اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم شيماء الجندي


لفصل الثالث والعشرون " سيئة ! "

وقفت داخل غرفة نومها تعقد ذراعيها أسفل صدرها بهدوء تحدق به بنظرات مترقبة تنتظر رد فعله على رفضها الصريح أمام ابن عمه أن يتطلع على أمر يخصها و قد أعلنت أن الهدية بالفعل من المدعو "سامح" لكنها تخصها و هذا تعليل غير كافي لفعلتها أما عنه كان يحدق بها محاولًا انتقاء الكلمات حتى لا يتسبب بطعنة جديدة لها وإن كانت دون قصد لذلك أغمض عينيه و أطلق الهواء من رئتيه يردف بوجوم متذكرًا منع سـرها عنه و خص "سليم" فقط برؤيته يؤلمه شعور هجرها له :

- ليه سليم ؟

رفعت حاجبها الأيسر بتعجب و صمتت تنتنظر تفسيره ليلبي لها رغبتها قائلًا بحدة ملوحًا لها بالهاتف الذي أغلقته بسرعة قبل أن يلتقطه من يدها بالخارج :

- سامح باعتلك دا هدية و حضرتك واقفة يتتفرجي عليها مع سليم براا ، حطي نفسك مكاني وقوليلي هتفسريها إزاي ؟!!

اتسعت حدقتيها و تحركت عينيها التي كانت ترتكز فوق الهاتف ثم توجهت إليه تردف بحدة مماثلة و نبرة متهكمة :

- والله ؟!! يعني مينفعش اقف مع سليم و حضرتك مسموح ليك تقعد من امبارح برا و تكمل يومك مع فريدة بتاعتك بعد ما عملتلي فيها مقموص وزعلان ؟!!!

ضيق عينيه و مال قليلًا تجاهها يسألها بهدوء مريب و قد حل عقدة حاجبية و ارتخت ملامحه نوعًا ما :

- وأنتِ مهتمة عرفتي منين إني كملت يومي مع فريدة ؟!

ظهر الغضب فوق ملامحها و عقدت حاجبيها تسأله مستنكرة :

- يعني كملت يومك معاهااا فعلًا ؟!!!! و امبارح اختفيت معاها !!!!! هات اللي في إيدك دا خليني أمشي من وشك عشان مرتكبش جناية فيك أنت و هي !!!

وضع الهاتف بجيب بنطاله قاطًعا المسافة الصغيرة بينهما بخطوة واحدة و احتلت يده خصرها متعمدًا جذبها إليه عنوة تزامنًا مع ارتسام بسمته العابثة فوق ثغره رغم تزاحم أفكاره و انزعاجه منها لكنها تجذبه إليها دون مجهود بشكل أو بآخر ، تأسره بعفويتها و خروجها عن طور البرمجة العقلية والمنطقية دون شعورها ، سارت عينيه المجهدة فوق ملامحها المتمردة الغاضبة و ثورة عينيها الآن تتناقض مع رفضها له المستمر ، علق مبتسمًا قبل أن يراودها الندم على رد فعلها العفوي الفاضح :

- و ترتكبي جناية ليه في واحد مش فارق معاكِ وعايزة تسيبيه ؟!

ازدردت رمقها بتوتر طفيف من تسرعها بالحديث و تبدلت ملامحها المنفعلة بأخرى مصدومة من اعترافها العفوي الفاضح لسبب انزعاجها من تواجد أخرى معه لم تحاول دفعه بعيدًا عنها حيث اختارت لذة شعور تواجدها بأحضانه خاصة بعد ما تعرضت له اليوم من رفض علني لها و لـروح تتمنى الخلاص من ذنوب لا تُغتفر ، هو فقط من حاول إنارة مصباح روحها المظلمة عدة مرات دون كلل و إلى الآن يكرر محاولاته دون كلل أو ملل ، رفعت عينيها عن صدره الملتصق بها و سارت فوق ملامحه بنظرات تائهة مرتعبة مما يدور حولها منذ صغرها أخبرها والدها أنها تركض إلى الأمور المحالة بشجاعة مفرطة و هو يخشى عليها رغم جسارتها و ها هي الآن تستكين و تهدأ بين أحضان المُحال بل و لم تمنع نفسها من تأمله و رفعت يدها تستقر بها فوق صدره منتظرة أن يتجاوز حدود وضعتها هي منذ ساعات ما الذي يدفعها إلى التخلي عنه لقد رأت اليوم جميع نماذج الخذلان حيث صديقها الذي يرغب بشقيقتها و أخ زوجها يرفضها بالعلن أمام عيني شقيقتها أيضًا و انتهت بحلقة جديدة داخل سلسلة خذلان والدتها و كذبها بأمر الهاتف و هو الآن يرحب بها من جديد بين أحضانه متناسيًا فعلتها بالخارج و احراجه أمام ابن عمه دون خجل بل وتركها الهاتف معه تتحرك إلى منزله ببرود مبالغ به ، أخرجها من حرب أفكارها حين مال برأسه و همس أمام شفتيها تزامنًا مع تملك قبضتيه من خصرها و دفعها إلى صدره مبررًا لها بلطف حين ظن أنها تتجنبه لأنها لا تثق به :

- أنا مكنتش معاها من امبارح ، كنت في الكوخ اللي ورا ! و هي النهاردة طلبت مني انزلها في مكان قريب عشان تستلم عربيتها !!

أثلج صدرها بكلماته و استنكرت شعورها بالراحة قليلًا لتسأله بترقب و همسة مترددة :

- كنت تعرفها قبلي ؟

قرر العبث معها والرد عليها عاقدًا حاجييه محاولًا إخفاء بسمته التي كادت تتحول إلى ضحكة مسموعة من فرط سعادته باعترافها المتواري خلف استجوابها المحبب إلى قلبه الذي يرفرف الآن حول روحها الخائفة محاولة صُنع هالة من الأمان حولها :

- هو أنتِ مكنتيش بتردي عليا النهاردة عشان كدا ؟! طيب بذمتك في واحدة تعاقب واحد مش بتحبه و تركز مع علاقاته كدا ؟!

بدأ الخوف يظهر داخل عينيها من طريقته العابثة معها و رغبته المُلحة بسرقة اعترافها و انتهاك حصون روحها غصبًا و التي لن تترك له سوى ألم الهجر ، لكنه الآن أيضًا يتألم من رفضها و قبولها "سليم" بجوارها توترت أنفاسها حين وجدته لم ينتظر الجواب و هبط بروية فوق شفتيها ملتقطًا إياهم و مُغمضًا عينيه مستحوذًا على أنفاسها و سالبها إياهم هامسًا من بين قًبلاته حيث وصل إلى أذنيها :

- عينيكِ و أنفاسك مش عارفين يستخبوا ورا أسوارك ياسديم !!!

غفل عن جسدها الخائن أيضًا الذي صار ينتظر أحضانه و يلوذ بها صارخًا بها أن تدعه و شأنه بين ذراعي هذا الرجل عله يطيب جروح روحها المنتهكة أغمضت عينيها بغضب من استسلامها إلى كلمات عابثة لم تتركها ، منذ متى و هي تنتظر التقدير من البشر ؟!!! لقد حاوطتها المخاوف و خناجر الكلمات !!!! أين كان هؤلاء حين عاندتها الحياة و سرقت والدها غصبًا !!! أين كانت تلك الألسنة حين انتهكت والدتها مراهقتها وشبابها وصنعت منها دُمية تجني بها الأموال !!!! أين كانت الجميع حين صرخت روحها لأعوام و أعوام مستغيثة من طريق دلفت إليه عنوة !!!!

سارت بيديها من صدره إلى عنقه ثم استقرت يد واحدة فوقه و أكملت الأخرى تدسها داخل خصلاته و تجذبه نحوها متعمدة إظهار تجاوبها معه و مستمتعة بدهشة الواضحة حيث توقفت شفتيه لجزء من الثانية قبل أن تواصل إلتهامها بجراءة و لهفة بينة بينما صدرها يعلو و يهبط بسرعة مبالغة مًعلنًا عن تشتتها داخل مشاعرها مما دفعه إلى دسها بقوة أكبر إلى أحضانه و الإتجاه بها إلى أقرب حائط كأنه يخشى هروبها بأي لحظة حين تفيق و تعود إلى رشدها ، ابتسمت حين لمس كتفها الأيسر الحائط خلفها لترفع يدها الآخر و تضعها خلف عنقه هامسة له بعبث :

- متخافش مش ههرب !

صدمته كانت جلية على ملامحه و فتح عينيه كأنه يتأكد من كلماتها و أنها مُدركة مخاوفه تجاهها و بدقة تجاه ردود أفعالها معه ، لكنها لم تكف عن إذهاله و رغم صدمته لم يتمكن من الافتراق عن عبق رائحتها و دس وجهه بين عنقها و كتفها هامسًا لها بصوت أجش :

- لأ بتهربي ياسديم ، و مش عارفة تثقي فيا ولا حتى بتحاولي تعتمدي عليا و رغم كل دا مش عارف أبعد عنك ولا قادر ألومك !

عقد حاجبيها حين أدركت أن غضبه اليوم كان ظنًا منه أنها ترفض دفاعه عنها أمام عائلته لكنها أيضًا كانت ترفض مشاحنته لأجلها !!!! دفعت عنقها إلى الخلف و همست وهي تحاول إبعاد أنفاسه التي تدفعها إلى مرحلة غريبة من التوتر :

- مين قالك إني مش بحاول ؟

رفع رأسه ونظر إليها عن كثب هامسًا لها وعينيه تجوب ملامحها العابسة بضيق شديدًا مقررًا الاعتراف بمخاوفه لعلها تحاول استيعاب قلبه :

- تصرفاتك معايا ياسديم كلها بتقول كدا ! رفضك ليا و لوجودك معايا رغم إني مش عايز منك غيره برضه بيقول كدا !!! دلوقت رد فعلك وأنتِ في حضني بيقول حاجة ومجرد ما تفوقي و تخافي بتلغي كل مشاعرك و تحطي عقلك حاجز بيني وبينك ، أنا بثق فيكِ لدرجة قبلت بوجود واحد زي كريم دا في حياتك غصب عني !!!!

اشتدت قبضته فوق خصرها حين أتى بذكره و احتدت نبرته بينما ظهر الامتعاض على ملامحه و استكمل غاضبًا :

- هاتيلي راجل واحد عاقل يقبل بوجود صاحب لمراته ومتقوليش مفيش حاجة بينا و لا عشرة ولا سنين مش ذنبي إني حبيتك و مش ذنبي إني مش قادر أجي على نفسي اكتر من كدا و كل مااحاول ارفضه ألاقيكِ مش عايزاني أنا نفسي في حياتك ، بقيت خايف ارفضه تحسي إني بضغط عليكِ وببعد عنك الوحيد اللي وقف جنبك و مش قادر اقبله جنبك و معاكِ و قريب منك لدرجة يشاركك تفاصيل أنا نفسي معرفهاش عنك !!! كنتِ بتقوليلي امبارح إني شاركتك سري عشان تثقي فيا و تحكيلي عنك مش كدا وأن دا مش حب بالنسبالك ؟ ومشوفتيش ليه إني اتجوزتك ومطلبتش منك تفصيلة واحدة عن ماضيكِ ؟!!! مطلبتش اعرف أي حاجة عنك و كنت مستني تثقي فيا و تيجي تكلميني زي يوم المستشفى كدا ؟! مشوفتيش ليه إني جايبك وسط عيلتي و عندي إصرار أعلن جوازي منك و تبقي معايا قصاد الكل عشان متحسيش إني مخبيكِ أو مكسوف منك ؟!!! أنا بحسب كلامي مليون مرة وأنا بقوله ليكِ عشان خايف أرجع اجرح فيكِ منغير مااقصد !!!! أنا قبلت بوجودك مع سليم و بعدك عني رغم إن الطبيعي تبقي معايا أنا في وقت زي دا ، يس عارفة قبلت ليه ؟ عشان خايف اسيبك مع أهلي و يقولولك كلمة واحدة تضايقك وأنا اللي شبه اجبرتك تبقي معايا هنا ، أنا بحارب نفسي في كل لحظة و أنتِ مش حاسة بيا ولا شيفاني تقريبًا ، مش عايز مقابل منك غير ثقتك و حتي دي شيفاني مش قدها !!!! كل دا مش حب عندك ياسديم ؟ أنا بحاول أوصل لقلبك و أنتِ مش بتديني فرصة واحدة ياسديم !!! دا أنتِ مش عايزة تصارحيني بحبك حتى و معيشاني طول الوقت في حيرة هتوصلني للجنون موقف يخليني أقول مش عايزاني و همسة تخليني أقول لأ بلاش افرض نفسي عليها و دقايق في حضني تخليني أرجع و أقول هي كدا معايا أنا بس و يمكن دي طريقتها في الحب !!! أنتِ دلوقت في حضني وبعد دقيقة هتزحيني بعيد عنك و تقوليلي مش عايزاك و أنا ببقا متأكد من دا وبرضه بقرب منك !!!!!! كل دا مش دليل يطمنك من ناحيتي و لو بنسبة صغيرة !!! مش عايز منك غير إني اعرف أسباب خوفك و تصارحيني مرة واحدة باللي جواكِ زي ما أنا بصارحك أهو !!!

أخرج الهاتف الخاص بها من جيب البنطال و ألقاه فوق الفراش المجاور لهما وهو يُكمل بألم شديد :

- حقيقي فاكراني خايف من تواصلك مع سامح و عملت كدا برا عشان هديته ؟!!! أنا عملت كدا مش كتر مانا عاجز و شايفك قريبة من راجل تاني و بتشاركيه سر رافضة تقوليه لياا ، بعد ماطلعتيني سابع سما لما اترميتي في حضني و اختارتيني في وقت ألمك دفنتيني مليون مرة ببعدك بعدها و قربك من اتنين تانيين غيري !!!! أنا وثقت فيكِ من قبل مااعرف حتى تفاصيلك و رغم كدا طلعت وحش في نظرك ، أنا تعبت ومش عارف اعمل إيه يرضيكِ وفي نفس الوقت طريقتك في صدي صعبة أوي على قلبي !!! أنا عندي استعداد استناكِ لآخر يوم في عمري بس طمنيني إنك عايزاني أو قوليلي خايفة من إيه ؟

ازدردت رمقها و قد اجتمعت الدموع داخل عينيها بعد مصارحته لها و اكتشافاها أن طريقتها بحمايته من ظلامها الدامس دفعته إلى دروب الحيرة و الألم غافلة عن عذابه إلى تلك الدرجة !!!!!

نظرت إلى الهاتف الذي ألقاه للتو فوق الفراش ثم عادت بعينيها تحدق به بقلق ظن أنها لازالت على ظنونها تجاهه وعدم ثقتها لذلك حررها قبل أن ترفضه من جديد و كاد يبتعد عنها عاقدًا حاجبيه لكن فعلتها جعلته يتسمر محله بصدمة حيث أحاطت خصره ودست وجهها بصدره تغمض عينيها و تزفر أنفاسها بضيق هامسة له بإنهاك :

- ممكن تيجي معايا مكان ؟! وبعدها نتفاهم !

ثم تحركت تتجه إلى الفراش و تقبض على الهاتف واضعة إياه داخل حقيبتها الصغيرة و توجهت معه إلى الخارج وهي تقول :

- كلم سليم قوله إن نيرة لوحدها عشان مش هينفع ناخدها معانا !

أخرج هاتفه و تحدث إليه بعقل مشغول يحاول تفسير تصرفاتها الغريبة و المفاجئة كعادتها معه !!!!!

بعد مرور ساعتين ..

أوقف السيارة يتلفت حوله عاقدًا حاجبيه يسألها بدهشة مكررًا كلمتها :

- أوقف هنا ؟!!!

هزت رأسها بالإيجاب و أغمضت عينيها تتنفس ببطء و فتحتها مرة أخرى تفتح الباب و هي تردف عاقدة حاجبيها كأنها تخشى التراجع عن خطواتها :

- يلا ياآسر !!!

هبط هو أيضًا و سار بجانبها يتأمل المكان من حوله بنظرات حذرة و مستكشفة و توقف معها أمام الباب الخارجي لأحد العمائر حيث أوقفها رجل مُسن بشوش الوجه و هو يردف بمحبة وعفوية و عينيه تتأملها ببهجة مفرطة مشرئبًا برأسه وهو يجلس فوق المقعد :

- أهلًا أهلًا ، دا حلم ولا علم ياولاد !!! سديم ؟!!!

اتسعت عينيها و تحركت تجاهه بخطوات سريعة ثم صافحته تربت فوق يده المجعدة مردفة باشتياق وضحكة لطيفة :

- ازيك ياجدو نجيب عامل إيه ؟!

خرجت كلماته المعاتبة لها بلطف و هو ينظر إلى "آسر" عاقدًا حاجبيه بدهشة :

- جدو نجيب إيه بقا ما خلاص نستينا من شهور !!!

هزت رأسها بالإيجاب و اعتذرت أسفل نظرات "آسر" المصدومة من طريقتها :

- معلش حقك عليا ، كان عندي شوية مشاكل كدا !

اتسعت عيني "نجيب " و أردف ساخطًا بانزعاج واضح :

- أوعي تكون نبيلة هي اللي منكدة عليكِ ما أنا عارفها !

اختفت بسمتها و نظرت أرضًا بعد أن استقامت واقفة تهمس بجفاء و اقتضاب :

- لأ ، ماتت خلاص !

خجل "نجيب" من تسرعه و أردف :

- البقاء لله وحده يابنتي !

ثم رفع عينيه يحدق بـ"آسر" محاولًا تغيير مجرى الحديث يسألها و هو يُشير إليه :

- مش تعرفينا طيب و لا خلاص بقيتي مش عايزاني أعرف عنك حاجة ؟!!

ابتسمت له بلطف و أجابت بهدوء :

- دا آسر جوزي و دا جدو نجيب ياآسر صاحب أكبر مكتبة في المكان هنا و صاحب بابا الله يرحمه !!!

عقد "نجيب" حاجبيه بينما مد "آسر" يده و صافحه بوقار ثم اعتدل يستمع إليه يقول باعتراض :

- كمان اتجوزتي !!! مش بقولك خلاص معرفش عنك حاجة ؟! تعالوا واقفين ليه ، سديم الندلة دي عليها فنجان قهوة عجب أكيد دوقتهولك بذمتك مش إدمان ؟ يلا الله يسامحها سابتني شهور أهوه منغيره !!! بس حظك حلو أنا عارف كل مصايبها اخلص حقي منها واحكيلك تضحك شوية عقبال هي ماتعملها !!!

ابتسم داخله ساخرًا من ظنه أنه زواجهما طبيعي و هو يعلم لتوه أنها تُجيد صُنع القهوة بينما أردفت هي بلطف وهي تُشير إلى الأعلى :

- لأ أنا هطلع فوق الأول و بعدها ننزل نشرب معاك القهوة و تحكيلي بقا عملت إيه منغيري !

هز رأسه بالإيجاب و أردف بدعابة لطيفة :

- طيب يلا ياهرابة و أديني قاعدلك أهو هنا مش هتحرك إلا لما افضحك عند الراجل دا متتأخريش !!!

ضحكت و توجهت إلى الأعلى تقول بعبث :

- هتأخر تكون نمت و هتسحب منغيب ماتحس وامشي و اسيبك مع إدمانك بقاا !

استمعا إلى ضحكاته المُسنة و هي تصعد الدرج بتوتر طفيف ثم تتوقف أمام المنزل و تفتح الباب مستخدمة مفتاح مميز الشكل ثم دلفت إلى الداخل و وقفت تنتظره قائلة بلطف :

- ادخل يا آسر !

عقد حاجبيه من الظلام المحيط به و دلف إلى الداخل يراقبها و هي تتجه إلى مفاتيح الإنارة و تعبث به بعد أن أغلقت الباب خلفهم و أضاءت الأنوار من حوله وبدأت معالم المنزل و الأثاث تتضح له و جذب انتباهه منضدة محددة فوقها عدة صور فوتوغرافية ليتجه إليها و يدور بحدقتيه فوقها مُدركًا أنه الآن داخل منزلها القديم بينما وقفت هي تكشف عن الأثاث حتى يتثنى لهما الجلوس لكنها توقفت حين سألها بدهشة :

- ده باباكِ ؟!!!

انتقلت عينيها إليه أولًا ثم تحركت تجاهه تحدق بالصورة التي انتقاها والتي تجمعها مع والدها الحبيب ، ازدردت مرارة حلقها و أمسكت الإطار بحزن جلي فوق ملامحها و أعين دامعة تهز رأسها يالإيجاب هامسة باختناق :

- أيوا ! دي آخر صورة بينا قبل الحادثة بأسبوع بالظبط !!!

عقد حاجبيه و أردف بأسف لتجديد الذكرى عليها:

- أنا أسف هو اتوفى في حادثة ؟

هزت رأسها سلبًا ثم تحركت إلى الأريكة و هي تحمل الإطار وتسير بأناملها فوق ملامحه هامسة بتهكم :

- لأ هو مات موته أسوأ شوية ! بنته قتلته !!!

عقد حاجبيه وجلس بجانبها يردد كلماتها باستنكار :

- بنته ؟!!!

هزت رأسها بالإيجاب ثم نظرت إليه مبتسمة و عينيها تجوب ملامحه بخوف تهمس بألم :

- تعرف إن دي رابع مرة ادخل الشقة دي من وقتها ؟! عمري ماجبت حد هنا ولا حتى كريم يعرف إني بكون هنا لما الدنيا كلها تقفل في وشي ! يالمناسبة كريم كان جارنا هنا و هو الوحيد اللي فضل معايا بعد اللي حصل صحابي كلهم أهاليهم خافوا عليهم و بعدوهم عني ، كريم و مامته كانوا عارفين حكايتي كلها من الأول عشان كدا مبعدش ، يوم ما سابوني صحابي كلهم كنت مبسوطة إن عندي صاحب باقي معايا زي كريم كدا دافع عني واتخانق معاهم يومها كنت لسه سديم الهادية بقاا !

أوقفت كلماتها تنظر إلى ملامحه التي ظهر عليها الامتعاض الشديد ثم ابتسمت وأكملت بسخرية :

- والنهاردة قولت ياريته كان عمل زيهم !

تلاشى الامتعاض وحل محله الترقب و قد استند بكتفه إلى الأريكة محدقًا بها ينصت إلى كلماتها بألم وكأن أحدهم يقبض بقوة على قلبه خاصة حين أغمضت عينيها وعادت برأسها إلى الخلف تواصل :

- اكتشفت حاجة مهمة أوي في كلامك ياآسر ، إنك فعلًا حبيت واحدة متعرفش عنها أي حاجة مش يمكن لما تعرف تغير رأيك ! شوية تفاصيل صغيرة أوي ممكن تخليك تعيد حسباتك من تاني ؟! أنا جيباك هنا عشان كدا لأني محتاجة اعرف زيي زيك هنكمل ولا لأ !!

أطلقت أنفاسها بإنهاك ثم بدأت حديثها قائلة وهي على وضعها :

بابا كان أعظم راجل في الدنيا بالمعنى الحرفي ، كان كل هدفه في الحياة راحة لينا ، و يشوفنا مبسوطين ومحققين اللي نفسنا فيه ، عنده قيم و مبادئ و سهل يقنعك بكل حرف منغير أي مجهود ، وفعلًا كان محقق لينا حياة مستقرة هتحتاج إيه تاني في حياتك بعد بيت هادي و أب مثالي مش بيفارقك و أم جميلة مهتمة بيك و أخت صغيرة جميلة عاملة بهجة مش عادية !

اختنق صوتها قليلًا لكنها عاندت وأكملت بصعوبة بالغة :

-و في يوم عمل حادثة وهو راجع من شغله بليل ، الحياة الجميلة دي كلها اختفت و انتهت في يوم وليلة و خرج من الحادثة في حالة عجز مميتة ودي كانت أول موته ليه !!! العجز قتله و نظراته كانت كلها وجع و مراته اللي كانت موجودة و الحياة حلوة و جميلة ورومانسية مجرد ما اتحطت في مسؤولية ظهرت على حقيقتها و بدأت تتضايق وتتأفف من المجهود ، مفيش فلوس ، مفيش علاج ، مفيش حياة رومانسية ، راجل عاجز و بنتين محتاجين طلبات وتعليم ومصاريف وأنا من عيلة كبيرة ومعرفش يعني إيه اتصرف في كل دا !

ارتعش فكها من فرط غضبها و بدأت الدموع تسيل من عينيها المغلقة لكنها واصلت بحقد وغضب :

- قتلته مليون مرة بطريقتها وكلامها وإنها مش قادرة تتصرف ، وللأسف كان كلامها كله قدامنا يمكن نيرة كانت صغيرة شوية بس أنا كنت بتقطع على نظرات الوجع والقهر اللي في عينيه و خجله من كلامها قدامي كأنه عامل مصيبة ، لدرجة في مرة ..

رفعت يدها تضغط فوق رأسها بقوة و واصلت ببكاء مرير يقطعه شهقات بعد أن مالت إلى الأمام و دفنت رأسها بين يديها :

- في مرة دموعه نزلت و كنت أنا لسه منمتش رجعت ليه ومسحت دموعه وفضلت جنبه وأنا مش عارفة أعمل إيه و لا هعرف اقولها بلاش تكلميه عن علاجه و مصاريف البيت لاني مكنتش عارفة هي نفسها هتتصرف إزاي ، وتاني سوم الصبح جاتلي بدري و قالتلي يلا بسرعة ياسديم اتحلت خلاص و هنجيب علاج بابا !!! قمت زي المجنونة بلبس ومعنديش أي اهتمام أسأل عن المصدر ولا الطريقة ولا أي حاجة غير حاجة واحدة بس بتترسم قصادي أنه هيرجع تاني زي الأول !

ضحكت بألم من بين بكائها و أردفت بتهكم :

- تفكير عبيط أوي بس أنا مصدقة نفسي و سمعت كلامها بالحرف و مقولتش ليه حاجة لما رجعنا بالعلاج غير إني بشتغل مع جدو نجيب و طبعًا دي كانت فكرتها هي في اليوم دا روحنا لسامح وهو اللي اداها الفلوس عربون يعني لبيع بنتها !!! و بالمناسبة دي كانت الموتة التانية ليه ، كنت بشوف في عينيه وجع إني أنا اللي بجيب مصاريف البيت و خوف غريب كان ملازمه كأنه عارف إني بعمل حاجة غلط !!! والموتة الأخيرة بقاا و اللي كانت بخروج روحه ، كان يوم ما اتأكد إني فعلًا مع سامح و بنصب وإن مراته وقفت عمليته و سابت حالته تتدهور !

رفعت يديها المرتعشة أمام وجهها و أكملت باكية :

- مات على ايديا دي و عينيه كلها ألم نظراته كانت زي الخناجر على تعبه اللي راح معايا و مبادئه اللي زرعها سنين وأنا موتها مستحملش ومات !!! و ماتت معاه سديم الهادية يومها ، مكنش ينفع تعيش ثانية تاني في غابة هو مش موجود فيها عشان يحميها حتى لو كان موجود بأنفاسه كان فارق معايا !!!!!

اقترب منها و أحاط جسدها الذي ينتفض ثم دسها داخل أحضانه يربت فوق خصلاتها بينما سارت دموعه فوق ذقنه المشذبه محاولًا الحفاظ على نبرته المتزنة و هو يهمس لها مقبلًا خصلاتها :

- كفاية ياسديم أنا مش عايز أعرف حاجة !! أنتِ بتتعمدي تحملي نفسك ذنوب مش بتاعتك ، مات عشان قضاء ربنا نفذ مش بسببك !

تركت رأسها فوق صدره وواصلت متجاهلة كلماته المواسية :

- أنا كنت هسيب كل حاجة بعدها كنت هبعد عنه و عن طريقه كله بس للأسف حادثة نبيلة قلبت الموازين كلها و كملت معاه لحد ماقابلتك و عمك فكرني بيه و بقيت عايزة ارجع زي الأول واعتبرت انقاذي لعيلتك تكفير عن ذنوبي ، بس قسوة القلوب مش بتتغير ، بنحاسب بعض كأننا مش بنغلط ، طول ماأنا غلطاتي مستخبية بعتبر نفسي قاضي وجلاد على الناس !

رفعت رأسها و خرجت من أحضانه تراقب ملامحه الحزينة و دموعه التي تساقطت لأجلها و كانت تلك هي النقطة الفاصلة و المعبرة لها عن صدق نواياه و إن كذبت نواياه لن تضيع لحظات قليلة بين أحضانه ما العمر إلا لحظة لتغتنم سعادتها ويحدث مايحدث بعدها !!!

رفعت يديها إلى وجهه و أزاحت دموعه بأطراف أناملها تهمس له بصدق :

- أنا لحد الصبح كنت خايفة أقولك إني بحبك لأني اتقابلت بالرفض من عيلتك مش عايزة اكرر قصة فاشلة تاني بس بعد كلامك أنا اكتشفت إني بأذيك و أنا بحبك !!!

ظهرت بسمته و هز رأسه عاقدًا حاجبيه ثم رفع يديه و أمسك يديها المستقرة فوق وجهه يقبل باطن يدها و يجذبها إليه ملتهمًا شفتيها بقوة لترفع ذراعيها محيطة عنقه تاركة إياه يلصقها به محيطًا خصرها بذراعيه و أغمضت عينيها مقررة إنهاء دور عقلها و ترك قلبها يقودها تلك المرة قبل أن تهمس داخلها : و إن كنت سيئة بنظر الجميع عليهم باليقين أني بالفعل سيئة ترغب بحياة فتاة طبيعية بين أحضان رجل يرغب بها و ها هي أحضانه تنتظرني بأشواق ملتهبة لن أرفضها و إن كانت متعتها لحظية و نهايتها سيئة تليق بي !!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close