اخر الروايات

رواية قطة في عرين الاسد الفصل الحادي والعشرون21 بقلم مني سلامة

رواية قطة في عرين الاسد الفصل الحادي والعشرون21 بقلم مني سلامة 



الحلقة ( 21 )

عاد "مراد" الى بيته واجماً صعد الى غرفته وجلس على الأريكة واضعاً رأسه بين كفيه ومغمضاً عينيه .. ظل جالساً فى مكانه طويلاً الى أن فتح عينيه ونظر الى الفراش أمامه .. بدت تعبيرات الألم على وجهه وهو يتذكر محادثتهما بالأمس واكتشافه الشبه الكبير بينه وبين أخيه .. كان الألم يغمره لشعوره بأن "مريم" ترى فيه أخاه ليس أكثر من ذلك .. فهو بديل حى عن زوجها المتوفى .. ربما لو لم تتحرك مشاعره تجاهها لما أهمه ذلك .. لكن مشاعره تحركت من جمودها واتجهت اليها بشوق .. لتتحطم آماله على صخرة ماضيها .. نهض وغادر الغرفة وكأنه لا يطيق المكوث فيها .. بعدما رحلت عنها.

قامت "مريم" من على الأرض أمام الباب ودخلت الحمام وأخذت دشاً ساخناً وقفت كثيراً تحت الماء الساخن المنهمر على جسدها .. ودت لو يستطيع الماء المنهمر غسل روحها كما يغسل جسدها .. تمنت لو كان للماء قوة لإزاحة ما بها من آلام .. انتهت من حمامها ولفت نفسها المنشفة وتوجهت الى حقيبتها بجوار الباب ودفعتها الى الفراش وفتحتها لتخرج ملابسها .. نظرت بأسى الى الدبلة التى تزين يدها اليسرى .. حاولت نزعها من ذلك الإصبع .. لكنها ما كادت تلمس الدبلة حتى انهمرت دموعها .. وجلست على فراشها تبكى بحرقة .

*******************************************

جلس "مراد" فى حديقة الفيلا شارداً ووجهه يشع حزن وأسى .. اقتربت منه والدته قائله :
- "مراد" صباح الخير .. كنت فين انت و "مريم" خبطت عليكوا كتير الصبح محدش رد فتحت الباب لقيتكوا مش موجودين
لم يلتفت "مراد" اليها ولم يبد اى رد فعل .. راقبته "ناهد" بأعين متفحصه وقالت بشك :
- "مراد" انت كويس ؟
صمت ولم يجيب .. وقفت أمامه لتضطره أن ينظر اليها وسألته بلهفة :
- فين "مريم"
صمت .. طال صمته .. ثم تحدث أخيراً قائلا بصوت هادئ :
- مشيت
قالت "ناهد" بإستنكار :
- يعني ايه مشيت ؟
قال "مراد" بصوت حاول أن يوقف ارتعاشته :
- طلقتها
صمتت "ناهد" تحاول استيعاب صدمتها ثم هتفت قائله :
- طلقتها ؟ .. ليه يا "مراد" .. ليه كده يا ابنى
دمعت عيناها وهى تقول :
- ليه يا "مراد" .. ليه تحرم نفسك منها .. أنا عارفه انك بتحبها .. وهى كمان .......
قاطعها "مراد" بحده :
- وهى كمان ايه ؟ .. ماما "ماجد" كان نسخه منى .. عارفه يعني ايه .. يعني لو حسيتي فى أى وقت ان "مريم" حسه بحاجه نحيتي فتأكدى ان ده بس عشان أنا شكل جوزها .. اللى هو أخويا الله يرحمه
هتفت "ناهد" قائله :
- انت غبي يا "مراد" ؟ .. انت مشوفتش كانت قلقانه عليك ازاى لما تعبت .. قلقت عشان انت شبه أخوك ؟ ولا عشان كانت خايفة عليك انت ؟
قال "مراد" بحزم :
- مفيش داعى للكلام ده .. انا اتكلمت معاها واتأكدت انها لسه بتحبه .. وانها لو وافقت تستمر معايا فى يوم من الأيام فده هيكون بس عشان أنا شكل أخويا .. ودى حاجة مستحيل أقبلها أبداً
قالت "ناهد" بأسى :
- وهى فين دلوقتى ؟
قال "مراد" بصوت مرتجف :
- فى بيتها .. وصلتها بعد ما روحنا للمأذون
قالت "ناهد" بحنق وهى تنصرف :
- غلطان يا "مراد" .. غلطان أوى وبكرة تندم انك سيبتها تضيع من ايدك

****************************************
قال الظابط للمحامى "حامد" :
- خلاص القضية شكلها هتتحول للنيابة
قال المحامى بسرعة :
- مفيش قضية ولا حاجة يا حضرة الظابط .. اللى قالته مدام "مريم" ده افتراء على "حامد" بيه وبلاغ الأستاذ "مراد" بلاغ كيدي .. وعملوا فيلم خطف أخته عشان يداروا على البلاغ اللى قدمناه فى أستاذ "مراد" وفى تهجمه على "حامد" بيه فى شركته وضربه والتسبب فى تكسير أسنانه ومعانا تقرير بحالته الصحية بعد الضرب وكل ده قدمناه لحضرتك
قال الظابط :
- جميل بس دول كدة قضيتين مش قضية واحدة وبلاغين مش بلاغ واحد يعنى كل قضة هتمشى فى اتجاه
قال المحامى :
- ان شاء الله هخلى حضرتك تتأكد انه بلاغ كيدي وان مفيش داعى نوصله للنيابة وتبقى قضية .. بعد اذنك

****************************************

توجه "مراد" الى شركته وكأنه يتحرك آلياً .. لم يستطع التركيز فى أى شئ .. ظل عقله منشغلاً بها .. وفى شعوره تجاهها .. تُرى أيستطيع نسيانها كما لو أنها لم تدخل حياته قط .. تُرى أيستطيع تحمل فراقها .. قاطعه عن الإسترسال فى تلك الأفكار دخول "طارق" المكتب وهو يقول :
- "مراد" فى ايه بينك وبين "حامد" بالظبط ؟
قال "مراد" بإستغراب :
- ليه بتسأل
قال "طارق" بإستنكار :
- لانى عرفت انه مقدم فيك بلاغ بيتهمك فيه انك اعتديت عليه فى مكتبه وضربته .. ده تلفيق مش كده ؟
قال "مراد" ببرود :
- لا .. كلامه مظبوط .. ده حصل فعلاً
قالت "طارق" بدهشة :
- ليه عملت كده يا "مراد" .. ليه ضربته ؟
قال "مراد" بضيق :
- موضوع خاص يا "طارق" مش هقدر أحكيه .. وممكن لو سمحت تسيبنى دلوقتى .. بجد تعبان ومش قادر أتكلم فى حاجة
نظر اليه "طارق" بقلق قائلاً :
- مالك يا "مراد" فى ايه ؟ .. فى حاجة حصلت ؟
قال "مراد" وهو يزفر بضيق :
- لا مفيش .. أنا كويسه
قال "طارق" بشك :
- مش باين كده خالص
ثم قال :
- فى ايه قولى يمكن أقدرأحل مشكلتك
قال "مراد" بشرود وهو يمسك قلمه يقلبه بين يديه :
- أنا طلقت مراتى
هتف "طارق" بدهشة :
- ايه بتقول ايه ؟ .. طلقتها ؟ .. ليه ؟
نظر اليه "مراد" ببرود قائلاً :
- ايه اللى ليه .. طلقتها .. أصلاً جوازنا كان مؤقت أنا قولتلك كده من زمان
قال "طارق" وهو يتفحص وجه "مراد" جيداً :
- أيوة فعلاً قولتلى كده .. بس أنا حسيت انك ابتديت تميل ليها
قال "مراد" بعند وهو يمسك قلمه ويتظاهر بالإنشغال فى مطالعة الأوراق التى أمامه :
- لا .. احساسك غلط
صاح به "طارق" :
- حرام عليك يا "مراد" ليه بتعمل كده فى نفسك .. قولتلك متخافش منها .. دى مش ممكن تجرحك
صاح به "مراد" بعنف :
- انت مش فاهم حاجة يا "طارق"
قال "طارق" بحده :
- طيب فهمنى .. فهمنى يا "مراد"
قص عليه "مراد" ما حدث بينهما ليلة أمس .. ران الصمت الى أن قطعه "طارق" قائلاً :
- انت واثق ان مشاعرها نحيتك بس عشان انك شبه أخوك الله يرحمه
قال "مراد" بألم :
- أيوة واثق
ثم قال بتهكم :
- ده غير طبعاً موضوع اعاقتى اللى هى لسه متعرفوش .. وأنا واثق انها لو كانت وافقت تعيش معايا رغم رجلى المبتورة فده بس هيكون عشان أنا شبه "ماجد" وبفكرها بيه .. أنا مش ممكن أستحمل ده أبداً .. لأنى .......
صمت "مراد" ولم يكمل .. فقال "طارق" مكملاً كلامه :
- لأنك بتحبها مش كده ؟
لم يتحدث "مراد" لكن عيناه فضحت كل شئ .. تنهد "طارق" قالاً :
- فكر تانى يا "مراد" .. يمكن تكون هى كمان بتحبك
قال "مراد" بسخريه وفى عينيه نظرة ألم :
- هى فعلا بتحبنى .. بتحب ملامحى اللى بتفكرها بحبيبها .. مش أكتر من كده
نظر "طارق" الى "مراد" بأسى وهو يشعر بالحزن من أجله

*************************************************
نامت "مريم" على فراشها بعدما أرهقها كثرة البكاء .. استيقظت وهى تشعر بالوهن فى جسدها كله .. نظرت حولها لتجد نفسها فى غرفتها .. تمنت لو كان ما مرت به بالأمس مجرد حلم .. لكن هيهات .. توضأت وصلت وجلست تستغفر الله عز وجل

عاد "مراد" الى بيته فى المساء وتوجه الى غرفته دون أن يتحدث مع أحد .. راقبته أمه وهو يصعد الى غرفته بأعين ممتلئة بالحزن والحسرة .. دخل "مراد" غرفته وأغلق الباب .. ظل يتطلع الى كل شئ فيها .. كل شئ يذكره بها .. سريره الذى نامت عليه "مريم" .. وعلى تلك الأريكة كانت تجلس حامله حاسوبها على قدميها .. وتلك الشرفة كانت تقضى فيها الساعات مستندة الى سورها .. توجه الى الدولاب لإحضار ملابسه فتح الدولاب ليجد الرف الذى كان مخصص لـ "مريم" فارغاً الا من الملابس التى اشتراها لها "مراد" .. حمل تلك الملابس بين ذراعيه وتوجه بها الى فراشه يجلس عليه .. أخذ يتحسس ملابسها وكأنه يفرغ بها شوقه الى "مريم" قرب تلك الملابس من وجهه ليتشمم رائحتها .. شعر بالألم فى قلبه .. تُرى ماذا تفعل الآن ؟ .. هل حزنت لفراقه ؟ .. هل هى بخير؟ .. هل تحتاج لشئ ؟ .. هل هى بمأمن فى هذا البيت بمفردها ؟ .. هل تشعر بالوحدة ؟ .. هل تتمنى العودة ؟ .. هل تتطلع الى صور "ماجد" وخطاباته بعدما مزق "مراد" الحبل الذى كان يكتف به يديها ؟
شعر وكأنه سيجن لعدم استطاعته ايجاد اجابات لأى من اسئلته .. شعر بحنين جارف اليها .. أمسك هاتفه وأغمض عينيه .. تمنى لو استطاع الإتصال بها .. وسماع صوتها الذى افتقده .. والإطمئنان عليها .. لكنه لم يستطع .. لم تعد تحل له .. ولا هو يحل لها .

************************************************
قالت "سارة" بحزن شديد :
- مش قادرة أصدق ان "مراد" طلق "مريم" وانها خلاص معدتش هتعيش معانا تانى
قالت "نرمين" بحنق :
- مش فاهمة ازاى يعني ده حصل فجأة .. يعني المشكلة بينهم ظهرت فجأة وكبرت فجأة لدرجة انه يطلقها .. وايه دى المشكلة اللى تخلى "مراد" يطلق "مريم"
كانت "ناهد" تستمع الي حديثهما فى صمت .. فقالت "سارة" موجه حديثها اليها :
- ماما .. "مراد" مقالكيش ايه سبب طلاقهم
تنهدت "ناهد" قائله :
- دى حاجة تخصهم يا "سارة"
قالت "نرمين" بحده :
- بس احنا برده من حقنا نعرف .. ليه يحرمنا من "مريم" .. والله عمره ما هيلاقى زيها
قالت "سارة" بحزن :
- يمكن هى اللى سابته يا "نرمين"
قالت "نرمين" بدهشه :
- ليه يعني ايه اللى يخليها تسيب "مراد"
قالت "سارة" فى حيرة :
- مش عارفه .. بس شوفتى "مراد" عامل ازاى .. قافل على نفسه ومبيكلمش حد .. لو هو اللى طلقها بمزاجه ايه اللى يخليه يضايق كده
قالت "نرمين" بتصميم :
- خلاص نكلم "مريم" ونحاول نصلح بينهم
تدخلت "ناهد" قائله :
- ملكوش دعوة باللى بين "مراد" و "مريم" مش عايزة حد يتدخل لو سمحتوا .. انتوا متعرفوش حاجة

********************************************
أمسك "سامر" هاتفه وهو ينظر اليه فى تبرم ثم رد قائلاً :
- أيوة يا "سهى"
قالت "سهى" بلهفة وكأنها لا تصدق أنه أخيراً رد عليها :
- "سامر" أخيراً رديت
قال ببرود :
- كنت مشغول .. خير فى حاجة
قالت برجاء :
- عايزة أتكلم معاك شوية
- اتفضلى سامعك
قالت "سهى" بصوت حزين :
- "سامر" أنا بس عايزة أسألك انت ليه لعبت بيا كده .. ليه عملت كده واقنعتنى ان ده جواز وحلال وانك هتتقدملى لما مشاكلك فى البيت تتحل .. ليه عملت كده ؟
قال "سامر" بنفاذ صبر :
- بصى يا "سهى" انتى كنتى واحدة ساذجة أوى وسهله أوى .. بجد .. وانتى غلطانه زيي زيك لانك كنتى متساهله معايا حتى من قبل ورقة العرفى
قالت "سهى" بأسى :
- بس يا "سامر" انت وعدتنى انك تتجوزنى وقولتلى انك بتحبنى ومش هتسيبنى أبداً
قال "سامر" بضيق :
- الوضع اتغير
- ايه اللى اتغير يا "سامر" ؟ .. طيب انت ليه مش عايز تتجوزنى .. خلاص يعني معدتش بتحبنى
قال "سامر" بهدوء :
- بصراحة ومن الآخر عشان منتعبش بعض .. مش ممكن أتجوزك يا "سهى" .. مش ممكن أثق فيكي أبداً
قالت وهى تحاول أن تتمالك نفسها :
- ليه يا "سامر" ليه متثقش فيا ؟
قال "سامر" :
- لانك خنتى ثقة أهلك فيكي أضمن منين انك بعد الجواز متخنيش ثقتى فيكي يا "سهى" .. أضمن منين انك متكونيش سهلة مع غيري زى ما كنتى سهلة معايا
لم تستطع التحمل ولا التظاهر بالتماسك أكثر فأجهشت فى البكاء وتعالت شهقاتها قائله :
- بس انت عارف انك أول راجل فى حياتى
قال بنبره منخفضه :
- بردة مستحيل أثق فيكي
مرت فترة لا يُسمع فيها الا صوت شهقاتها الى أن قالت بحزم :
- دى مش غلطتك لوحدك .. دى غلطتى أنا كمان .. زى ما انت قولت أنا كنت سهله أوى .. من قبل حتى الورقة اللى كتبناها .. وكان لازم دى تكون نهايتي .. أنا خلاص معدتش هطلب منك حاجه .. أنا هطلب من اللى أكبر منك ومن اللى أقوى منك .. آسفة طلبت الرقم غلط
قالت ذلك ثم أنهت المكالمة .. أغلق "سامر" هاتفه وهو يحاول أن يخمن معنى كلماتها

**********************************

جلس "مراد" فى مكتبه يمسك أحد الكتب بيده لكن عيناه زائغة فى فراغ الغرفة .. أذهله هذا الشعور بالحنين الذى شعر به منذ أن رحلت عن البيت .. طوال الإسبوع وهو يشعر وكأنه فقد جزء من روحه .. جزء من نفسه .. حاول كثيراً أن يعود "مراد" القاسى متحجر القلب كما كان لكن هيهات .. القلب الذى دق من جديد لم تكفى قوته لإخماده واسكاته مرة أخرى .. أكثر ما كان يؤلمه هو رغبته فى الإطمئنان عليها .. لو علم فقط أنها بخير وسعيدة فى حياتها لربما ارتاح قلبه قليلاً وخف عذابه .. لكن عدم معرفته بحالها كاد أن يصيبه بالجنون .. أخذ يفكر فى آخر محادثة بينهما .. وفى كلماتها عن "ماجد" .. وعن الحب الكبير الذى جمعهما .. وعن ذكرياته التى تحملها له فى قلبها .. وعن كونه كان الحضن الدافئ لها بعدما فقدت كل عائلتها .. كان الدعامة التى ارتكذت عليها ومنعتها من الإنهيار .. كان يملء فراغ وحدتها القاتله .. أخذ يقارن بين ما فعله هو وما فعله أخوه .. هو تركها فريسة للوحدة .. طردها من بيته وأرغمها على البقاء فى عزلتها .. حرمها من صحبة أمه وأخواته وهو واثق تمام الثقة أنها أحبتهم حباً خالصاً من قلبها .. تركها فى بيتها بمفردها وهو لا يعلم أتخاف من البقاء بمفردها أم انها اعتادت الوحدة .. اتخاف من النوم بمفردها ليلاً .. أتسيطر عليها هواجس بإقتحام لص لمنزلها .. كيف تقضى طلباتها .. كيف تقضى أوقاتها .. رغماً عنه شعر بالخوف يجتاح كيانه .. خوف عليها ومنها .. أراد أن يهرع اليها ويعانقها ويدخلها سجن ذراعيه قسراً وألا يتركها أبداً .. لكنه تذكر كيف كانت تصر على طلب الطلاق .. كيف أوضحت له مدى عذابها بإبتعادها عن ذكريات حبيبها الراحل .. كيف أنها مرغمة على هذه الزيجة وأنها تود الخلاص منها والعودة لبيتها .. اذن فهى سعيدة .. سعيدة بهذا الطلاق الذى أراحها من حمل أثقل كاهلها .. سعيدة لأنها تخلصت منه ومن كل ما يمت له بصله .. لكن لماذا لم يرى السعادة فى عينيها وهما ذاهبان للمأذون .. لماذا لم ير تلك السعادة بعد أن ألقى على مسامعها كلمة الطلاق .. لماذا لم يرى تلك السعادة على وجهها وملامحها وفى عينها وهو يودعها أمام باب بيتها .. إن كانت سعيدة حقاً لماذا لم يبدو ذلك عليها !!

**********************************************

جلست "مريم" على أريكتها تشاهد التلفاز .. شعرت بألم فى بطنها فتذكرت بأنها لم تتناول شيئاً منذ يومين .. قامت بتكاسل الى المطبخ وفتحت الثلاجة لتجدها فارغة .. تذكرت أن طعامها نفذ ونسيت أن تشترى ما تسد به جوعها .. ذهبت الى غرفتها وارتدت ملابسها بآليه وكأنها آله نفذ منها الوقود وتحتاج اليه فقط لتستمر فى العمل .. بلا أى شعور بالإستمتاع .. ولا بالحياة
أوقف "مراد" سيارته على بعد عدة أمتار من بيتها .. أوقف عمل المحرك ورفع رأسه لينظر الى شرفة بيتها المظلمه .. نظر الى الشباك المجاور للشرفة ليجد النور مضاءاَ .. اذن فهى فى البيت .. تُرى ماذا تفعل الآن .. لا يعلم لماذا جاء هنا .. وماذا يفعل هنا .. وماذا يريد .. كل ما يعلمه هو أنه شعر أنه يجب أن يكون هنا .. حيث هى .. لا يراها لكنه يشعر أنه بالقرب منها .. وهذا الشعور يريح قليلاً قلبه المكلوم .. لم يصدق عينيه وهو يراها تخرج من بوابة البيت .. ظن بأنها هلاوس بصرية من كثرة تفكيره بها .. لكن دقق النظر ليجدها هى .. "مريم" .. ترى أيتخيل أنها فقدت وزنها أم أنها ضعفت بالفعل .. كانت واجمة تنظر يميناً ويساراً لتعبر الطريق ونظرة حزن عميقه فى عينيها .. شعر وهو ينظر اليها بمدى شوقه لرؤيتها .. للحديث معها .. حتى ولو كان شجاراً .. حتى ولو كان صراخاً .. افتقد صوتها افتقد عينيها افتقد ابتسامتها التى قلما رآها .. عبرت الطريق لتتوجه الى السوبر ماركت أمامه .. أدار المحرك ورجع بسيارته الى الخلف ليخفيها خلف سيارة أخرى مرصوصه على جانب الطريق .. راقبها وهى تخرج من السوبر ماركت وهى ترقب الطريق مرة أخرى لعبوره .. ود لو خرج من سيارته وتوجه اليها .. لكن بأى صفة سيتحدث معها .. وماذا سيقول لها .. قبل أن تهم بدخول البوابة أوقفها رجل ما .. ظل "مراد" ينظر اليهما بإمعان محاولاً معرفة ما يحدث .. بالطبع لم يسمع الحوار الدائر بين "مريم" والرجل الذى قال لها :
- لو سمحتى يا آنسه تعرفى فين صيدلية ......
قالت "مريم" بهدوء وهى تشير بيدها لتريه الطريق :
- أيوة حضرتك ادخل الشارع ده وبعدين ادخل أول يمين
قال الرجل لها شاكراً :
- متشكر أوى
شعر "مراد" بالغيرة والغضب بداخله لحديثها مع رجل آخر .. كان من الواضح أنها تصف له طريق شئ ما .. ولم تتحدث الا لثوانى معدودة .. لكنه شعر بالغيرة الشديد لان حتى تلك الثوانى هو محروم منها .. دخلت البيت وأنظاره مثبتته عليها الى ان اختفت

************************************

عاد "مراد" الى بيته فخرجت "ناهد" من غرفة الجلوس تستقبله بعدما سمعت صوت السيارة .. عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ببرود :
- ان شاله تكون مبسوط ومرتاح
نظر "مراد" اليها شذراً .. فقالت :
- هتتعشى ولا زى كل يوم ؟
قال "مراد" ببرود :
- مليش نفس
قالت "ناهد" بحنق :
- والله .. ليه .. انت مش عملت اللى انت عايزه وارتحت
قال "مراد" بحده :
- عملت اللى هى عايزاه مش اللى أنا عايزه
هتفت "ناهد" غاضبه :
- بص يا "مراد" أنا ليا عينين بشوف بيهم وبحس باللى أدامى ده غير ان ميفهمش الست الا الست .. "مريم" كانت ابتدت تحس بحاجه نحيتك بس باللى انت عملته ده هديت كل حاجه
صمت "مراد" وهو غير مقتنع بكلام أمه فأكملت قائلاً بحزن :
- بالله عليك مش صعبانه عليك .. دى يتيمه ولوحدها .. كانت عملالك ايه يعنى .. كانت مضايقاك فى ايه .. دى يا حبيبتى مكنش حد بيحس بوجودها .. ومكنتش بتضايق حد .. والبنات حبوها أوى وهى كمان كانت بتحبهم أوى .. سايبها تعيش لوحدها ليه .. ما كانت عايشة وسطنا يا "مراد" ..
انهت كلامها والدموع فى عينيها .. شعر "مراد" بقلبه ينزف دماً وقال بصوت مضطرب :
- مكنش ينفع الوضع يستمر كده .. هى برده من حقها تعيش حياتها مع الراجل اللى تختاره .. مش جوازه مفروضه عليها
قالت "ناهد" بحزن :
- طيب لو سمحت خدنى ليها بكرة عايزه أزورها .. موبايلها مقفول من ساعة ما سابت البيت .. غلبت مكالمات ليها ورسايل بس شكلها مش بتفتحه خالص .. وقلبي واجعنى عايزة أطمن عليها
قال "مراد" بصوت خافت :
- متقلقيش هى كويسة
قالت "ناهد" وهى تنظر اليه بتمعن :
- عرفت منين ان هى كويسة ؟
قال "مراد" وهو يتحاشى النظر اليها :
- لسه شايفها من شوية
قالت أمه بدهشة :
- شايفها فين ؟
قال "مراد" بضيق :
- شايفها أدام بيتها
رفعت "ناهد" حاجبيها بدهشة وقالت بتهكم :
- وانت ان شاء الله ايه اللى موديك نحية بيتها ؟ .. صدفة ولا الهوا رماك ؟
نظر اليها "مراد" بحدة ثم توجه الى السلم ليصعد الى غرفته و"ناهد" ترمقه بغيظ

*******************************************

هتف "حامد" بفرحه :
- المعلومات دى أكيده ؟
قال المحامى الخاص به مبتسماً :
- طبعاً أكيده يا "حامد" بيه هو أنا عمرى قولتلك حاجة وطلعت غلط
ضحك "حامد" ملء فمه وهو يقول :
- يعني عايشة لوحدها وملهاش حد لا أب ولا أخ ولا أى حد وكل أهلها فى الصعيد وسايبنها هنا لوحدها وكمان "مراد" طلقها من 10 أيام .. حلو أوى أوى أوى
ابتسم المحامى قائلاً :
- ناوى على ايه يا باشا ؟
قال "حامد" بخبث وابتسامته تملء وجهه :
- ناوى ألعب على المكشوف مادام القطة معدتش فى حماية الأسد

******************************************
- طلبين مدام "مريم" تانى فى القسم
قال محامى "مراد" هذه العباره فأجابه "مراد" على الهاتف بحنق :
- وليه عايزنها تانى هى مش خلاص قدمت شهادتها
قال المحامى :
- محامى "حامد" بيقول انك انت اللى خليتها تشهد وتقول الكلام ده وانها كانت خايفة منك وعشان كده قالته بس هى دلوقتى اطلقت ومعدتش خايفة منك وهتغير أقوالها
قال "مراد" بغضب وضيق :
- وهما لحقوا عرفوا اننا اطلقنا
قال محاميه :
- أكيد طبعاً ما هيصدقوا يمسكوا فى أى حاجة
قال "مراد" بضيق :
- مش عايزها تدخل القسم تانى .. حاول تشوف حل تانى
قال المحامى :
- لو كان فى مكنتش اتاخرت ..بس طلبين يسمعوا شهادتها تانى
زفر "مراد" بضيق وقال :
- طيب أنا هتكلم معاها .. امتى تروحلهم ؟
قال المحامى :
- طلب الاستدعاء خلاص طلع يعني المفروض تروح من بكرة
قال "مراد" :
- طيب خلاص هبلغها
حاول "مراد" الاتصال بها دون جدوى .. كان هاتف "مريم" مغلق .. حمل نفسه الى سيارته وتوجه الى بيتها .. طرق الباب عدة طرقات قبل أن يسمع صوتها من خلف الباب :
- مين ؟
صمت لحظة ثم قال:
- "مراد"
ارتجف قلبها وهى تسمع صوته .. تسمرت مكانها للحظة وهمت بان تفتح الباب .. لكنها تذكرت أنه لم يعد يحل له رؤية شعرها .. أصبح كالغريب تماماً .. ارتدت اسدالها وفتحت الباب .. وقع نظرها على صفحة وجهه .. شعرت بإشتياق شديد لتلك الملامح التى افتقدتها .. ذكرت نفها بأنه رجلاً غريباً عنها لم يعد يحل لها النظر اليه هكذا فأشاحت بوجهها .. تأملها "مراد" للحظة ثم خفض بصره قائلاً :
- انتى كويسه ؟
قالت بصوت منخفض دون أن تنظر اليه :
- الحمد لله
صمت كلاهما .. قالت بإضطراب وهى تتطلع الى أعلى السلم :
- لو سمحت مينفعش وقفتنا كده .. انا عايشه لوحدى
آلمه كلامها الذى ذكره بأنه لم يعد يحل له منها شئ .. أى شئ .. فقال بهدوء :
- أنا جيت بس أعرفك انهم محتاجين شهادتك تانى فى القسم
نظرت اليه "مريم" قائله :
- أنا افتكرت خلاص مش هروح تانى الا لو القضية وصلت للمحكمة
قال "مراد" بأسف :
- أنا كمان كنت فاكر كده .. بس محتاجين يسمعوا أقوالك تانى
أومأت برأسها قائله :
- مفيش مشكلة .. أروح امتى
قال "مراد" :
- بكرة ان شاء الله .. ومتروحيش لوحدك أنا هاجى آخدك
نظرت اليه "مريم" بتحدى قائله :
- شكراً يا أستاذ "مراد" .. أنا هروح لوحدى
رمقها "مراد" بنظرات نارية وهو يسمع منها كلمة "أستاذ" .. فقال بحنق :
- مش هتعرفى الطريق
قالت بعند :
- لا هعرف أنا مش صغيره وبقالى أكتر من 3 سنين عايشة لوحدى
ثم قالت بتحدى :
- يعني أقدر أتصرف كويس ومش محتاجه لحد يساعدنى فى حاجه
تطلع اليها "مراد" وقد ألجمه كلامها فتمتم بحزم وهو يغادر :
- براحتك .. ياريت تروحى على الساعة 10
قالت ببرود :
- هكون هناك فى المعاد
ألقى عليها نظرة ثم توجه منصرفاً .. أغلقت "مريم" الباب لتتحول نظرتها المتحديه الى نظرة حزن .. دخلت غرفتها وجلست على فراشها واجمة .. مازالت تشعر بخفقات قلبها التى تسارعت منذ أن سمعت صوته .. كانت تشعر بالضيق الشديد .. ضيق من نفسها .. أخفت وجهها بين كفيها وهى تسأل نفسها بحده .. ماذا يحدث لكِ يا "مريم" .. لماذا تشعرين بالضيق كلما ابتعد وبالأمان كلما رأيتيه .. هو أخو زوجك .. اخو حبيبك .. أفيقي يا "مريم" .. "مراد" أخو "ماجد" ..
قبل الفجر بعدة ساعات قامت من نومها فزعة .. شعرت شئ ثقيل يجثم على صدرها يخنقها تذكرت كلماتها لـ "سهى" وهى تذكرها بأن الله عز وجل يتجلى فى السماء الدنيا فى الثلث الأخير من الليل ليستجيب لدعاء من يدعوه ويفرج كرب من يلجأ اليه .. تذكرت الآية التى تقول " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " .. استغفرت ربها ونهضت من فراشها بحماس توضأت ووقفت بين يدى الله تبث له شكواها وتناجيه كانت تردد كثيراً :
- يارب أنا مش عارفه أنا عايزه ايه ولا عارفه ايه اللى يريحنى يارب انت عالم بيا أكتر من نفسي يارب ريحنى
ظلت تبكى كثيراً فى سجودها وجسدها يرتجف بشدة .. انهت صلاة الفجر وهى تشعر بأن قواها قد خارت تماماً نامت على الأرض حيث هى فوق سجادة الصلاة .

***************************************
قال أحد رجال "حسن المنفلوطى" بثقه :
- أيوة طبعا متأكد يا "حسن" بييه .. "خيري السمري" مات ومعندوش الا بنت واحدة .. و"خيري الهواري" مات وعنديه ولدين واحد مات والتانى لساته عايش
ابتسم "حسن" بتشفى وعياه تضيقان خبثاً هو يقول :
- وهيحصل أخوه جريب جوى
ثم التفت الى الرجل قائلاً :
- عايزك تجبلى كل المعلومات عن ابنه .. كل صغيرة وكبيرة لازمن أعرفها .. فاهم
قال الرجل بحماس :
- فاهم يا "حسن" بييه .. هعرفلك كل حاجه عنه .. انت تأمر يا "حسن" بييه المهم انت تبجى راضى عنينا
ابتسم "حسن" وهو يربت على رأس الرجل قائلاً :
- حلاوتك محفوظه متجلجش

**************************************

سمعت جارة "مريم" التى تسكن تحتها طرقات فى الصباح الباكر .. فتحت الباب بحذر لتجد رجلاً لا تعرفه فقالت :
- خير يا ابنى فى حاجة
قال الرجل وهو يلقى نظرة من فوقها على البيت من الداخل :
- هى مش مدام "مريم" ساكنه هنا
قالت المرأة وهى تنظر اليه وتضيق عينيها بسبب ضعف بصرها وهى تحاول تبين من هو وماذا يريد :
- أيوة ساكنه هنا بس فى الشقة اللى فوقى على طول
قالى وهو يهم بالصعود :
- شكراً يا حجه
نظرت اليه المرأة وهو يصعد وقالت بفضول :
- انت مين يا ابنى ؟
التفت اليها ورسم ابتسامه على شفتيه قائلاً :
- أنا من طرف أستاذ "مراد" .. طليقها
صعد وترك المرأة فاتحة فمها دهشة .. ثم قالت لنفسها:
- طليقها !

انتهت "مريم" من ارتداء ملابسها وهمت بحمل حقيبتها للذهاب الى قسم الشرطة كما وعدت "مراد" بالأمس .. عندما سمعت طرقاً على باب شقتها .. اقتربت قائله :
- مين ؟
سمعت صوتاً يقول :
- أنا سواق أستاذ "مراد" باعتنى عشان أوصل حضرتك بالعربية
شعرت بالحنق .. لماذا لا يتركها وشأنها .. لم يعد لها حقوق عليه .. وليس ملزماً بإرسال سيارته الخاصه لإحضارها .. فتحت الباب وقالت للرجل :
- ثانية واحدة هجيب شنطتى
التفتت لتحضر حقيبتها .. لكنها شعرت بالرجل يطوقها بذراعه من الخلف .. وقبل أن تصرخ كتم فمها بقطعة قماش موضوع عليها أحد أنواع الأدوية المخدرة .. لحظات وفقدت وعيها .. حملها الرجل ونزل بها مسرعاً بمجرد أن خرج من البوابة أخذ يصرخ فى المارة قائلاً :
- حد يفتحلى باب العربية بسرعة .. البنت أغمى عليها وجتلها غيبوبة سكر
قال أحد المارة :
- لا حول ولا قوة الا بالله
قام أحد المارة على الفور بفتح المقعد الخلفى للسيارة
تمتم آخر :
- بسرعة يا ابنى على أقرب مستشفى
وقال آخر :
- لا حول ولا قوة الا بالله شكلها صغير .. استر يارب
صعد الرجل بسرعة خلف المقود وانطلق بالسيارة وبصحبته "مريم" فاقدة الوعى على المقعد الخلفى

***********************************
ظل "مراد" ينظر الى ساعته وهو ينتظر "مريم" أمام قسم الشرطة .. على الرغم من طلاقهما مازال يشعر بداخله أنها ملزمة منه .. وكأن شئ خفى يربطه بها .. شئ أقوى من الكلمة التى قالها لتقطع أى وصال بينهما .. حاول الاتصال بها لكن كالعادة هاتفها مغلق .. زفر بضيق قائلاً :
- افتحيه بأه
زاد قلقه عندما ازداد تأخرها .. ركب سيارته وتوجه الى بيتها .. ظل يطرق الباب كثيراً دون رد .. حاول الاتصال بها دون جدوى .. ظل يفكر .. معقول أنه جاء من هنا لتذهب هى من هنا .. لكنه شعر بشئ ينبئه بأن مكروهاً قد حدث .. سمع من الأسفل امرأة تقول :
- مين ؟ .. انت عايز مين ؟
نزل "مراد" ليجد الجارة التى تحدثت معها "مريم" من قبل فقال لها بلهفه :
- متعرفيش هى "مريم" فين ؟ .. بخبط عليها ومحدش بيرد
قالت المرأة وهى تنظر اليه وتدقق نظرها :
- آه فى راجل خبط عليها من ساعتين كده وقال انه من طرف طليقها
قال "مراد" بإهتمام :
- طليقها ؟ .. راجل ؟ .. قال ايه بالظبط ؟
قالت المرأة وهى تحاول التذكر :
- قال انه من طرف واحد اسمه "مراد" وانه طليقها .. أنا اصلا مكنتش أعرف انها اتجوزت تانى
فجأة اتسعت عينا المرأة وهى تنظر الى "مراد" وتقرب وجهها منه قائله بفزع :
- بسم الله الرحمن الرحيم .. مش انت "ماجد" اللى مات
قال "مراد" بحنق :
- لا أنا "مراد" .. أخوه
قالت المرأة وهى مازالت مصدومة :
- أخوه .. سبحان الله .. انت أخو جوزها ولا جوزها ولا طليقها ولا ايه بالظبط
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- شكله ايه الراجل ده
قالت الجارة وهى مازالت تتطلع الى وجهه :
- كان شكلك بالظبط سبحان الله
قال "مراد" بضيق :
- مش بتكلم عن أخويا .. يا حجة ركزى .. بتكلم عن الراجل اللى قال انه من طرفى
قالت المرأة وهى تحاول التذكر :
- والله ما أعرف يا بنى مش فاكرة .. أهو جدع كده طول بعرض .. وشكله كده متجوز
نظر اليها "مراد" بغيظ :
- أعمل أنا ايه بمتجوز ولا مش متجوز .. مفيش أى حاجة مميزه فيه ؟
قالت المرأة وهى تفكر :
- حاجة مميزة ؟ .. ازاى يعني .. لا هو كان زى الفل
ثم صاحت بحده :
- وبعدين انت مين عشان تسأل كل الأسئله دى .. أنا ايه يضمنلى ان "مريم" تعرفك وانك طليقها بجد مش يمكن بتضحك عليا
قال "مراد" :
- يا حجه أنا كنت مع "مريم" المرة اللى فاتت لما سلمت عليكي
قالت المرأة بحزن :
- معلش يا ابنى أصلك كنت واقف بعيد وأنا نظرى على أدى
قال "مراد" وهو يعطيها ورقه كتب بها رقمه :
- ده رقمى يا حجة لو "مريم" جت كلميني على طول .. ماشى
قالت المرأة وهى تأخذ منه الورقة وتقول بثقه :
- حاضر يا ابنى ومتقلقش أنا على طول أعدة ورا الباب ومحدش بيطلع ولا بينزل غير لما بعرف
قال "مراد" وهو يرمقها بنظراته :
- ما هو واضح
ثم غادر مسرعاً

***************************************

أفاقت "مريم" لتجد نفسها فى غرفة جيدة الأثاث نظرت حولها فى ريبه ثم انتبهت الى يديها الموثوقتان خلفها وقدميها الموثوقتان .. أخذت تصرخ قائله :
- الحقونى .. الحقونى .. حد يساعدنى
فجأة انفتح الباب ليخد منه الرجل الذى رأته على باب شقتها فأخذت تصرخ فيه قائله :
- أنت ايه اللى انت عملته ده أنا هوديك فى ستين داهية
قال الرجل :
- اهدى يا مدام ثوانى و "حامد" بيه هيجي .. هيتكلم معاكى بس مش أكتر من كده
صاحت بغضب :
- مين "حامد" ده ..وازاى تعمل كده .. انت خطفتنى غصب عنى .. انت ازاى تعمل كده
خرج الرجل دون أن يرد عليها .. حاولت الوقوف لكنها لم تستطع الحركة بسبب قدميها .. جلست على الفراش تتأمل الغرفة وقلبها يخفق بهلع بعد عدة دقائق انفتح الباب ووجدت "حامد" أمامها وخلفه الرجل الذى خطفها .. توجه "حامد" الى مقعد امامها وقال :
- آسفين يا مدام .. بس ملقتش طريقة غير كدة أقدر أتكلم معاكى بيها .. والوقت سرقنى وكان لازم نتكلم قبل ما تروحى القسم
قالت "مريم" بحزم :
- فكنى وسبنى أمشى .. كدة هيبقوا قضيتين خطف مش قضية واحدة
وضع "حامد" ساقاً فوق ساق وأخرج غليونه يشعله وقال بثقه مبتسماً :
- لا ان شاء الله مفيش قضية ولا حاجة
أخذ ينفث دخانه وهو ينظر اليها بجرأة شعرت بالغضب بداخلها .. تحدث أخيراً وقال :
- أنا عرفت حاجات كتير عنك وأهمها ان "مراد" طلقك ورماكى ورجعتى بيتك القديم اللى عايشه فيه لوحدك من يوم ما أهلك ماتوا فى حادثة عربية من 3 سنين
شعرت "مريم" بالدهشة لعلمه بكل تلك التفاصيل عنها فأكمل قائلاً :
- طبعا دى فرصة عشان تنتقمى من "مراد" وترديله القلم
قالت بثقه :
- الطلاق كان بإتفاق بينا .. وان كنت فاكر انى هأذى "مراد" تبقى غلطان
أمر الرجل الواقف بجواره قائلاً :
- فكها
اقتربالرجل منها فشعرت بالخوف .. أخذ يفك قيدها وهى تحاول قدر الإمكان الابتعاد عنه وعدم الإحتكاك به .. قال "حامد" :
- شوفتى أنا طيب معاكى ازاى .. أنا مش عايز أأذيكي .. عايز بس منك خدمة صغيره
قالت بشك وهى تفرق رسغيها بكفيها :
- خدمة ايه
قال "حامد" :
- هتروحى القسم وتقولى ان كل اللى شهدتى بيه قبل كده كلام "مراد" مش كلامك وانك اضطريتى تقولى كده لانه هددك وخوفك .. وممكن كمان تسبكى الحكاية بإنك تقولى ان ده سبب طلاقك منه لانك اكتشفتى انه راجل معندوش ضمير
قالت "مريم" بتهكم :
- بتحلم .. لو فاكر انى هشهد زور يبقى بتحلم .. ولو فاكر انى ممكن أأذى "مراد" يبقى بتحلم
كانت تنظر اليه بثقه شديدة .. ضاق عيناه وهو يقول :
- تقدرى تقوليلى وانتى عايشة لوحدك كده مين اللى هيحميكي منى ؟
شعرت "مريم" بالخوف فأكمل وهو ينظر اليها بشراسه :
- تقدرى تقوليلى ازاى هتحمى نفسك لو بعتلك واحد من رجالتى جوه بيتك يقتلك وانتى نايمة أو يعمل اللى أسوأ من كده ؟
أخافتها نظراته بقدر ما أخافتها كلماته .. قالت بصوت مضطرب :
- ربنا معايا
قال "حامد" بتحكم :
- ممكن أنفذ ده دلوقتى ومستناش انك تروحى بيتك
نظر الى الرجل الواقف بجواره وأشار له بعينه تجاه "مريم" .. أقبل الرجل تجاهها فقامت من مكانها وانذوت فى أحد أركان الغرفة وهى تبكى قائله بفزع :
- حرام عليك اتقى ربنا
التصقت بالحائط خائفة مرعوبة فقال "حامد" للرجل قبل أن يصل اليها :
- استنى يمكن تكون عقلت
ثم التفت الى "مريم" قائلا :
- ها يا قطة عقلتى ولا لسه ؟
قالت وهى تبكى بحرقة :
- حسبي الله ونعم والوكيل فيك انت ايه معندكش ضمير مش خايف من ربنا ؟
قال "حامد" بتهكم :
- أنا قلبي ميت مبخفش من حاجه
قالت "مريم" وهى تنظر اليه بإحتقار :
- فعلاً انت قلبك ميت
أشار "حامد" بعينه الى الرجل ليتقدم بإتجاه "مريم" هم الرجل بلمسها فأنزوت أكثر لتبعد نفسها عنه وهى تصرخ قائله :
- خلاص موافقة
توقف الرجل ونظر الى "حامد" ينتظر اشاره منه فأشار له "حامد" بالتراجع ووقف واقترب من "مريم" قائلاً بحزم :
- خليكي فاكرة يا قطة ان مش "حامد" اللى يضحك عليه .. لو بتقولى كده عشان تخلصى منى وتبلغى عن اللى حصل أول ما توصلى القسم تبقى بتلعبى فى عداد عمرك .. ولو روحتى فين هجيبك يعني هجيبك
ثم قال بشراسة :
- وساعتها مش هعتقك .. فاهمانى .. مش هتعقك
أومأت "مريم" برأسها ودموعها تنهمر على وجهها وجسدها يرتجف خوفاً .. أمسكها "حامد" من ذراعها ليخرجها فجذبت ذراعها بعنف فأشار للباب ساخراً :
- اتفضلى يا مدام المحامى منتظرك تحت عشان يروح معاكى القسم
نزلت "مريم" للدور الأرضى من الفليا وهى تراقب ما حولها .. كان رجلاً فى انتظارهم بالأسفل فقال "حامد" للرجل :
- خلاص مدام "مريم" اعترفتلى بكل حاجة وحابه تريح ضميرها وتقول الحقيقة
ثم غمز لها وهو يبتسم بخبث فأشاحت بوجهها عنه وهى لا تطيق مجرد النظر اليه .. سبقها المحامى الى السيارة وقبل أن تهم بالركوب قال لها "حامد" :
- حفظتى اللى هتقوليه ؟
قالت دون أن تنظر اليه :
- أيوة
قال بنبره محذره :
- أى غلطة عارفه ايه اللى هيحصل
تنهدت قائله :
- عارفه
ركبت مع المحامى فى السيارة التى انطلقت بهما الى قسم الشرطة

************************************************

كاد "مراد" أن يفقد عقله وهو يبحث عن "مريم" اتصل بـ "طارق" قائلاً :
- أرجوك يا "طارق" اتصل بـ "مى" صحبتها يمكن تكون عندها
قال "طارق" :
- حاضر يا "مراد" متقلقش
اتصل "طارق" بـ "مى" التى قالت له بهلع :
- لا مجتش عندى ومتكلمناش مع بعض وأول مرة أعرف بموضوع الطلاق ده
قال "طارق" بقلق :
- ياريت لو كلمتك أو عرفتى أى حاجة عنها تعرفيني لأن "مراد" هيتجنن عليها
قالت "مى" وهى تشعر بالخوف هى الأخرى :
- حاضر بس ياريت لو حضرتك وصلت ليها تعرفنى لأنى أنا كمان قلقانه أوى
قال "طارق" :
- خلاص ماشى اللى يعرف حاجة الأول يكلم التانى

كان "مراد" فى حالة يرثى لها وهو يسير فى الشوارع بسيارته هائماً يبحث عنها بعينيه .. يعلم بأنه لا يستطيع تقديم بلاغ عن اختفائها .. أخذ عقله يفكر بسرعة وهو يحاول أن يجد حلاً .. لا يمكنه الجلوس والانتظار حتى تظهر أو حتى يمر 24 ساعة ليستطيع تقديم البلاغ .. اتصل بأمه فقالت :
- لا مكلمتنيش ولا كلمت حد من البنات .. لا حول ولا قوة الا بالله .. أنا خايفه عليها أوى
قال "مراد" :
- طيب اقفلى دلوقتى ولو كملتك عرفيني
قالت "ناهد" بلهفه :
- ولو عرفت حاجة عرفنى يا "مراد" أنا اعده على أعصابي
كان "مراد" ينهج بشدة وقلبه يخفق بجنون وبهلع .. شعر بغشاوه من العبرات تظلل عينيه وهو يتمتم :
- يارب .. يارب احفظها

*******************************************

وقفت "مريم" خارج مكتب الضابط فى انتظار المحامى .. الذى خرج بعد عدة دقائق واشار لها بالدخول قبل أن تدخل همس فى أذنها :
- "حامد" بيه مستنى تليفون منى
نظرت "مريم" الى المحامى بإحتقار .. كيف يبيع رجل قانون ضميره هكذا .. دخلت "مريم" وجلست وجلست المحامى قبالتها وهو ينظر اليها نظرات ذات مغزى فخفضت بصرها حتى لا ترتطم عيناها بنظراته المهدده .. قال الضابظ وهو يعقد كفيه على المكتب :
- ها يا مدام "مريم" .. محامى "حامد" بيه بيقول انك عايزه تغيري أق
يتبع


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close