رواية ملاذي وقسوتي الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم دهب عطية
23
اولها ظهره للمغادرة.. شعرت ان الأرض تهتز من اسفل قدميها مسكت رأسها بتعب وهي تهتف قبل ان تقع مغشياً عليها ……
“انا ممكن اموت بعدك….. ”
سمع ارتطام بعد جملتها ألتفت خلفه راها واقعة
على الأرض الصلبة وتعب قد احتل مكاناً يسكن بها
بين ملامح وجهها الشاحبة……
تقدم منها بسرعة وهلع وجلس بجانبها ….
خبط على وجهها بلطف….
“حياة……حياة…. ردي عليا….. حياة…. ”
مسك معصم يداها بين اطراف يده ليضع ابهامه
في منتصف معصمها…..
( في نبض الحمدلله )هتف داخله بحمد ولكن
الخوف مزالا يتربع داخله…..
حملها على ذراعه ووضعها على الفراش…… ومسك هاتفه يجري مكالمة بطبيبة…..
بعد مرور ساعة……
خرجت الطبيبة من غرفة حياة كان ينتظرها امام
عتبة باب الغرفة سالم والجدة راضية….
سألها سالم بقلق….
“خير يادكتوره ناهد….. حياه مالها”
ردت الطبيبة بعملية….
“ضغطها عالي شويه ولازم تبعد عن اي ضغط عصبي لان الفتره الجايه لو الضغط فضل كده وقت الولاده هيحصل مضاعفات….. ”
هتف سالم بعدم فهم….
“ولادة إيه يادكتوره ناهد وفترة إيه بظبط….. ”
ردت الطبيبة وهي تكتب اسماء الادوية المطلوبة
لحياة…..
“فترة الحمل…. انت متعرفش انا مدام حياة حامل
ولا إيه …..على ماعتقد بدات في شهر التاني
على العموم لم تيجي المدام تعمل فحوصات في العياده هنتاكد من عمر الجنين وصحته اكتر لازم المدام تعمل كشف واعاده كل 15يوم دا أساسي….. وكمان خُد العلاج ده هاته ليها في أقرب وقت ولازم تغذيها كويس… وزي ماقولنا تبعد عن التوتر عشان صحتها وصحة الجنين.. ”
اخذ منها الورقة وعيناه غامت بحزن…..
الرابط بينهم أتى ولكن اتى في لحظة قرر هو بها
البعد عنها بعد ان اكتشف حقيقة مشاعرها
اتجاهه فاق على صوت جدته راضية السعيدة
بهذا الخبر اكثر من اي شيء مرت به…..
“مبروك ياسالم مبروك ياحبيبي يتربى في عزك”
ابتسم لها ابتسامة خرجت بصعوبة من بين شفتاه
سالته راضية ضاحكة….
“مالك ياسالم…. الفرحه عملت فيك كده ليه.. دا انت حتى وقف مكانك هنا…. مش هتدخل تطمن على مراتك وتقولها كلمتين حلوين بمناسبة خبر
حملها….. ”
ربت على كتف جدته وهو يقول بنبرة خالية من المشاعر…..
“ادخلي انتِ عندها ياحنيي وطمني عليها… انا رايح اجيب العلاج…… ”
مسكته من ذراعه وهي تقول بشك….
“علاج إيه بس ياسالم اي حد غيرك يروح يشتريه
تعالى شوف مراتك وطمن عليها….. ”
“بعدين ياحنيي بعدين…… ”
هبط من على الدرج حيثُ الخارج…..
وزعت راضية عينيها على باب غرفة حياة
ومن ثم على المكان الذي اختفى به سالم …
لتقول بريبه من أمرهم…
“يترى إيه اللي حصل بينكم ياولاد…..
كأن يركض على ظهر الخيل الخاص به بكلِ قوته
مزال غير مدرك ماحدث وماسيحدث في لأيام
القادمة يجب ان يحمي طفله منها ومن انانيتها
وكذبها عليه وتلك الفعلة المشينة لحرمانه من
طفل، فقط بسبب انه غير مرغوب به بسبب قلبها العاشق للماضي وبطل الماضي المشئوم (حسن) ليس حسن المشئوم بل الماضي والمستقبل الاكثر شُئماً
حين جمع كلاهما برابط زواج انتهى بعشق اسود ولعنة العشق الأسود تطارد قلبه بضراوة فأصبح
هو فقط المسحور بعشقها لا هي…….
زفر بضيق وهو يقف بجانب شجرةٍ ما ويستند على جذعها بتعب نظر الى الخيل ذا اللون الأسود
الخيل العنيد مثله والذي مزال حُر لم يشتبك
به ضياع القلب مثله…….
“تعرف انك تطلعت أجدع مني…… لسه حُر ومصمم تكون حُر……”
اخرج الخيل صهيل هادئ وكأنه يرد عليه ولكن بهدوء مثل الثلج……
أقترب سالم منه ليضع رأسه فوق رأس هذا الخيل
الاسود….ومسد على شعره بتعب وهو يصارحه بالم حقيقي….
“انا لسه بحبها…. وفرحان اوي ان هشيل حته مني ومنها…… بس انا مبقتش قادر أصدقها… الثقه اللي جوايه ليها اتبخرت…… اتبخرت بعد اللي عرفته…
” تعرف اني بقيت ضايع وخايف بسببها وبسبب
أنها خدت مكان جوايا مكان مش مكانها مكان مكنش لازم يتفتح لاي واحده ست عشان
كلهم كدبين ….. كدبين”
صهيل آخر هادئ بارد من هذا الخيل الأقرب دوماً
لها في وحدته….
اغمض سالم عيناه وهو يرد عليه بصدق
“مش مظلومه…. هي اعترفت…. مش مظلومه… لازم ادفعها تمن كلمة بحبك اللي قالتها ليا كدب …ولازم ارد كرامتي و رجولتي اللي داست عليهم لم رفضت تكون ام الابني وحرمتني من ده بمنتهى الانانيه عشان خاطر حبها لحسن ….. ”
نزلت دمعه منفردة على وجنته ففتح عيناه ومازال على وضعه يضع رأسه فوق رأس هذا الخيل الهادى الذي يستمع له بخضوع…..
هتف سالم بعذاب عاشق ….
“تفتكر هقدر اعذبها وانا……. وانا لسه بحبها…. ”
فلاش بااك…..
قال سالم بملل لحسن شقيقه….
“انا نفسي افهم البت دي عملت فيك إيه يعني عشان تخليك مصمم عليها اوي كده…. ”
رد حسن بنبرة مُصر….
“عملت كتير ياسالم حياة دي مش زي اي بنت دي
عامله كده زي الحياه اول متشوفها وتعيش معها تدمنها وتخاف ياخدك عزرائيل منها…. حياة إدمان صعب تبطله ومش بسهوله تفكر تسيبه….. ”
أبتعدا عن الخيل بحدة وتحول فجأه وهو يتذكر
حديث حسن ووصفه لها قبل ان يتزوجها…….
خبط بيداه على جذع الشجرة بغضب مجنون…
وهو يجز على أسنانه قائلاً بفحيح شيطاني ..
“هكرها وهخليها تكره حروف اسمي بسبب اللي
هتشوفو على ايدي…… مش هرحمها ولا هرحم
قلبي اللي عرف الحب على اديها…. ”
وقد قررت ان أشفى من إدمان يجري بعروقي
يخلط بين دماء دمي …
………………………………………………..
“هتفضلي سكته كده كتير ياحياة طب ردي عليا يابنتي في حاجه بينك وبين سالم… ”
سائلة راضية سؤالها العشرون والذي تكرر مرارٍ وتكراراً وحياة كان ردها الطبيعي دموع فقط دموع تنحدر على وجنتيها بتسارع لتلاحق بها آخريات طوال هذين الساعتين ….
ربتت عليها راضية بحنان وهي تقول
“احكيلي ياحياه مالك….. قولي بس اي حاجه
وصدقيني لو سالم هو اللي غلطان هخليه يجي لحد عندك يرضيكي ويوعدك أنه مش هيزعلك تاني……. ولو انتِ اللي غلطانه هنحلها مع بعض وصدقيني سالم طيب وابن حلال وبأقل كلمه بيروق وبينسى. ”
نزلت دموع حياة اكتر مع حديث راضية التي كانت
تظن انها بهذا الحديث سترسل لها الأمان للتحدث معها في لأمر الذي يخصها هي وسالم…. ولكن حديثها فتح جرح قلبها أكثر سالم لن يسامح….
ولكن قلبها رد عليها بيقين…
( بأن خبر حملك اتى في الوقت المناسب سيعلم وسيتاكد انكِ لم تكذبي عليه حين اعترفتي
له إنكِ توقفتي عن اخذ تلك الاقراص منذ أشهر .. )
“يارب… “همست داخلها بعذاب حقيقي وهي تتمنى أن يمر هذا الخلاف عاجلاً من أمامهم….
لن تتحمل ذكرى سيئة منه لم تقدر على بعده
عنها ، قساوة وجفاء قلبه عليها لن تتحمل تغير سالم حبيبها لن تتحمل ولن تقدر على تحمل كسر قلبها على يداه………
همست داخلها بوجع وجسد ينتفض….
“يارب أصلح حالنا…. انا عارفه اني غلط لم اخدت حبوب منع الحمل من ورآه بس انت عارف يارب اني بطلتها من شهور ونويت وقتها ابدا معاه من جديد يارب انا خايفه اوي وعايزاك تقف جمبي مش عايزه اخسر سالم ولا عايزه اخسر حبي
ليه….. “ارتجف جسدها بوجع وضعف تحت أنظار راضية التي لا تفهم ولا تعلم شيئاً عم يحدث
حولها….
“بسم الله الرحمن الرحيم….. تعالي ياحبيبتي في
حضني تعالي وكفايه عياط…. ”
رمت حياة جسدها في أحضان راضية وهي تشهق
بصوتٍ عالٍ وينتفض جسدها بقوة …..هداتها راضية بحنان قائلة….
“بس ياحبيبتي ان شاء الله كل حاجه هتصلح…
اهدي يابنتي اهدي وكفايه عياط…..”
بعد ثلاث ساعات……تركت راضية حياة نائمة
وذهبت الى غرفتها حتى تقضي صلاة الفجر….
دخل سالم البيت ومنه على غرفتهم….
أشعل أنوار الغرفة…. ونظر الى الفراش ليجدها نائمة عليه او تتصنع النوم هذا ما رآه وهو يتطلع عليها يرتجف جسدها رجفة خفية ولكن واضحة أمام عيناه، رمش عينيها الكثيف يتحرك ببطء وتوتر…..
أبتسم على تمثيلها الذي نتيجته امام عيناه القاتمة (فشل) ……..
دلف الى الحمام وخلع ملابسه ووقف تحت صنبور المياه للحظات ………..
فتحت بُنيتاها ودموع تنزل منهما بل توقف قلبها يرتجف خوفاً من القادم……(ماذا ينتظرك )
السؤال يتكرر داخلها بإصرار وللأسف الاجابة معدومة داخلها ولكن السؤال يلاحق ذهنها بضراوة حتى يزيد داخلها الهم والحزن أكثر……سمعت صنبور المياه يغلق …حاولت طصنع النوم واغمضت عينيها حتى تهرب من المواجهة التي دوماً تهرب منها من قبل ان تبدأ …..
خرج من الحمام وهو يرتدي بنطال قطني عاري
الصدر تتساقط قطرات الماء من شعره على كتفه
وصدره العريض…… أشعل سجارته وهو يجلس
على مقعد بعيداً قليلاً عن الفراش لكنه مقابل له
تفقد ملامحها الشاحبه ودموعها الراكضه على وجنتيها تسابق الأخرى بسرعة والحاح…
نظر لها بسخرية واخرج الدخان الرمادي الناعم
من فمه وهو يقول بصوت يشبه لوحة الثلج….
“لازم نتكلم يامدام حياه…..وكفايه نوم لحد
كده.. ”
نفث سجارته مره آخرى وهو يرآها تجلس بهدوء
وتمسح دموعها بانكسار خفي ولكن لم يكن خفي
ابداً عن عينا سالم الذي يتابع أقل حركه منها بمنتهى الجمود…
“هتتكلم في إيه…..”سألته وهي تسلب جفنيها
ناظرة الى يديها التي تقبض بهما على شرشفت الفراش بارتباك وتوتر من القادم……
نفض سجارته في المنفضة ورفعها على فمها من جديد وهو يرد عليها بصوتٍ خالي من المشاعر…..
“هتكلم عن ابني…..اللي في بطنك….”
ابتسمت بسخط من تلميحة….
“اللي في بطني…..يعني معترف انه مش ابنك
لوحدك وابني انا كمان……”
“لا هو ابني انا …..حمزه و ورد من دم عيلة رافت شاهين……وانتِ متملكيش فيهم حآجه… ”
احتدت عينيها عليه ولن تعلق على هذا الاسم الذي
نطقه وسط حديثه الجاحد (حمزه)ولكن التعليق الشائك هنا داخلها…
(أنها لا تملك في ابنائها شيءٍ كيف؟!)…..
نهضت وهي تقف أمامه وهتفت بصدمة…
“معنى إيه كلامك ده انت هتحرمني من ولادي..
هتحرمني منهم….. “توسعت عينيها بذهول من هذا الاستنتاج القاتل لروحها…
مزال يجلس على المقعد ينفث في سجارته ببرود
ناظراً لها من أعلى راسها الى أسفل قدميها
وهو يرد بجمود…..
“شكلك مش سمعاني كويس يامدام…… دول
ولادي من دم ومن عصب عيلة رافت شاهين
ورد بنت حسن اخويه وانا في مقام أبوها
وللي في بطنك ده ان كان ولد او بنت
فهو من صلبي انا …….وانا أولى بيه…. ”
هتفت بضياع….
“يعني إيه…. ”
رد عليها وهو يرمقها بنظرة مشتعلة بالقسوة….
“يعني اول ماتخلفي هتتنزلي عن ورد واللي في
بطنك ليا… وساعتها هرميلك كام قرشين
في البنك وشقه وعربيه في المكان اللي تختاري تعيشي فيه…….يعني بالعربي كده تمن تنزلك عن عيالك فلوس وشقه وعربيه….وللي تطلبيه….
وانا سداد.. ”
صرخت بجنون امام وجهه ….
“مستحيل اتنزل عن عيالي ياسالم مستحيل…
انت بتحلم…. ”
وقف أمامها وهو يرد عليها ببرود….
“سالم شاهين مش بيعرف يحلم ياحضريه سالم شاهين بيحقق بيحقق وبس….. وااه عيب اوي تقفي قدامي وصوتك يعلى عليا….. ”
باغتها بصفعه على وجهها قوية وقعت آثارها على الأرض الصلبه….
تحولت سريعاً من المنكسرة الخائفة من ضياع
حبها وحبيبها…… الى الأم التي لن يفرق معها شيئاً في تلك الحياة إلا أحضان أولادها و وجودهم معها….
هتفت بتحدي أمام عينه القاتمة بشراسة…
“هموت اي حاجه مبينا ياسالم هنزله…
هنزل اللي في بطني… وهطلقني وهاخد بنتي
ونبعد عنك وتنساني وتنسى بنت أخوك خالص …. ”
جثى لمستواها ومسك شعرها بين قبضة يده واشتعلة عيناه بتوهج مُخيف بعد تصريحها الذي
أكد له صحة أفكاره عنها …. قال بفحيح كالافعى…
“انا اقدر احمي ابني منك وانتِ عارفه كده كويس اوي …. وموضوع بقه الطلاق ده فبلاش تستعجلي فيه لاني هطلقك اول ممسك ابني بين ايدي…..
أما موضوع انساكِ فده مفروغ منه ياهانم متقلقيش لاني مش بس نسيتك دا انا كرهتك كمان…… وبنتك
اللي هي بنت أخويه هتفضل معايا عشان من صلب عيلة شاهين واحنا اولى بيها منك… “قرب رأسها اكثر إليها وهو يقول ببرود….
“وبعدين انتِ متمسكه بى اللي في بطنك ليه قدري
أنه مجاش من الأساس مش انتِ كنتِ عايزه كده
بس حكمت ربنا وإردته كانت اقوى من انانيتك
والحبوب اللي بتاخديها من ورايا وللأسف بقيتي حامل وشيله ابني جواكي …. ”
تعمق اكثر في عينيها بقساوة وهو يتابع بجمود
“صدقيني انا كمان كاره فكرت اني هكون أب من
ابن انتِ تكوني أمه….. لكن انا هصلح الغلطه ديه قريب اوي…. ”
رفعت عينيها الحمراء وهي تهتف بصعوبة…
“غلطه…. حبك ليا كان غلطه….”
اغمض عيناه بقوة من اثار رعشت جسده وقلبه
من اثار ملامحها المجهدة والحزينة بسبب شراسة حديثه…
ابتسمت حياة بمرارة وهي تراه يجاهد حتى يظل
مُرتدي امامها قناع القسوة والجمود…..
قالت بسخرية وهي تطلع عليه….
“انا من رايي لازم تكمل مسرحيتك لازم تقنعني اكتر انك بقيت بتكرهني وكاره وجود طفل مبينا
كمل انا هحاول اصدقك…..”
فتح عيناه وهو يحاول الإمساك بقناع الضراوة وجفاء وهو يرد عليها ببرود…
“انا مبعرفش اعمل مسرحيات ياحضريه …انتِ هنا اكتر واحده بتعرف تآلف وتمثل وتقنع اللي قدمها بارخص تمثيل…..”
نهض وابتعد عنها …..ابتسمت بحزنٍ وهي تنهض وتقترب منه باصرار ولا تزال الدموع تهبط بغزارة
من مقلتيها…
“انت ضعيف وكداب …..انت لسه بتحبني ومش هتقدر تبعدني عنك ….انت بتعمل دا كله عشان أكرهك بس مش هعرف أكرهك زي مانتَ مش هتعرف تكرهني ياسالم…. ”
مسك وجهها بين يديه فجأه..وقربها من وجهه مُلصق جبهته بخاصتها وشفتاه تكاد تلامس شفتيها بعذاب اجساد خائنة……رد عليها بوجع….
“انتِ غلطانه…. انا بطلت أحبك…انا بكرهك….سمعاني بكرهك ياحياة….. بكرهك.. ”
نزلت دموعها وهي ترد عليه بضعف حزين…
“كداب ياسالم…..انت لسه بتحبني انت نفسك
تقولي انك فرحان اني حامل فى ابنك عايز
تقولي انك مبسوط اني ام ابنك ان في طفل
مبينا… ”
“كدب……كدب… ”
نزلت دموعها وهي تهتف بحدة…
“مش كدب ياسالم انت مش عارف تمثل مش عارف تمثل عليا……عينك وقلبك فضحين كدبك
وتمثيلك……”
قرب شفتاه اكثر من شفتيها وهو يرد عليها بعذاب
وضعف من شدة المشاعر ومن كثرة الأوجاع وقد عجز القلم عن وصف ما يمر به رجلاً مثله…
“ايوا مش عارف أكرهك….ولسه بحبك.. بس انتِ وجعتيني اوي ياحياة وجعتيني….. انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا…. ”
سحب شفتيها بين شفتيه وهو يمذج أوجاع قلبه
مع عشق دمر كبرياء الرجل بداخله…
كانت قُبله لا تدل على شوق او شهوة ، قبُله تدل على انهيار القلوب بعذاب عقول مريضة وشياطين مصرة على هدم الحب والثقة ، يالله كم أن الحب والعذاب بلاء قلوب عاشقة وإذا اجتمعو معاً دمرُ اصحابها ودمرُ ماتبقى من الحب….
ابتعدا عن شفتيها ولكن لم تبتعد اجسادهم عن بعضها مزال يلصق جبهته بخاصتها بقوة
مزالت يداه تطوق خصرها بامتلاك ضائع يرى
ضالته بها …..
كان يلهث بصوتٍ مسموع وهي كذالك….
رمقها بنظره هادئه بدلته هي النظره بدموع
تنزل حزنٍ عليه بسبب فعلتها المشئومة التي
فتحت الماضي عليهم ….ظن انه غير مرغوب به وأنها خدعته حين اعترفت بحبها له ! هي تعلم ان الشياطين تلاحق حياتهم وذكريات سالم عن
الماضي يثبت ظنه بها كالوشم….. مهم قالت هو
يظن انها لم تحبه يوماً…… المشكلة ليست وجود
طفلاً ام لا….. المشكلة الحقيقية انهم كلما أرادُ الهروب من حقيقة زواجهم منذ البداية يجدون
ما يعكر صفوهم ويذكرهم بالبدايات اللعينة تلك
البدايات التي تاتي بنهايات حزينه على كلاهما واخرها الفراق !..
هتف سالم بضياع وعذاب لها ….
“حاولي متقربيش مني تاني… مش عايز أشوفك كتير قدامي… ”
اغمضت عينيها بعذاب وهي ترد عليه بفتور
لا يناسب هذا المكان الواقفه به….
“حاضر….. ”
حاولت الابتعاد عنه…..
“رايحه فين……. ”
عضت على شفتيها وهي تقول بحزن محاولة كبح
دموعها…
“لازم ابعد عنك كده احسن ليك وليا….. ”
مرر يداه على وجنتيها ومسح دموعها باطراف أصابعه وهو يقول بصوت حاني ولكن صوته كان مرهق يحارب الثبات جسداً وعقلاً…..
“ابعدي ياحياة…..بس بطلي عياط عشان انا مش
بحب اشوف دموعك…….. ”
لم تعقب على حديثه الحاني المتقلب لكن اكتفت بابتسامة حزينة شاردة ….
(سيظل الانفصام وتقلب جزء من حياتهم !)
استلقى على الفراش بتعب غطت جسده بشرشفة
واغلقت الأنوار وكادت ان تخرج…. لكنه مسك
يدها معرقل سيراها…
“راحه فين…”
“هروح انام جمب ورد……. ”
“لا… تعالي نامي على السرير عشان محدش من اللي في البيت يلاحظ حاجه …..”امرها بثبات وهو يضع الوسادة على رأسه مُغطي وجهه كلياًّ عنها ….. تنهدت وهي تخلع تلك العباءة وتستلقي على الفراش من الناحية الآخرى وهي تغمض عيناها بتعب وارهاق
من كل شيء مر عليها وكل شيء يستقبله خيالها بخوف….
اغمضت عينيها وهي تتذكر جملته الحارقة لروحها
وقلبها معاً…
ايوا مش عارف أكرهك….ولسه بحبك.. بس انتِ وجعتيني اوي ياحياة… انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا….)
هتفت داخلها وهي تنظر اليه في ظلام الدامس
“مش هتقدر تنساني ولا تكرهني غير لم ابعد
عنك خالص ياسالم…. بيقولو البعيد عن العين بعيد عن القلب…. وانا اكيد لو بعِدت هتنساني….هتنساني خالص…. “وضعت يداها على معدتها قائلة بوجع….
“واكيد هتكرهني لو اخدتهم وبعدت عنك… ”
نظرت له مره آخره في قواتم الظلام…
وهمست مرة أخرى داخلها بضياع…
“اكيد وقتها مش هتقدر تسمحني…. بس لازم تفهم ان دول اكتر حاجه هتصبرني على فراقك……. ”
” اكيد هتكرهني وتنساني وقتها… وبعدها هتكمل حياتك عادي…… “نزلت دموعها بقهر على إحساس اليتم الذي ستتذوقه من جديد وفكرة انها سيحيا بدونها ومن المؤكد مع غيرها يوماً ما تقتلها الف مره في ثانيه الواحده….
العلاقة بينهم أصبح يملأ إياها الهواجس ويجتاحها
الماضي بشيطانه بدون هوادة عليهم ….
لا احد منهم قادر على تخطي اختبارات الحب
هي تريد الهروب…. وهو يريد ان ينساها وينسى عشقه لها …… ولا احد يحارب لأجل حياته مع الآخر الكل يهرب في طريق يراه الانسب له….
فتنتهي القصة بعنوان
ملاذ وقسوة….. العشق وهو الملاذ هنا .. والقسوة الماضي بشيطانه….. وااهات من عذاب حب دُمرَ قلوبنا !!! ..
…………………………………………………..
بعد مرور أسبوع…. لم يتغير شيء بينهم بالعكس
أصبح البعد والجفاء محور حياتهم…. وقلة المعاملة
ولحديث بينهم أصبح واضح امام كلاً من في البيت….
على سفرة الغداء…..
جلست راضية وهي تهتف بابتسامة حنونة….
“اخيرا ياسالم هتاكل معانا…… ”
أبتسم سالم ابتسامة لم تصل لعينيه… اكانت ملامحه متعبة ولحيته غير حليقة …. عيناه قاسية باردة
ووجهه قاتم اللون حزنٍ وضياع بسبب البعد عنها
وحتى ان كأنو يتشاركون الفراش سوياً لا تزال اجسادهم وقلوبهم متفرقه عن بعضها بقسوة،
وقد اجتاحهم الشوق بضراوة…
نهض سالم وهو يضع هاتفه على أذنيه قائلاً
لراضية….
“شويه وراجع…”
اومات له راضية وهي تقول بحنان…
“طب ياحبيبي بس بلاش تتأخر ….زمان ورد وحياه نزلين دلوقتي…. ”
اومأ لها وهو يخرج ….وقف في صالة البيت الكبيرة واولى ظهره لدرج البيت المؤدي لغرف النوم…
نزلت حياة على الدرج ويداها بيد ورد ابنتها…..
“بابا….. “صاحت ورد بحماس وهي تركض على الدرج وتمسك يد امها بعد ان رأت سالم يقف يتحدث
في الهاتف ويوليها ظهره ……
استدار اليهم سالم بعد ان اغلق الهاتف ناظراً لهم بهدوء…. لكن كانت عيناه تلتهم وجه( ملاذ الحياة) كانت ترتدي عباءة محتشمة وحجاب يلتف بإتقان حول رأسها…. وجهها شاحب وجسدها الذي نحف كثيراً برغم من أنه يختفي داخل تلك العباءة الفضفاضة الى ان فقدان وزنها واضح جداً وبلاخص
على قسمات وجهها…
حرك وجهه لناحية الآخرة وهو يزفر بضيق من
أهملها لنفسها ولإهمال ليس عاد عليها فقط بل
عاد على هذا الطفل الذي سياخذ نصيب من
أهملها حتماً !!……
رجع بنظره لها حين سمع صراخها وهي تزمجر في
ابنتها بتمهل….
“ورد بلاش جري كده على سلالم… هقع…. ااااه.. ”
تركتها ورد وركضت على اخر درج سلالم….
وبدون ان تلاحظ حياة وضعت قدميها على اطراف
عبائتها لتتعثر في النزول وتكاد أن تقع…..
“ااااه… سالم….. “هتفت بأسمه تلقائياً…..
وقبل ان تستقبلها درج السلم الصلب…كانت
يد سالم تحاوط خصرها بقوة في اخر لحظة…..
رفعت عينيها عليه بدهشة…. نظر سالم لها بقلق
ومرر يده على وجهها قائلاً بحنان….
“حياه انتِ كويسه في حاجه وجعتك…. ”
هزت رأسها بنفي…. ولم تدرك نفسها وهي
تتأوه بخفوت…….. وعينيها تتشربان من رجولته
التي اشتاقت لكل ملمحٍ منها……
“وحشتني…… “همست بخفوت بها أمام وجهه ….
أغمض عيناه بعذاب من كلمةً كفيلة بحرق قلبه
وهدم رجولته الراغبة للحظةٍ حميمية باحضانها…..
أبتعد عنها بجفاء ولبس قناع القسوة البارد قائلا بجمود….
“حاولي تاخدي بالك اكتر وانتِ ماشيه….. حافظي على الأمانه اللي تخصني…. لانها لو جرا ليها حاجه
هتدفعي تمن اهمالك غالي….. ”
ابتعد عنها وحمل ورد وهو يقول بحنان….
“حبيب بابا عامل إيه بقه…. ”
ردت عليه ورد بتزمر طفلة…..
“الحمدلله يابابا وحشتني اوي …. بس انت لي دايماً بترجع متاخر من الشغل انا مش بلحق أشوفك عشان بنام بدري…..”
“هحاول ارجع بدري عشان خاطر عيون ورد
الجوري…. ”
أبتعد عن حياة وهو يدلف لغرفة السفرة…
اغمضت مقلتيها بتعب وانسابت دمعتان ثقيلتان من
عينيها على وجنتيها ببطء.. جلست على درج السلم….. وهي تنظر بحزن أمامها..وداخلها تهمس بضياع…
“شكلنا عمرنا ماهنرجع……… ولا هننسى ”
…………………………………………………..
“عمل إيه المحامي مع وليد ياخيرية…. ”
قال بكر حديثه وهو يستلقي على الفراش بتعب
“لسه الحكم النهائي للقضيه كمان شهر ادعيله
المحامي مش مطمن بسبب التسجيل اللي فيه اعتراف إبنك… ”
مسك بكر قلبه وهو ينزعه الموت نزعاً……
“انا تعبان اوي ياخيرية انا حاسس اني خلاص نهايتي قربت…… ”
اقتربت منه خيرية بقلق قائلة …
“مالك يابو وليد…… انت هتقلقني عليك ليه إن شاء الله خير الدكتور طمني قال الضغط واطي بس شويه
ومع العلاج هتقوم بسلامه تاني…. ”
مسك قلبه وهو يوصيها بتعب ووجه شاحب من
قلة الهواء الذي إنسحب من أمامه فجأه…..
“قولي لامي تسامحني ياخيرية قوليلهاا
تسامحني…..”
انسحبت الروح لخالقها بعد عدة لحظات…
(كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال ولاكرام….. )
“بـكـر …..بـكـر …..ابـو ولـيـد رد عليه…..
بــــكــــر … ”
صرخت في أرجاء البيت لتدوي الصرخة بالنجع
باكمله…
…………………………………………………..
وضع قطعة كبيرة من اللحم في الطبق أمامها وبعضاً من الأرز وشربة الساخنة وهو ينظر لها
قائلاً بأمر..
“ياريت تخلصي الأكل ده كله….. ”
قالت بصدمة يصحبها الاعتراض …
“بس ده كتير أوي….. ”
ضاحكة راضية وهي ترد على حياة بمزاح…
“المفروض يملى الطبق مرتين تلاته…. ”
فغرت حياة شفتيها وهي تهمس بصدمة..
“مش لدرجادي ياماما راضية…. انا مش هقدر اخلص الطبق ده أصلاً….. ”
وضع سالم معلقة الارز امام فم ورد وقال بحنان
“افتحي بؤقك ياورد…. ”
“انت اللي هتاكلني يابابا…. “سائلة الصغيرة وهي
تلتهم ما بالملعقة…
رد عليها سالم بنبرة ذات معنى…
” ااه انا اللي هاكلك اصل ماما لازم تاكل كويس وتهتم بصحتها عشان اخوكي ينزل بخير ويكون كبير وشاطر زيك كده .. ”
هتفت ورد بحماس….
“وعنده عضلات زيك…. يعني يطلع
شبهك يابابا هحبه اكتر….. ”
أبتسم لها بحنان وهو يكتفي بايماءة بسيطة…
محول انظاره على حياة التي تاكل بهدوء وعيناها
غامت بضياع….
مالى عليها وهو يهمس بأمر قاسي….
“خلصي طبقك يامدام …. وياريت تهتمي
بنفسك اكتر من كده…. وزي ماقولتلك قبل كده
اهمالك في ابني هتدفعي تمنه لو جراله اي
حاجه……. ”
بلعت مابحلقها وهي ترد عليه بسخط وبنفس
الهمس قالت ….
“متقلقش هاكل عشان ابنك ينزل سليم… ”
همس سالم بامر يصحبه القلق عليها …
“وخدي الأدوية بتاعتك في معادها…. عشان ميحصلش مضاعفة في جسمك ….. ”
رفعت عينيها عليه بدهشة…
حمحم وهو يقول ببرود..
“انا بقول كده عشان ابني ينزل كويس.. ”
ابعد رأسه عنها وهو يتناول الطعام ويطعم ورد
التي تجلس بجواره من الناحية الآخرى…..
اليوم التاني صباحاً ……
نزلت دموع راضية وهي تمسك عكازها….
“ادعيله برحمه يامي…. “هتف رافت بتلك الجملة وهو يربت على كتف والدته راضية بحزن
على خبر وفات شقيقه بكر…
مسحت وجهها المجعد بمنديل ورقي وهي ترد
عليه بحزن…..
“مش مصدقه اني راحه ادفن ابني وهحضر عزاه..
دا بدل ماهو اللي يدفني راحه انا ادفنه.. ”
“ربنا يخليكي لينا ياحني…. ادعيله برحمة.. ”
نزل سالم من على الدرج بهيبته المعتادة وكان يرتدي جلباب أبيض مهندم نفسه بجاذبية يتميز دوماً بها… وكان يمسك بين يده مفاتيح سيارته ……
نظرت له راضية بصدمة….
“أنت رايح فين ياسالم….. ”
رد عليها بفتور….
“هروح اوصلكم وهحضر الدفنه مع الرجاله
وقف اخد عزا عمي انا وابويا …. ”
قالت راضية باعتراض…
“لا ياسالم بلاش انا عارفه انك فـ.. ”
“مشكلتي انا ووليد هيحلها القانون…. ومشكلتي
مع عمي زمان لازم انساها انا والحاج رافت لان
بكر شاهين بقه من الأموات ولاموات مش بيجوز
عليهم غير الرحمه…… انا هستناكم في العربيه.. ”
خرج من البيت وتركهم مصدومين من فتور حديثه ……
تطلعت عليه راضية وهي تبكي بحزن على تفرق
أولادها واحفادها بسبب الحقد والطمع…
ربت رافت على كتف والدته قائلاً بهدوء..
“يلا يأمي عشان نحضر الدفنه….. ”
تطلعت من اول درجات السلم وهم يغادرون البيت… دخلت سريعاً الى غرفتها وبدأت في تحضير حقيبة سفرها هي و ورد
كانت تطلع عليها ورد بعدم فهم….
“ماما هو احنا مسفرين…. ”
“ااه ……مسفرين….. ”
” مع بابا…… ”
هزت راسها بنفي وهي تسرع في تحضير حقيبتهم
“لا… لوحدنا….. بابا هيحصلنا ….. ”
بعد ساعة كانت قد انتهت من تحضير حقيبة
السفر الكبيرة……. اخذت مبلغ بسيط حتى تدبر
به نفسها وحين تستلقي في مكاناً ما ستبدأ
تعمل لتصرف على ابنتها وعلى نفسها وهذا
الطفل الذي ينبت داخل احشائها…..
كانت تقف امام المرآة تهندم هذا الحجاب نظرت
الى وجهها الشاحب وعيناها الحمراء اثار الخوف وتوتر من هروبها منه…. ولكن ماذا عليها ان تفعل هو من طلب ذلك منها، مزالت تتذكر جملته الذي
يصحبها الرجاء الضائع….
( انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا….)
اغمضت عينيها بعذاب وهي تعاني من جملته
الحارقة لروحها وقلبها معاً…
هتفت بثبات مُصر….
“يلا ياورد….. “مسكت ابنتها وخرجت سريعاً من الغرفة…… وخرج من باب البيت بدون ان يلاحظ احد من الخدم بخروجها….. ولان الوقت مزالا مبكراً
فسهل هذا عليها الخروج من البيت ولنجع
بأكمله….
يجلس في سيارته ويتحدث في الهاتف بهدوء.
“متقلقيش ياحنيي…..ربع ساعه وهكون عندك
لا هسأل حياة عن علاج الضغط اللي بتاخديه
طب حاضر……. سلام ”
اوقف سيارته امام البيت…… ودلف داخله بهدوء صعد الى غرفة النوم الخاصه بهم وفتح باب الغرفة فوجد المكان هادئ وخزانة الملابس مفتوحة وفارغة …. احتدت عيناه بقسوة مخيفة وبرزت عروق جبهته وهو يحرك عيناه في ارجاء الغرفة
باحثاً عنها بذهول لكن بعد عدة لحظات……
اصبحت عيناه هدرتين بالجمر المتوهج….
وعضلات جسده تلوى بعنف داخله من آثار
غضبه وصدمته بها مردداً كلمةً واحده…..
“هربت……….تفاااااعل يابنات انتو فين
اولها ظهره للمغادرة.. شعرت ان الأرض تهتز من اسفل قدميها مسكت رأسها بتعب وهي تهتف قبل ان تقع مغشياً عليها ……
“انا ممكن اموت بعدك….. ”
سمع ارتطام بعد جملتها ألتفت خلفه راها واقعة
على الأرض الصلبة وتعب قد احتل مكاناً يسكن بها
بين ملامح وجهها الشاحبة……
تقدم منها بسرعة وهلع وجلس بجانبها ….
خبط على وجهها بلطف….
“حياة……حياة…. ردي عليا….. حياة…. ”
مسك معصم يداها بين اطراف يده ليضع ابهامه
في منتصف معصمها…..
( في نبض الحمدلله )هتف داخله بحمد ولكن
الخوف مزالا يتربع داخله…..
حملها على ذراعه ووضعها على الفراش…… ومسك هاتفه يجري مكالمة بطبيبة…..
بعد مرور ساعة……
خرجت الطبيبة من غرفة حياة كان ينتظرها امام
عتبة باب الغرفة سالم والجدة راضية….
سألها سالم بقلق….
“خير يادكتوره ناهد….. حياه مالها”
ردت الطبيبة بعملية….
“ضغطها عالي شويه ولازم تبعد عن اي ضغط عصبي لان الفتره الجايه لو الضغط فضل كده وقت الولاده هيحصل مضاعفات….. ”
هتف سالم بعدم فهم….
“ولادة إيه يادكتوره ناهد وفترة إيه بظبط….. ”
ردت الطبيبة وهي تكتب اسماء الادوية المطلوبة
لحياة…..
“فترة الحمل…. انت متعرفش انا مدام حياة حامل
ولا إيه …..على ماعتقد بدات في شهر التاني
على العموم لم تيجي المدام تعمل فحوصات في العياده هنتاكد من عمر الجنين وصحته اكتر لازم المدام تعمل كشف واعاده كل 15يوم دا أساسي….. وكمان خُد العلاج ده هاته ليها في أقرب وقت ولازم تغذيها كويس… وزي ماقولنا تبعد عن التوتر عشان صحتها وصحة الجنين.. ”
اخذ منها الورقة وعيناه غامت بحزن…..
الرابط بينهم أتى ولكن اتى في لحظة قرر هو بها
البعد عنها بعد ان اكتشف حقيقة مشاعرها
اتجاهه فاق على صوت جدته راضية السعيدة
بهذا الخبر اكثر من اي شيء مرت به…..
“مبروك ياسالم مبروك ياحبيبي يتربى في عزك”
ابتسم لها ابتسامة خرجت بصعوبة من بين شفتاه
سالته راضية ضاحكة….
“مالك ياسالم…. الفرحه عملت فيك كده ليه.. دا انت حتى وقف مكانك هنا…. مش هتدخل تطمن على مراتك وتقولها كلمتين حلوين بمناسبة خبر
حملها….. ”
ربت على كتف جدته وهو يقول بنبرة خالية من المشاعر…..
“ادخلي انتِ عندها ياحنيي وطمني عليها… انا رايح اجيب العلاج…… ”
مسكته من ذراعه وهي تقول بشك….
“علاج إيه بس ياسالم اي حد غيرك يروح يشتريه
تعالى شوف مراتك وطمن عليها….. ”
“بعدين ياحنيي بعدين…… ”
هبط من على الدرج حيثُ الخارج…..
وزعت راضية عينيها على باب غرفة حياة
ومن ثم على المكان الذي اختفى به سالم …
لتقول بريبه من أمرهم…
“يترى إيه اللي حصل بينكم ياولاد…..
كأن يركض على ظهر الخيل الخاص به بكلِ قوته
مزال غير مدرك ماحدث وماسيحدث في لأيام
القادمة يجب ان يحمي طفله منها ومن انانيتها
وكذبها عليه وتلك الفعلة المشينة لحرمانه من
طفل، فقط بسبب انه غير مرغوب به بسبب قلبها العاشق للماضي وبطل الماضي المشئوم (حسن) ليس حسن المشئوم بل الماضي والمستقبل الاكثر شُئماً
حين جمع كلاهما برابط زواج انتهى بعشق اسود ولعنة العشق الأسود تطارد قلبه بضراوة فأصبح
هو فقط المسحور بعشقها لا هي…….
زفر بضيق وهو يقف بجانب شجرةٍ ما ويستند على جذعها بتعب نظر الى الخيل ذا اللون الأسود
الخيل العنيد مثله والذي مزال حُر لم يشتبك
به ضياع القلب مثله…….
“تعرف انك تطلعت أجدع مني…… لسه حُر ومصمم تكون حُر……”
اخرج الخيل صهيل هادئ وكأنه يرد عليه ولكن بهدوء مثل الثلج……
أقترب سالم منه ليضع رأسه فوق رأس هذا الخيل
الاسود….ومسد على شعره بتعب وهو يصارحه بالم حقيقي….
“انا لسه بحبها…. وفرحان اوي ان هشيل حته مني ومنها…… بس انا مبقتش قادر أصدقها… الثقه اللي جوايه ليها اتبخرت…… اتبخرت بعد اللي عرفته…
” تعرف اني بقيت ضايع وخايف بسببها وبسبب
أنها خدت مكان جوايا مكان مش مكانها مكان مكنش لازم يتفتح لاي واحده ست عشان
كلهم كدبين ….. كدبين”
صهيل آخر هادئ بارد من هذا الخيل الأقرب دوماً
لها في وحدته….
اغمض سالم عيناه وهو يرد عليه بصدق
“مش مظلومه…. هي اعترفت…. مش مظلومه… لازم ادفعها تمن كلمة بحبك اللي قالتها ليا كدب …ولازم ارد كرامتي و رجولتي اللي داست عليهم لم رفضت تكون ام الابني وحرمتني من ده بمنتهى الانانيه عشان خاطر حبها لحسن ….. ”
نزلت دمعه منفردة على وجنته ففتح عيناه ومازال على وضعه يضع رأسه فوق رأس هذا الخيل الهادى الذي يستمع له بخضوع…..
هتف سالم بعذاب عاشق ….
“تفتكر هقدر اعذبها وانا……. وانا لسه بحبها…. ”
فلاش بااك…..
قال سالم بملل لحسن شقيقه….
“انا نفسي افهم البت دي عملت فيك إيه يعني عشان تخليك مصمم عليها اوي كده…. ”
رد حسن بنبرة مُصر….
“عملت كتير ياسالم حياة دي مش زي اي بنت دي
عامله كده زي الحياه اول متشوفها وتعيش معها تدمنها وتخاف ياخدك عزرائيل منها…. حياة إدمان صعب تبطله ومش بسهوله تفكر تسيبه….. ”
أبتعدا عن الخيل بحدة وتحول فجأه وهو يتذكر
حديث حسن ووصفه لها قبل ان يتزوجها…….
خبط بيداه على جذع الشجرة بغضب مجنون…
وهو يجز على أسنانه قائلاً بفحيح شيطاني ..
“هكرها وهخليها تكره حروف اسمي بسبب اللي
هتشوفو على ايدي…… مش هرحمها ولا هرحم
قلبي اللي عرف الحب على اديها…. ”
وقد قررت ان أشفى من إدمان يجري بعروقي
يخلط بين دماء دمي …
………………………………………………..
“هتفضلي سكته كده كتير ياحياة طب ردي عليا يابنتي في حاجه بينك وبين سالم… ”
سائلة راضية سؤالها العشرون والذي تكرر مرارٍ وتكراراً وحياة كان ردها الطبيعي دموع فقط دموع تنحدر على وجنتيها بتسارع لتلاحق بها آخريات طوال هذين الساعتين ….
ربتت عليها راضية بحنان وهي تقول
“احكيلي ياحياه مالك….. قولي بس اي حاجه
وصدقيني لو سالم هو اللي غلطان هخليه يجي لحد عندك يرضيكي ويوعدك أنه مش هيزعلك تاني……. ولو انتِ اللي غلطانه هنحلها مع بعض وصدقيني سالم طيب وابن حلال وبأقل كلمه بيروق وبينسى. ”
نزلت دموع حياة اكتر مع حديث راضية التي كانت
تظن انها بهذا الحديث سترسل لها الأمان للتحدث معها في لأمر الذي يخصها هي وسالم…. ولكن حديثها فتح جرح قلبها أكثر سالم لن يسامح….
ولكن قلبها رد عليها بيقين…
( بأن خبر حملك اتى في الوقت المناسب سيعلم وسيتاكد انكِ لم تكذبي عليه حين اعترفتي
له إنكِ توقفتي عن اخذ تلك الاقراص منذ أشهر .. )
“يارب… “همست داخلها بعذاب حقيقي وهي تتمنى أن يمر هذا الخلاف عاجلاً من أمامهم….
لن تتحمل ذكرى سيئة منه لم تقدر على بعده
عنها ، قساوة وجفاء قلبه عليها لن تتحمل تغير سالم حبيبها لن تتحمل ولن تقدر على تحمل كسر قلبها على يداه………
همست داخلها بوجع وجسد ينتفض….
“يارب أصلح حالنا…. انا عارفه اني غلط لم اخدت حبوب منع الحمل من ورآه بس انت عارف يارب اني بطلتها من شهور ونويت وقتها ابدا معاه من جديد يارب انا خايفه اوي وعايزاك تقف جمبي مش عايزه اخسر سالم ولا عايزه اخسر حبي
ليه….. “ارتجف جسدها بوجع وضعف تحت أنظار راضية التي لا تفهم ولا تعلم شيئاً عم يحدث
حولها….
“بسم الله الرحمن الرحيم….. تعالي ياحبيبتي في
حضني تعالي وكفايه عياط…. ”
رمت حياة جسدها في أحضان راضية وهي تشهق
بصوتٍ عالٍ وينتفض جسدها بقوة …..هداتها راضية بحنان قائلة….
“بس ياحبيبتي ان شاء الله كل حاجه هتصلح…
اهدي يابنتي اهدي وكفايه عياط…..”
بعد ثلاث ساعات……تركت راضية حياة نائمة
وذهبت الى غرفتها حتى تقضي صلاة الفجر….
دخل سالم البيت ومنه على غرفتهم….
أشعل أنوار الغرفة…. ونظر الى الفراش ليجدها نائمة عليه او تتصنع النوم هذا ما رآه وهو يتطلع عليها يرتجف جسدها رجفة خفية ولكن واضحة أمام عيناه، رمش عينيها الكثيف يتحرك ببطء وتوتر…..
أبتسم على تمثيلها الذي نتيجته امام عيناه القاتمة (فشل) ……..
دلف الى الحمام وخلع ملابسه ووقف تحت صنبور المياه للحظات ………..
فتحت بُنيتاها ودموع تنزل منهما بل توقف قلبها يرتجف خوفاً من القادم……(ماذا ينتظرك )
السؤال يتكرر داخلها بإصرار وللأسف الاجابة معدومة داخلها ولكن السؤال يلاحق ذهنها بضراوة حتى يزيد داخلها الهم والحزن أكثر……سمعت صنبور المياه يغلق …حاولت طصنع النوم واغمضت عينيها حتى تهرب من المواجهة التي دوماً تهرب منها من قبل ان تبدأ …..
خرج من الحمام وهو يرتدي بنطال قطني عاري
الصدر تتساقط قطرات الماء من شعره على كتفه
وصدره العريض…… أشعل سجارته وهو يجلس
على مقعد بعيداً قليلاً عن الفراش لكنه مقابل له
تفقد ملامحها الشاحبه ودموعها الراكضه على وجنتيها تسابق الأخرى بسرعة والحاح…
نظر لها بسخرية واخرج الدخان الرمادي الناعم
من فمه وهو يقول بصوت يشبه لوحة الثلج….
“لازم نتكلم يامدام حياه…..وكفايه نوم لحد
كده.. ”
نفث سجارته مره آخرى وهو يرآها تجلس بهدوء
وتمسح دموعها بانكسار خفي ولكن لم يكن خفي
ابداً عن عينا سالم الذي يتابع أقل حركه منها بمنتهى الجمود…
“هتتكلم في إيه…..”سألته وهي تسلب جفنيها
ناظرة الى يديها التي تقبض بهما على شرشفت الفراش بارتباك وتوتر من القادم……
نفض سجارته في المنفضة ورفعها على فمها من جديد وهو يرد عليها بصوتٍ خالي من المشاعر…..
“هتكلم عن ابني…..اللي في بطنك….”
ابتسمت بسخط من تلميحة….
“اللي في بطني…..يعني معترف انه مش ابنك
لوحدك وابني انا كمان……”
“لا هو ابني انا …..حمزه و ورد من دم عيلة رافت شاهين……وانتِ متملكيش فيهم حآجه… ”
احتدت عينيها عليه ولن تعلق على هذا الاسم الذي
نطقه وسط حديثه الجاحد (حمزه)ولكن التعليق الشائك هنا داخلها…
(أنها لا تملك في ابنائها شيءٍ كيف؟!)…..
نهضت وهي تقف أمامه وهتفت بصدمة…
“معنى إيه كلامك ده انت هتحرمني من ولادي..
هتحرمني منهم….. “توسعت عينيها بذهول من هذا الاستنتاج القاتل لروحها…
مزال يجلس على المقعد ينفث في سجارته ببرود
ناظراً لها من أعلى راسها الى أسفل قدميها
وهو يرد بجمود…..
“شكلك مش سمعاني كويس يامدام…… دول
ولادي من دم ومن عصب عيلة رافت شاهين
ورد بنت حسن اخويه وانا في مقام أبوها
وللي في بطنك ده ان كان ولد او بنت
فهو من صلبي انا …….وانا أولى بيه…. ”
هتفت بضياع….
“يعني إيه…. ”
رد عليها وهو يرمقها بنظرة مشتعلة بالقسوة….
“يعني اول ماتخلفي هتتنزلي عن ورد واللي في
بطنك ليا… وساعتها هرميلك كام قرشين
في البنك وشقه وعربيه في المكان اللي تختاري تعيشي فيه…….يعني بالعربي كده تمن تنزلك عن عيالك فلوس وشقه وعربيه….وللي تطلبيه….
وانا سداد.. ”
صرخت بجنون امام وجهه ….
“مستحيل اتنزل عن عيالي ياسالم مستحيل…
انت بتحلم…. ”
وقف أمامها وهو يرد عليها ببرود….
“سالم شاهين مش بيعرف يحلم ياحضريه سالم شاهين بيحقق بيحقق وبس….. وااه عيب اوي تقفي قدامي وصوتك يعلى عليا….. ”
باغتها بصفعه على وجهها قوية وقعت آثارها على الأرض الصلبه….
تحولت سريعاً من المنكسرة الخائفة من ضياع
حبها وحبيبها…… الى الأم التي لن يفرق معها شيئاً في تلك الحياة إلا أحضان أولادها و وجودهم معها….
هتفت بتحدي أمام عينه القاتمة بشراسة…
“هموت اي حاجه مبينا ياسالم هنزله…
هنزل اللي في بطني… وهطلقني وهاخد بنتي
ونبعد عنك وتنساني وتنسى بنت أخوك خالص …. ”
جثى لمستواها ومسك شعرها بين قبضة يده واشتعلة عيناه بتوهج مُخيف بعد تصريحها الذي
أكد له صحة أفكاره عنها …. قال بفحيح كالافعى…
“انا اقدر احمي ابني منك وانتِ عارفه كده كويس اوي …. وموضوع بقه الطلاق ده فبلاش تستعجلي فيه لاني هطلقك اول ممسك ابني بين ايدي…..
أما موضوع انساكِ فده مفروغ منه ياهانم متقلقيش لاني مش بس نسيتك دا انا كرهتك كمان…… وبنتك
اللي هي بنت أخويه هتفضل معايا عشان من صلب عيلة شاهين واحنا اولى بيها منك… “قرب رأسها اكثر إليها وهو يقول ببرود….
“وبعدين انتِ متمسكه بى اللي في بطنك ليه قدري
أنه مجاش من الأساس مش انتِ كنتِ عايزه كده
بس حكمت ربنا وإردته كانت اقوى من انانيتك
والحبوب اللي بتاخديها من ورايا وللأسف بقيتي حامل وشيله ابني جواكي …. ”
تعمق اكثر في عينيها بقساوة وهو يتابع بجمود
“صدقيني انا كمان كاره فكرت اني هكون أب من
ابن انتِ تكوني أمه….. لكن انا هصلح الغلطه ديه قريب اوي…. ”
رفعت عينيها الحمراء وهي تهتف بصعوبة…
“غلطه…. حبك ليا كان غلطه….”
اغمض عيناه بقوة من اثار رعشت جسده وقلبه
من اثار ملامحها المجهدة والحزينة بسبب شراسة حديثه…
ابتسمت حياة بمرارة وهي تراه يجاهد حتى يظل
مُرتدي امامها قناع القسوة والجمود…..
قالت بسخرية وهي تطلع عليه….
“انا من رايي لازم تكمل مسرحيتك لازم تقنعني اكتر انك بقيت بتكرهني وكاره وجود طفل مبينا
كمل انا هحاول اصدقك…..”
فتح عيناه وهو يحاول الإمساك بقناع الضراوة وجفاء وهو يرد عليها ببرود…
“انا مبعرفش اعمل مسرحيات ياحضريه …انتِ هنا اكتر واحده بتعرف تآلف وتمثل وتقنع اللي قدمها بارخص تمثيل…..”
نهض وابتعد عنها …..ابتسمت بحزنٍ وهي تنهض وتقترب منه باصرار ولا تزال الدموع تهبط بغزارة
من مقلتيها…
“انت ضعيف وكداب …..انت لسه بتحبني ومش هتقدر تبعدني عنك ….انت بتعمل دا كله عشان أكرهك بس مش هعرف أكرهك زي مانتَ مش هتعرف تكرهني ياسالم…. ”
مسك وجهها بين يديه فجأه..وقربها من وجهه مُلصق جبهته بخاصتها وشفتاه تكاد تلامس شفتيها بعذاب اجساد خائنة……رد عليها بوجع….
“انتِ غلطانه…. انا بطلت أحبك…انا بكرهك….سمعاني بكرهك ياحياة….. بكرهك.. ”
نزلت دموعها وهي ترد عليه بضعف حزين…
“كداب ياسالم…..انت لسه بتحبني انت نفسك
تقولي انك فرحان اني حامل فى ابنك عايز
تقولي انك مبسوط اني ام ابنك ان في طفل
مبينا… ”
“كدب……كدب… ”
نزلت دموعها وهي تهتف بحدة…
“مش كدب ياسالم انت مش عارف تمثل مش عارف تمثل عليا……عينك وقلبك فضحين كدبك
وتمثيلك……”
قرب شفتاه اكثر من شفتيها وهو يرد عليها بعذاب
وضعف من شدة المشاعر ومن كثرة الأوجاع وقد عجز القلم عن وصف ما يمر به رجلاً مثله…
“ايوا مش عارف أكرهك….ولسه بحبك.. بس انتِ وجعتيني اوي ياحياة وجعتيني….. انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا…. ”
سحب شفتيها بين شفتيه وهو يمذج أوجاع قلبه
مع عشق دمر كبرياء الرجل بداخله…
كانت قُبله لا تدل على شوق او شهوة ، قبُله تدل على انهيار القلوب بعذاب عقول مريضة وشياطين مصرة على هدم الحب والثقة ، يالله كم أن الحب والعذاب بلاء قلوب عاشقة وإذا اجتمعو معاً دمرُ اصحابها ودمرُ ماتبقى من الحب….
ابتعدا عن شفتيها ولكن لم تبتعد اجسادهم عن بعضها مزال يلصق جبهته بخاصتها بقوة
مزالت يداه تطوق خصرها بامتلاك ضائع يرى
ضالته بها …..
كان يلهث بصوتٍ مسموع وهي كذالك….
رمقها بنظره هادئه بدلته هي النظره بدموع
تنزل حزنٍ عليه بسبب فعلتها المشئومة التي
فتحت الماضي عليهم ….ظن انه غير مرغوب به وأنها خدعته حين اعترفت بحبها له ! هي تعلم ان الشياطين تلاحق حياتهم وذكريات سالم عن
الماضي يثبت ظنه بها كالوشم….. مهم قالت هو
يظن انها لم تحبه يوماً…… المشكلة ليست وجود
طفلاً ام لا….. المشكلة الحقيقية انهم كلما أرادُ الهروب من حقيقة زواجهم منذ البداية يجدون
ما يعكر صفوهم ويذكرهم بالبدايات اللعينة تلك
البدايات التي تاتي بنهايات حزينه على كلاهما واخرها الفراق !..
هتف سالم بضياع وعذاب لها ….
“حاولي متقربيش مني تاني… مش عايز أشوفك كتير قدامي… ”
اغمضت عينيها بعذاب وهي ترد عليه بفتور
لا يناسب هذا المكان الواقفه به….
“حاضر….. ”
حاولت الابتعاد عنه…..
“رايحه فين……. ”
عضت على شفتيها وهي تقول بحزن محاولة كبح
دموعها…
“لازم ابعد عنك كده احسن ليك وليا….. ”
مرر يداه على وجنتيها ومسح دموعها باطراف أصابعه وهو يقول بصوت حاني ولكن صوته كان مرهق يحارب الثبات جسداً وعقلاً…..
“ابعدي ياحياة…..بس بطلي عياط عشان انا مش
بحب اشوف دموعك…….. ”
لم تعقب على حديثه الحاني المتقلب لكن اكتفت بابتسامة حزينة شاردة ….
(سيظل الانفصام وتقلب جزء من حياتهم !)
استلقى على الفراش بتعب غطت جسده بشرشفة
واغلقت الأنوار وكادت ان تخرج…. لكنه مسك
يدها معرقل سيراها…
“راحه فين…”
“هروح انام جمب ورد……. ”
“لا… تعالي نامي على السرير عشان محدش من اللي في البيت يلاحظ حاجه …..”امرها بثبات وهو يضع الوسادة على رأسه مُغطي وجهه كلياًّ عنها ….. تنهدت وهي تخلع تلك العباءة وتستلقي على الفراش من الناحية الآخرى وهي تغمض عيناها بتعب وارهاق
من كل شيء مر عليها وكل شيء يستقبله خيالها بخوف….
اغمضت عينيها وهي تتذكر جملته الحارقة لروحها
وقلبها معاً…
ايوا مش عارف أكرهك….ولسه بحبك.. بس انتِ وجعتيني اوي ياحياة… انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا….)
هتفت داخلها وهي تنظر اليه في ظلام الدامس
“مش هتقدر تنساني ولا تكرهني غير لم ابعد
عنك خالص ياسالم…. بيقولو البعيد عن العين بعيد عن القلب…. وانا اكيد لو بعِدت هتنساني….هتنساني خالص…. “وضعت يداها على معدتها قائلة بوجع….
“واكيد هتكرهني لو اخدتهم وبعدت عنك… ”
نظرت له مره آخره في قواتم الظلام…
وهمست مرة أخرى داخلها بضياع…
“اكيد وقتها مش هتقدر تسمحني…. بس لازم تفهم ان دول اكتر حاجه هتصبرني على فراقك……. ”
” اكيد هتكرهني وتنساني وقتها… وبعدها هتكمل حياتك عادي…… “نزلت دموعها بقهر على إحساس اليتم الذي ستتذوقه من جديد وفكرة انها سيحيا بدونها ومن المؤكد مع غيرها يوماً ما تقتلها الف مره في ثانيه الواحده….
العلاقة بينهم أصبح يملأ إياها الهواجس ويجتاحها
الماضي بشيطانه بدون هوادة عليهم ….
لا احد منهم قادر على تخطي اختبارات الحب
هي تريد الهروب…. وهو يريد ان ينساها وينسى عشقه لها …… ولا احد يحارب لأجل حياته مع الآخر الكل يهرب في طريق يراه الانسب له….
فتنتهي القصة بعنوان
ملاذ وقسوة….. العشق وهو الملاذ هنا .. والقسوة الماضي بشيطانه….. وااهات من عذاب حب دُمرَ قلوبنا !!! ..
…………………………………………………..
بعد مرور أسبوع…. لم يتغير شيء بينهم بالعكس
أصبح البعد والجفاء محور حياتهم…. وقلة المعاملة
ولحديث بينهم أصبح واضح امام كلاً من في البيت….
على سفرة الغداء…..
جلست راضية وهي تهتف بابتسامة حنونة….
“اخيرا ياسالم هتاكل معانا…… ”
أبتسم سالم ابتسامة لم تصل لعينيه… اكانت ملامحه متعبة ولحيته غير حليقة …. عيناه قاسية باردة
ووجهه قاتم اللون حزنٍ وضياع بسبب البعد عنها
وحتى ان كأنو يتشاركون الفراش سوياً لا تزال اجسادهم وقلوبهم متفرقه عن بعضها بقسوة،
وقد اجتاحهم الشوق بضراوة…
نهض سالم وهو يضع هاتفه على أذنيه قائلاً
لراضية….
“شويه وراجع…”
اومات له راضية وهي تقول بحنان…
“طب ياحبيبي بس بلاش تتأخر ….زمان ورد وحياه نزلين دلوقتي…. ”
اومأ لها وهو يخرج ….وقف في صالة البيت الكبيرة واولى ظهره لدرج البيت المؤدي لغرف النوم…
نزلت حياة على الدرج ويداها بيد ورد ابنتها…..
“بابا….. “صاحت ورد بحماس وهي تركض على الدرج وتمسك يد امها بعد ان رأت سالم يقف يتحدث
في الهاتف ويوليها ظهره ……
استدار اليهم سالم بعد ان اغلق الهاتف ناظراً لهم بهدوء…. لكن كانت عيناه تلتهم وجه( ملاذ الحياة) كانت ترتدي عباءة محتشمة وحجاب يلتف بإتقان حول رأسها…. وجهها شاحب وجسدها الذي نحف كثيراً برغم من أنه يختفي داخل تلك العباءة الفضفاضة الى ان فقدان وزنها واضح جداً وبلاخص
على قسمات وجهها…
حرك وجهه لناحية الآخرة وهو يزفر بضيق من
أهملها لنفسها ولإهمال ليس عاد عليها فقط بل
عاد على هذا الطفل الذي سياخذ نصيب من
أهملها حتماً !!……
رجع بنظره لها حين سمع صراخها وهي تزمجر في
ابنتها بتمهل….
“ورد بلاش جري كده على سلالم… هقع…. ااااه.. ”
تركتها ورد وركضت على اخر درج سلالم….
وبدون ان تلاحظ حياة وضعت قدميها على اطراف
عبائتها لتتعثر في النزول وتكاد أن تقع…..
“ااااه… سالم….. “هتفت بأسمه تلقائياً…..
وقبل ان تستقبلها درج السلم الصلب…كانت
يد سالم تحاوط خصرها بقوة في اخر لحظة…..
رفعت عينيها عليه بدهشة…. نظر سالم لها بقلق
ومرر يده على وجهها قائلاً بحنان….
“حياه انتِ كويسه في حاجه وجعتك…. ”
هزت رأسها بنفي…. ولم تدرك نفسها وهي
تتأوه بخفوت…….. وعينيها تتشربان من رجولته
التي اشتاقت لكل ملمحٍ منها……
“وحشتني…… “همست بخفوت بها أمام وجهه ….
أغمض عيناه بعذاب من كلمةً كفيلة بحرق قلبه
وهدم رجولته الراغبة للحظةٍ حميمية باحضانها…..
أبتعد عنها بجفاء ولبس قناع القسوة البارد قائلا بجمود….
“حاولي تاخدي بالك اكتر وانتِ ماشيه….. حافظي على الأمانه اللي تخصني…. لانها لو جرا ليها حاجه
هتدفعي تمن اهمالك غالي….. ”
ابتعد عنها وحمل ورد وهو يقول بحنان….
“حبيب بابا عامل إيه بقه…. ”
ردت عليه ورد بتزمر طفلة…..
“الحمدلله يابابا وحشتني اوي …. بس انت لي دايماً بترجع متاخر من الشغل انا مش بلحق أشوفك عشان بنام بدري…..”
“هحاول ارجع بدري عشان خاطر عيون ورد
الجوري…. ”
أبتعد عن حياة وهو يدلف لغرفة السفرة…
اغمضت مقلتيها بتعب وانسابت دمعتان ثقيلتان من
عينيها على وجنتيها ببطء.. جلست على درج السلم….. وهي تنظر بحزن أمامها..وداخلها تهمس بضياع…
“شكلنا عمرنا ماهنرجع……… ولا هننسى ”
…………………………………………………..
“عمل إيه المحامي مع وليد ياخيرية…. ”
قال بكر حديثه وهو يستلقي على الفراش بتعب
“لسه الحكم النهائي للقضيه كمان شهر ادعيله
المحامي مش مطمن بسبب التسجيل اللي فيه اعتراف إبنك… ”
مسك بكر قلبه وهو ينزعه الموت نزعاً……
“انا تعبان اوي ياخيرية انا حاسس اني خلاص نهايتي قربت…… ”
اقتربت منه خيرية بقلق قائلة …
“مالك يابو وليد…… انت هتقلقني عليك ليه إن شاء الله خير الدكتور طمني قال الضغط واطي بس شويه
ومع العلاج هتقوم بسلامه تاني…. ”
مسك قلبه وهو يوصيها بتعب ووجه شاحب من
قلة الهواء الذي إنسحب من أمامه فجأه…..
“قولي لامي تسامحني ياخيرية قوليلهاا
تسامحني…..”
انسحبت الروح لخالقها بعد عدة لحظات…
(كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال ولاكرام….. )
“بـكـر …..بـكـر …..ابـو ولـيـد رد عليه…..
بــــكــــر … ”
صرخت في أرجاء البيت لتدوي الصرخة بالنجع
باكمله…
…………………………………………………..
وضع قطعة كبيرة من اللحم في الطبق أمامها وبعضاً من الأرز وشربة الساخنة وهو ينظر لها
قائلاً بأمر..
“ياريت تخلصي الأكل ده كله….. ”
قالت بصدمة يصحبها الاعتراض …
“بس ده كتير أوي….. ”
ضاحكة راضية وهي ترد على حياة بمزاح…
“المفروض يملى الطبق مرتين تلاته…. ”
فغرت حياة شفتيها وهي تهمس بصدمة..
“مش لدرجادي ياماما راضية…. انا مش هقدر اخلص الطبق ده أصلاً….. ”
وضع سالم معلقة الارز امام فم ورد وقال بحنان
“افتحي بؤقك ياورد…. ”
“انت اللي هتاكلني يابابا…. “سائلة الصغيرة وهي
تلتهم ما بالملعقة…
رد عليها سالم بنبرة ذات معنى…
” ااه انا اللي هاكلك اصل ماما لازم تاكل كويس وتهتم بصحتها عشان اخوكي ينزل بخير ويكون كبير وشاطر زيك كده .. ”
هتفت ورد بحماس….
“وعنده عضلات زيك…. يعني يطلع
شبهك يابابا هحبه اكتر….. ”
أبتسم لها بحنان وهو يكتفي بايماءة بسيطة…
محول انظاره على حياة التي تاكل بهدوء وعيناها
غامت بضياع….
مالى عليها وهو يهمس بأمر قاسي….
“خلصي طبقك يامدام …. وياريت تهتمي
بنفسك اكتر من كده…. وزي ماقولتلك قبل كده
اهمالك في ابني هتدفعي تمنه لو جراله اي
حاجه……. ”
بلعت مابحلقها وهي ترد عليه بسخط وبنفس
الهمس قالت ….
“متقلقش هاكل عشان ابنك ينزل سليم… ”
همس سالم بامر يصحبه القلق عليها …
“وخدي الأدوية بتاعتك في معادها…. عشان ميحصلش مضاعفة في جسمك ….. ”
رفعت عينيها عليه بدهشة…
حمحم وهو يقول ببرود..
“انا بقول كده عشان ابني ينزل كويس.. ”
ابعد رأسه عنها وهو يتناول الطعام ويطعم ورد
التي تجلس بجواره من الناحية الآخرى…..
اليوم التاني صباحاً ……
نزلت دموع راضية وهي تمسك عكازها….
“ادعيله برحمه يامي…. “هتف رافت بتلك الجملة وهو يربت على كتف والدته راضية بحزن
على خبر وفات شقيقه بكر…
مسحت وجهها المجعد بمنديل ورقي وهي ترد
عليه بحزن…..
“مش مصدقه اني راحه ادفن ابني وهحضر عزاه..
دا بدل ماهو اللي يدفني راحه انا ادفنه.. ”
“ربنا يخليكي لينا ياحني…. ادعيله برحمة.. ”
نزل سالم من على الدرج بهيبته المعتادة وكان يرتدي جلباب أبيض مهندم نفسه بجاذبية يتميز دوماً بها… وكان يمسك بين يده مفاتيح سيارته ……
نظرت له راضية بصدمة….
“أنت رايح فين ياسالم….. ”
رد عليها بفتور….
“هروح اوصلكم وهحضر الدفنه مع الرجاله
وقف اخد عزا عمي انا وابويا …. ”
قالت راضية باعتراض…
“لا ياسالم بلاش انا عارفه انك فـ.. ”
“مشكلتي انا ووليد هيحلها القانون…. ومشكلتي
مع عمي زمان لازم انساها انا والحاج رافت لان
بكر شاهين بقه من الأموات ولاموات مش بيجوز
عليهم غير الرحمه…… انا هستناكم في العربيه.. ”
خرج من البيت وتركهم مصدومين من فتور حديثه ……
تطلعت عليه راضية وهي تبكي بحزن على تفرق
أولادها واحفادها بسبب الحقد والطمع…
ربت رافت على كتف والدته قائلاً بهدوء..
“يلا يأمي عشان نحضر الدفنه….. ”
تطلعت من اول درجات السلم وهم يغادرون البيت… دخلت سريعاً الى غرفتها وبدأت في تحضير حقيبة سفرها هي و ورد
كانت تطلع عليها ورد بعدم فهم….
“ماما هو احنا مسفرين…. ”
“ااه ……مسفرين….. ”
” مع بابا…… ”
هزت راسها بنفي وهي تسرع في تحضير حقيبتهم
“لا… لوحدنا….. بابا هيحصلنا ….. ”
بعد ساعة كانت قد انتهت من تحضير حقيبة
السفر الكبيرة……. اخذت مبلغ بسيط حتى تدبر
به نفسها وحين تستلقي في مكاناً ما ستبدأ
تعمل لتصرف على ابنتها وعلى نفسها وهذا
الطفل الذي ينبت داخل احشائها…..
كانت تقف امام المرآة تهندم هذا الحجاب نظرت
الى وجهها الشاحب وعيناها الحمراء اثار الخوف وتوتر من هروبها منه…. ولكن ماذا عليها ان تفعل هو من طلب ذلك منها، مزالت تتذكر جملته الذي
يصحبها الرجاء الضائع….
( انا عايز انساكي عايز انسى كل حاجه بينا….)
اغمضت عينيها بعذاب وهي تعاني من جملته
الحارقة لروحها وقلبها معاً…
هتفت بثبات مُصر….
“يلا ياورد….. “مسكت ابنتها وخرجت سريعاً من الغرفة…… وخرج من باب البيت بدون ان يلاحظ احد من الخدم بخروجها….. ولان الوقت مزالا مبكراً
فسهل هذا عليها الخروج من البيت ولنجع
بأكمله….
يجلس في سيارته ويتحدث في الهاتف بهدوء.
“متقلقيش ياحنيي…..ربع ساعه وهكون عندك
لا هسأل حياة عن علاج الضغط اللي بتاخديه
طب حاضر……. سلام ”
اوقف سيارته امام البيت…… ودلف داخله بهدوء صعد الى غرفة النوم الخاصه بهم وفتح باب الغرفة فوجد المكان هادئ وخزانة الملابس مفتوحة وفارغة …. احتدت عيناه بقسوة مخيفة وبرزت عروق جبهته وهو يحرك عيناه في ارجاء الغرفة
باحثاً عنها بذهول لكن بعد عدة لحظات……
اصبحت عيناه هدرتين بالجمر المتوهج….
وعضلات جسده تلوى بعنف داخله من آثار
غضبه وصدمته بها مردداً كلمةً واحده…..
“هربت……….تفاااااعل يابنات انتو فين