رواية قطة في عرين الاسد الفصل الثاني والعشرون22 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 22 )
- مينفعش كده .. لو سمحت اخرج
قال "مراد" بحده :
- بقولك قوليلى اللى حصل
قالت "مريم" بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :
- بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش
أطبق "مراد" على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :
- طيب أنا هخليه ينفع
صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :
- رديتك يا "مريم"
توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :
- أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.
صمتت طويلاً وقد هربت منها الكلمات .. تتطلع الى "مراد" بدهشة .. ويتطلع اليها بنظرات تحاول تفسير معناها .. أخيراً تحدثت وقال بصوت مضطرب :
- ليه .. ليه عملت كده ؟
بدا عليه التوتر .. وكأنه يخفى مالا يريد البوح به .. قال بشئ من العصبية :
- عشان اللى حصل النهاردة .. مش ممكن أسيبك لوحدك
لا تدرى "مريم" لما شعرت بالحنق والغيظ والغضب فصاحت :
- لا متقلقش عليا أنا أعرف أحمى نفسي كويس .. متشكرة أوى
قال "مراد" بتهكم :
- واضح انك بتعرفى تحمى نفسك كويس بدليل انك اتخطفتى النهاردة
امتقع وجهها وقالت بحده :
- ملكش دعوة أتخطف ولا متخطفش
قال "مراد" بغضب :
- مش فاهم انتي عقلك فين عشان تفتحى الباب لراجل غريب متعرفيهوش
قالت "مريم" بإستنكار :
- أنا مبفتحش الباب لحد غريب .. بس هو قالى انه من طرفك وعشان كدة اطمنتله ووثقت فيه وفتحت الباب
ساد الصمت للحظات .. رأت فى عيني "مراد" نظرة غريبة .. تساءلت أعيناه تبتسمان حقاً أم خيل لها .. قال بنبره حانيه :
- يعني معنى كدة انك بتثقى فيا و بتطمنيلى
شعرت بالحرج فأبعدت عيناها عنه وصمتت .. نظر اليها للحظات ثم قال بحزم :
- يلا لمى هدومك عشان هنرجع الفيلا
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه بعناد قائله :
- لا مش راجعه
قال "مراد" بعناد مماثل :
- هترجعى .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤلة منى
صاحت "مريم" بإستنكار :
- أصلاً مينفعش اللى حصل ده
قال "مراد" ببرود :
- هو ايه ده اللى مينفعش ؟
قالت بحده :
- مينفعش انك تردنى كده أصلاً أنا مليش عدة
سألها "مراد" ببرود :
- ليه بأه ملكيش عدة ؟
احمرت وجنتاها وأشاحت بوجهها وعقدت ذراعيها أمام صدرها بغيظ .. فقال "مراد" بحزم :
- أيوة محصلش حاجة بينا بس الناس عارفه انك مراتى وكنتى عايشة معايا فى بيت واحد وفى أوضة واحدة وشرعاً وقانوناً ليكي عدة اسمها عدة احترازية
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت بشك :
- الكلام ده بجد ؟
قال "مراد" بعصبية :
- معتقدش انى هضحك عليكي فى حاجة خطيرة زى دى .. وعامة تقدرى تتأكدى بنفسك من المأذون واحنا رايحينله دلوقتى
قال "مريم" ببرود :
- ما قولتش انك بتضحك عليا .. بس أول مرة أعرف المعلومة دى
ثم قالت وقد انتبهت لكلامه :
- ليه هنروح للمأذون مش بتقول انك كده خلاص ردتنى ؟
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أيوة رديتك بس طالما اطلقنا عند المأذون وطلعنا ورقة طلاق .. يبقى لازم يتثبت انى رديتك عشان اثبات حقوقك .. ممكن بأه تتفضلى تحضرى شنطتك .. مش عايزك تستنى هنا لحظة وعايز أسمع منك اللى حصل بالتفصيل
شعرت "مريم" بالضيق لإضطرارها الى العودة اليه .. خاصة اذا كان السبب الذى جعله يرجعها هو احساسه بالمسؤلية تجاهها لأنها شاهدة فى قضية أخته ليس أكثر من ذلك .. شعرت بالضيق الشديد .. فقالت وهى تعلم أن قولها لن يجدى معه نفعاً :
- انت مش مضطر تعمل كده .. أنا كنت عايشة لوحدى سنين وأقدر ........
لم يدعها "مراد" تكمل كلامها بل توجه من فوره الى غرفتها .. ليجد حقيبتها الفارغة موضوعه بجانب الدولاب أخذها ووضعها على الفراش بعنف وفتح دولابها وأخذ يضع الملابس بداخلها بإهمال .. لحقت "مريم" به وهتفت بإستنكار :
- انت بتعمل ايه ؟
لم يجيبها .. همت بأخذ ملابسها التى يحملها بيديه ليلقيها فى الحقيبة .. فأمسكت بيده دون قصد .. اضطربت .. و اضطرب .. وتلاقت نظراتهما لحظة .. لحظة واحدة فقط لكنها قالت الكثير .. ابتعدت فوراً .. فوضع الملابس فى الحقيبة ببطء وهو مازال يتطلع اليها .. يحاول النفاذ الى أعماقها ومعرفة ما بداخلها .. هم بأن يأخذ كومة أخرى من الملابس لكنها أوقفته قائله :
- طيب هلمهم أنا .. ممكن تتفضل تعد فى الصالون لو سمحت لحد ما أخلص
امتثل "مراد" لما قالت وتوجه الى الصالون وهو يتفحص ما حوله .. جمعت "مريم" أغراضها فى تبرم .. وقفت قليلاً تفكر فيما يصيبها عندما تكون قريبة منه .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وأكملت مهمتها .. خرجت تحمل الحقيبة الثقيلة فبمجرد أن رآها "مراد" هب واقفاً وأخذها منها .. تأكدت "مريم" من اغلاق المحابس والشبابيك وتممت على كل شئ فى البيت ثم نزلت معه الى سيارته .. انطلقا فى طريقهما الى أن أوقف السيارة فى نفس المكان الذى أوقفها فيه منذ ما يقرب من اسبوعين .. نزل والتف حول السيارة وفتح لها الباب .. كانت تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة ونزلت ببطء وهى تشعر أنها تود الهرب من كل شئ .. أتما اجراءات توثيق الزواج .. وانطقا فى طريقهما الى قسم الشرطة
قدما البلاغ واستمع "مراد" الى ما قصته "مريم" على الضابط وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب .. بعدما انتهيا من تقديم البلاغ ركبا السيارة مرة اخرى وانطلق "مراد" بها فى صمت .. تطلعت "مريم" اليه فوجدته غارقاً فى شروده وعلامات الغضب على وجهه .. كانت تشعر وكأن عيناه جمرتا نار .. كان يسير بالسيارة فى سرعة وحركاته تشوبها العصبية .. شعرت بالخوف من أن يتهور ويفعل مالا يحمد عقباه .. رن هاتفه فرد قائلاً:
- وعليكم السلام .. أيوة يا ماما لقيتها .. احنا جايين فى الطريق .. أيوة هى معايا .. هتطلعلك هيا وأنا هروح مشوار وأرجع .. طيب مع السلامة
أنهى المكالمة دون ان ينظر الى "مريم" تزايد خوف "مريم" وقلقها فقالت :
- ليه مش هتروح معايا .. انت رايح فين ؟
التفت ونظر اليها .. متفرساً فيها .. شعرت بالخجل وندمت على تسرعها فى القاء السؤال .. لكنها قالت بقلق :
- بلاش تعمل حاجة غلط .. لو سمحت اوعى تروحله وتضربه تانى
نظر "مراد" أمامه قائلاً بصرامة :
- ده يستاهل القتل مش الضرب
قالت "مريم" بجزع :
- اوعى تقتله هتضيع نفسك
التفت "مراد" اليها يراقب تعبيرات القلق على وجهه قائلاً بتحدى :
- ايه المشكلة يعني لو ضعت .. مالك ومالى .. ايه اللى مخوفك كده
قالت "مريم" بتوتر :
- كدة عشان مامتك واخواتك محتاجينك
تفرس "مراد" فيها فأشاحت بوجهها .. عاد الى النظر أمامه بصمت .. توقفاً عند احدى الإشارات المزدحمة وكل منهما شارداً .. اقترب بائع متجول يحمل عقود طويلة من الفل من "مراد" قائلاً :
- فل يا بيه
هز "مراد" رأسه نفياً .. فقال الرجل بإلحاح وهو يلقى نظرة على "مريم" :
- فل للهانم يا بيه .. ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس
شعرت "مريم" بالحرج لظن الرجل بأنهما حبيبان .. وشعرت أيضاً بالحزن وهى تقول لنفسها ليتك تعلم أنه اضطر لمصاحبتى اليوم من أجل شعوره بالمسؤلية تجاهى فقط ..فلا شئ يجمعنى به منذ أن رأيته إلا المصالح المشتركة .. رأت بطرف عينيها "مراد" وهو يشترى عقداً من الرجل ويضعه أمامه على التابلوه .. بالتأكيد ليتخلص من الحاح الرجل عليه فى الشراء .. انفتحت الإشارة وسارا مرة أخرى فى طريقهما .. توقفت السيارة أمام بوابة الفيلا فقالت "مريم" وهى تلتفت اليه :
- ياريت متعملش حاجه تندم عليها سيب الشرطة تشوف شغلها وهما أكيد مش هيسيبوه
بدا عليه أنه منشغل فى التفكير فى شئ ما .. فقالت مرة أخرى وهى تنظر اليه :
- ياريت بجد تتحكم فى أعصابك لان أى حاجة هتعملها هتتاخد ضدك خاصة انك ضاربه مرة قبل كده
لم يجيب فالتفتت وهمت بالنزول من السيارة لكنها وجدته فجأة مطبقاً على يدها .. التفتت بإستغراب وهى تنظر الى يده الممسكه برسغها .. دون أن ينظر اليها وجدته يحمل عقد الفل ويلفه حول يدها ببطء .. شعرت بقلبها تتعالى دقاته .. وحبست أنفاسها وهى تتطلع الى يده التى تلف العقد على يدها .. انتهى فسار العقد كالإسورة يزين يدها اليسرى .. لم تنظر اليه .. ولم ينظر اليها .. لكن بدا وكأنهما يتحدثان الى بعضهما البعض .. بحديث تعجز الآذان عن سماعه .. لكن يفهمه القلب جيداً ..ظل ممسكاً يدها للحظات قبل أن يطلق سراحها ويعود الى النظر أمامه .. خرجت من السيارة وهى تشعر بإضراب شديد وبشعور لذيذ يغمرها .. سمعت صوت السيارة خلفها لتجده وقد رحل فتوجهت الى الحديقه بدلاً من الفيلا وجلست على أحد المقاعد للحظات .. أخذت خلالها تتطلع الى عقد الفل الذى يزين يدها .. تلمسته بأصابعها تداعب البتلات البيضاء .. ثم قربته من أنفها تتشمم عبيره .. ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تتذكر كلام الرجل البائع : " ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس " .. أخذت "مريم" تتسائل فى نفسها ..لماذا أهدانى اياه .. تُرى أيقصد ذلك بالفعل ؟!
****************************************
- حبيبتى "مريم" حمدالله على سلامتك
هتفت "ناهد" بتلك العبارة وهى تعانق "مريم"
قالت "سارة" وهى تعانقها هى الأخرى :
- "مريم" حبيبتى أنا فرحانه أوى أوى انى شوفتك تانى
قالت "نرمين" وهى تجرى تجاهها لتعانقها :
- "مريم" أنا مصدقتش لما ماما قالتلى انك جايه وحشتيني أوى
شعرت "مريم" بالتأثر وهى ترى المشاعر الفياضة التى تغمرها بها كل منهن .. قالت لهم بتأثر و بأعين دامعة :
- والله أنا اللى افتقدتكوا جداً
أخذتها "ناهد" من يدها وجلست معها فى حجرة المعيشة وبجوارهها "سارة" و "نرمين" .. قالت "نرمين" بلهفه :
- قوليلنا ايه اللى حصل
قصت عليهم "مريم" ما حدث .. فهتفت "ناهد" بغضب :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ايه البنى آدم ده .. مش خايف من ربنا
قالت "مريم" بأسى :
- قالى ان قلبه ميت ومبيخفش من حاجه .. ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" بحزن :
- أكيد كنتى مرعوبة يا "مريم"
قالت "مريم" وهى تشعر بالخوف من مجرد تذكرها ما حدث :
- كنت ميته من الرعب .. بس الحمد لله
قالت "نرمين" بأسى :
- أنا السبب فى كل ده .. سامحيني يا "مريم"
ربتت "مريم" على كفها قائلاً :
- أنا مش زعلانه منك يا "نرمين" .. وبعدين انتى كنت هتعرفى منين ان معندوش ضمير كدة وانه هيعمل كل ده
قالت "نرمين" بغضب شديد :
- ربنا ينتقم منه بجد ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" مبتسمه :
- بس تعرفى أحلى حاجة فى الموضوع ان انتى و "مراد" رجعتوا لبعض
شعرت "مريم" بالحرج .. فقالت "نرمين" :
- فعلا دى أحلى حاجه فى الموضوع أنا مش عارفه انتوا ايه اللى خلاكوا تطلقوا أصلاً
ارتبكت "مريم" ولم تدرى ماذا تقول فأنقذتها "ناهد" موجهه حديثها الى الفتاتان :
- دى حاجة تخصها هى و "مراد" مينفعش نسألها عنها .. وبعدين سيبوها ترتاح شوية
ثم التفتت الى "مريم" قائله بحنان :
- اطلعى يا حبيبتى غيري هدومك وارتاحى وأنا هبعتلك دادة "أمينة" بالفطار تفطرى وتنامى شكلك مرهق
ابتسمت "مريم" قائله بوهن :
- حاضر يا طنط
صعدت "مريم" ودخلت حجرة "مراد" .. شعرت بحنين جارف تجاه كل جزء فى تلك الغرفة وكأنها كانت غرفتها منذ الأزل .. شعرت بسعادة وهى تلف حول نفسها وتتأمل كل ما حولها وكأن هذا هو بيتها ومكانها .. شعرت بالدهشة من هذا الشعور .. تذكرت أن حقيبتها فى سيارة "مراد" نسيت بأن تأخذها .. فتحت الدولاب لتجد ملابسها التى اشتراها لها "مراد" والتى تركتها يوم أن رحلت عن هذا البيت .. شعرت بالألم وهى تتذكر اليوم الذى طلقها فيه "مراد" .. والى اللحظة التى نطق فيها بتلك الكلمة .. نفضت تلك الأفكار من رأسها ودخلت لتأخذ دشاً ساخناً وتناولت طعامها وغطت فى نوم عميق وابتسامة راحة وأمان على شفتيها .. فهنا هو أكثر مكاناً تشعر فيه بالراحة و بالأمان .
***************************************
توجه "مراد" الى المحامى الخاص به ليعلمه بكل تلك التطورات .. فطمأنه المحامى :
- متقلقش يا أستاذ "مراد" .. كده هو بيلف الحبل حولين رقبته وأخطاءه بتزيد أكتر و أكتر
قال "مراد" بغضب :
- مش عايزه يقرب منى ولا من أى حد من أهلى والا قسماً بالله لأقتله بإيدي
قال المحامى :
- ياريت يا أستاذ "مراد" متتصرفش أى تصرف متهور عشان ميستخدموش ضدك فى القضية
قال "مراد" بصرامة :
- هحاول أتحكم فى نفسي عشان مديش فرصة للكلب ده انه يهرب من اللى بيعمله .. بس لازم اشوفه محبوس وفى أقرب وقت
طمأنه المحامى :
- متقلقش قريب أوى ان شاء الله
***************************************
عاد "مراد" الى البيت .. فوجد الجميع فى الحديقة فتوجه تجاههم .. هبت "سارة" واقفة وقالت بفرح :
- أبيه ألف مبروك .. فرحت أوى انكوا رجعتوا لبعض
قالت "ناهد" مبتسمه :
- حمدالله على السلامة يا "مراد"
قال "مراد" وعيناه تبحث عن "مريم" :
- هى فين "مريم" ؟
قالت "نرمين" :
- طلعت ترتاح فى اوضتكوا يا أبيه
أومأ برأه وجلس معهم .. فسألته أمه قائله :
- كنت فين ؟
زفر بضيق وقال :
- كنت عند المحامى هكون فين يعني
قالت "ناهد" :
- خفت تكون روحت للزفت ده تانى .. وموبايلك أفله معرفش ليه .. بتجنن لما نكون فى مشكلة كدة وألاقى اللى بكلمه قافل موبايله
ٌال "مراد" وهو ينهض :
- أنا ما قفلتوش .. فصل شحن
توجه "مراد" الى غرفته .. طرق طرقه صغيره خشية أن يوقظها إن كانت نائمة .. فتح الباب .. ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. دخل وأغلق الباب .. اقترب من الفراش ينظر اليها بحنان مبتسماً .. كم افتقد وجودها .. والنظر اليها .. اقترب منها وجلس بجوارها ومسح على شعرها برفق .. اتسعت ابتسامته وهو يرى عقد الفل مازال يزين يدها .. تلمسه بأصابعه ثم نظر اليها وعيناه تشعان .. حبــاً .. فجأة استيقظت وفتحت عيناها لتجده جالساً بجوارها .. شعر "مراد" بالإضطراب ونهض من مكانه بسرعة .. كذلك اضطربت هى وجلست مكانها .. قال "مراد" بتوتر وهو يتحاشى النظر اليها :
- كنت عايز أتكلم معاكى بس لقيتك نايمة
أزاحت "مريم" ونهضت وهى تقول :
- أنا كنت نايمة بس صحيت
وقفت قابلته وقالت :
- فى حاجة حصلت ؟
قال "مراد" :
- لا مفيش بس كنت عايز أطمنك انى كلمت المحامى ..وهيحتاج يتكلم معاكى شوية
قالت "مريم" :
- مفيش مشكلة
قال "مراد" بضيق وهو ينظر اليها :
- معلش يا "مريم" .. بس هو مضطر يتكلم معاكى عشان يسمع منك انتى التفاصيل
كررت بهدوء :
- مفيش مشكلة
قال برقه :
- انتى كويسه
أومأت برأسها صامته .. نظر الى عقد الفل ثم نظر اليها .. فشعرت بالخجل .. وقالت لتخفى ذلك :
- الشنطة بتاعتى فى العربية
قال بهدوء وهو يتوجه الى الباب :
- حاضر هجيبهالك
خرج وتركها تتساءل تُرى هل ما تراه في عينيه موجود بالفعل أم أنها تتوهم ذلك .. واذا كان موجوداً بالفعل فلماذا لا يصارحها به ؟!
*************************************
كانت "مريم" جالسه فى الحديقه وقد شردت بخيالها .. نظرت "مريم" الى هاتفها الذى يرن والموضوع على الطاولة .. ردت قائله :
- السلام عليكم .. ازيك يا "سهى"
قالت "سهى" بهدوء :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. بخير الحمد لله .. ازيك يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- تمام يا حبيبتى الحمد لله المهم طمنيني عليكي انتى
قالت "سهى" :
- الحمد لله بخير .. بس كنت عايزة أشوفك .. محتاجه أتكلم معاكى شوية يا "مريم"
صمتت "مريم" فليلاً فقالت "سهى" :
- عارفه ان جوزك ممكن ميرضاش انك تشوفيني أو تعرفيني تانى .. بس فعلاً أنا محتاجة أتكلم معاكى .. حاولى تقنعيه وهستنى تليفونك
تمتمت "مريم" بخفوت :
- ماشى يا "سهى"
توجهت "مريم" الى غرفة مكتب "مراد" طرقت الباب ودخلت وقفت أمامه بحرج قائله :
- هعطلك عن حاجة
قال لها مبتسماً :
- لا أنا أصلاً تعبت شغل وكنت عايز آخد بريك
همت بأن تتحدث لكنه أوقفها بإشاره من يده وهو ينهض قائلاً :
- استنى دادة "أمينة" بتحضرلى الأكل هقولها تعمل حسابك ونتكلم واحنا بناكل سوا
لم يعطيها فرصة لإبداء رأيها وخرج .. خرجت خلفه وتوجهت الى حجرة الطعام فى انتظاره .. ونظرت الى المائدة التى يتم اعدادها .. دخلت "أمينة" تحضر باقى الأطباق وخلفها "مراد" الذى ترأس المائدة فى مكانه المعتاد .. جلست "مريم" بجواره وهى تقول :
- أصلاً أنا مش جعانه هعد أتكلم معاك بس
قال "مراد" بتحدى وهو يرفع حاجبيه بمرح :
- لو مكلتيش يبقى مفيش كلام .. انا مبحبش آكل لوحدى
ابتسمت له وقالت :
- خلاص هاكل شوية صغيرين
ابتسم لها .. كانت تلك من المرات النادرة التى يبتسم كلاهما فى وجه الآخر .. فشعرا بشعور ألفة يجمعهما .. أخفضت "مريم" بصرها لكنها لم تستطع اخفاء ابتسامتها .. عادت "أمينة" حاملة طبق "مريم" ووضعته أمامها مبتسمه وهى تقول :
- نورتى البيت والله .. كان مضلم من غيرك
ابتسمت "مريم" لمجاملة المرأة قائله :
- شكراً يا دادة "أمينة" بس البيت دايماً منور بصحابه
هتفت "أمينة" قائله :
- مش بجاملك .. والله كان مضلم فعلاً
ثم نظرت الى "مراد" قائله :
- وسى "مراد" مكنش على بعضه من ساعة ما سيبتى البيت .. وحتى مكنش بياكل ولا بيشرب ولا بيعمل أى حاجة غير انه قاعد فى أوضته او فى الجنينة
نظرت "مريم" الى "مراد" الذى بدا عليه التوتر انشغل بالطعام أمامه فأكملت "أمينة" :
- كان مبوز ومكشر على طول كان ميتله حد .. ومشفتش الابتسامة على وشه الا لما انتى نورتينا امبارح
التفت "مراد" لأمينه قائلاً بحرج :
- مش هناكل ولا ايه يا دادة
قالت "أمينة" وهى تغادر :
- معلش الكلام خدنى .. يلا بالهنا والشفا
أمسكت "مريم" ملعقتها وهى تفكر فى كلام "أمينة" .. تُرى أحزن حقاً لفراقها ؟ّ! .. أم أن "أمينة" تهول الأمر ؟! .. قال "مراد" بخفوت دون أن ينظر اليها :
- كلى
بدأت فى تناول طعامها وهى مستغرقة فى التفكير .. فنظر اليها "مراد" قائلاً :
- كنتى عايزة تكلميني فى ايه
تذكرت "مريم" أمر "سهى" فقالت :
- "سهى" كلمتنى النهاردة وقالتلى انها محتاجة تتكلم معايا ضرورى
بدا على "مراد" الإمتعاض .. فقالت بحماس :
- أنا عارفه انها اتصرفت غلط .. بس أنا حسه انها محتجانى جمبها .. "سهى" مفيش فى حياتها صحبة كويسة تقدر تاخد بإيدها .. والديب مبيقدرش الا على الغنمة الشاردة عن القطيع
نظر "مراد" اليها وبدا وكأنه اقتنع بكلامها وقال بحزم :
- طيب مفيش مشكلة .. بس هى اللى تجيلك هنا .. انتى ما تروحيلهاش
ابتسمت "مريم" قائله :
- خلاص تماما هقولها كدة .. متشكرة أوى
نظر اليها "مراد" للحظات وقال فجأة بحنان :
- انتى طيبة أوى على فكرة
شعرت "مريم" بالإحمرار يغزو وجنتيها وابتسمت وهى تنظر الى طبقها قائله :
- عادى يعني
قال "مراد" وهو مازال ينظر اليها بحنان وابتسامه صغيره على شفتيه :
- لا مش عادى .. اللى بتعمليه مش عادى
قالن بتوتر دون أن تنظر اليه :
- أنا مبعملش حاجة
قال "مراد" بهدوء وهو ينظر اليها بإعجاب شديد :
- لا بتعملى .. بتهتمى بكل اللى حواليكي .. وبتنغمسى فى مشاكلهم أكنها مشكلتك انتى .. وبتحبى الخير لكل الناس .. خاصة الناس اللى بتحبيهم .. ولما بتحبي بتخلصى أوى .. لدرجة صعب ان الواحد يلاقي زيها فى الزمن ده .. ولما بتخصلى بتدى كل حاجة .. قلبك وعقلك ومشاعرك وكيانك كله .. وفى نفس الوقت انتى حطه لنفسك خطوط حمرا كتير فى حياتك .. رغم انك عايشة لوحدك ومفيش حد يحاسبك ومفيش حد يقولك الصح من الغلط .. أو يلومك لو عملتى الغلط .. لكن انتى بفطرتك السليمة بتعرفى تميزى بين الصح والغلط .. وبتراعى ربنا فى كل حاجة بتعمليها .. ورغم انك وحيدة ومفيش حد معاكى .. بس دايماً بتكونى قوية وواثقة من نفسك .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية وانسانه يعتمد عليها .. وناجحة فى شغلك .. وفى نفس الوقت عارفه حدودك .. وعارفه انك بنت مش راجل .. يعني رغم نجاحك وثقتك فى نفسك وقوة شخصيتك واعتمادك على نفسك الا انك أنثى بجد .. بتقدرى تحسسى الى أدامك برجولته وبقوامته عليكي
كانت وجنتيها تشتعلان خجلاً وتنظر الى طبقها وتلعب بعصبيه بالملعقة وهى لا تستطيع النظر اليه .. أمرها عقلها بأن تستأذن وتنصرف .. لكن قلبها أمرها بالبقاء ..فإمتثلت لأوامر هذا الأخير .. مرت لحظات صامته بيهما .. لا تستطيع أن ترفع نظرها اليه .. لحظات لم يقطعها الا صوته الحزين وهو يسألها :
- لسه بتحبيه ؟
خفق قلبها وهى تعرف معنى سؤاله .. شعرت بالحيرة .. بماذا تجيبه .. حثها قائلاً :
- "مريم" بصيلي
لم تفعل .. لم تستطع .. قال "مراد" بهدوء :
- كان محظوظ أوى على فكرة .. انه لقى واحدة زيك وحبته وأخلصت له حتى بعد ما مات
ثم تمتم بحزن :
- الله يرحمه
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه ترقب تعبيرات الحزن على وجهه .. نظر اليها بحزن وسألها بألم :
- اوصفيهولى يا "مريم" .. شخصيته أخلاقه طباعه .. كلميني عنه .. هو أخويا بس معرفش عنه أى حاجة .. ومش فاكر عنه غير لقطات بسيطة فى دماغى واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالألم وهى تسمع نبرات صوته المتألمه .. شعرت بالحزن لأجله لحرمانه من أخوه دون سبب واضح .. فقالت بهدوء :
- كان انسانه محترم .. ويعرف ربنا .. كان طيب .. وهادى .. وكان كل الناس بتحبه
كان يتأملها وهى تتحدث عنه .. بدت شارده وهى تقول :
- كان الأطفال قبل الكبار بيحبوه .. كان طيب مع كل الناس .. وقف جمبي كتير أوى .. وهى دى طبيعته .. كان بيحب يساعد الناس ويقف جمبهم
صمتت .. راقب "مراد" تعبيرات الحزن على وجهها متألماً من أجلها فقال بصوت متهدج :
- كان نفسي أقابله أوى
نظرت اليه "مريم" بأعين دامعه وهى تقول مبتسمه بضعف :
- كنت هتحبه
قال "مراد" وقد بدت الدموع فى عيناه :
- أكيد كنت هحبه
ظل ينظران الى بعضهما البعض وعيناهما تغشاها العبرات .. شعرت وكأنها تتقاسم معه آلامها .. وشعر وكأنه يتقاسم معها آلامه .. امتدت يده من فوق الطاولة تتلمس طريقها الى كفها ليحتضنه فى حنان .. لم تبتعد عيناهما عن بعضهما البعض لحظه .. شعرت "مريم" بالدهشة بداخلها .. نعم هى تنظر الى ملامح تشبه ملامح "ماجد" الى حد كبير .. لكنها لا ترى "ماجد" فى تلك الملامح .. وكأن "ماجد" كان بملامح أخرى وشكل آخر .. وكأنهما لا يشبهان بعضهما البعض على الرغم من وجود هذا الشبه بالفعل .. شعرت بأنها .. تنظر الى رجل آخر تماماً .. ولدهشتها .. فهى تشعر بشعور عميق تجاه هذا الرجل .. الذى شعرت أنه لا يشبه أى رجل آخر قابلته فى حياتها .. تركته يحتضن كفها فى استسلام وعبناه مركزتان عليها .. لكنها لمحت فى عينيه نظرة خوف و تردد و ألم .. ثــم .. أبعد يده عن كفها وأبعد عينيها عن عينيها .. شعرت "مريم" بالحرج .. وبالضيق من تغيره المفاجئ .. ودون كلمه .. نهضت لتغادر الغرفة.
******************************************
قالت "نرمين" فى دهشة :
- "أحمد" ابن خالتى
أومأ "مراد" برأسه ثم أكمل قائلاً :
- بصراحة يا "نرمين" أنا شايف انه انسان مناسب وكمان عارفينه كويس وعارفين أخلاقه .. يعني بصراحة أنا شايف انه الشخص المناسب ليكي
صمتت "نرمين" فأكمل "مراد" :
- بس طبعاً دى حياتك انتى .. انا ليا انى أنصحك واقولك رأيي بس مش ممكن أفرضه عليكي لو كنتى انتى رفضاه أو مش حسه نحيته بقبول .. لان الجواز أهم حاجة فيه القبول
صمتت "نرمين" فحثها "مراد" قائلاً :
- ها يا "نرمين" .. هل انتى رفضاه رفض قاطع .. ولا فى قبول ومحتاجه فترة تفكرى فى قرارك ؟
قالت "نرمين" بخجل وهى تنظر أرضاً :
- سيبنى شوية أفكر يا أبيه
ابتسم "مراد" وقبل جبينها قائلاً :
- ماشى يا "نرمين" فكرى براحتك .. واستخيرى ربنا قبل كل شئ
أومأت برأسها دون أن تنظر اليه وغادرت غرفة المكتب وأغلقت الباب خلفها وابتسامة سعادة تتكون على شفتيها ببطء
******************************************
دخلت "مريم" المطبخ وابتسمت لـ "أمينة" قائله :
- طنط "ناهد" والبنات عايزين نسكافيه يا دادة
ابتسمت "أمينة" وهى تعطيها صانية موضوع عليها فنجان شاى :
- طيب ادخلى دخلى دى لجوزك على ما أكون عملتكوا كلكوا النسكافيه
أخذت "مريم" الصينية وطرقت باب غرفة المكتب بتوتر سمعته يقول :
- اتفضلى
دخلت "مريم" .. فنظر اليها بدهشة وهى حاملة صينية الشاى ظل يتابعها بنظراته الى أن وضعتها بجانيه على مكتب .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيه .. همت بأن ترحل لكنه أوقفها قائلاً بخبث :
- مش هتصبيه ؟ .. مش اللى يقدم شاى لحد يصبهوله ويحطله السكر
ابتسمت "مريم" بحرج وصبت الشاى ثم سألته :
- أد ايه السكر
ابتسم لها قائلاً :
- اتنين
وضعت السكر وقلبته ثم قدمت له الفنجان .. همت بالإنصراف لكنها عادت تلتفت اليه وتقول بحرج :
- "سهى" هتجيلى بعد بكرة ان شاء الله
قال بهدوء :
- تمام
التفتت لتغادر لكنه أوقفها بسؤال مفاجئ :
- الجواب اللى كان على السرير ده من "ماجد" مش كده ؟
التفتت لتنظر اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
- لما جتلك البيت عشان أخدك وأنا بحط الشنطة على السرير شوفت جواب .. ده من "ماجد" مش كده
شعرت بالإضطرب وقالت بصوت خافت :
- أيوة
أشاح بوجه وبدا عليه الجمود قائلاً :
- شكراً على الشاى
وقفت تنظر اليه فى حيرة .. قال "مراد" بحزم دون أن ينظر اليها :
- لو فى حاجة حابه تتكلمى فيها أجليها دلوقتى لانى مشغول
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت متوتر :
- أنا مفتحتوش
رفع "مراد" رأسه بحده وأخذ يتفرس فيها .. فأكملت قائله :
- مفتحتش الجواب
ظل ينظر اليها للحظات وقد ضاقت عيناه .. ثم قال :
- ليه ؟ .. ليه مفتحتيهوش ؟
لم تستطع الإجابة ولم تستطع المكوث أكثر .. فغادرت الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهى تشعر بالغيظ من نفسها .. ما الذى دفعها لتخبره بأنها لم تقرأ خطاب "ماجد" .. لماذا فعلت ذلك .. أخذت تلوم نفسها بشدة .. وشعرت بالحنق .. خرجت لتجلس فى الحديقة وقد عقدت ما بين حاجبيها فى غضب وهى تتمتم :
- غبية يا "مريم" .. غبية
جلس "مراد" فى مكتبه شارداً .. اخذ يتساءل ما الذى منعها من قراءة خطابات "ماجد" .. حبيبها .. الذى كانت تتألم لعدم استطاعتها قراءة خطاباته .. لقد طلقها .. وحررها من قيده .. فلماذا لم تعود لقراءة تلك الخطابات مرة أخرى .. ما الذى منعها ؟ .. وما الذى دفعها لأن تخبره الآن أنها لم تقرأه .. طالما الخطاب كان على السرير اذن فلقد أخرجته لتقرأه .. ما الذى منعها إذن ؟ .. أممكن أن ...... ؟! .. لا غير ممكن .. كاد أن يجن من فرط التفكير .. لكنه عقد ما بين حاجبيه فى ضيق وقد انتبه الى أمر هام .. وأخذ يحدث نفسه .. كيف تفعل ذلك يا "مراد" كيف سمح لك ضميرك لأن تفعل ذلك .. اعترف بأنك تحاول التقرب منها .. تحاول جذبها اليك .. لكن كيف تريد السيطرة على مشاعرها وهى لا تعلم حقيقتك .. "مريم" لا تعرف شيئاً عن اعاقتك .. كيف تقربها منك دون أن تخبرها الحقيقة .. كيف تحاول أن تعلق قلبها بك لتصدمها بعد ذلك بإعاقتك .. أتحاول أن تضعها أمام الأمر الواقع ؟ .. أهذه رجوله يا "مراد" .. ؟ تجعلها تحبك ثم تخبرها بأمر اعاقتك .. حتى تضمن ألا تتركك .. كيف تفعل ذلك بها .. بـ "مريم" ؟! .. أخذ يلوم نفسه بشدة .. وهو يشعر بأنه أخطأ خطأً جثيماً عندما حاول التقرب اليها دون علمها بأمر اعاقته
******************************************
استيقظ "مراد" فزعاً على صوت صرخة مكتومة .. قفز من مكانه لينظر الى "مريم" الجالسه فى فراشها وجسدها ينتفض بقوة وتخفى وجهها بكفيها وتبكى .. اقترب منها "مراد" وجلس قبالتها وقال بهلع :
- "مريم" فى ايه ؟ .. انتى كويسه
لم تجيبه "مريم" .. كانت تبكى وهى تخفى وجهها بكفيها .. فخمن أنها رأت كابوساً .. كانت تنتفض بشدة ..أحطاها بذراعيه وقربها الى حضنه دون مقاومة منها .. ضمها اليه بشدة ليوقف ارتجافتها وليبث فيها الطمأنينه .. قال بصوت حانى :
- متخافيش .. استعيذى بالله
تمتمت بصوت مرتجف وهى مازالت تخفى وجهها بكفيها :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ظلت ترددها كثيراً .. كانت تعلم بأنها يجب أن تبتعد عنه .. لكنها كانت تشعر بأمان كبير لا تريد مفارقته وحرمان نفسها منه .. هدأت شيئاً فشيئاً .. مسح "مراد" على شعرها وقال بحنان :
- خلاص .. متخفيش .. تلاقيكي نسيتي تقولى الأذكار قبل ما تنامى
رفعت "مريم" رأسها ببطء لتبتعد عنه وقالت دون أن تنظر اليه :
- فعلاً نسيت أقولها النهاردة
مسح بكفيه العبرات التى تغرق وجهها وقال :
- لسه خايفه ؟
هزت رأسها نفياً ومازالت لا تستطيع النظر اليه .. فقال :
- طيب نامى وهصحيكي على الفجر
التفتت "مريم" ونظرت الى الساعه خلفها وقالت :
- لا هقوم اصلى قيام
أزاحت الغطاء ونهضت وتوجهت الى الحمام .. نظرت فى المرآة الى وجهها الباكى توضأت وخرجت وارتدت الإسدال .. نظر اليها "مراد" الجالس يقرأ فى مصحفه قائلاً بإهتمام :
- كويسه دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
قال بإهتمام :
- متقوليش لحد اللى انتى حلمتى بيه طالما حلم وحش
قالت بخفوت :
- عارفه
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- هصلى تحت
نهض بسرعة قائلاً :
- لا خليكي انتى هنا هقرأ أنا تحت
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- متصلى انت كمان .. احنا فى التلت الاخير من الليل متضيعش فضل القيام فى الوقت ده
وقف أمامها وهو يبتسم لحرصها على ألا يفوته الأجر وقال لها :
- على فكرة القيام مش شرط يكون صلاة .. القيام ممكن يكون قراءة قرآن أو دراسة علم شرعى أو حتى دعاء وذكر
نظرت اليه بدهشة وقالت :
- بجد ؟
أومأ برأسه وقال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- أيوة بجد
ابتسمت قائله :
- مكنتش أعرف
شعرت بالألفة وهى واقفة تتحدث معه ويبتسمان لبعضهما البعض .. فجأة تغيرت ملامحه الى الجديه وغادر الغرفة مسرعاً .. تابعته "مريم" بعينيها وهى تحاول أن تفهم ما الذى يحدث له ويجعله يتغير تجاهها فجأة .. أيشعر بالذنب لكونها كانت زوجة لأخيه الراحل .. أهذا ما يجعله ينأى بنفسه عنها .. أهذا ما يفصل بينهما .. جلست على الأريكة وملامح الأسى على وجهها .. كيف لها هى الأخرى أن تنسى أنه شقيق زوجها الراحل .. كيف تسمح لنفسها بأن تشعر بشئ تجاهه .. أخذ عقلها يلومها بشدة .. لكن قلبها قال لها :
- لا تستمع الى عقلك أيها الجسد .. فأنا لا أفعل شئ يغضب ربك .. لا شئ يمنعنى من أن أحب هذا الرجـــل .
****************************************
دخلت "مى" منزلها لتستقبلها والدتها بإبتسامه واسعة ..قالت "مى" :
- السلام عليكم
قالت أمها بحماس :
- وعليكم السلام .. تعالى عايزاكى
دخلت خلفها المطبخ وهى تلقى نظرها على والدها الجالس أمام التلفاز .. قالت لأمها :
- ايه يا ماما فى ايه ؟
قالت أمها بحماس :
- جالك عريس
امتقع وجه "مى" وقالت ببرود :
- طيب
ثم التفتت ودخلت غرفتها .. دخلت أمها خلفها وأغلقت الباب وقالت :
- مالك مش فرحانه ليه
قالت "مى" بوجوم :
- عادى يعني
اقتربت منها أمها وقالت :
- "مى" احنا مش قولنا نشيل الموضوع ده من دماغنا
قالت "مى" بأعين دامعه :
- غضب عنى
قالت أمها :
- حبيبتى ممكن الراجل اللى جاىي تقدملك ده يطلع أحسن من "طارق" ده مليون مرة .. اعدى معاه واتكلمى معاه وان شاء الله لو ليكي خير فيه أكيد ربنا هيفتح قلبك ليه
قالت "مى" بصوت باكى :
- مش عايزة يا ماما مش هقدر صدقيني
قالت أمها بإصرار :
- حبيبتى جربي مش هتخسرى .. مش بقولك وافقى عليه .. بقولك اعدى واتكلمى معاه
صمتت "مى" حائرة فقالت أمها وهى تغادر الغرفة :
- اعملى حسابك انه هييجى آخر الاسبوع ان شاء الله
*****************************************
شعرت "مريم" بتصرف "مراد" معها ببرود وبأنه يتحاشى النظر اليها أو الكلام معها .. أشعرها هذا بالضيق الشديد .. جلست مع الجميع على طاولة الطعام وهى شاردة تحاول تخمين ما يصيبه .. أحياناً تشعر بإهتمامه بها وبنظراته التى تقول الكثير وأحياناً تشعر أنه بعيد بارد .. كانت تشعر بالحيرة من تغير معاملته ونظراته .. قالت "ناهد" بـ "مريم" :
- كلى يا "مريم" مبتاكليش ليه
باتسمت "مريم" بضعف قائله :
- باكل يا طنط
عادت لتكمل طعامها .. حانت منها التفاته لـ "مراد" لتجده منشغلاً بطعامه .. فأبعدت عينيها عنه .. قالت "نرمين" بمرح :
- ايوة كدة رجعتى وسطينا تانى يا "مريم" .. كنا بجد مفتقدينك أوى
ابتسمت "مريم" قائله :
- أنا كمان افتقدتكوا اوى
قالت "نرمين" بخبث :
- طيب مين أكتر حد فينا افتقدتيه
فهمت "مريم" تلميح "نرمين" فارتبطت قائله :
- انتوا كلكوا
ضحت "نرمين" بخبث وقالت :
- ماشى هفوتها المرة دى
نهض "مراد" فجأة فقالت "ناهد" بإستنكار :
- مش هتكمل أكلك
قال ببرود :
- شبعت
رمقته "مريم" وهو ينصرف وهى تشعر بالحيرة والغضب فى آن واحد
فى المساء كانت "مريم" جالسه فى غرفة "سارة" تتحدثان وتتمازحان .. ثم قالت "سارة" مبتسمه :
- نفسي نعد نتكلم مع بعض للصبح
قالت "مريم" :
- احنا فيها
قالت "سارة" بحماس :
- بجد مش بهزر .. تعالى نسهر سوا النهاردة لانى جبت لعبة بازل انما ايه هتعجبك جدا
قالت "مريم" بحماس :
- هاتيها بسرعة شوقتيني
قالت "سارة" وهى تشير الى دولابها :
- طلعيها من الدولاب على ما أخلى داده تعملنا نسكافيه
قالت "مريم" وهى تتزجه للباب :
- لا خليكي انتى زمانها نايمة هعمله أنا
خرجت "مريم" من الغرفة وهمت بالنزول لتتلاقى بـ "مراد" الذى كان يصعد الى غرفته .. تحاشت النظر اليه وهى تنزل فأوقفها قائلاً :
- مفيش حد تحت كلهم طلعوا يناموا
التفتت اليه وقالت ببرود :
- عارفه .. أنا نازله اعمل نسكافيه ليا ولـ "سارة" عشان هنسهر سوا
قال "مراد" وهو ينظر لساعته :
- تسهروا أكتر من كدة
قالت بنفس البرود :
- أيوة .. واحتمال أنام فى أوضتها كمان .. فرصة تاخد راحتك فى أوضتك النهاردة
قالت ذلك ثم نزلت الى الأسفل ونظراته النارية تتابعها .. دخل "مراد" غرفته وبدل ملابسه وافترش الأريكة للنوم .. قضى ساعة ونصف من الأرق الى ان أزاح الغطاء وجلس على الأريكة .. أخذ ينظر الى السرير الخالى .. شعر بأنه يفتقد وجودها معه .. بالرغم من أنه لا يفصل بينهما إلا
يتبع
- مينفعش كده .. لو سمحت اخرج
قال "مراد" بحده :
- بقولك قوليلى اللى حصل
قالت "مريم" بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :
- بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش
أطبق "مراد" على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :
- طيب أنا هخليه ينفع
صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :
- رديتك يا "مريم"
توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :
- أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.
صمتت طويلاً وقد هربت منها الكلمات .. تتطلع الى "مراد" بدهشة .. ويتطلع اليها بنظرات تحاول تفسير معناها .. أخيراً تحدثت وقال بصوت مضطرب :
- ليه .. ليه عملت كده ؟
بدا عليه التوتر .. وكأنه يخفى مالا يريد البوح به .. قال بشئ من العصبية :
- عشان اللى حصل النهاردة .. مش ممكن أسيبك لوحدك
لا تدرى "مريم" لما شعرت بالحنق والغيظ والغضب فصاحت :
- لا متقلقش عليا أنا أعرف أحمى نفسي كويس .. متشكرة أوى
قال "مراد" بتهكم :
- واضح انك بتعرفى تحمى نفسك كويس بدليل انك اتخطفتى النهاردة
امتقع وجهها وقالت بحده :
- ملكش دعوة أتخطف ولا متخطفش
قال "مراد" بغضب :
- مش فاهم انتي عقلك فين عشان تفتحى الباب لراجل غريب متعرفيهوش
قالت "مريم" بإستنكار :
- أنا مبفتحش الباب لحد غريب .. بس هو قالى انه من طرفك وعشان كدة اطمنتله ووثقت فيه وفتحت الباب
ساد الصمت للحظات .. رأت فى عيني "مراد" نظرة غريبة .. تساءلت أعيناه تبتسمان حقاً أم خيل لها .. قال بنبره حانيه :
- يعني معنى كدة انك بتثقى فيا و بتطمنيلى
شعرت بالحرج فأبعدت عيناها عنه وصمتت .. نظر اليها للحظات ثم قال بحزم :
- يلا لمى هدومك عشان هنرجع الفيلا
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه بعناد قائله :
- لا مش راجعه
قال "مراد" بعناد مماثل :
- هترجعى .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤلة منى
صاحت "مريم" بإستنكار :
- أصلاً مينفعش اللى حصل ده
قال "مراد" ببرود :
- هو ايه ده اللى مينفعش ؟
قالت بحده :
- مينفعش انك تردنى كده أصلاً أنا مليش عدة
سألها "مراد" ببرود :
- ليه بأه ملكيش عدة ؟
احمرت وجنتاها وأشاحت بوجهها وعقدت ذراعيها أمام صدرها بغيظ .. فقال "مراد" بحزم :
- أيوة محصلش حاجة بينا بس الناس عارفه انك مراتى وكنتى عايشة معايا فى بيت واحد وفى أوضة واحدة وشرعاً وقانوناً ليكي عدة اسمها عدة احترازية
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت بشك :
- الكلام ده بجد ؟
قال "مراد" بعصبية :
- معتقدش انى هضحك عليكي فى حاجة خطيرة زى دى .. وعامة تقدرى تتأكدى بنفسك من المأذون واحنا رايحينله دلوقتى
قال "مريم" ببرود :
- ما قولتش انك بتضحك عليا .. بس أول مرة أعرف المعلومة دى
ثم قالت وقد انتبهت لكلامه :
- ليه هنروح للمأذون مش بتقول انك كده خلاص ردتنى ؟
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أيوة رديتك بس طالما اطلقنا عند المأذون وطلعنا ورقة طلاق .. يبقى لازم يتثبت انى رديتك عشان اثبات حقوقك .. ممكن بأه تتفضلى تحضرى شنطتك .. مش عايزك تستنى هنا لحظة وعايز أسمع منك اللى حصل بالتفصيل
شعرت "مريم" بالضيق لإضطرارها الى العودة اليه .. خاصة اذا كان السبب الذى جعله يرجعها هو احساسه بالمسؤلية تجاهها لأنها شاهدة فى قضية أخته ليس أكثر من ذلك .. شعرت بالضيق الشديد .. فقالت وهى تعلم أن قولها لن يجدى معه نفعاً :
- انت مش مضطر تعمل كده .. أنا كنت عايشة لوحدى سنين وأقدر ........
لم يدعها "مراد" تكمل كلامها بل توجه من فوره الى غرفتها .. ليجد حقيبتها الفارغة موضوعه بجانب الدولاب أخذها ووضعها على الفراش بعنف وفتح دولابها وأخذ يضع الملابس بداخلها بإهمال .. لحقت "مريم" به وهتفت بإستنكار :
- انت بتعمل ايه ؟
لم يجيبها .. همت بأخذ ملابسها التى يحملها بيديه ليلقيها فى الحقيبة .. فأمسكت بيده دون قصد .. اضطربت .. و اضطرب .. وتلاقت نظراتهما لحظة .. لحظة واحدة فقط لكنها قالت الكثير .. ابتعدت فوراً .. فوضع الملابس فى الحقيبة ببطء وهو مازال يتطلع اليها .. يحاول النفاذ الى أعماقها ومعرفة ما بداخلها .. هم بأن يأخذ كومة أخرى من الملابس لكنها أوقفته قائله :
- طيب هلمهم أنا .. ممكن تتفضل تعد فى الصالون لو سمحت لحد ما أخلص
امتثل "مراد" لما قالت وتوجه الى الصالون وهو يتفحص ما حوله .. جمعت "مريم" أغراضها فى تبرم .. وقفت قليلاً تفكر فيما يصيبها عندما تكون قريبة منه .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وأكملت مهمتها .. خرجت تحمل الحقيبة الثقيلة فبمجرد أن رآها "مراد" هب واقفاً وأخذها منها .. تأكدت "مريم" من اغلاق المحابس والشبابيك وتممت على كل شئ فى البيت ثم نزلت معه الى سيارته .. انطلقا فى طريقهما الى أن أوقف السيارة فى نفس المكان الذى أوقفها فيه منذ ما يقرب من اسبوعين .. نزل والتف حول السيارة وفتح لها الباب .. كانت تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة ونزلت ببطء وهى تشعر أنها تود الهرب من كل شئ .. أتما اجراءات توثيق الزواج .. وانطقا فى طريقهما الى قسم الشرطة
قدما البلاغ واستمع "مراد" الى ما قصته "مريم" على الضابط وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب .. بعدما انتهيا من تقديم البلاغ ركبا السيارة مرة اخرى وانطلق "مراد" بها فى صمت .. تطلعت "مريم" اليه فوجدته غارقاً فى شروده وعلامات الغضب على وجهه .. كانت تشعر وكأن عيناه جمرتا نار .. كان يسير بالسيارة فى سرعة وحركاته تشوبها العصبية .. شعرت بالخوف من أن يتهور ويفعل مالا يحمد عقباه .. رن هاتفه فرد قائلاً:
- وعليكم السلام .. أيوة يا ماما لقيتها .. احنا جايين فى الطريق .. أيوة هى معايا .. هتطلعلك هيا وأنا هروح مشوار وأرجع .. طيب مع السلامة
أنهى المكالمة دون ان ينظر الى "مريم" تزايد خوف "مريم" وقلقها فقالت :
- ليه مش هتروح معايا .. انت رايح فين ؟
التفت ونظر اليها .. متفرساً فيها .. شعرت بالخجل وندمت على تسرعها فى القاء السؤال .. لكنها قالت بقلق :
- بلاش تعمل حاجة غلط .. لو سمحت اوعى تروحله وتضربه تانى
نظر "مراد" أمامه قائلاً بصرامة :
- ده يستاهل القتل مش الضرب
قالت "مريم" بجزع :
- اوعى تقتله هتضيع نفسك
التفت "مراد" اليها يراقب تعبيرات القلق على وجهه قائلاً بتحدى :
- ايه المشكلة يعني لو ضعت .. مالك ومالى .. ايه اللى مخوفك كده
قالت "مريم" بتوتر :
- كدة عشان مامتك واخواتك محتاجينك
تفرس "مراد" فيها فأشاحت بوجهها .. عاد الى النظر أمامه بصمت .. توقفاً عند احدى الإشارات المزدحمة وكل منهما شارداً .. اقترب بائع متجول يحمل عقود طويلة من الفل من "مراد" قائلاً :
- فل يا بيه
هز "مراد" رأسه نفياً .. فقال الرجل بإلحاح وهو يلقى نظرة على "مريم" :
- فل للهانم يا بيه .. ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس
شعرت "مريم" بالحرج لظن الرجل بأنهما حبيبان .. وشعرت أيضاً بالحزن وهى تقول لنفسها ليتك تعلم أنه اضطر لمصاحبتى اليوم من أجل شعوره بالمسؤلية تجاهى فقط ..فلا شئ يجمعنى به منذ أن رأيته إلا المصالح المشتركة .. رأت بطرف عينيها "مراد" وهو يشترى عقداً من الرجل ويضعه أمامه على التابلوه .. بالتأكيد ليتخلص من الحاح الرجل عليه فى الشراء .. انفتحت الإشارة وسارا مرة أخرى فى طريقهما .. توقفت السيارة أمام بوابة الفيلا فقالت "مريم" وهى تلتفت اليه :
- ياريت متعملش حاجه تندم عليها سيب الشرطة تشوف شغلها وهما أكيد مش هيسيبوه
بدا عليه أنه منشغل فى التفكير فى شئ ما .. فقالت مرة أخرى وهى تنظر اليه :
- ياريت بجد تتحكم فى أعصابك لان أى حاجة هتعملها هتتاخد ضدك خاصة انك ضاربه مرة قبل كده
لم يجيب فالتفتت وهمت بالنزول من السيارة لكنها وجدته فجأة مطبقاً على يدها .. التفتت بإستغراب وهى تنظر الى يده الممسكه برسغها .. دون أن ينظر اليها وجدته يحمل عقد الفل ويلفه حول يدها ببطء .. شعرت بقلبها تتعالى دقاته .. وحبست أنفاسها وهى تتطلع الى يده التى تلف العقد على يدها .. انتهى فسار العقد كالإسورة يزين يدها اليسرى .. لم تنظر اليه .. ولم ينظر اليها .. لكن بدا وكأنهما يتحدثان الى بعضهما البعض .. بحديث تعجز الآذان عن سماعه .. لكن يفهمه القلب جيداً ..ظل ممسكاً يدها للحظات قبل أن يطلق سراحها ويعود الى النظر أمامه .. خرجت من السيارة وهى تشعر بإضراب شديد وبشعور لذيذ يغمرها .. سمعت صوت السيارة خلفها لتجده وقد رحل فتوجهت الى الحديقه بدلاً من الفيلا وجلست على أحد المقاعد للحظات .. أخذت خلالها تتطلع الى عقد الفل الذى يزين يدها .. تلمسته بأصابعها تداعب البتلات البيضاء .. ثم قربته من أنفها تتشمم عبيره .. ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تتذكر كلام الرجل البائع : " ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس " .. أخذت "مريم" تتسائل فى نفسها ..لماذا أهدانى اياه .. تُرى أيقصد ذلك بالفعل ؟!
****************************************
- حبيبتى "مريم" حمدالله على سلامتك
هتفت "ناهد" بتلك العبارة وهى تعانق "مريم"
قالت "سارة" وهى تعانقها هى الأخرى :
- "مريم" حبيبتى أنا فرحانه أوى أوى انى شوفتك تانى
قالت "نرمين" وهى تجرى تجاهها لتعانقها :
- "مريم" أنا مصدقتش لما ماما قالتلى انك جايه وحشتيني أوى
شعرت "مريم" بالتأثر وهى ترى المشاعر الفياضة التى تغمرها بها كل منهن .. قالت لهم بتأثر و بأعين دامعة :
- والله أنا اللى افتقدتكوا جداً
أخذتها "ناهد" من يدها وجلست معها فى حجرة المعيشة وبجوارهها "سارة" و "نرمين" .. قالت "نرمين" بلهفه :
- قوليلنا ايه اللى حصل
قصت عليهم "مريم" ما حدث .. فهتفت "ناهد" بغضب :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ايه البنى آدم ده .. مش خايف من ربنا
قالت "مريم" بأسى :
- قالى ان قلبه ميت ومبيخفش من حاجه .. ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" بحزن :
- أكيد كنتى مرعوبة يا "مريم"
قالت "مريم" وهى تشعر بالخوف من مجرد تذكرها ما حدث :
- كنت ميته من الرعب .. بس الحمد لله
قالت "نرمين" بأسى :
- أنا السبب فى كل ده .. سامحيني يا "مريم"
ربتت "مريم" على كفها قائلاً :
- أنا مش زعلانه منك يا "نرمين" .. وبعدين انتى كنت هتعرفى منين ان معندوش ضمير كدة وانه هيعمل كل ده
قالت "نرمين" بغضب شديد :
- ربنا ينتقم منه بجد ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" مبتسمه :
- بس تعرفى أحلى حاجة فى الموضوع ان انتى و "مراد" رجعتوا لبعض
شعرت "مريم" بالحرج .. فقالت "نرمين" :
- فعلا دى أحلى حاجه فى الموضوع أنا مش عارفه انتوا ايه اللى خلاكوا تطلقوا أصلاً
ارتبكت "مريم" ولم تدرى ماذا تقول فأنقذتها "ناهد" موجهه حديثها الى الفتاتان :
- دى حاجة تخصها هى و "مراد" مينفعش نسألها عنها .. وبعدين سيبوها ترتاح شوية
ثم التفتت الى "مريم" قائله بحنان :
- اطلعى يا حبيبتى غيري هدومك وارتاحى وأنا هبعتلك دادة "أمينة" بالفطار تفطرى وتنامى شكلك مرهق
ابتسمت "مريم" قائله بوهن :
- حاضر يا طنط
صعدت "مريم" ودخلت حجرة "مراد" .. شعرت بحنين جارف تجاه كل جزء فى تلك الغرفة وكأنها كانت غرفتها منذ الأزل .. شعرت بسعادة وهى تلف حول نفسها وتتأمل كل ما حولها وكأن هذا هو بيتها ومكانها .. شعرت بالدهشة من هذا الشعور .. تذكرت أن حقيبتها فى سيارة "مراد" نسيت بأن تأخذها .. فتحت الدولاب لتجد ملابسها التى اشتراها لها "مراد" والتى تركتها يوم أن رحلت عن هذا البيت .. شعرت بالألم وهى تتذكر اليوم الذى طلقها فيه "مراد" .. والى اللحظة التى نطق فيها بتلك الكلمة .. نفضت تلك الأفكار من رأسها ودخلت لتأخذ دشاً ساخناً وتناولت طعامها وغطت فى نوم عميق وابتسامة راحة وأمان على شفتيها .. فهنا هو أكثر مكاناً تشعر فيه بالراحة و بالأمان .
***************************************
توجه "مراد" الى المحامى الخاص به ليعلمه بكل تلك التطورات .. فطمأنه المحامى :
- متقلقش يا أستاذ "مراد" .. كده هو بيلف الحبل حولين رقبته وأخطاءه بتزيد أكتر و أكتر
قال "مراد" بغضب :
- مش عايزه يقرب منى ولا من أى حد من أهلى والا قسماً بالله لأقتله بإيدي
قال المحامى :
- ياريت يا أستاذ "مراد" متتصرفش أى تصرف متهور عشان ميستخدموش ضدك فى القضية
قال "مراد" بصرامة :
- هحاول أتحكم فى نفسي عشان مديش فرصة للكلب ده انه يهرب من اللى بيعمله .. بس لازم اشوفه محبوس وفى أقرب وقت
طمأنه المحامى :
- متقلقش قريب أوى ان شاء الله
***************************************
عاد "مراد" الى البيت .. فوجد الجميع فى الحديقة فتوجه تجاههم .. هبت "سارة" واقفة وقالت بفرح :
- أبيه ألف مبروك .. فرحت أوى انكوا رجعتوا لبعض
قالت "ناهد" مبتسمه :
- حمدالله على السلامة يا "مراد"
قال "مراد" وعيناه تبحث عن "مريم" :
- هى فين "مريم" ؟
قالت "نرمين" :
- طلعت ترتاح فى اوضتكوا يا أبيه
أومأ برأه وجلس معهم .. فسألته أمه قائله :
- كنت فين ؟
زفر بضيق وقال :
- كنت عند المحامى هكون فين يعني
قالت "ناهد" :
- خفت تكون روحت للزفت ده تانى .. وموبايلك أفله معرفش ليه .. بتجنن لما نكون فى مشكلة كدة وألاقى اللى بكلمه قافل موبايله
ٌال "مراد" وهو ينهض :
- أنا ما قفلتوش .. فصل شحن
توجه "مراد" الى غرفته .. طرق طرقه صغيره خشية أن يوقظها إن كانت نائمة .. فتح الباب .. ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. دخل وأغلق الباب .. اقترب من الفراش ينظر اليها بحنان مبتسماً .. كم افتقد وجودها .. والنظر اليها .. اقترب منها وجلس بجوارها ومسح على شعرها برفق .. اتسعت ابتسامته وهو يرى عقد الفل مازال يزين يدها .. تلمسه بأصابعه ثم نظر اليها وعيناه تشعان .. حبــاً .. فجأة استيقظت وفتحت عيناها لتجده جالساً بجوارها .. شعر "مراد" بالإضطراب ونهض من مكانه بسرعة .. كذلك اضطربت هى وجلست مكانها .. قال "مراد" بتوتر وهو يتحاشى النظر اليها :
- كنت عايز أتكلم معاكى بس لقيتك نايمة
أزاحت "مريم" ونهضت وهى تقول :
- أنا كنت نايمة بس صحيت
وقفت قابلته وقالت :
- فى حاجة حصلت ؟
قال "مراد" :
- لا مفيش بس كنت عايز أطمنك انى كلمت المحامى ..وهيحتاج يتكلم معاكى شوية
قالت "مريم" :
- مفيش مشكلة
قال "مراد" بضيق وهو ينظر اليها :
- معلش يا "مريم" .. بس هو مضطر يتكلم معاكى عشان يسمع منك انتى التفاصيل
كررت بهدوء :
- مفيش مشكلة
قال برقه :
- انتى كويسه
أومأت برأسها صامته .. نظر الى عقد الفل ثم نظر اليها .. فشعرت بالخجل .. وقالت لتخفى ذلك :
- الشنطة بتاعتى فى العربية
قال بهدوء وهو يتوجه الى الباب :
- حاضر هجيبهالك
خرج وتركها تتساءل تُرى هل ما تراه في عينيه موجود بالفعل أم أنها تتوهم ذلك .. واذا كان موجوداً بالفعل فلماذا لا يصارحها به ؟!
*************************************
كانت "مريم" جالسه فى الحديقه وقد شردت بخيالها .. نظرت "مريم" الى هاتفها الذى يرن والموضوع على الطاولة .. ردت قائله :
- السلام عليكم .. ازيك يا "سهى"
قالت "سهى" بهدوء :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. بخير الحمد لله .. ازيك يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- تمام يا حبيبتى الحمد لله المهم طمنيني عليكي انتى
قالت "سهى" :
- الحمد لله بخير .. بس كنت عايزة أشوفك .. محتاجه أتكلم معاكى شوية يا "مريم"
صمتت "مريم" فليلاً فقالت "سهى" :
- عارفه ان جوزك ممكن ميرضاش انك تشوفيني أو تعرفيني تانى .. بس فعلاً أنا محتاجة أتكلم معاكى .. حاولى تقنعيه وهستنى تليفونك
تمتمت "مريم" بخفوت :
- ماشى يا "سهى"
توجهت "مريم" الى غرفة مكتب "مراد" طرقت الباب ودخلت وقفت أمامه بحرج قائله :
- هعطلك عن حاجة
قال لها مبتسماً :
- لا أنا أصلاً تعبت شغل وكنت عايز آخد بريك
همت بأن تتحدث لكنه أوقفها بإشاره من يده وهو ينهض قائلاً :
- استنى دادة "أمينة" بتحضرلى الأكل هقولها تعمل حسابك ونتكلم واحنا بناكل سوا
لم يعطيها فرصة لإبداء رأيها وخرج .. خرجت خلفه وتوجهت الى حجرة الطعام فى انتظاره .. ونظرت الى المائدة التى يتم اعدادها .. دخلت "أمينة" تحضر باقى الأطباق وخلفها "مراد" الذى ترأس المائدة فى مكانه المعتاد .. جلست "مريم" بجواره وهى تقول :
- أصلاً أنا مش جعانه هعد أتكلم معاك بس
قال "مراد" بتحدى وهو يرفع حاجبيه بمرح :
- لو مكلتيش يبقى مفيش كلام .. انا مبحبش آكل لوحدى
ابتسمت له وقالت :
- خلاص هاكل شوية صغيرين
ابتسم لها .. كانت تلك من المرات النادرة التى يبتسم كلاهما فى وجه الآخر .. فشعرا بشعور ألفة يجمعهما .. أخفضت "مريم" بصرها لكنها لم تستطع اخفاء ابتسامتها .. عادت "أمينة" حاملة طبق "مريم" ووضعته أمامها مبتسمه وهى تقول :
- نورتى البيت والله .. كان مضلم من غيرك
ابتسمت "مريم" لمجاملة المرأة قائله :
- شكراً يا دادة "أمينة" بس البيت دايماً منور بصحابه
هتفت "أمينة" قائله :
- مش بجاملك .. والله كان مضلم فعلاً
ثم نظرت الى "مراد" قائله :
- وسى "مراد" مكنش على بعضه من ساعة ما سيبتى البيت .. وحتى مكنش بياكل ولا بيشرب ولا بيعمل أى حاجة غير انه قاعد فى أوضته او فى الجنينة
نظرت "مريم" الى "مراد" الذى بدا عليه التوتر انشغل بالطعام أمامه فأكملت "أمينة" :
- كان مبوز ومكشر على طول كان ميتله حد .. ومشفتش الابتسامة على وشه الا لما انتى نورتينا امبارح
التفت "مراد" لأمينه قائلاً بحرج :
- مش هناكل ولا ايه يا دادة
قالت "أمينة" وهى تغادر :
- معلش الكلام خدنى .. يلا بالهنا والشفا
أمسكت "مريم" ملعقتها وهى تفكر فى كلام "أمينة" .. تُرى أحزن حقاً لفراقها ؟ّ! .. أم أن "أمينة" تهول الأمر ؟! .. قال "مراد" بخفوت دون أن ينظر اليها :
- كلى
بدأت فى تناول طعامها وهى مستغرقة فى التفكير .. فنظر اليها "مراد" قائلاً :
- كنتى عايزة تكلميني فى ايه
تذكرت "مريم" أمر "سهى" فقالت :
- "سهى" كلمتنى النهاردة وقالتلى انها محتاجة تتكلم معايا ضرورى
بدا على "مراد" الإمتعاض .. فقالت بحماس :
- أنا عارفه انها اتصرفت غلط .. بس أنا حسه انها محتجانى جمبها .. "سهى" مفيش فى حياتها صحبة كويسة تقدر تاخد بإيدها .. والديب مبيقدرش الا على الغنمة الشاردة عن القطيع
نظر "مراد" اليها وبدا وكأنه اقتنع بكلامها وقال بحزم :
- طيب مفيش مشكلة .. بس هى اللى تجيلك هنا .. انتى ما تروحيلهاش
ابتسمت "مريم" قائله :
- خلاص تماما هقولها كدة .. متشكرة أوى
نظر اليها "مراد" للحظات وقال فجأة بحنان :
- انتى طيبة أوى على فكرة
شعرت "مريم" بالإحمرار يغزو وجنتيها وابتسمت وهى تنظر الى طبقها قائله :
- عادى يعني
قال "مراد" وهو مازال ينظر اليها بحنان وابتسامه صغيره على شفتيه :
- لا مش عادى .. اللى بتعمليه مش عادى
قالن بتوتر دون أن تنظر اليه :
- أنا مبعملش حاجة
قال "مراد" بهدوء وهو ينظر اليها بإعجاب شديد :
- لا بتعملى .. بتهتمى بكل اللى حواليكي .. وبتنغمسى فى مشاكلهم أكنها مشكلتك انتى .. وبتحبى الخير لكل الناس .. خاصة الناس اللى بتحبيهم .. ولما بتحبي بتخلصى أوى .. لدرجة صعب ان الواحد يلاقي زيها فى الزمن ده .. ولما بتخصلى بتدى كل حاجة .. قلبك وعقلك ومشاعرك وكيانك كله .. وفى نفس الوقت انتى حطه لنفسك خطوط حمرا كتير فى حياتك .. رغم انك عايشة لوحدك ومفيش حد يحاسبك ومفيش حد يقولك الصح من الغلط .. أو يلومك لو عملتى الغلط .. لكن انتى بفطرتك السليمة بتعرفى تميزى بين الصح والغلط .. وبتراعى ربنا فى كل حاجة بتعمليها .. ورغم انك وحيدة ومفيش حد معاكى .. بس دايماً بتكونى قوية وواثقة من نفسك .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية وانسانه يعتمد عليها .. وناجحة فى شغلك .. وفى نفس الوقت عارفه حدودك .. وعارفه انك بنت مش راجل .. يعني رغم نجاحك وثقتك فى نفسك وقوة شخصيتك واعتمادك على نفسك الا انك أنثى بجد .. بتقدرى تحسسى الى أدامك برجولته وبقوامته عليكي
كانت وجنتيها تشتعلان خجلاً وتنظر الى طبقها وتلعب بعصبيه بالملعقة وهى لا تستطيع النظر اليه .. أمرها عقلها بأن تستأذن وتنصرف .. لكن قلبها أمرها بالبقاء ..فإمتثلت لأوامر هذا الأخير .. مرت لحظات صامته بيهما .. لا تستطيع أن ترفع نظرها اليه .. لحظات لم يقطعها الا صوته الحزين وهو يسألها :
- لسه بتحبيه ؟
خفق قلبها وهى تعرف معنى سؤاله .. شعرت بالحيرة .. بماذا تجيبه .. حثها قائلاً :
- "مريم" بصيلي
لم تفعل .. لم تستطع .. قال "مراد" بهدوء :
- كان محظوظ أوى على فكرة .. انه لقى واحدة زيك وحبته وأخلصت له حتى بعد ما مات
ثم تمتم بحزن :
- الله يرحمه
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه ترقب تعبيرات الحزن على وجهه .. نظر اليها بحزن وسألها بألم :
- اوصفيهولى يا "مريم" .. شخصيته أخلاقه طباعه .. كلميني عنه .. هو أخويا بس معرفش عنه أى حاجة .. ومش فاكر عنه غير لقطات بسيطة فى دماغى واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالألم وهى تسمع نبرات صوته المتألمه .. شعرت بالحزن لأجله لحرمانه من أخوه دون سبب واضح .. فقالت بهدوء :
- كان انسانه محترم .. ويعرف ربنا .. كان طيب .. وهادى .. وكان كل الناس بتحبه
كان يتأملها وهى تتحدث عنه .. بدت شارده وهى تقول :
- كان الأطفال قبل الكبار بيحبوه .. كان طيب مع كل الناس .. وقف جمبي كتير أوى .. وهى دى طبيعته .. كان بيحب يساعد الناس ويقف جمبهم
صمتت .. راقب "مراد" تعبيرات الحزن على وجهها متألماً من أجلها فقال بصوت متهدج :
- كان نفسي أقابله أوى
نظرت اليه "مريم" بأعين دامعه وهى تقول مبتسمه بضعف :
- كنت هتحبه
قال "مراد" وقد بدت الدموع فى عيناه :
- أكيد كنت هحبه
ظل ينظران الى بعضهما البعض وعيناهما تغشاها العبرات .. شعرت وكأنها تتقاسم معه آلامها .. وشعر وكأنه يتقاسم معها آلامه .. امتدت يده من فوق الطاولة تتلمس طريقها الى كفها ليحتضنه فى حنان .. لم تبتعد عيناهما عن بعضهما البعض لحظه .. شعرت "مريم" بالدهشة بداخلها .. نعم هى تنظر الى ملامح تشبه ملامح "ماجد" الى حد كبير .. لكنها لا ترى "ماجد" فى تلك الملامح .. وكأن "ماجد" كان بملامح أخرى وشكل آخر .. وكأنهما لا يشبهان بعضهما البعض على الرغم من وجود هذا الشبه بالفعل .. شعرت بأنها .. تنظر الى رجل آخر تماماً .. ولدهشتها .. فهى تشعر بشعور عميق تجاه هذا الرجل .. الذى شعرت أنه لا يشبه أى رجل آخر قابلته فى حياتها .. تركته يحتضن كفها فى استسلام وعبناه مركزتان عليها .. لكنها لمحت فى عينيه نظرة خوف و تردد و ألم .. ثــم .. أبعد يده عن كفها وأبعد عينيها عن عينيها .. شعرت "مريم" بالحرج .. وبالضيق من تغيره المفاجئ .. ودون كلمه .. نهضت لتغادر الغرفة.
******************************************
قالت "نرمين" فى دهشة :
- "أحمد" ابن خالتى
أومأ "مراد" برأسه ثم أكمل قائلاً :
- بصراحة يا "نرمين" أنا شايف انه انسان مناسب وكمان عارفينه كويس وعارفين أخلاقه .. يعني بصراحة أنا شايف انه الشخص المناسب ليكي
صمتت "نرمين" فأكمل "مراد" :
- بس طبعاً دى حياتك انتى .. انا ليا انى أنصحك واقولك رأيي بس مش ممكن أفرضه عليكي لو كنتى انتى رفضاه أو مش حسه نحيته بقبول .. لان الجواز أهم حاجة فيه القبول
صمتت "نرمين" فحثها "مراد" قائلاً :
- ها يا "نرمين" .. هل انتى رفضاه رفض قاطع .. ولا فى قبول ومحتاجه فترة تفكرى فى قرارك ؟
قالت "نرمين" بخجل وهى تنظر أرضاً :
- سيبنى شوية أفكر يا أبيه
ابتسم "مراد" وقبل جبينها قائلاً :
- ماشى يا "نرمين" فكرى براحتك .. واستخيرى ربنا قبل كل شئ
أومأت برأسها دون أن تنظر اليه وغادرت غرفة المكتب وأغلقت الباب خلفها وابتسامة سعادة تتكون على شفتيها ببطء
******************************************
دخلت "مريم" المطبخ وابتسمت لـ "أمينة" قائله :
- طنط "ناهد" والبنات عايزين نسكافيه يا دادة
ابتسمت "أمينة" وهى تعطيها صانية موضوع عليها فنجان شاى :
- طيب ادخلى دخلى دى لجوزك على ما أكون عملتكوا كلكوا النسكافيه
أخذت "مريم" الصينية وطرقت باب غرفة المكتب بتوتر سمعته يقول :
- اتفضلى
دخلت "مريم" .. فنظر اليها بدهشة وهى حاملة صينية الشاى ظل يتابعها بنظراته الى أن وضعتها بجانيه على مكتب .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيه .. همت بأن ترحل لكنه أوقفها قائلاً بخبث :
- مش هتصبيه ؟ .. مش اللى يقدم شاى لحد يصبهوله ويحطله السكر
ابتسمت "مريم" بحرج وصبت الشاى ثم سألته :
- أد ايه السكر
ابتسم لها قائلاً :
- اتنين
وضعت السكر وقلبته ثم قدمت له الفنجان .. همت بالإنصراف لكنها عادت تلتفت اليه وتقول بحرج :
- "سهى" هتجيلى بعد بكرة ان شاء الله
قال بهدوء :
- تمام
التفتت لتغادر لكنه أوقفها بسؤال مفاجئ :
- الجواب اللى كان على السرير ده من "ماجد" مش كده ؟
التفتت لتنظر اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
- لما جتلك البيت عشان أخدك وأنا بحط الشنطة على السرير شوفت جواب .. ده من "ماجد" مش كده
شعرت بالإضطرب وقالت بصوت خافت :
- أيوة
أشاح بوجه وبدا عليه الجمود قائلاً :
- شكراً على الشاى
وقفت تنظر اليه فى حيرة .. قال "مراد" بحزم دون أن ينظر اليها :
- لو فى حاجة حابه تتكلمى فيها أجليها دلوقتى لانى مشغول
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت متوتر :
- أنا مفتحتوش
رفع "مراد" رأسه بحده وأخذ يتفرس فيها .. فأكملت قائله :
- مفتحتش الجواب
ظل ينظر اليها للحظات وقد ضاقت عيناه .. ثم قال :
- ليه ؟ .. ليه مفتحتيهوش ؟
لم تستطع الإجابة ولم تستطع المكوث أكثر .. فغادرت الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهى تشعر بالغيظ من نفسها .. ما الذى دفعها لتخبره بأنها لم تقرأ خطاب "ماجد" .. لماذا فعلت ذلك .. أخذت تلوم نفسها بشدة .. وشعرت بالحنق .. خرجت لتجلس فى الحديقة وقد عقدت ما بين حاجبيها فى غضب وهى تتمتم :
- غبية يا "مريم" .. غبية
جلس "مراد" فى مكتبه شارداً .. اخذ يتساءل ما الذى منعها من قراءة خطابات "ماجد" .. حبيبها .. الذى كانت تتألم لعدم استطاعتها قراءة خطاباته .. لقد طلقها .. وحررها من قيده .. فلماذا لم تعود لقراءة تلك الخطابات مرة أخرى .. ما الذى منعها ؟ .. وما الذى دفعها لأن تخبره الآن أنها لم تقرأه .. طالما الخطاب كان على السرير اذن فلقد أخرجته لتقرأه .. ما الذى منعها إذن ؟ .. أممكن أن ...... ؟! .. لا غير ممكن .. كاد أن يجن من فرط التفكير .. لكنه عقد ما بين حاجبيه فى ضيق وقد انتبه الى أمر هام .. وأخذ يحدث نفسه .. كيف تفعل ذلك يا "مراد" كيف سمح لك ضميرك لأن تفعل ذلك .. اعترف بأنك تحاول التقرب منها .. تحاول جذبها اليك .. لكن كيف تريد السيطرة على مشاعرها وهى لا تعلم حقيقتك .. "مريم" لا تعرف شيئاً عن اعاقتك .. كيف تقربها منك دون أن تخبرها الحقيقة .. كيف تحاول أن تعلق قلبها بك لتصدمها بعد ذلك بإعاقتك .. أتحاول أن تضعها أمام الأمر الواقع ؟ .. أهذه رجوله يا "مراد" .. ؟ تجعلها تحبك ثم تخبرها بأمر اعاقتك .. حتى تضمن ألا تتركك .. كيف تفعل ذلك بها .. بـ "مريم" ؟! .. أخذ يلوم نفسه بشدة .. وهو يشعر بأنه أخطأ خطأً جثيماً عندما حاول التقرب اليها دون علمها بأمر اعاقته
******************************************
استيقظ "مراد" فزعاً على صوت صرخة مكتومة .. قفز من مكانه لينظر الى "مريم" الجالسه فى فراشها وجسدها ينتفض بقوة وتخفى وجهها بكفيها وتبكى .. اقترب منها "مراد" وجلس قبالتها وقال بهلع :
- "مريم" فى ايه ؟ .. انتى كويسه
لم تجيبه "مريم" .. كانت تبكى وهى تخفى وجهها بكفيها .. فخمن أنها رأت كابوساً .. كانت تنتفض بشدة ..أحطاها بذراعيه وقربها الى حضنه دون مقاومة منها .. ضمها اليه بشدة ليوقف ارتجافتها وليبث فيها الطمأنينه .. قال بصوت حانى :
- متخافيش .. استعيذى بالله
تمتمت بصوت مرتجف وهى مازالت تخفى وجهها بكفيها :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ظلت ترددها كثيراً .. كانت تعلم بأنها يجب أن تبتعد عنه .. لكنها كانت تشعر بأمان كبير لا تريد مفارقته وحرمان نفسها منه .. هدأت شيئاً فشيئاً .. مسح "مراد" على شعرها وقال بحنان :
- خلاص .. متخفيش .. تلاقيكي نسيتي تقولى الأذكار قبل ما تنامى
رفعت "مريم" رأسها ببطء لتبتعد عنه وقالت دون أن تنظر اليه :
- فعلاً نسيت أقولها النهاردة
مسح بكفيه العبرات التى تغرق وجهها وقال :
- لسه خايفه ؟
هزت رأسها نفياً ومازالت لا تستطيع النظر اليه .. فقال :
- طيب نامى وهصحيكي على الفجر
التفتت "مريم" ونظرت الى الساعه خلفها وقالت :
- لا هقوم اصلى قيام
أزاحت الغطاء ونهضت وتوجهت الى الحمام .. نظرت فى المرآة الى وجهها الباكى توضأت وخرجت وارتدت الإسدال .. نظر اليها "مراد" الجالس يقرأ فى مصحفه قائلاً بإهتمام :
- كويسه دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
قال بإهتمام :
- متقوليش لحد اللى انتى حلمتى بيه طالما حلم وحش
قالت بخفوت :
- عارفه
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- هصلى تحت
نهض بسرعة قائلاً :
- لا خليكي انتى هنا هقرأ أنا تحت
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- متصلى انت كمان .. احنا فى التلت الاخير من الليل متضيعش فضل القيام فى الوقت ده
وقف أمامها وهو يبتسم لحرصها على ألا يفوته الأجر وقال لها :
- على فكرة القيام مش شرط يكون صلاة .. القيام ممكن يكون قراءة قرآن أو دراسة علم شرعى أو حتى دعاء وذكر
نظرت اليه بدهشة وقالت :
- بجد ؟
أومأ برأسه وقال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- أيوة بجد
ابتسمت قائله :
- مكنتش أعرف
شعرت بالألفة وهى واقفة تتحدث معه ويبتسمان لبعضهما البعض .. فجأة تغيرت ملامحه الى الجديه وغادر الغرفة مسرعاً .. تابعته "مريم" بعينيها وهى تحاول أن تفهم ما الذى يحدث له ويجعله يتغير تجاهها فجأة .. أيشعر بالذنب لكونها كانت زوجة لأخيه الراحل .. أهذا ما يجعله ينأى بنفسه عنها .. أهذا ما يفصل بينهما .. جلست على الأريكة وملامح الأسى على وجهها .. كيف لها هى الأخرى أن تنسى أنه شقيق زوجها الراحل .. كيف تسمح لنفسها بأن تشعر بشئ تجاهه .. أخذ عقلها يلومها بشدة .. لكن قلبها قال لها :
- لا تستمع الى عقلك أيها الجسد .. فأنا لا أفعل شئ يغضب ربك .. لا شئ يمنعنى من أن أحب هذا الرجـــل .
****************************************
دخلت "مى" منزلها لتستقبلها والدتها بإبتسامه واسعة ..قالت "مى" :
- السلام عليكم
قالت أمها بحماس :
- وعليكم السلام .. تعالى عايزاكى
دخلت خلفها المطبخ وهى تلقى نظرها على والدها الجالس أمام التلفاز .. قالت لأمها :
- ايه يا ماما فى ايه ؟
قالت أمها بحماس :
- جالك عريس
امتقع وجه "مى" وقالت ببرود :
- طيب
ثم التفتت ودخلت غرفتها .. دخلت أمها خلفها وأغلقت الباب وقالت :
- مالك مش فرحانه ليه
قالت "مى" بوجوم :
- عادى يعني
اقتربت منها أمها وقالت :
- "مى" احنا مش قولنا نشيل الموضوع ده من دماغنا
قالت "مى" بأعين دامعه :
- غضب عنى
قالت أمها :
- حبيبتى ممكن الراجل اللى جاىي تقدملك ده يطلع أحسن من "طارق" ده مليون مرة .. اعدى معاه واتكلمى معاه وان شاء الله لو ليكي خير فيه أكيد ربنا هيفتح قلبك ليه
قالت "مى" بصوت باكى :
- مش عايزة يا ماما مش هقدر صدقيني
قالت أمها بإصرار :
- حبيبتى جربي مش هتخسرى .. مش بقولك وافقى عليه .. بقولك اعدى واتكلمى معاه
صمتت "مى" حائرة فقالت أمها وهى تغادر الغرفة :
- اعملى حسابك انه هييجى آخر الاسبوع ان شاء الله
*****************************************
شعرت "مريم" بتصرف "مراد" معها ببرود وبأنه يتحاشى النظر اليها أو الكلام معها .. أشعرها هذا بالضيق الشديد .. جلست مع الجميع على طاولة الطعام وهى شاردة تحاول تخمين ما يصيبه .. أحياناً تشعر بإهتمامه بها وبنظراته التى تقول الكثير وأحياناً تشعر أنه بعيد بارد .. كانت تشعر بالحيرة من تغير معاملته ونظراته .. قالت "ناهد" بـ "مريم" :
- كلى يا "مريم" مبتاكليش ليه
باتسمت "مريم" بضعف قائله :
- باكل يا طنط
عادت لتكمل طعامها .. حانت منها التفاته لـ "مراد" لتجده منشغلاً بطعامه .. فأبعدت عينيها عنه .. قالت "نرمين" بمرح :
- ايوة كدة رجعتى وسطينا تانى يا "مريم" .. كنا بجد مفتقدينك أوى
ابتسمت "مريم" قائله :
- أنا كمان افتقدتكوا اوى
قالت "نرمين" بخبث :
- طيب مين أكتر حد فينا افتقدتيه
فهمت "مريم" تلميح "نرمين" فارتبطت قائله :
- انتوا كلكوا
ضحت "نرمين" بخبث وقالت :
- ماشى هفوتها المرة دى
نهض "مراد" فجأة فقالت "ناهد" بإستنكار :
- مش هتكمل أكلك
قال ببرود :
- شبعت
رمقته "مريم" وهو ينصرف وهى تشعر بالحيرة والغضب فى آن واحد
فى المساء كانت "مريم" جالسه فى غرفة "سارة" تتحدثان وتتمازحان .. ثم قالت "سارة" مبتسمه :
- نفسي نعد نتكلم مع بعض للصبح
قالت "مريم" :
- احنا فيها
قالت "سارة" بحماس :
- بجد مش بهزر .. تعالى نسهر سوا النهاردة لانى جبت لعبة بازل انما ايه هتعجبك جدا
قالت "مريم" بحماس :
- هاتيها بسرعة شوقتيني
قالت "سارة" وهى تشير الى دولابها :
- طلعيها من الدولاب على ما أخلى داده تعملنا نسكافيه
قالت "مريم" وهى تتزجه للباب :
- لا خليكي انتى زمانها نايمة هعمله أنا
خرجت "مريم" من الغرفة وهمت بالنزول لتتلاقى بـ "مراد" الذى كان يصعد الى غرفته .. تحاشت النظر اليه وهى تنزل فأوقفها قائلاً :
- مفيش حد تحت كلهم طلعوا يناموا
التفتت اليه وقالت ببرود :
- عارفه .. أنا نازله اعمل نسكافيه ليا ولـ "سارة" عشان هنسهر سوا
قال "مراد" وهو ينظر لساعته :
- تسهروا أكتر من كدة
قالت بنفس البرود :
- أيوة .. واحتمال أنام فى أوضتها كمان .. فرصة تاخد راحتك فى أوضتك النهاردة
قالت ذلك ثم نزلت الى الأسفل ونظراته النارية تتابعها .. دخل "مراد" غرفته وبدل ملابسه وافترش الأريكة للنوم .. قضى ساعة ونصف من الأرق الى ان أزاح الغطاء وجلس على الأريكة .. أخذ ينظر الى السرير الخالى .. شعر بأنه يفتقد وجودها معه .. بالرغم من أنه لا يفصل بينهما إلا
يتبع