رواية اغلال الروح الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم شيماء الجندي
فصل الثاني والعشرون "هدية !"
جلست أمام "سليم" صامتة تحدق به بنظرات مترقبة تنتظر استكمال تفاصيل ما تحدث عنه داخل المنزل و حينها أصرت على الخروج بعيدًا عن محيط العائلة و التحدث معه على إنفراد مصطحبة شقيقتها معها و التي جلست صامتة بجانبها بعد أن علمت بما قاله لها "سليم" عن هذا الرجل اللعين القاسي ولكنها تشعر بالارتياح بعيدًا عن منزلهم حتى و إن كان بهذا المقهى الراقي في هذا التوقيت المبكر !!!!
ترك "سليم" هاتفه فوق المنضدة الزجاجية و هو يردف بعتاب :
- مش ناوية تردي عليه ياسديم آسر حقيقي قلقان جدًا خصوصًا لما عرف إنك رفضتي ابعتله اللوكيشن !!
هزت رأسها بالسلب و أردفت باستياء من تصرفه الأهوج معها :
- لا مش ناوية ، خليه مع فريدة بتاعته اللي خرج معاها !
عقد حاجبيه ينظر إلى "نيرة" التي هزت كتفيها بجهل و هو يعلق بعدم تصديق :
- و أنتِ مين قالك أنه خرج معاها ، آسر في الشغل و لسه أهو باعتلي يطمن عليكِ ؟!
رفعت حاجبها الأيسر و سألته باستنكار :
- هو أنا هتبلى عليهم ياسليم !! الأمن نفسه هو اللي قالي إنه خرج معاها !!!
ثم اعتدلت تطرق بأصابعها فوق الطاولة بغضب و احتدت نبرة صوتها مقلدة إياه بسخرية و استهزاء :
- و المنافق امبارح قال كان هيحفر الأرض من عصبيته و جاية ليه و متدخلهاش و انا هطلعلها و في الآخر اختفى معاها والنهاردة اتخانق معايا و خرج معاها دا إيه الكره دا كله دااا ؟!!!
ارتسمت بسمة صغيرة فوق شفتي كلًا من "سليم" و "نيرة" التي كانت تتابع حركات شقيقتها بصدمة بالغة و اشتياق كبير إلى هذا الجزء من شخصيتها ، ابهجها رؤيتها بتلك الحيوية أثناء تقليد حركة زوجها و قد رفعت رأسها إلى الأعلى و استقامت إلى الأمام ترفع كتفيها متهكمة من تناقضه و لاحظت "سديم" صمتهما وتبادل الضحكات الخافتة لتردف بحدة عاقدة حاجبيها حيث شعرت أنها أخرجت ما تحويه جعبتها من فرط غضبها :
- بتضحكوا على إيه انتوا كمان انا مبحبش النفاق وطبيعي اتعصب منه إيه اللي يضحك في كدا يعني ؟!!!
اعتدل "سليم" قائلًا ببسمة ملتوية :
- اه طبعًا من حق أي واحدة تتعصب من نفاق جوزها ، خصوصًا لو كانت مش عايزة تكمل معاه !!
ومع كلماته أدركت أنها سوف تضع حالها في مأزق إن واصلت الحديث لذلك أردفت بوجوم بعد أن همست لها شقيقتها و استقامت واقفة تتحرك تجاه منضدة فارغة و تجري مكالمة هاتفية :
- دا مش موضوعنا دلوقت ياسليم ، أنا عاوزة اعرف تفاصيل الموضوع جايز أنت فهمت غلط !!!
أعادته إلى أرض الواقع الأليم بيضعة كلمات وفي لحظة واحدة قست ملامحه و احتدت نبرته يردف بوجوم متذكرًا ما سمعه و كأن المشهد يتكرر مرة أخرى بجميع تفاصيله :
- فهمت غلط إيه ياسديم بقولك اعترف بنفسه و قال بالحرف إنه مكنش يعرف بحمل روزاليا لما سابها !!!! أنا مش مصدق إنه عمل كدا في بنته و في أخوه!!!!! قبل على أخوه يعيش نص عمره بيدور على بنته هو ؟!!! ولما عرف إنها ماتت مااتهزتش شعره منه وكان بيواسي عمي عصام ؟!!!! أنا هتجنن من امبارح ياسديم عمري كله بيتعاد في مشاهد مبقتش واثق في أي مشهد منهم !!!! هي دي العيلة المثالية ؟!!! جدتي إزاي سكتت على وجع ابنها و قهره على بنت مش بنته كل السنين دي ؟!!! كانت فاكراه بما يتجوز غيرها خلاص هينسى ؟!!! عمي عاصم ميستحقش الوجع دا كله و أقرب الناس ليه اتفرجوا عليه سنين ياسديم محدش منهم اهتم بيه غير آسر !!!! آسر اللي أبوه سابه يتقهر على وجع أمه وموتها و بعدها سابه لزواليا كتعويض تخرج فيه كل غضبها !!!! أنا مش مصدق إن كل الناس دي اتعذبت عشان شخص واحد بس و شخص جبان استخبى ورا ستارة الوفاء لمراته و العشق ليها و تربية ولاده !! إزاي القسوة دي كلها تتدارى ياسديم !!!! أنا هتجنن !!! دا أنا خايف اشوف آسر أو يوسف ولو صدفة من امبارح و أنا شايل سر زي دا !!!
راقبته و هو يقص شعوره بتشتت كأنه على وشك الجنون يحدق بها منتظرًا رد على كلماته و أسئلته مجهولة الجواب لكنها تنهدت بضيق شديد و أردفت محاربة اختناق نبرت محاولة امتصاص ألمه :
- أنا عارفة يعني إيه تتصدم في ناس قريبة منك و تكتشف أنك كنت عايش في وهم بس عمك كان بيهرب ياسليم هو غلط و ندم و معرفش يصلح غلطه و للأسف شاف إن السكوت هو الحل الوحيد ، أنا مش هقولك بسط الموضوع على نفسك ولا هقولك صدمتك أقل من يوسف و آسر و عمك عاصم ، بس هقولك إنك لازم تتماسك عشانهم ياسليم فكر بعقلك و متمشيش ورا عواطفك بس ، أنا عارفة إنك قولتلي عشان أوجع عمك رأفت أو اواجهه بحقيقته بس دا لو حصل هيفتح أبواب مش بتتقفل على عيلتك ، مجرد ما يلاقي نفسه تحت رحمتي هيتجنن أكتر و ممكن يواجه ولاده و أخوه و يخسرهم للأبد !!!
اتسعت عينيه بذهول و ردد برهبة :
- لا ياسديم مقدرش اعيش مع السر دا طول حياتي !! أنا مقدرش ابص في وشهم عارف إن اللي ماتت دي اختهم !!!! أنتِ مش متخيلة روزاليا عملت إيه في آسر و لا في أمه !!! دا غير أميرة وجودها حاليًا مصيبة أكبر مش معقول روزاليا حطتها عندنا عشان تنسب نورهان للعيلة وبس !!! أنا تعبت ياسديم مش عارف أفكر ولا أرتب اللي هعمله ومش متخيل حالة آسر هتكون إيه لما أنا مش عارف أخرج من صدمتي !!!
أشفقت على حالته و خاصة حين وضع رأسه بين يديه بخجل كأنه هو من فعل تلك الجرائم ، لأول مرة ترى هذا الرجل مشتت و مرتبك إلى تلك الدرجة لكنها على يقين أن الأمر شديد الوَطْأَة على روحه تحديدًا مع شخص يقدس عائلته مثل "سليم" ، رغم ألمها و مقتها تلك الذكرى لكن عليها قصها الآن و ليحدث ما يحدث بعدها استقامت واقفة من مقعدها بعد أن كانت تجلس مقابلة له و دارت حول المنضدة تجلس بجانبه و تربت على كتفه بلطف هامسة له بعد أن أخذت شهيق و زفير تنظم تنفسها وتمنع اختناقها :
- نبيلة قبل ما تعرفني على سامح كانت أعظم أم في الدنيا بالنسبالي و في يوم كلمونا من المستشفى بابا عمل حادثة و خرج منها متدمر ، فجأة بقيت مسؤولة عن علاج أب عاجز و بنتين محتاجين حياة مثالية من وجهة نظرها و قررت تبدأ بأول تضحية ، عارف التضحية دي كانت إيه ؟ بنتها ، اخدتني من ايدي و عرفتني لأول مرة على سامح ، الخال الجميل اللي عايش في مستوى عالي جدًا و بابا منعنا عنه عشان رفض جوازهم زمان ، دخلت مع أعظم أم قصر سامح و خرجت مع أسوأ واحدة ممكن تتخيلها ، في الأول مكنتش مدركة بيحصل إيه و لما بدأت استوعب و افهم وارفض إني اكمل قالتلي هتبقي السبب في موت أبوكِ !!
تركت دموعها تخذلها وتتحرك فوق خديها و اهتزت نبرتها تواصل حديثها بوجع أسفل نظراته المترقبة بحزن و دهشة لما ترويه :
- كانت عارفة إني مش هقدر اسيبه كدا ، كان كل أمنيتي وقتها اشوفه بيمشي تاني و بيتكلم و بيحضني أو ينزل معايا لآخر مرة نتمشى سوا ويحكيلي ذكرياته ، مكنتش عايزة غيره وكملت عشان أوفر فلوس علاجه ، اتنازلت عن مبادئه اللي زرعها جوايا ، كنت بخاف اشوفه عشان نظراته ليا في الآخر كانت كلها خوف و ألم ولوم كأنه عارف إني بغلط !
ارتعشت شفتيها و أغمضت عينيها حين تذكرت ليلة معرفة والدها بحقيقة عملها المشين و نظراته الأخيرة لها التي لم تتركها داخل أحلامها منذ تلك الليلة ، حيث فارق والدها الحياة مراقبًا إياها بنظرات خيبة الآمال و عتاب على وصم سيرته العطره بالعار و تنديس روحها الطاهرة ، حقيقة واحدة دفعته إلى الموت وقد كانت كل جهودها من أجل معافاته !!! :
- وتاني تضحية لنبيلة كانت جوزها !!! اكتشفت إن فلوس العلاج والعمليات اللي كانت بتاخدها من سامح ، كانت بتتصرف على اشتراكات نوادي و لبس بدأت تخرج وتسيب نيرة مع بابا و أنا طبعًا مع سامح و بالصدفة لقيت الفواتير و قبل ما اواجهها روحت للدكتور اللي كان متابع خالة بابا واكتشفت إنها انقطعت عن دي كمان بسبب عدم الدفع وأجلت العملية من تاني وحالته بتتدهور ، مستحملتش اللي سمعته و جريت على البيت أشوفها واواجهها و ياريتني ما عملت كدا ، صوتنا عليّ و عرف أنا بشتغل مع مين و بعمل إيه و لقيت نيرة جاية تجري عليا و تقولي بابا ياسديم ، و تشاور عليه خرجت معاها من الأوضة لقيت واقع في الأرض و بيخرج أنفاسه الأخيرة و ونظراته ليا بتطاردني لحد دلوقت في أحلامي ، مات في حضني بس وهو رافضه ورافضني و حاسس إني غريبة عنه نظراته كانت بتصرخ إني مش بنته مش دي سديم اللي علمتها و ربيتها وكنت بوصيها على أختها مش ده الحصاد للي زرعته ، حقيقة واحدة ضيعت أغلى انسان في الدنيا !!!
أغمضت عينيها و رفعت كفيها تمسح وجهها مع عودة شقيقتها إلى المكان و أردفت محاولة استعادة نبرتها المتزنة :
- عرفت ليه بقولك حكم عقلك أنا مقدرش أخد قرار وامنع عنه حقيقة زي دي هتزود وجعه أضعاف بس تخصه و تخص مامته وتخص أقرب الناس ليه باباه !!!
زفرت أنفاسها باختناق شديد وقد نكست رأسها أرضًا :
- كشف الأسرار ممكن ياخد معاه أرواح ياسليم !!!
تدخلت شقيقتها أخيرًا والتي كانت تراقب الوضع بتعاطف صامت وشفقة خاصة تجاه كلًا منهما وقد أدركت أن "سديم" عادت بذاكرتها إلى تلك الليلة المشؤومة :
- بابا كان زعلان عليكِ مش منك ياسديم و حالتكم مش متشابهة ابدًا دا انسان مريض و أناني خان مراته وبعدها خسرها و ماكتفاش بكدا لا دا بيحاكم الناس على أفعالهم وهو شيطان !!!!
عقد "سليم" حاجبيه من طريقتها اللاذعة حيث وجدها تنزع رداء اللين رغم رقة ونعومة صوتها الآن أيضًا وهذا ما وصفته شقيقتها بدقة هي ليست ناعمة كما يظن بل حين تشعر بالخطر تجاه الأقرب لها تُعلن عن مخالبها الحادة والتي ظهرت الآن على هيئة كلمات خالية من اللطف تجاه الرجل الذي عنفها دون أسباب منطقية بينما هزت "سديم" رأسها بالسلب و أشارت بعينيها تجاهه لتتوتر نظرات "نيرة" و تشعر باندفاعها وتصرفها بفظاظة مبالغ بها معه بالرغم من دفاعه عنها داخل منزلهم منذ ساعات فهمست بخجل و نظرات زائغة :
- سوري أنا بس محبتش سديم تفكر كدا ، أقصد الصدمة صعبة بس الظروف تختلف !
رسم بسمة مجاملة صغيرة و هز رأسه بتفهم ثم عاد بنظراته إلى "سديم" قائلًا بنفاذ صبر :
- يعني ياسديم هفضل قاعد بالسر دا و شايف اللي بيحصل حواليا وساكت ؟!! دا كفاية تصرفاته معاكم ، أنتِ متخيلة أن إحنا خوفنا نسيب أختك في بيتنااا ؟!!! عمره ما كان بالشراسة دي أنا كنت مصدوم في رد فعله و لحد دلوقت مش فاهم إزاي عارف إنه بالبشاعة دي و عنده ذنوب متتغفرش و بيتعامل معاكِ كأنك مجرمة و آآ
قطع كلماته حين أدرك أنه يجهل انتقاء كلماته بل و أظهر لها أنه يعقد مقارنة داخل عقله إيهما الأعظم ذنـبًا بالرغم من صدمته بعد ما سمعه للتو عن والدتها و قد أدرك سبب انتزاعها اللقب منها لقد تعمدت فعل ذلك معبرة لها عن انتزاع الأمومة من قلبها تجاهها هي تجاه شقيقتها الجميلة أيضًا ، ابتسمت له "سديم" و لكن داخلها تألم من المقارنة التي تواجدت داخلها و كأن القدر يتعمد طعنها بخنجر أفعالها السابقة ، عادتها السيئة هو إظهار ما أرادت من مشاعر وقتما شاءت و هذا ما فعلته في هذه اللحظة حيث هزت رأسها و أردفت بهدوء موضحة تحليلها تجاه كلماته التي قطعها و لازال يحدق بها بصمت متوتر :
- جايز بيعمل كدا عشان مقدرش يصارحكم أو يكشف ذنبه و جايز شاف إن اعترافي بغلطاتي بجاحة و عايز لابنه واحدة ماضيها مشرف مش نصابة سابقة !
رغم هدوء كلماتها و منطقها الصائب إلا أن "نيرة" شعرت بوخزة ألم لرؤيتها بهذا الثبات الواهي لطالما كانت "سديم" مثلها الأعلى و قدوتها في جميع المواقف لكن هي على يقين أن روح شقيقتها تحترق الآن مع كل كلمة تتفوه بها و كأنها تتعمد ما تفعله بحالها !!!
قطع حبل أفكارها المتعاطفة معها صوت رنين هاتف "سديم" التي عقدت حاجبيها تنظر إليه بدهشة قبل ترفعه إلى أذنها مجيبة على المتصل بقلق :
- خير ياكريم ؟!!
صمتت لحظات تنصت إليه باهتمام ثم رددت باستنكار:
- وهو أنا ممكن أضر نيرة ؟ أنت مستوعب بتقولي إيه ؟ وبعدين نيرة نفسها اللي أصرت تيجي معايا !
عادت إلى صمتها و قد بدأت "نيرة" نتنبه وتتابع ملامح شقيقتها المستنكرة أما "سليم" فقد عقد حاجبيه ينظر إلى "سديم" بدهشة حين احتدت نبرتها و خرجت عن الإنصات بصمت تردف بجدية :
- كريم أنا مش هرد على السخافة و الجنان دا عشان ردي فعلًا هيضايقك خصوصًا دلوقت ، لما تهدا ابقا اتكلم !
لم يحاول "سليم" منع فضوله الذي أثارته "سديم" بحديثها الحاد و رفع حاجبه بدهشة حين واصلت تسأل بصدمة :
- في الطريق لمين ؟
توترت نظرات "نيرة" حين رفعت "سديم" عينيها ونظرت إليها بعتاب تزامنًا مع إنهاء المكالمة قائلة باقتضاب :
- براحتك ، أنا مش ههرب يعني ، مستنياك !
عضت على شفتيها في محاولة لتهدئة غضبها و استمعت إلى شقيقتها "نيرة" تسألها بتردد ملحوظ بعد أن قدمت تبرير واضح و استشعرت تفاقم الأمور بين شقيقتها و صديقها القديم :
- هو كريم جاي مقاليش وكان لسه بيكلمني و بعدها أنا كنت برد عليه "محادثة" chatting لما سألني أنا فين و طلب مني الـ location "الموقع" بتاعنا وسكت بعدها !
هزت "سديم" رأسها بتفهم و عقلها يعمل دون توقف عن سبب غضب "كريم" إلى تلك الدرجة المبالغ بها و تشاحنه معها عن عمد في تلك الظروف و دون الاستماع إلى تبرير أو تفاصيل ماحدث !!!! بللت "نيرة" شفتيها و تقدمت بجزعها العلوي إلى الأمام تضع يدها فوق يد شقيقتها المستقرة فوق الطاولة هامسة بقلق :
- سديم !
- It looks like only a simple altercation , isn't it ? "تبدو كمشادة كلامية بسيطة ، أليس كذلك ؟"
حصلت على إيماءة صغيرة مع بسمة صافية لها ثم نقلت عينيها إلى "سليم" الذي تابع مايدور بصمت و لم يحاول الاستفسار عما حدث خجلًا من فضوله الزائد تجاه أمور لا تخصه ، لم تتمكن "سديم" من الحديث حيث أقبل"كريم " ممتقع الوجه ساحبًا المقعد المجاور لـ "نيرة" _ و التي كانت تحتله "سديم" قبل جلوسها بجانب "سليم" _ و أردف بخشونة و هو يوزع نظراته بينها وبين "سليم" قائلًا بغضب شديد و مهاجمًا تصرفها الأهوج من وجهة نظره :
- أنا عايز افهم كنتِ متوقعة إيه و أنت واخدة أختك ورايحة بيتهم تاني ؟! مبقتش فاهمك ولا فاهم تفكيرك من يوم الحادثة !!!
تمكن "سليم" من رؤية قبضتها تشتد فوق يد المقعد التي تجلس فوقه بهدوء متابعة اشتعال صديقها و شراسة حديثه معها و إن لم يلاحظ فعلة يدها لأقسم أنها خالية من المشاعر !!!! لكنه أدرك الآن سر صمودها بين ملامح غير مكترثه و روح تحترق بين نيران الألم في كل لحظة !!!
وكأن هناك علاقة طردية بين صراعاتنا و أرواحنا ، فـكلما ازدادت الصراعات القاسية تضاعف صمود الأرواح و ينتج عن تلك العلاقة قلوب ضائعة مشتتة بين ردود أفعال ظاهرية لا تبالي و بين أرواح مُصَفَّدة بأغلال الوحدة و الصمود ، أرواح محترقة أدركت منذ زمن أن البشر لن تساهم في إطفاء حريقها بل أحيانًا يضاعف توهج نيرانها الأقرب لها ، إنها أرواح زاهدة القرب حبيسة جدران الطعن و الخذلان تنتظر الأسوأ دون اكتراث !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
عقد "سليم" حاجبيه حين تابع "كريم" بحدة و غضب غافلًا عن أثر كلماته تجاهها :
- أنتِ فاكرة عملتي فيا إيه في المستشفى لما اتخطفت مني ؟!! فاكرة وصتيني عليها كااام مرة ؟!!! هي دي الوصية بقاا تاخديها تتهان من راجل ناقص زي دا !!!
خرج "سليم" عن صمته و هبطت يده فجأة فوق المنضدة بقوة ليصدر صوت أفزع "نيرة" و اتسعت عينيها تحدق به و هو يهدر بتحذير صريح و لهجة قاسية:
- إياك تحاول تغلط !!! أنت بتشتم عمي وأنا قاعد اتجننت ؟ أنا هعمل نفسي مسمعتش عشان خاطر سديم بس و هقوم من هنا قبل مااصور قتيل !! و وبعدين أنت مالك أنت تاخدها فين ولا متاخدهاش هي نيرة دي طفلة ؟! هي طفلة صغيرة ؟! أنت لا يمكن تخاف عليها أكتر من أختها مهما وصلت درجة الصلة بينكم هي أدرى بمصلحتها !!
استقام واقفًا يجمع متعلقاته و عينيه معلقة عليه بنظرات محتقنة بالغضب و الذي تفاقم حين أردف "كريم" ساخرًا موجهًا حديثه إلى "سديم" الصامتة تتابع مايحدث بنظرات راكدة و قال باستنكار:
- ساكتة يعني ياسديم ؟ بيهددني و بتتفرجي !!! آه آسف ماهو برضه ابن عم جوزك و جاية تقعدي معاك بعد ما حماكِ بهدل أختك ، فيها إيه يعني لما يهدد صاحبك و عشرة عمرك !
اتسعت عيني "نيرة" بصدمة و أردفت بدفاع وغضب :
- إيه دا أنا مقولتش إن حد بهدلني و أنا اللي طلبت من سديم تروح هناك ، دي مش طريقة تفاهم أنا بجد مصدومة من كلامك دا ، كان ممكن تكلمني تسألني عن التفاصيل بدل أسلوبك دلوقت مع سديم !!!
انتبه أخيرًا إلى هجمومه الذي شنه عليها فجأة دون سابق إنذار ، ظهرت معالم الندم على تسرعه و أفاق من موجة الغضب التي اجتاحته منذ أن علم أنهن مع هذا الرجل في المقهى يتجاذبن أطراف الحديث الذي يجهل أصله و كأن شيئًا لم يكن !!!!
رفع يده يمسح على وجهه و يقول بأسف مبررًا سبب كلماته و موجهًا نظراته إلى "نيرة" كأنه يخجل من النظر إلى صديقته :
- أنا لما عرفت باللي حصل خرجت عن شعوري خصوصًا أنكم قاعدين معاه عادي و بتتسامروا وتشربوا قهوة مش دا برضه اللي كان جايب ابن عمه ساعة الحادثة عشان يشهده عليكِ و كان رايح جاي يقول عنك نصابة !!
أشار إلى قدح القهوة و واصل كلماته مقررًا النظر إلى "سديم" و استكشاف مدى غضبها من فعلته الحمقاء معها :
- دا غير إن لما اتكلم معايا حدا واتحشر بينا أنا حقي اتضايق يعني خصوصًا إنك ساكتة ياسديم و مفيش أي اعتراض على اللي بيدور حواليكِ لمجرد إنه عزمكم على قهوة هنا خلاص بقا ملاك ومش تبعهم !!
غضبت "نيرة" بشدة خاصةً حين وجدت "سليم" يرفع رأسه إلى الأعلى عائدًا بجسده إلى الخلف يفتح قبضته ويغلقها عدة مرات محاولًا التحكم بغضبه وندمت على فكرة قص ما حدث له بالرغم من دهشتها من ردود أفعاله الهوجاء تلك المرة لكنها حاولت الدفاع مرة أخرى تقول بحدة طفيفة :
- كريم !! إحنا مش بنشرب قهوة و .. آآ
قطعت كلماتها "سديم" و قد أعلنت عن انتهاء تواجدها بهذا المكان تنظر إلى "سليم" الذي أدرك رغبتها و أشار إلى العامل مطالبًا إياه بإحضار الفاتورة و أخرج أمواله يستمع إليها تردف مبتسمة بهدوء :
- شاطر ياكريم طلعت فاهم كل حاجة حواليك ، كمل بقا بنفس أفكارك كدا !
استنكر "سليم" ما قالت وتجاهلها كلماته لكن "نيرة" أدركت معنى ما فعلته شقيقتها كما أدرك "كريم" أيضًا و اتسعت عينيه يحدق بها بصدمة ينظر إلى "نيرة" التي وقفت هي أيضًا ترتدي حقيبتها و تغادر المكان قبل الجميع بغضب شديد وندم على تصرفها و شعورها أنها تسببت بخسارة جديدة لشقيقتها حيث أن "كريم" قد وضع حاجزًا صلدًا بفعلته اليوم معها و لكنه وقف و أمسك يدها يقول معتذرًا بندم خوفًا من خسارتها :
-سديم ! أنتِ متعرفيش نيرة بالذات عندي إيه ، أنا كنت هتجنن يوم مااتاخدت و النهاردة لما عرفت اللي حصل خرجت عن شعوري و خانني التعبير !!
نظر إلى "سليم" وعاد إليها يراقب ملامحها الخالية من التعبيرات قبل أن تزفر بغضب و تقول بملل :
- تمام ياكريم اوعاا عشان ألحق نيرة ونبقا نتفاهم بعدين ، ؤغم إني مش لاقيالك مبرر لعصبيتك دي كلها اكيد محدش هيخاف على نيرة قدي !
تحركت بالفعل وتبعها "سليم" و لكنهما توقفا واحتلت الصدمة ملامحهما حين قال "كريم" بنبرة يشوبها التردد :
- مبرري إني بحب نيرة ، وكنت مستني تخلص السنة دي عشان اطلب ايدها منك !!!
استدارت بجسدها تحملق به بأعين متسعة مذهولة من رغبته التي يفصح عنها لأول مرة معها و هزت رأسها بعدم تصديق بينما تسمر "سليم" يراقب الموقف بذهول وقد أصاب "كريم" التوتر من ظهور الصدمة والرفض على ملامحها و خرجت عن صمتها أخيرًا تسأله بدهشة :
- نيرة عارفة ؟
هز رأسه بالسلب مسرعًا و أردف بقلق :
- لأ أنا مقولتش ليها أي حاجة و مكنتش هقولك بس اللي حصل النهاردة دا مكنتش هتسامحيني عليه إلا لما اصارحك أنا معنديش أي استعداد اخسرك ياسديم ولا أقدر أخسر نيرة والله اللي حصل دا من خوفي عليها ومش عايز منك أي رد دلوقت لما نهدا كلنا نتفاهم !!
ثم تحرك مسرعًا بعد إلقاء قنبلة موقوتة تهدد علاقته بها شخصيًا ، كأنه يخشى أن يحصل على رد فعل معاكس لرغبته أو يخشى الندم على التوقيت الغير ملائم !!!!
تركها في حالة من اللاوعي و الآن فقط شعرت أنها عديمة الخبرات أو غير جديرة بمنصب تولي شئون شقيقتها الصغيرة ، شعر "سليم" بتشتتها و آثر الصمت رغم أن داخله بركان غضب من مطلب هذا الرجل و خاصة بتلك الفترة العصيبة !!!
افترقا عند السيارات و قرر "سليم" متابعتها بالسيارة تخوفًا من شرودها ، دلفت إلى سيارتها حيث كانت تجلس داخلها "نيرة" منتظرة إياها بحزن واضح تحول إلى دهشة حين أدارت "سديم" المحرك و بدأت بقيادة السيارة صامتة دون أن تتفوه بكلمة واحدة بدأت الظنون تتلاعب بها و أردفت بقلق بعد أن امتدت يدها تجاهها ووضعتها فوق كتفها :
- سديم ! أنتِ زعلانة مني ؟!!!
أفاقت على سؤالها و أوقفت السيارة تحدق بملامح شقيقتها بشرود ، ثم سارت بعينيها عليها وعادت إلى وجهها مرة أخرى تهمس داخلها بسخرية لاذعة حزني على حالنا ليس إلا لم تعد شقيقتي صغيرة ولم أبلغ أنا من الكبر ما يؤهلني إلى تلك الأحداث ، لازلت تائهة أضل الطرق بل و اتخبط داخلها ، كيف ارشدك إلى الطريق الصواب إذًا ؟!! حزني على فراق اجباري و حاجتي إلى أعمار إضافية من الخبرات فوق عمري !!! حزني على عجزي لأول مرة أمام أمر يخصك !!! أوصاني أبي كثيرًا تجاهك و أخبرني أن أحسن معاملتك و أودعك ما تتمنيه من مشاعر الدفئ و المحبة لكنه لم يتحدث عن تلك اللحظة المؤلمة لم يخبرني كيف أُحسن التصرف بتلك اللحظات ، لم يُخبرني عن هذا الشعور الذي صار رفيق اجباري داخل دربي ، شعور الخوف القاتل تجاهك و تجاه جميع ما يخصك !!!!
كبحت "سديم" جماح دموعها و هزت رأسها بالسلب تهمس لها بألم شديد :
- لأ أنا موضوع آسر بس شاغلني !
عضت "نيرة" على شفتيها و أردفت بتعاطف شديد :
- لسه بتفكري تسيبيه برضه ؟
صرفت عينيها عنها ثم أردفت بهدوء موضحة موقفها :
- أيوا مفيش حاجة هتتغير يانيرة ، بالعكس احنا هنروح ناخد حاجتنا ونمشي دلوقت أنا مش هقدر اعيش مع السر دا وأنا مخبياه عنه !!!!
نكست "نيرة" رأسها تهمس بنبرة مختنقة متألمة:
- كل دا حصل بسببي لو مكنتش روحت من نفسي مكنش حصل كل دا ، بس أنا كنتِ عاوزاكِ تكملي معاه عشان بيحبك !
ظهرت بسمة شاحبة فوق شفتيها ثم اعتدلت و جذبتها بلطف إلى أحضانها تربت فوق خصلاتها و تهمس لها بحب :
- ياريت كل اللي في حياتي زيك يــانيـرة !!! متقلقيش عليا هبقا تمام !!!
تابع "سليم" الحركة مرة أخرى خلفهم مدهوشًا من عودتهن الآن إلى المنزل و فور أن هبطن من السيارة تحرك تجاه "سديم" و سألها بدهشة بعد أن اختطف نظرة سريعة فوق ملامح "نيرة" الحزينة والتي لا تنم عن خير !!! :
- كنت فاكركوا هتبعدوا شوية لحد ما تهدوا ، جيتي ليه على هنا !!!
وقبل أن تتحدث وتعلن عن رغبتها بالرحيل أردف "يوسف" الذي أتى لتوه و استقر خلفها مباشرة متجاهلًا إياها و موجهًا حديثه إلى ابن عمه :
- سليم لما تخلص معاها ابقى اطلع على الشركة عشان عمك عاصم رجع على هناك لما عرف إن فيه ضيوف هنا !
ثم تركهم و غادر متعمدًا تجاهل نظرات ابن عمه المُردعة لفظاظة كلماته و تصرفه المتعمد تجاه زوجة أخيه مخبرًا إياها أنه يرفض تلك الزيجة قلبًا و قالبًا !!!!
هكذا تكون الحقائق ذنوبها لن تُغتفر و لن يقبل بها أفراد العائلة كزوجة له ، لكن ما طعنها حقًا رؤية نظرات الشفقة للمرة الثانية على التوالي في هذا اليوم داخل عيني شقيقتها لطالما مقتت هذا الشعور المُلبد بالضعف و الهوان ، خرجت عن صمتها و تحركت بخطوات غاضبة خلف "يوسف" ثم أمسكت ذراعه و أوقفته عنوة تردف بسخرية :
- مش مكسوف من نفسك ؟ كنت بتتعامل معايا حلو أوي وأنا نصابة و لما اتجوزت أخوك و بعدت عن القرف دا بقيت نكرة بالنسبالك !!! على العموم لما تتعلم تحكم عقلك و تفكر ابقا ساعتها اتسحب من لسانك واتكلم عني زي النكرة و لحد مايجي وقتها ماتفكرش تتجاهلني أو تتكلم عني يعني من الآخر خليك في حالك طالما مش قابلني كدا و شايفني ضيفة !
عقد حاجبيه و أردف مدافعًا عن حاله بامتعاض :
- أنا مش بعرف اكدب ايوا أنا متضايق منك لأنك خدعتيني ودا حقي وشايف إن حياتنا كانت مستقرة قبل ماتدخليها !!
حاول "سليم" إنهاء العتاب لأنه على يقين أن كلماته بهذا التوقيت سوف تكون بمثابة القشَّة التي قصَمت ظهرَ البعير لذلك أردف بتحذير :
- يوسف مش وقته الكلام دا كفاية اللي حصل الصبح !
رفض "يوسف" تحذيره و أردف بحدة مهاجمًا أفعاله :
- لا ياسليم مش كفاية ، واللي حصل الصبح دا هيتكرر كل يوم وأنتِ عارفة كدا كويس ياسديم ، و مش عيب لما أقولك إن حياتنا كانت مستقرة قبل ماتدخليها ، أنا عمري ماشوفت آسر و بابا بيتخانقوا بالمنظر دا غير لما دخلتي حياتنا لو كنتِ فعلًا عاوزة تبعدي عن القرف دا كنتِ هتبعدي عن العيلة كلها مش تجيبي أختك و تيجي تقعدي معانا و متخيلة إن العيلة هتقبلكم و ترحب بيكِ كزوجة !! أنا أخويا مقاليش أنه هيتجوز بسببك ، لا دا كمان راح واتجوزك رسمي وأنا بتفتجئ زيي زي الغريب !!! متخيلة وصلتينا لفين ؟!!! أنا عمري مابعدت عن أخويا كل الفترة دي غير لما دخلتي حياتنا ، آسر من وقت ماعرفك و هو اتغير للأسوأ و أنا أخوه وبقولك إنك هتظلمي أختك معاكِ بالأنانية دي ، كفاية خسايرنا اللي حصل لعمي بسببك ! ولعلمك آسر نفسه مع الوقت مش هيعرف يتخطى فكرة إنك نصابة ، أراهنك إنه بيحارب نفسه عشان ينسى و بيحارب عيلته ودا برضه بسببك ! فجأة كدا اكتشفتي إنك محتاجة تتوبي لما قابلتي آسر ؟!! و لا يمكن هو اللي غيرك للأحسن زي الأفلام ، احب ابهرك بها إنك عملتي العكس وغيرتيه للأسوأ !! إزاي أصلًا أثق في واحدة اتجوزت بعد موت أمها على طول حقيقي أنتِ عندك قلب زينا ؟!! بتحسي يعني و عارفة إنك خربتي حياتنا كلنا بعملتك السودة ولسه مكملة و تقوليلي بعدت عن القرف ؟!!! مش فارق معاكِ موت أم ولا مستقبل أختك ولا أي حد غير نفسك ، أختك دي كانت فين وأنتِ بتنصبي علينا ؟ كانت قاعدة مع خالك اللي دخلتيه السجن ؟! ولو فعلًا توبتي زي ما بتقولي أنتِ بجد بتحلمي بييت وعيلة مع آسر ؟! حقيقي متخيلة إنك ممكن تبقي أم ؟ هتعلمي ولادك إيه بقا فين المبادئ اللي هتزرعيها جواهم ؟ هتقوليلهم روحوا انصبوا على الناس و بعدها ادخلوا بيوتهم و اتجوزوهم وعيشوا أجمل قصة حب في الدنيا ؟!!!
لم تحرك ساكنًا استقبلت كلماته بصدر غير رحب بل اخترقت خناجر حقائقه صدرها و استقرت داخل قلبها النازف بينما عينيها لم تعكس هذا الألم القاتل و راقبته يتنهد بضيق شديد كأنه شعر بالخجل من صراحته ليُكمل قائلًا بنبرة أقل حدة :
- مكانك مش هنا ياسديم على الأقل دلوقت لو فعلًا بتحبي آسر ابعدي عنه ومتخربيش حياته و تخسريه كل اللي حواليه ، ولعلمك أنا كان قصدي بالضيوف فريدة ، عمي أصلًا ميعرفس إنك اتجوزي ابن أخوه !!
وزع نظراته بين الوجوه حين لم يحصل على رد فعل منها سوى التحديق به بصمت و كأنه يتحدث إلى جماد لكنه شعر بالتوتر حين وجد الدموع تسيل دون توقف فوق وجه شقيقتها وهي تنظر إليه بنظرات محتقنة بالغضب الشديد والكراهية ومن الواضح أنها تلقت تعليمات رادعة بعدم التدخل حيث فرت إلى الداخل بخطوات غاضبة وسريعة متألمة لتلك القسوة التي تواجهها شقيقتها بصلابة و تحدي وكأنها تبارز روحها المهترئة ، بينما تابع "سليم" الموقف بنظرات معاتبة متجنبًا التشاحن مع ابن عمه و إلا أثبت ظنونه تجاه "سديم" وأنها هي من تدفعهم إلى الحرب مع العائلة ، لاعنًا داخله مئات المرات عمه الخبيث القاسي و ساخرًا من نظرة ابن عمه لها رغم أنها تحمل داخلها سر أبيه اللئيم ، وقفت تستمع إلى توييخه اللاذع على عكس طبيعتها وتستمع الآن إلى كلماته المواسية لها حيث قال :
- أنا مش قصدي أجرح فيكِ ولا دي أخلاقي وأنتِ عارفاني كويس ياريت تفكري في كلامي ياسديم ، أنا آسف !
و فر مسرعًا قبل أن ينهش الندم داخله على ما تفوه به أمام شقيقتها و الذي دفعها إلى البكاء قهرًا و المغادرة ، تحرك "سليم" تجاهها و ازدرد رمقه يحاول لملمة شتات أمره و إخراج جملة واحدة على الأقل لكنه عجز و خاصة حين رفعت يديها تجمع خصلاتها و ترفعها إلى الأعلى مثبتة إياها و هي تهمس بهدوء كاشفة عن أفكاره ومتهربة بعينيها الدامعتين منه :
- مقالش حاجة تزعل عشان تحاول تواسيني ، أنا هروح أشوف نيرة ..
أوقفها الحارس الذي أسرع إليها قائلًا وهو يمد يديه إليها بالصندوق الصغير :
- مدام سديم في واحد ساب العلبة دي لحضرتك و قالي إنك طلبتيها من سامح و مشي بسرعة حتى معرفناش نتكلم معاه !
استلمتها منه عاقدة حاجبيها و أمره "سليم" بالمغادرة يتابعها وهي تتجه إلى مقدمة السيارة واضعة فوقها الصندوق تفتحه عاقدة حاجبيها ثم دست يدها داخله و اخرجت هاتف خلوي تعرفه عن ظهر قلب ، إنه هاتف والدتها الذي اهداه لها والدها في آخر احتفال بعيد زواجهم السعيد على حد ظنه ، توترت أنفاسها حين داهمتها تلك الذكرى و صُدمت من حصوله عليه لقد اخبرتها والدتها أنه قد فسد حين وقع داخل المياه و فقدته إلى الأبد لكن ها هي كذبة جديدة و صفعة تتلقاها منها بعد وفاتها فتحت الهاتف و كتبت كلمة السر و كيف تنسى أن والدها الحبيب طالبها باختيار الكلمة حتى تصبح ذكرى سعيدة لديها متعمدًا مشاركتها صغائر الأمور وقد اختارت حينها يوم مولده هو تحديدًا ، رباه !!! قد تحولت تلك الذكرى الآن إلى أتعس لحظات حياتها !!! خاصة حين وجدت الهاتف بحالة جيدة و تم فتحه حين وضعت كلمة السر لتجد إشعار بـرسالة نصية فحواها كالتالي : " من أجمل الحاجات اللي اتعلمتها منك التفاصيل ياسديم !! و حبيت ابعتلك الهدية دي عشان افكرك بأهم درس علمتهولك و بصراحة أنا اتعلمته من نبيلة الله يرحمها لما حبت تجدد الفون بتاعها لأحدث واحد نزل زي صحاب النادي وقالتلي مش عايزة سديم تعرف بكدا و إنها هتقولك إنه اتكسر و اجيبلها أنا الجديد على إنه هدية مني ودا اللي حصل فعلًا بس أنا قولت احتفظ بالقديم برضه و أهو فعلًا طلع مهم ، بصراحة اتصدمت لما لقيت مع الفون دا صورة لروزاليا ورأفت قديمة أوي و شوية ورق كدا يخصها كانت نسياه غالبًا في خزنة شقتها !!! من ضمنهم عقد كدا غريب زي اتفاقية ارتباط هبلة أوي تخيلي بقاا حماكِ المراهق ؟!!! لأ وكمان تواريخ كل الحاجات دي قبل تاريخ ميلاد سيلا بسنتين !!!! أنا صورتلك هنا الورق والصور عشان تصدقي ، يلا متتأخريش عليا في الزيارة ها مين عارف هديتي الجاية هتروح على فين ؟!!!!! "
اتسعت عينيها و اقترب "سليم" منها ينظر إلى ما أظهر الفزع على ملامحها إلى تلك الدرجة ليجدها تنقر عدة نقرات و تفتح صور تخص" رأفت" و" روزاليا " يبدو أنها منذ زمن و عقد غريب الهيئة بخط يد عمه وزع نظراته المصدومة بينها و بين الهاتف بعد أن امسكه و بدأ يعبث بالصور بغضب شديد و يهز رأسه بعدم تصديق ، الصور شديدة البشاعة خاصة أنها تخص عمه و زوجة عمه الآخر بأوضاع رومانسية مخجلة قد تدفعه إلى الغثيان انتفضا معًا حين أتى صوت "آسر" الغاضب من خلفهما يسأل باستنكار :
- دا الموضوع صح بقا ؟ الأمن بيقولي سامح بعتلك هدية و أنتِ خديتها ؟!! أقدر اشوف معاكم الهدية دي ولا مسموح لــسليم بس ؟!!!!!!
جلست أمام "سليم" صامتة تحدق به بنظرات مترقبة تنتظر استكمال تفاصيل ما تحدث عنه داخل المنزل و حينها أصرت على الخروج بعيدًا عن محيط العائلة و التحدث معه على إنفراد مصطحبة شقيقتها معها و التي جلست صامتة بجانبها بعد أن علمت بما قاله لها "سليم" عن هذا الرجل اللعين القاسي ولكنها تشعر بالارتياح بعيدًا عن منزلهم حتى و إن كان بهذا المقهى الراقي في هذا التوقيت المبكر !!!!
ترك "سليم" هاتفه فوق المنضدة الزجاجية و هو يردف بعتاب :
- مش ناوية تردي عليه ياسديم آسر حقيقي قلقان جدًا خصوصًا لما عرف إنك رفضتي ابعتله اللوكيشن !!
هزت رأسها بالسلب و أردفت باستياء من تصرفه الأهوج معها :
- لا مش ناوية ، خليه مع فريدة بتاعته اللي خرج معاها !
عقد حاجبيه ينظر إلى "نيرة" التي هزت كتفيها بجهل و هو يعلق بعدم تصديق :
- و أنتِ مين قالك أنه خرج معاها ، آسر في الشغل و لسه أهو باعتلي يطمن عليكِ ؟!
رفعت حاجبها الأيسر و سألته باستنكار :
- هو أنا هتبلى عليهم ياسليم !! الأمن نفسه هو اللي قالي إنه خرج معاها !!!
ثم اعتدلت تطرق بأصابعها فوق الطاولة بغضب و احتدت نبرة صوتها مقلدة إياه بسخرية و استهزاء :
- و المنافق امبارح قال كان هيحفر الأرض من عصبيته و جاية ليه و متدخلهاش و انا هطلعلها و في الآخر اختفى معاها والنهاردة اتخانق معايا و خرج معاها دا إيه الكره دا كله دااا ؟!!!
ارتسمت بسمة صغيرة فوق شفتي كلًا من "سليم" و "نيرة" التي كانت تتابع حركات شقيقتها بصدمة بالغة و اشتياق كبير إلى هذا الجزء من شخصيتها ، ابهجها رؤيتها بتلك الحيوية أثناء تقليد حركة زوجها و قد رفعت رأسها إلى الأعلى و استقامت إلى الأمام ترفع كتفيها متهكمة من تناقضه و لاحظت "سديم" صمتهما وتبادل الضحكات الخافتة لتردف بحدة عاقدة حاجبيها حيث شعرت أنها أخرجت ما تحويه جعبتها من فرط غضبها :
- بتضحكوا على إيه انتوا كمان انا مبحبش النفاق وطبيعي اتعصب منه إيه اللي يضحك في كدا يعني ؟!!!
اعتدل "سليم" قائلًا ببسمة ملتوية :
- اه طبعًا من حق أي واحدة تتعصب من نفاق جوزها ، خصوصًا لو كانت مش عايزة تكمل معاه !!
ومع كلماته أدركت أنها سوف تضع حالها في مأزق إن واصلت الحديث لذلك أردفت بوجوم بعد أن همست لها شقيقتها و استقامت واقفة تتحرك تجاه منضدة فارغة و تجري مكالمة هاتفية :
- دا مش موضوعنا دلوقت ياسليم ، أنا عاوزة اعرف تفاصيل الموضوع جايز أنت فهمت غلط !!!
أعادته إلى أرض الواقع الأليم بيضعة كلمات وفي لحظة واحدة قست ملامحه و احتدت نبرته يردف بوجوم متذكرًا ما سمعه و كأن المشهد يتكرر مرة أخرى بجميع تفاصيله :
- فهمت غلط إيه ياسديم بقولك اعترف بنفسه و قال بالحرف إنه مكنش يعرف بحمل روزاليا لما سابها !!!! أنا مش مصدق إنه عمل كدا في بنته و في أخوه!!!!! قبل على أخوه يعيش نص عمره بيدور على بنته هو ؟!!! ولما عرف إنها ماتت مااتهزتش شعره منه وكان بيواسي عمي عصام ؟!!!! أنا هتجنن من امبارح ياسديم عمري كله بيتعاد في مشاهد مبقتش واثق في أي مشهد منهم !!!! هي دي العيلة المثالية ؟!!! جدتي إزاي سكتت على وجع ابنها و قهره على بنت مش بنته كل السنين دي ؟!!! كانت فاكراه بما يتجوز غيرها خلاص هينسى ؟!!! عمي عاصم ميستحقش الوجع دا كله و أقرب الناس ليه اتفرجوا عليه سنين ياسديم محدش منهم اهتم بيه غير آسر !!!! آسر اللي أبوه سابه يتقهر على وجع أمه وموتها و بعدها سابه لزواليا كتعويض تخرج فيه كل غضبها !!!! أنا مش مصدق إن كل الناس دي اتعذبت عشان شخص واحد بس و شخص جبان استخبى ورا ستارة الوفاء لمراته و العشق ليها و تربية ولاده !! إزاي القسوة دي كلها تتدارى ياسديم !!!! أنا هتجنن !!! دا أنا خايف اشوف آسر أو يوسف ولو صدفة من امبارح و أنا شايل سر زي دا !!!
راقبته و هو يقص شعوره بتشتت كأنه على وشك الجنون يحدق بها منتظرًا رد على كلماته و أسئلته مجهولة الجواب لكنها تنهدت بضيق شديد و أردفت محاربة اختناق نبرت محاولة امتصاص ألمه :
- أنا عارفة يعني إيه تتصدم في ناس قريبة منك و تكتشف أنك كنت عايش في وهم بس عمك كان بيهرب ياسليم هو غلط و ندم و معرفش يصلح غلطه و للأسف شاف إن السكوت هو الحل الوحيد ، أنا مش هقولك بسط الموضوع على نفسك ولا هقولك صدمتك أقل من يوسف و آسر و عمك عاصم ، بس هقولك إنك لازم تتماسك عشانهم ياسليم فكر بعقلك و متمشيش ورا عواطفك بس ، أنا عارفة إنك قولتلي عشان أوجع عمك رأفت أو اواجهه بحقيقته بس دا لو حصل هيفتح أبواب مش بتتقفل على عيلتك ، مجرد ما يلاقي نفسه تحت رحمتي هيتجنن أكتر و ممكن يواجه ولاده و أخوه و يخسرهم للأبد !!!
اتسعت عينيه بذهول و ردد برهبة :
- لا ياسديم مقدرش اعيش مع السر دا طول حياتي !! أنا مقدرش ابص في وشهم عارف إن اللي ماتت دي اختهم !!!! أنتِ مش متخيلة روزاليا عملت إيه في آسر و لا في أمه !!! دا غير أميرة وجودها حاليًا مصيبة أكبر مش معقول روزاليا حطتها عندنا عشان تنسب نورهان للعيلة وبس !!! أنا تعبت ياسديم مش عارف أفكر ولا أرتب اللي هعمله ومش متخيل حالة آسر هتكون إيه لما أنا مش عارف أخرج من صدمتي !!!
أشفقت على حالته و خاصة حين وضع رأسه بين يديه بخجل كأنه هو من فعل تلك الجرائم ، لأول مرة ترى هذا الرجل مشتت و مرتبك إلى تلك الدرجة لكنها على يقين أن الأمر شديد الوَطْأَة على روحه تحديدًا مع شخص يقدس عائلته مثل "سليم" ، رغم ألمها و مقتها تلك الذكرى لكن عليها قصها الآن و ليحدث ما يحدث بعدها استقامت واقفة من مقعدها بعد أن كانت تجلس مقابلة له و دارت حول المنضدة تجلس بجانبه و تربت على كتفه بلطف هامسة له بعد أن أخذت شهيق و زفير تنظم تنفسها وتمنع اختناقها :
- نبيلة قبل ما تعرفني على سامح كانت أعظم أم في الدنيا بالنسبالي و في يوم كلمونا من المستشفى بابا عمل حادثة و خرج منها متدمر ، فجأة بقيت مسؤولة عن علاج أب عاجز و بنتين محتاجين حياة مثالية من وجهة نظرها و قررت تبدأ بأول تضحية ، عارف التضحية دي كانت إيه ؟ بنتها ، اخدتني من ايدي و عرفتني لأول مرة على سامح ، الخال الجميل اللي عايش في مستوى عالي جدًا و بابا منعنا عنه عشان رفض جوازهم زمان ، دخلت مع أعظم أم قصر سامح و خرجت مع أسوأ واحدة ممكن تتخيلها ، في الأول مكنتش مدركة بيحصل إيه و لما بدأت استوعب و افهم وارفض إني اكمل قالتلي هتبقي السبب في موت أبوكِ !!
تركت دموعها تخذلها وتتحرك فوق خديها و اهتزت نبرتها تواصل حديثها بوجع أسفل نظراته المترقبة بحزن و دهشة لما ترويه :
- كانت عارفة إني مش هقدر اسيبه كدا ، كان كل أمنيتي وقتها اشوفه بيمشي تاني و بيتكلم و بيحضني أو ينزل معايا لآخر مرة نتمشى سوا ويحكيلي ذكرياته ، مكنتش عايزة غيره وكملت عشان أوفر فلوس علاجه ، اتنازلت عن مبادئه اللي زرعها جوايا ، كنت بخاف اشوفه عشان نظراته ليا في الآخر كانت كلها خوف و ألم ولوم كأنه عارف إني بغلط !
ارتعشت شفتيها و أغمضت عينيها حين تذكرت ليلة معرفة والدها بحقيقة عملها المشين و نظراته الأخيرة لها التي لم تتركها داخل أحلامها منذ تلك الليلة ، حيث فارق والدها الحياة مراقبًا إياها بنظرات خيبة الآمال و عتاب على وصم سيرته العطره بالعار و تنديس روحها الطاهرة ، حقيقة واحدة دفعته إلى الموت وقد كانت كل جهودها من أجل معافاته !!! :
- وتاني تضحية لنبيلة كانت جوزها !!! اكتشفت إن فلوس العلاج والعمليات اللي كانت بتاخدها من سامح ، كانت بتتصرف على اشتراكات نوادي و لبس بدأت تخرج وتسيب نيرة مع بابا و أنا طبعًا مع سامح و بالصدفة لقيت الفواتير و قبل ما اواجهها روحت للدكتور اللي كان متابع خالة بابا واكتشفت إنها انقطعت عن دي كمان بسبب عدم الدفع وأجلت العملية من تاني وحالته بتتدهور ، مستحملتش اللي سمعته و جريت على البيت أشوفها واواجهها و ياريتني ما عملت كدا ، صوتنا عليّ و عرف أنا بشتغل مع مين و بعمل إيه و لقيت نيرة جاية تجري عليا و تقولي بابا ياسديم ، و تشاور عليه خرجت معاها من الأوضة لقيت واقع في الأرض و بيخرج أنفاسه الأخيرة و ونظراته ليا بتطاردني لحد دلوقت في أحلامي ، مات في حضني بس وهو رافضه ورافضني و حاسس إني غريبة عنه نظراته كانت بتصرخ إني مش بنته مش دي سديم اللي علمتها و ربيتها وكنت بوصيها على أختها مش ده الحصاد للي زرعته ، حقيقة واحدة ضيعت أغلى انسان في الدنيا !!!
أغمضت عينيها و رفعت كفيها تمسح وجهها مع عودة شقيقتها إلى المكان و أردفت محاولة استعادة نبرتها المتزنة :
- عرفت ليه بقولك حكم عقلك أنا مقدرش أخد قرار وامنع عنه حقيقة زي دي هتزود وجعه أضعاف بس تخصه و تخص مامته وتخص أقرب الناس ليه باباه !!!
زفرت أنفاسها باختناق شديد وقد نكست رأسها أرضًا :
- كشف الأسرار ممكن ياخد معاه أرواح ياسليم !!!
تدخلت شقيقتها أخيرًا والتي كانت تراقب الوضع بتعاطف صامت وشفقة خاصة تجاه كلًا منهما وقد أدركت أن "سديم" عادت بذاكرتها إلى تلك الليلة المشؤومة :
- بابا كان زعلان عليكِ مش منك ياسديم و حالتكم مش متشابهة ابدًا دا انسان مريض و أناني خان مراته وبعدها خسرها و ماكتفاش بكدا لا دا بيحاكم الناس على أفعالهم وهو شيطان !!!!
عقد "سليم" حاجبيه من طريقتها اللاذعة حيث وجدها تنزع رداء اللين رغم رقة ونعومة صوتها الآن أيضًا وهذا ما وصفته شقيقتها بدقة هي ليست ناعمة كما يظن بل حين تشعر بالخطر تجاه الأقرب لها تُعلن عن مخالبها الحادة والتي ظهرت الآن على هيئة كلمات خالية من اللطف تجاه الرجل الذي عنفها دون أسباب منطقية بينما هزت "سديم" رأسها بالسلب و أشارت بعينيها تجاهه لتتوتر نظرات "نيرة" و تشعر باندفاعها وتصرفها بفظاظة مبالغ بها معه بالرغم من دفاعه عنها داخل منزلهم منذ ساعات فهمست بخجل و نظرات زائغة :
- سوري أنا بس محبتش سديم تفكر كدا ، أقصد الصدمة صعبة بس الظروف تختلف !
رسم بسمة مجاملة صغيرة و هز رأسه بتفهم ثم عاد بنظراته إلى "سديم" قائلًا بنفاذ صبر :
- يعني ياسديم هفضل قاعد بالسر دا و شايف اللي بيحصل حواليا وساكت ؟!! دا كفاية تصرفاته معاكم ، أنتِ متخيلة أن إحنا خوفنا نسيب أختك في بيتنااا ؟!!! عمره ما كان بالشراسة دي أنا كنت مصدوم في رد فعله و لحد دلوقت مش فاهم إزاي عارف إنه بالبشاعة دي و عنده ذنوب متتغفرش و بيتعامل معاكِ كأنك مجرمة و آآ
قطع كلماته حين أدرك أنه يجهل انتقاء كلماته بل و أظهر لها أنه يعقد مقارنة داخل عقله إيهما الأعظم ذنـبًا بالرغم من صدمته بعد ما سمعه للتو عن والدتها و قد أدرك سبب انتزاعها اللقب منها لقد تعمدت فعل ذلك معبرة لها عن انتزاع الأمومة من قلبها تجاهها هي تجاه شقيقتها الجميلة أيضًا ، ابتسمت له "سديم" و لكن داخلها تألم من المقارنة التي تواجدت داخلها و كأن القدر يتعمد طعنها بخنجر أفعالها السابقة ، عادتها السيئة هو إظهار ما أرادت من مشاعر وقتما شاءت و هذا ما فعلته في هذه اللحظة حيث هزت رأسها و أردفت بهدوء موضحة تحليلها تجاه كلماته التي قطعها و لازال يحدق بها بصمت متوتر :
- جايز بيعمل كدا عشان مقدرش يصارحكم أو يكشف ذنبه و جايز شاف إن اعترافي بغلطاتي بجاحة و عايز لابنه واحدة ماضيها مشرف مش نصابة سابقة !
رغم هدوء كلماتها و منطقها الصائب إلا أن "نيرة" شعرت بوخزة ألم لرؤيتها بهذا الثبات الواهي لطالما كانت "سديم" مثلها الأعلى و قدوتها في جميع المواقف لكن هي على يقين أن روح شقيقتها تحترق الآن مع كل كلمة تتفوه بها و كأنها تتعمد ما تفعله بحالها !!!
قطع حبل أفكارها المتعاطفة معها صوت رنين هاتف "سديم" التي عقدت حاجبيها تنظر إليه بدهشة قبل ترفعه إلى أذنها مجيبة على المتصل بقلق :
- خير ياكريم ؟!!
صمتت لحظات تنصت إليه باهتمام ثم رددت باستنكار:
- وهو أنا ممكن أضر نيرة ؟ أنت مستوعب بتقولي إيه ؟ وبعدين نيرة نفسها اللي أصرت تيجي معايا !
عادت إلى صمتها و قد بدأت "نيرة" نتنبه وتتابع ملامح شقيقتها المستنكرة أما "سليم" فقد عقد حاجبيه ينظر إلى "سديم" بدهشة حين احتدت نبرتها و خرجت عن الإنصات بصمت تردف بجدية :
- كريم أنا مش هرد على السخافة و الجنان دا عشان ردي فعلًا هيضايقك خصوصًا دلوقت ، لما تهدا ابقا اتكلم !
لم يحاول "سليم" منع فضوله الذي أثارته "سديم" بحديثها الحاد و رفع حاجبه بدهشة حين واصلت تسأل بصدمة :
- في الطريق لمين ؟
توترت نظرات "نيرة" حين رفعت "سديم" عينيها ونظرت إليها بعتاب تزامنًا مع إنهاء المكالمة قائلة باقتضاب :
- براحتك ، أنا مش ههرب يعني ، مستنياك !
عضت على شفتيها في محاولة لتهدئة غضبها و استمعت إلى شقيقتها "نيرة" تسألها بتردد ملحوظ بعد أن قدمت تبرير واضح و استشعرت تفاقم الأمور بين شقيقتها و صديقها القديم :
- هو كريم جاي مقاليش وكان لسه بيكلمني و بعدها أنا كنت برد عليه "محادثة" chatting لما سألني أنا فين و طلب مني الـ location "الموقع" بتاعنا وسكت بعدها !
هزت "سديم" رأسها بتفهم و عقلها يعمل دون توقف عن سبب غضب "كريم" إلى تلك الدرجة المبالغ بها و تشاحنه معها عن عمد في تلك الظروف و دون الاستماع إلى تبرير أو تفاصيل ماحدث !!!! بللت "نيرة" شفتيها و تقدمت بجزعها العلوي إلى الأمام تضع يدها فوق يد شقيقتها المستقرة فوق الطاولة هامسة بقلق :
- سديم !
- It looks like only a simple altercation , isn't it ? "تبدو كمشادة كلامية بسيطة ، أليس كذلك ؟"
حصلت على إيماءة صغيرة مع بسمة صافية لها ثم نقلت عينيها إلى "سليم" الذي تابع مايدور بصمت و لم يحاول الاستفسار عما حدث خجلًا من فضوله الزائد تجاه أمور لا تخصه ، لم تتمكن "سديم" من الحديث حيث أقبل"كريم " ممتقع الوجه ساحبًا المقعد المجاور لـ "نيرة" _ و التي كانت تحتله "سديم" قبل جلوسها بجانب "سليم" _ و أردف بخشونة و هو يوزع نظراته بينها وبين "سليم" قائلًا بغضب شديد و مهاجمًا تصرفها الأهوج من وجهة نظره :
- أنا عايز افهم كنتِ متوقعة إيه و أنت واخدة أختك ورايحة بيتهم تاني ؟! مبقتش فاهمك ولا فاهم تفكيرك من يوم الحادثة !!!
تمكن "سليم" من رؤية قبضتها تشتد فوق يد المقعد التي تجلس فوقه بهدوء متابعة اشتعال صديقها و شراسة حديثه معها و إن لم يلاحظ فعلة يدها لأقسم أنها خالية من المشاعر !!!! لكنه أدرك الآن سر صمودها بين ملامح غير مكترثه و روح تحترق بين نيران الألم في كل لحظة !!!
وكأن هناك علاقة طردية بين صراعاتنا و أرواحنا ، فـكلما ازدادت الصراعات القاسية تضاعف صمود الأرواح و ينتج عن تلك العلاقة قلوب ضائعة مشتتة بين ردود أفعال ظاهرية لا تبالي و بين أرواح مُصَفَّدة بأغلال الوحدة و الصمود ، أرواح محترقة أدركت منذ زمن أن البشر لن تساهم في إطفاء حريقها بل أحيانًا يضاعف توهج نيرانها الأقرب لها ، إنها أرواح زاهدة القرب حبيسة جدران الطعن و الخذلان تنتظر الأسوأ دون اكتراث !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
عقد "سليم" حاجبيه حين تابع "كريم" بحدة و غضب غافلًا عن أثر كلماته تجاهها :
- أنتِ فاكرة عملتي فيا إيه في المستشفى لما اتخطفت مني ؟!! فاكرة وصتيني عليها كااام مرة ؟!!! هي دي الوصية بقاا تاخديها تتهان من راجل ناقص زي دا !!!
خرج "سليم" عن صمته و هبطت يده فجأة فوق المنضدة بقوة ليصدر صوت أفزع "نيرة" و اتسعت عينيها تحدق به و هو يهدر بتحذير صريح و لهجة قاسية:
- إياك تحاول تغلط !!! أنت بتشتم عمي وأنا قاعد اتجننت ؟ أنا هعمل نفسي مسمعتش عشان خاطر سديم بس و هقوم من هنا قبل مااصور قتيل !! و وبعدين أنت مالك أنت تاخدها فين ولا متاخدهاش هي نيرة دي طفلة ؟! هي طفلة صغيرة ؟! أنت لا يمكن تخاف عليها أكتر من أختها مهما وصلت درجة الصلة بينكم هي أدرى بمصلحتها !!
استقام واقفًا يجمع متعلقاته و عينيه معلقة عليه بنظرات محتقنة بالغضب و الذي تفاقم حين أردف "كريم" ساخرًا موجهًا حديثه إلى "سديم" الصامتة تتابع مايحدث بنظرات راكدة و قال باستنكار:
- ساكتة يعني ياسديم ؟ بيهددني و بتتفرجي !!! آه آسف ماهو برضه ابن عم جوزك و جاية تقعدي معاك بعد ما حماكِ بهدل أختك ، فيها إيه يعني لما يهدد صاحبك و عشرة عمرك !
اتسعت عيني "نيرة" بصدمة و أردفت بدفاع وغضب :
- إيه دا أنا مقولتش إن حد بهدلني و أنا اللي طلبت من سديم تروح هناك ، دي مش طريقة تفاهم أنا بجد مصدومة من كلامك دا ، كان ممكن تكلمني تسألني عن التفاصيل بدل أسلوبك دلوقت مع سديم !!!
انتبه أخيرًا إلى هجمومه الذي شنه عليها فجأة دون سابق إنذار ، ظهرت معالم الندم على تسرعه و أفاق من موجة الغضب التي اجتاحته منذ أن علم أنهن مع هذا الرجل في المقهى يتجاذبن أطراف الحديث الذي يجهل أصله و كأن شيئًا لم يكن !!!!
رفع يده يمسح على وجهه و يقول بأسف مبررًا سبب كلماته و موجهًا نظراته إلى "نيرة" كأنه يخجل من النظر إلى صديقته :
- أنا لما عرفت باللي حصل خرجت عن شعوري خصوصًا أنكم قاعدين معاه عادي و بتتسامروا وتشربوا قهوة مش دا برضه اللي كان جايب ابن عمه ساعة الحادثة عشان يشهده عليكِ و كان رايح جاي يقول عنك نصابة !!
أشار إلى قدح القهوة و واصل كلماته مقررًا النظر إلى "سديم" و استكشاف مدى غضبها من فعلته الحمقاء معها :
- دا غير إن لما اتكلم معايا حدا واتحشر بينا أنا حقي اتضايق يعني خصوصًا إنك ساكتة ياسديم و مفيش أي اعتراض على اللي بيدور حواليكِ لمجرد إنه عزمكم على قهوة هنا خلاص بقا ملاك ومش تبعهم !!
غضبت "نيرة" بشدة خاصةً حين وجدت "سليم" يرفع رأسه إلى الأعلى عائدًا بجسده إلى الخلف يفتح قبضته ويغلقها عدة مرات محاولًا التحكم بغضبه وندمت على فكرة قص ما حدث له بالرغم من دهشتها من ردود أفعاله الهوجاء تلك المرة لكنها حاولت الدفاع مرة أخرى تقول بحدة طفيفة :
- كريم !! إحنا مش بنشرب قهوة و .. آآ
قطعت كلماتها "سديم" و قد أعلنت عن انتهاء تواجدها بهذا المكان تنظر إلى "سليم" الذي أدرك رغبتها و أشار إلى العامل مطالبًا إياه بإحضار الفاتورة و أخرج أمواله يستمع إليها تردف مبتسمة بهدوء :
- شاطر ياكريم طلعت فاهم كل حاجة حواليك ، كمل بقا بنفس أفكارك كدا !
استنكر "سليم" ما قالت وتجاهلها كلماته لكن "نيرة" أدركت معنى ما فعلته شقيقتها كما أدرك "كريم" أيضًا و اتسعت عينيه يحدق بها بصدمة ينظر إلى "نيرة" التي وقفت هي أيضًا ترتدي حقيبتها و تغادر المكان قبل الجميع بغضب شديد وندم على تصرفها و شعورها أنها تسببت بخسارة جديدة لشقيقتها حيث أن "كريم" قد وضع حاجزًا صلدًا بفعلته اليوم معها و لكنه وقف و أمسك يدها يقول معتذرًا بندم خوفًا من خسارتها :
-سديم ! أنتِ متعرفيش نيرة بالذات عندي إيه ، أنا كنت هتجنن يوم مااتاخدت و النهاردة لما عرفت اللي حصل خرجت عن شعوري و خانني التعبير !!
نظر إلى "سليم" وعاد إليها يراقب ملامحها الخالية من التعبيرات قبل أن تزفر بغضب و تقول بملل :
- تمام ياكريم اوعاا عشان ألحق نيرة ونبقا نتفاهم بعدين ، ؤغم إني مش لاقيالك مبرر لعصبيتك دي كلها اكيد محدش هيخاف على نيرة قدي !
تحركت بالفعل وتبعها "سليم" و لكنهما توقفا واحتلت الصدمة ملامحهما حين قال "كريم" بنبرة يشوبها التردد :
- مبرري إني بحب نيرة ، وكنت مستني تخلص السنة دي عشان اطلب ايدها منك !!!
استدارت بجسدها تحملق به بأعين متسعة مذهولة من رغبته التي يفصح عنها لأول مرة معها و هزت رأسها بعدم تصديق بينما تسمر "سليم" يراقب الموقف بذهول وقد أصاب "كريم" التوتر من ظهور الصدمة والرفض على ملامحها و خرجت عن صمتها أخيرًا تسأله بدهشة :
- نيرة عارفة ؟
هز رأسه بالسلب مسرعًا و أردف بقلق :
- لأ أنا مقولتش ليها أي حاجة و مكنتش هقولك بس اللي حصل النهاردة دا مكنتش هتسامحيني عليه إلا لما اصارحك أنا معنديش أي استعداد اخسرك ياسديم ولا أقدر أخسر نيرة والله اللي حصل دا من خوفي عليها ومش عايز منك أي رد دلوقت لما نهدا كلنا نتفاهم !!
ثم تحرك مسرعًا بعد إلقاء قنبلة موقوتة تهدد علاقته بها شخصيًا ، كأنه يخشى أن يحصل على رد فعل معاكس لرغبته أو يخشى الندم على التوقيت الغير ملائم !!!!
تركها في حالة من اللاوعي و الآن فقط شعرت أنها عديمة الخبرات أو غير جديرة بمنصب تولي شئون شقيقتها الصغيرة ، شعر "سليم" بتشتتها و آثر الصمت رغم أن داخله بركان غضب من مطلب هذا الرجل و خاصة بتلك الفترة العصيبة !!!
افترقا عند السيارات و قرر "سليم" متابعتها بالسيارة تخوفًا من شرودها ، دلفت إلى سيارتها حيث كانت تجلس داخلها "نيرة" منتظرة إياها بحزن واضح تحول إلى دهشة حين أدارت "سديم" المحرك و بدأت بقيادة السيارة صامتة دون أن تتفوه بكلمة واحدة بدأت الظنون تتلاعب بها و أردفت بقلق بعد أن امتدت يدها تجاهها ووضعتها فوق كتفها :
- سديم ! أنتِ زعلانة مني ؟!!!
أفاقت على سؤالها و أوقفت السيارة تحدق بملامح شقيقتها بشرود ، ثم سارت بعينيها عليها وعادت إلى وجهها مرة أخرى تهمس داخلها بسخرية لاذعة حزني على حالنا ليس إلا لم تعد شقيقتي صغيرة ولم أبلغ أنا من الكبر ما يؤهلني إلى تلك الأحداث ، لازلت تائهة أضل الطرق بل و اتخبط داخلها ، كيف ارشدك إلى الطريق الصواب إذًا ؟!! حزني على فراق اجباري و حاجتي إلى أعمار إضافية من الخبرات فوق عمري !!! حزني على عجزي لأول مرة أمام أمر يخصك !!! أوصاني أبي كثيرًا تجاهك و أخبرني أن أحسن معاملتك و أودعك ما تتمنيه من مشاعر الدفئ و المحبة لكنه لم يتحدث عن تلك اللحظة المؤلمة لم يخبرني كيف أُحسن التصرف بتلك اللحظات ، لم يُخبرني عن هذا الشعور الذي صار رفيق اجباري داخل دربي ، شعور الخوف القاتل تجاهك و تجاه جميع ما يخصك !!!!
كبحت "سديم" جماح دموعها و هزت رأسها بالسلب تهمس لها بألم شديد :
- لأ أنا موضوع آسر بس شاغلني !
عضت "نيرة" على شفتيها و أردفت بتعاطف شديد :
- لسه بتفكري تسيبيه برضه ؟
صرفت عينيها عنها ثم أردفت بهدوء موضحة موقفها :
- أيوا مفيش حاجة هتتغير يانيرة ، بالعكس احنا هنروح ناخد حاجتنا ونمشي دلوقت أنا مش هقدر اعيش مع السر دا وأنا مخبياه عنه !!!!
نكست "نيرة" رأسها تهمس بنبرة مختنقة متألمة:
- كل دا حصل بسببي لو مكنتش روحت من نفسي مكنش حصل كل دا ، بس أنا كنتِ عاوزاكِ تكملي معاه عشان بيحبك !
ظهرت بسمة شاحبة فوق شفتيها ثم اعتدلت و جذبتها بلطف إلى أحضانها تربت فوق خصلاتها و تهمس لها بحب :
- ياريت كل اللي في حياتي زيك يــانيـرة !!! متقلقيش عليا هبقا تمام !!!
تابع "سليم" الحركة مرة أخرى خلفهم مدهوشًا من عودتهن الآن إلى المنزل و فور أن هبطن من السيارة تحرك تجاه "سديم" و سألها بدهشة بعد أن اختطف نظرة سريعة فوق ملامح "نيرة" الحزينة والتي لا تنم عن خير !!! :
- كنت فاكركوا هتبعدوا شوية لحد ما تهدوا ، جيتي ليه على هنا !!!
وقبل أن تتحدث وتعلن عن رغبتها بالرحيل أردف "يوسف" الذي أتى لتوه و استقر خلفها مباشرة متجاهلًا إياها و موجهًا حديثه إلى ابن عمه :
- سليم لما تخلص معاها ابقى اطلع على الشركة عشان عمك عاصم رجع على هناك لما عرف إن فيه ضيوف هنا !
ثم تركهم و غادر متعمدًا تجاهل نظرات ابن عمه المُردعة لفظاظة كلماته و تصرفه المتعمد تجاه زوجة أخيه مخبرًا إياها أنه يرفض تلك الزيجة قلبًا و قالبًا !!!!
هكذا تكون الحقائق ذنوبها لن تُغتفر و لن يقبل بها أفراد العائلة كزوجة له ، لكن ما طعنها حقًا رؤية نظرات الشفقة للمرة الثانية على التوالي في هذا اليوم داخل عيني شقيقتها لطالما مقتت هذا الشعور المُلبد بالضعف و الهوان ، خرجت عن صمتها و تحركت بخطوات غاضبة خلف "يوسف" ثم أمسكت ذراعه و أوقفته عنوة تردف بسخرية :
- مش مكسوف من نفسك ؟ كنت بتتعامل معايا حلو أوي وأنا نصابة و لما اتجوزت أخوك و بعدت عن القرف دا بقيت نكرة بالنسبالك !!! على العموم لما تتعلم تحكم عقلك و تفكر ابقا ساعتها اتسحب من لسانك واتكلم عني زي النكرة و لحد مايجي وقتها ماتفكرش تتجاهلني أو تتكلم عني يعني من الآخر خليك في حالك طالما مش قابلني كدا و شايفني ضيفة !
عقد حاجبيه و أردف مدافعًا عن حاله بامتعاض :
- أنا مش بعرف اكدب ايوا أنا متضايق منك لأنك خدعتيني ودا حقي وشايف إن حياتنا كانت مستقرة قبل ماتدخليها !!
حاول "سليم" إنهاء العتاب لأنه على يقين أن كلماته بهذا التوقيت سوف تكون بمثابة القشَّة التي قصَمت ظهرَ البعير لذلك أردف بتحذير :
- يوسف مش وقته الكلام دا كفاية اللي حصل الصبح !
رفض "يوسف" تحذيره و أردف بحدة مهاجمًا أفعاله :
- لا ياسليم مش كفاية ، واللي حصل الصبح دا هيتكرر كل يوم وأنتِ عارفة كدا كويس ياسديم ، و مش عيب لما أقولك إن حياتنا كانت مستقرة قبل ماتدخليها ، أنا عمري ماشوفت آسر و بابا بيتخانقوا بالمنظر دا غير لما دخلتي حياتنا لو كنتِ فعلًا عاوزة تبعدي عن القرف دا كنتِ هتبعدي عن العيلة كلها مش تجيبي أختك و تيجي تقعدي معانا و متخيلة إن العيلة هتقبلكم و ترحب بيكِ كزوجة !! أنا أخويا مقاليش أنه هيتجوز بسببك ، لا دا كمان راح واتجوزك رسمي وأنا بتفتجئ زيي زي الغريب !!! متخيلة وصلتينا لفين ؟!!! أنا عمري مابعدت عن أخويا كل الفترة دي غير لما دخلتي حياتنا ، آسر من وقت ماعرفك و هو اتغير للأسوأ و أنا أخوه وبقولك إنك هتظلمي أختك معاكِ بالأنانية دي ، كفاية خسايرنا اللي حصل لعمي بسببك ! ولعلمك آسر نفسه مع الوقت مش هيعرف يتخطى فكرة إنك نصابة ، أراهنك إنه بيحارب نفسه عشان ينسى و بيحارب عيلته ودا برضه بسببك ! فجأة كدا اكتشفتي إنك محتاجة تتوبي لما قابلتي آسر ؟!! و لا يمكن هو اللي غيرك للأحسن زي الأفلام ، احب ابهرك بها إنك عملتي العكس وغيرتيه للأسوأ !! إزاي أصلًا أثق في واحدة اتجوزت بعد موت أمها على طول حقيقي أنتِ عندك قلب زينا ؟!! بتحسي يعني و عارفة إنك خربتي حياتنا كلنا بعملتك السودة ولسه مكملة و تقوليلي بعدت عن القرف ؟!!! مش فارق معاكِ موت أم ولا مستقبل أختك ولا أي حد غير نفسك ، أختك دي كانت فين وأنتِ بتنصبي علينا ؟ كانت قاعدة مع خالك اللي دخلتيه السجن ؟! ولو فعلًا توبتي زي ما بتقولي أنتِ بجد بتحلمي بييت وعيلة مع آسر ؟! حقيقي متخيلة إنك ممكن تبقي أم ؟ هتعلمي ولادك إيه بقا فين المبادئ اللي هتزرعيها جواهم ؟ هتقوليلهم روحوا انصبوا على الناس و بعدها ادخلوا بيوتهم و اتجوزوهم وعيشوا أجمل قصة حب في الدنيا ؟!!!
لم تحرك ساكنًا استقبلت كلماته بصدر غير رحب بل اخترقت خناجر حقائقه صدرها و استقرت داخل قلبها النازف بينما عينيها لم تعكس هذا الألم القاتل و راقبته يتنهد بضيق شديد كأنه شعر بالخجل من صراحته ليُكمل قائلًا بنبرة أقل حدة :
- مكانك مش هنا ياسديم على الأقل دلوقت لو فعلًا بتحبي آسر ابعدي عنه ومتخربيش حياته و تخسريه كل اللي حواليه ، ولعلمك أنا كان قصدي بالضيوف فريدة ، عمي أصلًا ميعرفس إنك اتجوزي ابن أخوه !!
وزع نظراته بين الوجوه حين لم يحصل على رد فعل منها سوى التحديق به بصمت و كأنه يتحدث إلى جماد لكنه شعر بالتوتر حين وجد الدموع تسيل دون توقف فوق وجه شقيقتها وهي تنظر إليه بنظرات محتقنة بالغضب الشديد والكراهية ومن الواضح أنها تلقت تعليمات رادعة بعدم التدخل حيث فرت إلى الداخل بخطوات غاضبة وسريعة متألمة لتلك القسوة التي تواجهها شقيقتها بصلابة و تحدي وكأنها تبارز روحها المهترئة ، بينما تابع "سليم" الموقف بنظرات معاتبة متجنبًا التشاحن مع ابن عمه و إلا أثبت ظنونه تجاه "سديم" وأنها هي من تدفعهم إلى الحرب مع العائلة ، لاعنًا داخله مئات المرات عمه الخبيث القاسي و ساخرًا من نظرة ابن عمه لها رغم أنها تحمل داخلها سر أبيه اللئيم ، وقفت تستمع إلى توييخه اللاذع على عكس طبيعتها وتستمع الآن إلى كلماته المواسية لها حيث قال :
- أنا مش قصدي أجرح فيكِ ولا دي أخلاقي وأنتِ عارفاني كويس ياريت تفكري في كلامي ياسديم ، أنا آسف !
و فر مسرعًا قبل أن ينهش الندم داخله على ما تفوه به أمام شقيقتها و الذي دفعها إلى البكاء قهرًا و المغادرة ، تحرك "سليم" تجاهها و ازدرد رمقه يحاول لملمة شتات أمره و إخراج جملة واحدة على الأقل لكنه عجز و خاصة حين رفعت يديها تجمع خصلاتها و ترفعها إلى الأعلى مثبتة إياها و هي تهمس بهدوء كاشفة عن أفكاره ومتهربة بعينيها الدامعتين منه :
- مقالش حاجة تزعل عشان تحاول تواسيني ، أنا هروح أشوف نيرة ..
أوقفها الحارس الذي أسرع إليها قائلًا وهو يمد يديه إليها بالصندوق الصغير :
- مدام سديم في واحد ساب العلبة دي لحضرتك و قالي إنك طلبتيها من سامح و مشي بسرعة حتى معرفناش نتكلم معاه !
استلمتها منه عاقدة حاجبيها و أمره "سليم" بالمغادرة يتابعها وهي تتجه إلى مقدمة السيارة واضعة فوقها الصندوق تفتحه عاقدة حاجبيها ثم دست يدها داخله و اخرجت هاتف خلوي تعرفه عن ظهر قلب ، إنه هاتف والدتها الذي اهداه لها والدها في آخر احتفال بعيد زواجهم السعيد على حد ظنه ، توترت أنفاسها حين داهمتها تلك الذكرى و صُدمت من حصوله عليه لقد اخبرتها والدتها أنه قد فسد حين وقع داخل المياه و فقدته إلى الأبد لكن ها هي كذبة جديدة و صفعة تتلقاها منها بعد وفاتها فتحت الهاتف و كتبت كلمة السر و كيف تنسى أن والدها الحبيب طالبها باختيار الكلمة حتى تصبح ذكرى سعيدة لديها متعمدًا مشاركتها صغائر الأمور وقد اختارت حينها يوم مولده هو تحديدًا ، رباه !!! قد تحولت تلك الذكرى الآن إلى أتعس لحظات حياتها !!! خاصة حين وجدت الهاتف بحالة جيدة و تم فتحه حين وضعت كلمة السر لتجد إشعار بـرسالة نصية فحواها كالتالي : " من أجمل الحاجات اللي اتعلمتها منك التفاصيل ياسديم !! و حبيت ابعتلك الهدية دي عشان افكرك بأهم درس علمتهولك و بصراحة أنا اتعلمته من نبيلة الله يرحمها لما حبت تجدد الفون بتاعها لأحدث واحد نزل زي صحاب النادي وقالتلي مش عايزة سديم تعرف بكدا و إنها هتقولك إنه اتكسر و اجيبلها أنا الجديد على إنه هدية مني ودا اللي حصل فعلًا بس أنا قولت احتفظ بالقديم برضه و أهو فعلًا طلع مهم ، بصراحة اتصدمت لما لقيت مع الفون دا صورة لروزاليا ورأفت قديمة أوي و شوية ورق كدا يخصها كانت نسياه غالبًا في خزنة شقتها !!! من ضمنهم عقد كدا غريب زي اتفاقية ارتباط هبلة أوي تخيلي بقاا حماكِ المراهق ؟!!! لأ وكمان تواريخ كل الحاجات دي قبل تاريخ ميلاد سيلا بسنتين !!!! أنا صورتلك هنا الورق والصور عشان تصدقي ، يلا متتأخريش عليا في الزيارة ها مين عارف هديتي الجاية هتروح على فين ؟!!!!! "
اتسعت عينيها و اقترب "سليم" منها ينظر إلى ما أظهر الفزع على ملامحها إلى تلك الدرجة ليجدها تنقر عدة نقرات و تفتح صور تخص" رأفت" و" روزاليا " يبدو أنها منذ زمن و عقد غريب الهيئة بخط يد عمه وزع نظراته المصدومة بينها و بين الهاتف بعد أن امسكه و بدأ يعبث بالصور بغضب شديد و يهز رأسه بعدم تصديق ، الصور شديدة البشاعة خاصة أنها تخص عمه و زوجة عمه الآخر بأوضاع رومانسية مخجلة قد تدفعه إلى الغثيان انتفضا معًا حين أتى صوت "آسر" الغاضب من خلفهما يسأل باستنكار :
- دا الموضوع صح بقا ؟ الأمن بيقولي سامح بعتلك هدية و أنتِ خديتها ؟!! أقدر اشوف معاكم الهدية دي ولا مسموح لــسليم بس ؟!!!!!!