اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم شيماء الجندي


لفصل الرابع والعشرون " قريب ! "

أفاقت من غفوتها فوق الأريكة تتلفت حولها بحثًا عنه بعينيها و مدت يدها إلى قميصه الأسود ترتديه فوق جسدها العاري قبل أن تستقيم واقفة تفرك عينيها الناعستين وتجمع خصلاتها بعشوائية تتبع الصوت الصادر من جهة غرفة الطعام ثم توقفت حين وجدته يعبث بحقائب فوق المنضدة موجهًا ظهره العاري لها لكنه أردف بخشونة مداعبًا إياها حين شعر بها خلفه :

- منمتيش من سنة ولا إيه ؟

تحركت إلى الداخل بخطى متثاقلة ثم وقفت بجانبه مباشرةً و إلتقطت الحقيبة تفتحها و تميل برأسها مستنشقة رائحة الطعام الشهي ثم ظهرت بسمة عابثة فوق شفتيها لمحته بطرف عينها يتوقف متأملًا إياها بصمت وهمست معتدلة تضع يديها فوق صدره العاري ثم حركت أناملها بخفة إلى أن استقرت فوق خصره :

- اها كنت مستنية تتجوزني عشان أعرف أنام !

اعتلت ثغره بسمة عابثة ومال هامسًا أمام شفتيها تزامنًا مع أحاطة خصرها بذراع و قد بدأت أنامله تعبث بأزرار قميصه المغلقة :

- دي تريقة ولا حقيقة ؟

غمزت بطرف عينها و همست له قبل أن تطبع قبلة صغيرة فوق صدغه :

- مش قولت إنك عارفني كويس أوي ؟

ثم حاولت الدوران و تناول الطعام وهي تقول ببسمة صغيرة : بس على العموم هي حقيقة أنا فعلًا أول مرة أنام كدا من فترة !

أعاق حركتها و أدارها مرة أخرى معتقلًا إياها بين ذراعيه يهمس لها مقبلًا شفتيها بلطف : لأ دا اعتراف صريح و حصري و مينفعش يتقال خطف كدا !

كانت يديه العابثة قد بدأت بحل الأزرار بينما هي تضحك بخفة و تحاول منع أصابعه من مواصلة العبث بالقميص و حاولت التملص منه مردفة بصوت يصحبه ضحكة مرتفعة :

- آسر !! اوعاا بجد جعااانة ، وبعدين هي الساعة كام أخرنا على نيرة!!!

رفعها من خصرها فوق المنضدة واسند يديه بجانب ساقيها تغركًا عينيه تجوب بإعجاب جسدها داخل قميصه صاعدًا من ساقيها المكشوفتين إلى خصلاتها المبعثرة بعشوائية حول نحرها المُثير و قد تحرك قميصه مع حركتها داخل أحضانه و كشف عن كتفها الأيسر بتمرد واضح يليق بها مانحًا إياها مظهر أنثوي بالغ الرقة والإثارة وقد ارتفعت معدلات رغبته بإلتهامها و الشعور بتلك المتمردة التي تراقبه ببسمة ملتوية كأنها تقرأ أفكاره ولم يمنحها أو يمنح حاله فرصة إعادة التفكير بل مال عليها يجذبها إلى أحضانه الدافئة محيطًا خصرها و متعمدًا ضمها إلى صدره العاري ممررًا شفتيه فوق كتفها إلى أن وصل إلى تجويف عنقها ليدس وجهه تاركًا أنفاسه اللاهثة الساخنة تتراقص مع قبلته فوق عنقها على أنغام استسلام قلبها و إرغام عقلها على التوقف هذه الليلة و إصماته رافضة لأول مرة الاستماع إلى صخب أصواته و فرض سيطرته عليها رفعت يدها المستقرة فوق ظهره وتحركت بخغة إلى أن وصلت إلى كتفه تضغط فوقه و تضمه إليها و يدها الأخرى استقرت خلف عنقه تدس أناملها بين خصلاته تنصت إلى همسه لها قبل أن يستحوذ على ثغرها جاذبًا إياها إليه بقوة أكبر :

- خلينا هنا لبكرة مش عايـز ارجع !

عقدت حاجبيها و أبعدت رأسها بعد أن أخرجها من انسجامها معه و الانخراط في مشاعرها تجاهه تهمس برفض و قد بدأت مقلتيها تراقب تجاوب ملامحه مع حديثها بحزن شديد :

- كان نفسي بس مش هينفع نيـرة لوحدها و أنت عارف لايمكن اسيبها !

كما توقعت ظهر الأسى داخل عينيه لكنه حاول الاحتفاظ بثبات ملامحه متجنبًا نقل شعور غضبه من الوضع المحيط بهم و كأنه يسرقها بضعة ساعات أو تزوجها سرًا و بدأ شعور سخطه على عائلته يتكون داخله ساخرًا من حاله أنه منذ شهور جلبها إليهم رغبة في سعادتهم و إنهاء مأساة عمه والآن لا أحد يحاول لأجله أو يثق به و بـرغبته !

وقعت عينيه على الطعام و مد يده يفتح العلبة و أمسك قطعة صغيرة يدسها داخل فمها و هو يردف مستعيدًا خشونة نبرته و محافظًا على اتزان رد فعله :

- اه و أنا كلمتها من شوية و قالتلي إنها تمام وهتدخل تنام و أكدت على الجداد محدش يدخل البيت منغير مااعرف وسليم أكدلب إنه موجود فأكيد محدش اتعرضلها !

مضغت الطعام و هي تنصت إليه مبتسمة بشرود و ممتنعة عن التعليق و إبداء إعجابها بتحمله مسؤولية شقيقتها لكنها لم تمنع حالها من النظر إليه وتأمله بصمت ليسألها بدهشة مقربًا الطعام من شفتيها :

- مالك ساكتة ليه ؟

أطلقت أنفاسها بإنهاك و عادت إلى الخلف بجزعها العلوي تستند بيديها فوق المنضدة التي اجلسها فوقها منذ قليل وكادت ترد على سؤاله لكنها عقدت حاجبيها و أردفت فجأة بتذكر :

- هو أنت مش كنت هتقعد مع عمك عاصم ؟ إزاي محدش منكم معاه دلوقت ؟

ضيق عينيه و سألها مباشرة دون مقدمات :

- وأنتِ عرفتي منين إنه رجع ؟

لوهلة شعرت بالتوتر لكنها هزت كتفيها بلامبالاة و أردفت بهدوء :

- يوسف كان بيقول لسليم قدامي ! و بصراحة أنا كنت هكلمك في الموضوع دا بس بعدها قولت استني اشوف هتعمل ايه و من كلامك كدا أنت مش حاطط أي خطط لوجودي أنا ونيرة بعد رجوعه !

قرب الطعام من شفتيها لكنها أبعدت رأسها تعقد حاجبيها من تجاهله و صمته المتعمد تنهد و ترك ما بيده ساحبًا المقعد يجلس فوقه رافضًا أفكارها بهدوء و هو يعقد ذراعيه أسفل صدره كاشفًا عن خططه القادمة لهم :

- لأ ياسديم مش هينفع تبعدي عني و هنضطر نستحمل يومين لحد ما ارتب الشقة التانية و ننقل فيها ! أنا كنت مستني ناخد خطوة في علاقتنا وأعرف أنا بالنسبالك إيه و بعدها اعمل كدا !

عقدت حاجبيها و سألته باستنكار واضح :

- وعيلتك ؟!! هتبعد عنهم !!!

هز كتفيه بدهشة و أجابها بجفاء:

- ما كل الناس لما بتتجوز بتعمل كدا مش فاهم فين مشكلتك ؟

ردت بصدق و قد اعتدلت بجلستها ووجهت وجهها العابس إليه :

- بس إحنا ظروفنا تختلف ياآسر أنت كدا بتثبت لعيلتك إني وحشة و لفيت عليك زي مابيقولوا !!!

رفع حاجبه و تشِّدْق بصدمة حقيقة من كلماتها هازًا رأسه بعدم تصديق :

- و أنا المفروض اقتنع إن سديم بيفرق معاها كلام حد ؟

اتسعت عينيها و أجابت بسخط و تجهم و هي تُشير إليه :

- الكلام دا كان ما ابقا مراتك لكن دلوقت أنا شايلة اسمك و سُمعتي هتضرك خصوصًا مع عيلتك !!

تلاشت دهشته و ابتهجت ملامحه فجأة يبتسم لها قبل أن يعتدل بجلسته واضعًا ذراعيه فوق فخذيها ثم اسند ذقنه المشذب فوقهما وسأله ببسمة مشرقة وكأنها ألقت قصيدة شعرية أطْرَبَت قلبه حين تسللت إلى مسامعه مُدركًا معانيها العفوية جيدًا :

- مراتك وشايلة اسمك في جملة واحدة ؟! طيب بذمتك أنا أقدر على كدا ؟

قاومت بسمتها من رد فعله فقد أخجلها بملاحظته الغريبة على رد فعلها الغاضب لذلك أزاحت ذراعيه عنها و أردفت بتوتر طفيف وهي تهبط من فوق المنضدة رغبة في مغادرة المكان :

- أنا بتكلم في وادي وهو في وادي تاني بجد يعني !!!

صدحت ضحكاته بقوة و أمسك يدها مسرعًا قبل أن تفر هاربة منه يجذبها إليه مُجلسًا إياها فوق ساقيه و مُحيطًا جسدها بين ذراعيه عنوة رغم حركتها الغاضبة و تمنعها الواضح إلى أن يأست و تكورت داخل أحضانه تخبئ وجهها بصدره ليردف باعتراض من بين ضحكاته المجلجلة :

- ارفعي وشك ياسديم أنا ماسكك عشان أشوف منظرك وأنتِ متوترة !!

ولم يمنحها حق الرفض حيث وضع يده أسفل ذقنها و رفع وجهها المبتسم يتأمله لحظات قبل أن ينهال عليه بقبلاته وعقله يحاول تصديق ما يمر به معها من تناقضات قد تدفعه إلى الجنون إن اقسم أحدهم له أنه سوف بقع بعشق محتالة تحمل تلك المبادئ والأسرار الصادمة لسخر منه ومر دون اكتراث لكن هكذا واقعه و تستقر بين أحضانه محتالة قلبه و عقله و عند تلك الفكرة قرر الهمس لها بصدق بجانب أذنها :

- مفيش كلمة توصف اللي وصلتيني ليه ياسديم ، والتهمة الوحيدة اللي عمرك ماهتعرفي تبرأي نفسك منها هي سرقة قلبي !!!

اخترقت كلماته الصادقة حصون قلبها معلنة عن وقوع روحها أسيرة عشقه دون مقاومة تُذكر لكنها أفاقت من خدر كلماته و أفعاله تدفعه من صدره بخفة هامسة له :

- هنتأخر كدا ياآسر !

رفع رأسه و سار بإبهامه فوق شفتيها ذهابًا و إيابًا يهمس لها مستغلًا سكونها بين أحضانه :

- كنتِ بتقولي يوسف قال لسليم قدامك على رجوع عمي مش كدا ؟

هزت رأسها بالإيجاب تنتظر سؤاله المتوقع بترقب وبالفعل أكمل و يده الأخرى تعبث بخصلاتها بلطف بالغ :

- ومتكلمش معاكِ في حاجة ؟

عقدت حاجبيها بدهشة مصطنعة و أردفت متسائلة باستنكار :

- حاجة زي إيه مثلًا ؟

رفع حاجبه و ابتسم بمكر متعمدًا تقليدها :

- حاجة تخليكِ قلقانة من صورتك قدامه مثلًا !!

بللت شفتيها و أردفت بهدوء بعد أن أعادت وضع رأسها فوق صدره تسند خدها إلى صدره مباشرة و تسير بأناملها بحركات وهمية من عنقه إلى عضلات باطنه و قد استعادت كلمات أخيه داخل عقلها :

- هو لو أهلك عاندوا و أصروا على رفضهم ليا هتعمل إيه ؟

شعرت بتوتر أنفاسه التي تلفح خصلاتها و توقفت أنامله عن العبث بخصلاتها متشدقًا بحدة طفيفة :

- والمفروض أطمن بعد سؤالك دا ؟ سديم بابا ممكن يكون عصبي شوية و خايف عليا لأني ابنه بس مش ممكن يفكر بتهور أو يضر حد عشان مصلحته أنا كدا متأكد إن يوسف قالك حاجة !!!

ابعد جسدها رغبة في النظر داخل عينيها وهي تتحدث إليه وبالفعل تابع ملامحها و هي تسأله مستنكرة :

- هو أنا محتاجة كلام من يوسف عشان أفهم رفضهم ليا ؟ أنا مش عايزاك تندم على اختيارك ليا ياآسر و مش عايزة أحس إني أنانية بالخطوة دي ؟

ضيق عينيه و سألها بدهشة : وكل دا شوفتيه دلوقت ؟ أنا متأكد ياسديم إنك مش هتاخدي خطوة اعترافك من فراغ حصل إيه خلاكِ تاخدي القرار دا وتقلقي من عواقبه دلوقت ؟

أغمضت عينيها تدفع رأسها المزدحم بالأفكار إلى الخلف و قد عجزت إيقاف عقلها الذي يصرخ بها أن تصارحه الآن بحقيقة والده مهما كانت بشاعتها و إلا اضطرت إلى إخراج خالها من السجن والعمل على حفظ السر إلى ماشاء الله !!! لكنها لا ترغب إيضًا بتحطيم تلك الثقة التي تحدث بها عن والده و يقينه أنه لن يتسبب لها أو لشقيقتها بأذى كيف تخبره أنه المتسبب و الشاهد الأول على حطام أخيه منذ أعوام و لم تأخذه الشفقة به يومًا ما ، لقد شعرت الآن بفداحة تسرعها لأول مرة بالاعتراف لكنها الحرب و لن تتركه تائه داخلها أو تشاهد قلبه ينزف دماء المحبة و تغادر إلى نعيمها !!!!

تنهدت بضيق شديد و اعتدلت بجلستها فوق ساقيه تنظر إلى الطعام ثم جذبت طبق التقديم ووضعت فوقه الأصناف قبل أن تعتدل مرة أخرى أسفل نظراته المصدومة و تضع قبلة صغيرة فوق شفتيه ثم تدس الطعام ببسمة ملتوية و تردف عابسة الوجه:

- أنا مبحبش الأكل بارد يلا عشان نلحق نمشي بقا !!!

تنهد بهدوء حين أدرك محاولتها بالخروج من النقاش دون خسائر و قرر هو أيضًا إنهاء اليوم بعيدًا عن التوتر يكفيه ماحدث من إنجاز عظيم معها تلك الليلة و تعرفه على وجه جديد مسالم و بسيط كانت تخفيه إلى يومها هذا خلف قناع القوة و الشراسة ألا يكفيها حروبها الداخلية ليشن عليها حربًا خارجية تدفعها إلى الابتعاد عنه مرة أخرى ؟!!

ابتسم لها و ابتلع ما دسته داخل فمه يقول كأنه تذكر للتو وما هي إلا محاولة لطمئنتها أن الأمور من جهته على مايرام !! :

- صحيح مش اللي وصل اوردر الأكل قالي إن في واحد تحت فتح معاه تحقيق وطلع روحه لحد ماطلع ومن وصفه كدا اعتقد إن هو اللي سلمتي عليه و إحنا طالعين وفعلًا و أنا بحاسبه اتخض لما سمع صوت بينادي من تحت !

كانت تستمع إليه عاقدة حاجبيها ومالبست أن انفجرت ضاحكة بقوة وهي تهز رأسها بيأس مردفة من بين ضحكاتها :

- جدو نجيب ؟!!!! كان نفسي اشوفه قبل ماامشي بس هو أكيد روح !

ثم واصلت ترفع الطبق أمام عينيه : بس براڤوا عليك عرفت تطلع أطباق و تستخدم المطبخ لوحدك منغير ما أحس !

غمز لها بعبث ثم أردف بفخر زائف و هو يقترب من شفتيها بينما هي تعود إلى الخلف وعينيها تتسع تدريجيًا :

- لأ دا أنا أعمل حاجات كتير منغير ماتحسي لو تحبي نقعد هنا نعدهم للصبح أنا أتمنى دا أوي !

هزت رأسها بالسلب مسرعة و استقامت واقفة تردف و هي تركض إلى الخارج :

- لأ لأ صبح إيه أنا واثقة في كلامك منغير عدد ولا حاجة !!

وقف يتبعها ضاحكًا وهو يقول بصوت مرتفع :

- على فكرة الديموقراطية معاكِ بتبوظ مخططاتي ، بعد كدا هفاجئك بقاا !

استمع إلى ضحكاتها من إحدى الغرف بالداخل وقد عاد إلى الركن الخاص بالصور يسحب أحد الصور الخاصة بها ويضعها بجيب بنطاله و كاد يتحرك خلفها لكنه توقف محله متسمرًا ينظر إلى الباب بترقب حين استمع إلى صوت إدارة المفتاح و بالفعل فُتح باب المنزل و فور أن ظهرت المرأة المُتَّشِحة بالثوب الأسود و التي صرخت بهلع راكضة تجاهه تهدر بصوت مرتفع :

- يلاااهوي إلحقني ياااا فارس ، إلحق ياولااااا !!!! يانااااس حرااااماااااي !!!

كانت تصرخ بجانب أذنه و تجذبه من ذراعه محاولة الوصول إلى كتفه العاري و قد إنهالت بالصفعات المتتالية على عدة أجزاء من جسده و هو يتراجع بذهول محاولًا تجنب يدها عاجزًا عن التصرف مع إمرأة مثلها وقد إنضم إليها المدعو "فارس" يعاونها بمحاولات فاشلة للسيطرة على جسده و هو يتقهقر إلى الخلف بصدمة و يحاول الحديث معهما لكن دون جدوى لقد ظنت أنه سارق وهو يقف بمنزل زوجته التي ظهرت أخيرًا من الغرفة و مع ظهورها لم تكف السيدة عن السب و محاولات النيل منه بعنف بل إزدادت شراستها حيث ظنت أنه يحتجز زوجته و صرخت به بغضب شديد :

- ست سديممممم !!! دا أنت ليلتك سوداااا و رحمة أمي مانااا سيباااك ، متخافيش ياااا ست سديم ، اخرجيييي ، آه يارااجل يا واااطي واقف ملط في قلب شقتها وحابسهااا !!!!

هرعت إليها "سديم" بأعين متسعة تجذبه من بين براثنها و تقف بمواجتها محاولة تهدئتها بينما كانت "أم فارس" تحاول الوصول إليه بهستريا و تقفز إلى الأعلى ضامة قبضتها تسدد له لكمات متفرقة و سديم تحاول الإمساك بها دون جدوى و قد بدأ الجيران يجتمعوا على أصوات استغاثتها الصادرة من داخل الشقة لتصرخ "سديم" بعد أن أدركت ما يحدث حولها :

- لأ لا دا جوزي ياااأم فارس اهديييي بقااا !!!!

خمدت ثورتها أخيرًا و نظرت حولها بتوتر ثم نظرت إلى "آسر" الذي كان يجز على أسنانه بقوة من فعلتها الهوجاء و الصفعات التي نالها منها فوق صدره العاري عاجزًا عن إيقافها ليهبط بعينيه محدقًا بالأثر الذي تركته يديها هي و ابنها الشاب الذي تراجع إلى الخلف يحدق به بتوتر بعد أن علم بهويته !!!!

تفرق الجيران مرة أخرى و وقفت "أم فارس" تمد كوب المياه إلى "آسر" الذي أنهى ارتداء قميصه للتو رافضًا الإمساك به لتقول بعتاب :

- طيب والله أنت على راسي من فوق أصلك متعرفش غلاوة الست سديم عندي أنا وفارس دا الواد فارس دا مشافش المدراس غير على ايديها طالعة لأبوها الله يرحمه و يحسن إليه !!!

نظر إلى "سديم" التي أمسكت ذراعه بلطف و أجابت نيابة عنه و هي تضع لها بضعة أوراق نقدية داخل يدها :

- حصل خير ياأم فارس متنسوش لما تخلصوا تقفلوا وراكم و ابقي اتصلي عليا فكريني بمعادكم أنا دماغي مشغولة أوي الفترة دي !!!

عقدت "أم فارس" حاجبيها و حاولت رفض المال تنظر بحرج إلى "آسر" الغاضب وتردد بتوتر وعينيها تجوب هيئته التي تصرخ بالثراء و الرقي :

- لأ أنا وصلني الشهرية من الحاج نجيب ، قولي حاجة للبيه ياست سديم أنا مقدرش على زعلكم !!!

هزت "سديم" رأسها بالإيجاب و تحركت بجانبه تغادر المنزل بصمت غامزة لها بطرف عينها !!! و هبطت الدرج سريعًا خلفه تحاول كتم ضحكاتها حين استعادت المشهد مرة أخرى بعقلها لتشهق بفزع حين ارتطمت بظهره العريض فور توقفه فجأة و قد جذبها من ذراعها إلى الأمام وهو يقول من بين أسنانه ساخطًا على ما مر به :

- أنا عايز افهم بقااا الست دي معاها مفتاح شقتكم بتاع إيه أصلًا ؟!!!

حاولت كثيرًا عدم الضحك لكن مع غضبه و تكرار المشهد بعقلها انفجرت ضاحكة بقوة تميل فوق صدره وتردف من بين ضحكاتها بأسف لا يليق بتصرفها الآن :

- آسفة بس مش قادرة !!!!!! كل ماافتكر منظركم أموت من الضحك !!!!!

وقف يتابعها بغضب متذبذب حيث كان يشتعل مما فعلته تلك المرأة لكن داخله مبتهج لتلك الضحكات و الحالة المبهجة التي تشاركه إياها لأول مرة متعجبًا من لحظاته الخاصة معها و الخالية من الرومانسية الشفهية معدومة الأثر لكنها مليئة بعنفوان المشاعر مختلطة التي يختبرها معها في كل لحظة تمر عليهما سويًا ، لم يمنع بسمته من الظهور لكنه نظر بعيدًا عنها محاولًا تقمص دور الغاضب إلى النهاية معها لتحتضن خصره بعفوية مفاجئة له و اسندت ذقنها إلى صدره تهمس له بلطف وتغلق له زر القميص و تعبث به بأطراف أناملها برقة :

- خلاص بقا يا آسر أنا قولتلك مش باجي هنا كتير و طبيعي أديها المفتاح عشان كل فترة تيجي تروق الشقة كدا ماهو مش هسيبها مهجورة يعني و بعدين أنت اللي زعلان مش أنا ؟! دي العمارة شافتك وأنت ملط !!!!

تعمدت تقليد كلمة "أم فارس" و إعادتها على مسامعه قبل أن تتفجر ضاحكة بقوة مرة أخرى ليضحك معها تلك المرة و يرفع ذراعه يحيط جسدها و يضمها إليه متجهًا معها إلى الخارج و هو يقول بغيظ :

- مستفزة ! داهية في حلاوتك دي !!

توقفت معه أمام السيارة بعد أن هدأت قليلًا ثم أردفت بإعتذار صادق :

- بس بجد متزعلش أنا عارفة إنك أول مرة تتعرض لموقف زي دا بس أنا بجد نسيت خالص قصة المفتاح دي !!!

فرك ذقنه و قال هو يقترب منها بجانب باب السيارة :

- بقا دي حاجة تتنسي ؟ تخيلي كدا لو كانت جت بدري شوية كانت هتدخل علينا و إحنا .. آآ !!

قطع كلماته كاظمًا غيظه بينما هي انفجرت ضاحكة من جديد و كأنها ترى مشهد كوميدي ضاحك يتكرر دون توقف ليهمس لها مستعيدًا إياها داخل أحضانه وهو يقول ضاحكًا على حالتها و لكن لازال سخطه من الموقف يتراقص بنبرته :

- كفاية يااا سديم لو كنت أعرف إن الموقف دا هيضحكك كدا كنت عملته من زمان !!!

قاطع كلماتها صوت أحدهم وهو يربت فوق كتف "آسر" قائلًا وهو بتلفت حوله :

- معلش ياكابتن متعرفش فين عمارة رقم 9 ؟!!

عقدت "سديم" حاجبيها حين وجدت هذا الشاب يسأل عن رقم العمارة التي تقطن بها لكن أشار "آسر" برأسه إلى و أردف متأملًا هيئته بنظرات خاطفة :

- آه ياباشا هي العمارة دي !!

عقد الشاب حاجبيه وكاد يتحرك لكنه تراجع قائلًا بتردد :

- طيب معلش في حد هنا اسمه المغازي تقريبًا ! ولا متعرفش ؟

رفعت "سديم" حاجبها و تبادلت النظرات مع "آسر" ثم أردفت بدهشة واستنكار حين طال الصمت فور أن ذكر اسم عائلة والدها !!! :

- هو أنت جاي لحد اسمه المغازي ؟

هز الشاب رأسه وانفرجت أساريره فجأة يردف بحماس حين وجدها تسأل عن الاسم إذًا هو على صواب:

- ايوااا بالله عليكِ قوليلي أنه صح هو أنا مش جاي ليه لأ أنا جاي لمراته !!! وبصراحة أكتر جاي لبناتهم يعني!!!

عقدت حاجبيها و سألته مباشرةً بهدوء تـام حين وجدته يقصدها هي وشقيقتها :

- وأنت تعرف مراته وبناته منين ؟!!!

نظر إليها بتردد ثم نظر إلى "آسر" المنتظر إجابته بسكون مريب و ازدرد رمقه يقول بقلق :

- بصراحة كدا تبقا خالتي ، و بناتها يبقوا ولاد خالتي عرفت بحادثتها وكنت بدور عليهم بس خلاص أنا هطلع اشوف بنفسي متشكر ليكم !

لم يتحرك خطوة واحدة حيث صاحت به بدهشة :

- خالة إيه وجاي ليهم ومتعرفش إن اللي واقفة دي تبقا بنت خالتلك ؟!!!

اتسعت عينيه وصاح بصدمة متقدمًا منها يفتح ذراعيه ببهجة وهو يقول ضاحكًا بحماس :

- بتهزري أنتِ بقاا سديم ولا نيرو ؟!!

اتسعت عينيها حين وجدت "آسر" يتخلى عن صبره و يمسك ذراع الشاب المفتوحة هادرًا بغضب :

- أنت أهبل يلاا ولا إيه عايز تاخد مراتي بالحضن !!!!!

ظهر الذعر على الشاب و حاول تخليص ذراعه منه قائلًا بعدم تصديق وهو يعرف نفسه لهم :

- مراااتك ؟!!! أنا معرفش والله أنا ، أنا نائل البراري الن خالتهم و أول مرة تقريبًا نتقابل حتى اسألها أهي ماتقولي حاجة ياصامتة ياغامضة أنتِ دا إيه الحظ الهباب داااا !!!!!

كانت الصدمة تسيطر على جسدها لكن فور أن عرف نفسه لهما اندفعت الحلول إلى رأسها و صاحت به ببهجة مفرطة وهي تعاونه بالتخلص من براثن زوجها المشتعل :

- نائـــل !!! مش ممكن أنا مش مصدقة نفسي بجد !!!!!

انتقلت الصدمة إليهما و لكن سرعان ما تجاوب معها "نائل" حين غمزت له وأردف ببسمة مهتزة ونبرة قلقة :

- لا صدقييي !!! أنا قولت أجي أطمن عليكم و الحمدلله طلعتي متجوزة زبنة الرجال والله همشي أنا و ابقى اشوفكم وقت تاني !!!

كان يتحدث وعينيه توزع النظرات بينها و بين "آسر" الذي كشر عن أنيابه يتابع الحديث بغضب من المفاجآت التي لا تتوقف لدى زوجته ليصبح الختام هو ابن الخالة الذي رفضت زوجته للتو رحيله وتمسكت به قائلة ببهجة و هي تتجه معه إلى الباب الخلفي للسيارة وتفتحه له دافعة إياه عنوة :

- لأ لأ تمشي إيه بالمناسبة أنا سديم و هنروح لنيرة أهو !!!

ثم أكملت بمكر وصوت خفيض :

- دا أنت وقعتلي من السما !!!!

اتسعت عيني "نائل" وهمس برعب واضح مزدردًا رمقه بخوف من نبرتها الماكرة و نظراتها الخبيثة :

- هي ليلة سودا من فهد لـسديم ياقلبي لاتحزن ، مش هخلص من داء المكر اللي محاصرني شكلي أنا الوحيد الأهطل في العيلتين !!!!

دلفت بجانب زوجها الذي انتظرها وفور أن أغلقت الباب أدار السيارة و تحرك مسرعًا بغضب بالغ لتردف "سديم" بدهشة:

- بالراحة ياآسر فيه إيه !!!!

لم يسيطر "آسر" على موجة غضبه بل أردف بحدة و سخط :

- هو إيه اللي بالراحة دا أنا لسه مكتشف حالًا إن عندك ابن خالة شحط راكب معاناااا ؟!!! هو أنا مش هخلص من مفاجآتك ليااا ياسديم ؟

اتسعت عيني "نائل" الذي جلس بالخلف يتابعهم بتوتر بالغ و أردف ظنًا منه أن ظهوره المفاجئ تسبب بالأزمة بينهما:

- اهدا كدا ياعم آسر الشحط دا اتفاجئ زيه زيك من يومين !!!

قلبت "سديم" عينيها و أشاحت بيدها بملل معلقة بإجهاد :

- لا يهدا إزاي ميبقاش آسر !!!

اتسعت عيني "آسر" و أشار إلى حاله موزعًا نظراته بينها وبين الطريق هادرًا بعدم تصديق :

- قصدك إني بتلكك ؟!!!!

ليصرخ "نائل" بفزع وهو يراقب الطريق :

- ياعم استهداا بالله وركز على الطريق البت دي طول عمرها أصلًا لسانها طويل كدااا ومحدش بيستحملهااا ساعتين تروح تتجوزها ؟!!!!

نظرت إليه "سديم" و أدرفت مستنكرة باشمئزاز :

- هو إيه دا اللي طول عمرها دا أنا لسه عارفاك من شوية تعرفني منين أنت ؟!!!

أجابها صارخًا و هو يتلفت حوله بخوف:

- معرفة سوداااا ؟!!!! آه والله أنا اللي بجيبه لنفسي !!!

قاطعهم "آسر" مؤيدًا بإنفعال :

- وياريت عاجب يااكااابتن طلعت في الآخر عصبي و مبهدااااش ؟!!!!

هز "نائل" رأسه بالسلب مسرعًا يربت فوق كتفه قائلاً برفض قاطع :

- قطع لساان اللي يقول عليك كدا ياااباشاا بذمتك حد ياخد على واحدة اسمها سديم ؟!!! أقولك وقف العربية دي و نزلني وأنا هعرفها غلطها الزيارة الجاية !!!

اعتدلت "سديم" تحدق به بغضب و أردفت بجفاء و هي تراقب توتره الواضح :

- اكتم يلااا بلاش دوشة قال نزلني قال !!!

ولانت نبرتها تردف بهدوء محدثة زوجها أسفل نظرات "نائل" المذهولـة من فظاظتها معه :

- خلاص ياآسر أنا اللي خبيت حاجة مهمة متزعلش بقاا وخلينا نختم يوم واحد منغير خناق !!!

وقد كان آثر الصمت و واصل القيادة و قد وزع "نائل" نظراته بينهم بخوف و أردف بصوت خفيض :

- ياولاد المجانين دول سكتوا فجأة ؟!!! أنا مني لله على كل اللي اعرفهم والله !!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close