رواية قطة في عرين الاسد الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 25 )
كان بيبقى تعبان ويخبى عليا لحد ما وقع فى الشغل .. وعرفنا ساعتها ان المرض اتمكن منه تماما .. وماما "زهرة" تعبت أوى ومعدتش بتتحرك ولا بتتكلم واضطرينا نوديها الدار عشان ياخدوا بالهم منها لانى كنت بضطر انزل اشتغل .. لحد ما "ماجد" مات الله يرحمه
ساد الصمت طويلاً بينهما .. دخل "مراد" يغسل رأسه بالماء البارد .. ثم يجففه ويخرج من الغرفة دون القاء كلمة .. توجه الى مكتبه .. وظل غارقاً فى شروده وهو يفكر فى كل ما قيل .
تعب "مراد" من كثرة التفكير .. وقرر أن يدع الماضى وشأنه وأن يردم عليه التراب ويعيش اليوم ويخطط للمستقبل مع والدته و "ناهد" و اخواته و ... "مريم" .. هب واقفاً وتوجه الى غرفته ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. اقترب منها وجلس بجوارها يتأملها .. مسح على شعرها وأخذ يتذكر كم عانت مثلما عانت أمه من قبل .. تذكر أنها هى أيضاً طعنت فى عرضها مثلما طعنت أمه .. لكن الفرق أنه صدق ما قيل عن "مريم" .. تنهد فى أسى وانحنى يقبل رأسها .. وأمسك كفها الموضوع بجوارها ورفعها الى شفتيه يقبله وكأنه يعتذر لها عما بدر منه فى حقها .. تذكر فى تلك اللحظة عمته "بهيرة" يوم أن طلبت منه فى المستشفى الزواج من "مريم" .. وأصرت أن يتزوجها "مراد" .. أرادت من "مراد" أن يفعل مع "مريم" .. مثلما فعل أبوها مع أمه .. أحكم وضع الغطاء عليها وتوجه الى الأريكة .. شعر بألم فى ساقه .. فخلع الساق الصناعية وتركها فى مكانها تسد فراغ قدمه تحت الغطاء .. وغط فى سبات عميق .
استيقظت "مريم" لتجد "مراد" نائماً على الأريكة .. اذن فقد عاد من الأسفل دون أن تشعر به .. نهضت لكى تتوجه الى الحمام .. وفجأة .. وضعت يديها على فمها تكتم شهقتها ودهشتها وفزعها .. رأت "مريم" الساق الصناعيه واقعه على الأرض بجوار الأريكة .. أخذ قلبها يخفق بقوة وهى لاتزال تضع كفيها على فمها بقوة .. .. نظرت الى "مراد" لتجده نائماً .. اقتربت من الأريكة ببطء وهى تنظر لتلك الساق الموجودة على الأرض .. اقتربت أكثر لترى فى ضوء القمر المتسلل للغرفة الفراغ أسفل ساقه اليمني من فوق الغطاء .. أجهشت فى البكاء وكادت أن تعلو صوت شهقاتها لولا أنها أحكمت تكميم فمها بقوة .. تساقطت العبرات من عينيها ساخنة وجسدها يرتجف بشدة وهى تنظر الى الفراغ فى مكان ساقه .. رفعت نظرها الى وجه "مراد" واقتربت منه تنظر اليه نائماً .. كانت عيناها تشعان حزناً وألماً وعذاباً شديداً .. شعرت وكأنها اكتشفت بأن ساقها هى المبتوره .. نظرت اليه وهى تقول فى نفسها .. أهذا ما كنت تخفيه عنى ؟ أهذا ما كان يؤرق مضجعك ؟ .. أهذا ما كان يقلقك ويخيفك ؟ .. أهذا ما كنت أرى بسببه الألم والحيرة والقلق فى عينيك ؟ .. أهذا ما يبعدك عنى يا "مراد" ؟.. أهذا ما يبعدك عنى يا .. حبيبــى .. ؟ التفتت لتنظر الى الساق الملقاة على الأرض مرة أخرى .. اقتربت منها وحملتها .. ورفعت الغطاء برفق ووضعتها فى مكانها
.. نظرت الى نهايه ساقه التى التحمت ببعضها فيما يشبه شكل الركبة المثنية .. شعرت بدموعها تنهمر مرة أخرى .. أحكمت وضع الغطاء عليه .. ثم اقتربت من رأسه وجثت بجواره وهى تنظر اليه .. قربت أصابع يدها من رأسه تتلمس شعره برفق .. ودت أن توقظه الآن وتخبره بكل ما يجيش داخل صدرها .. لكنها أرادت أن تفوق من صدمتها أولاً .. أرادت أن تكون مستعدة جيداً لتلك المواجهة .. وهى الآن أضعف ما يكون .. هى الآن كالطير الجريح .. لن تستطيع مداواته اذا كانت هى نفسها تشعر بالجرح .. غادرت الغرفة مسرعة وأغلقت الباب ووقفت أمامه تبكى بحرقة وهى تحاول التحكم فى مشاعرها دون جدوى .. كانت تشعر بألم شديد فى قلبها .. كانت تشعر بكل ألامه وعذابه وأحزانه كالطعنات فى قلبها هى .. وضعت كفها على الباب وأسندت رأسها اليه .. مرت دقائق وهى واقفة هكذا تحاول أن توقف شلال الدموع المنهمر من عينيها و امتداد الألم داخل قلبها .. مسحت دموعها وعندما شعرت أنها بدأت فى استعادة القليل رباطة جأشها توجهت الى غرفة "سارة" التى اذنت بها بالدخول .. قالت "مريم" وعيناها تبدوان شديدتا الإحمرار :
- صباح الخير يا "سارة"
قالت "سارة" وهى تنظ اليها بإمعان :
- صباح الخير "مريم" .. مال عينك
قالت "مريم" بإرتباك :
- مفيش عادى .. انتى عارفه الجو اليومين دول فيه تراب وبيوجع العين
ابتسمت "سارة" قائله :
- اها فعلاً الجو غريب اليومين دول
جلست "مريم" بجوار "سارة" على الفراش قائله :
- "سارة" عايزة أسألك عن حاجة
قالت "سارة" :
- خير يا "مريم"
قالت "مريم" بصوت مضطرب :
- عايزاكى تحكيلى ازاى "مراد" رجله اتبترت
قالت "سارة" بدهشة :
- هو محكلكيش ؟
قالت "مريم" بتوتر :
- عايزة اسمع منك انتى .. ومتسألينيش عن السبب
قالت "سارة" وهى مازالت تشعر بالدهشة من سؤالها :
- كانت حادثة
قالت "مريم" بإهتمام :
- ايه اللى حصل ؟
قالت "سارة" بحزن :
- كان هو وطليقته عندنا سمعناهم بيتخانقوا جامد فى الجنينة .. كانوا بيتخانقوا على موضوع الحمل .. هو كان عايز يخلف وهى عايزة تأجل .. نرفزته بكلامها .. خرج وساق العربية وطلع بيها .. وفجأة جلنا خبر انه عمل حادثة ونقلوه المستشفى .. بس للأسف رجله كانت متدمرة والدكاترة ملقوش حل الا فى البتر
كانت "مريم" تستمع اليها وعلامات الحزن على وجهها .. تخيلت شعور "مراد" وهو يتلقى خبر بتر قدمه .. تخيلت شعوره واحساسه وقتها .. تخيلت كيف كانت صدمته الأولى عندما رآى مكان البتر .. تخيلت ألمه من فقدانه لتلك الساق .. بالتأكيد شعور صعب وقاسي وغير محتمل
أكملت "سارة" بأسى شديد :
- كان "مراد" تعبان فى الأول لكنه كان راضى وصابر .. بس للأسف هى مكنش عندها ذرة احساس
التفتت اليها "مريم" بحده وقالت :
- طليقته تقصدى ؟
أومأت "سارة" برأسها وقالت بحزن :
- اتخلت عنه وطلبت الطلاق
شعرت "مريم" بنغزات الدموع كالشوك فى عينيها .. أكملت "سارة" :
- سمعناه وهو بيترجاها متسيبوش وتفضل جمبه .. وعدها انه هيركب رجل صناعيه ويمشى بيها زى الأول .. بس هى كانت مصرة على الطلاق
لم تعد "مريم" تحتمل حبس دموعها أكثر فانهمرت منها رغماً عنها وارتجف جسدها بقوة .. أكملت "سارة" بحزن وهى شاردة كأنها ترى شريط ذكريات أمام عينينها :
- فى ساعتها رمى عليها اليمين وطلقها .. اتعذب أوى .. واتألم أوى .. واتغير أوى .. خاصة لما عرف انها اتجوزت .. كان يوم صعب أوى بالنسبة له .. كنا حسين انه بيموت أدامنا واحنا مش قادرين نعمله حاجه .. بعد الموضوع ده بسنتين فكر انه يرتبط تانى .. كان فى بنت بتشتغل عنده فى الشركة أعجب بيها .. وكلمها انه هيتقدملها .. البنت وافقت وكانت مبسوطة .. ولما راحلها البيت عرفها بموضوع رجله
نظرت اليها "مريم" بإمعان .. فقالت "سارة" بحزن :
- لما عرفت رفضته
شعرت "مريم" وكأنها طعنت فى قلبها مرة أخرى .. أكملت "سارة" :
- من ساعتها رفض الارتباط تماما .. وكان بيرفض أى عروسة ماما بتجيبهاله
ثم نظرت الى "مريم" مبتسمه وقالت :
- لحد ما قابلك انتى يا "مريم" .. متتصوريش فرحنا أد ايه بجواز "مراد" وفرحنا اكتر لما عيشتى معانا وعرفناكى وحبيناكى
ثم قالت :
- كنت خايفة "مراد" يفضل لوحده وميتجوزش تانى .. بس هو برده معذور كان خايف انه يتعرض للرفض مرة تانية أو انه يرتبط بواحده يحس انها حسه نحيته بالشفقة
التفتت الى "مريم" قائله بحزن :
- تعرفى انه مش بيرضى أبداً يخلى اى حد مننا يشوفه من غير رجله الصناعية .. حتى ماما مبيرضاش يخليها تشوفه كده
كان كل تفكير "مريم" منحصر فى "مراد" وفى الألم الذى لاقاه .. كم عانى فى حياته .. كيف استطاعت زوجته السابقة أن تتخلى عنه وتتركه بمفرده يعانى وسط آلامه .. كيف تركت يده فى منتصف الطريق .. كيف تخلت عنه وهو فى أمس الحاجة اليها .. هذه تعد خيانـــة .. بل أشد أنواع الخيانة .. شعرت "مريم" بغضب شديد تجاهها .. وبألم شديد تجاهه .. طرقت "نرمين" الباب لتخبرهم بأنه تم الانتهاء من اعداد الفطور .. دخلت "مريم" غرفة "مراد" لتجده غير موجود بها .. نظرت الى الأريكة بأسى .. دخلت وغسلت وجهها وبدلت ملابسها ونزلت للأسفل
كان "مراد" جالساً فى مكانه على رأس الطاولة .. خفق قلبها لرؤيته .. دون وعى منها نظرت وهى تدخل الغرفة الى ساقه التى تبدو وكأنها ساق طبيعيه .. شعرت بوغزات الدموع فى عينيها مرة أخرج لكنها حاولت التماسك .. جلست تنظر اليهم وهما يتحدثون ويمزحون دون أن تشاركهم الحديث .. كانت كل مشاعرها وحواسها موجهه الى الرجل الجالس بجوارها والذى لا تستطيع النظر اليه حتى لا يرى الألم الذى تنطق به عينيها .. كان "مراد" يتابعها وهى تحرك الطعام أمامها وتتظاهر بالأكل دون أن تأكل بالفعل .. كان يتابعها بإهتمام .. استأذنت وقالت :
- انا شبعت .. هخرج أتمشى فى الجنينة شوية
قالت "ناهد" :
- ماشى يا حبيبتى
خرجت "مريم" وجلست فى مكانها المعتاد فى الحديقه نظرت الى الشجرة التى سقطت منها الحمامة .. تذكرت يوم أن قالت له بأنها أشفقت على الحمامة لأن جناحها مكسور .. أخذت تتساءل .. تُرى هل آلمه كلامها .. هل ظن أنها ستشفق عليه كإشفاقها على الحمامه ؟ .. زفرت بضيق وهى تتمنى لو لم تقل تلك الكلمات وقتها .. سمعت صوته خلفها .. تسلل الى أذنيها ليقفز قلبها فى جنون :
- "مريم"
التفتت تنظر اليه .. الى هذا الرجل الذى أحبته بكل كيانها .. نظر اليها بإمعان قائلاً :
- "مريم" فى حاجة مضايقاكى
حاولت التحدث لكن الكلمات أبت أن تخرج .. تفرس فيها وهو يقول بإهتمام :
- مالك ايه مضايقك
شعرت بحنين شديد اليه .. شعرت بأنها تريد أن تلقى بنفسها بين ذراعيه وتطيب جراحه .. تريد أن تطمئنه وأن تخبره أنها ليست كتلك النسوة اللاتى قابلهن فى حياته .. لن ترفضه أبداً .. أرادت أن تصرخ فيه لا تخف منى لن أخذلك .. لن أجرحك .. لن أؤلمك .. لن أتركك .. تعلقت عيناه بعينيها يخترق أعماق روحها قال بصوت متهدج :
- "مريم" مالك .. فى حاجة تعباكى ايه هى
حاولت التحدث مرة أخرى ففشلت .. اقتربت منه وأحاطت عنقه بذراعيها وتركت لعبراتها العنان .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها بين ذراعيه .. أحاطها بذراعيه هو الآخر .. ضمها اليه بشدة .. وتمسك بها كالغريق الذى يتعلق بالشئ الذى يبقيه على قيد الحياة .. شعر "مراد" بقلبه يقفز فرحاً لقربه منها .. ضمها اليه يخشى مفارقتها .. شعر بالخوف مرة أخرى من ردة فعلها ان علمت بإعاقته .. شعر بأنه يخدعها .. شعر بأنه غير أمين معها .. استدرج عواطفها وهى لا تعلم شيئاً عن ظروفه .. أخذ يلوم نفسه قائلاً .. هذه ليست رجولة يا "مراد" .. أبعدها عنه .. وهو لا يتمنى غير قربها منه .. أرغم نفسه على أن يمسك بذراعيها ليفك الطوق الذى كونته حول رقبته .. ابعدها عنه برفق .. لم تغضب "مريم" .. فهى تعلم لماذا فعل ذلك .. تعلم لماذا أبعدها عنه .. أصبحت تفهم تماماً نظراته وكلام عينيه الغير مسموع .. ابتعدت .. أرادت أن تترك له فرصته .. فى أن يستعد لمواجهتها .. كما أخذت هى فرصتها فى الإستعداد لمواجهته .. ابتسمت له .. أخذ ينظر اليها يحاول أن يفهم ما تفكر فيه وما تشعر به .. كانت لغة العيون هى اللغة السائدة بينهما .. والتى تهيمن على باقى اللغات .. بدا وكأنه هدأ .. وكأن نفسه قد طابت .. وظهرت الراحه على محياه .. وابتسم .. كيف لها أن تفعل ذلك ؟ .. كيف تستطيع أن تهدئ من روعه بنظرة واحدة .. بإبتسامه واحدة .. شعر بأنها دواءه .. وفيها أسباب شفاءه .. قالت "مريم" وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها :
- نفسى فى درة مشوى على الفحم
نظر اليها "مراد" بدهشة للحظة ثم انفجر ضاحكا وهو يقول :
- أفندم .. درة مشوى على الفحم
قالت بمرح طفولى :
- أيوة درة مشوى على الفحم ايه متعرفوش
ابتسمت عيناه قبل شفتاه وهو يقول بدهشة :
- لا أعرفه .. بس ايه اللى فكرك بيه دلوقتى
هتفت بمرح :
- نفسي فيه أوى
قال وقد اتسعت ابتسامته :
- طيب أجيبهولك منين دلوقتى
قالت بتحدى :
- اتصرف مش انت الراجل .. اتصرف مليش دعوة عايزة آكل درة
نظر اليها قليلا ثم اقترب منها ونظر الى يدها وأمسكها فى يده قائلاً وهو ينظر اليها بمرح :
- طيب عندى فكرة .. ايه رأيك نهرب فى الخباثه ونروح نشوفلنا أى حد بيبيع دره
قالت هامسه :
- موافقه .. يلا بسرعة قبل ما حد يشوفنا
على الكورنيش جلسا متجاورين .. ابتسم وهو ينظر اليها وهى تأخذ حبة فحبة من الدرة وتضعها فى فمها .. التفتت اليه وابتسمت بخجل قائله :
- ايه ؟
ضحك قائلاً :
- لما بشوفك بتاكلى بحس ان عصفورة بتاكل
قالت بمرح ودلال :
- كويس معنى كدة انى رقيقه
ابتسم لها .. لمح شيئاً على زاوية فمها فأزاله بإصبعه .. نظرت اليه مبتسمه بخجل .. تعلقت عيناه بها مبتسماً .. وقال هامساً :
- تعرفى انك بتحسسيني بحاجات كتير مختلفه .. كل شوية أحسن انك واحدة شكل
قالت بإستغراب :
- ازاى يعني ؟
قال شارداً :
- ساعات بحس انك عاقلة أوى وتقيلة اوى .. وساعات بحس انك عصبيه أوى ونرفوزه .. وساعات بحس انك حنينه أوى ورقيقة أوى .. وساعات بحس انك طفلة أوى
نظر اليها قائلاً بمرح :
- اعترفى انتى مين فى دول ؟
ابتسمت قائله بمرح :
- أنا كل دول فى بعض .. كولكشن يعني
رفع حاجبيه قائلاًً بتحدى :
- بس انتى النهاردة مختلفة .. أول مرة أشوفك مرحة كدة
قالت "مريم" بعتاب :
- قصدك انى كئيبة يعني ؟
قال "مراد" مبتسماً :
- لا طبعا مش قصدى كدة .. بس انتى جادة على طول .. واول مرة أشوفك طفوليه كده .. وشقية كدة .. يا ترى ايه سبب التغيير ده
قالت "مريم" بشئ من الحزن :
- ده مش تغيير ..تقدر تقول ان ده عودة لطبيعتى .. اللى شوفته فى حياتى هو اللى خلانى جادة أوى وكئيبة أوى .. بس أنا مكنتش كده زمان .. لما بابا وماما واختى اللهم يرحمهم كانوا عايشين
شعر "مراد" بالأسى تجاهها وقال :
- ربنا يرحمهم
صمت قليلاً ثم قال :
- يعني انتى بدأتى تحسي انك رجعتى لطبيعتك تانى
قالت :
- أيوة
نظر اليها قائلاً :
- ليه .. ايه اللى رجعك لطبيعتك دى تانى ونساكى اللى شوفتيه فى حياتك ؟
صمتت وهى تنظر اليه .. لمحه نظرة فى عينيها أذابت قلبه داخل صدره .. قالت هامسه :
- انت .. وجودك فى حياتى خلانى أنسى كل الظروف الصعبة اللى مريت بيها
خفق قلب "مراد" وهو يستمع الى كلماتها .. أشاح بوجهه عنها ونظر أمامه .. بدا عليه التفكر .. ثم عاد ينظر اليها مرة أخرى قائلاً بصوت مضطرب :
- يلا نروح عشان منتأخرش
لم تعترض "مريم" .. فهى تعلم أن صراعاً كبيراً يدور بداخله .. تفهمه وتتفهمه جيداً
************************************************** ***
كان حفل خطوبة "نرمين" بسيطاً بين أفراد العائلتين فقط فى الفيلا .. كانت "نرمين" تشعر بالسعادة بإرتباطها بـ "أحمد" ابن خالتها والذى تعرف عنه حسن الخلق والتدين .. قدمت له أمه علبه الشبكة فقال لها مبتسماً :
- لبسيها انتى يا ماما
ابتسمت أمه وهى تلبس ابنة أختها الشبكة وتعالت الزغاريد فى البيت .. كانت سعادة "أحمد" كبيرة وقد تمت خطبته على أحب انسانه الى قلبه .. كم قضى سنين طوال يتمناها زوجة له .. لكنه لم يجرؤ يوماً عن الإفصاح عن هذا الحب احتراماً لثقة أخيها فيه .. وخوفاً من فعل شئ يغضب الله عز وجل فيذهب ببركة زيجتهما .. فرح "أحمد" أكثر عندما وافق "مراد" و "ناهد" على الخطوبة السريعة والتى استغرقت أيام قلائل .. اتفقوا على أن يكون الزفاف فى نهاية العام الدراسى ..
بعد انتهاء الإحتفال بالثنائى اجتمعت الفتيات فى غرفة "نرمين" أخذن ينعمن بالحديث والمزاح ..
شعرت "زهرة" بالنوم فدثرها "مراد" وبقى بجوارها الى أن نامت .. ثم توجه الى غرفة "نرمين" فرآى ثلاثتهن معاً فابتسم قائلاً :
- شكلكوا وانتوا متجمعين مع بعض كده مش مريحنى
ضحكت الثلاث فتيات وقالت "نرمين" ضاحكه :
- ليه بأه يا أبيه هنكون بنتفق يعني على سرقة بنك
التفت الى "مريم" قائلاً :
- مش هتنامى
همت بأن تجيبه لكن "نرمين" قالت :
- لا مش هتنام دلوقتى يا أبيه ..احنا عمالين نرغى ونلوك لوك سيبها تلوك معانا .. وبعدين احنا سهرتنا النهارده للصبح
اتسمعت ابتسامته قائلا ً:
- ماشى لوك لوك براحتكوا
انصرف "مراد" عائداً الى غرفته .. جلس على الأريكة ورفع طرف بنطاله وأزاح الساق الصناعيه قليلاً مستغلاً عدم وجود "مريم" فى الغرفة
بحثت "مريم" عن هاتفها فلم تجده .. قالت لـ "نرمين" :
- مش لاقياه رنى عليا كده
اتصلت بها "نرمين" وقالت :
- بيرن .. شكلك نسيتيه تحت
قالت "مريم" :
- لا أنا طلعت بيه .. شكلى نسيته فى الأوضة .. هروح أجيبه وأرجعلكوا
قالت "سارة" :
- ماشى مستنيينك بس اوعى تتأخرى
توجهت الى غرفة "مراد" الذى سمع صوت هاتفها الموضوع على الكمودينو .. هم "مراد" بأن يرتدى ساقه الصناعية مرة أخرى ليذهب اليها ويعطيها هاتفها .. كانت "مريم" معتاده على طرق الباب لكنها لم تطرقه هذه المرة لظنها بأنه عاد الى غرفة "زهرة" بعدما تحدث معهن .. فتحت الباب ودخلت ليتسمر كلاهما فى مكانه .. شعر كل منهما برجفه تسرى فى جسده .. وكأن ماساً كهربائياً أصابهما معاً .. لم يكن "مراد" قد ارتدى ساقه الصناعيه بعد .. تطلع كل منهما الى عين الآخر .. وكل منهما يحبس أنفاسه .. كانت صدمة "مراد" كبيرة .. أرادها أن تعرف لكن ليس بتلك الطريقة .. ليس فجأة .. أراد أن يمهد لها .. ويشرح لها .. لا أن ترى الفراغ فى ساقه .. لا أن ترى أعاقته ونقصه التى يخفيها عن أعين الجميع .. أرادها أن تعرف لكنه لم يريدها أن ترى .. ظل حابساً أنفاسه مطولاً وهو متجمد فى مكانه من الصدمة .. كانت "مريم" تشعر بما يشعر به فى تلك اللحظة .. تعلم أنه كره دخولها عليه الآن .. وكره أن تراه هكذا .. وكره أن تطلع على اعاقته بتلك الطريق .. كانت ترى فى عينيه الخوف والجزع والألم والحيرة والصدمة والتردد والقلق .. عاد "مراد" يتنفس مرة أخرى .. لا بل يلهث وكأنه يبذل مجهوداَ شاقاً .. خفض بصره ونظر أرضاً .. شعر بأنه غير مستعد لتلك اللحظة بعد .. غير مستعد لأن يخسرها .. غير مستعد لأن يرى فى عينيها نظرة يرفضها .. وتدفعه لأن يبتعد عنها ويبعدها عنه .. وقفت "مريم" فى مكانها تنظر اليه .. شعرت بالدموع التى همت بأن تتجمع فى عينيها .. لكنها منعتها قسراً .. وأوقفتها قبل أن تظهر داخل عينيها .. كانت تعلم مدى حساسية الأمر بالنسبة لـ "مراد" كانت تعلم أن كلمة واحدة أو نظرة واحدة منها من شأنها أن تنهى كل شئ بينهما .. مدت يدها وأغلقت الباب .. ووقفت مكانها .. كان "مراد" مازال ينظر أرضاً لا يجد فى نفسه الجرأة ليرى نظرات عينيها .. أو تعبيرات وجهها .. كانت "مريم" تشعر بتوتر بالغ .. خافت أن تخسره فى لحظة .. خافت أن يسئ فهم مشاعرها تجاهه فيحكم عليها بفراقه .. تقدمت منه ببطء .. كلما اقتربت خطوة ازدادت خفقات قلبه سرعة .. طال الصمت .. كان يتنظر "مراد" أن تتحدث .. أن تسأل .. أن تستفهم .. أن تعاتب .. أن تغضب .. لكن طال انتظاره .. حاول أن يرفع رأسه لينظر داخل عينيها .. لكن خوفه من خسارتها منعه .. فجأة وجدها وقد جثت على ركبتيها أمامه .. حبس أنفاسه .. نظرت "مريم" اليه وهى تسمع صوت خفقان قلبها .. وتساءلت تُرى أهذا صوت خفقان قلبي أم قلبه ؟ .. نظرت الى الساق المبتور والساق التى مازال يمسكها بيده .. نظرت الى وجهه تتمنى أن يفهم .. أن يفهم أنها لا تأبى لتلك الإعاقه .. وأنها لا تعنى لها شيئاً .. مدت يديها وأمسكت منه الساق الصناعيه .. شعرت برجفة جسده وانتفاضته .. سمعت صوت تنفسه رأت ارتعاشة يده .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها جاثيه على ركبتيها تحت أقدامه تمسك بساقه الصناعية .. وأخيراً رفع رأسه لينظر اليها عندما بدأت فى محاولة تثبيتها فى ساقه المبتور .. أخذ يتأمل وجهها وعينيها التى كانت مثبته على الساق .. كان يلهث بشدة وقد ازداد اضطرابه .. لا يعلم كيف سمح لها بأن تفعل .. وبأن تكون قريبه منه هكذا وبأن تراه هكذا .. انتهت "مريم" من مهمتها التى استغرقت بعض الوقت لجهلها بطريقة تركيبها الصحيحة .. الى أن نجحت فى ذلك .. ثم رفعت رأسها تنظر اليه .. شعر "مراد" برجفه فى كل أوصاله وهو ينظر اليها وهى قريبة منه الى هذا الحد جاثيه على ركبتيها تحت قدميه .. بحث فى عينيها عن نظرة نفور ورفض فلم يجد .. بحث عن نظرة شفقه وعطف فلم يجد .. لم يجد الا نظرة حب وشوق وابتسامه صغيرة ترتسم على محياها وهى تتطلع اليه .. أخيراً وجد فى نفسه القدرة على الكلام .. قال بصوت مبحوح :
- عرفتى امتى ؟
قالت "مريم" بهدوء وهى تنظر اليه :
- من كام يوم
قال "مراد" بجمود :
- مين اللى قالك ؟
قالت بهدوء :
- محدش قالى .. بس وانت نايم خدت بالى
نظر اليها "مراد" بغضب وقال بحده :
- وليه ما قولتليش انك عارفه
قالت "مريم" مبتسمه :
- لان الموضوع مش فارق معايا أصلاً
سمع "مراد" كلماتها فهب واقفاً .. وقفت فى مواجهته هى الأخرى .. كان عصبياً للغاية .. وكأنه فاق من صدمته للتو وبدا يعي ما حدث .. قال بصرامة :
- يعني ايه مش فارق معاكى ؟
توترت "مريم" وقالت بهدوء ونظرة رجاء فى عينيها :
- يعني مش فارق معايا .. اللى شوفته دلوقتى لا قلل ولا زود حاجه جوايا .. أكنى مشفتش حاجة
صاح بعصبيه وهو يلهث بشدة :
- أيوة ابتدينا تمثيل .. عايزة تفهمينى يعني انك مفيش مشاكل عندك انك ترتبط بواحد رجله مبتوره .. وان زيه زى أى راجل تانى
قالت بهدوء وقد بدأت الدموع تتجمع فى عينيها :
- أيوة مفيش مشاكل عندى
صاح بحده :
- أنا بأه عندى مشاكل .. مش عايز أرتبط بواحده فى يوم من الأيام تقولى أصلك معاق .. ولا واحدة بترد الجميل اللى عملته معاها بإنها توافق تتجوزنى
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا لا دى ولا دى
صمت "مراد" وهو يشعر بتوتر كبير بداخله .. قال وكأنه يقنع نفسه قبل أن يقنعها :
- انتى من حقك تختارى الراجل اللى انتى عايزاه .. مش حاجة مفروضه عليكي .. واحنا المرتين اللى تجوزنا فيهم كان الجواز منى مفروض عليكي
صمت وهو يشعر بألم فى قلبه وقال بصوت متقطع :
- انتى مش مجبره انك تعيشي معايا .. ولا مجبره ترديلى أى جميل .. بكرة ان شاء الله ..........
قاطعته قائله بمراره والدموع تتساقط من عينيها :
- بكرة ايه ؟ .. هتطلقنى تانى ؟
نظر اليها يرقب الألم فى عينيها والدموع التى تبلل وجهها .. خفق قلبه لمرآى دموعها .. قالت "مريم" بصوت باكى :
- عايز تسيبنى لوحدى تانى .. وتبعد عنى تانى .. وتحرمنى منك تانى
ثم قالت :
- لو كررتها تانى مش هسامحك أبداً يا "مراد"
اقترب منها "مراد" ووجه ينطق بالألم أخذ يمسح العبرات على وجهها بأطراف أصابعه وهو يقول بصوت مضطرب :
- "مريم" بطلى عياط لو سمحتى
قالت بعتاب وهى مازالت تبكى :
- انت اللى بتخليني أعيط .. انتى اللى عايز تألمنى .. ليه يا "مراد" بتعمل فيا كده
شعرت برعشة كفيه وهما يحتويان وجهها يقول بحنان جارف :
- انا مستحيل أألمك .. انتى متتصوريش دموعك بتعمل فيا ايه .. أكنها سكاكين بتقطع فى قلبي
ثم قال بألم :
- أرجوكى بطلى عياط
توقفت عن البكاء وقد هدأت قليلاً .. قال لها "مراد" وهو ينظر الى عينيها بعمق :
- مش عايزك تندمى أبداً انك اخترتيني .. مش عايزك أبداً تحسي انك كان ممكن تتجوزى واحد أحسن منى .. مش عايزك تحسي أبدا انك اتظلمتى معايا
قالت "مريم" بثقه وهى تحتضن بيدها كفيه اللتان يضعهما على وجهها :
- أبداً .. عمرى ما هندم أبداُ
قال "مراد" بشك :
- واثقة يا "مريم"
ابتسمت قائله :
- أيوة واثقة
مسح العبرات التى مازالت عالقة على وجهها وقال لها بحنان :
- مش عايزك تعيطى تانى .. اتفقنا
أومأت برأسها وهى تنظر اليه بسعادة .. ارتسمت ابتسامه عذبه على شفتي "مراد" وهو يتطلع اليها .. أحاطها بذراعيه معانقاً اياها بقوة .. شعرت "مريم" بين ذراعيه كما تشعر معه دائماً .. بالأمان .. أغمضت عينيها وأخذت تتمسح بوجهها فى صدره كالقطه .. أبعدها "مراد" عنه لينظر فى عينيها بحب قائلاً بصدق شديد :
- بحبك يا "مريم"
شعرت بقلبها يرقص فرحاً .. وشعرت بالدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. فقال محذرا :
- قولتلك مفيش عياط تانى
أومأت برأسها وهى تتعلق بعينيه وتبتسم بسعادة .. تأمل "مراد" نظرة الحب فى عينيها والابتسامه التى تفصح عن سعادتها بقربه .. اطمئن قلبه وشعر بأنه أخيراً وجد لقلبه ساكن .. ساكن أمين .. انحنى يقلبها بحب وشوق .. ويدخلها الى عالمه الخاص
استيقظت "مريم" بسعادة .. نظرت الى ضوء الصباح المتسلل من النافذة وهى تشعر بأن هذا الصباح مختلف .. ليس كأى صباح مر عليها من قبل .. التفتت لتنظر الى "مراد" النائم بجوارها .. وكأنه شعر بنظراتها .. فتح عينيه ببطء .. وتطلع الى وجهها الذى يعشقه .. ابتسم بسعادة قائلاً :
- ايه ده القمر والشمس طالعين مع بعض فى وقت واحد
ضحكت بخجل .. مسح على رأسها بيده مقبلاً اياه .. اعتدلت فى الفراش بخجل وهى تنظر الى الساعة هاتفه :
- ايه ده احنا اتأخرنا أوى عليهم
قال "مراد" وهو ينهض هو الآخر :
- أصلاً المفروض عندى معاد مع "طارق" دلوقتى .. قالت "مريم" :
- وأنا كمان المفروض أقابل "مى"
مسح "مراد" بأصابعه على وجنتها قائلاً :
- خدى العربية معاكى .. لولا انكوا بنتين مع بعض كنت روحت معاكى
ضحكت قائله :
- لا طبعاً مش هينفع تيجي
قال "مراد" بقلق وهو يتطلع اليها :
- موبايلك معاكى لو حصل أى حاجه كلميني وخليكوا فى الأماكن اللى حددتيها وقولتييلى عليها امبارح .. متروحوش فى مكان تانى الا لما تعرفيني
ابتسمت قائله :
- حاضر
ابتسم وهو يتطلع اليها بحب قائلاً :
- يا مطيع انت
ضحكت بخجل .. رن هاتفه فنظر اليه قائلاً :
- "طارق" .. أكيد بيستعجلنى .. أصلنا رايحين شركة حراسة عشان أختار السيكيوريتي اللى هحطهم على بوابة الفيلا
أنزل "مراد" قدميه وأخذ الساق الصناعية بجوار الفراش ليرتديها .. أسرعت "مريم" بالنهوض من الفراش والتفت حوله وجثت على ركبتيها أمامه كما فعلت بالأمس .. خفق قلب "مراد" بشده وهو يراها تلبسه اياها وأخذ يداعب شعرها ووجنتها فى حنان .. انتهت فنظرت اليه قائله بمرح :
- بقيت شطورة وبعرف أركبها بسرعة
نظر الى وجهها وعينيها يستشعر صدق سعادتها وفرحتها .. أمسك يديها يجذبها الى حضنه معانقاً اياها بشدة .. قال هامساً :
- ربنا يخليكي ليا يا أحلى حاجة فى حياتى
شعرت "مريم" بالسعادة لكلماته .. نظر اليها قائلاً بخبث :
- بقولك ايه متخلى "مى" تروح مع مامتها النهاردة
ابتسمت بخجل قائله :
- طيب و "طارق"
قال مبتسماً بخبث :
- هو صغير يعني ميروح لوحده
نظرا فى أعين بعضهما بسعادة .. وكل منهما يشعر بأنه وجد فى الآخر ما كان ينقصه .. "مريم" وجدت فيه الآمان الذى افتقدته .. و"مراد" وجد فيها الحنان الذى افتقده .. فشعر كل منهما أنه يكمل الآخــر
فى المساء اجتمع "سامر" و "حامد" معاً فى منزله ومعهما فتاتان ولم يخلو الأمر من الخمر لتكتمل سهرتهما .. وتعالت أصوات الموسيقى لتتمايل الفتاتان بالرقص الخليع .. كانت سهرة ككل السهرات التى تجمعهما .. فالطيور على اشكالها تقع .. ولم يكن "سامر" الا وجه فى عملة "حامد" .. انتهت السهرة ليخرج "سامر" بصحبة صديقته التى لم يحتج الى ورقة زواج عرفى ليأخذ منها ما يريد .. بل كانت ممن تستبيح عرضها لكائن من كان .. بإسم الحب أو المتعة أو الصحوبية .. فلا فرق بين المسميات ان كانت الغاية واحدة .. عاد "سامر" الى بيته ورأسه يدور من الخمر الذى شربه طيلة الليل .. دخل الى المصعد واحتاج وقتاً لا بأس به فقط ليضغط على زر طابقه .. خرج من المصعد وهو يتطوح أخرج مفاتيحه ليحاول دخول شقته .. وقف مطولاً يعجز عن وضع المفتاح فى مكانه بالباب .. فجأة وجد من يدفعه دفعاً الى الجدار .. التفت بحده ليجد والدته تصرخ فيه قائله :
- انت السبب انت اللى نجست بيتنا ونجست حياتنا .. انت السبب
نظر اليها "سامر" بدهشة محاولا استيعاب ما تقول .. أخذت أمه تضرب صدره بقوه وتصرخ قائله :
- اطلع بره بيتي مش عايزة أشوفك فى بيتى تانى وبكرة هكلم المحامى يسحب منك التوكيل بتاع ادارة الشركة
بدأ "سامر" يفيق بعدما سمع كلماتها فصاح قائلاً :
- هو ايه ده .. ايه اللى اطلع بره وهسحب منك التوكيل .. هو يمزاجك
لطمته على وجهه قائله :
- أيوة بمزاجى بمزاجى يا تييييييييييييييييييت
دفعها "سامر" يديه وصاح بغضب :
- انتى في ايه .. مالك طايحه فيا كده
قالت أمه وهى تصرخ بغضب :
- أختك اغتصبوها يا "سامر"
نزل الخبر على رأس "سامر" كالصاعقه وقال :
- ايه .. بتقولى ايه
صرخت أمه بعنف قائله :
- كما تدين تدان يا "سامر" كنت مستنى ربنا يحفظ اختك ازاى وانت مضيع بنات الناس .. كنت مستنى ايه غير كده
دفعها "سامر" بقوة وصاح بغضب هادر :
- بنتك تستاهل أكتر من كدة .. ممشياها بلبس متلبسوش واحدة محترمة .. ماشية تعرض جسمها على كل الرجالة اللى ماشية فى شارع .. ده أنا كان صحابي بيعاكسوها أدامى وبيقولوا عليها كلام زى الزفت وكنت بستعر أقولهم انها اختى .. كان لازم يحصلها كده
أخذت أمه تبكى بحرقه وتقول :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا انتوا الاتنين .. ربنا ينتقم منكوا انتوا الاتنين
صاح بقسوة قبل أن يغادر :
- وفيكي انتى كمان لانك معرفتيش تربي
فى اليوم التالى .. كان "مراد" جالسا فى مكتبه بالبيت يطالع أحد الملفات عندما طرقت "مريم" الباب ودخلت بهدوء مبتسمه .. تقدمت من المكتب ووضعت عليه صنية الشاى والكيك التى تحملها .. امسك يدها وقبلها وابتسم لها قائلاً :
- تسلم ايدك يا حبيبتى
قالت مبتسمه بخجل :
- دوقه وقولى رأيك بصراحه أنا اللى عملاه
قبل يدها مرة أخرى ونظر اليها قائلاً بحب :
- طالما انتى اللى عملاه يبقى أكيد هيعجبنى
فتح "مراد" الخزينه بجواره وأخرج منها علبة قطيفة صغيرة .. فتحها وأخرج منها دبلة ذهبية وأخرى فضية .. نظرت "مريم" اليهما بخجل وسعادة .. أمسك يدها اليسرى ونزع منها الدبلة التى تزينه وألبسها الدبلة التى تحمل اسمه .. أخذت "مريم" الدبلة الفضية التى تحمل اسمها وألبسته اياها .. وكلاهما ينظر الى الآخر بسعادة
حانت منها التفاته الى الملف الموضوع على المكتب أمامه لمحت صور دماء ورجل ملقى على الأرض قالت بدهشه :
- ايه ده يا "مراد"
نظر "مراد" الى الملف والصور قائلاً :
- ده ملف جريمة القتل اللى كانت حصلت فى الصعيد .. لقيته فى أوراق بابا اللى كانت فى الخزنة
أمسكت "مريم" الصور لتطلع اليها فأخذها منها "مراد" بسرعة قائلاً :
- لا متشوفيهاش .. مصورين الجثة على الأرض هيتعبك المنظر ده
قالت "مريم" :
- طيب عايزة أشوف الصورة اللى كان مكتوب فيها بالدم
بحث "مراد" فى الصور الى أن أخرج الصورة وأراها اياها .. مسكتها "مريم" تتأملها .. فقال "مراد" وهو يمسك احدى الأوراق بيده :
- تقرير الطبيب الشرعى بيقول ان الرصاصة اخترقت قلبه ومات .. وكمان الحرق اللى كان مكان الرصاصة على صدره معناه ان الرصاصة اضربت من مكان قريب جداً
نظرت اليه "مريم" قائله :
- يعني ايه؟
قال "مراد" بإستغراب :
- يعني اللى ضرب عليه النار كان واقف قريب منه جداً .. التقرير بيقول أقل من متر .. ودى حاجة غريبة جدا
قالت "مريم" بإستغراب :
- ليه غريبة ؟
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- لأن كان فى مشاكل بين بابايا وباباكى و ابن "حسن المنفلوطى" .. والمشاكل دى كانت بتوصل لرفع السلاح .. دلوقتى ايه اللى يخلى ابن "حسن" يآمن انه يقف قريب أوى من واحد المفروض انه عدوه .. مخفش يقتله ؟ .. ازاى يقف ادامه والمسافة بنيهم أقل من متر من غير ما يخاف ؟
قالت "مريم" وهى تزم شفتيها :
- مش عارفه .. طيب السلاح اللى اتضرب بيه لقوه ولا لاء ؟
قال "مراد" بإستغراب :
- مش هتصدقى .. السلاح كان جمب الجثة واللى أغرب من كده ان السلاح كان مرخص بإسم القتيل
قالت "مريم" بدهشة :
- وبابايا أو باباك ايه اللى هيوصلهم لسلاح القتيل ؟
قال "مراد" شارداً :
- يمكن كان القتيل عايز يتهجم على "خيري" اى ان كان بابايا ولا باباكى .. و"خيري" خده منه ودافع عن نفسه وضرب عليه النار .. وعشان كده النار اضربت من المسافة الصغيرة دى
قالت "مريم" بحماس :
- أيوة صح أكيد هو ده اللى حصل لأن انت بتقول ان باباك مستحيل يقتل وأنا كمان بقول نفس الكلام عن بابا .. يبأه القتل كان دفاع عن النفس
قال "مراد" بحيرة :
- مش عارف برده حاسس ان فى حاجه غلط .. لو هو قتل دفاع عن النفس ايه يخلى "خيري" اللى قتل ينكر ده ؟ .. السلاح اللى اضرب منه النار سلاح القتيل .. وده كافى انه يثبت ان القتيل هو اللى اتهجم عليه وهو اضطر ياخد منه السلام يضرب عليه النار عشان يدافع عن نفسه .. ايه اللى يخليه ينكر انه ضرب عليه اصلا ؟
سألته "مريم" قائله :
- طيب مش يمكن فعلا اللى قتله واحد تانى غير بابا وباباك .. والكلمة اللى تكتبت بالدم القاتل هو اللى كتبها
قال "مراد" وهو ينظر الى الأوراق :
- تقرير المعمل الجنائي بيقول ان البصمات الى على الكلمة اللى اتكتبت هى بصمات القتيل نفسه .. يعني هو اللى كتبها بنفسه
قالت "مريم" وهى تمعن النظر الى الصورة وتقربها من "مراد" :
- "مراد" انت مش شايف حاجة غريبة هنا ؟
أخذ "مراد" الصورة منها ونظر اليها قائلاً :
- لأ مش واخد بالى
قالت "مريم" بحماس :
- اسم "خيري" مكتوب بطريقة غريبة
تأمل "مراد" الصورة جيداً ورفع حاجبيه دهشة وقال :
- فعلاً مكتوب بطريقة غريبة
قالت "مريم" بإستغراب :
- لو كان القتيل هو اللى كتب اسم "خيري" ايه اللى يخليه يكتبه بالطريقة دى .. ولو كان القاتل هو اللى كتبها واستخدم فيها صوابع القتيل عشان تظهر بصماته برده ايه اللى يخليه يكتبها بالطريقة الغريبة دى
فجأة قفزت فى رأس "مراد" فكرة .. أخذ يقلب بين الأوراق التى أمامه بلهفه شديده .. قالت "مريم" بإهتمام
- في ايه يا "مراد" .. اكتشفت حاجة ؟
أخرج "مراد" احدى الورقات ونظر اليها لتتسع ابتسامته لتملأ وجهه كله .. قالت "مريم" بلهفه شديدة :
- "مراد" قولى
نظر اليها "مراد" قائلاً بسعادة وثقه :
- لا بابايا ولا باباكى اللى قتل
اتسعت عينا "مريم" لتنظر اليه قائله بلهفه :
- بجد انت متأكد ؟
حضن وجهها بين كفيه وقال بسعادة :
- أيوة متأكد يا حبيبتى
قالت بلهفه :
- عرفت ازاى يا "مراد" ؟
أمسك الورقة التى كانت فى يده منذ قليل ووضعها أمامها ووضع اصبعه على احدى الجمل وقال مبتسماً :
- اقرى الجملة دى
قرأت "مريم" الجملة لتتسع عيناها دهشة وهتفت قائله :
- مش ممكن .. معقول ده
قال "مراد" وهو ينظر الى الورقة :
- مراته اللى قتلته
قالت "مريم" وهى تعاود النظر الى الصورة :
- كان عايز يكتب "خيريه" مش "خيري" بس مات قبل ما يكملها .. ملحقش يكتب الحرف الأخير
أخرج "مراد" هاتفه فقالت "مريم" بإهتمام :
- هتعمل ايه
قال :
- هتصل بعمى أشوف يعرف ايه عن "خيريه" دى
تحدث "مراد" مع عمه "سباعى" قرابة النصف ساعة .. ثم أنهى المكالمة .. قالت "مريم" بحزن :
- ربنا يرحمها ويغرفلها بأه .. ماتت وسابت العيلتين كل واحد فيهم شاكك فى التانى
تنهد "مراد" بأسى قائلاً :
- بسببها بابا اضطر يسيب بلده وأهله
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- وباباكى كمان اتحرم من بلده وأهله
قالت "مريم" بحزن :
- خلاص يا "مراد" اللى فات مات .. مش هيفيد بحاجه نتحسر عليه دلوقتى .. وبعدين لو مكنش ده كله حصل يمكن مكناش أنا وانت بقينا لبعض
اقترب منها معانقاً اياها وهو يقول بحنان :
- الحمد لله
تم زفاف "طارق" و "مى" فى قاعتين منفصلتين .. حضر الجميع داعيين لهما بالبركة وأن يجمع الله بينهما فى خير .. اقتربت "مريم" من العروس قائله :
- حبيبة قلبي طالعه زى القمر
ابتسمت "مى" قائله :
- بجد يا "مريم"
عانقتها "مريم" قائله :
- طبعاً بجد .. حبيبتى ربنا يوفقك فى حياتك ويباركلك فيها
شدت "مى" على أيدي "مريم" وهى تقول بسعادة :
- وانتى كمان يا "مريم" ربنا يسعدك دايماً
التفتت "مريم" لتنظر الى "سارة" الجالسه على احدى
يتبع
كان بيبقى تعبان ويخبى عليا لحد ما وقع فى الشغل .. وعرفنا ساعتها ان المرض اتمكن منه تماما .. وماما "زهرة" تعبت أوى ومعدتش بتتحرك ولا بتتكلم واضطرينا نوديها الدار عشان ياخدوا بالهم منها لانى كنت بضطر انزل اشتغل .. لحد ما "ماجد" مات الله يرحمه
ساد الصمت طويلاً بينهما .. دخل "مراد" يغسل رأسه بالماء البارد .. ثم يجففه ويخرج من الغرفة دون القاء كلمة .. توجه الى مكتبه .. وظل غارقاً فى شروده وهو يفكر فى كل ما قيل .
تعب "مراد" من كثرة التفكير .. وقرر أن يدع الماضى وشأنه وأن يردم عليه التراب ويعيش اليوم ويخطط للمستقبل مع والدته و "ناهد" و اخواته و ... "مريم" .. هب واقفاً وتوجه الى غرفته ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. اقترب منها وجلس بجوارها يتأملها .. مسح على شعرها وأخذ يتذكر كم عانت مثلما عانت أمه من قبل .. تذكر أنها هى أيضاً طعنت فى عرضها مثلما طعنت أمه .. لكن الفرق أنه صدق ما قيل عن "مريم" .. تنهد فى أسى وانحنى يقبل رأسها .. وأمسك كفها الموضوع بجوارها ورفعها الى شفتيه يقبله وكأنه يعتذر لها عما بدر منه فى حقها .. تذكر فى تلك اللحظة عمته "بهيرة" يوم أن طلبت منه فى المستشفى الزواج من "مريم" .. وأصرت أن يتزوجها "مراد" .. أرادت من "مراد" أن يفعل مع "مريم" .. مثلما فعل أبوها مع أمه .. أحكم وضع الغطاء عليها وتوجه الى الأريكة .. شعر بألم فى ساقه .. فخلع الساق الصناعية وتركها فى مكانها تسد فراغ قدمه تحت الغطاء .. وغط فى سبات عميق .
استيقظت "مريم" لتجد "مراد" نائماً على الأريكة .. اذن فقد عاد من الأسفل دون أن تشعر به .. نهضت لكى تتوجه الى الحمام .. وفجأة .. وضعت يديها على فمها تكتم شهقتها ودهشتها وفزعها .. رأت "مريم" الساق الصناعيه واقعه على الأرض بجوار الأريكة .. أخذ قلبها يخفق بقوة وهى لاتزال تضع كفيها على فمها بقوة .. .. نظرت الى "مراد" لتجده نائماً .. اقتربت من الأريكة ببطء وهى تنظر لتلك الساق الموجودة على الأرض .. اقتربت أكثر لترى فى ضوء القمر المتسلل للغرفة الفراغ أسفل ساقه اليمني من فوق الغطاء .. أجهشت فى البكاء وكادت أن تعلو صوت شهقاتها لولا أنها أحكمت تكميم فمها بقوة .. تساقطت العبرات من عينيها ساخنة وجسدها يرتجف بشدة وهى تنظر الى الفراغ فى مكان ساقه .. رفعت نظرها الى وجه "مراد" واقتربت منه تنظر اليه نائماً .. كانت عيناها تشعان حزناً وألماً وعذاباً شديداً .. شعرت وكأنها اكتشفت بأن ساقها هى المبتوره .. نظرت اليه وهى تقول فى نفسها .. أهذا ما كنت تخفيه عنى ؟ أهذا ما كان يؤرق مضجعك ؟ .. أهذا ما كان يقلقك ويخيفك ؟ .. أهذا ما كنت أرى بسببه الألم والحيرة والقلق فى عينيك ؟ .. أهذا ما يبعدك عنى يا "مراد" ؟.. أهذا ما يبعدك عنى يا .. حبيبــى .. ؟ التفتت لتنظر الى الساق الملقاة على الأرض مرة أخرى .. اقتربت منها وحملتها .. ورفعت الغطاء برفق ووضعتها فى مكانها
.. نظرت الى نهايه ساقه التى التحمت ببعضها فيما يشبه شكل الركبة المثنية .. شعرت بدموعها تنهمر مرة أخرى .. أحكمت وضع الغطاء عليه .. ثم اقتربت من رأسه وجثت بجواره وهى تنظر اليه .. قربت أصابع يدها من رأسه تتلمس شعره برفق .. ودت أن توقظه الآن وتخبره بكل ما يجيش داخل صدرها .. لكنها أرادت أن تفوق من صدمتها أولاً .. أرادت أن تكون مستعدة جيداً لتلك المواجهة .. وهى الآن أضعف ما يكون .. هى الآن كالطير الجريح .. لن تستطيع مداواته اذا كانت هى نفسها تشعر بالجرح .. غادرت الغرفة مسرعة وأغلقت الباب ووقفت أمامه تبكى بحرقة وهى تحاول التحكم فى مشاعرها دون جدوى .. كانت تشعر بألم شديد فى قلبها .. كانت تشعر بكل ألامه وعذابه وأحزانه كالطعنات فى قلبها هى .. وضعت كفها على الباب وأسندت رأسها اليه .. مرت دقائق وهى واقفة هكذا تحاول أن توقف شلال الدموع المنهمر من عينيها و امتداد الألم داخل قلبها .. مسحت دموعها وعندما شعرت أنها بدأت فى استعادة القليل رباطة جأشها توجهت الى غرفة "سارة" التى اذنت بها بالدخول .. قالت "مريم" وعيناها تبدوان شديدتا الإحمرار :
- صباح الخير يا "سارة"
قالت "سارة" وهى تنظ اليها بإمعان :
- صباح الخير "مريم" .. مال عينك
قالت "مريم" بإرتباك :
- مفيش عادى .. انتى عارفه الجو اليومين دول فيه تراب وبيوجع العين
ابتسمت "سارة" قائله :
- اها فعلاً الجو غريب اليومين دول
جلست "مريم" بجوار "سارة" على الفراش قائله :
- "سارة" عايزة أسألك عن حاجة
قالت "سارة" :
- خير يا "مريم"
قالت "مريم" بصوت مضطرب :
- عايزاكى تحكيلى ازاى "مراد" رجله اتبترت
قالت "سارة" بدهشة :
- هو محكلكيش ؟
قالت "مريم" بتوتر :
- عايزة اسمع منك انتى .. ومتسألينيش عن السبب
قالت "سارة" وهى مازالت تشعر بالدهشة من سؤالها :
- كانت حادثة
قالت "مريم" بإهتمام :
- ايه اللى حصل ؟
قالت "سارة" بحزن :
- كان هو وطليقته عندنا سمعناهم بيتخانقوا جامد فى الجنينة .. كانوا بيتخانقوا على موضوع الحمل .. هو كان عايز يخلف وهى عايزة تأجل .. نرفزته بكلامها .. خرج وساق العربية وطلع بيها .. وفجأة جلنا خبر انه عمل حادثة ونقلوه المستشفى .. بس للأسف رجله كانت متدمرة والدكاترة ملقوش حل الا فى البتر
كانت "مريم" تستمع اليها وعلامات الحزن على وجهها .. تخيلت شعور "مراد" وهو يتلقى خبر بتر قدمه .. تخيلت شعوره واحساسه وقتها .. تخيلت كيف كانت صدمته الأولى عندما رآى مكان البتر .. تخيلت ألمه من فقدانه لتلك الساق .. بالتأكيد شعور صعب وقاسي وغير محتمل
أكملت "سارة" بأسى شديد :
- كان "مراد" تعبان فى الأول لكنه كان راضى وصابر .. بس للأسف هى مكنش عندها ذرة احساس
التفتت اليها "مريم" بحده وقالت :
- طليقته تقصدى ؟
أومأت "سارة" برأسها وقالت بحزن :
- اتخلت عنه وطلبت الطلاق
شعرت "مريم" بنغزات الدموع كالشوك فى عينيها .. أكملت "سارة" :
- سمعناه وهو بيترجاها متسيبوش وتفضل جمبه .. وعدها انه هيركب رجل صناعيه ويمشى بيها زى الأول .. بس هى كانت مصرة على الطلاق
لم تعد "مريم" تحتمل حبس دموعها أكثر فانهمرت منها رغماً عنها وارتجف جسدها بقوة .. أكملت "سارة" بحزن وهى شاردة كأنها ترى شريط ذكريات أمام عينينها :
- فى ساعتها رمى عليها اليمين وطلقها .. اتعذب أوى .. واتألم أوى .. واتغير أوى .. خاصة لما عرف انها اتجوزت .. كان يوم صعب أوى بالنسبة له .. كنا حسين انه بيموت أدامنا واحنا مش قادرين نعمله حاجه .. بعد الموضوع ده بسنتين فكر انه يرتبط تانى .. كان فى بنت بتشتغل عنده فى الشركة أعجب بيها .. وكلمها انه هيتقدملها .. البنت وافقت وكانت مبسوطة .. ولما راحلها البيت عرفها بموضوع رجله
نظرت اليها "مريم" بإمعان .. فقالت "سارة" بحزن :
- لما عرفت رفضته
شعرت "مريم" وكأنها طعنت فى قلبها مرة أخرى .. أكملت "سارة" :
- من ساعتها رفض الارتباط تماما .. وكان بيرفض أى عروسة ماما بتجيبهاله
ثم نظرت الى "مريم" مبتسمه وقالت :
- لحد ما قابلك انتى يا "مريم" .. متتصوريش فرحنا أد ايه بجواز "مراد" وفرحنا اكتر لما عيشتى معانا وعرفناكى وحبيناكى
ثم قالت :
- كنت خايفة "مراد" يفضل لوحده وميتجوزش تانى .. بس هو برده معذور كان خايف انه يتعرض للرفض مرة تانية أو انه يرتبط بواحده يحس انها حسه نحيته بالشفقة
التفتت الى "مريم" قائله بحزن :
- تعرفى انه مش بيرضى أبداً يخلى اى حد مننا يشوفه من غير رجله الصناعية .. حتى ماما مبيرضاش يخليها تشوفه كده
كان كل تفكير "مريم" منحصر فى "مراد" وفى الألم الذى لاقاه .. كم عانى فى حياته .. كيف استطاعت زوجته السابقة أن تتخلى عنه وتتركه بمفرده يعانى وسط آلامه .. كيف تركت يده فى منتصف الطريق .. كيف تخلت عنه وهو فى أمس الحاجة اليها .. هذه تعد خيانـــة .. بل أشد أنواع الخيانة .. شعرت "مريم" بغضب شديد تجاهها .. وبألم شديد تجاهه .. طرقت "نرمين" الباب لتخبرهم بأنه تم الانتهاء من اعداد الفطور .. دخلت "مريم" غرفة "مراد" لتجده غير موجود بها .. نظرت الى الأريكة بأسى .. دخلت وغسلت وجهها وبدلت ملابسها ونزلت للأسفل
كان "مراد" جالساً فى مكانه على رأس الطاولة .. خفق قلبها لرؤيته .. دون وعى منها نظرت وهى تدخل الغرفة الى ساقه التى تبدو وكأنها ساق طبيعيه .. شعرت بوغزات الدموع فى عينيها مرة أخرج لكنها حاولت التماسك .. جلست تنظر اليهم وهما يتحدثون ويمزحون دون أن تشاركهم الحديث .. كانت كل مشاعرها وحواسها موجهه الى الرجل الجالس بجوارها والذى لا تستطيع النظر اليه حتى لا يرى الألم الذى تنطق به عينيها .. كان "مراد" يتابعها وهى تحرك الطعام أمامها وتتظاهر بالأكل دون أن تأكل بالفعل .. كان يتابعها بإهتمام .. استأذنت وقالت :
- انا شبعت .. هخرج أتمشى فى الجنينة شوية
قالت "ناهد" :
- ماشى يا حبيبتى
خرجت "مريم" وجلست فى مكانها المعتاد فى الحديقه نظرت الى الشجرة التى سقطت منها الحمامة .. تذكرت يوم أن قالت له بأنها أشفقت على الحمامة لأن جناحها مكسور .. أخذت تتساءل .. تُرى هل آلمه كلامها .. هل ظن أنها ستشفق عليه كإشفاقها على الحمامه ؟ .. زفرت بضيق وهى تتمنى لو لم تقل تلك الكلمات وقتها .. سمعت صوته خلفها .. تسلل الى أذنيها ليقفز قلبها فى جنون :
- "مريم"
التفتت تنظر اليه .. الى هذا الرجل الذى أحبته بكل كيانها .. نظر اليها بإمعان قائلاً :
- "مريم" فى حاجة مضايقاكى
حاولت التحدث لكن الكلمات أبت أن تخرج .. تفرس فيها وهو يقول بإهتمام :
- مالك ايه مضايقك
شعرت بحنين شديد اليه .. شعرت بأنها تريد أن تلقى بنفسها بين ذراعيه وتطيب جراحه .. تريد أن تطمئنه وأن تخبره أنها ليست كتلك النسوة اللاتى قابلهن فى حياته .. لن ترفضه أبداً .. أرادت أن تصرخ فيه لا تخف منى لن أخذلك .. لن أجرحك .. لن أؤلمك .. لن أتركك .. تعلقت عيناه بعينيها يخترق أعماق روحها قال بصوت متهدج :
- "مريم" مالك .. فى حاجة تعباكى ايه هى
حاولت التحدث مرة أخرى ففشلت .. اقتربت منه وأحاطت عنقه بذراعيها وتركت لعبراتها العنان .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها بين ذراعيه .. أحاطها بذراعيه هو الآخر .. ضمها اليه بشدة .. وتمسك بها كالغريق الذى يتعلق بالشئ الذى يبقيه على قيد الحياة .. شعر "مراد" بقلبه يقفز فرحاً لقربه منها .. ضمها اليه يخشى مفارقتها .. شعر بالخوف مرة أخرى من ردة فعلها ان علمت بإعاقته .. شعر بأنه يخدعها .. شعر بأنه غير أمين معها .. استدرج عواطفها وهى لا تعلم شيئاً عن ظروفه .. أخذ يلوم نفسه قائلاً .. هذه ليست رجولة يا "مراد" .. أبعدها عنه .. وهو لا يتمنى غير قربها منه .. أرغم نفسه على أن يمسك بذراعيها ليفك الطوق الذى كونته حول رقبته .. ابعدها عنه برفق .. لم تغضب "مريم" .. فهى تعلم لماذا فعل ذلك .. تعلم لماذا أبعدها عنه .. أصبحت تفهم تماماً نظراته وكلام عينيه الغير مسموع .. ابتعدت .. أرادت أن تترك له فرصته .. فى أن يستعد لمواجهتها .. كما أخذت هى فرصتها فى الإستعداد لمواجهته .. ابتسمت له .. أخذ ينظر اليها يحاول أن يفهم ما تفكر فيه وما تشعر به .. كانت لغة العيون هى اللغة السائدة بينهما .. والتى تهيمن على باقى اللغات .. بدا وكأنه هدأ .. وكأن نفسه قد طابت .. وظهرت الراحه على محياه .. وابتسم .. كيف لها أن تفعل ذلك ؟ .. كيف تستطيع أن تهدئ من روعه بنظرة واحدة .. بإبتسامه واحدة .. شعر بأنها دواءه .. وفيها أسباب شفاءه .. قالت "مريم" وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها :
- نفسى فى درة مشوى على الفحم
نظر اليها "مراد" بدهشة للحظة ثم انفجر ضاحكا وهو يقول :
- أفندم .. درة مشوى على الفحم
قالت بمرح طفولى :
- أيوة درة مشوى على الفحم ايه متعرفوش
ابتسمت عيناه قبل شفتاه وهو يقول بدهشة :
- لا أعرفه .. بس ايه اللى فكرك بيه دلوقتى
هتفت بمرح :
- نفسي فيه أوى
قال وقد اتسعت ابتسامته :
- طيب أجيبهولك منين دلوقتى
قالت بتحدى :
- اتصرف مش انت الراجل .. اتصرف مليش دعوة عايزة آكل درة
نظر اليها قليلا ثم اقترب منها ونظر الى يدها وأمسكها فى يده قائلاً وهو ينظر اليها بمرح :
- طيب عندى فكرة .. ايه رأيك نهرب فى الخباثه ونروح نشوفلنا أى حد بيبيع دره
قالت هامسه :
- موافقه .. يلا بسرعة قبل ما حد يشوفنا
على الكورنيش جلسا متجاورين .. ابتسم وهو ينظر اليها وهى تأخذ حبة فحبة من الدرة وتضعها فى فمها .. التفتت اليه وابتسمت بخجل قائله :
- ايه ؟
ضحك قائلاً :
- لما بشوفك بتاكلى بحس ان عصفورة بتاكل
قالت بمرح ودلال :
- كويس معنى كدة انى رقيقه
ابتسم لها .. لمح شيئاً على زاوية فمها فأزاله بإصبعه .. نظرت اليه مبتسمه بخجل .. تعلقت عيناه بها مبتسماً .. وقال هامساً :
- تعرفى انك بتحسسيني بحاجات كتير مختلفه .. كل شوية أحسن انك واحدة شكل
قالت بإستغراب :
- ازاى يعني ؟
قال شارداً :
- ساعات بحس انك عاقلة أوى وتقيلة اوى .. وساعات بحس انك عصبيه أوى ونرفوزه .. وساعات بحس انك حنينه أوى ورقيقة أوى .. وساعات بحس انك طفلة أوى
نظر اليها قائلاً بمرح :
- اعترفى انتى مين فى دول ؟
ابتسمت قائله بمرح :
- أنا كل دول فى بعض .. كولكشن يعني
رفع حاجبيه قائلاًً بتحدى :
- بس انتى النهاردة مختلفة .. أول مرة أشوفك مرحة كدة
قالت "مريم" بعتاب :
- قصدك انى كئيبة يعني ؟
قال "مراد" مبتسماً :
- لا طبعا مش قصدى كدة .. بس انتى جادة على طول .. واول مرة أشوفك طفوليه كده .. وشقية كدة .. يا ترى ايه سبب التغيير ده
قالت "مريم" بشئ من الحزن :
- ده مش تغيير ..تقدر تقول ان ده عودة لطبيعتى .. اللى شوفته فى حياتى هو اللى خلانى جادة أوى وكئيبة أوى .. بس أنا مكنتش كده زمان .. لما بابا وماما واختى اللهم يرحمهم كانوا عايشين
شعر "مراد" بالأسى تجاهها وقال :
- ربنا يرحمهم
صمت قليلاً ثم قال :
- يعني انتى بدأتى تحسي انك رجعتى لطبيعتك تانى
قالت :
- أيوة
نظر اليها قائلاً :
- ليه .. ايه اللى رجعك لطبيعتك دى تانى ونساكى اللى شوفتيه فى حياتك ؟
صمتت وهى تنظر اليه .. لمحه نظرة فى عينيها أذابت قلبه داخل صدره .. قالت هامسه :
- انت .. وجودك فى حياتى خلانى أنسى كل الظروف الصعبة اللى مريت بيها
خفق قلب "مراد" وهو يستمع الى كلماتها .. أشاح بوجهه عنها ونظر أمامه .. بدا عليه التفكر .. ثم عاد ينظر اليها مرة أخرى قائلاً بصوت مضطرب :
- يلا نروح عشان منتأخرش
لم تعترض "مريم" .. فهى تعلم أن صراعاً كبيراً يدور بداخله .. تفهمه وتتفهمه جيداً
************************************************** ***
كان حفل خطوبة "نرمين" بسيطاً بين أفراد العائلتين فقط فى الفيلا .. كانت "نرمين" تشعر بالسعادة بإرتباطها بـ "أحمد" ابن خالتها والذى تعرف عنه حسن الخلق والتدين .. قدمت له أمه علبه الشبكة فقال لها مبتسماً :
- لبسيها انتى يا ماما
ابتسمت أمه وهى تلبس ابنة أختها الشبكة وتعالت الزغاريد فى البيت .. كانت سعادة "أحمد" كبيرة وقد تمت خطبته على أحب انسانه الى قلبه .. كم قضى سنين طوال يتمناها زوجة له .. لكنه لم يجرؤ يوماً عن الإفصاح عن هذا الحب احتراماً لثقة أخيها فيه .. وخوفاً من فعل شئ يغضب الله عز وجل فيذهب ببركة زيجتهما .. فرح "أحمد" أكثر عندما وافق "مراد" و "ناهد" على الخطوبة السريعة والتى استغرقت أيام قلائل .. اتفقوا على أن يكون الزفاف فى نهاية العام الدراسى ..
بعد انتهاء الإحتفال بالثنائى اجتمعت الفتيات فى غرفة "نرمين" أخذن ينعمن بالحديث والمزاح ..
شعرت "زهرة" بالنوم فدثرها "مراد" وبقى بجوارها الى أن نامت .. ثم توجه الى غرفة "نرمين" فرآى ثلاثتهن معاً فابتسم قائلاً :
- شكلكوا وانتوا متجمعين مع بعض كده مش مريحنى
ضحكت الثلاث فتيات وقالت "نرمين" ضاحكه :
- ليه بأه يا أبيه هنكون بنتفق يعني على سرقة بنك
التفت الى "مريم" قائلاً :
- مش هتنامى
همت بأن تجيبه لكن "نرمين" قالت :
- لا مش هتنام دلوقتى يا أبيه ..احنا عمالين نرغى ونلوك لوك سيبها تلوك معانا .. وبعدين احنا سهرتنا النهارده للصبح
اتسمعت ابتسامته قائلا ً:
- ماشى لوك لوك براحتكوا
انصرف "مراد" عائداً الى غرفته .. جلس على الأريكة ورفع طرف بنطاله وأزاح الساق الصناعيه قليلاً مستغلاً عدم وجود "مريم" فى الغرفة
بحثت "مريم" عن هاتفها فلم تجده .. قالت لـ "نرمين" :
- مش لاقياه رنى عليا كده
اتصلت بها "نرمين" وقالت :
- بيرن .. شكلك نسيتيه تحت
قالت "مريم" :
- لا أنا طلعت بيه .. شكلى نسيته فى الأوضة .. هروح أجيبه وأرجعلكوا
قالت "سارة" :
- ماشى مستنيينك بس اوعى تتأخرى
توجهت الى غرفة "مراد" الذى سمع صوت هاتفها الموضوع على الكمودينو .. هم "مراد" بأن يرتدى ساقه الصناعية مرة أخرى ليذهب اليها ويعطيها هاتفها .. كانت "مريم" معتاده على طرق الباب لكنها لم تطرقه هذه المرة لظنها بأنه عاد الى غرفة "زهرة" بعدما تحدث معهن .. فتحت الباب ودخلت ليتسمر كلاهما فى مكانه .. شعر كل منهما برجفه تسرى فى جسده .. وكأن ماساً كهربائياً أصابهما معاً .. لم يكن "مراد" قد ارتدى ساقه الصناعيه بعد .. تطلع كل منهما الى عين الآخر .. وكل منهما يحبس أنفاسه .. كانت صدمة "مراد" كبيرة .. أرادها أن تعرف لكن ليس بتلك الطريقة .. ليس فجأة .. أراد أن يمهد لها .. ويشرح لها .. لا أن ترى الفراغ فى ساقه .. لا أن ترى أعاقته ونقصه التى يخفيها عن أعين الجميع .. أرادها أن تعرف لكنه لم يريدها أن ترى .. ظل حابساً أنفاسه مطولاً وهو متجمد فى مكانه من الصدمة .. كانت "مريم" تشعر بما يشعر به فى تلك اللحظة .. تعلم أنه كره دخولها عليه الآن .. وكره أن تراه هكذا .. وكره أن تطلع على اعاقته بتلك الطريق .. كانت ترى فى عينيه الخوف والجزع والألم والحيرة والصدمة والتردد والقلق .. عاد "مراد" يتنفس مرة أخرى .. لا بل يلهث وكأنه يبذل مجهوداَ شاقاً .. خفض بصره ونظر أرضاً .. شعر بأنه غير مستعد لتلك اللحظة بعد .. غير مستعد لأن يخسرها .. غير مستعد لأن يرى فى عينيها نظرة يرفضها .. وتدفعه لأن يبتعد عنها ويبعدها عنه .. وقفت "مريم" فى مكانها تنظر اليه .. شعرت بالدموع التى همت بأن تتجمع فى عينيها .. لكنها منعتها قسراً .. وأوقفتها قبل أن تظهر داخل عينيها .. كانت تعلم مدى حساسية الأمر بالنسبة لـ "مراد" كانت تعلم أن كلمة واحدة أو نظرة واحدة منها من شأنها أن تنهى كل شئ بينهما .. مدت يدها وأغلقت الباب .. ووقفت مكانها .. كان "مراد" مازال ينظر أرضاً لا يجد فى نفسه الجرأة ليرى نظرات عينيها .. أو تعبيرات وجهها .. كانت "مريم" تشعر بتوتر بالغ .. خافت أن تخسره فى لحظة .. خافت أن يسئ فهم مشاعرها تجاهه فيحكم عليها بفراقه .. تقدمت منه ببطء .. كلما اقتربت خطوة ازدادت خفقات قلبه سرعة .. طال الصمت .. كان يتنظر "مراد" أن تتحدث .. أن تسأل .. أن تستفهم .. أن تعاتب .. أن تغضب .. لكن طال انتظاره .. حاول أن يرفع رأسه لينظر داخل عينيها .. لكن خوفه من خسارتها منعه .. فجأة وجدها وقد جثت على ركبتيها أمامه .. حبس أنفاسه .. نظرت "مريم" اليه وهى تسمع صوت خفقان قلبها .. وتساءلت تُرى أهذا صوت خفقان قلبي أم قلبه ؟ .. نظرت الى الساق المبتور والساق التى مازال يمسكها بيده .. نظرت الى وجهه تتمنى أن يفهم .. أن يفهم أنها لا تأبى لتلك الإعاقه .. وأنها لا تعنى لها شيئاً .. مدت يديها وأمسكت منه الساق الصناعيه .. شعرت برجفة جسده وانتفاضته .. سمعت صوت تنفسه رأت ارتعاشة يده .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها جاثيه على ركبتيها تحت أقدامه تمسك بساقه الصناعية .. وأخيراً رفع رأسه لينظر اليها عندما بدأت فى محاولة تثبيتها فى ساقه المبتور .. أخذ يتأمل وجهها وعينيها التى كانت مثبته على الساق .. كان يلهث بشدة وقد ازداد اضطرابه .. لا يعلم كيف سمح لها بأن تفعل .. وبأن تكون قريبه منه هكذا وبأن تراه هكذا .. انتهت "مريم" من مهمتها التى استغرقت بعض الوقت لجهلها بطريقة تركيبها الصحيحة .. الى أن نجحت فى ذلك .. ثم رفعت رأسها تنظر اليه .. شعر "مراد" برجفه فى كل أوصاله وهو ينظر اليها وهى قريبة منه الى هذا الحد جاثيه على ركبتيها تحت قدميه .. بحث فى عينيها عن نظرة نفور ورفض فلم يجد .. بحث عن نظرة شفقه وعطف فلم يجد .. لم يجد الا نظرة حب وشوق وابتسامه صغيرة ترتسم على محياها وهى تتطلع اليه .. أخيراً وجد فى نفسه القدرة على الكلام .. قال بصوت مبحوح :
- عرفتى امتى ؟
قالت "مريم" بهدوء وهى تنظر اليه :
- من كام يوم
قال "مراد" بجمود :
- مين اللى قالك ؟
قالت بهدوء :
- محدش قالى .. بس وانت نايم خدت بالى
نظر اليها "مراد" بغضب وقال بحده :
- وليه ما قولتليش انك عارفه
قالت "مريم" مبتسمه :
- لان الموضوع مش فارق معايا أصلاً
سمع "مراد" كلماتها فهب واقفاً .. وقفت فى مواجهته هى الأخرى .. كان عصبياً للغاية .. وكأنه فاق من صدمته للتو وبدا يعي ما حدث .. قال بصرامة :
- يعني ايه مش فارق معاكى ؟
توترت "مريم" وقالت بهدوء ونظرة رجاء فى عينيها :
- يعني مش فارق معايا .. اللى شوفته دلوقتى لا قلل ولا زود حاجه جوايا .. أكنى مشفتش حاجة
صاح بعصبيه وهو يلهث بشدة :
- أيوة ابتدينا تمثيل .. عايزة تفهمينى يعني انك مفيش مشاكل عندك انك ترتبط بواحد رجله مبتوره .. وان زيه زى أى راجل تانى
قالت بهدوء وقد بدأت الدموع تتجمع فى عينيها :
- أيوة مفيش مشاكل عندى
صاح بحده :
- أنا بأه عندى مشاكل .. مش عايز أرتبط بواحده فى يوم من الأيام تقولى أصلك معاق .. ولا واحدة بترد الجميل اللى عملته معاها بإنها توافق تتجوزنى
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا لا دى ولا دى
صمت "مراد" وهو يشعر بتوتر كبير بداخله .. قال وكأنه يقنع نفسه قبل أن يقنعها :
- انتى من حقك تختارى الراجل اللى انتى عايزاه .. مش حاجة مفروضه عليكي .. واحنا المرتين اللى تجوزنا فيهم كان الجواز منى مفروض عليكي
صمت وهو يشعر بألم فى قلبه وقال بصوت متقطع :
- انتى مش مجبره انك تعيشي معايا .. ولا مجبره ترديلى أى جميل .. بكرة ان شاء الله ..........
قاطعته قائله بمراره والدموع تتساقط من عينيها :
- بكرة ايه ؟ .. هتطلقنى تانى ؟
نظر اليها يرقب الألم فى عينيها والدموع التى تبلل وجهها .. خفق قلبه لمرآى دموعها .. قالت "مريم" بصوت باكى :
- عايز تسيبنى لوحدى تانى .. وتبعد عنى تانى .. وتحرمنى منك تانى
ثم قالت :
- لو كررتها تانى مش هسامحك أبداً يا "مراد"
اقترب منها "مراد" ووجه ينطق بالألم أخذ يمسح العبرات على وجهها بأطراف أصابعه وهو يقول بصوت مضطرب :
- "مريم" بطلى عياط لو سمحتى
قالت بعتاب وهى مازالت تبكى :
- انت اللى بتخليني أعيط .. انتى اللى عايز تألمنى .. ليه يا "مراد" بتعمل فيا كده
شعرت برعشة كفيه وهما يحتويان وجهها يقول بحنان جارف :
- انا مستحيل أألمك .. انتى متتصوريش دموعك بتعمل فيا ايه .. أكنها سكاكين بتقطع فى قلبي
ثم قال بألم :
- أرجوكى بطلى عياط
توقفت عن البكاء وقد هدأت قليلاً .. قال لها "مراد" وهو ينظر الى عينيها بعمق :
- مش عايزك تندمى أبداً انك اخترتيني .. مش عايزك أبداً تحسي انك كان ممكن تتجوزى واحد أحسن منى .. مش عايزك تحسي أبدا انك اتظلمتى معايا
قالت "مريم" بثقه وهى تحتضن بيدها كفيه اللتان يضعهما على وجهها :
- أبداً .. عمرى ما هندم أبداُ
قال "مراد" بشك :
- واثقة يا "مريم"
ابتسمت قائله :
- أيوة واثقة
مسح العبرات التى مازالت عالقة على وجهها وقال لها بحنان :
- مش عايزك تعيطى تانى .. اتفقنا
أومأت برأسها وهى تنظر اليه بسعادة .. ارتسمت ابتسامه عذبه على شفتي "مراد" وهو يتطلع اليها .. أحاطها بذراعيه معانقاً اياها بقوة .. شعرت "مريم" بين ذراعيه كما تشعر معه دائماً .. بالأمان .. أغمضت عينيها وأخذت تتمسح بوجهها فى صدره كالقطه .. أبعدها "مراد" عنه لينظر فى عينيها بحب قائلاً بصدق شديد :
- بحبك يا "مريم"
شعرت بقلبها يرقص فرحاً .. وشعرت بالدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. فقال محذرا :
- قولتلك مفيش عياط تانى
أومأت برأسها وهى تتعلق بعينيه وتبتسم بسعادة .. تأمل "مراد" نظرة الحب فى عينيها والابتسامه التى تفصح عن سعادتها بقربه .. اطمئن قلبه وشعر بأنه أخيراً وجد لقلبه ساكن .. ساكن أمين .. انحنى يقلبها بحب وشوق .. ويدخلها الى عالمه الخاص
استيقظت "مريم" بسعادة .. نظرت الى ضوء الصباح المتسلل من النافذة وهى تشعر بأن هذا الصباح مختلف .. ليس كأى صباح مر عليها من قبل .. التفتت لتنظر الى "مراد" النائم بجوارها .. وكأنه شعر بنظراتها .. فتح عينيه ببطء .. وتطلع الى وجهها الذى يعشقه .. ابتسم بسعادة قائلاً :
- ايه ده القمر والشمس طالعين مع بعض فى وقت واحد
ضحكت بخجل .. مسح على رأسها بيده مقبلاً اياه .. اعتدلت فى الفراش بخجل وهى تنظر الى الساعة هاتفه :
- ايه ده احنا اتأخرنا أوى عليهم
قال "مراد" وهو ينهض هو الآخر :
- أصلاً المفروض عندى معاد مع "طارق" دلوقتى .. قالت "مريم" :
- وأنا كمان المفروض أقابل "مى"
مسح "مراد" بأصابعه على وجنتها قائلاً :
- خدى العربية معاكى .. لولا انكوا بنتين مع بعض كنت روحت معاكى
ضحكت قائله :
- لا طبعاً مش هينفع تيجي
قال "مراد" بقلق وهو يتطلع اليها :
- موبايلك معاكى لو حصل أى حاجه كلميني وخليكوا فى الأماكن اللى حددتيها وقولتييلى عليها امبارح .. متروحوش فى مكان تانى الا لما تعرفيني
ابتسمت قائله :
- حاضر
ابتسم وهو يتطلع اليها بحب قائلاً :
- يا مطيع انت
ضحكت بخجل .. رن هاتفه فنظر اليه قائلاً :
- "طارق" .. أكيد بيستعجلنى .. أصلنا رايحين شركة حراسة عشان أختار السيكيوريتي اللى هحطهم على بوابة الفيلا
أنزل "مراد" قدميه وأخذ الساق الصناعية بجوار الفراش ليرتديها .. أسرعت "مريم" بالنهوض من الفراش والتفت حوله وجثت على ركبتيها أمامه كما فعلت بالأمس .. خفق قلب "مراد" بشده وهو يراها تلبسه اياها وأخذ يداعب شعرها ووجنتها فى حنان .. انتهت فنظرت اليه قائله بمرح :
- بقيت شطورة وبعرف أركبها بسرعة
نظر الى وجهها وعينيها يستشعر صدق سعادتها وفرحتها .. أمسك يديها يجذبها الى حضنه معانقاً اياها بشدة .. قال هامساً :
- ربنا يخليكي ليا يا أحلى حاجة فى حياتى
شعرت "مريم" بالسعادة لكلماته .. نظر اليها قائلاً بخبث :
- بقولك ايه متخلى "مى" تروح مع مامتها النهاردة
ابتسمت بخجل قائله :
- طيب و "طارق"
قال مبتسماً بخبث :
- هو صغير يعني ميروح لوحده
نظرا فى أعين بعضهما بسعادة .. وكل منهما يشعر بأنه وجد فى الآخر ما كان ينقصه .. "مريم" وجدت فيه الآمان الذى افتقدته .. و"مراد" وجد فيها الحنان الذى افتقده .. فشعر كل منهما أنه يكمل الآخــر
فى المساء اجتمع "سامر" و "حامد" معاً فى منزله ومعهما فتاتان ولم يخلو الأمر من الخمر لتكتمل سهرتهما .. وتعالت أصوات الموسيقى لتتمايل الفتاتان بالرقص الخليع .. كانت سهرة ككل السهرات التى تجمعهما .. فالطيور على اشكالها تقع .. ولم يكن "سامر" الا وجه فى عملة "حامد" .. انتهت السهرة ليخرج "سامر" بصحبة صديقته التى لم يحتج الى ورقة زواج عرفى ليأخذ منها ما يريد .. بل كانت ممن تستبيح عرضها لكائن من كان .. بإسم الحب أو المتعة أو الصحوبية .. فلا فرق بين المسميات ان كانت الغاية واحدة .. عاد "سامر" الى بيته ورأسه يدور من الخمر الذى شربه طيلة الليل .. دخل الى المصعد واحتاج وقتاً لا بأس به فقط ليضغط على زر طابقه .. خرج من المصعد وهو يتطوح أخرج مفاتيحه ليحاول دخول شقته .. وقف مطولاً يعجز عن وضع المفتاح فى مكانه بالباب .. فجأة وجد من يدفعه دفعاً الى الجدار .. التفت بحده ليجد والدته تصرخ فيه قائله :
- انت السبب انت اللى نجست بيتنا ونجست حياتنا .. انت السبب
نظر اليها "سامر" بدهشة محاولا استيعاب ما تقول .. أخذت أمه تضرب صدره بقوه وتصرخ قائله :
- اطلع بره بيتي مش عايزة أشوفك فى بيتى تانى وبكرة هكلم المحامى يسحب منك التوكيل بتاع ادارة الشركة
بدأ "سامر" يفيق بعدما سمع كلماتها فصاح قائلاً :
- هو ايه ده .. ايه اللى اطلع بره وهسحب منك التوكيل .. هو يمزاجك
لطمته على وجهه قائله :
- أيوة بمزاجى بمزاجى يا تييييييييييييييييييت
دفعها "سامر" يديه وصاح بغضب :
- انتى في ايه .. مالك طايحه فيا كده
قالت أمه وهى تصرخ بغضب :
- أختك اغتصبوها يا "سامر"
نزل الخبر على رأس "سامر" كالصاعقه وقال :
- ايه .. بتقولى ايه
صرخت أمه بعنف قائله :
- كما تدين تدان يا "سامر" كنت مستنى ربنا يحفظ اختك ازاى وانت مضيع بنات الناس .. كنت مستنى ايه غير كده
دفعها "سامر" بقوة وصاح بغضب هادر :
- بنتك تستاهل أكتر من كدة .. ممشياها بلبس متلبسوش واحدة محترمة .. ماشية تعرض جسمها على كل الرجالة اللى ماشية فى شارع .. ده أنا كان صحابي بيعاكسوها أدامى وبيقولوا عليها كلام زى الزفت وكنت بستعر أقولهم انها اختى .. كان لازم يحصلها كده
أخذت أمه تبكى بحرقه وتقول :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا انتوا الاتنين .. ربنا ينتقم منكوا انتوا الاتنين
صاح بقسوة قبل أن يغادر :
- وفيكي انتى كمان لانك معرفتيش تربي
فى اليوم التالى .. كان "مراد" جالسا فى مكتبه بالبيت يطالع أحد الملفات عندما طرقت "مريم" الباب ودخلت بهدوء مبتسمه .. تقدمت من المكتب ووضعت عليه صنية الشاى والكيك التى تحملها .. امسك يدها وقبلها وابتسم لها قائلاً :
- تسلم ايدك يا حبيبتى
قالت مبتسمه بخجل :
- دوقه وقولى رأيك بصراحه أنا اللى عملاه
قبل يدها مرة أخرى ونظر اليها قائلاً بحب :
- طالما انتى اللى عملاه يبقى أكيد هيعجبنى
فتح "مراد" الخزينه بجواره وأخرج منها علبة قطيفة صغيرة .. فتحها وأخرج منها دبلة ذهبية وأخرى فضية .. نظرت "مريم" اليهما بخجل وسعادة .. أمسك يدها اليسرى ونزع منها الدبلة التى تزينه وألبسها الدبلة التى تحمل اسمه .. أخذت "مريم" الدبلة الفضية التى تحمل اسمها وألبسته اياها .. وكلاهما ينظر الى الآخر بسعادة
حانت منها التفاته الى الملف الموضوع على المكتب أمامه لمحت صور دماء ورجل ملقى على الأرض قالت بدهشه :
- ايه ده يا "مراد"
نظر "مراد" الى الملف والصور قائلاً :
- ده ملف جريمة القتل اللى كانت حصلت فى الصعيد .. لقيته فى أوراق بابا اللى كانت فى الخزنة
أمسكت "مريم" الصور لتطلع اليها فأخذها منها "مراد" بسرعة قائلاً :
- لا متشوفيهاش .. مصورين الجثة على الأرض هيتعبك المنظر ده
قالت "مريم" :
- طيب عايزة أشوف الصورة اللى كان مكتوب فيها بالدم
بحث "مراد" فى الصور الى أن أخرج الصورة وأراها اياها .. مسكتها "مريم" تتأملها .. فقال "مراد" وهو يمسك احدى الأوراق بيده :
- تقرير الطبيب الشرعى بيقول ان الرصاصة اخترقت قلبه ومات .. وكمان الحرق اللى كان مكان الرصاصة على صدره معناه ان الرصاصة اضربت من مكان قريب جداً
نظرت اليه "مريم" قائله :
- يعني ايه؟
قال "مراد" بإستغراب :
- يعني اللى ضرب عليه النار كان واقف قريب منه جداً .. التقرير بيقول أقل من متر .. ودى حاجة غريبة جدا
قالت "مريم" بإستغراب :
- ليه غريبة ؟
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- لأن كان فى مشاكل بين بابايا وباباكى و ابن "حسن المنفلوطى" .. والمشاكل دى كانت بتوصل لرفع السلاح .. دلوقتى ايه اللى يخلى ابن "حسن" يآمن انه يقف قريب أوى من واحد المفروض انه عدوه .. مخفش يقتله ؟ .. ازاى يقف ادامه والمسافة بنيهم أقل من متر من غير ما يخاف ؟
قالت "مريم" وهى تزم شفتيها :
- مش عارفه .. طيب السلاح اللى اتضرب بيه لقوه ولا لاء ؟
قال "مراد" بإستغراب :
- مش هتصدقى .. السلاح كان جمب الجثة واللى أغرب من كده ان السلاح كان مرخص بإسم القتيل
قالت "مريم" بدهشة :
- وبابايا أو باباك ايه اللى هيوصلهم لسلاح القتيل ؟
قال "مراد" شارداً :
- يمكن كان القتيل عايز يتهجم على "خيري" اى ان كان بابايا ولا باباكى .. و"خيري" خده منه ودافع عن نفسه وضرب عليه النار .. وعشان كده النار اضربت من المسافة الصغيرة دى
قالت "مريم" بحماس :
- أيوة صح أكيد هو ده اللى حصل لأن انت بتقول ان باباك مستحيل يقتل وأنا كمان بقول نفس الكلام عن بابا .. يبأه القتل كان دفاع عن النفس
قال "مراد" بحيرة :
- مش عارف برده حاسس ان فى حاجه غلط .. لو هو قتل دفاع عن النفس ايه يخلى "خيري" اللى قتل ينكر ده ؟ .. السلاح اللى اضرب منه النار سلاح القتيل .. وده كافى انه يثبت ان القتيل هو اللى اتهجم عليه وهو اضطر ياخد منه السلام يضرب عليه النار عشان يدافع عن نفسه .. ايه اللى يخليه ينكر انه ضرب عليه اصلا ؟
سألته "مريم" قائله :
- طيب مش يمكن فعلا اللى قتله واحد تانى غير بابا وباباك .. والكلمة اللى تكتبت بالدم القاتل هو اللى كتبها
قال "مراد" وهو ينظر الى الأوراق :
- تقرير المعمل الجنائي بيقول ان البصمات الى على الكلمة اللى اتكتبت هى بصمات القتيل نفسه .. يعني هو اللى كتبها بنفسه
قالت "مريم" وهى تمعن النظر الى الصورة وتقربها من "مراد" :
- "مراد" انت مش شايف حاجة غريبة هنا ؟
أخذ "مراد" الصورة منها ونظر اليها قائلاً :
- لأ مش واخد بالى
قالت "مريم" بحماس :
- اسم "خيري" مكتوب بطريقة غريبة
تأمل "مراد" الصورة جيداً ورفع حاجبيه دهشة وقال :
- فعلاً مكتوب بطريقة غريبة
قالت "مريم" بإستغراب :
- لو كان القتيل هو اللى كتب اسم "خيري" ايه اللى يخليه يكتبه بالطريقة دى .. ولو كان القاتل هو اللى كتبها واستخدم فيها صوابع القتيل عشان تظهر بصماته برده ايه اللى يخليه يكتبها بالطريقة الغريبة دى
فجأة قفزت فى رأس "مراد" فكرة .. أخذ يقلب بين الأوراق التى أمامه بلهفه شديده .. قالت "مريم" بإهتمام
- في ايه يا "مراد" .. اكتشفت حاجة ؟
أخرج "مراد" احدى الورقات ونظر اليها لتتسع ابتسامته لتملأ وجهه كله .. قالت "مريم" بلهفه شديدة :
- "مراد" قولى
نظر اليها "مراد" قائلاً بسعادة وثقه :
- لا بابايا ولا باباكى اللى قتل
اتسعت عينا "مريم" لتنظر اليه قائله بلهفه :
- بجد انت متأكد ؟
حضن وجهها بين كفيه وقال بسعادة :
- أيوة متأكد يا حبيبتى
قالت بلهفه :
- عرفت ازاى يا "مراد" ؟
أمسك الورقة التى كانت فى يده منذ قليل ووضعها أمامها ووضع اصبعه على احدى الجمل وقال مبتسماً :
- اقرى الجملة دى
قرأت "مريم" الجملة لتتسع عيناها دهشة وهتفت قائله :
- مش ممكن .. معقول ده
قال "مراد" وهو ينظر الى الورقة :
- مراته اللى قتلته
قالت "مريم" وهى تعاود النظر الى الصورة :
- كان عايز يكتب "خيريه" مش "خيري" بس مات قبل ما يكملها .. ملحقش يكتب الحرف الأخير
أخرج "مراد" هاتفه فقالت "مريم" بإهتمام :
- هتعمل ايه
قال :
- هتصل بعمى أشوف يعرف ايه عن "خيريه" دى
تحدث "مراد" مع عمه "سباعى" قرابة النصف ساعة .. ثم أنهى المكالمة .. قالت "مريم" بحزن :
- ربنا يرحمها ويغرفلها بأه .. ماتت وسابت العيلتين كل واحد فيهم شاكك فى التانى
تنهد "مراد" بأسى قائلاً :
- بسببها بابا اضطر يسيب بلده وأهله
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- وباباكى كمان اتحرم من بلده وأهله
قالت "مريم" بحزن :
- خلاص يا "مراد" اللى فات مات .. مش هيفيد بحاجه نتحسر عليه دلوقتى .. وبعدين لو مكنش ده كله حصل يمكن مكناش أنا وانت بقينا لبعض
اقترب منها معانقاً اياها وهو يقول بحنان :
- الحمد لله
تم زفاف "طارق" و "مى" فى قاعتين منفصلتين .. حضر الجميع داعيين لهما بالبركة وأن يجمع الله بينهما فى خير .. اقتربت "مريم" من العروس قائله :
- حبيبة قلبي طالعه زى القمر
ابتسمت "مى" قائله :
- بجد يا "مريم"
عانقتها "مريم" قائله :
- طبعاً بجد .. حبيبتى ربنا يوفقك فى حياتك ويباركلك فيها
شدت "مى" على أيدي "مريم" وهى تقول بسعادة :
- وانتى كمان يا "مريم" ربنا يسعدك دايماً
التفتت "مريم" لتنظر الى "سارة" الجالسه على احدى
يتبع