اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم شيماء الجندي


الفصل الخامس والعشرون " ماضي ! "

جلست "سديم" بجانب "نيرة" التي لم تكف عن التحديق بـ"نائل" بنظرات مصدومة مما دفعه إلى النظر إلى الجهة الأخرى حيث جلس "آسر" و "سليم" بالجهة المقابلة لهن وكانت نظراتهم تحمل الغضب والتشكيك بـقرابته وحدها "سديم" التي كانت نظراتها هادئة و ودودة إلى حد ما أو هكذا ظن !!!

رفع يده يعبث بخصلاته الخلفية ثم استقام فجأة من مقعده و توجه إلى المقعد الملتصق بـأريكة الفتيات من جهة "سديم" يجلس فوقه و هو يقول هامسًا ببسمة مهتزة وصوت خفيض يخرج من بين أسنانه موجهًا حديثه إليها و نظراته تتوزع بينها و بين "آسر" الذي أصبحت جلسته متحفزة تحمل الرفض القاطع لتودده المبالغ به :

- ممكن أفهم جيباني هنا ليه مش شايفة أسدين قصر النيل بيبصوا عليا إزاي دا غير أختك فاقدة النطق دي ، معرفتش تقولي ليك وحشة يا ابن خالتي حتى بلاش تتكلم تهز راسها وهفهم إنها مرحبة بيا ؟

سارت بعينيها فوق ملامح أوجه الحاضرين ثم أردفت بإتزان بعد أن عادت بنظراتها إليه :

- معلش نيرة متعرفش عنك ، لكن أنا بابا حكالي عنك وعن مامتك قبل كدا عشان كدا عرفتك بالاسم شوية وهتتعود عليك ، المهم قولي عرفت عنوان البيت بتاعنا منين وقابلت سامح ولا لأ ؟!

عقد حاجبيه و سألها باستنكار مرددًا كلمتها العفوية بدهشة :

- سامح دا خالنا ؟! ولا قصدك حد تاني ؟

هزت رأسها بالإيجاب و ردت باقتضاب :

- ايوا هو ..

ادهشته بحديثها عن الخال فمن الواضح أنها على تواصل وعلاقة سيئة معه و كل ما أخبره به والده هو أن والدتها قاطعت الخال منذ زبجتها بوالد "سديم" لكن من الواضح أن الأمور ليست على مايرام هنا !!! لذلك هز كتفيه بلا مبالاة و أجاب بجدية و صدق :

- لأ أنا مقابلتش أي حد غير ، كل الحكاية إني كنت مسافر و بابا هو اللي عرف الخبر و كلمني حجزت في أول طيارة و جيت عليكم حتى مروحتش البيت ! العنوان بقا بابا بعتهولي معرفش مصدره !

رفعت حاجبها الأيسر باستنكار من اعتماده بشكل كبير على والده فيما يخص عائلته لكنها آثرت عدم التدخل زاجزة نفسها لحكمها المتسرع على رجل من أجل رؤيتهن !! تنفست بهدوء ثم نظرت إلى "آسر" و "سليم" و أعادت نظراتها إليه تقول بهدوء :

- طيب أنا شايفة إن الشمس خلاص هتطلع علينا لو حابب تاخد مفاتيح شقتي هي قريبة من هنا و تقعد فيها لحد مانروح مشوارنا الصبح تمام !

لم يتمكن من الرد برفض أو موافقة حيث انتفض "آسر" متسائلًا بحدة وهو يقلب نظراته بينهم ولكن كلماته توجهت ناحيتها هي بغضب شديد :

- مشوارناااا ؟!!!! هو فيه مشواير وانتوا لسه متعرفين على بعض دا طبيعي يعني وعادي عندك ؟!!

نكست رأسها و أغمضت عينيها بإنهاك وقد بدأت تشعر أنه مقيد حركتها و هذا الأمر لم يسبق لها التعامل معه ، لقد اعتادت الجراءة والحرية في التصرف دون رقيب أو حسيب و تلك الفترة تحتاج إلى تلك الحرية لتتخلص من إنهاء حربها مع الخال ليُدرك "سليم" ما يجوب بخاطرها و يقف قائلًا بتهذيب :

- آسر في حاجة مهمة لازم تعرفها تعالى دقايق برا !

غادر المكان حتى لا يمنحه فرصة الرفض و بالفعل استقام يتجه خلفه بغضب بيّن أسفل نظرات "نائل" المتوترة من تفاقم الأمور من حوله دون أسباب تُذكر وقد أخرجه من تفكيره صوت "نيرة" الرقيق تهمس بلطف حين شعرت بالخجل من الاستقبال السيئ له و رغبة بإيصال رسالة خاصة إلى "سديم" :

- معلش يانائل ، آسر بيخاف على سديم بسبب المشاكل الأخيرة !

أدركت "سديم" رغبة شقيقتها بإيضاح مشاعر زوجها وابتسمت حين أردف "نائل" بصدمة و اتسعت عينيه بذهول بحملق بها :

- ايه دااا ؟!!! هو دا صوتهااا ؟!!!! يا نهار جمال وحلاوة و رقة !!!! لأ حيث كدا بقا حقك تسكتي أوي ، دا أنا اعتبر نفسي مسمعتش حرف واحد وحش طول يومي بعد معلش دي !!! تصدقي أنا محدش في حياتي كلها معلشني المعلشة دي !! اييييه الله يمسيكِ بالخير ياسوفي كانت نسخة من الرقة دي والله !!

عقدت "سديم" حاجبيها و توقفت عن الضحك بسبب كلماته تسأله :

- ومين سوفي كمان ؟

تنهد و هز رأسه بيأس يميل تجاهها قائلًا بصوت خفيض و هو يُشير إلى "نيرة" ذات الوجه الضاحك لتقترب بجزعها العلوي كأنه سوف يطلعهن على سر بالغ الخطورة :

- متعرفوش سوفي ؟!!! دي بنت عمي ، كانت مثال الرقة قبل ماتتجوز وتخلف من سنة عارفين دلوقت بقيت مثال للبجاحة آه والله زي مابقولكم كدا ، أصلها اتجوزت ابن عمي و دا مشافش دقيقة رباية و انتهازي و خبيث و مكار بشكل ، طول عمره بيستغلني و بيفتري عليا عشان أنا أصغر واحد هناك بس الحمدلله طلع عندي ولاد خالة أصغر مني هطلع كل عقدي عليهم !!!

رفعت "سديم" حاجبها الأيسر و رمقته بنظرات حادة ليبتسم لها ببلاهة و يزدرد رمقه قائلًا بخوف :

- أو هما اللي هيطلعوا عقدهم علياا !!!

لم تتغير ملامحها بل ظلت نظراتها الغاضبة ترتكز فوقه ليردف وهو يبحث عن متعلقاته :

- احم ، قولتيلي ياسيدو شقتك فين ؟ على فكرة إحنا كمان بيتنا قريب من هنا مش بعيد بس أنا نفسب اقعد فترة كدا بعيد عن القصر الملعون !

ابتسمت بهدوء واستقامت واقفة تردف بصوت مليئ بالإرهاق :

- هدخل اجيبلك المفاتيح و هديك مفاتيح عربيتي عشان سيلت عربيتك هناك بسببي !

هز رأسه بإعجاب و أردف وهو يصفق لها قائلًا بتعظيم :

- تصدقي أنا طول عمري احترم البنت الذكية اللي بتلمحها وهي طايرة كداا عمري ماتخيلت أن قريبتي تبقا كدا ، كان زماني بدعي عليكِ أنتِ وجوزك لحد ما اوصل هناك !!

حركت رأسها بيأس وكادت تتحرك لكنه أوقفها هامسًا وهو يتلفت حوله :

- بمناسبة جوزك هو طبيعي ؟ ولا بيتغابى !!!

رفعت حاجبها و قررت إخافته لتضع يدها فوق ذراعه و تهمس بطريقة مُتلفة لأعصابه :

- على حسب أنا مثلًا من يوم ماعرفته وهو بيتخانق وبيضرب في اللي حواليه ، آخر واحد فتحله دماغه عشان قاله صوتك عالي كدا ليه !!!!

اتسعت عيني "نائل" و كتمت "نيرة" ضحكتها بصعوبة حين همس بتصديق و سألها برعب :

- فتح دماغ واحد عشان قاله صوتك عالي ؟!!!!

ضمت شفتيها و هزت رأسها بحزن مصطنع ثم ربتت فوق ذراعه و نظرت حولها تعض على شفتها السفلية وواصلت بتوتر طفيف :

- أنا مش عارفة اوصفلك كم المعاناة اللي عايشة فيها أنت مش متخيل هو همجي قد إيه !!!

ثم غادرت إلى الغرفة لإحضار المفاتيح و ارتسمت بسمة صغيرة فوق ثغرها حين رأت الخوف يطل من عينيه و نظر إلى "نيرة" يهمس لها :

- هو أنا المفروض هروح مع أختك فين بكرة عشان هي صامتة و غامضة وهتوديني في داهية !!

هزت كتفيها بجهل و همست له وهي تتثاءب متجهة إلى الداخل :

- اممم معرفش بس نصيحة مني متأخرش عليها عشان متشوفش وشها التاني بكرة !

راقب انصرافها بذهول و تلفت حوله محدثًا حاله برهبة :

- دا ايه الحظ الهباب دا أنا مش بقع غير مع المجانين بس ولا إيه !!!

عادت "سديم" إليه تحمل المفاتيح الخاصة بها و جهاز التحكم الخاص بسيارتها تمد يدها بهم إليه وهي تقول بهدوء :

- المفاتيح أهي و هبعتلك باسوورد أجهزة الإنذار في رسالة والعربية هقولهم يطلعوهالك دلوقت لحد مانجيب عربيتك بكرة !

شعر بالإمتنان من فعلتها واهتمامها بتوفير سبل راحة له رغم أنها تتعرف عليه للوهلة الأولى ، ابتسم لها هز رأسه متحركًا إلى الخارج و مغادرًا المكان على وعد بلقاء في الصباح الباكر !!!

تحركت تجاه غرفتها بخطوات متثاقلة و لم تتطلع إلى فعل شيئ سوى تبديل ملابسها سريعًا و إلقاء جسدها فوق الفراش تغمض عينيها باستسلام و رغبة واضحة بالذهاب إلى سلطان النوم دون مقاومة !!!!

دلف إلى الغرفة بعد مرور نصف ساعة من الحديث مع ابن عمه والذي اقنعه بالهدوء في التعامل مع زوجته وأن أغلب أفعالها سوف تكون نابعة من توالي الصدمات عليها و نهايتها وفاة والدتها و رغم ما تُظهره من ثبات إلا أنها من الداخل مهشمة وفي حاجة إلى احتوائه و هذا ما لمسه بالفعل طوال اليوم معها خاصة في لحظة اعترافها بما اقترفته والدتها في حقها هي والدها !!!

سارت عينيه فوق جسدها المشكوف لا يواريه سوى قطع صغيرة للغاية من قماش قميص نومها الأسود القصير ترك قدميه تقوده إلى الداخل ممررًا عينيه فوق ما ظهر منها وكأنها تُصبح أشد فتنة و بهاء في كل لحظة تمر عليها وقف بجانب الفراش يطل عليها و ماسحًا جسدها من أخمص قدميها إلى خصلاتها الحريرية التي تناثرت حولها بعفوية و ظهرت بسمة صغيرة فوق شفتيه حين عقد حاجبيها و أثنت ساقها كاشفة عن جزء أكبر من ساقيها و ما كان ينقصه سوى إغرائها العفوي له جلس على طرف الفراش بجانبها و مال فوقها يراقب ملامحها الساكنة عن كثب كأنها تجذبه إليها بمغناطيس دون شعور رفع يدها يصفف خصلاتها بأنامله بحركات لطيفة و عقله يتعمد إعادة حديثها عن ماضيها اليوم داخل أحضانه لاعنًا داخله قسوة والدتها إلى درجة استغلال ابنتها و دهس مستقبلها دون لحظة تفكير واحدة لكنها منحته إياها دون ترتيب أو شعور لقد صعنت منها محتالة لتسرق قلبه و تدفعه إلى عشق مجهول النهايات دافئ اللحظات بين أحضانها ، أخرجته من شروده حين وضعت خدها فوق الوسادة و كشفت عن نحرها المُثير لتزداد وتيرة أنفاسه ويبلل شفتيه مرتكزًا بنظراتها فوق جانب شفاهها و بلحظة واحدة اختلت مقاومته هابطًا بشفتيه فوقها يلتهمها بشغف وقد استقرت يد فوق خصرها يقبض عليه برفق و الأخرى دسها خلف عنقها يميل برأسه مستحوذًا على شفتيها ومقربًا جسدها منه إلى أن أدرك بيقظتها حين رفعت يدها ووضعتها خلف عنقه تُعلن عن رغبتها بالبقاء بين طيات هذا الدفئ و بدأت أناملها تعبث بأزرار قميصه لكنه ضيق المسافة بينما إلى حد الإلتصاق بها كأنه يخشى فرارها بين لحظة وأخرى مما دفعها إلى الهمس حين حرر شفتيها و هبط بقبلاته إلى عنقها :

- آسر إيدي !!!

لم يمنحها حريتها خاصة مع همسها بجانب أذنه بتلك الطريقة المغرية و النادرة من بين شفتيها بل رفع جسدها محيطًا خصرها بقوة و مشددًا عليها بين ذراعيه و في خلال ثانية واحدة هبط بذراع أسفل ركبتها و رفعها عن الفراش يجلس محل نومها و يضعها فوق ساقيه عابثًا بأزرار قميصه و نازعًا إياه يلقيه فوق الأرض الرخامية بجانبه وهو يهمس لها بعبث :

- متنسيش مكانه بقاا ، بحب اشوفهم عليكِ !

ابتلع ضحكاتها الناعسة بين شفتيه المبتسمة مواصلًا همسه برهبة اهتز لها عرش قلبها :

- أوعي تسيبيني ياسديم أبدًا ! أنا بحبك وعمري ماهعرف أتنفس منغيرك !!!

عقدت حاجبيها من كلماتها وابعدت رأسها عنه عنوة تفصل شفتيه عنها واضعة يديها فوق عنقه وممررة إبهاميها على ذقنه المشذبه هامسة بصوت متحشرج و ملامح منتبهه له :

- ليه بتقول كدا يا آسر ؟ مين قالك إني بفكر أسيبك !

رأت الخوف داخل مقلتيه كأنه يخشى أن يخبرها بمعرفته عن حربها الباردة مع عائلته و أنها يومًا ما سوف تمقت تلك الحالة من الشد و الجذب و تترك الجميع دون عودة ، نظراته تخبرها أنه يخشى رحيلها و يخشى أن تنزع منه الأمل بقسوة في لحظة يأس عابرة كما يخشى الآن مصارحتها وإلا زهدت ضعفه و رحلت عنه ، حروب و عبارات تتراقص داخل مقلتيه اختصرها بجملة واحدة مليئة بالألم زافرًا أنفاسه بضيق شديد :

- كأن حروبك اللي فاتت مش كفاية عشان أزود عليهم حرب عيلتي ، جايز أكون أناني وبفرض وضع عليكِ بس عمري ماهقدر أشوف وجعك وأسكت ومش هقدر أخسر راجل ضيع عمره كله عشاني أنا وأخويا ياسديم !

كلما تحدث عن امتنانه إلى والده أضرم نيران غضبها داخلها وأحرقها دون شعور والآن فقط وتحديدًا حين عقد مقارنة بينها و بين والده دفع إلى عقلها سؤال واحد فقط ! ألا وهو ما الذي يدفعني إلى المقارنة مع رجل منافق تلاعب بجميع أفراد عائلته و رسم خلفية رجل الحق والعدل والمساواة أمام أعينهم لأعوام وأعوام ؟!

نظرت إلى زوجها ووجدته يحدق بها منتظرًا إجابة شافية له خاصة أنها زرعت داخله الخوف حين سألته عن اختياره بينها و بين عائلته لكنها لم تطمنئه بتضحيتها و زفرت بضيق ووضعت رأسها فوق صدره تهمس له بحزن :

- حالنا مش مختلف كتير ياآسر أنا كمان معرضة لخسارة نيرة ، معاملة عيلتك ليا ممكن تعدي لكن ليها هي لأ مش هقدر أوعدك إني اضحي بيها!!

شعرت بتوتر أنفاسه محاولًا إخراج جملة ثابتة خالية من المخاوف حيث سألها مباشرةً :

- وأنا ياسديم تقدري تتضحي بيا عادي ؟!

ازدردت رمقها و سألته بترقب وخوف من نظرته تجاهها :

- أنت شايف إيه ياآسر ؟

آثر الصمت و استمعت إلى تنهيدته التي تحمل الألم و الأسى لتعتدل وتنظر داخل عينيه محدقة به بدهشة و رددت باستنكار :

- هو سؤالي صعب أوي كدا ؟ شايفني هضحي بمين فيكم !!!

أغمض عينيه و أردف بخشونة ونبرة يشوبها الاختناق عاجزًا عن السيطرة على شعور الخوف الملازم له :

- أنتِ دايمًا عندك استعداد تخسريني ياسديم أنا بقيت خايف اختارك و اطلع خسران كل حاجة ! حاسس إنك بتسرعي كل حاجة بينا الفترة دي عشان هتبعدي عني ! أنا خوفت أنام و أنا معاكِ في بيتك القديم عشان مقومش الأقي نفسي لوحدي وأنتِ اختفيتي !!!! أنا بتخبط ياسديم و أنتِ مش عايزة تطمنيني بكلمة واحدة حتى تفكيرك في أختك قبل كل حاجة ودا شعور جميل أوي بس أنا فين ؟ أنا رقم كام في أولوياتك ؟ أنا عندي عيلة زيك وخايف اسيبهم و امشي وراكِ مغمض أفتح عيني لوحدي ياسديم زي مانا خايف من صراحتي معاكِ دلوقت !!!!

مؤلم أن تتألم لأجل مرء لا يثق بك لقد كانت دائمة الهرب من الجميع لهذا السبب ليست محل ثقة وهو أيضًا يؤكد لها حقيقة ما قاله شقيقه في الصباح لها ، مهما فعلت تظل داخله نقطة فاصلة "سديم" محتالة !!!! هي أيضًا تحتاج إلى الثقة تحتاج إلى رجل يرى نور كامل داخلها و ليست بضعة مصابيح يخشى أن يحترق أحدهم يومًا ما ، كل ما أدركته من كلماته الصريحة أنها ليست مصدر ثقة له وفي قناعتها الخاصة الثقة هي أهم درجات العشق بل و أول درجة من درجاته لا يمكن الانتقال إلى الثانية بدون الأولى !!!

طال صمتها و طال تحديقه بها بتوتر كأن عينيه تخبرها أنه نادم أشد الندم على صدقه لكنها لا تشعر الآن سوى بوخزات الألم من ماضيها الذي يلاحقها داخل أحضانه أيضًا كأن حقها بحياة سوية ينتهك أمام عينيها من جميع الأشخاص حتى هو أيضًا يعشق سديم الحالية و يخشى غدر سديم الماضية !!!!

بللت شفتيها و همست بهدوء ظاهري وهي تتقهقر إلى الخلف متخذة النصف الآخر من الفراش مضجعًا لها :

- لا متخافش من صراحتك أنا محتاجة أنام ياآسر تصبح على خير !

هكذا ببساطة خارجية تركته حائرًا بين دروب الندم من تسرعه بمشاعره معها و عدم صبره عليها كما نصحه ابن عمه لكنه أيضًا اعتاد الصدق معها حتى و إن أساء التعبير لها عما يدور داخل قلبه وعقله تنهد و ألقى نظرة عليها و قد اغمضت عينيها بسلام و بدأت أنفاسها تنتظم كأنها على وشك النوم و خلف جدران جفونها المغلقة خرجت "سديم" المراهقة تعاتبها على ما آلت إليه أمورها و أدركت الآن سر حزن والدها لقد كان يُدرك عواقب أفعالها الوخيمة و ها هي تحصد ما زرعت منذ أعوام لن ينفعها الندم و لن يدفع من حولها إلى الثقة بها كما أخبرها "يوسف" وإن خدعت حالها و أصبحت أم ما الذي سوف تزرعه داخلهم ؟!!! كل ماترغب به الآن أن تقف صارخة على قمة هاوية إنها عائدة تائبة ناقمة على ماضيها المصير ، تود أن تصرخ أنها صالحة للحب صالحة للعلاقات و صالحة للثقة ، و أن ما يحدث لها الآن من نظرات و كلمات طاعنة لها ما هو إلا خناجر تقتل روحها البالية دون شفقة ، مثلما تتظاهر الآن بالنوم ولكنها تبكي دون صوت كعادتها منذ أعوام ! انتظرت إلى أن استمعت إلى صوت انتظام أنفاسها بجانبها ثم فتحت عينيها تمررها فوقه لتتأكد أنه يغط بنوم عميق بعد قضاء ليلة شديدة الإرهاق ثم استقامت تنظر إلى الساعة التي تجاوزت السادسة صباحًا وهي تهمس داخلها بسخرية ها قد عدنا إلى مجافاة النوم وما البهجة إلا ساعات قليلة قضيتها بين ذراعيه ، تحركت بهدوء تام إلى أن أنهت ارتداء ملابسها و وقفت بجانبه تراقب ملامحه المجهدة بألم شديد ثم انصرفت إلى الخارج توقظ شقيقتها من أجل دراستها !!!

بعد مرور ساعتين و داخل أشد الأماكن رعبًا لروحها جلست عند مقابر والديها و دموعها تغطي وجهها بالكامل و استطاعت أخيرًا الحديث بصوت متحشرج وكأن روحها تتجسد أمام عينيها ثم استقامت واقفة تتحرك وتقف أمام مقبرة والدتها :

- حتى موتك عذبني لوحدي !!! أنتِ مشيتي و أنا بدفع تمن اختياراتك ليا ، محدش مصدق إني مكنتش عاوزة ابقا كدا و اللي مصدق مش قادر يثق فيا و بصراحة مقدرش ألومه مين ممكن يثق في واحدة عاشت سنين بتنصب ؟!!! كأني شايفة قدامي حرامي بيقولي والله مش هسرق تاني !

و صرخت فجأة تتحرك بالمكان بغضب كأنها على وشك الفتك بأحدهم و قد اهتز جسدها بقوة تشدد من قبضتها :

- أنا بقيت أسأل نفسي كل يوم عملت فيكِ ايييييه عشان تعملي فيااااا كداااااا !!!! لو أنتِ موتي مرة أنا بموت كل يوم ألف مرة وأنا لوحدييييي !!!!! بموت من نظراتهم مهما اتظاهرت إنه مش فارق معايا كلامهم ولا نظراتهم بس أنا فارق معاياا !!! ومش قادرة اسامحك ولا قادرة انسى نهايتك اللي شوفتها بعنيا ، استفدتيييب إيه غير القهر والموت و الذل من واحد أحقر من إنه يتقال عليه أخ ؟!!! استفديتي إيه غير موتي كل يوم !!!!!!!

جلست فوق الأرض الصلبة بإنهاك و أعين متورمة من فرط البكاء و القهر الذي صار رفيق روحها وعلى ذكر الرفيق نظرت إلى قبر والدها و سالت دموعها تهمس بصوت متحشرج مليئ بالأسى :

- أنا عارفة إن دي مش أول مرة اجيلك و اكلمك و تسيبني تايهة كأنك بتعاقبني ، وعارفة إن مبرراتي مش كفاية عشان تسامحني بس أنا تعبت !!!! أنا كل اللي حواليا بيطعن فيا و أنت سايبني لوحدي تايهة ، ليه مااخدتنش معاك بقااا ، ليه سايبني يحصل فيااا كل دا ؟!!!! أنا في نظر الكل ميتة منفعش لأي حاجة في الدنيا ، مش عايزة ارجع للغلط و بكره كل ليلة قضيتها في الطريق دا بس أنا محدش قابلني في الطريق الصح ، محدش عايزني و محدش مصدقني و مبقتش عايزة حد تاني يشوف جروحي ويدوس عليها ويمشي أنا تعبت و اكتفيت بالوجع ، والراجل الوحيد اللي حبيته عمري ماهعرف اغير بدايتي معاه اللي كلها غلط في غلط !!!!! ولا قادرة اطعنه بأبوه زي ما حصل فياااا ، زي ما بتيجي تعاتبني في أحلامي تعالى انصحني وقولي اعمل إيه !!!! لا أنت راحمني من عتابك اللي مش هيغير أي حاجة و لا الناس رحمتني لما كنت بتموت مننا و محتاج علاج ولا هي رحمتني من اخوهااا اللي استغل حاجتنا كلناااا وأنا بينكم كلكم بموت كل يوم !!!!!

تنفست من فاهها و نكست رأسها تنهي عتابها بتنهيدة تحمل الألم و الذكريات القاسية و قسوة ظروفها هامسة بوهن شديد :

- أنا تعبت من الماضي اللي ملازمني !!!!!

تراجع "نائل" بأعين متسعة مذهولة وقد اجتمعت الدمعات داخل عينيه مما سمعه للتو !!! و لكن لم يتمكن من الفرار حيث وجدها تظهر أمامه فجأة عاقدة حاجبيها و تحدق به بعينيها المتورمة بتوتر طفيف تحول إلى غضب لتردف بحدة و قسوة بالغة :

- أنت بتعمل إيه هنا ؟!!!

راقبها بحزن شديد خاصة أنها لازالت تحاول الاختباء خلف جدار قسوتها الزائف رغم ما شهده من هشاشة بالغة منذ لحظات عليها و تقدم بخطوات مترددة يهمس لها بحزن :

- أنا مروحتش شقتك وقولت ألف شوية بالعربية يكون الصبح طلع عشان متروحش عليا نومة و لمحتك بعربية جوزك فقلقت عليكِ ومشيت وراكِ لهنا !

تيقنت أنه استمع إلى محادثها الجنونية مع حالها بالداخل و راقبت ملابسه المجعدة و التي تثبت صدق كلماته و نظراته المشفقة التي تثبت صدق ظنونها تنهد قائلًا بندم :

- أنا حقيقي آسف مكنش قصدي اسمع أسرارك ومشيت وراكِ خوف عليكِ فعلًا ، بس اعتبريني مسمعتش ولا حرف واحد !

ظهرت بسمة ساخرة منها و هي ترفع يدها تُشير إلى المسؤول عن المقبرة ثم همست بلا مبالاة:

- ولا تسمع مش هتفرق محصلة بعضها !!

عقد حاجبيه و أردف بغضب من حين وجدها على وشك الاستسلام :

- لا طبعًا هتفرق و أنا مش هسيبك بعد اللي سمعته دا حتى لو غصب عنك !!

________________ *** _________________

كانت تنتظر داخل مقر الزيارات الخاصة بالسجناء بهدوء لاق بها و ابتسم وهو يجلس أمامها قائلًا بانتصار واضح :

- روح قلب خالها اللي مش هاين عليها تسيبه لوحده و بتزوره و هتخرجه من السجن !!!!!

راقبته بسخرية ثم تنهدت و راقبت المكان من حولها بإزدراء و اشمئزاز بينما كلماتها اللاذعة خرجت بجفاء واضح من بين شفتيها :

- اممم و هو أنت فاكر ياسامح إني لو خرجتك من هنا مشاكلك هتتحل معايا ؟

هز رأسه بالإيجاب و أسند ذراعيه إلى المنضدة يقول بهدوء ظاهري :

- سديم ياحبيبة قلبي أنا وأنتِ مصيرنا واحد !!!! و مفيش مشاكل بينا أصلًا أنتِ لسة شابة و صغيرة و طايشة و طبيعي يبقا عندك نزوات زي آسر و أفكار مجنونة و بصراحة مش هندهش من تفكيرك أبوكِ كان فيلسوف عصره وأنتِ طلعاله !!!!

احتدت نظراتها و ظهرت شراستها بالحديث فور أن تحدث عن والدها و رفعت إصبعها محذرة إياه :

- إياك تتكلم عنه كلمة واحدة !!! أنت أنجس من إنك تجيب سيرته !

رفع حاجبه بدهشة وأشار إلى حاله باستنكار يردف بصدمة ساخرة :

- أنا نجس ؟!!!! ليه ياروحي كدا هو أنا اللي قولت لأمك الله يرحمها توقف علاجه ؟ ولا أنا اللي قولتلها تلغي عمليته !!!! أنا عاذرك لو مكنتش عملت كدا كان زمانه معاكِ دلوقت بيحميكِ من الأشرار اللي زيي !!!! بس معلش بقاا الحياة فرص يا سديم وأنا فرصتي دايمًا تلاحقني آه والله مين كان يصدق أن روزاليا تبقا بالسذاجة دي و تسيب كل ذكريات عشقها الممنوع في بيتها !!!!! على العموم أنا مسامحك المهم قوليلي جوزك عرف بو**** أبوه ولا لسه ؟! بس فالح يتشطر عليا أنا ويسجنني !!!!

تهديده اغضبها لكنه محق ، تُرى ما هو رد فعل زوجها بعد تجاوز صدمته ؟!!! رفعت رأسها بشموخ و سألته بجفاء و قد سيطرت نظراتها الراكدة على عينيها :

- وبعد ما أخرجك من هنا هتعمل ايه ياسامـح هترجعني اشتغل معــاك بالعافية ؟

هز رأسه سلبًا و أردف بغموض وثقة :

- محدش بيعرف يهرب من ماضيـه ياسديم أنتِ مش محتاجة عافية ، أنتِ محتاجة تعرفي قيمة النعم اللي بتضيعيها و بما إن الخال والد فـعتبر دا دوري ياروح قلب خالك !

ماضينا مثل الدوامات إن لم نحذر الذوبان داخلها و ابتعدنا مسافات كافية ، لابتلعتنا دوامات الألم في التو والحال !!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close