رواية وله في ظلامها حياة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم دينا احمد
لفصل الثاني و العشرون
(بدأ الخطة)
أطلقت أعين جاسر شرارة غضبه العارم الذي سوف يحرق العالم بأكمله، تناسي ألم قدمه و تناسي كل شيء حوله... كيف يتجرأ ذلك الوغد الأحمق أن يلمس ممتلكاته هو فقط؟! رؤيتها بهذا الإنهيار أشعلت فتيل غضبه
صفعة قاسية جعلت عضلات وجه فادي تتشنج من قوتها ثم امسكه جاسر من ملابسه بيد واحدة و ألقاه أرضاً و أنحني على ركبتيه لمستواه لينهال عليه بعدة صفعات و لكمات جعلته على وشك أن يفقد الوعي...!
صرخت علا و تالين بصدمة عندما اجتمعوا جميعاً على أثر هذه الأصوات ثم ركضت علا تُبعد فادي بعيداً عن ذلك المجنون الثائر الذي بدأ بسبه و لعنه بألفاظ بذيئة!
بينما وقفت رحمة خلف ظهره متشبثة بقميصه تحتمي به من نظرات الجميع إليها، تبكي بعنف و مرارة وهي تتذكر ما حدث منذ دقائق.
صرخ بصوت اهتز له الجدران وكل الموجودين على أثره:
- علا...اطلعي كدا زي الشاطرة أنتي وجوزك و عيالك و محدش يدخل البيت ده تاني.
صاحت تالين بغضب وانفعال:
- أنت بتطردنا عشان البتاعة دي....والله عال يا جاسر بيه طب ما تربي مراتك الأول انا ملاحظة من أول يوم نظراتها لفادي معناها أنها بت مش كويسة ولا محترمة....آآآه سيب أيدي!.
تآوهت بألم عندما قبض على ذراعها بقسوة قائلاً من بين أسنانه:
- كلمة تانية و هنسي أنك في بيتي و ساعتها ابقي شوفي مين هيقدر ينقذك من أيدي، و لو لسانك السم ده جاب سيرة مراتي بسوء هقطعه واظن ده مفهوم.
جذبتها علا من ذراعه قائلة بحنق:
- ما تسيب أيدها يا جاسر ... جرا إيه مالك؟!
تعمل كدا في أبن خالتك و تزعق لتالين بالطريقة دي عشانها! شكراً يا أبن أختي احنا ماشيين.
هتف ببرود صقيع عكس ما توقعت علا:
- بالسلامة يا خالتي و علمي أولادك الأدب شوية ولو كان وصل بيا أن أقتل الحيوان اللي أسمه فادي مكنتش هتردد.
- لا أنت زودتها أوي .... يالا يا علا ملناش قعاد هنا.
صاح حمزة متوجهاً إلي الغرفة التي يمكث بها بينما أسندت علا و تالين فادي كي يذهبوا....
التفت جاسر إلي رحمة يضمها إليه بحنو بينما بادلته رحمة هذا العناق بقوة ليتأوه بألم قائلاً بمرح:
- اثبتي مكانك أنتي بتتحرشي بيا ولا إيه؟
ثم أكمل بتمثيل:
- ولا عشان أنا واد حليوة تستفردي بيا!.
لم تستطيع كبح ضحكتها فأنفلتت منها رغماً عنها لينظر لها مبتسماً بحنو:
- تعرفي أن عندك غمازات حلوة أوي بتظهر لما تضحكي..
عايزة أشوفها على طول.
لكمته في صدره قائلة بضيق تداري خجلها:
- كفاية كلامك ده لو سمحت عيب اللي أنت بتقوله ده، مش كدا يعني.
رفع حاجبه الأيمن ينظر إليها بسخرية:
- طب يالا يا بطة على أوضتي عايز اكلمك في موضوع.
اتسعت عيناها قائلة بصدمة:
- أنت عايز تعمل فيا إيه؟! أنت اتجننت مستحيل طبعاً.
رفع يده إليها باستسلام قائلاً بتهكم:
- طول عمرك دماغك شمال ... وبعدين هعمل فيكي ايه يعني وأنا متجبس من كل حتة
الـover بتاعك ده تنسيه شوية مانتي كل شوية عندي ... وبعدين أنا عايز اعرف هما قالولك إيه؟.
أردف بألم فقدمه لم تعد تحمله:
- براحتك يا رحمة انا....
قاطعته رحمة عندما أسندت ذراعه على كتفها لتهتف بتذمر عندما ألقي بثقل جسده عليها:
- أنت تقيل أوي أنت بتاكل ايه؟!
أجابها ببرود:
- هكون باكل ايه يعني زي الناس... وبعدين انتي اللي زي البسكوتة.
دلفا إلي غرفته و انصاعت له رحمة بالاخير و قررت البوح بكل شيء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
غرفة مُظلمة قابعة فيها يوجد بها إنارة خافتة للغاية بالكاد تستطيع رؤية يدها من خلالها ولكنها لم تندهش عندما وجدت نفسها بها فهي سُجنت بها أيام عدة عقاباً لها من ذلك الحازم!
صدح صوت ضحكاته المستمتعة برؤيتها بهذا الشكل لتنتفض نورا رعباً و تسارعت أنفاسها بوجل تنظر حولها هنا وهناك حتي استدارت لتجده جالساً على كرسيه الأسود يبتسم بتسلية و يعبث بشعره بيداه ثم هتف بخبث:
- بذمتك مش بتيأسي أبداً لما تفشلي بالهروب... مممم خمسة و ستين مرة يا مفترية!
جف حلقها قائلة بذعر:
- كفاية حرام اللي أنت بتعمله كل يوم ده... أرجوك طلقني و ريحني من العذاب ده.
صفق حازم قائلاً ببرود:
- هترتاحي يا نورا بس هترتاحي من الدنيا كلها بعد لما تموتي.
بكت بوهن و ألم، حاولت الزحف إلي الوراء كي تحتمي بأي شيء ولكن كيف ستتحرك من الأساس بالألم الذي يفتك بجسدها الهزيل!
أطلقت صرخة جرحت حلقها عندما انهال عليها ذلك الجلاد المريض بجلدة قاسية...
استيقظت نورا تصرخ بهستيريا قد تملكت منها وهي تنظر في أرجاء المكان فتبين لها بأنه كابوس يراودها كالعادة !
بينما أنتفض مراد يهب واقفاً سريعاً عندما أستمع إلى صراخها فهو بعد أن تأكد من نومها هبط إلي الأسفل جالساً في مكتبه يتابع أعماله قبل أن يسافر
هرع مراد إلي غرفتهم لتتسع عيناه عندما وجدها تشد خصلات شعرها وقد تملكت منها حالة من الهستيريا الجنونية....
لا يعلم كيف يعيدها إلي وعيها يشعر بأن عقله توقف عن التفكير تماماً، لم يستطيع سوا أن يجذبها إلي صدره يربت على ظهرها يخبرها بكلمات مطمئنة حتي تهدأ، انفجرت هي في بُكاء مزق قلبه و حطمه ولكن هذه المرة تركها تبكي مثلما تُريد، يريدها أن تُخرج ما بداخلها يعلم تمام المعرفة ما بها تمني لو استطاع أن يمحي ذكرياتها تماماً ... كل ليلة يشعر بارتجافة جسدها، يتفقد ملامحها المضطربة الخائفة، تتمسك به بقوة أثناء نومها كأنه طوق النجاة، تهذي بإسمه دائماً..
ظل يمسد على شعرها قائلاً بحنان و رفق:
- كفاية عياط ارجوكي و أهدي، أنا هنا معاكي.
تحول نحيبها لشهقات متقطعة ثم تحدثت بارتعاش:
- حازم مش عايز يسيبني في حالي... أنا لسه بتعذب!.
دفعته صارخة به بإنفعال:
- أنت مشيت ليه؟ أنت عايز تسيبني و تمشي؟!.
رفع يده لها باستسلام قائلاً بهدوء:
- والله ما خرجت أنا كنت تحت في المكتب بخلص أوراق و طالع.
هزت رأسها عدة مرات قائلة بعدم تصديق:
- لا أنت كنت عايز تسيبني.
وصد عيناه بحزن مستند بذقنه على رأسها مغمغم بحنان:
- والله عمري ما اسيبك انتي روحي .... ممكن تهدي و تقوليلي شوفتي إيه؟.
أبعد رأسها عن صدره ثم جفف دموعها بأنامله و أردف قائلاً:
- خلاص متقوليش حاجة بس أهدي و بلاش تعملي في شعرك الجميل ده حاجة...
همهمت له قائلة بطفولية:
- يعني شعري باظ كدا؟.
تلاعب بخصلاتها البنية قائلاً بضيق:
- لا طبعاً لسه زي ما هو جميل بس متعمليش في شعرك او وشك كدا والا هزعل منك و اخاصمك... فاهمة.
هزت رأسها إيجاباً لتبتعد عنه فقبل جبينها و مددها على الفراش بهوادة متحدثاً:
- يالا ننام بقا عشان ورانا سفر بكرة.
احتضنها دافناً إياها بداخله ولم يُغمض له جفن حتي تأكد بانتظام أنفاسها و ذهابها في ثبات عميق....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تسللت أشعة الشمس الذهبية و نسمات الهواء الربيعية إلي غرفتهم ليجلس مراد أمامها يتأمل ملامحها البريئة الطفولية وهي مستكينة أمامه بهذا الشكل ليضرب كفاً على كف بيأس فهو يحاول منذ أكثر من ساعة أن يجعلها تستيقظ ولكنها لا تفعل أي شيء سوا أن تتململ بإنزعاج وتظل ساقطة في بئر النوم!
- هييييئ! في إيييه؟!
شهقت نورا بعنف عندما نثر مراد نصف كوب من الماء فوق وجهها ليتصنع هو القلق:
- قووومي بسرعة في حرامي هنا.
نهضت بفزع حتي سقطت من الفراش أرضاً قائلة وهي تلهث بعنف:
- بلغ البوليس بسرعة لو عرف أن احنا هنا هيقتلنا.
انفجر مراد ضاحكاً بمرح على مظهرها هذا ثم تحدث بسخرية:
- يا بت يا عبيطة فكرك في حرامي يقدر يدخل بيتي.
عبست ملامحها بأنزعاج ليقترب منها ثم مد يده إليها حتي يساعدها على الوقوف فوضعت يدها في يده، ثوانٍ و كانت بين احتضانه عندما جذبها بقوة لتدفعه قائلة بغيظ وهي تجفف المياه من وجهها:
- حد يصحي حد كدا !
أبتسم ابتسامة صغيرة يحاول التحكم في ضحكته ثم جذبها من أذنها قائلاً بعبث:
- هو في بني آدمة تنام بالعمق ده ... انا لو بصحي ميت هيصحي أسرع منك.
دبدبت بقدمها في الأرض ليجلسها ثم أحضر سندوتشات قد صنعها لها قائلاً بهدوء:
- يالا كلي و اجهزي عشان اتأخرنا ... جدك أتصل من ساعة و اخدت العنوان.
أبتسمت قائلة بحماس:
- في ثواني هكون جاهزة.
غمز لها بخبث:
- أحبك و أنتي مطيعة يا قمر أنتي.
فرت إلى المرحاض سريعاً ليرتدي هو حلته الرصاصي و صفف شعره ولكن ما أثار فضوله هو صوت الرسالة الصادرة من هاتف نورا .... التقط هاتفها ثم فتحه فوجد رسالة صوتية مبعوثة لها من تطبيق « الواتس آب » ليعقد حاجباه بتعجب فهذا الرقم ليس بغريب عليه بل هو يسجله على هاتفه، آخذ الهاتف الخاص بها و خرج من الغرفة ثم فتح الرسالة ليقطب جبينه بغضب وهو يعتصر الهاتف بين يداه، الآن فقط علم بصاحب الرقم، ديما الحمقاء لم تغير الرقم الذي استخدمته سابقاً عندما أرسلت له صور نورا ! حسناً هي من أضاعت الفرصة الأخيرة لها ولن يتوانى هو في عقابها، تُريد أن تفرق بينه و بين نوره حتي تسنح لها الفرصة بالرجوع إليه، غبية بلهاء كان متأكداً بأن قدومها وراءه دافع...لو فقط كانت أستمعت نورا لهذه الرسالة لكانت النتيجة أن يخسر ثقتها للأبد!
أخرج هاتفه من سترته ليجري مكالمة هاتفية إلي خالد فأجابه خالد قائلاً
= إيه يا مراد صحيح اللي اسمعته أنت مسافـ...
قاطعه مراد بنفاذ صبر:
- بطل رغي شوية واسمعني ... عايزك تدخل المكتب بتاعي و تخلي حد يدور على جهاز للتصنت متتصلش عليا غير لما تلاقيه.
= طب ما تفهمني.
- هقولك بعدين بس نفذ الكلام.
أنهي المكالمة مشتداً على قبضة هاتفها ولم يتقابل جفناه و سحق أسنانه بغضب تلك الفتاة تستفزه كثيراً وقد سأم منها حقاً.
عندما أستمع إلى صوت دليل على فتح نورا الباب أولاها ظهره سريعاً وهو يُخفي هاتفها فتحدثت بخفوت:
- أنا جاهزة.
نظر لها مبتسماً بإقتضاب:
- أنزلي استنيني تحت في العربية وانا جاي وراكي.
تنفست براحة ظنناً بأنه سوف يعترض على الفستان الذي ترتديه بالأخير هو من اختاره لها و يبدو محتشماً و آخذت خطواتها حتي أصبحت تسبقه ببضع انشات ليمسك يدها قائلاً بصوته الرخيم:
- استني عندك...عايزة تمشي ازاي كدا.
تنهدت بضيق:
- ماله اللبس يا مراد بلاش تعترض كل شوية.
نظر في هاتفه بلامبالاة يتحدث ببرود:
- أدخلي البسي حاجة فوق الفستان يا أما مفيش خروج من هنا ... انتي مش متجوزة قرني.
تآففت بنفاذ صبر و أصبحت على وشك البكاء:
- بس أنت أخترت الفستان و أنت شايف اهو طويل و مش بيظهر حاجة مني يالا بقـ...
قاطعها ببرود صقيع لا يزال يقلب في هاتفه:
- مجسم جسمك و محدده ... لو عايزة تلبسيه يكون هنا بس خروج لا.
- على فكرة أنت بارد و رخم.
قالتها وهي تتوجه نحو الغرفة ثم صفعت الباب خلفها ليبتسم بسخرية و هاتف فتحي
= أهلاً مراد باشا تؤمر بإيه؟.
- ديما كامل ... عايزك تلفق ليها قضية دعارة و تبلغ بوليس الآداب أنها صاحبة الشقة دي و لما تدخل الحجز عايزك تظبطها و تخلي الستات اللي فيه يعملوا معاها الواجب و زيادة حابتين.
= تمام يا باشا.
- مش عايز حد من أهلها يعرف باللي حصل غير لما تتصل بيا و اقولك تعمل إيه .... المهم عايزها تخرج بالملاية.
= اعتبر الشقة شقتها هي.
- حلاوتك هتبقي عندك لما تنفذ.
أنهي المكالمة دون مقدمات ثم هشم هاتفها بين يداه يتحدث بوعيد:
- أما وريتك يا ديما ... نهايتك قربت أوي.
ألقي هاتفها في صندوق القمامه بعد أن وضعه في حقيبة وتأكد من عدم نفعه...
أمّا نورا فتوجهت إلي الأسفل و حملت صغيرها منتظرين إياه في بهو الفيلا، آتي بعد عدة دقائق ثم توجها إلى السيارة....
ظل يسير بالسيارة بصمت تام ينظر لها نظرات جانبية عدة لحظات فيجدها محتضنة عمر و تحدثه بخفوت كأنه يفهمها فزفرت هي بملل بعد أن لاحظت صمته الغريب بالرغم من أنه لا يتحدث كثيراً ولكن الضيق البادي على وجهه يُقلقها، امتدت يدها تتلمس يده لينظر لها باستفهام لجزء من الثانية فهمست بخجل:
- مالك مضايق ليه؟.
لم يجيبها إنما تابع سيره لتتمتم مع نفسها:
- مش فاهمة انا حاسة إني هوا قاعدة معاه!
صف سيارته سريعاً على جانب الطريق لتزئر مكابحها فتحدث قائلاً بإقتضاب:
- آسف على طريقتي بس في مشكلة في الشغل.
عقدت حاجباها قائلة بعفوية:
- خلاص بلاش سفر انهارده و روح شوف حل المشكلة.
قرب وجهه من وجهه مقبلاً مقدمة انفها مداعباً إياها:
- خلاص يا حبيبتي أنا كلمت خالد وهو يتصرف ... خليكي قاعدة متتحركيش ... قوليلي بقا عايزة أنهي نوع شيبسي؟.
أجابته سريعاً بعينان متسعة ببراءة:
- بص هات تايجر بالفلفل الحلو و دوريتوس و آيس كريم و عصير و شوكولاته.
كان ينظر لها بدهشة:
- اجبلك السوبر ماركت كله لو تحبي.
وضعت يدها على قلبها بحالمية:
- ياريت ... بس اوعي تنسي الجيلي.
خرج من السيارة وبعد عدة دقائق آتي حاملاً بحقيبة كبيرة ممتلئة بكل ما تريد لتجده يبتسم لها ابتسامته العذبة الجاذبة التي تُغرقها في لذة غريبة من نوعها، شردت به، كم يبدو وسيماً، ملامحه الرجولية تُقسم بأنها لم ترآها من قبل، ولأول مرة تلاحظ أن عيناه عسليتان صافية على وقع أشعة الشمس .... خصلاته التي تبعثرت على جبهته بسبب انشغاله أفقدتها آخر ذرة في عقلها ودت لو تلاعبت بخصلاته الآن...!
انتشلها من أفكارها و شرودها صوته الأجش الذي يسقط على مسامعها ليسبب ذبذبة في قلبها:
- نوري أنتي سافرتي الوجه القبلي قبل كدا؟.
أومأت له بابتسامة حالمة تهيم به ثم أردفت:
- أيوا سافرت هناك مرة واحدة وكانت بعد سفرك بأسبوعين ... ماما اخدتني معاها.
ظهر على نبرته الضيق:
- شريف عمره لمح ليكي أنه بيحبك؟.
أرتبكت من سؤاله هذا ولكنها غمغمت مدافعة عن نفسها:
- اعترفلي أنه بيحبني أيام الثانوي ... بس والله انا زعقت ليه و اشتكيت لجدو خليته ضربه وهو متكلمش تاني غير لما أنت سمعته.
رفع حاجبه بفخر:
- جدعة يا بت.
ثم أكمل بتحديز:
- حسك عينك تكلميه أو تبصيله حتي ... سلامات الاحضان بتاعتك دي تنسيها خالص ... لو لزم الأمر ممكن تسلمي بأيدك ويكون خالك مثلاً .... مفيش ابتسامات ... تنطيط لا ... شريف لأ يا نورا وانا بحذرك.
أبتسمت بسعادة تعشق غيرته و تعشق تحكماته...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
صاح جاسر بفخر متحدثاً في هاتفه و تتراقص ابتسامة خبيثة على شفتاه:
- عفارم عليك يا شهاب ... حقيقي عمرك ما خيبت ثقتي فيك.
= بالرغم أن علي ده ذكي مكار بس اتفاجئت لما فتح قلبه و قال على مصايبه السودا.
- كان خايف أعرف أنه بيتاجر في المخدرات عشان كدا خبي عليا بس على مين؟.
= طب دلوقتي احنا مسكنا دليل اعتراف علي هتعمل إيه في اللي اسمها ديما دي.
- لأ ديما دي سيبها عليا انا هتصرف مع الـ**** دي كويس.
= طب المهم علي انا حطيته في المخزن و الرجالة عاملين معاه أحلى واجب.
تسائل جاسر
- صحيح يا شهاب لسه مش قررت تيجي تستقر في مصر؟.
تحدث شهاب بنبرة حزينة متألمة
= مش قادر يا جاسر حاسس إني لو جيت هفتكر موت جميلة ... سيبني مستقر هنا أحسن على الأقل البلد هنا نضيفة راقية، انا بقول تيجي أنت و رحمة وتبدأ حياة جديدة بعيدة عن دايرة الشر و الانتقام دي
ضيق جاسر عيناه بحزن
- ربنا يرحمها ... متعرفش لولا كلامك ده كنت هعمل إيه... بجد أنت صاحبي اللي في الدنيا دي.
= تعرف أنا مبسوط جداً أنك بعدت عن حياتهم و هتبدأ تستقر بس لازم توعدني أنك تتعالج .... صدقني المرض النفسي مش عيب ولا يقلل من شخصيتك لما تعترف بيه بس العيب لما تخليه يسيطر عليك و يعميك.
أبتسم جاسر بإقتضاب:
- لو عشت الأول....حاسس أن هدوء مراد وراه حاجة كبيرة... وتفتكر ممكن يسيبني وهو عارف إني السبب في كل حاجة حصلت لمراته ... انا ليل نهار باخد مسكنات للألم يا شهاب .... واضح أنه شخصية صعبة.
= هو في حاجة صعبة على جاسر رشاد ولا ايه وبعدين لازم تخليه يديلك فرصة و تفهمه أنك معملتش حاجة.
- سيبك منه و تعالي أنزل مصر أسبوع...مش وحشتك بقالك تلات سنين يا واطي.
= مممم مقدرش أنكر أنها واحشاني ... المكالمة و التسجيلات بتاعت علي أكيد وصلت عندك دلوقتي... سلام عشان تقدر تسمعهم.
انتهت المكالمة ليهمس جاسر بتحفز:
- لازم اقابلها و اتكلم معاها ... اكيد هي مش طايقاني بس هحاول.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تثاقل جفين ديما وبدأت بالشعور بالخمول و الرغبة في النوم:
- كفاية بقا يا معاذ جايبني من الصبح عشان تقول التفاهات دي!.
أبتسم معاذ بخبث فهي جاهزة الآن للتوقيع على أوراق امتلاك هذا المنزل بتاريخ سابق بعد أن وضع لها حبوب منومة فهتف بمكر:
- يالا يا حبيبتي أمضي على الورق ده.
أعطاها قلم و وضع أمامها تلك الورقة لتتحدث بتوهان:
- يعني لو مضيت هتسيبني أنام؟.
أبتسم معاذ بسماجة:
- تنامي العمر كله لو عايزة بس اخلصي عشان الليلة لسه في أولها.
عضت على شفتيها بغنج ثم وقعت على الأوراق وهي حقاً لا تعي أي شيء ولا تستطيع قراءة الكلمات المدونة وما أن انتهت حتي أبتسم معاذ بإنتصار ثم اقترب منها بملامح شيطانية.....
وبعد مرور بعض الوقت...
صراخ ملأ أرجاء المكان دليل على اقتراح رجال الشرطة هذه الشقة...! بينما استيقظت ديما بفزع على أثر يد قاسية تقبض على خصلات شعرها بعنف ثم أسقطها أرضاً ذلك الشرطي يلف جسدها العاري بإحدي الأغطية الموضوعة على الفراش، ظلت تتلقي ديما العديد من الصفعات منه وهو يجرها خلفه بينما اتسعت عيناها بصدمة عندما وجدت الصالة ممتلئة بالرجال و النساء مُكبلين بالقبضة الحديدية وبعض الفتيات ترتدي ما ترتديه هي الآن !
سحبها ذلك الشرطي من الدرج حتي سقطت عدة مرات، ما الذي يحدث حولها؟ أخر شيء تتذكره عندما جلست مع معاذ، بالتأكيد ما ترآه هو حلم فقط، وضعها في سيارة الشرطة بجانب الكثير من الفتيات العاهرات والذين يجلسون في هذه السيارة دون اكتراث وكأنهم قد اعتادوا على هذه الأشياء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت سيارة مراد أمام سرايا كبيرة يبدو عليها الفخامة و تصميمها يبدو من عصر قديم فهبط من السيارة ثم فتح لنورا باب السيارة حاملاً منها الصغير و دلفوا إلى الداخل ليجدوا شاب في منتصف الثلاثينات من عمره يغزو الشيب بعض من شعيرات لحيته، عيناه زرقاء كالسماء الصافية و بشرته خمرية، يرتدي عباءة صعيدية ممسكاً بعصاء خشبية بين يداه يبدو كأنه عمدة هذه البلدة... نزل من الدرج المؤدي إلى الداخل بطوله الفارع ثم أبتسم نصف ابتسامة مصافحاً مراد و وجه حديثه إلي نورا:
- أهلاً بت عمتي الغالية....كيفك يا ست البنات؟.
رفرفت نورا بعيناها قائلة بحماس:
- أنت بتتكلم صعيدي؟! أنت أكيد أدهم صح؟
تحدث أدهم بغطرسة:
- واه واه ميعجبكيش كلامي ولا إيه يا بت عمتي.
ردت نورا سريعاً:
- لا انا بحب أسمعه أوي.
تآفف مراد بنفاذ صبر فيبدو أن ذلك الشاب يريد صفعة قوية حتي لا يتجرأ ويتحدث مع حبيبته، سوف يتمالك نفسه قدر المستطاع فهو لا يريد إحزانها على أية حال...
هرولت فتاة في مقتبل عمرها نحو نورا محتضنة إياها كالاطفال قائلة بسعادة:
- اتوحشتك جوي جوي.
حسناً هي الأخري عيناها زرقاوتان بل تتشابه مع نورا بالملامح أيضاً، صدق من قال أن الجمال يكمن في عائلة آل صفوان !
بينما أتت سيدة في منتصف الأربعينات ورحبت بهم ترحاباً حار العديد من القبلات و الاحضان إلى كلاً من مراد و نورا
توافد أفراد العائلة جميعاً يرحبون بهم و يهنئون على زواجهم.
جلس مراد على أحدي الكراسي بعد أن دلفا إلي جناحهم ليجدها تنظر حولها ببراءة و دهشة، زرقاتيها تجول هنا وهناك ليغمغم بحنق:
- شايفك سلمتي عليهم عادي ولا كأني اتكلمت وقولتلك حاجة... إيه كلامي ملوش لازمة عندك.
طأطأت رأسها بخزي فهي نسيت ما أخبرها به لتقترب منه جالسة على ساقيه متحدثة بخفوت:
- آسفة والله كنت مبسوطة عشان جيت ونسيت.
اشاح بنظره باقتضاب لتضع يدها تخلل شعره بيدها قائلة بدلال:
- خلاص بقا آسفة عشان خاطري متزعلش.
عيناه امتزجت بالقسوة جعلتها ترتجف بداخلها ثم تحدث بقسوة:
- آخر إنذار ليكي يا نورا ... و أدهم الزفت ده كمان انا مش مرتاح لنظراته إياكي تتكلمي معاه أو تجتمعي بيه ... أنا جبتك هنا تفرحي شوية بس مش معني كدا تقضيها هلس والا نمشي من هنا.
حاربت دموعها من التساقط من طريقته الجافة تلك ثم حاولت النهوض لتتبدل نظراته إلي الخبث وهو يشدد يده حول خصرها وكاد أن.....
طرقات كالاعصار على الباب جعلته يشتعل عيظاً فتوجه نحو الباب يفتحه بقوة ليجد فتاتين فهتفت إحداهن (فرحة):
-فين نورا؟ ... واه واه دا كلوا بتغير خلاقاتها!
هم مراد بالإجابة عليها لتتحدث نورا بخجل:
- معلشي لسه مغيرتش.
سحبتها فرحة من يدها قائلة بتهكم:
- تعالي معايا انتي ساقعة قوي.
ثم وجهت حديثها إلي مراد:
- جدي عاوزك تحت.
هبطت نورا إلي الأسفل و جلست مع الفتيات يثرثرون بمرح و تبعهم مراد وجلس مع رجال العائلة ثم صعد إلي الأعلى واتصل فتحي به حتي يخبره حدث ثم انتهت المكالمة عندما أستمع مراد إلي صوت بُكاء عمر لينهض حاملاً إياه ثم بدأ بملاعبته لتدلف نورا إليهم ليرفع حاجباه بتعجب عندما وجدها ترتدي جلباب نسائي به ألوان زاهية فاتحة و ترتدي حجاب جعلها تبدو كأميرة فالتفتت تدور حول نفسها متسائلة:
- إيه رأيك؟.
صفق بإعجاب يلتف حولها:
- تحفة يا نوري ... جميلة جداً بس مش عايزة تنتظمي و تلبسي الحجاب؟.
تريثت لبرهة قبل أن تجيبه ثم أردفت:
- كنت عايزة اكلمك في الموضوع ده...نفسي من زمان وأنت شجعتني اكتر.
ضمها إليه بحنان ثم طبع قبلة على رأسها فوق حاجبها:
- شعرك الحلو احفظيه تحت حجابك و محدش يشوف خصلة وحدة منك...
رددت معه هذه الكلمة التي كان يخبرها بها منذ صغرها
"عشان تبقي أميرة متوجة تاجك يبقي حجابك".
ضيق ما بين حاجباه بضيق وهو يستمع إلى رنين هاتفه الذي لا يتوقف ليلتقطه ثم أجاب لتتحول ملامحه إلي الصدمة وشحب وجهه مردداً بصدمة:
- مات!.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في مركز الشرطي...
سحبها العسكري من يدها فكانت ديما تخطو خطواته ... جسدها ينزف من الألم و وجهها ملئ بالدماء و اللكمات التي غيرت لون وجهها لتبكي بقهر.
أنهار عالمها ... علمت بأنها كانت في شقة للأعمال المُخلة ... فُضحت بالتأكيد ... إذا وصل الخبر إلي عائلتها لن يرحموها ... لقد التقط إليها أحدي الصحفيين صورة بهذا الشكل المخزي ... لحق بها العار ... الموت أرحم لها مما سيحدث لها ... لا تعي شيء ... ابرحوها ضرباً ... جربت الشعور بالإهانة و المذلة ... قدمها تنزف بغزارة بسبب سحب ذلك العسكري لها ... تحتاج من يرحمها ... لم تُجرب ما حدث معها ... بل لم تتخيل أن ديما كامل صاحبة المكانة الرفيعة سوف تتعرض لهذه المهانة ... تشعر بطعم الدماء في فمها !
صفعها الظابط قائلاً بصوت هادر:
- ما تنطقي يا بنت الـ**** دلوقتي بقيتي مبتعرفيش تتكلمي.
أزاحت دموعها بكف يدها تشهق عالياً يعجز لسانها عن الكلام فتحدثت بصوت متقطع:
- والله معرفش ... أنا ... بعمل ايه ... هنا.
قهقه ذلك الرجل بسخرية:
- ليه يا روح امك ممسوكة في هابي لاند ولا إيه؟ دا انتي فاتحة شقة دعارة قد الدنيا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نهاية الفصل...
(بدأ الخطة)
أطلقت أعين جاسر شرارة غضبه العارم الذي سوف يحرق العالم بأكمله، تناسي ألم قدمه و تناسي كل شيء حوله... كيف يتجرأ ذلك الوغد الأحمق أن يلمس ممتلكاته هو فقط؟! رؤيتها بهذا الإنهيار أشعلت فتيل غضبه
صفعة قاسية جعلت عضلات وجه فادي تتشنج من قوتها ثم امسكه جاسر من ملابسه بيد واحدة و ألقاه أرضاً و أنحني على ركبتيه لمستواه لينهال عليه بعدة صفعات و لكمات جعلته على وشك أن يفقد الوعي...!
صرخت علا و تالين بصدمة عندما اجتمعوا جميعاً على أثر هذه الأصوات ثم ركضت علا تُبعد فادي بعيداً عن ذلك المجنون الثائر الذي بدأ بسبه و لعنه بألفاظ بذيئة!
بينما وقفت رحمة خلف ظهره متشبثة بقميصه تحتمي به من نظرات الجميع إليها، تبكي بعنف و مرارة وهي تتذكر ما حدث منذ دقائق.
صرخ بصوت اهتز له الجدران وكل الموجودين على أثره:
- علا...اطلعي كدا زي الشاطرة أنتي وجوزك و عيالك و محدش يدخل البيت ده تاني.
صاحت تالين بغضب وانفعال:
- أنت بتطردنا عشان البتاعة دي....والله عال يا جاسر بيه طب ما تربي مراتك الأول انا ملاحظة من أول يوم نظراتها لفادي معناها أنها بت مش كويسة ولا محترمة....آآآه سيب أيدي!.
تآوهت بألم عندما قبض على ذراعها بقسوة قائلاً من بين أسنانه:
- كلمة تانية و هنسي أنك في بيتي و ساعتها ابقي شوفي مين هيقدر ينقذك من أيدي، و لو لسانك السم ده جاب سيرة مراتي بسوء هقطعه واظن ده مفهوم.
جذبتها علا من ذراعه قائلة بحنق:
- ما تسيب أيدها يا جاسر ... جرا إيه مالك؟!
تعمل كدا في أبن خالتك و تزعق لتالين بالطريقة دي عشانها! شكراً يا أبن أختي احنا ماشيين.
هتف ببرود صقيع عكس ما توقعت علا:
- بالسلامة يا خالتي و علمي أولادك الأدب شوية ولو كان وصل بيا أن أقتل الحيوان اللي أسمه فادي مكنتش هتردد.
- لا أنت زودتها أوي .... يالا يا علا ملناش قعاد هنا.
صاح حمزة متوجهاً إلي الغرفة التي يمكث بها بينما أسندت علا و تالين فادي كي يذهبوا....
التفت جاسر إلي رحمة يضمها إليه بحنو بينما بادلته رحمة هذا العناق بقوة ليتأوه بألم قائلاً بمرح:
- اثبتي مكانك أنتي بتتحرشي بيا ولا إيه؟
ثم أكمل بتمثيل:
- ولا عشان أنا واد حليوة تستفردي بيا!.
لم تستطيع كبح ضحكتها فأنفلتت منها رغماً عنها لينظر لها مبتسماً بحنو:
- تعرفي أن عندك غمازات حلوة أوي بتظهر لما تضحكي..
عايزة أشوفها على طول.
لكمته في صدره قائلة بضيق تداري خجلها:
- كفاية كلامك ده لو سمحت عيب اللي أنت بتقوله ده، مش كدا يعني.
رفع حاجبه الأيمن ينظر إليها بسخرية:
- طب يالا يا بطة على أوضتي عايز اكلمك في موضوع.
اتسعت عيناها قائلة بصدمة:
- أنت عايز تعمل فيا إيه؟! أنت اتجننت مستحيل طبعاً.
رفع يده إليها باستسلام قائلاً بتهكم:
- طول عمرك دماغك شمال ... وبعدين هعمل فيكي ايه يعني وأنا متجبس من كل حتة
الـover بتاعك ده تنسيه شوية مانتي كل شوية عندي ... وبعدين أنا عايز اعرف هما قالولك إيه؟.
أردف بألم فقدمه لم تعد تحمله:
- براحتك يا رحمة انا....
قاطعته رحمة عندما أسندت ذراعه على كتفها لتهتف بتذمر عندما ألقي بثقل جسده عليها:
- أنت تقيل أوي أنت بتاكل ايه؟!
أجابها ببرود:
- هكون باكل ايه يعني زي الناس... وبعدين انتي اللي زي البسكوتة.
دلفا إلي غرفته و انصاعت له رحمة بالاخير و قررت البوح بكل شيء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
غرفة مُظلمة قابعة فيها يوجد بها إنارة خافتة للغاية بالكاد تستطيع رؤية يدها من خلالها ولكنها لم تندهش عندما وجدت نفسها بها فهي سُجنت بها أيام عدة عقاباً لها من ذلك الحازم!
صدح صوت ضحكاته المستمتعة برؤيتها بهذا الشكل لتنتفض نورا رعباً و تسارعت أنفاسها بوجل تنظر حولها هنا وهناك حتي استدارت لتجده جالساً على كرسيه الأسود يبتسم بتسلية و يعبث بشعره بيداه ثم هتف بخبث:
- بذمتك مش بتيأسي أبداً لما تفشلي بالهروب... مممم خمسة و ستين مرة يا مفترية!
جف حلقها قائلة بذعر:
- كفاية حرام اللي أنت بتعمله كل يوم ده... أرجوك طلقني و ريحني من العذاب ده.
صفق حازم قائلاً ببرود:
- هترتاحي يا نورا بس هترتاحي من الدنيا كلها بعد لما تموتي.
بكت بوهن و ألم، حاولت الزحف إلي الوراء كي تحتمي بأي شيء ولكن كيف ستتحرك من الأساس بالألم الذي يفتك بجسدها الهزيل!
أطلقت صرخة جرحت حلقها عندما انهال عليها ذلك الجلاد المريض بجلدة قاسية...
استيقظت نورا تصرخ بهستيريا قد تملكت منها وهي تنظر في أرجاء المكان فتبين لها بأنه كابوس يراودها كالعادة !
بينما أنتفض مراد يهب واقفاً سريعاً عندما أستمع إلى صراخها فهو بعد أن تأكد من نومها هبط إلي الأسفل جالساً في مكتبه يتابع أعماله قبل أن يسافر
هرع مراد إلي غرفتهم لتتسع عيناه عندما وجدها تشد خصلات شعرها وقد تملكت منها حالة من الهستيريا الجنونية....
لا يعلم كيف يعيدها إلي وعيها يشعر بأن عقله توقف عن التفكير تماماً، لم يستطيع سوا أن يجذبها إلي صدره يربت على ظهرها يخبرها بكلمات مطمئنة حتي تهدأ، انفجرت هي في بُكاء مزق قلبه و حطمه ولكن هذه المرة تركها تبكي مثلما تُريد، يريدها أن تُخرج ما بداخلها يعلم تمام المعرفة ما بها تمني لو استطاع أن يمحي ذكرياتها تماماً ... كل ليلة يشعر بارتجافة جسدها، يتفقد ملامحها المضطربة الخائفة، تتمسك به بقوة أثناء نومها كأنه طوق النجاة، تهذي بإسمه دائماً..
ظل يمسد على شعرها قائلاً بحنان و رفق:
- كفاية عياط ارجوكي و أهدي، أنا هنا معاكي.
تحول نحيبها لشهقات متقطعة ثم تحدثت بارتعاش:
- حازم مش عايز يسيبني في حالي... أنا لسه بتعذب!.
دفعته صارخة به بإنفعال:
- أنت مشيت ليه؟ أنت عايز تسيبني و تمشي؟!.
رفع يده لها باستسلام قائلاً بهدوء:
- والله ما خرجت أنا كنت تحت في المكتب بخلص أوراق و طالع.
هزت رأسها عدة مرات قائلة بعدم تصديق:
- لا أنت كنت عايز تسيبني.
وصد عيناه بحزن مستند بذقنه على رأسها مغمغم بحنان:
- والله عمري ما اسيبك انتي روحي .... ممكن تهدي و تقوليلي شوفتي إيه؟.
أبعد رأسها عن صدره ثم جفف دموعها بأنامله و أردف قائلاً:
- خلاص متقوليش حاجة بس أهدي و بلاش تعملي في شعرك الجميل ده حاجة...
همهمت له قائلة بطفولية:
- يعني شعري باظ كدا؟.
تلاعب بخصلاتها البنية قائلاً بضيق:
- لا طبعاً لسه زي ما هو جميل بس متعمليش في شعرك او وشك كدا والا هزعل منك و اخاصمك... فاهمة.
هزت رأسها إيجاباً لتبتعد عنه فقبل جبينها و مددها على الفراش بهوادة متحدثاً:
- يالا ننام بقا عشان ورانا سفر بكرة.
احتضنها دافناً إياها بداخله ولم يُغمض له جفن حتي تأكد بانتظام أنفاسها و ذهابها في ثبات عميق....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تسللت أشعة الشمس الذهبية و نسمات الهواء الربيعية إلي غرفتهم ليجلس مراد أمامها يتأمل ملامحها البريئة الطفولية وهي مستكينة أمامه بهذا الشكل ليضرب كفاً على كف بيأس فهو يحاول منذ أكثر من ساعة أن يجعلها تستيقظ ولكنها لا تفعل أي شيء سوا أن تتململ بإنزعاج وتظل ساقطة في بئر النوم!
- هييييئ! في إيييه؟!
شهقت نورا بعنف عندما نثر مراد نصف كوب من الماء فوق وجهها ليتصنع هو القلق:
- قووومي بسرعة في حرامي هنا.
نهضت بفزع حتي سقطت من الفراش أرضاً قائلة وهي تلهث بعنف:
- بلغ البوليس بسرعة لو عرف أن احنا هنا هيقتلنا.
انفجر مراد ضاحكاً بمرح على مظهرها هذا ثم تحدث بسخرية:
- يا بت يا عبيطة فكرك في حرامي يقدر يدخل بيتي.
عبست ملامحها بأنزعاج ليقترب منها ثم مد يده إليها حتي يساعدها على الوقوف فوضعت يدها في يده، ثوانٍ و كانت بين احتضانه عندما جذبها بقوة لتدفعه قائلة بغيظ وهي تجفف المياه من وجهها:
- حد يصحي حد كدا !
أبتسم ابتسامة صغيرة يحاول التحكم في ضحكته ثم جذبها من أذنها قائلاً بعبث:
- هو في بني آدمة تنام بالعمق ده ... انا لو بصحي ميت هيصحي أسرع منك.
دبدبت بقدمها في الأرض ليجلسها ثم أحضر سندوتشات قد صنعها لها قائلاً بهدوء:
- يالا كلي و اجهزي عشان اتأخرنا ... جدك أتصل من ساعة و اخدت العنوان.
أبتسمت قائلة بحماس:
- في ثواني هكون جاهزة.
غمز لها بخبث:
- أحبك و أنتي مطيعة يا قمر أنتي.
فرت إلى المرحاض سريعاً ليرتدي هو حلته الرصاصي و صفف شعره ولكن ما أثار فضوله هو صوت الرسالة الصادرة من هاتف نورا .... التقط هاتفها ثم فتحه فوجد رسالة صوتية مبعوثة لها من تطبيق « الواتس آب » ليعقد حاجباه بتعجب فهذا الرقم ليس بغريب عليه بل هو يسجله على هاتفه، آخذ الهاتف الخاص بها و خرج من الغرفة ثم فتح الرسالة ليقطب جبينه بغضب وهو يعتصر الهاتف بين يداه، الآن فقط علم بصاحب الرقم، ديما الحمقاء لم تغير الرقم الذي استخدمته سابقاً عندما أرسلت له صور نورا ! حسناً هي من أضاعت الفرصة الأخيرة لها ولن يتوانى هو في عقابها، تُريد أن تفرق بينه و بين نوره حتي تسنح لها الفرصة بالرجوع إليه، غبية بلهاء كان متأكداً بأن قدومها وراءه دافع...لو فقط كانت أستمعت نورا لهذه الرسالة لكانت النتيجة أن يخسر ثقتها للأبد!
أخرج هاتفه من سترته ليجري مكالمة هاتفية إلي خالد فأجابه خالد قائلاً
= إيه يا مراد صحيح اللي اسمعته أنت مسافـ...
قاطعه مراد بنفاذ صبر:
- بطل رغي شوية واسمعني ... عايزك تدخل المكتب بتاعي و تخلي حد يدور على جهاز للتصنت متتصلش عليا غير لما تلاقيه.
= طب ما تفهمني.
- هقولك بعدين بس نفذ الكلام.
أنهي المكالمة مشتداً على قبضة هاتفها ولم يتقابل جفناه و سحق أسنانه بغضب تلك الفتاة تستفزه كثيراً وقد سأم منها حقاً.
عندما أستمع إلى صوت دليل على فتح نورا الباب أولاها ظهره سريعاً وهو يُخفي هاتفها فتحدثت بخفوت:
- أنا جاهزة.
نظر لها مبتسماً بإقتضاب:
- أنزلي استنيني تحت في العربية وانا جاي وراكي.
تنفست براحة ظنناً بأنه سوف يعترض على الفستان الذي ترتديه بالأخير هو من اختاره لها و يبدو محتشماً و آخذت خطواتها حتي أصبحت تسبقه ببضع انشات ليمسك يدها قائلاً بصوته الرخيم:
- استني عندك...عايزة تمشي ازاي كدا.
تنهدت بضيق:
- ماله اللبس يا مراد بلاش تعترض كل شوية.
نظر في هاتفه بلامبالاة يتحدث ببرود:
- أدخلي البسي حاجة فوق الفستان يا أما مفيش خروج من هنا ... انتي مش متجوزة قرني.
تآففت بنفاذ صبر و أصبحت على وشك البكاء:
- بس أنت أخترت الفستان و أنت شايف اهو طويل و مش بيظهر حاجة مني يالا بقـ...
قاطعها ببرود صقيع لا يزال يقلب في هاتفه:
- مجسم جسمك و محدده ... لو عايزة تلبسيه يكون هنا بس خروج لا.
- على فكرة أنت بارد و رخم.
قالتها وهي تتوجه نحو الغرفة ثم صفعت الباب خلفها ليبتسم بسخرية و هاتف فتحي
= أهلاً مراد باشا تؤمر بإيه؟.
- ديما كامل ... عايزك تلفق ليها قضية دعارة و تبلغ بوليس الآداب أنها صاحبة الشقة دي و لما تدخل الحجز عايزك تظبطها و تخلي الستات اللي فيه يعملوا معاها الواجب و زيادة حابتين.
= تمام يا باشا.
- مش عايز حد من أهلها يعرف باللي حصل غير لما تتصل بيا و اقولك تعمل إيه .... المهم عايزها تخرج بالملاية.
= اعتبر الشقة شقتها هي.
- حلاوتك هتبقي عندك لما تنفذ.
أنهي المكالمة دون مقدمات ثم هشم هاتفها بين يداه يتحدث بوعيد:
- أما وريتك يا ديما ... نهايتك قربت أوي.
ألقي هاتفها في صندوق القمامه بعد أن وضعه في حقيبة وتأكد من عدم نفعه...
أمّا نورا فتوجهت إلي الأسفل و حملت صغيرها منتظرين إياه في بهو الفيلا، آتي بعد عدة دقائق ثم توجها إلى السيارة....
ظل يسير بالسيارة بصمت تام ينظر لها نظرات جانبية عدة لحظات فيجدها محتضنة عمر و تحدثه بخفوت كأنه يفهمها فزفرت هي بملل بعد أن لاحظت صمته الغريب بالرغم من أنه لا يتحدث كثيراً ولكن الضيق البادي على وجهه يُقلقها، امتدت يدها تتلمس يده لينظر لها باستفهام لجزء من الثانية فهمست بخجل:
- مالك مضايق ليه؟.
لم يجيبها إنما تابع سيره لتتمتم مع نفسها:
- مش فاهمة انا حاسة إني هوا قاعدة معاه!
صف سيارته سريعاً على جانب الطريق لتزئر مكابحها فتحدث قائلاً بإقتضاب:
- آسف على طريقتي بس في مشكلة في الشغل.
عقدت حاجباها قائلة بعفوية:
- خلاص بلاش سفر انهارده و روح شوف حل المشكلة.
قرب وجهه من وجهه مقبلاً مقدمة انفها مداعباً إياها:
- خلاص يا حبيبتي أنا كلمت خالد وهو يتصرف ... خليكي قاعدة متتحركيش ... قوليلي بقا عايزة أنهي نوع شيبسي؟.
أجابته سريعاً بعينان متسعة ببراءة:
- بص هات تايجر بالفلفل الحلو و دوريتوس و آيس كريم و عصير و شوكولاته.
كان ينظر لها بدهشة:
- اجبلك السوبر ماركت كله لو تحبي.
وضعت يدها على قلبها بحالمية:
- ياريت ... بس اوعي تنسي الجيلي.
خرج من السيارة وبعد عدة دقائق آتي حاملاً بحقيبة كبيرة ممتلئة بكل ما تريد لتجده يبتسم لها ابتسامته العذبة الجاذبة التي تُغرقها في لذة غريبة من نوعها، شردت به، كم يبدو وسيماً، ملامحه الرجولية تُقسم بأنها لم ترآها من قبل، ولأول مرة تلاحظ أن عيناه عسليتان صافية على وقع أشعة الشمس .... خصلاته التي تبعثرت على جبهته بسبب انشغاله أفقدتها آخر ذرة في عقلها ودت لو تلاعبت بخصلاته الآن...!
انتشلها من أفكارها و شرودها صوته الأجش الذي يسقط على مسامعها ليسبب ذبذبة في قلبها:
- نوري أنتي سافرتي الوجه القبلي قبل كدا؟.
أومأت له بابتسامة حالمة تهيم به ثم أردفت:
- أيوا سافرت هناك مرة واحدة وكانت بعد سفرك بأسبوعين ... ماما اخدتني معاها.
ظهر على نبرته الضيق:
- شريف عمره لمح ليكي أنه بيحبك؟.
أرتبكت من سؤاله هذا ولكنها غمغمت مدافعة عن نفسها:
- اعترفلي أنه بيحبني أيام الثانوي ... بس والله انا زعقت ليه و اشتكيت لجدو خليته ضربه وهو متكلمش تاني غير لما أنت سمعته.
رفع حاجبه بفخر:
- جدعة يا بت.
ثم أكمل بتحديز:
- حسك عينك تكلميه أو تبصيله حتي ... سلامات الاحضان بتاعتك دي تنسيها خالص ... لو لزم الأمر ممكن تسلمي بأيدك ويكون خالك مثلاً .... مفيش ابتسامات ... تنطيط لا ... شريف لأ يا نورا وانا بحذرك.
أبتسمت بسعادة تعشق غيرته و تعشق تحكماته...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
صاح جاسر بفخر متحدثاً في هاتفه و تتراقص ابتسامة خبيثة على شفتاه:
- عفارم عليك يا شهاب ... حقيقي عمرك ما خيبت ثقتي فيك.
= بالرغم أن علي ده ذكي مكار بس اتفاجئت لما فتح قلبه و قال على مصايبه السودا.
- كان خايف أعرف أنه بيتاجر في المخدرات عشان كدا خبي عليا بس على مين؟.
= طب دلوقتي احنا مسكنا دليل اعتراف علي هتعمل إيه في اللي اسمها ديما دي.
- لأ ديما دي سيبها عليا انا هتصرف مع الـ**** دي كويس.
= طب المهم علي انا حطيته في المخزن و الرجالة عاملين معاه أحلى واجب.
تسائل جاسر
- صحيح يا شهاب لسه مش قررت تيجي تستقر في مصر؟.
تحدث شهاب بنبرة حزينة متألمة
= مش قادر يا جاسر حاسس إني لو جيت هفتكر موت جميلة ... سيبني مستقر هنا أحسن على الأقل البلد هنا نضيفة راقية، انا بقول تيجي أنت و رحمة وتبدأ حياة جديدة بعيدة عن دايرة الشر و الانتقام دي
ضيق جاسر عيناه بحزن
- ربنا يرحمها ... متعرفش لولا كلامك ده كنت هعمل إيه... بجد أنت صاحبي اللي في الدنيا دي.
= تعرف أنا مبسوط جداً أنك بعدت عن حياتهم و هتبدأ تستقر بس لازم توعدني أنك تتعالج .... صدقني المرض النفسي مش عيب ولا يقلل من شخصيتك لما تعترف بيه بس العيب لما تخليه يسيطر عليك و يعميك.
أبتسم جاسر بإقتضاب:
- لو عشت الأول....حاسس أن هدوء مراد وراه حاجة كبيرة... وتفتكر ممكن يسيبني وهو عارف إني السبب في كل حاجة حصلت لمراته ... انا ليل نهار باخد مسكنات للألم يا شهاب .... واضح أنه شخصية صعبة.
= هو في حاجة صعبة على جاسر رشاد ولا ايه وبعدين لازم تخليه يديلك فرصة و تفهمه أنك معملتش حاجة.
- سيبك منه و تعالي أنزل مصر أسبوع...مش وحشتك بقالك تلات سنين يا واطي.
= مممم مقدرش أنكر أنها واحشاني ... المكالمة و التسجيلات بتاعت علي أكيد وصلت عندك دلوقتي... سلام عشان تقدر تسمعهم.
انتهت المكالمة ليهمس جاسر بتحفز:
- لازم اقابلها و اتكلم معاها ... اكيد هي مش طايقاني بس هحاول.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تثاقل جفين ديما وبدأت بالشعور بالخمول و الرغبة في النوم:
- كفاية بقا يا معاذ جايبني من الصبح عشان تقول التفاهات دي!.
أبتسم معاذ بخبث فهي جاهزة الآن للتوقيع على أوراق امتلاك هذا المنزل بتاريخ سابق بعد أن وضع لها حبوب منومة فهتف بمكر:
- يالا يا حبيبتي أمضي على الورق ده.
أعطاها قلم و وضع أمامها تلك الورقة لتتحدث بتوهان:
- يعني لو مضيت هتسيبني أنام؟.
أبتسم معاذ بسماجة:
- تنامي العمر كله لو عايزة بس اخلصي عشان الليلة لسه في أولها.
عضت على شفتيها بغنج ثم وقعت على الأوراق وهي حقاً لا تعي أي شيء ولا تستطيع قراءة الكلمات المدونة وما أن انتهت حتي أبتسم معاذ بإنتصار ثم اقترب منها بملامح شيطانية.....
وبعد مرور بعض الوقت...
صراخ ملأ أرجاء المكان دليل على اقتراح رجال الشرطة هذه الشقة...! بينما استيقظت ديما بفزع على أثر يد قاسية تقبض على خصلات شعرها بعنف ثم أسقطها أرضاً ذلك الشرطي يلف جسدها العاري بإحدي الأغطية الموضوعة على الفراش، ظلت تتلقي ديما العديد من الصفعات منه وهو يجرها خلفه بينما اتسعت عيناها بصدمة عندما وجدت الصالة ممتلئة بالرجال و النساء مُكبلين بالقبضة الحديدية وبعض الفتيات ترتدي ما ترتديه هي الآن !
سحبها ذلك الشرطي من الدرج حتي سقطت عدة مرات، ما الذي يحدث حولها؟ أخر شيء تتذكره عندما جلست مع معاذ، بالتأكيد ما ترآه هو حلم فقط، وضعها في سيارة الشرطة بجانب الكثير من الفتيات العاهرات والذين يجلسون في هذه السيارة دون اكتراث وكأنهم قد اعتادوا على هذه الأشياء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وقفت سيارة مراد أمام سرايا كبيرة يبدو عليها الفخامة و تصميمها يبدو من عصر قديم فهبط من السيارة ثم فتح لنورا باب السيارة حاملاً منها الصغير و دلفوا إلى الداخل ليجدوا شاب في منتصف الثلاثينات من عمره يغزو الشيب بعض من شعيرات لحيته، عيناه زرقاء كالسماء الصافية و بشرته خمرية، يرتدي عباءة صعيدية ممسكاً بعصاء خشبية بين يداه يبدو كأنه عمدة هذه البلدة... نزل من الدرج المؤدي إلى الداخل بطوله الفارع ثم أبتسم نصف ابتسامة مصافحاً مراد و وجه حديثه إلي نورا:
- أهلاً بت عمتي الغالية....كيفك يا ست البنات؟.
رفرفت نورا بعيناها قائلة بحماس:
- أنت بتتكلم صعيدي؟! أنت أكيد أدهم صح؟
تحدث أدهم بغطرسة:
- واه واه ميعجبكيش كلامي ولا إيه يا بت عمتي.
ردت نورا سريعاً:
- لا انا بحب أسمعه أوي.
تآفف مراد بنفاذ صبر فيبدو أن ذلك الشاب يريد صفعة قوية حتي لا يتجرأ ويتحدث مع حبيبته، سوف يتمالك نفسه قدر المستطاع فهو لا يريد إحزانها على أية حال...
هرولت فتاة في مقتبل عمرها نحو نورا محتضنة إياها كالاطفال قائلة بسعادة:
- اتوحشتك جوي جوي.
حسناً هي الأخري عيناها زرقاوتان بل تتشابه مع نورا بالملامح أيضاً، صدق من قال أن الجمال يكمن في عائلة آل صفوان !
بينما أتت سيدة في منتصف الأربعينات ورحبت بهم ترحاباً حار العديد من القبلات و الاحضان إلى كلاً من مراد و نورا
توافد أفراد العائلة جميعاً يرحبون بهم و يهنئون على زواجهم.
جلس مراد على أحدي الكراسي بعد أن دلفا إلي جناحهم ليجدها تنظر حولها ببراءة و دهشة، زرقاتيها تجول هنا وهناك ليغمغم بحنق:
- شايفك سلمتي عليهم عادي ولا كأني اتكلمت وقولتلك حاجة... إيه كلامي ملوش لازمة عندك.
طأطأت رأسها بخزي فهي نسيت ما أخبرها به لتقترب منه جالسة على ساقيه متحدثة بخفوت:
- آسفة والله كنت مبسوطة عشان جيت ونسيت.
اشاح بنظره باقتضاب لتضع يدها تخلل شعره بيدها قائلة بدلال:
- خلاص بقا آسفة عشان خاطري متزعلش.
عيناه امتزجت بالقسوة جعلتها ترتجف بداخلها ثم تحدث بقسوة:
- آخر إنذار ليكي يا نورا ... و أدهم الزفت ده كمان انا مش مرتاح لنظراته إياكي تتكلمي معاه أو تجتمعي بيه ... أنا جبتك هنا تفرحي شوية بس مش معني كدا تقضيها هلس والا نمشي من هنا.
حاربت دموعها من التساقط من طريقته الجافة تلك ثم حاولت النهوض لتتبدل نظراته إلي الخبث وهو يشدد يده حول خصرها وكاد أن.....
طرقات كالاعصار على الباب جعلته يشتعل عيظاً فتوجه نحو الباب يفتحه بقوة ليجد فتاتين فهتفت إحداهن (فرحة):
-فين نورا؟ ... واه واه دا كلوا بتغير خلاقاتها!
هم مراد بالإجابة عليها لتتحدث نورا بخجل:
- معلشي لسه مغيرتش.
سحبتها فرحة من يدها قائلة بتهكم:
- تعالي معايا انتي ساقعة قوي.
ثم وجهت حديثها إلي مراد:
- جدي عاوزك تحت.
هبطت نورا إلي الأسفل و جلست مع الفتيات يثرثرون بمرح و تبعهم مراد وجلس مع رجال العائلة ثم صعد إلي الأعلى واتصل فتحي به حتي يخبره حدث ثم انتهت المكالمة عندما أستمع مراد إلي صوت بُكاء عمر لينهض حاملاً إياه ثم بدأ بملاعبته لتدلف نورا إليهم ليرفع حاجباه بتعجب عندما وجدها ترتدي جلباب نسائي به ألوان زاهية فاتحة و ترتدي حجاب جعلها تبدو كأميرة فالتفتت تدور حول نفسها متسائلة:
- إيه رأيك؟.
صفق بإعجاب يلتف حولها:
- تحفة يا نوري ... جميلة جداً بس مش عايزة تنتظمي و تلبسي الحجاب؟.
تريثت لبرهة قبل أن تجيبه ثم أردفت:
- كنت عايزة اكلمك في الموضوع ده...نفسي من زمان وأنت شجعتني اكتر.
ضمها إليه بحنان ثم طبع قبلة على رأسها فوق حاجبها:
- شعرك الحلو احفظيه تحت حجابك و محدش يشوف خصلة وحدة منك...
رددت معه هذه الكلمة التي كان يخبرها بها منذ صغرها
"عشان تبقي أميرة متوجة تاجك يبقي حجابك".
ضيق ما بين حاجباه بضيق وهو يستمع إلى رنين هاتفه الذي لا يتوقف ليلتقطه ثم أجاب لتتحول ملامحه إلي الصدمة وشحب وجهه مردداً بصدمة:
- مات!.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في مركز الشرطي...
سحبها العسكري من يدها فكانت ديما تخطو خطواته ... جسدها ينزف من الألم و وجهها ملئ بالدماء و اللكمات التي غيرت لون وجهها لتبكي بقهر.
أنهار عالمها ... علمت بأنها كانت في شقة للأعمال المُخلة ... فُضحت بالتأكيد ... إذا وصل الخبر إلي عائلتها لن يرحموها ... لقد التقط إليها أحدي الصحفيين صورة بهذا الشكل المخزي ... لحق بها العار ... الموت أرحم لها مما سيحدث لها ... لا تعي شيء ... ابرحوها ضرباً ... جربت الشعور بالإهانة و المذلة ... قدمها تنزف بغزارة بسبب سحب ذلك العسكري لها ... تحتاج من يرحمها ... لم تُجرب ما حدث معها ... بل لم تتخيل أن ديما كامل صاحبة المكانة الرفيعة سوف تتعرض لهذه المهانة ... تشعر بطعم الدماء في فمها !
صفعها الظابط قائلاً بصوت هادر:
- ما تنطقي يا بنت الـ**** دلوقتي بقيتي مبتعرفيش تتكلمي.
أزاحت دموعها بكف يدها تشهق عالياً يعجز لسانها عن الكلام فتحدثت بصوت متقطع:
- والله معرفش ... أنا ... بعمل ايه ... هنا.
قهقه ذلك الرجل بسخرية:
- ليه يا روح امك ممسوكة في هابي لاند ولا إيه؟ دا انتي فاتحة شقة دعارة قد الدنيا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
نهاية الفصل...