رواية ملاذي وقسوتي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم دهب عطية
24
شدّد سرعة مقود السيارة متوجه الى محطة القطار حيثُ القطار الذي سيمر على محطة نجع العرب وسيكمل مساره الى محطة مصر (القاهرة)…..
خبط على سيارة بغضب وعيناه تتوهج بنيران
لن ترحمها قط…..
على ناحية الاخرى في محطة قطار نجع العرب…
تكاد تكون مزدحمة قليلاً ببعض المرؤون والذين
لكلاً منهم وجهتهُ الخاصة……. تسير في المحطة
بعقلاً لا يزال مشتتٍ من حياة أخرى بدون سالم…
ٍشيئاً ضائع منها غالٍ ثميناً عليها لم تقدر على
ملئ فقدانه مهما حاولت سيظل عشقه وشم
صعب يمحى داخل قلبها وعقلها…..
هتفت ورد الصغيرة بتعب….
“ماما أنا تعبت من المشي ينفع نقعد…. ”
اومات لها بي (لا)…وحملتها على ذراعها وبدأت بسحب حقيبة السفر ذات العجلات الصغيرة خلفها…
كانت مجهدة بشكل واضح على ملامحها واتاها
الدوار مرة اخرى بسبب عدم اخذها للعلاج
وانعدام وجبة الإفطار اليوم بسبب هذا
المخطط المتسرع منها… (الهروب) من …مَن ؟
اكثر من عشقته في هذهِ الحياة البأسة
الهروب من عائلتها الوحيدة ….
(انتِ يتيمة الآن بإرادتكِ ياحياة تذكري ذاك
الحرمان الذي كان بارادتكِ يوماً ما ان تحرمي قلبك من عائلتك وعشقك الوحيد! )تحدث ضميرها بعتاب
وقفت فجأه واعتصرت عينيها بتعب وضعف
هي تشعر انها تنزع روحها من جسدها
ولكن سالم لم يترك لها خيارات أخره….
هو لا يعرف غير القسوة ونفور في خلال
هذا الأسبوع علمت جيداً ان الثقة قد انكسرت
بينها وبينه اصبح الفج الداخلي بين قلبها وقلبه
شاسع قد باتُ يفقدون شيءً مهم وليتها تعرف
ماهو حتى تستعيده… الثقه هي الذي تنقص
علاقتهم ام ان صورة آلحب بينهم ينقصها خطٍ
رفيع يحدد هوايتها !……
وقفت أمام استعلام المحطة…. قائلةٍ للعامل بها
“لو سمحت القطر اللي رايح القاهره هيدخل المحطة الساعه كام وهيطلع أمته…… ”
نظر الرجل في أوراقه….. ورد عليها بهدوء..
“القطر هيوصل كمان خمس دقايق…وبعد عشر دقايق بيطلع …..”
“شكراً….. ”
ذهبت من أمامه ، جالسة على اريكة صلبة امام سكة القطار واجلست ابنتها بجوارها….. زفرت بتعب وهي تمسح بالمنشفة القطنية قطرات العرق من جبينها…..
“ماما انا جعانه…. “هتفت ورد بجملتها وهي تنظر الى هذا المحل الذي يبيع المعجنات الساخنة…..
نظرت حياة نحو ما تنظر عليه الصغيرة ثم نظرت
لها وهي تبتسم بفتور….
” طب خليكي هنا اوعي تتحركي من مكانك…”
نهضت حياة وهي تقف امام هذا البائع وعينيها لا تفارق مكان ورد الناظرة لها بتراقب……
في نفس ذات الوقت ……
كان يركض للبحث عنهم في كل مكان تقع عليه عيناه …..وجد امراة توليه ظهرها تشتري شيءٍ
ما ……ركض عليها وكاد ان يقترب
منها فوجد المراة تستدير ويظهر وجهاً اخر
غيرها…….
زفر بغضب وهو يركض مرة آخرى وعيناه تلتهم كل إنشاء في تلك المحطة بدون رحمة….
هدر من تحت اسنانه بغضب قاتم ….
“هوصلك ياحياه هوصلك وقبل حتى ماتخرجي من
النجع….. هتبقي تحت ايدي……هوصلك… ”
اتسعت عينا سالم بصدمة……
اصدر القطار صوتٍ عالٍ ألتفتت حياة الى الرجل
واخذت منه المعجنات واستدرت سريعاً توزع انظارها بين القطار وبين المكان الجالسه فيه ابنتها لكنها وجدته فارغ…
“ورد ……ورد…….”هتفت بزعر و شفتيها ترتجف
بخوف ذهبت للمكان المنشود به ابنتها والفارغ أيضاً حتى حقيبة السفر اختفت معها…..
رفعت جفنيها تبحث عنها حولها ببُنيتان مزعورتان
وقلب يخفق برهبه…
“إحساس صعب مش كده …..”
هتف سالم جملته وهو يقف امامها بمسافةٍ ليست
ببعيدة عنها ….كانتى عيناه ثاقبه عليها بسخط…..
انزلت حياة انظارها على صغيرتها التي تتشبك بيد
سالم وترمقها ببراءة…وباليد الاخرى وجدت حقيبة سفرها بين يده…
اصدر القطار صوتٍ مُنذر انهُ على وشك الرحيل
من المحطة ….
نظر سالم على القطار ومن ثم عليها وهو يقول ببرود..
“معلشي يامدام حياة كان نفسي اقولك رحله
سعيده ….لكن للاسف مش هينفع دلوقتي …”
صوب نظرة على بطنها…..فوضعت كف يدها عليها بتلقائية قبل ان تقول بتوتر……
“انا لازم امشي……”
ابتسم سالم من زواية واحدة قبل ان يرد عليها بقسوة……
“بلاش استعجال خدي الامور ببساطه…هتمشي
بس بعد ماخد الامانه اللي تخصني……”
رحل القطار بعد انتهى حديث سالم فنظرت هي
لرحيله بحزن……
لمح ندمها وإصرارها الواضح امام عيناه على البعد عنه وفراقه للأبد….
أولها ظهره وبين يده الصغيرة وهتف بنبرة ذات معنى..
“ورد معايا في العربيه ……ياريت بلاش تاخير ”
ابتعد عنها خارج المحطة…..اغمضت عينيها
وهي تجلس على اقرب مقعد أمامها اسلبت عينيها
ونزلت دموعها بدون توقف ناظره الى مسار حياتها
و مصيرها معه ناظرة الى مستقبل مظلم ….وماضي مربك وحاضر مؤلم …….وعشق متعثر داخل قلبها
الهش بحرمانه !!…….
(ليتك تعرف عذاب الحب ليتك تدرك قيمة الحب !… )
غرز اصابعه بقوة داخل خصلات شعره…
مشاعره تحطمت بسبب أفعالها… حياة
دوماً تصر عليه في ان يرى حقيقة مكانته عندها
(يا لها من مكانة) هتف عقله بخزي …
“بابا هو احنا مش هنسافر زي ما ماما قالت… ”
نظر سالم لها في مراة السيارة ليرد عليها بعد تنهيدة تعبٍ …..
“اكيد هنسافر بس مش دلوقت وقت تاني لان
جالي شُغل مستعجل…… ”
لم تفهم نصف كلامه بسبب صغر سنها ولكن فهمت
النصف الاول من الحديث….. صمتت ونظرت الى نافذة السيارة وهي تلتهم شطيرتها الصغيرة التي
احضرها لها سالم قبل دخولهم السيارة……
بعد دقائق قليلة….
فتحت الباب بجوار ابنتها وجلست وهي تمسح
عيناها من الدموع…… القى عليها سالم نظره خاطفه عبر المرآة الصغيرة أمامه ليشعل مقود السيارة سريعاً وهو يقول بصوتٍ هادئ لا يخلو من التوعد
“في كلام كتير مبينا لسه هيبدأ….. ”
اشاحت عينيها عنه بإرتباك وهي تحتضن ابنتها
بخوف من القادم….. لن يتساهل سالم معها بعد
الآن…….. ولسوء الحظ هي تعلم ذلك جيداً !….
—————————————————–
احتضنتها راضية بحنان وهي تربت على كتفها
قائلة بحزن ” كفايه عياط ياريم كفايه ياحبيبتي
ادعيله برحمة يابنتي……. ”
نزلت دموع ريم وهي تعانق جدتها وتهتف بألم
وحرمان……
“بابا مات من قبل ماعرف طعم حضنه ياحنيي مات
من قبل ماحس أنه موجود معايا….. ”
نزلت دموع راضية بشفقة عليها… نعم هي تعلم ان حق ريم المسلوب منها هو …. حنية الأب….. وسند الاب ….نصيحة الاب….. حنان وخوف الأب …. حُرمت ريم من كل تلك الأشياء لتصبح بقلباً يتيم مُفتقد لرجلاً في حياتها رجل يكن لها الأمان
وسند ويجتاح قلبها بقوة حبه لها ….
ريم تحتاج الى رجل عفوي يسد كل حالة فارغ داخلها جعلتها تفتقد لرجل حنون في حياتها…
فالاب مفقود مُنذ ولادتها قلباً ومشاعر….. وبقى
معها جسداً بروح….. ولأن الروح رحلت لي خالقها
ولجسد تحت الرمال … ولاخ مستهتر شيطان
من شياطين الإنس نسى ان له شقيقه تحتاج الى رعايته ولو بكلمة حانية منه ، قد اختفى هو ايضا
من حياتها بدون رجعة……
حاولت راضية مواساتها بعدة كلمات….
“كفايه عياط ياريم ربنا يسامحو ويغفرله
كفايه عياط يابنتي العياط مش هيرجع اللي راح…”
إبتسمت بسخرية وهي تقول…
“مش عارفه أعيط على مين فيهم على اللي هيتعدم بسبب شره وحقده… ولا على اختي اللي نهايتها معروفه من زمان اوي… ولا اعيط على امي وحياتها وكل اللي عشته بسبب عادات وتقليد نجع العرب…. ولا اعيط على موت ابويه “نزلت دموعها وهي
تكمل بنزق…
“ولا اعيط على موت ابويه اللي حرمني حتى من
ذكرى ولو بسيطه تجمعنا ببعض…… ياخساره
الدموع مش بتنزل عشان بعدهم عني
دي بس بتنزل بقهر عشان مقدرتش اخد حقي
منهم حقي اني منهم وهما مني… أثرو ياحنيي
اثرو معايا قوي ومفيش حاجه جمعتنا زمان
عشان افتكرها دلوقتي……” نزلت دموع راضية وهي تجذبها لاحضانها بحنان… كلماتها لمست
قلبها وشفقة عليها ولم تكن هي فقط بل حديثها الحزين والضائع تلامس قلوب معظم النساء
الوقفون بجوارهم…..
——————————————————
وضع مفاتيح السيارة على المنضدة الزجاج بقوة وهو يثني ذراع كم عبائته البيضاء وينظر لحياة والوقفة أمامه بخوف وترمش بتردد وهي تختلس له النظر
” هربتي ليه ؟؟….. ”
لم ترد عليه وبدأت تنظر الى الأرض بتردد….
صاح بها بإنفعالاً….
“ارفعي عينك و ردِ عليا…. هربتي ليه؟؟…. ”
“وانا مش عايزه ارد عليك ….”كادت ان تهرب من أمامه…
مسك معصمها بقوة وهو يوقفها أمامه بغضب..
“عيب اوي ياهانم لم ابقى بكلمك تمشي وتسبيني
وانا بتكلم…….ردِ عليا هربت ليه ..” كان مُصر ان يسمع اجابة عن سؤاله …..
ردت عليه بحنق …
“انا مش عايزه اتكلم في الموضوع ومعنديش رد لسؤالك…”
التوت شفتاه وهو يحدثها ساخراً….
“إيه هتهربي من سؤالي زي ماخدتي عيالي
وهربتي ….”
هتفت بصياح حاد …
“دول عيالي زي ماهما عيالك بظبط وملكش الحق انك تحرمني منهم…..”
نظر لها ببرود قائلاً….
“لكن ليكِي انتِ كل الحق انك تحرميني منهم مش
كده….”
اسلبت جفنيها على الأرض بحرج…..
اكمل حديثه بسخريةٍ اكبر….
” ردِ عليا ياهانم اي السبب اللي خلاكِ تهربي…..”
لم ترد عليه وكانه لم يتحدث ….
سالها ببرود كالوحة الثلج…
“هـــربـــتــــي لـــيـــه …..”
لم تقدر على التمسك اكثر بحبل الثبات
فقد انفجر بركان الصبر داخلها …..احتدت ملامحها وهي ترد عليه بانهيار انثى دمرت على يد عائلتها الوحيدة…..
“عايز تعرف انا هربت ليه…. هربت عشان انساك
هربت عشان تعبت من قسوتك ونفورك مني هربت
عشان اريحك مني…هربت عشان تعبت من نظرتك
وظلمك ليه….انتَ اكتر واحد المفروض تكون عارف
اذا كُنت كدابه ولا لا….مش بيقوله برضه عليك
قاضي نجع العرب…بيقوله انك بتعرف تطلع الكداب من الصادق من نظرة عنيهم…بتاخد حق المظلوم ولو على رقبتك بتحقق العدالة على أرضك….”
صرخت بعنف وهي تقول أمام وجهه…
“ومش قادر تحقق العدل معايا… عارف اني مظلومه وبتكدب على نفسك عارف ان اللي جوايه ده جه برضايا مش غصب عني…. عارف اني بحبك ومش كدابه في اي حاجه حصلت بينا…. عارف وعارف وعارف كل حاجه وبتقوح معايا….. عشان تعرف تطلع جبروتك وقسوتك عليا… وسبب إيه ده اللي مش قادره أفهمه…. ”
ابتسم بتهكم وهو يرد بسخط….
“بجد برافو دا أنا طلعت انا اللي غلطان كمان.. ”
صفق بسخرية وهو يلتف حولها وهتف من بين
صفقته الساخرة……
“والمفروض دلوقتي اتاسف عن قسوتي ولا عن قلة ثقتي…… طب وانتِي ياحياة هانم مش ناويه تتاسفي عن كدبك عليا اول الجواز ولا بلاش لحسان اطلع راجل ظالم ومفتري في موضوع حبوب منع الحمل ديه ….طب مش هتتاسفي عن هروبك مني وانانيتك من انك تنوي للمرة التانيه انك تحرميني من ابني ولا كُنتِ ناويه تتخلصي منه اول ماتنزلي مصر… ”
توقف عن التصفيق وهو يقف أمامها…
ويرد بفظاظة….
“استني المفروض انسى كل ده لانك كده كدا
هربتي بسبب معاملتي وبعدي عنك…. ”
نظر الى عمق عيناها اكثر وهو يقول بخذلان…
“ياريتك اختارتي اسهل حل ياحياة انك تصلحي
اللي مبينا انك تحسسيني اني أهم واحد في
حياتك انك تثبتي ليا انك مظلومه فعلاً واني اتسرعت بالحكم عليكِ …ياريتك قدرتي تفكري فيا ولو شويه قبل ماتفكري في نفسك وتهربي وتاخدي روحي معاكِ…. عارفه ياحياة ايه الفرق اللي مبينا انك اخدتي كل حاجه من قبل ماتطلبيها فعشان كده كان سهل تمشي وتسبيها…..ام انا فطلبت وستنيتك كتير تملي احتياجي ليكِ عشان كده انا اللي لسه باقي عليكِ مش انتِ !……”
ابتسم ببرود وهو يكمل بخزي…
“موضوع حبوب منع الحمل دا انا هنساه مش بس هنساه دا انا همحيه من حياتنا مش عشانك عشان خاطر اللي فبطنك لكن اللي مش هقدر أنساه
انك تتنزلي عني وعن الحب اللي واثقه انك كنتِ
صدقه فيه….”
استدار ليغادر وهو يقول بجزع من نفسه…
” والغريبه بعد كل ده انتِي اللي بايعه
وانا اللي شاري ….”
خرج وتركها تقف بصدمة مكانها…..
هتف عقلها داخلها بسخرية …..
( يالله كم انكِ محظوظةٍ ياحياة بهذا
الحب المتعثر دوماً مع سالم شاهين وكبرياء
رجولته !!……)
________________________________
بعد مرور اسبوع……
اتسعت اعين ريهام بصدمة
“انتِ بتقولي إيه ياماااا حياه حامل من سالم… ”
نظرت لها خيرية بضيق
“هو ده كل اللي سمعتيه من الحوار حياة حامل
ماتحمل ولا تزفت بكفايه اللي جرالنا من وراها هي
وابن زهيرة…..ركزي معايا في لاهم لازم ناخد ورثنا من أراضي ابوكي ونروح نعيش في سويس عند خالك عزت….. هنفتح مشروع كويس انا وانتِ
ونعيش منه بعيد عن النجع وبلويه وكفايه خسارة
ابوكي بالموت وخوكي بالإعدام احنا لازم نمشي
من النجع ياريهام انا مبقش فاضلي غيرك يابنتي
تعالي نسافر السويس عند خالك بعد ماناخد ورث
ابوكي….. ”
نهضت ريهام وهي توليها ظهرها وتقول بشر لامع
بعينيها وصوت وليد يدوي في أذنيها…….
(خدي حقي ياريهام احرمي سالم من اغلى حاجه
عنده…… )
سمعت صوت خيرية وهي تسألها بحزن…
“قولتي إيه ياريهام… هتسفري ….. ”
“هسافر بس مش دلوقت…..”
“يعني إيه مش دلوقت امال هتسفري أمته… ”
“هسافر ياماااا بس بعد ماخلص اهم حاجه
كانت لازم تتعمل من زمان اوي وشكلها جه وقتها خلاص ……”
———————————————————–
مر اسبوعاً وهو يصمم على عقابها بالبعد عنها
حتى تعرف جيداً قيمة حياتها معه وتحافظ
على حب اعترفت بوجوده داخل قلبها ولاهم
انها تثبت له هو ذلك ! …..
ام هي فبعده عنها يثير غضبها وللحق تعلم انهُ يجب عقابه كم يعاقبها هو بالبعد….. ماذا عليها ان تختار غير سلاح مضمون هو ألعب على اوتار أشواق قلبه لها……
“هنشوف هتفضل تقيل كده لحد امته…. ”
هتفت بجملتها وهي تدلف الى المكتب حيثُ القاسي هناك يعمل ولا يبالي بقلبها…
دخلت عليه المكتب وهي ترتدي عباءة أنيقة تكشف عن نصف ذرعها الأبيض… مُلتصقة بجسدها
النحيف تبرز مفاتنها باغراء …تركت شعرها الطويل الأسود ينساب على ظهرها وخصلات قصيرة تعانق عنقها المرمري وبعض المسات البسيطة على وجهها الفاتن …..
وضعت أمامه القهوة وهي تتحنح
بحرج……
“القهوة….. ”
رفع عيناه عن الأوراق التي أمامه اليها مباشرةٍ
ليرى هيئتها هكذا !!….التهمها بعيناه من اول رأسها حتى اسفل قدميها….. احتدت مقلتيه بعد دقائق من سفر عيناه على قوامها و وجهها الساحر وعينيها
ذات البني الداكن الجاذبة دوماً له….
نهض وهو يرفع حاجباه سائلاً بنفاذ صبر…
“انتِ ازاي نزلتي من اوضتك بشكل ده… ”
بلع مابحلقه برغبة وهو ينظر لها ويلتهم بعيناه كل
انشاء بجسدها…..
نظرت لها بخبث وهي ترد عليه بصوتٍ انوثي عذب…
“متقلقش ياسالم مفيش حد في البيت.. وكمان
ماما راضيه بايته عند ريم اليومين دول في بيت
عمك وبابا رافت لسا خارج من شويه…. ”
نظر لها برغبة تلمع بعينه وهو يراها تقترب منه
ببطء ودلال…..وقفت أمامه وتكاد تكون ملتصقة به ثم رفعت بُنيتيها على قواتم عينيه المتوهجه
تقسم انه يفكر بها بطريقه تخجل من تخيلها الان ..
حاوط خصرها بكلتا يداه الإثنين بلطف وكان كالمغيب وهو يسالها بهدوء حاني….
“إيه اللي خلاكي تجيبي القهوه بنفسك…..”
قربت وجهها من وجهه وهي ترد عليه بنعومة دمرت الصبر المتبقي لديه …..فقد اشتاق لها والى عالم عرفه وتذوقه فقط بين احضانها هي وحدها !…ولكن مزال كبرياء رجولته يحتم عليه التمسك بالصبر بعيداً عنها حتى يعرف كيف يعاقبها على تنازلها عنه….والعقاب ماذا يكون
(البعد عنها اكبر عقاب اختاره لها ، ويالله انه ايضاً يعاقب نفسه معها وهذا مايراه الان في قربها منه عذاباً اصبح بإرادته ! ……)
انتشلته من افكاره وهي تقرب شفتيها من شفتاه
بإغراء وهتفت بعبث انوثي…
“مفيش مشكله لو انا اللي جبتلك القهوه بنفسي
هو انا مش مراتك ولا إيه…..”
اغمض عيناه وهو يمرر يده على خصرها برغبه
هناك نيران شوق منافسة الآن لنيرن غضبه وعقابه
لها اي منهم سينجح الان امام قربها وللعنة جسدها الغض !…
ابتسمت حياة بسعادة ….نعم تريد ان ترد كرامتها أمامه واكثر شيء تكن بارعه به اي انثى امام
زوجها هي ان تجعل الاشتياق لها جحيم يود الخروج منه ، وحتى اذا كان رجلاً كسالم عنيد قوي يسخر من كونها ضعيفة غبيه فهي لها اساليبها الخاصة لمعاقبته وسيكون النصر حليفها !..
ابتعدت عنه في عز اشتياقه لها
وهي تقول بنبرة ماكرة…
“لازم تشرب قهوتك قبل ما تبرد…..”
ابتعدت عنه واولته ظهرها وهي تبتسم بنصر…وجدته
في لحظة يضع يده على رقبتها من الخلف ويقربها
منه في لحظةٍ خاطفة كانت امام عيناه مباشرةً
بل وملتصقةٍ به بقوة …..ابتسم سالم باستهزء
وهو يقول ….
“حلوه الطريقه دي ياحياة جديده وعجباني ..لكن
انتِ للأسف مش شاطره فيها …..”
عضت على شفتيها بتردد …لكنها هتفت بعناد وتحدي زائف….
“بالعكس انا شاطره في اي حاجه بعملها …بدليل انك كنت متأثر بقربي…..”
اتسعت ابتسامته الباردة أكثر وهو يقول باعين تلمع بتحدي جامح…
“تحبي أبدا انا الاول وشوف هتتاثري بقربي
ولا لا…..”
“لا… مش عايزه …..”توترت وهي ترد عليه فكانت انفاسه الساخنة قريبة جداً من وجهها..
“سالم …خلاص انا اسفه……”هتفت بترجي من الإصرار الواضح في عينيه وهو يميل على راسها
اكثر وهو يرد عليها بصوتٍ خافض خرج من اعماق
رغبته بها من بداية دخولها عليه المكتب هكذا !!……
“فات الاون ياحضريه…. ”
اعتصر شفتيها بشوق ..مُعتصر خصرها أيضاً بين يداه بقوةٍ ألمتها تاوهت بين يديه من قوة انقضاضه
عليها…لكنها اشعلته أكثر وزادت رغبته بها…
حاول ان يهدى عاصفة قبلته اكثر فاخذت طريق
اقرب بالعاطفية بينهم…مرر أصابعه على عمودها الفقري مداعب إياها بحنان….ويده الاخرى وضعت
على رأسها مُقربها منه أكثر ممزق تلك الشفاة
بحموج راقها….
غرزت اصابعها في خصلات شعره بقوة وتكاد تخونها ساقيها على الوقوف أكثر من ذلك فقد ذاب جسدها
كلياًّ بين يديه العابثة والخبيرة بما تفعله بها…
أبتعد عنها بعد عدت دقائق وهم يأخذون انفاسهم بصوت مرتفع آثار تلك القبلة شهية المشاعر….
رد بفظاظة من بين أنفاسه السريعة بمكر صدمها….
“انا رجل أفعال لا أقوال ….. لم تحبي تلعبي
العبي لعبه انتِ متأكده انك كسبانه كسبانه مش
تدخلي في ملعبي وعايزاني اقعد اتفرج عليكِي… ”
عضت على شفتيها وابتعدت عنه بضيق…
نظرت له بحرج وغضب من فظاظة حديثه
وهتفت قبل خروجها…..
“على فكره انا كنت جايه عشان اقولك اني عايزه
أروح لريم البيت واعزيها في ابوها لان كلأم التلفون ده مش نافع….. لو موافق ابقى ابعتلي رساله… ”
خرجت بضيق وهي تزفر من هزيمتها أمامه….
ولكن بسمة سعادة تشق ثغرها الأحمر آثار جنون زوجها معها منذ ثوانٍ فقط…
جلس على مكتبه ومسك الهاتف بين يده وعبث به وهو يبتسم بسعادة فقد كان يحتاج الى رحيق الحياة منها وقد حصل عليه في لحظة لن ينكر انها قدمت
له على طبق من ذهب !……
جلست على الفراش وهي تخفي وجهها بالوساده
فقد أنتصر عليها بدون ان يبذل اي جهد يُذكر
وقد ذابت بين يديه بطريقة مخجلة حقاً…..
صدح الهاتف معلنٍ عن وصول رسالة منه….
فتحتها وهي واثقه من رفض طلبها….
(موافق تروحي لريم هستناكِي تحت عشان
اوصلك وعلى فكره وفقت بس لان حنيي راضيه
هناك ! …..على فكره العبايه اللي كُنتي لبساه دي حلوة اوي……ابقي البسيها كتير بس واحنا مع بعض……عشان في حاجات كده مينفعش حد
يشوفها غيري….)
شهقت بصدمة وهي تعض على شفتيها قفزت
سريعاً ووقفت أمام المرآة وهي ترى تلك العباءة
الملتصقة على جسدها بقوة بارزة قوامها من
خلاله….
“عشان كده… ده بقه قليل الادب اوي …. وبعدين
مش ده اللي من كام يوم كان مش طيقني ولا
طيق يبص في وشي……. اي اللي تغير يعني.. ”
وقفت جانباً وهي ترمق نفسها عبر المراه من
الخلف بحرج….
هزت رأسها سريعاً وهي تذهب للمرحاض…
“لا…لا…مش هلبسها تاني….مستحيل… ”
نزلت وهي ترتدي عباءة سوداء محتشمة وحجاب
أنيق عليها……. فتحت باب السيارة وجلست في
المقعد الخلفي……
نظر لها سالم بهدوء وهو ينفث سجارته…
“تعالي هنا ياحياة جمبي…. عشان الطريق
لبيت ريم مليان قعبله في السكه…. ”
“قعبله ازاي يعني….. ”
زفر وهو يقذف السجارة من النافذة المجاورة له…
“قعبله يعني مطبات وخبط في ضهرك وبطنك… ”
ابتسمت بمكر وهي تسأله بانتصار….
“ااه خايف عليا يعني…. ”
“لا…. خايف على ابني…… “رد عليها ببرود
طريقتها كانت توضح أنه مزال على قراره سيعاقبها بالبعد عنها حتى تخرج من قوقعة الصمت تلك
وتثبت له تمسكها به وحبها له….
ردت بتبرم وهي تفتح الباب بحزن زائف…..
“عندك حق.. ”
دخلت بجانبه واغلقت الباب بقوة لكن سرعان
ما تاواهات بشدة…
“آآآآى ايدي….. ”
هلع عليها وهو يقول بقلق…
“مالك ياحياة اي اللي وجعك…. اتعورتي …. ”
انزلت يدها ببرود ورمقته باستفزاز وهي تقول
بثبات….
“ولا حاجه….. ابنك بخير….. اطلع بقه عشان احنا
اتأخرنا….. ”
عض على شفتيه بغيظ وهو يحرك وقود السيارة
ابتسمت وهي تنظر عبر نافذة السيارة…. وهي
تقول داخلها بسعادة…
“لسه بيحبني وبيخاف عليا… بحبك ياسالم
بحبك وهطلع عينك اليومين الجايين دول… كفايه ضعف وهبل بقه ماهو ينرجع …..ينرجع مافيش حل تالت أصلا !!….”
نظر لها بتراقب وجدها شاردة وتبتسم بسعادة…
هتف داخله بشك…
“ربنا يستر من السكوت ده…. يارب قويني عليها وعلى جنانها……..ان شاء الله مفيش حاجه…انا عيني هتفضل عليكي علطول…. ”
فتح هاتفه بدون ان تلاحظ… لتظهر صورة المنزل أمامه من الداخل غرفة نومه هو وحياة وبهو المنزل
من الداخل بصورة فيديو بجودة عالية خارج البيت أيضا كامرات مرقبة مباشرة……ليرى من خلالها
كل شيء يحدث في داخل البيت وخارجه…
وضع الهاتف في جيب بنطاله وهو يقول بحزن…
“ااه منك ياحياة خوفي انك تهربي وتسبيني
تاني خلاني افكر ارقبك واحط كاميرات مرقبه جوه البيت وبرا البيت ….”نظر لها نظرة اخيرة وتمتم
وهو يتنهد بتعب…
“ياترا هتعملي اي تاني فيا ي ملاذي “…..
يتبع…
شدّد سرعة مقود السيارة متوجه الى محطة القطار حيثُ القطار الذي سيمر على محطة نجع العرب وسيكمل مساره الى محطة مصر (القاهرة)…..
خبط على سيارة بغضب وعيناه تتوهج بنيران
لن ترحمها قط…..
على ناحية الاخرى في محطة قطار نجع العرب…
تكاد تكون مزدحمة قليلاً ببعض المرؤون والذين
لكلاً منهم وجهتهُ الخاصة……. تسير في المحطة
بعقلاً لا يزال مشتتٍ من حياة أخرى بدون سالم…
ٍشيئاً ضائع منها غالٍ ثميناً عليها لم تقدر على
ملئ فقدانه مهما حاولت سيظل عشقه وشم
صعب يمحى داخل قلبها وعقلها…..
هتفت ورد الصغيرة بتعب….
“ماما أنا تعبت من المشي ينفع نقعد…. ”
اومات لها بي (لا)…وحملتها على ذراعها وبدأت بسحب حقيبة السفر ذات العجلات الصغيرة خلفها…
كانت مجهدة بشكل واضح على ملامحها واتاها
الدوار مرة اخرى بسبب عدم اخذها للعلاج
وانعدام وجبة الإفطار اليوم بسبب هذا
المخطط المتسرع منها… (الهروب) من …مَن ؟
اكثر من عشقته في هذهِ الحياة البأسة
الهروب من عائلتها الوحيدة ….
(انتِ يتيمة الآن بإرادتكِ ياحياة تذكري ذاك
الحرمان الذي كان بارادتكِ يوماً ما ان تحرمي قلبك من عائلتك وعشقك الوحيد! )تحدث ضميرها بعتاب
وقفت فجأه واعتصرت عينيها بتعب وضعف
هي تشعر انها تنزع روحها من جسدها
ولكن سالم لم يترك لها خيارات أخره….
هو لا يعرف غير القسوة ونفور في خلال
هذا الأسبوع علمت جيداً ان الثقة قد انكسرت
بينها وبينه اصبح الفج الداخلي بين قلبها وقلبه
شاسع قد باتُ يفقدون شيءً مهم وليتها تعرف
ماهو حتى تستعيده… الثقه هي الذي تنقص
علاقتهم ام ان صورة آلحب بينهم ينقصها خطٍ
رفيع يحدد هوايتها !……
وقفت أمام استعلام المحطة…. قائلةٍ للعامل بها
“لو سمحت القطر اللي رايح القاهره هيدخل المحطة الساعه كام وهيطلع أمته…… ”
نظر الرجل في أوراقه….. ورد عليها بهدوء..
“القطر هيوصل كمان خمس دقايق…وبعد عشر دقايق بيطلع …..”
“شكراً….. ”
ذهبت من أمامه ، جالسة على اريكة صلبة امام سكة القطار واجلست ابنتها بجوارها….. زفرت بتعب وهي تمسح بالمنشفة القطنية قطرات العرق من جبينها…..
“ماما انا جعانه…. “هتفت ورد بجملتها وهي تنظر الى هذا المحل الذي يبيع المعجنات الساخنة…..
نظرت حياة نحو ما تنظر عليه الصغيرة ثم نظرت
لها وهي تبتسم بفتور….
” طب خليكي هنا اوعي تتحركي من مكانك…”
نهضت حياة وهي تقف امام هذا البائع وعينيها لا تفارق مكان ورد الناظرة لها بتراقب……
في نفس ذات الوقت ……
كان يركض للبحث عنهم في كل مكان تقع عليه عيناه …..وجد امراة توليه ظهرها تشتري شيءٍ
ما ……ركض عليها وكاد ان يقترب
منها فوجد المراة تستدير ويظهر وجهاً اخر
غيرها…….
زفر بغضب وهو يركض مرة آخرى وعيناه تلتهم كل إنشاء في تلك المحطة بدون رحمة….
هدر من تحت اسنانه بغضب قاتم ….
“هوصلك ياحياه هوصلك وقبل حتى ماتخرجي من
النجع….. هتبقي تحت ايدي……هوصلك… ”
اتسعت عينا سالم بصدمة……
اصدر القطار صوتٍ عالٍ ألتفتت حياة الى الرجل
واخذت منه المعجنات واستدرت سريعاً توزع انظارها بين القطار وبين المكان الجالسه فيه ابنتها لكنها وجدته فارغ…
“ورد ……ورد…….”هتفت بزعر و شفتيها ترتجف
بخوف ذهبت للمكان المنشود به ابنتها والفارغ أيضاً حتى حقيبة السفر اختفت معها…..
رفعت جفنيها تبحث عنها حولها ببُنيتان مزعورتان
وقلب يخفق برهبه…
“إحساس صعب مش كده …..”
هتف سالم جملته وهو يقف امامها بمسافةٍ ليست
ببعيدة عنها ….كانتى عيناه ثاقبه عليها بسخط…..
انزلت حياة انظارها على صغيرتها التي تتشبك بيد
سالم وترمقها ببراءة…وباليد الاخرى وجدت حقيبة سفرها بين يده…
اصدر القطار صوتٍ مُنذر انهُ على وشك الرحيل
من المحطة ….
نظر سالم على القطار ومن ثم عليها وهو يقول ببرود..
“معلشي يامدام حياة كان نفسي اقولك رحله
سعيده ….لكن للاسف مش هينفع دلوقتي …”
صوب نظرة على بطنها…..فوضعت كف يدها عليها بتلقائية قبل ان تقول بتوتر……
“انا لازم امشي……”
ابتسم سالم من زواية واحدة قبل ان يرد عليها بقسوة……
“بلاش استعجال خدي الامور ببساطه…هتمشي
بس بعد ماخد الامانه اللي تخصني……”
رحل القطار بعد انتهى حديث سالم فنظرت هي
لرحيله بحزن……
لمح ندمها وإصرارها الواضح امام عيناه على البعد عنه وفراقه للأبد….
أولها ظهره وبين يده الصغيرة وهتف بنبرة ذات معنى..
“ورد معايا في العربيه ……ياريت بلاش تاخير ”
ابتعد عنها خارج المحطة…..اغمضت عينيها
وهي تجلس على اقرب مقعد أمامها اسلبت عينيها
ونزلت دموعها بدون توقف ناظره الى مسار حياتها
و مصيرها معه ناظرة الى مستقبل مظلم ….وماضي مربك وحاضر مؤلم …….وعشق متعثر داخل قلبها
الهش بحرمانه !!…….
(ليتك تعرف عذاب الحب ليتك تدرك قيمة الحب !… )
غرز اصابعه بقوة داخل خصلات شعره…
مشاعره تحطمت بسبب أفعالها… حياة
دوماً تصر عليه في ان يرى حقيقة مكانته عندها
(يا لها من مكانة) هتف عقله بخزي …
“بابا هو احنا مش هنسافر زي ما ماما قالت… ”
نظر سالم لها في مراة السيارة ليرد عليها بعد تنهيدة تعبٍ …..
“اكيد هنسافر بس مش دلوقت وقت تاني لان
جالي شُغل مستعجل…… ”
لم تفهم نصف كلامه بسبب صغر سنها ولكن فهمت
النصف الاول من الحديث….. صمتت ونظرت الى نافذة السيارة وهي تلتهم شطيرتها الصغيرة التي
احضرها لها سالم قبل دخولهم السيارة……
بعد دقائق قليلة….
فتحت الباب بجوار ابنتها وجلست وهي تمسح
عيناها من الدموع…… القى عليها سالم نظره خاطفه عبر المرآة الصغيرة أمامه ليشعل مقود السيارة سريعاً وهو يقول بصوتٍ هادئ لا يخلو من التوعد
“في كلام كتير مبينا لسه هيبدأ….. ”
اشاحت عينيها عنه بإرتباك وهي تحتضن ابنتها
بخوف من القادم….. لن يتساهل سالم معها بعد
الآن…….. ولسوء الحظ هي تعلم ذلك جيداً !….
—————————————————–
احتضنتها راضية بحنان وهي تربت على كتفها
قائلة بحزن ” كفايه عياط ياريم كفايه ياحبيبتي
ادعيله برحمة يابنتي……. ”
نزلت دموع ريم وهي تعانق جدتها وتهتف بألم
وحرمان……
“بابا مات من قبل ماعرف طعم حضنه ياحنيي مات
من قبل ماحس أنه موجود معايا….. ”
نزلت دموع راضية بشفقة عليها… نعم هي تعلم ان حق ريم المسلوب منها هو …. حنية الأب….. وسند الاب ….نصيحة الاب….. حنان وخوف الأب …. حُرمت ريم من كل تلك الأشياء لتصبح بقلباً يتيم مُفتقد لرجلاً في حياتها رجل يكن لها الأمان
وسند ويجتاح قلبها بقوة حبه لها ….
ريم تحتاج الى رجل عفوي يسد كل حالة فارغ داخلها جعلتها تفتقد لرجل حنون في حياتها…
فالاب مفقود مُنذ ولادتها قلباً ومشاعر….. وبقى
معها جسداً بروح….. ولأن الروح رحلت لي خالقها
ولجسد تحت الرمال … ولاخ مستهتر شيطان
من شياطين الإنس نسى ان له شقيقه تحتاج الى رعايته ولو بكلمة حانية منه ، قد اختفى هو ايضا
من حياتها بدون رجعة……
حاولت راضية مواساتها بعدة كلمات….
“كفايه عياط ياريم ربنا يسامحو ويغفرله
كفايه عياط يابنتي العياط مش هيرجع اللي راح…”
إبتسمت بسخرية وهي تقول…
“مش عارفه أعيط على مين فيهم على اللي هيتعدم بسبب شره وحقده… ولا على اختي اللي نهايتها معروفه من زمان اوي… ولا اعيط على امي وحياتها وكل اللي عشته بسبب عادات وتقليد نجع العرب…. ولا اعيط على موت ابويه “نزلت دموعها وهي
تكمل بنزق…
“ولا اعيط على موت ابويه اللي حرمني حتى من
ذكرى ولو بسيطه تجمعنا ببعض…… ياخساره
الدموع مش بتنزل عشان بعدهم عني
دي بس بتنزل بقهر عشان مقدرتش اخد حقي
منهم حقي اني منهم وهما مني… أثرو ياحنيي
اثرو معايا قوي ومفيش حاجه جمعتنا زمان
عشان افتكرها دلوقتي……” نزلت دموع راضية وهي تجذبها لاحضانها بحنان… كلماتها لمست
قلبها وشفقة عليها ولم تكن هي فقط بل حديثها الحزين والضائع تلامس قلوب معظم النساء
الوقفون بجوارهم…..
——————————————————
وضع مفاتيح السيارة على المنضدة الزجاج بقوة وهو يثني ذراع كم عبائته البيضاء وينظر لحياة والوقفة أمامه بخوف وترمش بتردد وهي تختلس له النظر
” هربتي ليه ؟؟….. ”
لم ترد عليه وبدأت تنظر الى الأرض بتردد….
صاح بها بإنفعالاً….
“ارفعي عينك و ردِ عليا…. هربتي ليه؟؟…. ”
“وانا مش عايزه ارد عليك ….”كادت ان تهرب من أمامه…
مسك معصمها بقوة وهو يوقفها أمامه بغضب..
“عيب اوي ياهانم لم ابقى بكلمك تمشي وتسبيني
وانا بتكلم…….ردِ عليا هربت ليه ..” كان مُصر ان يسمع اجابة عن سؤاله …..
ردت عليه بحنق …
“انا مش عايزه اتكلم في الموضوع ومعنديش رد لسؤالك…”
التوت شفتاه وهو يحدثها ساخراً….
“إيه هتهربي من سؤالي زي ماخدتي عيالي
وهربتي ….”
هتفت بصياح حاد …
“دول عيالي زي ماهما عيالك بظبط وملكش الحق انك تحرمني منهم…..”
نظر لها ببرود قائلاً….
“لكن ليكِي انتِ كل الحق انك تحرميني منهم مش
كده….”
اسلبت جفنيها على الأرض بحرج…..
اكمل حديثه بسخريةٍ اكبر….
” ردِ عليا ياهانم اي السبب اللي خلاكِ تهربي…..”
لم ترد عليه وكانه لم يتحدث ….
سالها ببرود كالوحة الثلج…
“هـــربـــتــــي لـــيـــه …..”
لم تقدر على التمسك اكثر بحبل الثبات
فقد انفجر بركان الصبر داخلها …..احتدت ملامحها وهي ترد عليه بانهيار انثى دمرت على يد عائلتها الوحيدة…..
“عايز تعرف انا هربت ليه…. هربت عشان انساك
هربت عشان تعبت من قسوتك ونفورك مني هربت
عشان اريحك مني…هربت عشان تعبت من نظرتك
وظلمك ليه….انتَ اكتر واحد المفروض تكون عارف
اذا كُنت كدابه ولا لا….مش بيقوله برضه عليك
قاضي نجع العرب…بيقوله انك بتعرف تطلع الكداب من الصادق من نظرة عنيهم…بتاخد حق المظلوم ولو على رقبتك بتحقق العدالة على أرضك….”
صرخت بعنف وهي تقول أمام وجهه…
“ومش قادر تحقق العدل معايا… عارف اني مظلومه وبتكدب على نفسك عارف ان اللي جوايه ده جه برضايا مش غصب عني…. عارف اني بحبك ومش كدابه في اي حاجه حصلت بينا…. عارف وعارف وعارف كل حاجه وبتقوح معايا….. عشان تعرف تطلع جبروتك وقسوتك عليا… وسبب إيه ده اللي مش قادره أفهمه…. ”
ابتسم بتهكم وهو يرد بسخط….
“بجد برافو دا أنا طلعت انا اللي غلطان كمان.. ”
صفق بسخرية وهو يلتف حولها وهتف من بين
صفقته الساخرة……
“والمفروض دلوقتي اتاسف عن قسوتي ولا عن قلة ثقتي…… طب وانتِي ياحياة هانم مش ناويه تتاسفي عن كدبك عليا اول الجواز ولا بلاش لحسان اطلع راجل ظالم ومفتري في موضوع حبوب منع الحمل ديه ….طب مش هتتاسفي عن هروبك مني وانانيتك من انك تنوي للمرة التانيه انك تحرميني من ابني ولا كُنتِ ناويه تتخلصي منه اول ماتنزلي مصر… ”
توقف عن التصفيق وهو يقف أمامها…
ويرد بفظاظة….
“استني المفروض انسى كل ده لانك كده كدا
هربتي بسبب معاملتي وبعدي عنك…. ”
نظر الى عمق عيناها اكثر وهو يقول بخذلان…
“ياريتك اختارتي اسهل حل ياحياة انك تصلحي
اللي مبينا انك تحسسيني اني أهم واحد في
حياتك انك تثبتي ليا انك مظلومه فعلاً واني اتسرعت بالحكم عليكِ …ياريتك قدرتي تفكري فيا ولو شويه قبل ماتفكري في نفسك وتهربي وتاخدي روحي معاكِ…. عارفه ياحياة ايه الفرق اللي مبينا انك اخدتي كل حاجه من قبل ماتطلبيها فعشان كده كان سهل تمشي وتسبيها…..ام انا فطلبت وستنيتك كتير تملي احتياجي ليكِ عشان كده انا اللي لسه باقي عليكِ مش انتِ !……”
ابتسم ببرود وهو يكمل بخزي…
“موضوع حبوب منع الحمل دا انا هنساه مش بس هنساه دا انا همحيه من حياتنا مش عشانك عشان خاطر اللي فبطنك لكن اللي مش هقدر أنساه
انك تتنزلي عني وعن الحب اللي واثقه انك كنتِ
صدقه فيه….”
استدار ليغادر وهو يقول بجزع من نفسه…
” والغريبه بعد كل ده انتِي اللي بايعه
وانا اللي شاري ….”
خرج وتركها تقف بصدمة مكانها…..
هتف عقلها داخلها بسخرية …..
( يالله كم انكِ محظوظةٍ ياحياة بهذا
الحب المتعثر دوماً مع سالم شاهين وكبرياء
رجولته !!……)
________________________________
بعد مرور اسبوع……
اتسعت اعين ريهام بصدمة
“انتِ بتقولي إيه ياماااا حياه حامل من سالم… ”
نظرت لها خيرية بضيق
“هو ده كل اللي سمعتيه من الحوار حياة حامل
ماتحمل ولا تزفت بكفايه اللي جرالنا من وراها هي
وابن زهيرة…..ركزي معايا في لاهم لازم ناخد ورثنا من أراضي ابوكي ونروح نعيش في سويس عند خالك عزت….. هنفتح مشروع كويس انا وانتِ
ونعيش منه بعيد عن النجع وبلويه وكفايه خسارة
ابوكي بالموت وخوكي بالإعدام احنا لازم نمشي
من النجع ياريهام انا مبقش فاضلي غيرك يابنتي
تعالي نسافر السويس عند خالك بعد ماناخد ورث
ابوكي….. ”
نهضت ريهام وهي توليها ظهرها وتقول بشر لامع
بعينيها وصوت وليد يدوي في أذنيها…….
(خدي حقي ياريهام احرمي سالم من اغلى حاجه
عنده…… )
سمعت صوت خيرية وهي تسألها بحزن…
“قولتي إيه ياريهام… هتسفري ….. ”
“هسافر بس مش دلوقت…..”
“يعني إيه مش دلوقت امال هتسفري أمته… ”
“هسافر ياماااا بس بعد ماخلص اهم حاجه
كانت لازم تتعمل من زمان اوي وشكلها جه وقتها خلاص ……”
———————————————————–
مر اسبوعاً وهو يصمم على عقابها بالبعد عنها
حتى تعرف جيداً قيمة حياتها معه وتحافظ
على حب اعترفت بوجوده داخل قلبها ولاهم
انها تثبت له هو ذلك ! …..
ام هي فبعده عنها يثير غضبها وللحق تعلم انهُ يجب عقابه كم يعاقبها هو بالبعد….. ماذا عليها ان تختار غير سلاح مضمون هو ألعب على اوتار أشواق قلبه لها……
“هنشوف هتفضل تقيل كده لحد امته…. ”
هتفت بجملتها وهي تدلف الى المكتب حيثُ القاسي هناك يعمل ولا يبالي بقلبها…
دخلت عليه المكتب وهي ترتدي عباءة أنيقة تكشف عن نصف ذرعها الأبيض… مُلتصقة بجسدها
النحيف تبرز مفاتنها باغراء …تركت شعرها الطويل الأسود ينساب على ظهرها وخصلات قصيرة تعانق عنقها المرمري وبعض المسات البسيطة على وجهها الفاتن …..
وضعت أمامه القهوة وهي تتحنح
بحرج……
“القهوة….. ”
رفع عيناه عن الأوراق التي أمامه اليها مباشرةٍ
ليرى هيئتها هكذا !!….التهمها بعيناه من اول رأسها حتى اسفل قدميها….. احتدت مقلتيه بعد دقائق من سفر عيناه على قوامها و وجهها الساحر وعينيها
ذات البني الداكن الجاذبة دوماً له….
نهض وهو يرفع حاجباه سائلاً بنفاذ صبر…
“انتِ ازاي نزلتي من اوضتك بشكل ده… ”
بلع مابحلقه برغبة وهو ينظر لها ويلتهم بعيناه كل
انشاء بجسدها…..
نظرت لها بخبث وهي ترد عليه بصوتٍ انوثي عذب…
“متقلقش ياسالم مفيش حد في البيت.. وكمان
ماما راضيه بايته عند ريم اليومين دول في بيت
عمك وبابا رافت لسا خارج من شويه…. ”
نظر لها برغبة تلمع بعينه وهو يراها تقترب منه
ببطء ودلال…..وقفت أمامه وتكاد تكون ملتصقة به ثم رفعت بُنيتيها على قواتم عينيه المتوهجه
تقسم انه يفكر بها بطريقه تخجل من تخيلها الان ..
حاوط خصرها بكلتا يداه الإثنين بلطف وكان كالمغيب وهو يسالها بهدوء حاني….
“إيه اللي خلاكي تجيبي القهوه بنفسك…..”
قربت وجهها من وجهه وهي ترد عليه بنعومة دمرت الصبر المتبقي لديه …..فقد اشتاق لها والى عالم عرفه وتذوقه فقط بين احضانها هي وحدها !…ولكن مزال كبرياء رجولته يحتم عليه التمسك بالصبر بعيداً عنها حتى يعرف كيف يعاقبها على تنازلها عنه….والعقاب ماذا يكون
(البعد عنها اكبر عقاب اختاره لها ، ويالله انه ايضاً يعاقب نفسه معها وهذا مايراه الان في قربها منه عذاباً اصبح بإرادته ! ……)
انتشلته من افكاره وهي تقرب شفتيها من شفتاه
بإغراء وهتفت بعبث انوثي…
“مفيش مشكله لو انا اللي جبتلك القهوه بنفسي
هو انا مش مراتك ولا إيه…..”
اغمض عيناه وهو يمرر يده على خصرها برغبه
هناك نيران شوق منافسة الآن لنيرن غضبه وعقابه
لها اي منهم سينجح الان امام قربها وللعنة جسدها الغض !…
ابتسمت حياة بسعادة ….نعم تريد ان ترد كرامتها أمامه واكثر شيء تكن بارعه به اي انثى امام
زوجها هي ان تجعل الاشتياق لها جحيم يود الخروج منه ، وحتى اذا كان رجلاً كسالم عنيد قوي يسخر من كونها ضعيفة غبيه فهي لها اساليبها الخاصة لمعاقبته وسيكون النصر حليفها !..
ابتعدت عنه في عز اشتياقه لها
وهي تقول بنبرة ماكرة…
“لازم تشرب قهوتك قبل ما تبرد…..”
ابتعدت عنه واولته ظهرها وهي تبتسم بنصر…وجدته
في لحظة يضع يده على رقبتها من الخلف ويقربها
منه في لحظةٍ خاطفة كانت امام عيناه مباشرةً
بل وملتصقةٍ به بقوة …..ابتسم سالم باستهزء
وهو يقول ….
“حلوه الطريقه دي ياحياة جديده وعجباني ..لكن
انتِ للأسف مش شاطره فيها …..”
عضت على شفتيها بتردد …لكنها هتفت بعناد وتحدي زائف….
“بالعكس انا شاطره في اي حاجه بعملها …بدليل انك كنت متأثر بقربي…..”
اتسعت ابتسامته الباردة أكثر وهو يقول باعين تلمع بتحدي جامح…
“تحبي أبدا انا الاول وشوف هتتاثري بقربي
ولا لا…..”
“لا… مش عايزه …..”توترت وهي ترد عليه فكانت انفاسه الساخنة قريبة جداً من وجهها..
“سالم …خلاص انا اسفه……”هتفت بترجي من الإصرار الواضح في عينيه وهو يميل على راسها
اكثر وهو يرد عليها بصوتٍ خافض خرج من اعماق
رغبته بها من بداية دخولها عليه المكتب هكذا !!……
“فات الاون ياحضريه…. ”
اعتصر شفتيها بشوق ..مُعتصر خصرها أيضاً بين يداه بقوةٍ ألمتها تاوهت بين يديه من قوة انقضاضه
عليها…لكنها اشعلته أكثر وزادت رغبته بها…
حاول ان يهدى عاصفة قبلته اكثر فاخذت طريق
اقرب بالعاطفية بينهم…مرر أصابعه على عمودها الفقري مداعب إياها بحنان….ويده الاخرى وضعت
على رأسها مُقربها منه أكثر ممزق تلك الشفاة
بحموج راقها….
غرزت اصابعها في خصلات شعره بقوة وتكاد تخونها ساقيها على الوقوف أكثر من ذلك فقد ذاب جسدها
كلياًّ بين يديه العابثة والخبيرة بما تفعله بها…
أبتعد عنها بعد عدت دقائق وهم يأخذون انفاسهم بصوت مرتفع آثار تلك القبلة شهية المشاعر….
رد بفظاظة من بين أنفاسه السريعة بمكر صدمها….
“انا رجل أفعال لا أقوال ….. لم تحبي تلعبي
العبي لعبه انتِ متأكده انك كسبانه كسبانه مش
تدخلي في ملعبي وعايزاني اقعد اتفرج عليكِي… ”
عضت على شفتيها وابتعدت عنه بضيق…
نظرت له بحرج وغضب من فظاظة حديثه
وهتفت قبل خروجها…..
“على فكره انا كنت جايه عشان اقولك اني عايزه
أروح لريم البيت واعزيها في ابوها لان كلأم التلفون ده مش نافع….. لو موافق ابقى ابعتلي رساله… ”
خرجت بضيق وهي تزفر من هزيمتها أمامه….
ولكن بسمة سعادة تشق ثغرها الأحمر آثار جنون زوجها معها منذ ثوانٍ فقط…
جلس على مكتبه ومسك الهاتف بين يده وعبث به وهو يبتسم بسعادة فقد كان يحتاج الى رحيق الحياة منها وقد حصل عليه في لحظة لن ينكر انها قدمت
له على طبق من ذهب !……
جلست على الفراش وهي تخفي وجهها بالوساده
فقد أنتصر عليها بدون ان يبذل اي جهد يُذكر
وقد ذابت بين يديه بطريقة مخجلة حقاً…..
صدح الهاتف معلنٍ عن وصول رسالة منه….
فتحتها وهي واثقه من رفض طلبها….
(موافق تروحي لريم هستناكِي تحت عشان
اوصلك وعلى فكره وفقت بس لان حنيي راضيه
هناك ! …..على فكره العبايه اللي كُنتي لبساه دي حلوة اوي……ابقي البسيها كتير بس واحنا مع بعض……عشان في حاجات كده مينفعش حد
يشوفها غيري….)
شهقت بصدمة وهي تعض على شفتيها قفزت
سريعاً ووقفت أمام المرآة وهي ترى تلك العباءة
الملتصقة على جسدها بقوة بارزة قوامها من
خلاله….
“عشان كده… ده بقه قليل الادب اوي …. وبعدين
مش ده اللي من كام يوم كان مش طيقني ولا
طيق يبص في وشي……. اي اللي تغير يعني.. ”
وقفت جانباً وهي ترمق نفسها عبر المراه من
الخلف بحرج….
هزت رأسها سريعاً وهي تذهب للمرحاض…
“لا…لا…مش هلبسها تاني….مستحيل… ”
نزلت وهي ترتدي عباءة سوداء محتشمة وحجاب
أنيق عليها……. فتحت باب السيارة وجلست في
المقعد الخلفي……
نظر لها سالم بهدوء وهو ينفث سجارته…
“تعالي هنا ياحياة جمبي…. عشان الطريق
لبيت ريم مليان قعبله في السكه…. ”
“قعبله ازاي يعني….. ”
زفر وهو يقذف السجارة من النافذة المجاورة له…
“قعبله يعني مطبات وخبط في ضهرك وبطنك… ”
ابتسمت بمكر وهي تسأله بانتصار….
“ااه خايف عليا يعني…. ”
“لا…. خايف على ابني…… “رد عليها ببرود
طريقتها كانت توضح أنه مزال على قراره سيعاقبها بالبعد عنها حتى تخرج من قوقعة الصمت تلك
وتثبت له تمسكها به وحبها له….
ردت بتبرم وهي تفتح الباب بحزن زائف…..
“عندك حق.. ”
دخلت بجانبه واغلقت الباب بقوة لكن سرعان
ما تاواهات بشدة…
“آآآآى ايدي….. ”
هلع عليها وهو يقول بقلق…
“مالك ياحياة اي اللي وجعك…. اتعورتي …. ”
انزلت يدها ببرود ورمقته باستفزاز وهي تقول
بثبات….
“ولا حاجه….. ابنك بخير….. اطلع بقه عشان احنا
اتأخرنا….. ”
عض على شفتيه بغيظ وهو يحرك وقود السيارة
ابتسمت وهي تنظر عبر نافذة السيارة…. وهي
تقول داخلها بسعادة…
“لسه بيحبني وبيخاف عليا… بحبك ياسالم
بحبك وهطلع عينك اليومين الجايين دول… كفايه ضعف وهبل بقه ماهو ينرجع …..ينرجع مافيش حل تالت أصلا !!….”
نظر لها بتراقب وجدها شاردة وتبتسم بسعادة…
هتف داخله بشك…
“ربنا يستر من السكوت ده…. يارب قويني عليها وعلى جنانها……..ان شاء الله مفيش حاجه…انا عيني هتفضل عليكي علطول…. ”
فتح هاتفه بدون ان تلاحظ… لتظهر صورة المنزل أمامه من الداخل غرفة نومه هو وحياة وبهو المنزل
من الداخل بصورة فيديو بجودة عالية خارج البيت أيضا كامرات مرقبة مباشرة……ليرى من خلالها
كل شيء يحدث في داخل البيت وخارجه…
وضع الهاتف في جيب بنطاله وهو يقول بحزن…
“ااه منك ياحياة خوفي انك تهربي وتسبيني
تاني خلاني افكر ارقبك واحط كاميرات مرقبه جوه البيت وبرا البيت ….”نظر لها نظرة اخيرة وتمتم
وهو يتنهد بتعب…
“ياترا هتعملي اي تاني فيا ي ملاذي “…..
يتبع…