رواية قطة في عرين الاسد الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم مني سلامة
الحلقة 24
.. مهما كان ومهما حدث .. لم يسمح لأحد أبداً منذ أن خرج من المستشفى أن يراه ناقصاً .. معاقاً .. عاجزاً .. لا يستطيع الحركة بدون ساقه الصناعية ..
والنظرة الثانية رآها فى عين زوجته السابقة .. النفور .. لم تكن نظرة .. بل خنجراً انغمس داخل قلبه .. لتسيل منه كل دمائه وتسقط أرضاً دون أن تأبى لها .. لن يتحمل رؤية أى من تلك النظرتين فى عيني "مريم" .. ان فعلت فسيلفظها لفظاً خارج حياته وللأبد .. ظل يتمنى شيئاً واحداً .. ألا يرى أى منهما فى عينيها .. الشفقة .. و النفور
****************************************
قالت "سارة" لـ "نرمين" على طاولة الطعام :
- لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق ان مامة "مراد" عايشة
ققالت "نرمين" بإستغراب شديد :
- ليه بابا الله يرحمه قالنا وقاله انها ماتت وان أخوه كمان مات ؟
قالت "سارة" بدهشة :
- وكمان مش قادرة اصدق ان "مريم" كانت مراة أخو "مراد" التوأم .. قصة ولا فى الأحلام
قالت "نرمين" متسائله :
- يا ترى ماما مضايقة من وجود مامة "مراد" هنا ؟
قالت "سارة" بسرعة :
- لا طبعا انتى مش عارفه ماما ولا ايه
ثم قالت بأسى :
- وكمان انتى شافيه حالها عامل ازاى .. صعبانه عليا اوى انها مبتتكلمش .. "مريم" بتقول ان ده حصلها بعد وفاة أخو "مراد"
قالت "نرمين" بحزن :
- زمان "مراد" زعلان عشانها أوى .. بس أكيد فى نفس الوقت فرحان انه شافها
************************************
استيقظت "مريم" ورأت "مراد" خارجاً من الحمام يحمل منشفته ابتسم لها قائلاً :
- صباح الخير يا كسلانه
ابتسمت بصعوبة وقالت :
- مش عارفه ليه حسه أكن حد كان بيضربنى طول الليل
انفجر "مراد" ضاحكاً .. وقال :
- برئ يا بيه .. مجتش جبمك
ضحكت هى الأخرى وقامت متكاسلة .. أوقفها "مراد" قائلاً وبدا عليه القلق وقال :
- "مريم" عايز أتكلم معاكى النهاردة فى حاجة مهمة
ظهرت علامات الجدية على وجهها وقالت :
- أنا كمان عايزة أكلمك فى موضوع مهم
قال "مراد" بإهتمام :
- عايزة تقولى ايه
سمعت طرقات دادة "أمينة" على الباب وهى تقول :
- الفطار يا سي "مراد"
قالت "مريم" بسرعة وهى تدخل الحمام :
- نفطر وبعدين نتكلم
وقفت "مريم" تنظر الى نفسها فى المرآة وهى تشعر بتوتر بالغ .. كيف ستخبره .. كيف سيتقبل الأمر .. تُرى ماذا سيكون رد فعله .. كان الأمر أهون حينما كانت تظن أن "زهرة" والدة "ماجد" فقط .. وأنها بالنسبة له زوجة أبيه .. أما وأنها والدته .. فقد إزدادت خوفاً على خوف .. لكن يجب اخباره .. لا حل أمامها سوى اخباره بكل شئ .. فليظن ما يظن .. لم يخطئ أحداً فى شئ .. ستخبره وليكن ما يكون
********************************************
انتهوا من تناول افطارهم وصعد "مراد" للإطمئنان على أمه .. جلس معها بعض الوقت ثم خرج ليبحث عن "مريم" .. قال فى نفسه يجب أن أنهى هذا الأمر الآن .. لن أنتظر أكثر .. صعدت "مريم" لتبحث عن "مراد" .. يجب اخباره بما تخفيه عنه .. "زهرة" لا تتكلم لكن "مريم" تتكلم .. ويجب أن يعلم .. تقابلا فى أعلى السلم .. وكل منهما يبحث عن الآخر .. ليخبره بالسر الذى يؤرق مضجعه .. نظر كل منهما الى الآخر بقلق وتوتر وخوف .. خوف من الخسارة .. خوف من أن تتبدل الأمور .. خوف من أن تتبدل المشاعر .. تحدث "مراد" أولاً وقال :
- تعالى فى المكتب
نزلت "مريم" معه وتوجها الى المكتب .. اغلق الباب ووقفا قبالة بعضهما البعض .. كل منهما ينتظر من الآخر أن يتحدث أولاً .. لتقل رهبته قليلاً .. قال "مراد" :
- ابدأى انتى يا "مريم" .. كنتى عايزه تقوليلى ايه
شعرت بالتوتر وبدا عليها الإرتباك .. فحثها "مراد" قائلاً :
- خير يا "مريم" .. اتكلمى
بلعت "مريم" ريقها بعصوبة .. ثم قالت وكأنها تريد ازاحة حمل ثقيل عن كتفيها :
- فى حاجة كنت مخبياها عنك .. بس صدقنى لو كنت أعرف ان ماما "زهرة" مامتك كنت قولتهالك من الأول .. لكن أنا مكنتش مدركه ان الموضوع هيخصك أوى كده وان ماما "زهرة" تبقى مامتك
قال لها بقلق :
- فى ايه يا "مريم" .. اتكلمى
قالت "مريم" وهى تنظر اليه لتتبين رد فعله :
- ماما "زهرة" .. تبقى ......
نظر اليها بإمعان قائلاً :
- تبقى ايه ؟
تنهدت ثم قالت :
- تبقى مراة بابا الله يرحمه
اتسعت عينا "مراد" دهشة .. حاول أن يستوعب ما قالت .. سألها وهو مصدوم :
- ماما كانت متجوزة باباكى انتى ؟ .. "خيري" اللى قتل وهرب
قال "مريم" بحده :
- بابا مقتلش حد .. مش بابا اللى قتل
صمت "مراد" قليلا ثم قال بحزم :
- مفيش داعى نفتح الموضوع ده لانى عارف كويس أوى ان مش بابا اللى قتل .. وان باباكى هو اللى قتل
صاحت "مريم" بغضب :
- بابا مقتلش حد .. فاهم .. بابا مقتلش حد
قالت ذلك ثم غادرت المكتب دون أن تنتظر سماع ما يريد قوله
خرجت "مريم" الى الحديقة وجلست فيها وهى تشعر وكأن الدنيا تنهار حولها وهى لا تستطيع فعل شئ لمنعه هذا الانهيار .. شعرت بالحنق والضيق من النبش فى الماضى خاصة ان كان مؤلماً .. تنهدت فى ضيق وهى تتذكر اتهام "مراد" لوالدها بالقتل .. تجمعت العبرات فى عينيها وهى تتذكر والدها الحانى التقى الطيب الذى لا يترك فرضاً والذى يشهد الناس له بحسن الدين والخلق .. لا يمكن أن يقتل .. لا يمكن .. اقترب منها "مراد" وجلس بجوارها .. نظرت اليه بعتاب ثم أشاحت بوجهها فى حده .. قال "مراد" بحنق :
- أنا آسف يا "مريم" .. مش قصدى أعيب فى والدك الله يرحمه .. أنا عارف انك كنتى بتحبيه أوى .. مكنش قصدى اشوه صورته أدامك
نظرت اليه "مريم" بحده وقالت :
- انت مشوهتش صورته أدامى ومحدش يقدر يشوه صورتى أدامى لانى عرفاه كويس .. وعارفه انه مستحيل يعمل كده
نظر اليها "مراد" بغضب وقال :
- وأنا عارف بابا كويس .. مستحيل بابا يقتل
قالت "مريم" بحزم :
- وأنا متهمتش باباك بحاجه .. كل اللى قولته ان بابا مقتلش .. لكن انت اتهمت بابا بالقتل .. أنا ما أسأتش الظن فى باباك لانى معرفوش .. لكن انت أسأت الظن فى بابا رغم انك متعرفوش ومتعرفش أى حاجه عنه
تنهد "مراد" قائلاً مصدقاً على كلامها :
- فعلاً معاكى حق .. مكنش لازم أقول اللى قولته .. مش عشان أدافع عن بابا يبقى أتهم باباكى
هدأت "مريم" قليلاً .. فالتفت اليها "مراد" وقال مرة أخرى بصوت منخفض :
- أنا آسف يا "مريم" متزعليش منى
نظرت اليه "مريم" ومازال شئ من الضيق فى عينيها .. فنظر اليها بحنان قائلاً :
- مبحبش أشوفك مضايقه
اختفى فجأة كل الضيق من عينيها لتبتسم وتنظر أرضاً .. التفت "مراد" تجاهها وامتدت أصابعه لتلعب بخصلات شعرها ..رفعت رأسها لتنظر اليه .. ودت أن يتحدث .. ودت أن يخبرها بكل مشاعره تجاهها .. ودت أن يؤكد لها ما تراه فى عينيه .. كانت عيناه تشعان حباً وحناناً .. شعرت بأن داخل هذا الرجل الذى يبدو عليه الغلظة والقسوة يوجد بحر من الحنان .. ودت لو غرقت فيه .. للأبــد ..
اقترب منها وقال بصوت متهدج :
- "مريم" .. أنا .....
نظرت اليه تنتظر بلهفه ما يريد قوله .. بدا وكأنه يعانى صراعاً بداخله .. بدا الخوف فى عينيه .. ودت لو علمت سبب هذا الخوف .. حثته قائله :
- انت ايه ؟
قال "مراد" بصعوبه وهو خائف من خسارتها :
- فى حاجة عنى لازم تعرفيها
صمت قليلاً ثم قال :
- هما حاجتين مش حاجة واحدة
نظرت اليه "مريم" وقالت برقه :
- ايه هما ؟
نظر اليها "مراد" بحنان ومسح بيده على شعرها برقه قائلاً :
- أنا كنت متجوز قبل كدة
لم تخبره "مريم" بأنها علمت ذلك من دادة "أمينة" .. تركته يكمل حديثه قائلاً :
- واطلقنا من 6 سنين
نظرت اليه دون أن تتحدث كان يراقب تعبيرات وجهها ونظرات عينيها .. شجعه هدوئها ونظراتها المشجعه على المواصله فقال :
- هى اللى طلبت الطلاق .. ومكنش فى حد فى حياتى قبلها .. ولا بعدها
صمت للحظة ثم احتواها بعينيه قائلاً بحنان :
- لحد من فترة قريبة .. فى واحدة قدرت تحرك قلبي نحيتها .. بعد ما كنت فاكر انه خلاص مات ومفيش حاجه تقدر تحركه
تعالى صوت دقات قلبها حتى كادت أن تسمعه بأذنيها .. صمتت وقد احمرت وجنتاها .. انتظرت أن يكمل كلامه .. قال "مراد" بتوتر :
- "مريم" .. الحاجة التانية اللى عايزك تعرفيها ........
أمسك بكفها يحتضنه بين كفيه .. رأت صدره يعلو ويهبط من سرعة تنفسه .. وبدا عليه الوجوم والإضطراب .. ضم كفها بين كفيه يحتضنه بقوة .. كما لو كان يخشى أن ينزلق هذا الكف من بين يديه مبتعداً بعدما يخبرها بأمر اعاقته .. كانت كل ذرة فيه تهمس .. لا تتركنى لن أحتمل بعدك ليس ذنبي ما أصابنى لست أنا من قدر أن أصاب بهذا .. اعاقتى لا تعوقنى عن ممارسة حياتى بشكل طبيعي .. لن تخجلى منى بين صديقاتك .. لن تشعرى بأننى مختلف عن أى رجل آخر .. فقط جزء من جسدى مبتور .. لم أرد بتره .. لكن الله أراد .. ساقى الصناعية تحل محل الجزء المبتور .. لن تشعرى بالنقص معى .. لن تسيري معى وأنتِ خجلة منى .. من يرانى لا يعرف بأمر اعاقتى .. لا يعرف بأن قدمى مبتور .. ليس ذنبي فلا تعاقبينى .. لا تحرميني منكِ .. لا تنظرى الى بشفقه لست فى حاجة الى شفقتكِ بل أنا فى أمس الحاجة الى حبك وحنانك الى مشاركتك لحياتى الى انجاب أولاد منكِ الى تكوين أسرة معكِ الى أن تكونى سكنى وأكون سكنك .. لا تتركيني يا "مريم" أنتى آخر أمل لى فى أن أحب وأُحب كأى رجل عادى .. لن أحب غيرك يا "مريم" لن أفتح قلبي لسواكى .. لا تطعنيني مثلما فعلت زوجتى السابقة ومثلما فعلت من تقدمت لها ومثلما فعلت كل من عرفت بإعاقتى .. كونى دوائى يا مريم ولا تكونى سبباً فى زيادة آلامى وأحزانى .. لن أحتمل بعدك فلا تحرميني منكِ .. بداخلى حب كبير لكِ فلا تتخلى عنه وعنى .. لن يحبك رجل مثلما أحبك .. لم يحبك رجل مثلما أحبك .. كونى لى زوجة وحبيبة ورفيقة طريقي .. وسأعطيكي قلبي عمرى وكل ما أملك
تكلم بقلبه دون أن يجرؤ على قول تلك الكلمات بلسانه .. شعرت "مريم" به .. وبمعاناته .. ودت لو علمت بسببها .. ودت لو طمأنته .. ودت لو علمت همه وما يؤرقه .. نظرت اليه .. فى انتظار أن يتكلم .. أن يبثها نجواه .. نظر اليها يتأملها .. نظر اليها ليعلم كيف سيكون رد فعلها .. كيف ستنظر اليه .. ماذا سيرى فى أعماق عينيها .. فتح فمه ليتحدث .. فقاطعه صوت "نرمين" التى تقول :
- أبيه أبيه .. طنط "زهرة" اتكلمت
هب "مراد" و "مريم" واقفين .. قال "مراد" بلهفه :
- بجد اتكلمت ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- أيوة كنت أعدة معاها .. وفجأة لقيتها بتقولى (مراد)
ابتسمت "مريم" بسعادة وأسرع ثلاثتهم فى اتجاه غرفة "زهرة" .. جلس "مراد" بجوارها على الفراش وأخذ ينظر اليها بلهفه قائلاً :
- ماما انتى قولتى اسمى ؟ .. ناديتي عليا
ابتسمت "زهرة" وقالت بصعوبة وبصوت أجش للغاية :
- "مراد"
ثم قالت :
- ولدى
ابتسم "مراد" وعانقها عناقاً طويلاًوهو يقبل رأسها ويديها .. اغروقت عبرات الجميع بالدموع .. ابتسمت "مريم" وسط دموعها واقتربت من "زهرة" قائله :
- ماما "زهرة"
التفتت اليها "زهرة" قائله بنفس الصوت الأجش :
- "مريم" بنيتي
كانت سعادة "مريم" غامرة وهى تستمع الى اسمها من بين شفتى "زهرة" .. وكانت ايضاً سعادة "مراد" لا توصف .. فى هذه اللحظة دخلت "ناهد" وهى تقول بلهفه :
- فى ايه يا ولاد .. ليه كنتوا طالعين بتجروا كده ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- طنط "زهرة" اتكلمت
ابتسمت "ناهد" واقتربت منها قائله :
- حمدالله على سلامتك
قالت لها "زهرة" بصوتها الاجش :
- الله يسلمك
ثم التفتت الى "مراد" تسأله :
- مين ؟
نظر "مراد" الى "ناهد" ثم الى "زهرة" وقال :
- دى أمى اللى ربتنى .. مراة بابا الله يرحمه
التفتت "زهرة" تنظر الى "ناهد" تطلعت المرأتان الى بعضهما البعض .. ثم تنهدت "زهرة" وقالت :
- الله يرحمه ويرحم جميع أمواتنا
قالت "ناهد" :
- اللهم آمين
التفتت "زهرة" الى "مراد" قائله بصوت متعب مبحوح :
- بدى أتحدث معاك كتير يا ولدى
قبل "مراد" يدها قائلاً :
- وأنا نفسي أتكلم معاكى كتير أوى يا أمى
ثم قال بحنان :
- بس ارتاحى دلوقتى وان شاء الله بكرة هنروح المستشفى عشان بس نطمن عليكي .. وان شاء الله لما نرجع نتكلم مع بعض زى ما انتى عايزه .. المهم عندى صحتك دلوقتى
قالت "زهرة" وهى تغمض عينيها شاعره بالوهن :
- ماشى يا ولدى .. ربنا يباركلى فيك
*************************************
كانت سهى فى عملها .. عندما رن هاتفها .. نظرت لتجد المتصل "سامر" .. أغلقت فى وجهه .. و فتحت الهاتف بعصبية وأخذت الشريحة كسرتها الى نصفين ثم ألقتها فى سلة المهملات .. وظلت تستغفر ربها .. و "مى" ترمقها بنظرات حانيه وتدعو لها فى سرها بالثبات
عادت "مى" الى بيتها لتستقبلها والدتها بلهفه قائله :
- يلا يا "مى" العريس زمانه على وصول
قالت "مى" بتأفف :
- طيب يعني أعمل ايه يعني افرشله الأرض ورد ؟
قالت أمها :
- ادخلى خدى شاور و اعملى ماسك وشك شكله باهت
قالت "مى" بحنق :
- والله أنا كده اذا كان عجبه
دخلت "مى" غرفتها وجلست على فراشها وهى تقول :
- يارب ولو مليش خير فيه اصرفه عنى يارب
دخلت الحمام وأخذت دشاً تهدئ به نفسها وتحد من توترها .. ارتدت ملابس محتشمة ولم تضع أى زينه كعادتها .. سمعت جرس الباب فشعرت بتوتر بالغ .. جلست على فراشها تستغفر ربها لتهدئ من روعها .. دخلت أمها تنظر اليها قائله :
- حطى على الأقل كحل .. عينك شكلها دبلان
قالت "مى" بحنق :
- مش حاطه حاجة أنا مبحطش ميك اب أدام أى راجل غريب .. مش هاجى أحط دلوقتى عشان جناب العريس
زفرت أمها قائله :
- طيب يلا اخرجى .. تعالى على المطبخ الأول خدى صنية الشاى
قامت "مى" ودخلت المطبخ مع أمها وقالت بضيق :
- ايه الحركات النص كم دى .. ما تدخلى انتى صنية الشاى يا ماما .. مش لازم يعني أنا اللى أدخلها
قالت أمها بحزم :
- "مى" اتفضلى الصنية وادخلى الصالون الراجل مستنى
أخذت "مى" الصنية وقالت لأمها بتوتر :
- هو لوحده ولا معاه حد
قالت أمها :
- لوحده
تقدمت "مى" من الصالون وهى تنظر أرضاً .. هتف والدها :
- اتفضلى يا عروسه
هتفت فى نفسها : عروسة ايه بس يا بابا
تقدمت "مى" تجاه الرجل .. لم ترفع عينها لتنظر الى وجهه .. قالت بصوت منخفض :
- اتفضل
مد يده ليأخذ منها فنجان الشاى قائلاً :
- متشكر يا آنسه "مى"
قفز قلب "مى" من مكانه عندما استمعت الى صوته .. رفعت نظرها لتنظر اليه .. شعرت بالصدمة .. "طارق" .. ارتجفت يداها وسقطت منها صنية الشاى فوق قدميه .. فقام يصرخ من الألم بعدما حرقه الشاى الساخن .. نظرت اليه مصدومة وهى لا تدرى ماذا تقول .. صرخ والدها فيها :
- ادخلى هاتى فوطة ولا أى حاجة
تسمرت فى مكانها للحظات ثم أسرعت الى الحمام وأحضرت الفوطة وأعطتها له وقد احمرت وجنتاها بشدة وقالت بإضطراب :
- أنا آسفة أنا آسفة أوى
قال "طارق" وهو يمسح الشاى عن يديه وبنطاله :
- حرقتيني فى الرؤية أمال بعد الجواز هتعملى فيا ايه
قالت بخجل وتوتر شديد بصوت على وشك البكاء :
- والله آسفة مكنش قصدى
قال "طارق" مبتسماً :
- كنت بهزر معاكى
نظر اليها أباها شذراً قائلا :
- اتفضل يا ابنى استريح .. وهدخل أشوفلك حاجة من عندى تلبسها
دخل والدها وتركهما .. فنظر اليها "طارق" قائلاً :
- أنا كنت حاسس انك ممكن تتصدمى بس مكنتش متصور انك هتدلقى عليا صنية الشاى
قالت بإضطراب وهى تتحاشى النظر اليه :
- بصراحة متوقعتش أبداً وبعدين بابا مقاليش على اسم حضرتك بالكامل
قال "طارق" :
- أنا اتعدمت ما أقولوش كنت عايزها مفاجأة
ثم ضحك قائلاً :
- وجت فوق دماغى
ابتسمت بخجل دون أن تنظر اليه .. فقال "طارق" هامساً :
- طيب بسرعة كدة قبل ما باباكى ييجي قوليلى هى مفاجأة حلوة ولا وحشة ؟
شعرت بالدهشة فلم تعتاده متحدثاً معها بتلك الطريقة .. صمتت ولم تجب .. فحثها قائله :
- بسرعة قبل ما الحكومة تطب علينا
قالت "مى" وهى مازالت تتحاشى النظر اليه :
- ممكن أسأل حضرتك سؤال
قال "طارق" مبتسماً :
- سؤال بس .. اسألى زى ما انتى عايزه
قالت "مى" بجديه :
- ممكن أعرف ليه اتقدمتلى ؟ .. ليه أنا بالذات رغم انك عارف انى عارفه انك ........
صمتت ولم تكمل فأكمل عنها قائلاً :
- رغم انى عارف انك عارفه انى كنت معجب بصحبتك .. مش كده ؟
شعرت "مى" بالغيرة تنهش قلبها وقالت بعصبية :
- أنا آسفة مش موافقة
همت بأن تقوم وتغادر لكنه أوقفها قائلاً :
- انتى على طول أفشه كده .. لا بقولك ايه أنا مبحبش كده .. بحب الصراحة .. يعني عشان ميحصلش مشاكل كتير بينا لما نتجوز ان شاء الله عايزك تتعودى انك تتكملى معايا فى كل حاجة مضايقاكى مش تقفشى وتقفلى الموضوع .. اتفقنا يا "مى"
رغم أن كلماته أسعدتها الا أنها قالت بحده :
- ايه الثقة دى ومين قال لحضرتك انى هوافق أصلاً
ابتسم لها ابتسامه عذبه وقال :
- أنا عارف ان مفيش بنت تقدر تقاومنى
رفعت رأسها لتنظر اليه لأول مرة منذ أن جلست .. نظرت اليه بحدة وغضب وقالت :
- يا سلام
لكنها وجدته مبتسماً وهو يقول :
- بهزر معاكى .. انتى اللى مفيش راجل يقدر يقاومك
شعرت بالخجل مرة أخرى وأبعدت نظرها عنه فقالت بصوت خافت :
- ليه يعني زيي زى أى بنت
قال "طارق" برقه :
- لا انتى مش زى أى بنت .. انتى بنت جدعه .. ومخلصة .. وخجولة .. وطيبة .. ومحترمة .. وملتزمة .. ودغرى .. وأمينة .. وصادقة
شعرت بالسعادة وهى تستمع الى اطراءه لها وكلماته التى كان كاللحن فى أذنيها .. فاكمل قائلاً :
- وجميلة وعجبانى
احمرت وجنتيها مرة أخرى ونظرت اليه بحده قائله :
- لو سمحت مينفعش كده
ابتسم قائلاً :
- هو أنا واحد واقف على ناصية الشارع بعكسك .. مش بقولك ايه اللى عجبنى فيكى وخلانى اتقدملك .. وبعدين انتى اللى سألتيني أصلاً
صمتت "مى" وهى تشعر بالحيرة بداخلها أرادت أن تتأكد من أمر واحد .. فقالت له :
- هسألك سؤال وعايزاك تحلف انك تحاوبنى بصراحة
قال فوراً :
- لأ
رفعت رأسها لتنظر اليه فقال "طارق" :
- اتعودى ان أى حاجة اقولها تصدقيها فوراً من غير حلفان وانتى أى حاجة تقوليها هصدقها فوراً من غير حلفان
ابعدت عينها مرة أخرى وابتسامه صغيره ترسم على شفتيها .. ثم اختفت تلك الابتسامه لتسأل بجدية :
- انت لسه حاسس بحاجة ناحيه "مريم" ؟ .. وبصراحة ومش هزعل
صمت "طارق" قليلاً .. شعرت بالتوتر خلال فترة صمته .. الى أن قال :
- أنا هحلف المرة دى بس لانك لسه متعرفيش "طارق" .. أقسم بالله العظيم من ساعة ما صحبي اتجوزها وحسيت انه بدأ يحبها ويتعلق بيها وأنا شيلتها من قلبي ومن عقلى تماماً .. ولو حاسس ناحيتها بأى حاجة مكنتش جيت اتقدمتلك انتى .. وأنا عارف ان انتى الوحيدة اللى كنتى عارفه بمشاعرى نحيتها لانك الوحيدة اللى قرأتى رسالتى ليها .. يعني لو حاسس بحاجة نحيتها فأكيد هختار أى واحدة تانية غيرك متكونش عارفه انى كنت هتقدملها
شعرت "مى" بأنها تصدقه بالفعل ..لكنها أرادت الإطمئنان أكثر فقالت :
- "مراد" صاحبك .. وأنا صحبتها .. يعني لو حصل نصيب هنبقى معرضين ان حد يجيلنا او احنا نروحلهم .. ازاى هنبقى أعدين مع بعض كلنا فى مكان واحد وأنا عارفه انك كنت حاسس بحاجه نحيتها
قال "طارق" بمرح :
- هو انتى عايزة تعدى معايا أنا و "مراد" ليه ان شاء الله .. هو انتى هتتجوزى راجل ولا شوال بطاطا .. انا معنديش النظام ده .. نظامى الرجالة فى حته والستات فى حته .. وحسك عينك تنطقى اسم "مراد" ولا أى حد من صحابى تانى
اتسعت ابتسامة "مى" رغماً عنها .. فأكمل بجديه :
- ياريت منتكلمش فى الموضوع ده تانى وننهيه دلوقتى حالا ونشيله ونرميه ورا ضهرنا .. عشان أن مش عايز أى حاجة تعكر حياتنا مع بعض
ثم قال بحنان :
- ماشى يا "مى"
أومأت برأسها ونظرت اليه مبتسمه وقالت بخجل :
- ماشى
جاء والدها يهتف :
- مش لاقى أى حاجة مقاسك يا ابنى
قال "طارق" بمرح :
- ولا يهمك يا عمى أنا خلاص قربت أنشف
ضحكت "مى" وهى تكتم بيديها صوت ضحكها .. ثم التفتت اليه قائله :
- معلش بجد آسفة
لمحت نظرت سعادة فى عينيه وهو يقول هامساً :
- ولا يهمك فداكى البنطلون وصاحب البنطلون
**************************************
قال محامى "حامد" بقلق :
- يارب الموضوع ده ميجبلناش مشاكل يا "حامد" بيه احنا مش ناقصين
ضحك "حامد" قائلاً :
- ميبقاش قلبك خفيف كده .. أنا ساعدته مش أكتر والباقى عليه هو
قا المحامى بقلق شديد :
- ربنا يستر
قال "حامد" بتهكم :
- يا متر قولتلك ميبقاش قلبك خفيف .. وبعدين هو أصلا ميعرفش مين اللى اتصل بيه .. متقلقش مفيش أى حاجة ضدى .. وبكرة نخلص كمان من القضية كلها لما "مراد" يتكل .. ساعتها القطة مش هتقدر تقف قصاد "حامد" أبداً وهعرف ازاى أنتقم منها على اللى عملته
**************************************
هتفت "مراد" فى الهاتف :
- ألف ألف مبروك يا "طارق" بجد فرحتلك من قلبي
قال "طارق" بسعادة :
- الله يباركلك يا "مراد" .. وزى ما قولتلك ان شاء الله الفرح هيكون خلال شهر
قال "مراد" ضاحكاً :
- ايه سلق البيض ده يا ابنى
ضحك "طارق" قائلاً :
- شوفت يا بنى .. أنا بحب أجيب من الآخر .. مش لسه هخطب و أكتب كتاب ومش عارف ايه .. لا احنا بنجيب من الآخر وبندخل على الفرح على طول
ابتسم "مراد" بسعادة قائلاً :
- ربنا يهنيك يا "طارق" ويسعدك .. وأحلى حاجة فى الموضوع .. انها صاحبة مراتى .. لانى بجد بعزك جداً يا "طارق" وانت بجد أخ ليا .. وصداقتك حاجة ليها قيمة كبيرة عندى
قال "طارق" مبتسماً :
- تسلم يا "مراد" انتى كما أخويا بجد .. وان شاء الله صداقتنا دى تفضل طول العمر
قال "مراد" بسعادة :
- ان شاء الله
***************************************
- ألف مبروك يا "مى" بجد فرحتلك أوى
صاحت "مريم" بهذه العبارة على الهاتف .. فقالت "مى" ضاحكة :
- تسلمى يا "مريم" الله يبارك فيكي
قالت "مريم" بلهفه :
- بس بجد مفاجأة جميلة أوى .. بجد مش مصدقة .. انتى بنت حلال وتستهلى كل خير يا "مى"
قالت "مى" بسعادة :
- ربنا يكرمك يا "مريم" انتى كمان بنت حلال وتستاهلى كل خير
صاحت "مريم" بسعادة كالأطفال :
- مش مصدقه أخيرا هيبقى في فرح وأحضره .. ياااه كان نفسي أوى أحضر فرح ..
قالت "مى" :
- بقولك ايه رجلك على رجلى أنا قدامى شهر واحد وعايزاكى معايا بجد
قالت "مريم" بحماس :
- طبعاً يا حبيبتى مش ممكن أتأخر عنك أبدا
صاحت "مى" بسعادة :
- أنا فرحانه يا "مريم" .. فرحانه أوى بجد .. لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق
ضحكت "مريم" قائله :
- لا صدقى يا حلوة .. والحقى اتمتعى بحريتك فى الشهر ده .. قبل ما تدخل القفص يا جميل
قالت "مى" بمرح :
- يا ستى قفص قفص المهم ندخل
ضحكت "مريم" بشدة وقالت :
- ده انت واقعه أوى
قالت "مى" ضاحكة :
- أعمل ايه بحبه بجد
قالت "مريم" مبتسمه :
- بس انتى ندله على فكرة .. عمرك يعني ما قولتيلى ولا لمحتيلى .. رغم انى فعلا كنت ساعات بحس بكده .. بس انتى عمرك ما قولتي أى حاجه
قالت "مى" :
- بجد يا "مريم" مكنتش قادرة اقول حاجة ولا حتى أتكلم مع نفسي فى الموضوع ده .. كنت بحاول أتجاهل احساسى .. لانى مكنتش عايزة أعمل حاجة غلط .. أنا عمرى ما هكون أبداً زى البنات اللى بتعمل البدع عشان تلفت نظر راجل ليها .. أنا مش كده لا دى تربيتي ولا أخلاقى .. وكنت حساه مش شايفنى أصلاً .. وعشان كده كنت بحاول انسى نفسي الموضوع ده
قالت "مريم" بمرح :
- أهو طلع شايفك ومعلم عليكي كمان
ضحكت "مى" قائله :
- انتى اتعلمتى اللغة دى فين ؟
ضحكت "مريم" قائله :
- "نرمين" ربنا يخليها بتروح الكلية وترجعلنا بمصطلحات غريبة
ثم قالت :
- بجد فرحانه عشانك يا "مى" ربنا يتمملك على خير ويسعدك دايماً يارب
*************************************
لم تستطع "مريم" التحدث مع "مراد" اليومين الماضيين بدا وكأنه يتهرب منها .. ومن الحديث معها .. منذ أن كانا فى الحديقة وقاطعتهما "نرمين" لم تعلم حتى الآن ماذا أراد أن يخبرها .. وهى لم تحاول الضغط عليه .. وانشغل طيلة اليومين الماضيين بفحوص والدته الطبية .. الى أن اطمئن الجميع على صحتها .. وشعر "مراد" بالراحة والطمأنينة .. فى هذا اليوم لم يأتى "مراد" الى غرفته انتظرته طويلاً ولم يحضر .. قررت أن تسأله عما كان يريد قوله عندما قاطعتهما "نرمين" .. خرجت "مريم" لتجد السكون يعم المنزل ظنت ان "مراد" فى مكتبه همت بالنزول لكنها توجهت أولاً الى غرفة "زهرة" للإطمئنان عليها .. طرقت الباب وفتحته لتجد "مراد" جالساً بجوار "زهرة" .. قالت بحرج :
- كنت فاكرة ان ماما "زهرة" لوحدها
قالت "زهرة" :
- تعالى يا بنيتي .. كنت لسه بجول لـ "مراد" يجوم يناديلك .. عايزاكى انتوا التينن
دخلت "مريم" وهى تتوجس خيفه .. كان "مراد" يجلس بجوار والدته على الفراش .. جلست على أحد المقاعد .. نظرت "زهرة" الى "مراد" قائله :
- دلوجيت يا ولدى أجدر أحكيلك كل شئ انت ومرتك
نظر "مراد" الى "مريم" ثم الى "زهرة" ثم قال :
- أنا عارف يا ماما .. "مريم" قالتلى انك كنتى متجوزه باباها
قالت "زهرة" :
- لا يا ولدى مش جصدى اكده .. آنى جصدى السبب اللى خلى بوك وأهلك يجولولك انى مت وان خوك مات
أرهفت "مريم" أذنيها تستمع الى كلام "زهرة" بإهتمام .. وكذلك فعل "مراد" الذى أولاها كل انتباهه .. تحدثت "زهرة" بضعف وقالت :
- زمان جوى .. وجت ما كنت بنت صغيره .. شفنى "خيري" الله يرحمه وكان رايد يتجوزنى
قال "مراد" مستفهاً :
- "خيري" .. اللى هو بابا الله يرحمه مش كده ؟
صمتت "زهرة" قليلاً ثم نظرت الى "مريم" قائله :
- لا .. "خيري السمري"
نظرت اليها "مريم" بدهشة .. وعقد "مراد" ما بين حاجبيه وحثها قائلاً :
- وبعدين يا ماما .. ايه اللى حصل ؟
أكملت "زهرة" بضعف :
- وبعدين رفضوا أهلى الجوازه .. لانى من عيلة "الهواري" .. و "خيري" من عيلة "السمري" والعيلتين دول كان بيناتهم عداوة كبيرة جوى .. وتار من زمان جوى جوى .. ومكانوش بيطيجوا بعض .. الكل رفض جوازى من "خيري" وآنى كنت بنت صغيره مكنش ليا رأى .. بعدها اتجدملى "خيري الهواري" أبوك يا ولدى كان يجربلنا .. وافجوا أهلى عليه .. لانه من نفس عيلتنا .. واتجوزته
ثم أمسكت بيد "مراد" وقالت بتأثر :
- قسماً بالله يا ولدى كنت مخلصة لأبوك طول فترة جوازنا
ثم قالت بأسى :
- بس الله يرحم حماتى ويسامحها .. بعد ما خلفتك انت و "ماجد" تعبت ودخلت المستشفى والدكاتره جالوا انى لازم أعمل عمليه واشيل الرحم .. جدر ومكتوب يا ولدى
نظر اليها "مراد" بتأثر فأكملت :
- حماتى معجبهاش اللى حوصل .. مع انه مرض مش بيدي ولا بيد حدا .. ده بيد اللى خلجنى وخلجك .. كانت بتحاول تخرب عليا بكل شكل .. وكانت بتترجى أبوك يتجوز عليا .. بس أبوك مرضيش يتجوز ولا رضى يسيبنى .. لحد ما اتفجت مع حريم فى البلد انهم يجولوا انهم شافونى مع "خيري السمري"
التفتت الى "مريم" تقول :
- أبوكى يا بنتى
اتسعت عينا "مريم" من الدهشة .. وألجمت الصدمة لسان "مراد" فنظرت "زهرة" الى "مراد" قائله بأعين دامعه :
- ظلمونى جوى وكل واحد منهم نهش فيا زى الكلاب السعرانه .. من غير أى دليل .. مجرد اشاعة وانتشرت وملت البلد
قالت "زهرة" بأعين دامعة وبلهجة حازمة :
- نسوا كلام ربنا نسوا انه جال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " و كمان جال: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ".. ونسوا كلام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .. اللناس اللى بنتجل الاشاعات بدون أى دليل متعرفش ان بكلمة واحدة ممكن حياة انسان تتدمر وذنبه يبجى فى رجبتها طول العمر
صمتت قليلاً وقد بدا الألم فى عينيها يشى بمدى الأذى الذى تعرضت له .. قرب "مراد" كفه ووضعه فوق كفها .. اكملت قائله :
- بعدها أبوك طلجنى يا "مراد" .. جالى آنى مش مصدج عليكي اكده بس مجدرش أعيش معاكى وسط الخلج وهما بينهشوا فى عرضك
ثم قالت بأسى :
- وحرمنى منكوا انتوا التنين انت وأخوك يا "مراد"
أجهشت "زهرة" فى البكاء .. دمعت عينا "مريم" وهى تنظر اليها وتشعر بمدى الظلم والقهر الذى تعرضت له .. لانها ذاقت من نفس الكأس يوم اتهمها الناس بأنها على علاقة بـ "جمال" .. فكانت "مريم" أكثر من تشعر بها فى تلك اللحظة .. هدأت "زهرة" قليلاً فقال "مراد" بحنان :
- كفاية يا ماما .. انتى تعبتى ارتاحى شوية .. مش مهم كلام دلوقتى
قالت "زهرة" بتصميم :
- لا مهم لازمن أجول كل اللى كنت كتماه فى جلبى طول السنين اللى فاتت يمكن أرتاح
أكملت قائله :
- حاولت كتير أخدكوا أو حتى أشوفكوا انت وخوك .. بس حماتى كان جلبها جاسى جوى .. وكانت رافضه انى أشوف ضفر عيل منكوا .. وأبوك مكنش فى يده حاجه .. مكنش بيكسر كلمة لأمه الله يسامحها .. كانت ست جويه جادره
ثم أكملت :
- فى الفترة دى حصلت جريمة جتل فى عيلة "المنفلوطى" والعيلة دى كانت بتعادى العيلتين "الهواري" و "السمري" وكان فى بينهم مشاكل وبين الاتنين "خيري" من العيلتين .. ولما اتجتل ابن "حسن المنفلوطى " .. جالوا ان اللى جتله اسمه "خيري" لانه كتب اكده بدمه على الجدار .. وأقسم "حسن المنفلوطى" انه يجتل الاتنين "خيري" .. فالعيلتين اتحدوا مع بعض وهربوهم على "مصر" وجبل ما أبوك يهرب يا ولدى .. روحت حداهم فى بيت العيلة .. كان بدى أشوفك انت وأخوك .. لجيت "ماجد" بيلعب جدام البوابه .. محستش بنفسي الا وآنى بخطفه .. وبهرب بيه ..
ثم نظرت اليه وقالت بأعين دامعه :
- كان بدى أخدك انت كمان .. بس خفت أستنى أكتر من كده حدا يشوفنى .. ومحستش بنفسي أنى بعمل ايه .. خدت "ماجد" وطلعت أجرى بيه
تعالت شهقاتها وهى تجول :
- انا اتظلمت أوى أوى أوى وملقتش حل أدامى غير كده كان لازم أعمل كده .. سامحنى يا ولدى انتى سيبتك .. سامحنى
اقترب منها "مراد" معانقاً ايها قائلاً :
- مسامحك يا أمى .. مسامحك .. انتى مغلطتيش .. انتى اتظلمتى أوى .. ربنا ينتقم من كل اللى ظلمك
قالت "زهرة" بسرعة :
- آنى مسمحاهم يا ولدى .. مسمحاهم ربنا يغفر لكل اللى ماتوا
ثم أخذت نفساً عميقاً وأكملت قائله :
- بعد اكده عرفت بموضوع جريمة الجتل وعرفت انهم أكيد هيدوروا على ولاد "خيري" ويجتلوهم .. فإضطريت أهرب آنى كمان على مصر .. مكنتش أعرف حدا فيها واصل .. وسبحان الله يشاء ربك انى أهرب فى نفس اليوم اللى هرب فيه "خيري السمري" و "خيري الهواري" واتصدمت لما لجيتهم راكبين نفس الجتر .. وجلبى وجع فى رجلى .. وفضلت جاعده بعيد عنهم عشان ميشوفونيش .. بس عيني كانت على "خيري السمري" هو الوحيد اللى بعرفه واللى ممكن يساعدنى لانى معرفش حدا فى مصر .. بعد ما نزلنا من الجتر التنين اتفرجوا وكل واحد راح فى طريج .. مشيت ورا "خيري السمري" لحد ما التفت فجأة وشافنى .. جربت منه وبكيت بين يده وجولت له يساعدنى .. يساعدنى انى الاجى شغل وسكن عشان أعيش أنا وابنى .. بس ربك كان كريم جوى .. وجالى انه هيتجوزنى على سنة الله ورسوله .. ومحدش عرف بجوازنا الا أربعه .. أبوى الله يرحمه وهو اللى جه حدانا فى مصر وجوزنى له .. و "عبد الرحمن" و مرته .. و"بهيرة" عمتك يا ولدى
قال "مراد" بدهشة :
- عمتو ؟
قالت "زهرة" :
- ايوة يا ولدى .. اتصلت بيها وجولتلها انى اتجوزت على سنة الله ورسوله ولما ابنى "مراد" يكبر جوليله أمك ما غلطتش واصل ومعملتش أى حاجه يخجل منها
ثم غشت العبرات عينيها وهى تقول بصوت باكى :
- لكنها جالتلى ان أبوك جالك انى مت آنى وأخوك .. ساعتها حسيت انى مت فعلاً يا ولدى
ربت "مراد" على كتفها وقالت وهى تبكى :
- طول السنين اللى فاتت كان نفسى أشوفك مرة واحدة بس .. كان نفسي أجولك أنى عايشه ومظلومة يا ولدى .. ظلمونى وحرمونى منك غصب عنى يا "مراد"
تنهد "مراد" بألم .. وتساقطت العبرات من عيني "مريم" .. بدا على "زهرة" الإرهاق والتعب فقال لها "مراد" بقلق :
- ماما انتى كويسه ؟
أومأت برأسها فقال :
- طيب نامى واتراحى كفاية كلام كده .. نكمل كلامنا الصبح
غادر الاثنان الغرفة بعدما طلب من الممرضة الحضور وملازمة فراش أمه .. دخلت "مريم" الى الغرفة وجلست على الفراش واجمة .. دخل "مراد" وأغلق الباب ومسح وجهه بكفيه ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى أول مرة تعرفى الكلام ده ؟
أومأت برأسها ايجابا وقالت :
- أيوة .. كل اللى كنت عارفاه ان بابا كان متجوز ماما "زهرة" بعد ما جوزها طلقها .. وانها جالها مرض وشالت الرحم ومعدتش بتخلف .. وبابا اتجوز ماما وخلفنى أنا واختى
ثم أكملت وهى شارده بحزن :
- ماما مكنتش بتحب ماما "زهرة" ومكنش فى اى علاقة بينهم وبابا كان معيش كل واحد فيهم فى شقة بعيده عن التانية .. ومبتدتش أشوف "ماجد" و اعرفه غير بعد ما أهلى ماتوا فى الحادثة .. وبعدها كتبنا كتابنا وكانت ظروفنا صعبة واضطريت أنزل أشتغل عشان مصاريف علاج ماما "زهرة" كانت كبيرة علينا لانها تعبت أوى بعد وفاة بابا وأصلا كان عندها ضغط عالى واعدت فترة كبيرة فى المستشفى وده اللى عطل جوازنا .. لحد ما عرفنا بمرض "ماجد" بس للأسف معرفناش الا فى مرحلة متأخره جدا ..
قالت بألم :
ياترى ايه اللى هيحصل مع مريم ومراد وياترى لما تعرف بأعاقة مراد هتعمل ايه
يتبع
.. مهما كان ومهما حدث .. لم يسمح لأحد أبداً منذ أن خرج من المستشفى أن يراه ناقصاً .. معاقاً .. عاجزاً .. لا يستطيع الحركة بدون ساقه الصناعية ..
والنظرة الثانية رآها فى عين زوجته السابقة .. النفور .. لم تكن نظرة .. بل خنجراً انغمس داخل قلبه .. لتسيل منه كل دمائه وتسقط أرضاً دون أن تأبى لها .. لن يتحمل رؤية أى من تلك النظرتين فى عيني "مريم" .. ان فعلت فسيلفظها لفظاً خارج حياته وللأبد .. ظل يتمنى شيئاً واحداً .. ألا يرى أى منهما فى عينيها .. الشفقة .. و النفور
****************************************
قالت "سارة" لـ "نرمين" على طاولة الطعام :
- لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق ان مامة "مراد" عايشة
ققالت "نرمين" بإستغراب شديد :
- ليه بابا الله يرحمه قالنا وقاله انها ماتت وان أخوه كمان مات ؟
قالت "سارة" بدهشة :
- وكمان مش قادرة اصدق ان "مريم" كانت مراة أخو "مراد" التوأم .. قصة ولا فى الأحلام
قالت "نرمين" متسائله :
- يا ترى ماما مضايقة من وجود مامة "مراد" هنا ؟
قالت "سارة" بسرعة :
- لا طبعا انتى مش عارفه ماما ولا ايه
ثم قالت بأسى :
- وكمان انتى شافيه حالها عامل ازاى .. صعبانه عليا اوى انها مبتتكلمش .. "مريم" بتقول ان ده حصلها بعد وفاة أخو "مراد"
قالت "نرمين" بحزن :
- زمان "مراد" زعلان عشانها أوى .. بس أكيد فى نفس الوقت فرحان انه شافها
************************************
استيقظت "مريم" ورأت "مراد" خارجاً من الحمام يحمل منشفته ابتسم لها قائلاً :
- صباح الخير يا كسلانه
ابتسمت بصعوبة وقالت :
- مش عارفه ليه حسه أكن حد كان بيضربنى طول الليل
انفجر "مراد" ضاحكاً .. وقال :
- برئ يا بيه .. مجتش جبمك
ضحكت هى الأخرى وقامت متكاسلة .. أوقفها "مراد" قائلاً وبدا عليه القلق وقال :
- "مريم" عايز أتكلم معاكى النهاردة فى حاجة مهمة
ظهرت علامات الجدية على وجهها وقالت :
- أنا كمان عايزة أكلمك فى موضوع مهم
قال "مراد" بإهتمام :
- عايزة تقولى ايه
سمعت طرقات دادة "أمينة" على الباب وهى تقول :
- الفطار يا سي "مراد"
قالت "مريم" بسرعة وهى تدخل الحمام :
- نفطر وبعدين نتكلم
وقفت "مريم" تنظر الى نفسها فى المرآة وهى تشعر بتوتر بالغ .. كيف ستخبره .. كيف سيتقبل الأمر .. تُرى ماذا سيكون رد فعله .. كان الأمر أهون حينما كانت تظن أن "زهرة" والدة "ماجد" فقط .. وأنها بالنسبة له زوجة أبيه .. أما وأنها والدته .. فقد إزدادت خوفاً على خوف .. لكن يجب اخباره .. لا حل أمامها سوى اخباره بكل شئ .. فليظن ما يظن .. لم يخطئ أحداً فى شئ .. ستخبره وليكن ما يكون
********************************************
انتهوا من تناول افطارهم وصعد "مراد" للإطمئنان على أمه .. جلس معها بعض الوقت ثم خرج ليبحث عن "مريم" .. قال فى نفسه يجب أن أنهى هذا الأمر الآن .. لن أنتظر أكثر .. صعدت "مريم" لتبحث عن "مراد" .. يجب اخباره بما تخفيه عنه .. "زهرة" لا تتكلم لكن "مريم" تتكلم .. ويجب أن يعلم .. تقابلا فى أعلى السلم .. وكل منهما يبحث عن الآخر .. ليخبره بالسر الذى يؤرق مضجعه .. نظر كل منهما الى الآخر بقلق وتوتر وخوف .. خوف من الخسارة .. خوف من أن تتبدل الأمور .. خوف من أن تتبدل المشاعر .. تحدث "مراد" أولاً وقال :
- تعالى فى المكتب
نزلت "مريم" معه وتوجها الى المكتب .. اغلق الباب ووقفا قبالة بعضهما البعض .. كل منهما ينتظر من الآخر أن يتحدث أولاً .. لتقل رهبته قليلاً .. قال "مراد" :
- ابدأى انتى يا "مريم" .. كنتى عايزه تقوليلى ايه
شعرت بالتوتر وبدا عليها الإرتباك .. فحثها "مراد" قائلاً :
- خير يا "مريم" .. اتكلمى
بلعت "مريم" ريقها بعصوبة .. ثم قالت وكأنها تريد ازاحة حمل ثقيل عن كتفيها :
- فى حاجة كنت مخبياها عنك .. بس صدقنى لو كنت أعرف ان ماما "زهرة" مامتك كنت قولتهالك من الأول .. لكن أنا مكنتش مدركه ان الموضوع هيخصك أوى كده وان ماما "زهرة" تبقى مامتك
قال لها بقلق :
- فى ايه يا "مريم" .. اتكلمى
قالت "مريم" وهى تنظر اليه لتتبين رد فعله :
- ماما "زهرة" .. تبقى ......
نظر اليها بإمعان قائلاً :
- تبقى ايه ؟
تنهدت ثم قالت :
- تبقى مراة بابا الله يرحمه
اتسعت عينا "مراد" دهشة .. حاول أن يستوعب ما قالت .. سألها وهو مصدوم :
- ماما كانت متجوزة باباكى انتى ؟ .. "خيري" اللى قتل وهرب
قال "مريم" بحده :
- بابا مقتلش حد .. مش بابا اللى قتل
صمت "مراد" قليلا ثم قال بحزم :
- مفيش داعى نفتح الموضوع ده لانى عارف كويس أوى ان مش بابا اللى قتل .. وان باباكى هو اللى قتل
صاحت "مريم" بغضب :
- بابا مقتلش حد .. فاهم .. بابا مقتلش حد
قالت ذلك ثم غادرت المكتب دون أن تنتظر سماع ما يريد قوله
خرجت "مريم" الى الحديقة وجلست فيها وهى تشعر وكأن الدنيا تنهار حولها وهى لا تستطيع فعل شئ لمنعه هذا الانهيار .. شعرت بالحنق والضيق من النبش فى الماضى خاصة ان كان مؤلماً .. تنهدت فى ضيق وهى تتذكر اتهام "مراد" لوالدها بالقتل .. تجمعت العبرات فى عينيها وهى تتذكر والدها الحانى التقى الطيب الذى لا يترك فرضاً والذى يشهد الناس له بحسن الدين والخلق .. لا يمكن أن يقتل .. لا يمكن .. اقترب منها "مراد" وجلس بجوارها .. نظرت اليه بعتاب ثم أشاحت بوجهها فى حده .. قال "مراد" بحنق :
- أنا آسف يا "مريم" .. مش قصدى أعيب فى والدك الله يرحمه .. أنا عارف انك كنتى بتحبيه أوى .. مكنش قصدى اشوه صورته أدامك
نظرت اليه "مريم" بحده وقالت :
- انت مشوهتش صورته أدامى ومحدش يقدر يشوه صورتى أدامى لانى عرفاه كويس .. وعارفه انه مستحيل يعمل كده
نظر اليها "مراد" بغضب وقال :
- وأنا عارف بابا كويس .. مستحيل بابا يقتل
قالت "مريم" بحزم :
- وأنا متهمتش باباك بحاجه .. كل اللى قولته ان بابا مقتلش .. لكن انت اتهمت بابا بالقتل .. أنا ما أسأتش الظن فى باباك لانى معرفوش .. لكن انت أسأت الظن فى بابا رغم انك متعرفوش ومتعرفش أى حاجه عنه
تنهد "مراد" قائلاً مصدقاً على كلامها :
- فعلاً معاكى حق .. مكنش لازم أقول اللى قولته .. مش عشان أدافع عن بابا يبقى أتهم باباكى
هدأت "مريم" قليلاً .. فالتفت اليها "مراد" وقال مرة أخرى بصوت منخفض :
- أنا آسف يا "مريم" متزعليش منى
نظرت اليه "مريم" ومازال شئ من الضيق فى عينيها .. فنظر اليها بحنان قائلاً :
- مبحبش أشوفك مضايقه
اختفى فجأة كل الضيق من عينيها لتبتسم وتنظر أرضاً .. التفت "مراد" تجاهها وامتدت أصابعه لتلعب بخصلات شعرها ..رفعت رأسها لتنظر اليه .. ودت أن يتحدث .. ودت أن يخبرها بكل مشاعره تجاهها .. ودت أن يؤكد لها ما تراه فى عينيه .. كانت عيناه تشعان حباً وحناناً .. شعرت بأن داخل هذا الرجل الذى يبدو عليه الغلظة والقسوة يوجد بحر من الحنان .. ودت لو غرقت فيه .. للأبــد ..
اقترب منها وقال بصوت متهدج :
- "مريم" .. أنا .....
نظرت اليه تنتظر بلهفه ما يريد قوله .. بدا وكأنه يعانى صراعاً بداخله .. بدا الخوف فى عينيه .. ودت لو علمت سبب هذا الخوف .. حثته قائله :
- انت ايه ؟
قال "مراد" بصعوبه وهو خائف من خسارتها :
- فى حاجة عنى لازم تعرفيها
صمت قليلاً ثم قال :
- هما حاجتين مش حاجة واحدة
نظرت اليه "مريم" وقالت برقه :
- ايه هما ؟
نظر اليها "مراد" بحنان ومسح بيده على شعرها برقه قائلاً :
- أنا كنت متجوز قبل كدة
لم تخبره "مريم" بأنها علمت ذلك من دادة "أمينة" .. تركته يكمل حديثه قائلاً :
- واطلقنا من 6 سنين
نظرت اليه دون أن تتحدث كان يراقب تعبيرات وجهها ونظرات عينيها .. شجعه هدوئها ونظراتها المشجعه على المواصله فقال :
- هى اللى طلبت الطلاق .. ومكنش فى حد فى حياتى قبلها .. ولا بعدها
صمت للحظة ثم احتواها بعينيه قائلاً بحنان :
- لحد من فترة قريبة .. فى واحدة قدرت تحرك قلبي نحيتها .. بعد ما كنت فاكر انه خلاص مات ومفيش حاجه تقدر تحركه
تعالى صوت دقات قلبها حتى كادت أن تسمعه بأذنيها .. صمتت وقد احمرت وجنتاها .. انتظرت أن يكمل كلامه .. قال "مراد" بتوتر :
- "مريم" .. الحاجة التانية اللى عايزك تعرفيها ........
أمسك بكفها يحتضنه بين كفيه .. رأت صدره يعلو ويهبط من سرعة تنفسه .. وبدا عليه الوجوم والإضطراب .. ضم كفها بين كفيه يحتضنه بقوة .. كما لو كان يخشى أن ينزلق هذا الكف من بين يديه مبتعداً بعدما يخبرها بأمر اعاقته .. كانت كل ذرة فيه تهمس .. لا تتركنى لن أحتمل بعدك ليس ذنبي ما أصابنى لست أنا من قدر أن أصاب بهذا .. اعاقتى لا تعوقنى عن ممارسة حياتى بشكل طبيعي .. لن تخجلى منى بين صديقاتك .. لن تشعرى بأننى مختلف عن أى رجل آخر .. فقط جزء من جسدى مبتور .. لم أرد بتره .. لكن الله أراد .. ساقى الصناعية تحل محل الجزء المبتور .. لن تشعرى بالنقص معى .. لن تسيري معى وأنتِ خجلة منى .. من يرانى لا يعرف بأمر اعاقتى .. لا يعرف بأن قدمى مبتور .. ليس ذنبي فلا تعاقبينى .. لا تحرميني منكِ .. لا تنظرى الى بشفقه لست فى حاجة الى شفقتكِ بل أنا فى أمس الحاجة الى حبك وحنانك الى مشاركتك لحياتى الى انجاب أولاد منكِ الى تكوين أسرة معكِ الى أن تكونى سكنى وأكون سكنك .. لا تتركيني يا "مريم" أنتى آخر أمل لى فى أن أحب وأُحب كأى رجل عادى .. لن أحب غيرك يا "مريم" لن أفتح قلبي لسواكى .. لا تطعنيني مثلما فعلت زوجتى السابقة ومثلما فعلت من تقدمت لها ومثلما فعلت كل من عرفت بإعاقتى .. كونى دوائى يا مريم ولا تكونى سبباً فى زيادة آلامى وأحزانى .. لن أحتمل بعدك فلا تحرميني منكِ .. بداخلى حب كبير لكِ فلا تتخلى عنه وعنى .. لن يحبك رجل مثلما أحبك .. لم يحبك رجل مثلما أحبك .. كونى لى زوجة وحبيبة ورفيقة طريقي .. وسأعطيكي قلبي عمرى وكل ما أملك
تكلم بقلبه دون أن يجرؤ على قول تلك الكلمات بلسانه .. شعرت "مريم" به .. وبمعاناته .. ودت لو علمت بسببها .. ودت لو طمأنته .. ودت لو علمت همه وما يؤرقه .. نظرت اليه .. فى انتظار أن يتكلم .. أن يبثها نجواه .. نظر اليها يتأملها .. نظر اليها ليعلم كيف سيكون رد فعلها .. كيف ستنظر اليه .. ماذا سيرى فى أعماق عينيها .. فتح فمه ليتحدث .. فقاطعه صوت "نرمين" التى تقول :
- أبيه أبيه .. طنط "زهرة" اتكلمت
هب "مراد" و "مريم" واقفين .. قال "مراد" بلهفه :
- بجد اتكلمت ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- أيوة كنت أعدة معاها .. وفجأة لقيتها بتقولى (مراد)
ابتسمت "مريم" بسعادة وأسرع ثلاثتهم فى اتجاه غرفة "زهرة" .. جلس "مراد" بجوارها على الفراش وأخذ ينظر اليها بلهفه قائلاً :
- ماما انتى قولتى اسمى ؟ .. ناديتي عليا
ابتسمت "زهرة" وقالت بصعوبة وبصوت أجش للغاية :
- "مراد"
ثم قالت :
- ولدى
ابتسم "مراد" وعانقها عناقاً طويلاًوهو يقبل رأسها ويديها .. اغروقت عبرات الجميع بالدموع .. ابتسمت "مريم" وسط دموعها واقتربت من "زهرة" قائله :
- ماما "زهرة"
التفتت اليها "زهرة" قائله بنفس الصوت الأجش :
- "مريم" بنيتي
كانت سعادة "مريم" غامرة وهى تستمع الى اسمها من بين شفتى "زهرة" .. وكانت ايضاً سعادة "مراد" لا توصف .. فى هذه اللحظة دخلت "ناهد" وهى تقول بلهفه :
- فى ايه يا ولاد .. ليه كنتوا طالعين بتجروا كده ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- طنط "زهرة" اتكلمت
ابتسمت "ناهد" واقتربت منها قائله :
- حمدالله على سلامتك
قالت لها "زهرة" بصوتها الاجش :
- الله يسلمك
ثم التفتت الى "مراد" تسأله :
- مين ؟
نظر "مراد" الى "ناهد" ثم الى "زهرة" وقال :
- دى أمى اللى ربتنى .. مراة بابا الله يرحمه
التفتت "زهرة" تنظر الى "ناهد" تطلعت المرأتان الى بعضهما البعض .. ثم تنهدت "زهرة" وقالت :
- الله يرحمه ويرحم جميع أمواتنا
قالت "ناهد" :
- اللهم آمين
التفتت "زهرة" الى "مراد" قائله بصوت متعب مبحوح :
- بدى أتحدث معاك كتير يا ولدى
قبل "مراد" يدها قائلاً :
- وأنا نفسي أتكلم معاكى كتير أوى يا أمى
ثم قال بحنان :
- بس ارتاحى دلوقتى وان شاء الله بكرة هنروح المستشفى عشان بس نطمن عليكي .. وان شاء الله لما نرجع نتكلم مع بعض زى ما انتى عايزه .. المهم عندى صحتك دلوقتى
قالت "زهرة" وهى تغمض عينيها شاعره بالوهن :
- ماشى يا ولدى .. ربنا يباركلى فيك
*************************************
كانت سهى فى عملها .. عندما رن هاتفها .. نظرت لتجد المتصل "سامر" .. أغلقت فى وجهه .. و فتحت الهاتف بعصبية وأخذت الشريحة كسرتها الى نصفين ثم ألقتها فى سلة المهملات .. وظلت تستغفر ربها .. و "مى" ترمقها بنظرات حانيه وتدعو لها فى سرها بالثبات
عادت "مى" الى بيتها لتستقبلها والدتها بلهفه قائله :
- يلا يا "مى" العريس زمانه على وصول
قالت "مى" بتأفف :
- طيب يعني أعمل ايه يعني افرشله الأرض ورد ؟
قالت أمها :
- ادخلى خدى شاور و اعملى ماسك وشك شكله باهت
قالت "مى" بحنق :
- والله أنا كده اذا كان عجبه
دخلت "مى" غرفتها وجلست على فراشها وهى تقول :
- يارب ولو مليش خير فيه اصرفه عنى يارب
دخلت الحمام وأخذت دشاً تهدئ به نفسها وتحد من توترها .. ارتدت ملابس محتشمة ولم تضع أى زينه كعادتها .. سمعت جرس الباب فشعرت بتوتر بالغ .. جلست على فراشها تستغفر ربها لتهدئ من روعها .. دخلت أمها تنظر اليها قائله :
- حطى على الأقل كحل .. عينك شكلها دبلان
قالت "مى" بحنق :
- مش حاطه حاجة أنا مبحطش ميك اب أدام أى راجل غريب .. مش هاجى أحط دلوقتى عشان جناب العريس
زفرت أمها قائله :
- طيب يلا اخرجى .. تعالى على المطبخ الأول خدى صنية الشاى
قامت "مى" ودخلت المطبخ مع أمها وقالت بضيق :
- ايه الحركات النص كم دى .. ما تدخلى انتى صنية الشاى يا ماما .. مش لازم يعني أنا اللى أدخلها
قالت أمها بحزم :
- "مى" اتفضلى الصنية وادخلى الصالون الراجل مستنى
أخذت "مى" الصنية وقالت لأمها بتوتر :
- هو لوحده ولا معاه حد
قالت أمها :
- لوحده
تقدمت "مى" من الصالون وهى تنظر أرضاً .. هتف والدها :
- اتفضلى يا عروسه
هتفت فى نفسها : عروسة ايه بس يا بابا
تقدمت "مى" تجاه الرجل .. لم ترفع عينها لتنظر الى وجهه .. قالت بصوت منخفض :
- اتفضل
مد يده ليأخذ منها فنجان الشاى قائلاً :
- متشكر يا آنسه "مى"
قفز قلب "مى" من مكانه عندما استمعت الى صوته .. رفعت نظرها لتنظر اليه .. شعرت بالصدمة .. "طارق" .. ارتجفت يداها وسقطت منها صنية الشاى فوق قدميه .. فقام يصرخ من الألم بعدما حرقه الشاى الساخن .. نظرت اليه مصدومة وهى لا تدرى ماذا تقول .. صرخ والدها فيها :
- ادخلى هاتى فوطة ولا أى حاجة
تسمرت فى مكانها للحظات ثم أسرعت الى الحمام وأحضرت الفوطة وأعطتها له وقد احمرت وجنتاها بشدة وقالت بإضطراب :
- أنا آسفة أنا آسفة أوى
قال "طارق" وهو يمسح الشاى عن يديه وبنطاله :
- حرقتيني فى الرؤية أمال بعد الجواز هتعملى فيا ايه
قالت بخجل وتوتر شديد بصوت على وشك البكاء :
- والله آسفة مكنش قصدى
قال "طارق" مبتسماً :
- كنت بهزر معاكى
نظر اليها أباها شذراً قائلا :
- اتفضل يا ابنى استريح .. وهدخل أشوفلك حاجة من عندى تلبسها
دخل والدها وتركهما .. فنظر اليها "طارق" قائلاً :
- أنا كنت حاسس انك ممكن تتصدمى بس مكنتش متصور انك هتدلقى عليا صنية الشاى
قالت بإضطراب وهى تتحاشى النظر اليه :
- بصراحة متوقعتش أبداً وبعدين بابا مقاليش على اسم حضرتك بالكامل
قال "طارق" :
- أنا اتعدمت ما أقولوش كنت عايزها مفاجأة
ثم ضحك قائلاً :
- وجت فوق دماغى
ابتسمت بخجل دون أن تنظر اليه .. فقال "طارق" هامساً :
- طيب بسرعة كدة قبل ما باباكى ييجي قوليلى هى مفاجأة حلوة ولا وحشة ؟
شعرت بالدهشة فلم تعتاده متحدثاً معها بتلك الطريقة .. صمتت ولم تجب .. فحثها قائله :
- بسرعة قبل ما الحكومة تطب علينا
قالت "مى" وهى مازالت تتحاشى النظر اليه :
- ممكن أسأل حضرتك سؤال
قال "طارق" مبتسماً :
- سؤال بس .. اسألى زى ما انتى عايزه
قالت "مى" بجديه :
- ممكن أعرف ليه اتقدمتلى ؟ .. ليه أنا بالذات رغم انك عارف انى عارفه انك ........
صمتت ولم تكمل فأكمل عنها قائلاً :
- رغم انى عارف انك عارفه انى كنت معجب بصحبتك .. مش كده ؟
شعرت "مى" بالغيرة تنهش قلبها وقالت بعصبية :
- أنا آسفة مش موافقة
همت بأن تقوم وتغادر لكنه أوقفها قائلاً :
- انتى على طول أفشه كده .. لا بقولك ايه أنا مبحبش كده .. بحب الصراحة .. يعني عشان ميحصلش مشاكل كتير بينا لما نتجوز ان شاء الله عايزك تتعودى انك تتكملى معايا فى كل حاجة مضايقاكى مش تقفشى وتقفلى الموضوع .. اتفقنا يا "مى"
رغم أن كلماته أسعدتها الا أنها قالت بحده :
- ايه الثقة دى ومين قال لحضرتك انى هوافق أصلاً
ابتسم لها ابتسامه عذبه وقال :
- أنا عارف ان مفيش بنت تقدر تقاومنى
رفعت رأسها لتنظر اليه لأول مرة منذ أن جلست .. نظرت اليه بحدة وغضب وقالت :
- يا سلام
لكنها وجدته مبتسماً وهو يقول :
- بهزر معاكى .. انتى اللى مفيش راجل يقدر يقاومك
شعرت بالخجل مرة أخرى وأبعدت نظرها عنه فقالت بصوت خافت :
- ليه يعني زيي زى أى بنت
قال "طارق" برقه :
- لا انتى مش زى أى بنت .. انتى بنت جدعه .. ومخلصة .. وخجولة .. وطيبة .. ومحترمة .. وملتزمة .. ودغرى .. وأمينة .. وصادقة
شعرت بالسعادة وهى تستمع الى اطراءه لها وكلماته التى كان كاللحن فى أذنيها .. فاكمل قائلاً :
- وجميلة وعجبانى
احمرت وجنتيها مرة أخرى ونظرت اليه بحده قائله :
- لو سمحت مينفعش كده
ابتسم قائلاً :
- هو أنا واحد واقف على ناصية الشارع بعكسك .. مش بقولك ايه اللى عجبنى فيكى وخلانى اتقدملك .. وبعدين انتى اللى سألتيني أصلاً
صمتت "مى" وهى تشعر بالحيرة بداخلها أرادت أن تتأكد من أمر واحد .. فقالت له :
- هسألك سؤال وعايزاك تحلف انك تحاوبنى بصراحة
قال فوراً :
- لأ
رفعت رأسها لتنظر اليه فقال "طارق" :
- اتعودى ان أى حاجة اقولها تصدقيها فوراً من غير حلفان وانتى أى حاجة تقوليها هصدقها فوراً من غير حلفان
ابعدت عينها مرة أخرى وابتسامه صغيره ترسم على شفتيها .. ثم اختفت تلك الابتسامه لتسأل بجدية :
- انت لسه حاسس بحاجة ناحيه "مريم" ؟ .. وبصراحة ومش هزعل
صمت "طارق" قليلاً .. شعرت بالتوتر خلال فترة صمته .. الى أن قال :
- أنا هحلف المرة دى بس لانك لسه متعرفيش "طارق" .. أقسم بالله العظيم من ساعة ما صحبي اتجوزها وحسيت انه بدأ يحبها ويتعلق بيها وأنا شيلتها من قلبي ومن عقلى تماماً .. ولو حاسس ناحيتها بأى حاجة مكنتش جيت اتقدمتلك انتى .. وأنا عارف ان انتى الوحيدة اللى كنتى عارفه بمشاعرى نحيتها لانك الوحيدة اللى قرأتى رسالتى ليها .. يعني لو حاسس بحاجة نحيتها فأكيد هختار أى واحدة تانية غيرك متكونش عارفه انى كنت هتقدملها
شعرت "مى" بأنها تصدقه بالفعل ..لكنها أرادت الإطمئنان أكثر فقالت :
- "مراد" صاحبك .. وأنا صحبتها .. يعني لو حصل نصيب هنبقى معرضين ان حد يجيلنا او احنا نروحلهم .. ازاى هنبقى أعدين مع بعض كلنا فى مكان واحد وأنا عارفه انك كنت حاسس بحاجه نحيتها
قال "طارق" بمرح :
- هو انتى عايزة تعدى معايا أنا و "مراد" ليه ان شاء الله .. هو انتى هتتجوزى راجل ولا شوال بطاطا .. انا معنديش النظام ده .. نظامى الرجالة فى حته والستات فى حته .. وحسك عينك تنطقى اسم "مراد" ولا أى حد من صحابى تانى
اتسعت ابتسامة "مى" رغماً عنها .. فأكمل بجديه :
- ياريت منتكلمش فى الموضوع ده تانى وننهيه دلوقتى حالا ونشيله ونرميه ورا ضهرنا .. عشان أن مش عايز أى حاجة تعكر حياتنا مع بعض
ثم قال بحنان :
- ماشى يا "مى"
أومأت برأسها ونظرت اليه مبتسمه وقالت بخجل :
- ماشى
جاء والدها يهتف :
- مش لاقى أى حاجة مقاسك يا ابنى
قال "طارق" بمرح :
- ولا يهمك يا عمى أنا خلاص قربت أنشف
ضحكت "مى" وهى تكتم بيديها صوت ضحكها .. ثم التفتت اليه قائله :
- معلش بجد آسفة
لمحت نظرت سعادة فى عينيه وهو يقول هامساً :
- ولا يهمك فداكى البنطلون وصاحب البنطلون
**************************************
قال محامى "حامد" بقلق :
- يارب الموضوع ده ميجبلناش مشاكل يا "حامد" بيه احنا مش ناقصين
ضحك "حامد" قائلاً :
- ميبقاش قلبك خفيف كده .. أنا ساعدته مش أكتر والباقى عليه هو
قا المحامى بقلق شديد :
- ربنا يستر
قال "حامد" بتهكم :
- يا متر قولتلك ميبقاش قلبك خفيف .. وبعدين هو أصلا ميعرفش مين اللى اتصل بيه .. متقلقش مفيش أى حاجة ضدى .. وبكرة نخلص كمان من القضية كلها لما "مراد" يتكل .. ساعتها القطة مش هتقدر تقف قصاد "حامد" أبداً وهعرف ازاى أنتقم منها على اللى عملته
**************************************
هتفت "مراد" فى الهاتف :
- ألف ألف مبروك يا "طارق" بجد فرحتلك من قلبي
قال "طارق" بسعادة :
- الله يباركلك يا "مراد" .. وزى ما قولتلك ان شاء الله الفرح هيكون خلال شهر
قال "مراد" ضاحكاً :
- ايه سلق البيض ده يا ابنى
ضحك "طارق" قائلاً :
- شوفت يا بنى .. أنا بحب أجيب من الآخر .. مش لسه هخطب و أكتب كتاب ومش عارف ايه .. لا احنا بنجيب من الآخر وبندخل على الفرح على طول
ابتسم "مراد" بسعادة قائلاً :
- ربنا يهنيك يا "طارق" ويسعدك .. وأحلى حاجة فى الموضوع .. انها صاحبة مراتى .. لانى بجد بعزك جداً يا "طارق" وانت بجد أخ ليا .. وصداقتك حاجة ليها قيمة كبيرة عندى
قال "طارق" مبتسماً :
- تسلم يا "مراد" انتى كما أخويا بجد .. وان شاء الله صداقتنا دى تفضل طول العمر
قال "مراد" بسعادة :
- ان شاء الله
***************************************
- ألف مبروك يا "مى" بجد فرحتلك أوى
صاحت "مريم" بهذه العبارة على الهاتف .. فقالت "مى" ضاحكة :
- تسلمى يا "مريم" الله يبارك فيكي
قالت "مريم" بلهفه :
- بس بجد مفاجأة جميلة أوى .. بجد مش مصدقة .. انتى بنت حلال وتستهلى كل خير يا "مى"
قالت "مى" بسعادة :
- ربنا يكرمك يا "مريم" انتى كمان بنت حلال وتستاهلى كل خير
صاحت "مريم" بسعادة كالأطفال :
- مش مصدقه أخيرا هيبقى في فرح وأحضره .. ياااه كان نفسي أوى أحضر فرح ..
قالت "مى" :
- بقولك ايه رجلك على رجلى أنا قدامى شهر واحد وعايزاكى معايا بجد
قالت "مريم" بحماس :
- طبعاً يا حبيبتى مش ممكن أتأخر عنك أبدا
صاحت "مى" بسعادة :
- أنا فرحانه يا "مريم" .. فرحانه أوى بجد .. لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق
ضحكت "مريم" قائله :
- لا صدقى يا حلوة .. والحقى اتمتعى بحريتك فى الشهر ده .. قبل ما تدخل القفص يا جميل
قالت "مى" بمرح :
- يا ستى قفص قفص المهم ندخل
ضحكت "مريم" بشدة وقالت :
- ده انت واقعه أوى
قالت "مى" ضاحكة :
- أعمل ايه بحبه بجد
قالت "مريم" مبتسمه :
- بس انتى ندله على فكرة .. عمرك يعني ما قولتيلى ولا لمحتيلى .. رغم انى فعلا كنت ساعات بحس بكده .. بس انتى عمرك ما قولتي أى حاجه
قالت "مى" :
- بجد يا "مريم" مكنتش قادرة اقول حاجة ولا حتى أتكلم مع نفسي فى الموضوع ده .. كنت بحاول أتجاهل احساسى .. لانى مكنتش عايزة أعمل حاجة غلط .. أنا عمرى ما هكون أبداً زى البنات اللى بتعمل البدع عشان تلفت نظر راجل ليها .. أنا مش كده لا دى تربيتي ولا أخلاقى .. وكنت حساه مش شايفنى أصلاً .. وعشان كده كنت بحاول انسى نفسي الموضوع ده
قالت "مريم" بمرح :
- أهو طلع شايفك ومعلم عليكي كمان
ضحكت "مى" قائله :
- انتى اتعلمتى اللغة دى فين ؟
ضحكت "مريم" قائله :
- "نرمين" ربنا يخليها بتروح الكلية وترجعلنا بمصطلحات غريبة
ثم قالت :
- بجد فرحانه عشانك يا "مى" ربنا يتمملك على خير ويسعدك دايماً يارب
*************************************
لم تستطع "مريم" التحدث مع "مراد" اليومين الماضيين بدا وكأنه يتهرب منها .. ومن الحديث معها .. منذ أن كانا فى الحديقة وقاطعتهما "نرمين" لم تعلم حتى الآن ماذا أراد أن يخبرها .. وهى لم تحاول الضغط عليه .. وانشغل طيلة اليومين الماضيين بفحوص والدته الطبية .. الى أن اطمئن الجميع على صحتها .. وشعر "مراد" بالراحة والطمأنينة .. فى هذا اليوم لم يأتى "مراد" الى غرفته انتظرته طويلاً ولم يحضر .. قررت أن تسأله عما كان يريد قوله عندما قاطعتهما "نرمين" .. خرجت "مريم" لتجد السكون يعم المنزل ظنت ان "مراد" فى مكتبه همت بالنزول لكنها توجهت أولاً الى غرفة "زهرة" للإطمئنان عليها .. طرقت الباب وفتحته لتجد "مراد" جالساً بجوار "زهرة" .. قالت بحرج :
- كنت فاكرة ان ماما "زهرة" لوحدها
قالت "زهرة" :
- تعالى يا بنيتي .. كنت لسه بجول لـ "مراد" يجوم يناديلك .. عايزاكى انتوا التينن
دخلت "مريم" وهى تتوجس خيفه .. كان "مراد" يجلس بجوار والدته على الفراش .. جلست على أحد المقاعد .. نظرت "زهرة" الى "مراد" قائله :
- دلوجيت يا ولدى أجدر أحكيلك كل شئ انت ومرتك
نظر "مراد" الى "مريم" ثم الى "زهرة" ثم قال :
- أنا عارف يا ماما .. "مريم" قالتلى انك كنتى متجوزه باباها
قالت "زهرة" :
- لا يا ولدى مش جصدى اكده .. آنى جصدى السبب اللى خلى بوك وأهلك يجولولك انى مت وان خوك مات
أرهفت "مريم" أذنيها تستمع الى كلام "زهرة" بإهتمام .. وكذلك فعل "مراد" الذى أولاها كل انتباهه .. تحدثت "زهرة" بضعف وقالت :
- زمان جوى .. وجت ما كنت بنت صغيره .. شفنى "خيري" الله يرحمه وكان رايد يتجوزنى
قال "مراد" مستفهاً :
- "خيري" .. اللى هو بابا الله يرحمه مش كده ؟
صمتت "زهرة" قليلاً ثم نظرت الى "مريم" قائله :
- لا .. "خيري السمري"
نظرت اليها "مريم" بدهشة .. وعقد "مراد" ما بين حاجبيه وحثها قائلاً :
- وبعدين يا ماما .. ايه اللى حصل ؟
أكملت "زهرة" بضعف :
- وبعدين رفضوا أهلى الجوازه .. لانى من عيلة "الهواري" .. و "خيري" من عيلة "السمري" والعيلتين دول كان بيناتهم عداوة كبيرة جوى .. وتار من زمان جوى جوى .. ومكانوش بيطيجوا بعض .. الكل رفض جوازى من "خيري" وآنى كنت بنت صغيره مكنش ليا رأى .. بعدها اتجدملى "خيري الهواري" أبوك يا ولدى كان يجربلنا .. وافجوا أهلى عليه .. لانه من نفس عيلتنا .. واتجوزته
ثم أمسكت بيد "مراد" وقالت بتأثر :
- قسماً بالله يا ولدى كنت مخلصة لأبوك طول فترة جوازنا
ثم قالت بأسى :
- بس الله يرحم حماتى ويسامحها .. بعد ما خلفتك انت و "ماجد" تعبت ودخلت المستشفى والدكاتره جالوا انى لازم أعمل عمليه واشيل الرحم .. جدر ومكتوب يا ولدى
نظر اليها "مراد" بتأثر فأكملت :
- حماتى معجبهاش اللى حوصل .. مع انه مرض مش بيدي ولا بيد حدا .. ده بيد اللى خلجنى وخلجك .. كانت بتحاول تخرب عليا بكل شكل .. وكانت بتترجى أبوك يتجوز عليا .. بس أبوك مرضيش يتجوز ولا رضى يسيبنى .. لحد ما اتفجت مع حريم فى البلد انهم يجولوا انهم شافونى مع "خيري السمري"
التفتت الى "مريم" تقول :
- أبوكى يا بنتى
اتسعت عينا "مريم" من الدهشة .. وألجمت الصدمة لسان "مراد" فنظرت "زهرة" الى "مراد" قائله بأعين دامعه :
- ظلمونى جوى وكل واحد منهم نهش فيا زى الكلاب السعرانه .. من غير أى دليل .. مجرد اشاعة وانتشرت وملت البلد
قالت "زهرة" بأعين دامعة وبلهجة حازمة :
- نسوا كلام ربنا نسوا انه جال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " و كمان جال: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ".. ونسوا كلام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .. اللناس اللى بنتجل الاشاعات بدون أى دليل متعرفش ان بكلمة واحدة ممكن حياة انسان تتدمر وذنبه يبجى فى رجبتها طول العمر
صمتت قليلاً وقد بدا الألم فى عينيها يشى بمدى الأذى الذى تعرضت له .. قرب "مراد" كفه ووضعه فوق كفها .. اكملت قائله :
- بعدها أبوك طلجنى يا "مراد" .. جالى آنى مش مصدج عليكي اكده بس مجدرش أعيش معاكى وسط الخلج وهما بينهشوا فى عرضك
ثم قالت بأسى :
- وحرمنى منكوا انتوا التنين انت وأخوك يا "مراد"
أجهشت "زهرة" فى البكاء .. دمعت عينا "مريم" وهى تنظر اليها وتشعر بمدى الظلم والقهر الذى تعرضت له .. لانها ذاقت من نفس الكأس يوم اتهمها الناس بأنها على علاقة بـ "جمال" .. فكانت "مريم" أكثر من تشعر بها فى تلك اللحظة .. هدأت "زهرة" قليلاً فقال "مراد" بحنان :
- كفاية يا ماما .. انتى تعبتى ارتاحى شوية .. مش مهم كلام دلوقتى
قالت "زهرة" بتصميم :
- لا مهم لازمن أجول كل اللى كنت كتماه فى جلبى طول السنين اللى فاتت يمكن أرتاح
أكملت قائله :
- حاولت كتير أخدكوا أو حتى أشوفكوا انت وخوك .. بس حماتى كان جلبها جاسى جوى .. وكانت رافضه انى أشوف ضفر عيل منكوا .. وأبوك مكنش فى يده حاجه .. مكنش بيكسر كلمة لأمه الله يسامحها .. كانت ست جويه جادره
ثم أكملت :
- فى الفترة دى حصلت جريمة جتل فى عيلة "المنفلوطى" والعيلة دى كانت بتعادى العيلتين "الهواري" و "السمري" وكان فى بينهم مشاكل وبين الاتنين "خيري" من العيلتين .. ولما اتجتل ابن "حسن المنفلوطى " .. جالوا ان اللى جتله اسمه "خيري" لانه كتب اكده بدمه على الجدار .. وأقسم "حسن المنفلوطى" انه يجتل الاتنين "خيري" .. فالعيلتين اتحدوا مع بعض وهربوهم على "مصر" وجبل ما أبوك يهرب يا ولدى .. روحت حداهم فى بيت العيلة .. كان بدى أشوفك انت وأخوك .. لجيت "ماجد" بيلعب جدام البوابه .. محستش بنفسي الا وآنى بخطفه .. وبهرب بيه ..
ثم نظرت اليه وقالت بأعين دامعه :
- كان بدى أخدك انت كمان .. بس خفت أستنى أكتر من كده حدا يشوفنى .. ومحستش بنفسي أنى بعمل ايه .. خدت "ماجد" وطلعت أجرى بيه
تعالت شهقاتها وهى تجول :
- انا اتظلمت أوى أوى أوى وملقتش حل أدامى غير كده كان لازم أعمل كده .. سامحنى يا ولدى انتى سيبتك .. سامحنى
اقترب منها "مراد" معانقاً ايها قائلاً :
- مسامحك يا أمى .. مسامحك .. انتى مغلطتيش .. انتى اتظلمتى أوى .. ربنا ينتقم من كل اللى ظلمك
قالت "زهرة" بسرعة :
- آنى مسمحاهم يا ولدى .. مسمحاهم ربنا يغفر لكل اللى ماتوا
ثم أخذت نفساً عميقاً وأكملت قائله :
- بعد اكده عرفت بموضوع جريمة الجتل وعرفت انهم أكيد هيدوروا على ولاد "خيري" ويجتلوهم .. فإضطريت أهرب آنى كمان على مصر .. مكنتش أعرف حدا فيها واصل .. وسبحان الله يشاء ربك انى أهرب فى نفس اليوم اللى هرب فيه "خيري السمري" و "خيري الهواري" واتصدمت لما لجيتهم راكبين نفس الجتر .. وجلبى وجع فى رجلى .. وفضلت جاعده بعيد عنهم عشان ميشوفونيش .. بس عيني كانت على "خيري السمري" هو الوحيد اللى بعرفه واللى ممكن يساعدنى لانى معرفش حدا فى مصر .. بعد ما نزلنا من الجتر التنين اتفرجوا وكل واحد راح فى طريج .. مشيت ورا "خيري السمري" لحد ما التفت فجأة وشافنى .. جربت منه وبكيت بين يده وجولت له يساعدنى .. يساعدنى انى الاجى شغل وسكن عشان أعيش أنا وابنى .. بس ربك كان كريم جوى .. وجالى انه هيتجوزنى على سنة الله ورسوله .. ومحدش عرف بجوازنا الا أربعه .. أبوى الله يرحمه وهو اللى جه حدانا فى مصر وجوزنى له .. و "عبد الرحمن" و مرته .. و"بهيرة" عمتك يا ولدى
قال "مراد" بدهشة :
- عمتو ؟
قالت "زهرة" :
- ايوة يا ولدى .. اتصلت بيها وجولتلها انى اتجوزت على سنة الله ورسوله ولما ابنى "مراد" يكبر جوليله أمك ما غلطتش واصل ومعملتش أى حاجه يخجل منها
ثم غشت العبرات عينيها وهى تقول بصوت باكى :
- لكنها جالتلى ان أبوك جالك انى مت آنى وأخوك .. ساعتها حسيت انى مت فعلاً يا ولدى
ربت "مراد" على كتفها وقالت وهى تبكى :
- طول السنين اللى فاتت كان نفسى أشوفك مرة واحدة بس .. كان نفسي أجولك أنى عايشه ومظلومة يا ولدى .. ظلمونى وحرمونى منك غصب عنى يا "مراد"
تنهد "مراد" بألم .. وتساقطت العبرات من عيني "مريم" .. بدا على "زهرة" الإرهاق والتعب فقال لها "مراد" بقلق :
- ماما انتى كويسه ؟
أومأت برأسها فقال :
- طيب نامى واتراحى كفاية كلام كده .. نكمل كلامنا الصبح
غادر الاثنان الغرفة بعدما طلب من الممرضة الحضور وملازمة فراش أمه .. دخلت "مريم" الى الغرفة وجلست على الفراش واجمة .. دخل "مراد" وأغلق الباب ومسح وجهه بكفيه ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى أول مرة تعرفى الكلام ده ؟
أومأت برأسها ايجابا وقالت :
- أيوة .. كل اللى كنت عارفاه ان بابا كان متجوز ماما "زهرة" بعد ما جوزها طلقها .. وانها جالها مرض وشالت الرحم ومعدتش بتخلف .. وبابا اتجوز ماما وخلفنى أنا واختى
ثم أكملت وهى شارده بحزن :
- ماما مكنتش بتحب ماما "زهرة" ومكنش فى اى علاقة بينهم وبابا كان معيش كل واحد فيهم فى شقة بعيده عن التانية .. ومبتدتش أشوف "ماجد" و اعرفه غير بعد ما أهلى ماتوا فى الحادثة .. وبعدها كتبنا كتابنا وكانت ظروفنا صعبة واضطريت أنزل أشتغل عشان مصاريف علاج ماما "زهرة" كانت كبيرة علينا لانها تعبت أوى بعد وفاة بابا وأصلا كان عندها ضغط عالى واعدت فترة كبيرة فى المستشفى وده اللى عطل جوازنا .. لحد ما عرفنا بمرض "ماجد" بس للأسف معرفناش الا فى مرحلة متأخره جدا ..
قالت بألم :
ياترى ايه اللى هيحصل مع مريم ومراد وياترى لما تعرف بأعاقة مراد هتعمل ايه
يتبع