي تجلدها و تصرخ بصمت رافضة قسوتها :
- أنا موعدتكش إني هاجي على نفسي ! كان جواك خوف وأنا اكدتهولك كل واحد فينا من طريق بقا عشان نعرف نكمل حياتنا ، إحنا حاولنا وفشلنا !!!
صمتت جزء من الثانية تزدرد مرارة حلقها ثم بللت شفتيها و أكملت بجلد و قوة اعتادت التظاهر بها بينما قلبها تقرع داخله طبول الرفض و الخوف من تلبية طلبها القادم :
- طلقني ياآسر !
قسوتها و تجبرها هكذا يصفع روحه التي وثقت بها و حاربت لأجلها بل و صرخت بوالده الذي أخبره أنه أخفق باختيارها كزوجة له خشى أن يفتضح ضعفه من هجرها له و رغم كل ذلك لم يتمكن من إطلاق سراحها أو هدر كرامته وتوسل تواجدها لذلك فر هاربًا وإلا هشم روحها بمطرقة كلماته القاسية !!!!
أما هي عادت تجلس فوق الأريكة ترفع الهاتف وتعبث به لحظات تغلق جلسة التسجيل الصوتي الذي صنعته للتو مستعيدة اتفاقيتها مع الخال المحتال بإنفصالها عن زوجها مقابل ترتيبه هو مع "فريدة" للإيقاع بالأب الوقور وترك ما تبقى من صغائر الأمور لها و أنها ترغب بتفكيك العائلة التي حقرت من شأنها أما عنها فكل خطوة تتحركها تلك الفترة لها مآرب أخرى فقط عليها أن تهدأ و تتصرف بحكمة كما أوصاها والدها منذ أعوام بدأت تستمع إلى التسجيل للتأكد أنه لا يحتوي على أمر خاص بهما وهي تردف ببسمة ملتوية و همست برهبة داخلية و ألم :
- أنا لو معملتش كدا مش هعرف اتحرك خطوة لقدام معاك ياآسر و مش هحطك في اختيار بيني وبينه غير لما تشوف بعينك !!!!
قطع تركيزها إتصال "نائل" الهاتفي فأجابت بملل في بادئ الأمر ثم انتفضت تأخد جهاز التحكم الخاص بسيارتها و هي تردف بفزع :
- مشرط !!!!! طيب طالعين على مستشفى إيه دلوقت ؟!!!
أغلقت باب المنزل خلفها و هبطت الدرج ركضًا وهي تقول :
- تمام تماام متقلقش أنا دقايق وأكون عندكم !!!
استيقظ "آسر" من نومه يبحث عنها داخل المنزل بأكمله لكن دون جدوى وقف خارج غرفة "نيرة" يزفر بغضب جم ثم نظر إلى التوقيت بهاتفه و طرق الباب عدة مرات ليتأكد أنها هي أيضًا ليست بالداخل ، اتسعت عيناه فجأة و ركض إلى الغرفة و تحديدًا إلى غرفة الملابس ليجد جميع متعلقاتها كما هي إذًا لم ترحل لكنه ضم قبضته بقوة و طرق فوق الحائط بجانبه هادرًا بعنف :
- دا مش ممكن تعب الأعصاب داااااا !!!!!!
عقد حاجبيه حين اخترق صوت والده الساخر أذنيه حيث أردف بتهكم وهو يتجه ناحيته واضعًا مفتاح المنزل الخاص به فوق المنضدة الجانبية :
- ولسه هو أنت شوفت حاجة ؟ كأني بشوف إعادة لقصة عمك عاصم بالظبط بس المرة دي في ابني !!!
كانت ملامحه "آسر" ولغة جسده يصرخان بوالده أنه يحترق الآن من فرط قلقه وغضبه منها وعليها أيضًا حقيقة أنها لا تكترث له تؤرقه و تؤلمه و كلماته أيضًا قبل أن يخلد إلى النوم كانت قاسية على روحها !!! حاول بطريقة مهذبة أن يُحذر والده من الخوض في تفاصيل حياته الزوجية الخاصة و أردف متجاهلًا حديثه عنها و هو يتجه إلى الغرفة الأخرى و والده يتبعه :
- مش اتفقنا إنك مش هتدخل بالمفاتيح تاني عشان مراتي بقيت معايا ومبقتش عايش لوحدي ! ياريت تاخد بالك يابابا !
ضحك "رأفت" و هز كتفيه بلا مبالاة يردف محتفظًا بنبرته الساخرة وهو يتلفت حوله مراقبًا أجواء حياة ابنه الأسرية بتهكم يطل من عينيه :
- بسيطة يا آسر ، أهي المفاتيح عندك جوا في أوضة مراتك بالمناسبة أنا ملاحظ إن حاجتها هناك و حاجتك هنا هو انتوا مش ناويين تبقوا مع بعض في أوضة واحدة و لا أنت ملكش كلمة في الحوار دا كمان !!!
توقف عن الحركة و رمق والده بنظراته مشتعلة غاضبة و لم يحاول "رأفت" تدارك الأمر بل تقدم منه ووقف أمامه مباشرةً مواصلًا الضغط بعنف على جرح كرامة ابنه النازف أمام مقلتيه :
- صحيح هي مراتك فين دلوقت ؟ ولا متعرفش ؟!!!
ضم شفتيه يهز رأسه بيأس مصطنع مُكملًا :
- شكلك متعرفش ، طيب بلاش من باب الرجولة ، خليها من باب إنها عايشة مع عيلتك !!! تخيل كدا تخرج تقعد على الفطار منغيرها و يسألوك فين مراتك ؟ هتقولهم إيه ؟! عملت زي روزاليا وخرجت منغير إذني ؟ ولا معلش أصلها هي اللي ليها الكلمة الأولى والأخيرة في البيت ؟ وأنا مليش لزمة في حياتها بقا بذمتك دي واحدة طبيبعة عاوزني اطمن ليها ؟!!!
ابتسم حين وجد نيران غضب "آسر" تتراقص على ألحان كلماته القاسية التي هبطت كالسوط فوق روحه تجلده بعنف و تشعره أنه لا قيمة له لدى زوجته بل إنها تتعمد إهانته و التقليل من شأنه الرفيع أمام عائلته غير مكترثه لأثر أفعالها الهوجاء على هيئته أمام الجميع تمامًا مثلما كانت تفعل زوجة عمه !!!!!
يؤلمه عجزه عن رد الكلمات بحقها لكنها تسببت الآن بجرح غائر لكرامته كرجل أمام عيني والده ، إن كانت تحبه كما قالت لماذا لا تحاول إبداء بعض الاحترام والتقدير له و كأن والده بقرأ ما يجوب بعقله رغم صمته و اتجاهه إلى غرفة الملابس لتجهيز ملابسه استعدادًا للخروج :
- أنا خايف عليك يابني مش عايزك كل يوم الصبح تقوم تدور عليها زي المجنون كدا وهي مش فارق معاها وجودك ، دا مش حب يابني لو بتحبك كانت احترمتك و قدرت وجودك !
ثم رفع يده التي تحمل الهاتف الخاص به أمام عينيه و أكمل : افتح كدا شوف ، أراهنك لو كانت سيبالك حتى رسالة تطمنك عليها ولا تعرفك هي فين ! دي عاشت حياتها كدا منغير رقيب ولا حسيب وعمرك ماهتعرف تغير دا ، أنت من عيلة محترمة و فيه ناس حواليك واغلبهم عارفين قصة عاصم ليه عاوز تكررها يابني ؟
اختار أن يترك المنطق جانبًا و يظهر عكس ما يبطنه لأن والده لن يتمكن من إدراك ما بجوب داخله هو هدفه الانتصار بحربه و إخراج زوجته من حيز العائلة غير مبالي بما يحمله ابنه من مشاعر تجاهها لذلك أردف باقتضاب و هو يتحرك إلى المرحاض :
- والله أنا حر ! وأنت عملت اللي عليك و نصحتني لما اجيلك ندمان ابقا سمعني كل دا !!!
أوقفه محله حين أردف بهدوء :
- تمام يا آسر لو دا رأيك يبقا أنا من حقي أعيش حياتي زي مانا مخططلها !
عقد حاجبيه و أجابه بعقل شارد وتأفف :
- اعمل اللي أنت عايزه !
وبالفعل انصرف "رأفت" بنفس راضية عن صنيعه و أفكاره التي زرعها داخل عقل ابنه بموقف صغير و بسيط وفور أن خرج وجد "فريدة" تقف أمامه ببسمة صغيرة تنتظره قائلة بهدوء :
- أتمنى يكون اقتنع بقا !!
هز "رأفت" رأسه بالسلب و أردف مبتسمًا و قد رفع أنامله يعبث بخصلاته الخلفية و علق عينيه بمنزل ابنه :
- لأ مش هيجري يطلقها بس أنا عارف ابني كويس الموضوع مش سهل عليه بالمناسبة متشكر ليكِ لولا كلامك مع الأمن و اهتمامك بوقت خروجها مكنتش هعرف ألاقي مدخل زي دا واتكلم منه دا مكنش قابل أي حرف عنها !!
هزت رأسها و أردفت بلطف و هي تربت فوق ذراعه :
- شكر ايه يارأفت أنا معملتش حاجة كلها توقعات وصادفت إنها صح أصل نوعية سديم دي أنا حفظاها مش بتاعة ارتباط بولاد ناس زي آسر و بصراحة ابنك متورط معاها برضه ودا دورك إنك تنقذه !!
ابتسم لها وظهر على ملامحه الإعجاب باختيارها إياه كمنقذ لابنه الذي انساق خلف حفنة مشاعر مدمرة له ! تنهد بصوت مسموع ثم مرر عينيه على ملابسها الرياضية وعقد حاجبيه يسألها بدهشة :
- أنتِ خلصتي ولا لسه هتبدأي ؟ لو هتبدأي ممكن نتمشى مع بعض !!
منحته بسمة لطيفة و هزت رأسها بالإيجاب تردد بترحيب رغم أنها بالفعل قد أنهت رياضتها اليوم :
- لو حاسس إنك هتقدر يلا أنا لسه هبدأ !
رفع حاجبه وردد باستنكار ساخرًا و هو يتجه معها إلى الداخل :
- أقدر لأ دا أنتِ متعرفنيش أبدًا ؟!!! على فكرة أنا لسه شباب أوي كل الحكاية إني اتجوزت بدري حبتين لكن أنا أصلا اكبر من عاصم بسنتين بس !!
حصل على ضحكة ناعمة منها و سارا معًا إلى داخل المنزل الأساسي !!!
و بالعودة إلى "آسر" نجده يقف داخل كابينة الاستحمام تاركًا المياه تنهمر فوق رأسه الذي لم يتوقف عن التفكير بكلمات أبيه القاسية لطالما مقت ضعف عمه تجاه زوجته هل بالفعل يتكرر الأمر معه دون شعوره ؟ أم أنها غاضبة منه بعد مصارحته لها لما يجوب عقله ومخاوفه و إن كان الأمر كذلك لماذا لم تحاول إعلامه بخروجها و كيف لم يدرك حركتها و مغادرتها المنزل !!!! والعديد من الأفكار تتسابق داخل عقله و قد ازداد توتره وقلقه من علاقته بها بها وبدأ الشك يراوده أنها تحاول التجاوب معه لرؤيتها ضعفه تجاهها فقط و لكن الحقيقة أنه خارج مجال رؤية قلبها !!!!
زفر بغضب ناثرًا قطرات المياه فوق الزجاج و خرج من الكابينة يلف خصره بالمنشفة متجهًا إلى الهاتف الذي تركه فوق سطح الرف الجانبي و عبث به لحظات ثم ضبطه على وضع مكبر الصوت وتحرك إلى غرفة الملابس ليأتيه صوتها الهادئ تردف بإتزان أشعل فتيل غضبه لثباتها وكأنها لم تفعل شيئ :
- ايوا يا آسر !
عقد حاجبيه محاولًا السيطرة على أعصابه لكنه فشل وخرج صوته الغاضب صائحًا بإنفعال :
- لأ آسر ايه بقااا قولي ستالايت أسهل ، أنتِ فين ؟!!!!
استمع إلى صوت أنفاسها و كأنها تزفرها بغضب أو إجهاد ثم صوتها المحافظ على ثباته رغم طريقته الهجومية عليها :
- أنا كنت هبعتلك لوكيشن أصلًا و عربية نائل اكيد وصلت خدها عشان عربيتك معايا ، أنا بعت حد جابها الصبح !
عجز عن فهم ما تهدف إليه بتصرفاتها وكلماتها و أردف محتدًا على طريقتها المنتهجة بتحريكه حسب رغبتها كأنه قطعة شطرنج :
- يعني إيه تبعتيلي لوكيشن على أي أساس فكرتي بالشكل دا و إني فاضي مثلًا و تحت أمرك ، أنا مش عارف مين فينا اللي بيمشي التاني بجد بس تعرفي أنا محتاج فعلًا أجي واتكلم معاكِ عشان نحط حد للهبل دا !!!
صمتها رغم اشتعاله يجعله داخل حالة من الهياج و يؤكد شعور أنها لا تكترث لأمره بل و تتعمد إهانته لذلك سارع بإغلاق الهاتف بوجهها قبل أن يتفاقم الأمر بينهما من فرط اشتعاله وغضبه !!!
بينما على الجهة الأخرى و داخل المقهى المعتاد لها وضعت الهاتف فوق المنضدة و رفعت عينيها إلى "سليم" الذي علق بثقة واضحة :
- حصل مشكلة أكيد !
ثم أكمل معاتبًا بهدوء :
- كنتِ صحيه ياسديم قوليله إنك خارجة هو مش هيمانع لكن كدا أكيد الأمن بلغه بمعاد خروجك كأنك عاملة كارثة من وراه !!
بللت شفتيها وهزت رأسها بالإيجاب و قد رفعت يديها تدسها داخل خصلاتها و تعبث بها بتوتر بيّن هامسة بنبرة مليئة بالألم و الإجهاد :
- عندك حق أنا فعلًا مركزتش وجايز متعودتش على كدا !
حمحم "نائل" و اعتدل بجلسته يردف محاولًا التخفيف من حدة الموقف و من جهة أخرى داخله يرفض التخلي عنها منذ ما رآه صباح اليوم من وحدة شديدة البشاعة على فتاة بعمرها كما أنه من حقها مساحة خاصة لها هي وزوجها :
- طيب أنا شايف إن وجودنا ملهوش لازمة يعني لو جيه وشافنا ممكن يتضايق أكتر أنا هقعد على تربيزة قريبة عشان نروح سوا و أنت ياسليم هتروح تجيب نيرة مش كدا ؟
هز "سليم" رأسه بالإيجاب بينما أردفت "سديم" بامتنان وهي تراقب استقامتهم و جمع متعلقاتهم :
- أنا مش عارفة أشكرك إزاي ياسليم بس أنا هحاول اظبط موضوع السواق دا لنيرة في أقرب وقت !
رمقها "نائل" باشمئزاز و أردف ساخطًا :
- هو إيه دا اللي تشكريه إزاي لما أنا اللي بفضيلك المكان ياناكرة الجمايل أنتِ مفيش شكرًا يانائل على بهدلتك من امبارح ولا أنا حظي في الشكر كمان زفت زي حظي في قرايبي كدا !!
رفعت حاجبها الأيسر و سألته باستنكار :
- أنت بتتكلم عليا أنا يلاا ؟!!!
اتسعت عينيه وحملق بها بذهول ثم ازدرد رمقه بتوتر من نظراتها المحذرة و أردف متراجعًا عن كلماته :
- لا طبعًا أنا أقصد قرايبي من جهة والدي العزيز يعني أصله بعيد عنك معرفش يختار عيلته حلو عندك مثلا فهد دا مشافش ثانية واحدة رباية و بيقولي يلا برضه زيك كدا !!
طرقت فوق المنضدة و سألته بهدوء ما قبل العاصفة :
- قصدك إني مشوفتش رباية ؟
عقد حاجبيه وجلس بجانبها قائلًا بصوت منخفض و هو يتلفت حوله بقلق :
- بمناسبة الرباية هو أنتِ متأكدة إن أنا خالي نصاب !! و أنتِ اشتغلتي معاه وعملتوا عصابة كبيرة و نصبتي على ناس كتار في مستوى جوزك ؟
هزت رأسها بالإيجاب و أردفت بتأكيد و ثقة :
- ايوا طبعًا متأكدة !!
أشاح بيده و أردف بغضب وهو يلعن حظه :
-ومالك بتقوليها بفخر كدااا أومال لو كنتوا فاتحين عيادة أسنان كنتِ هتقوليها إزاي !!!! منكوا لله هقول إيه لفهد اللي مستني يشمت فيا دلوقت !!!!
و بالفعل أعلن هاتفه عن مكالمة و اتسعت عينيه بذهول يصيح بها بصدمة :
- أهو مجبتش حاجة من عندي اهووووه ! يانهار شماتة !!!!
راقبته ببسمة صغيرة كاتمة ضحكتها هي و "سليم" الذي جلس مرة أخرى يتابعه بتسلية وهو يُجيب بتوتر :
- حبيب قلبي كنت لسه بحكي عنك لسديم !!!
صمت لحظات و اتسعت حدقتيه يواصل بخوف :
- اه لقيتهم وهما تمام الحمدلله بس أنا هقعد معاهم يومين تلاته كدا !
نظر إليها ليجدها تضحك بخفوت على هيئته ليتجنب تشتيت الإنتباه محدقًا بنقطة وهمية وهو يقول بتردد :
- اه ولقيت خالي بالمناسبة أنا كنت عايز منك كام حاجة كدا بس لما تفضى يعني فشوية كدا واكلمك !!!
وأغلق الهاتف ينظر إليها بغضب و يشير إلى حاله قائلًا بحزن :
- عارفة ياسديم ، أنا كنت فاكر إني هرتاح لما ابعد يومين عن عيلة البراري آه والله بس ثانكس جاد طلعت بنت خالتي ألعن منهم !!!! أنا هغور من وشك قبل ماارتكب جناية !!!!!
ضحكت "سديم" بخفة و أردفت بدعابة و هي تتابع استعداده للانتقال إلى منضدة أخرى :
- يانائل يامرعب يابتاع الجنايات أنت ماتوريني جناية منهم كدا !!!!
اعتدل ينظف ياقة قميصه بطرف أنامله و هو يقول بغرور أثناء انصرافه :
- هه ، أخاف على قلبك شكله رهيف مش هيستحمل مصايبي !!!
ضحك "سليم" و علق مستعدًا هو الآخر للرحيل :
- جيه في وقته بصراحة شكله جدع أوي وطيب انتوا إزاي متعرفوش بعض غير امبارح ؟!!
هزت كتفيها بجهل و أردفت بذهن شارد :
- معرفش أي تفاصيل عن مامته بابا بس كان بيقولي إن ماما ليها أخت و ماتت !
رفع حاجبه و ردد بدهشة : ماما ؟!!
عقدت حاجبيها حين أدركت أنها رددت جملة أبيها و التي تضمن اعتراف بأمومة تجردت منها والدتها منذ أعوام ظهر على ملامحها توتر طفيف و زفرت أنفاسها بضيق تسأله بتهرب واضح من تعليقه :
- هو أنت ممكن تجيب نيرة على بيتنا القديم و خد نائل معاك و أنا هقول لآسر يجيلي على هناك مش عايزاها تتشتت أكتر من كدا !
هز رأسه بالإيجاب ثم ربت فوق يدها قائلًا بتعاطف :
- حاضر !
وكاد يغادر لكنه توقف محله مردفًا بلطف :
- سديم مش عايزك تاخدي كلام آسر بحساسية هو مضغوط من كذا اتجاه ، عارف إنك حالتك أسوأ بس في الأوقات دي بنحاول نعدي فاهماني ؟! أنا واثق إنك عاقلة وهتقدري تستوعبي الموقف !!!!
هزت رأسها بتفهم و ابتسمت له تراقب إنصرافه و يدها تعبث بهاتفها ترسل له رسالة نصية متجنبة الحديث معه إلى حين انفجاره المتوقع بها !!!
________________ *** _________________
أوقف "سليم" السيارة يتلفت حوله باحثًا عنها بعينيه لكنه وجد الباب مغلق نظرًا لإنتهاء وقت خروج الطلاب منذ أكتر من ساعة ونصف بدأت نظراته بالتوتر و عقد حاجبيه ثم دلف بالسيارة إلى شارع جانبي و أوقفها مترجلًا منها و هو يعبث بهاتفه متحركًا بعشوائية و زافرًا بغضب حين وجد هاتفها مغلق و خشى أن يحاول الإتصال بشقيقتها فيصيبها القلق فوق قلقها وقف فجأة حين استمع إلى صوت نقاش حاد يشبه صوتها و قريبًا منه تلفت حوله متتبعًا مصدر الصوت إلى أن توقف محله جاحظًا عينيه حيث وجدها تبتعد إلى الخلف محاولة فك أسر ذراعها من رجل يقبض عليه بقوة بل إنه هو "كريم" !!!!!
صرخت برعب مستغيثة به حين لمحته بطرف عينيها الباكية و لازالت تقاوم و توزع نظراتها بينه و بين "كريم" الذي إلتفت إليه يراقبه :
- سليم إلحقنييييي !!!
ما كان ينقصه سوى تلك الاستغاثة ليطوي الأرض بخطواته الغاضبة و قد اتسعت عيني "كريم" من شراسة هجومه عليه و دفعه إياه بقوة من صدره جاذبًا "نيرة" من يدها حتى لا يختل توازنها و تسقط أرضًا ليهدر به "كريم" و هو يندفع بجسده تجاهه معلنًا عن مشاجرة جسدية ليست منصفة له :
- أنت فاكر هتاخدها مني وأنا واقف شايفني **** يا **** ؟!!!
وضعت "نيرة" يديها فوق شفتيها و راقبت ما يحدث ببكاء هستيري خاصة حين خرجت الألفاظ النابية من صديق عمرهن هي و شقيقتها و شن هجوم قابله "سليم" بشراسة بالغة حيث ركله بقوة مستغلًا قوته الجسمانية الواضحة و تعمد ركله مرة أخرى بمعدته صارخًا به و هو يراقب ارتطام ظهره بالحائط :
- ما أنت لو راجل مش هتعمل كدا في بنت لكن أنت فعلًا **** !!
وصل "نائل" التائه أخيرًا بعد أن صادف رؤية سيارة "سليم" بالشارع الجانبي و استمع إلى صوت العراك ليتتبعه حين تسرب إليه صوت يعرفه جيدًا تسمر محله و اتسعت عينيه من هول الموقف لكنه أفاق مع صرخة "سليم" به آمرًا إياه وهو يواصل الشجار العنيف مع هذا الرجل الغريب :
- خد نيرة على العربية بسرعة يااا نائل ، يلاااا !!!!
أسرع إلى "نيرة" التي جلست بالزاوية تبكي برعب جلي و تضع يديها فوق أذنيها تحاول صمها و أوقفها بلطف محاولًا تهدئتها موزعًا نظراته بينها و بين المشاجرة التي تتفاقم بمرور الوقت و رغم غلبة "سليم" جسمانيًا إلا أن "كريم" فور أن سقط أرضًا بجانب حقيبته العملية فتحها بوهن شديد و أخرج منه أداة حادة و لم يلاحظه أحد سوى "نيرة" توقفت فجأة صارخة باسم "سليم" _ الذي كان يتحرك تجاهها مطمئنًا إياها _ تزامنًا مع الطعنة التي سددها له صديق العمر الخائن !!!!!
وقف بعدها "كريم" يحدق برعب بما اقترفته يداه في لحظة غضب ليتحول من طبيب مؤتمن على الأرواح إلى رجل آخر يحاول إزهاقها ثائرًا لكرامته أمام فتاة و ظنت "نيرة" أنه سوف يتطلع إلى إسعافه لتصرخ به بخوف حبن وجدت الدماء تلطخ قميص "سليم" الذي وقف محله يضع يده فوق جانبه و ينظر إليها عاقدًا حاجبيه عاجزًا عن صرف أمر يخص مغادرتها حيث تمكن الألم منه و إن فتح شفتاه لصرخ من فرط حدة الألم :
- حرام عليك يااااكريمممم !!!! إلحقه !!!!!!
نظر المدعو "كريم" إليها ثم إلى جرحه النازف و إلى "نائل" الذي أسرع يسند جسد "سليم" و يتجه مع إلى أقرب حائط مصدومًا من رجل يستبيح الدماء و بتلك البشاعة و في وضح النهار !!!!!!!
مال "كريم" على حقيبته و إلتقطها بعشوائية يهز رأسه بالسلب رافضًا رجاءها و راكضًا بأقصى سرعة لديه هاربًا قبل أن يحاول "نائل" مطاردته لتفيق "نيرة" من صدمتها به وتركض إلى "سليم" تحتضن خصره باكية و قد وضعت يدها فوق يده على الجرح صارخة بـ "نائل" برعب :
- شوف الإسعاف وكلم سديمممم بسرعااااه !!!!
هز "نائل" رأسه بالإيجاب ولكنه أردف باعتراض :
- لأ لأ اسنديه معايا للعربية مش هنستنا بيه كدا و أنا هكلم سديم في السكة !!!!!
________________ *** _________________
صعدت إلى المنزل وعقلها يكرر عليها ما حدث بينها وبين الخال في الصباح و رغم خوفها الداخلي من القادم إلا إنها جلست فوق الأريكة تنتظر و تستعيد لحظاتها الخاصة بالأمس معه ساخرة من حالتها بين ليلة و أخرى تنقلب الأمور رأسًا على عقب وتحولت السكينة إلى اضطراب بالغ الأثر مثل اضطرابه الآن أمام عينيها حيث تحرك ذهابًا و إيابًا بغضب شديد متحدثًا بنَّزَق :
-أنتِ إزاي تخرجي منغير إذني كأنك عايشة مع هوا مش مع بني آدم أصلًا ، يعني إيه أقوم أدور على مراتي زي المجنون كدا ؟!!! يعني إيه ابقا نايم في السرير و أنتِ دايرة مع ابن خالتك من ورايا ومنغير ماأعرف مكانكم فيييين !!!!!!
لم يترك لها "آسر" مجالًا للرد أو الدفاع بل واصل هجومه كأن كلمات والده لازالت تتردد داخل أذنيه ومخاوفه من تكرار حياته العم غلبت حبها ليصرخ بها مهتاجًا من سكونها فوق الأريكة تنتظر لحظة هدوء وصمت منه :
- ليه مش عايزة تفرقي بين حياتك لوحدك وحياتك و أنتِ متجوزة و مسؤلة عن بيت والمفروض إنك هتربي عيالنا بعد كدااا ، أثق فيكِ إزاي بعد تصرفاتك دي ردي علياااا ؟!!!!
لن يثق بها أبدًا بل داخله على قناعة تامة بأفكار عائلته تجاهها لقد تشابهت الآن أقواله مع أقوال شقيقه و السؤال ذاته يتكرر ، كيف يمكن لمحتالة مثلها أن تنشئ طفل صالح داخل هذا المجتمع إن كانت لا تُدرك أبسط الأمور الزوجية أو بمعنى أدق تغفل عنها نتيجة حياتها الهوجاء صفعها بإيمانه الداخلي و ظهرت حربه مع المنطق والمبادئ و أدركت الآن أن الحب غير كافي خاصة في حالتها هي بحاجة إلى الثقة والدعم وخلق فرصة من اللا فُرص لينهزم الحب أمام المبادئ و منطق عقله و أخيرًا ترى داخل عينيه الإفاقة من غيبوبة الغضب و السخط على عشقه لها وكأنه أدرك لتوه ما تفوه به حين وجدها تحدق به بأعين لامعة مليئة بخذلانها من كلماته الصريحة و المواجهة لها لكنه غاضب و خائف من صُنع "روزاليا" جديدة داخل حياته فكيف يقص عليها تلك المخاوف ؟!!!
عم الصمت المكان بل يمكننا سماع أصوات استغاثة قلبيهما من تلك الحرب الجامحة و القاتلة لأرواحهما المُقيدة تحرك تجاهها بخطوات متوترة ثم ألقى بثقل جسده فوق الأريكة وأردف بإجهاد وبدأت عينيه تسير فوق ملابسها السوداء الملطخة بالأتربة ليصرخ به عقله أن المكان الوحيد الذي يمكن الخروج إليه في هذا التوقيت و بتلك الملابس هو المقابر !!!!! لقد كانت زوجته في زيارة من نوع خاص !!! لكن ما فائدة تواجد ابن خالتها معها وعادت النيران تشتعل مرة أخرى داخل صدره وكاد يعود إلى حالة الغضب الهياج لكنها اصمتته حين أردفت بجفاء :
- أنا مش محتاجة مساعدتك عشان ابقى روزاليا !!!
ثم رفعت رأسها تسأله بسخرية لاذعة حيث بدأ الاختناق يتمكن من صوتها :
- كل اللي فرق عندك إني كنت مع نائل و إني خرجت منغير إذنك ؟ شغلت بالك سديم كانت فين أصلًا ؟ تؤ مظنش إنك حاولت تفكر لثانية واحدة بعيد عن آسر وكرامة آسر و حياة آسر اللي سديم بدأت تخربها !!!!
اعتدلت بجلستها و صرخت به فجأة :
- فكرت للحظة واحدة أنا ازاي منمتش و خرجت بدري بالشكل دا ؟!!!! فكرت لثانية واحدة إني ممكن من قلة النوم اعمل حادثة واموتتتت ؟!!!! لو أنت مش عايز تعمل روزاليا تااااني فأنا كمان مش مستعدة لنبيلة من جديد في حياتي !!!! نائل اللي مش عاجبك أول ما لمحني بعربيتك مشي ورايااا لحد المقابر و محستش أصلًا بيه من كتر ماأنا شايلة وجع وهموم ومشاكل ، زي مابتقارني بروزاليا من حقي اقارنك بنائل و اقولك إنك رميت كلام زي السم ليا ونمت عادي و أنا لحد دلوقت مش عارفة اعدي ورجعت لقلة نومي تاااني كنت بتقولي إني أنا بطلعك سابع سما و انزلك سابع أرض في لحظة أنت عملت كدا معايا امبارح لمجرد إنك اكتشفت إن عندي ابن خالة ، اتهمتني بالأسرار والتخبية بعدها اعترفت إنك خايف تثق فيا و تسيب أهلك عشاني رغم إنك لو فكرت ثانية واحدة كنت هتلاقيني رافضة بعدك عنهم لدرجة قبلت اقعد أنا و أختي في مكان مرفوضين فيه عشانك بس دي مش تضحية ولا نقطة تتضاف ليا أنت بتتوجع من تجاهل سديم ليك رغم إني مش قصداه أصلًا لكن سديم عادي تخبط راسها في أكبر حيط بس أنا مبقتش قادرة ولا عايزة ولا بعرف أخد دور الضحية الصامتة بتاعتكم دا !!!!
عقد حاجبيه و وقف محله مذهول من كمية المشاعر التي رفضت إطلاعه عليها بالليلة الماضية والآن تنفجر بجميع ما تحمله داخلها من مشاعر عاقدة مقارنة بينه و بين رجل تعرفت عليه وعلى صلة قرابته بها بالأمس فقط ، تلاقي اشتعاله و غضبه مع رفضها و كبريائها و بدأت حرب الرفض والقبول تجوب المكان حيث تحرك تجاهها و خرجت نبرته مهتزة يسألها بأعين خائفة وقلب ينتفض من ختام كلماتها المريب :
- قصدك إيه ؟!
رفعت عينيها و أجابته بجفاء غير مبالية بأثر كلماتها التي كانت كالخناجر تخترق قلبه بقسوتها :
- يعني أنا مش هدخل حرب جديدة مع راجل مش واثق فيا وهو وعيلته شايفيني مش مناسبة ليهم ، ومش هتوصل إني بعد كل اللي شوفته دا مكافئتي تكون التشبية بروزاليا رغم إنها ضحية زي الكل لكن برضه أفعالنا مش واحدة ، تقدر تريح نفسك من كل الرعب و القلق والتوتر دا و تختار واحدة أنسب ليك تعرف تستأذن منك قبل ماتتحرك !!!!
ما هذا الشعور الذي يتملك منه الآن وكأنه يحترق من الداخل قهرًا و قد أثبتت له الآن أنه مجرد سلعة رخيصة بل قد زهدت في ثمنها !!!!! كيف استطاعت طعنه بسلاحه الذي خبأه بين أحضانها دونًا عن نساء العالم ، بل و تخبره ببساطة أن السيدة التي حولت طفولته لجحيم ضحية ؟!! ركدت نظراته فجأة وتجسدت صورة عمه أمام عينيه وخاصة لحظة ضعفه أمام زوجته ليهز رأسه بالإيجاب و تظهر بسمة السخرية فوق شفتيه متقدمًا منها يقف أمامها مباشرةً مضيقًا عينيه ومتحديًا الاختناق بنبرته هامسًا لها بثبات زائف :
- روزاليا ضحية ؟!!! براڤوا !!!
مط شفتيه و صفق لها بهدوء يواصل أسئلته بنظرات جليدية و نبرة ساخرة :
- دا وعدك ليا إنك مش هتسيبيني ؟!
صرفت عينيها عن عينيه اللوامة ذات النظرات المتألمة التي تجلدها و تصرخ بصمت رافضة قسوتها :
- أنا موعدتكش إني هاجي على نفسي ! كان جواك خوف وأنا اكدتهولك كل واحد فينا من طريق بقا عشان نعرف نكمل حياتنا ، إحنا حاولنا وفشلنا !!!
صمتت جزء من الثانية تزدرد مرارة حلقها ثم بللت شفتيها و أكملت بجلد و قوة اعتادت التظاهر بها بينما قلبها تقرع داخله طبول الرفض و الخوف من تلبية طلبها القادم :
- طلقني ياآسر !
قسوتها و تجبرها هكذا يصفع روحه التي وثقت بها و حاربت لأجلها بل و صرخت بوالده الذي أخبره أنه أخفق باختيارها كزوجة له خشى أن يفتضح ضعفه من هجرها له و رغم كل ذلك لم يتمكن من إطلاق سراحها أو هدر كرامته وتوسل تواجدها لذلك فر هاربًا وإلا هشم روحها بمطرقة كلماته القاسية !!!!
أما هي عادت تجلس فوق الأريكة ترفع الهاتف وتعبث به لحظات تغلق جلسة التسجيل الصوتي الذي صنعته للتو مستعيدة اتفاقيتها مع الخال المحتال بإنفصالها عن زوجها مقابل ترتيبه هو مع "فريدة" للإيقاع بالأب الوقور وترك ما تبقى من صغائر الأمور لها و أنها ترغب بتفكيك العائلة التي حقرت من شأنها أما عنها فكل خطوة تتحركها تلك الفترة لها مآرب أخرى فقط عليها أن تهدأ و تتصرف بحكمة كما أوصاها والدها منذ أعوام بدأت تستمع إلى التسجيل للتأكد أنه لا يحتوي على أمر خاص بهما وهي تردف ببسمة ملتوية و همست برهبة داخلية و ألم :
- أنا لو معملتش كدا مش هعرف اتحرك خطوة لقدام معاك ياآسر و مش هحطك في اختيار بيني وبينه غير لما تشوف بعينك !!!!
قطع تركيزها إتصال "نائل" الهاتفي فأجابت بملل في بادئ الأمر ثم انتفضت تأخد جهاز التحكم الخاص بسيارتها و هي تردف بفزع :
- مشرط !!!!! طيب طالعين على مستشفى إيه دلوقت ؟!!!
أغلقت باب المنزل خلفها و هبطت الدرج ركضًا وهي تقول :
- تمام تماام متقلقش أنا دقايق وأكون عندكم !!!