رواية اغلال الروح الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم شيماء الجندي
وقف "سليم" داخل صالة الرياضة الخاصة بـ "آسر" مائلًا بجزعه العلوي و يستند براحتي يديه إلى ركبتيه ملتقطًا أنفاسه تاركًا حبات العرق تسقط واحدة تلو الأخرى فوق الأرض و يسقط معها دمعات شاردة هاربة من عينيه التي أصبحت شديدة الإحمرار من فرط إجهاده و أرقه حيث هجره النوم بعد تعرية عائلة و نزع ثوب العفة و النبل في لحظة غفلة صادقة منهم و مصادفة قاسية له ، كيف له أن يخبر ابن عمه أنه قد أتى ببديل لشقيقته و أن والده ليس مثال للشرف مثلما يظن ؟! كيف يتغافل عن تلك الحقائق و يخرج من هذا المكان راسمًا بسمة ناصعة فوق ثغرة و متبخترًا بخطواته مثلما يفعل عمه كل صباح ؟!!!!
استقام واقفًا يضحك من بين بكائه بسخرية و يغطي وجهه بكلتا يديه مغمضًا عينيه بقوة هامسًا داخله باستنكار هل كنت غاضب من المحتالة التي تلاعبت بك و بعائلتك ؟ ماذا عن عمك إذًا ؟!!! لقد كانت المحتالة شجاعة و زاهدة إلى درجة مصارحة الجدة بحقيقتها !!! عُذرًا هي ليست محتالة نظرًا إلى سلوك العم الفاضل !!! بل حاولت إنقاذ طفلة صغيرة من براثن حياة قاسية انتهكت روحها و قضت على قلبها منذ زمن و الآن اتضح له حقيقة تعلقها بالصغيرة "نورهان" و رغبتها بتوضيح الحقائق إلى عمه و التي كانت جدته على علم بها أيضًا و من الواضح أن ما حدث بين "سديم" و عمه "عاصم" كان تحت إشرافها !!! و آه من عمه "عاصم" و الطعنات القاسية التي حصل عليها طوال الأعوام الماضية ؟ كيف يطعنه بخنجر شقيقه أيضًا ؟!!! عقد حاجبيه حين استمع إلى صوت الباب خلفه و أسرع يمسح القطرات المنسابة فوق صدغيه ثم نظر إرضًا يحاول لملمة شتات أمره خاصة حين تأكد أن الحركة خلفه تخص "سديم" و ابتسم ساخرًا من حاله حين استمع إليها تقول بهدوء تام :
- متقلقش مش هقول لحد ، أنا جاية أخرج طاقتي تقدر تعتبرني مش موجودة أصلًا !
و بالفعل مرت أمامه و تركت متعلقاتها فوق المنضدة الجانبية و عادت إليه تنظر إلى ملامحه الشاحبة للحظات معدودة قبل أن تتحرك تجاه الآلة ليهمس لها متسائلًا وهو يتابع أثرها بدهشة :
- منمتيش ليه الصبح قرب يطلع !
ضحكت بخفة و قد استقرت فوق الآلة تستند إليها بكوعها و عينيها تراقب ملامحه المجهدة لتهمس باستنكار :
- نفس أسبابك !
عقد حاجبيه و رفع زاوية فمه قائلًا بدهشة بعد أن تحرك من مكانه و استقر أمامها :
-و تعرفي أسبابي منين ؟
تلاشت بسمتها الصغيرة و حدقت به بصمت لحظات قليلة قبل أن تقول بحزن :
- اتخدعت في حد قريب منك مش كدا ؟
عقد حاجبيه و أردف بنبرة متألمة ساخرًا من حاله :
- سرعة بديهة تتحسبلك أو يمكن أنا مبعرفش اخبي زيك !
زفرت أنفاسها بإنهاك و أردفت بهدوء وهي تعتدل وتعبث بالأزرار لتبدأ الآلا بالعمل :
- ملهوش علاقة بالبديهية ، وعلى فكرة دي بداية الصدمة و هتتعود تخبي لما تلاقي نفسك شايل مسؤلية و مضطر تبقا قدها !
ثم ألقت نظرة خاطفة عليه وعادت تنظر أمامها إلى الزجاج المطل على الحديقة تُكمل بسخرية لاذعة:
- زيي ! بس أنت على طريقة متربية شوية مش طريقة النصابين !
نظر أرضًا وهمس بندم ظنًا منه أنها تعاتبه على كلماته تجاهها :
- أنا آسف ، بس حطي نفسك مكاني الموضوع كان صعب عليا وقتها خصوصًا إني كنت أقرب واحد ليكِ وكان أغلب وقتك معايا !
هبطت عن الآلة بل و توجهت إلى أقرب حائط تجلس أرضًا و تستند بظهرها إليه قائلة بهدوء :
- بس أنا متضايقتش منك ياسليم كلامك كان صح ومتوقع كمان منكم محدش هيفرح إنه اتخدع !
تبعها حيث استقرت جالسة و هبط أرضًا يجلس بجانبها و ينظر أمامه بشرود متهكمًا داخله على حديثها عن الخداع و قد كان العم الأكبر يحتال على أسرة بأكملها كما قالت الجدة بينما هي خدعتهم دون أن تمس أحد بضرر عند تلك الفكرة عقد حاجبيه و نظر إليها هامسًا بألم شديد :
- طيب و لو الخدعة دي هتوجع ناس كتير لو خرجت و في نفس الوقت متقدريش تكتميها جواكِ و لا عندك شجاعة تصارحي حد و تخربي حياة كل اللي حواليكِ هتعملي إيه ؟
وكأنه يتحدث عن بداية طريقها المدنس كانت مثله تمامًا تائهة ، ضائعة بين دروب الخير و الفساد و بين ألم خداع والدها الحبيب بحقيقة أموالهم و صمتها الإجباري على أفعال والدتها و تبدل أحوالهم المعيشية بمهنة ابنتها المشينة التي قضت على والدها و أنهت حياته !! أغمضت عينيها لحظات تدراي دمعاتها ثم نظرت إليه تسأله بحزن :
- هفكر وقتها مليون مرة الخدعة دي لو خرجت هتفيد ولا تضر ؟ يعني لو الحقيقة هتفيد هوصلها بأقل خساير و لو هتضر هعتبر نفسي مسمعتهاش !
سألها مباشرة عاقدًا حاجبيه عله يجد دواء علته داخل كلماتها المتزنة :
- قصدك زي ما خبيتي على الكل إن آسر اللي جابك ؟
تنهدت و هزت رأسها بالإيجاب و كادت تواصل شرودها لكنه أكمل بتردد ملحوظ :
- ينفع اسألك سؤال و تجاوبيني بصراحة ؟
هزت رأسها بالموافقة و أولته اهتمامها ليسألها مباشرة :
- عملتي كدا عشان بتحبي آسر ؟ متقوليش عشان عيلة و متتفرقوش ويكرهوه ، أنا وأنتِ عارفين عمي عاصم بيحب آسر إزاي وهيسامحه بس أنت فرق معاكِ إن محدش يشوفه وحش !
حركت عينيها بعدة اتجاهات بعيدًا عنه ثم أردفت باقتضاب :
- محدش بيسامح ، أنا عملت كدا عشان عرفت طبع كل واحد منكم !
هز رأسه بالإيجاب و أردف ساخرًا بخفوت :
- خايفة تصارحي نفسك !
عقدت حاجبيها و أردفت بحدة مدافعة عن نفسها بعفوية :
- معنديش حاجة أصارح نفسي بيها ياسليم خصوصًا مع بتاع فريدة بتاعك دا !
نظر إليها بصدمة و سألها بحذر و تردد أثار فضولها :
- تعرفي فريدة منين ، هي رجعت ؟!!
أجابته بدهشة وقد اعتدلت بجلستها تنظر اليه باهتمام بالغ تعمد تجاهله و إكمال محادثتهم دون إثارة حفيظتها :
- أنت تعرفها ؟!!! ورجعت منين أصلًا ؟!
رفع حاجبه الأيسر و أردف بنبرة تحذيرية : هو فيه حد ميعرفهاش أتمنى متتعامليش معاها خالص بقا ، فريدة تبقا أخت أميرة و النسخة الأسوأ منها في كل حاجة حرفيًا حتى نورهان الصغيرة مش بتطيقها و شبه متعرفهاش لأنها على طول مختفية وبيقولوا مسافرة !
رفعت حاجبها باستنكار وأردفت بحدة طفيفة :
- ولما هي أخت أميرة تيجي تسأل على ابنك بعد نص الليل تقعد هنا و يطلع يجري عليها ليه يعني ، معرفتش تستنى للصبح مثلًا و إيه علاقة دخولها بيتكم بآسر ؟!
رفع كتفيه بلا مبالاة و أردف بعبث :
- لأ دي بقا تسألي فيها جوزك ، بس هي أكيد عرفت اللي حصل في أختها وجاية تشوفها !
عقدت حاجبيها و لمست المكر بحديثه و نظراته لذلك رفعت كتفيها بلا مبالاة مماثلة و عادت تستند إلى الحائط مرة أخرى وتقول ببرود :
- وأنا أساله ليه هو حر في تصرفاته !
هز رأسه بتأكيد و أردف باستفزاز :
- آه على رأيك هتهتمي بتصرفاته ليه أنتِ أصلًا مش بتحبيه ! جايز الاسم لفت انتباهك عشان جديد مش أكثر ، إلا لو كنتِ راقبتيه مثلًا وعشان كدا عرفتي إنها قاعدة هنا ؟
عقدت حاجبيها و صمتت لحظات ثم اعتدلت بجسدها مرة أخرى و استدارت تنظر إليه و تقول بامتعاض :
- ماهو طبيعي لما اسم جديد يلفت انتباهي أشوف دوره إيه يعني في المكان مش مراقبة ولا حاجة !
عقد حاجبيه و هز رأسه بتأكيد قائلًا بسخرية :
- آه أكيد طبعًا ، حتى لو كانت بتسأل عليا أو على يوسف برضه كنتِ هتراقبينا مش كدا ؟
حدقت به بشرود للحظات تسأل حالها هل كانت لتتبع أمرها و تذهب خلفهم خفية مثلما فعلت منذ ساعات ؟ هل تحاول خداع حالها أم تخدع الجالس أمامها و يسخر من تكذيبها لصدق كلماته ، إن صارحته بحقيقة تشتتها لوجدت ما يدفعها إلى حرب محتمة النهاية و إن كذبت عليه لن تتمكن من الكذب على حالها !!
تنهدت بضيق شديد و نظرت إليه حيث كان بانتظار إنهاء حربها مع حالها و همسها بسخرية لاذعة :
- مش هتفرق كتير مفيش حاجة هتتغير أنا مش هقبل على أختي تتهان في بيتكم عشاني ، و عمك عمره ماهيقبل بالجنان دا حتى لو سكت بشكل مؤقت ! وأنا مش هدخل آسر وأبوه في حرب عشاني دا أب في الأول والآخر !
احتدت نظراته حين ذكرت العم المخادع و العقبة الصلدة في طريق ابن عمه و كأنها كلماتها عن الأبوة صفعته بقوة كيف يخبرها أن هذا الأب ترك ابنته تتربى بين أحضان أخيه متجنبًا ويلات المعارك لأجلها و كان يتهم شقيقه بالمبالغة كلما حاول البحث عنها و ذكريات عدة تداهمه منذ ليلة أمس والآن المخادع يمارس مهنة الشرف على من أنقذت العائلة و تخشى الإعتراف بمحبتها كنوع من أنواع مواصلة سلسلة التضحيات بالرغم أنها هي الترياق الوحيد لابن عمه في حالة تسرب الحقائق ومعرفة أفعال والده المشينة !!!!
أغمض عينيه محاولًا كظم غضبه الشديد و عجزه عن التصرف رغم بشاعة ما يدور حوله و أفاق على استقامتها واقفة تربت على ركبته و تقول بسخرية :
- عاجبك كدا ؟ كنت جاية أخرج طاقتي قعدتني جنبك ! قوم شوف اللي وراك ياسليم المشاكل مش بتتحل بالهروب ، ولا هتغير حقايق بكلامك ، فكر كويس قبل كل خطوة بتاخدها !
كادت تتحرك إلى الخارج لكنه استقام مثلها و أوقفها محلها قائلًا بامتنان حيث أنها لم تحاول التطرق إلى تفاصيل اسئلته بل أظهرت تفهم واضح خالي من الفضول :
- متشكر ياسديم !
وزفر أنفاسه قائلًا بحزن : و آسف إني مش عارف انصحك زي ما أنتِ عملتي كدا !
هزت رأسها بالسلب و ربتت فوق ذراعه تقول ببسمة صغيرة :
- متقلقش أنا بعرف ألحق نفسي !
عقد حاجبيه و صحح لها وهو يتجه معها إلي الخارج :
- قصدك أنا بعرف أجي على نفسي !!!
عضت شفتيها و تنهدت تردف مبتسمة غافلة عن نبرة الألم الملموسة بكلماتها :
- أنا اتعودت ياسليم ، وعارفة يعني إيه عواقب إنك تكون أناني وتبني سعادتك على وجع اللي حواليك ، مش هعرف أوجع حد في طريقي خصوصًا نيرة أنت متعرفش هي بتتأثر بسرعة إزاي دي طبيعتها من صغرها !!!
مؤلم أن يستمع إلى كلماتها و يقف مكتوف الأيدي و خاصة رؤيتها تحارب روحها لأجل مبادئ صنعتها في وسط بلا مبادئ الفرق شديد القسوة على روحه ! بلل شفتيه محاولًا الهروب من أفكاره بسؤالها لأول مرة عن عائلتها :
- بحسها متعلقة بيكِ بشكل مبالغ فيه شوية ، ليه سايباها بالضعف دا رغم إنك مش كدا و شايفة ومدركة الحياة برا شكلها إيه ، هو والدك اتوفى وهي صغيرة ؟
رسمت بسمة صغيرة متألمة و اجابته بحزن :
- نيرة مش ضعيفة أبدًا بالعكس كل الفكرة إن قوتها بتتلمس في التعاملات هي رقيقة جدًا و يمكن دا من تعاملها مع بابا كتير أوي و كان دايمًا وصيته ليا أخد بالي منها ولو وصلت إني أخد مكانه عندها متأخرش ، ولما بابا اتوفت اتأثرت بده جدًا و بقيت بتتفرج بصمت و مش بتتدخل في حاجة و طبعًا دا لحد فترة صغيرة لحد ما سمعت اعترافاتهم و جت سمعتهالي ، من الآخر نيرة بتحب الهدوء والسلام أوي عكسي تمامًا بجري على المشاكل كدا !
لم يحاول الاستفسار عن التسجيلات المقصودة خاصة حين وجدها ترغب في إنهاء المحادثة مع إقبال شقيقتها "نيرة" عليهما وهي تعاتبها بلطف :
- إيه دا ياسديم لسه مالبستيش ؟ هنتأخر كدا ؟
عقد حاجبيه وتدخل بالحديث وهو يمرر عينيه فوق ملابسها المدرسية و الحقيبة التي تضعها فوق كتفها :
- لو رايحة مدرستك أنا ممكن أوصلك هي في طريقي أصلًا !
رفعت عينيها تراقب ملامحه ثم صرفتها قبل أن تتجه إلى شقيقتها و تلتصق بها بتوتر مزدردة رمقها وهي تردف بصوت يشوبه القلق :
- لأ ، أنا هروح مع سديم !
ابتسمت "سديم" حين أدركت أن شقيقتها ترفض الذهاب معه بسبب تعامله الجاف ليلة المشفى بعد معرفته بالحقيقة و كادت ترفض العرض بتهذيب لكنه أردف بحزن ناقلًا نظراته وحديثه إلى "سديم" :
- شكلها خايفة مني ، على العموم أنا لسه هلبس لو غيرت رأيها أنا موجود !
توترت "نيرة" حين غادر بهدوء بعد أن ربت بلطف فوق كتف شقيقتها وشعرت بسخافة رد فعلها معه رغم أنه يوم الحادث كان يود الراحة لأجلها و عرض عليها الانتقال إلى المكان الأبعد رغبة في نزع القلق من داخلها !!!
تنهدت بضيق شديد و أردفت باستنكار و هي تنظر إلى شقيقتها التي وقفت تتابعها بهدوء وصمت مريب :
- ماله دا هو أنا قولت حاجة غلط ؟ بيتكلم عني كأني نكرة وأنا واقفة ؟
رفعت "سديم" حاجبها و أردفت بعبث : يعني هو اللي بدأ واتكلم وحش ؟ أنا شايفة إنك كنتِ شكرتيه وخلاص و بعدين سليم جدع فعلًا يانيرة و اللي حصل يوم المستشفى دا كان بسبب صدمته فيا أنا الموضوع بعيد عنك خالص !
عقدت حاجبيها و أردفت برفض قاطع و قد تعمدت رفع كتفيها وتقليد طريقة حديثه بتهكم وقد أنهت كلماته تحاول تغيير صوتها و الإيصال إلى درجة صوته الرجولي الخشن :
- يبقا كان المفروض يعتذر على قاله مش يقول لو غيرت رأيها أنا موجود !
ضحكت "سديم" و أحاطت كتف شقيقتها تتجه معها إلى المنزل وهي تقول بلطف :
- معلش المرة الجاية نعلمه الموضوع دا ! يلا عشان متتأخريش أكتر من كدا !!
تحركت معها بهدوء و دلفت معها إلى الغرفة الخاصة بها عاقدة حاجبيها تراقب الوضع بدهشة واضحة على ملامحها ثم وقفت فجأة تحدق بشقيقتها و تقول باستنكار :
- إيه دا هو أنتِ قاعدة هنا مش مع آسر ؟
زفرت "سديم" أنفاسها بإنهاك ثم منحتها إيماءة صغيرة من رأسها و تحركت إلى غرفة الملابس لتضع "نيرة" الحقيبة جانبًا وتتحرك خلفها قائلة بحزن :
- ليه كدا ياسديم ؟
اجابتها وهي تنظر إلى الملابس و تعبث بهم بيدها تحاول انتقاء الأنسب :
- وايه الجديد يانيرة ما أنتِ عارفة من امبارح !
زفرت "نيرة" وعلقت عاقدة حاجبيها بامتعاض :
- الجديد إنك بتتعمدي تبعدي عنه و مش عايزة تديله فرص وأنا كنت فاكرة إنك هتكوني "مرنة" "flexible" معاه لأنك بتحبيه !!!
إلتقطت "سديم" الملابس ووضعتها جانبًا ثم حررت خصلاتها من العقدة وهي تقول بلطف :
- نيرة أنا ورايا حاجات كتير النهاردة و مش حابة اتكلم عن آسر ولا عيلته ولا أي تفاصيل دلوقت !
ثم تحركت باتجاه المرحاض و تركتها تقف محلها تراقبها بحزن و قد شعرت أنها شديدة السلبية تجاه شقيقتها و عاجزة عن مساندتها مثلما تفعل هي بشكل دائم معها ، تحركت تجاه الفراش و لكنها وقفت فجأة و نظرت إلى باب المرحاض المغلق للحظات قبل أن تغادر الغرفة بخطوات سريعة باحثة عن "آسر" بالأرجاء حيث وجدت غرفته الخاصة فارغة وبالرغم من تحذيرات شقيقتها المستمرة لها بتجنب الحركة داخل منزل العائلة لكنها واصلت رحلة بحثها حين أشار أحد أفراد الأمن إلى هناك مؤكدًا أن رب عمله داخل منزل الجدة منذ أمس !!!!
________________ *** _________________
وقفت بالخارج تلتقط أنفاسها التي سلبها منها الخوف والتوتر ثم بللت شفتيها و أغمضت عينيها لحظات تستجمع شتات أمرها حيث استمعت إلى عدة أصوات متداخلة منها صوته الغاضب و تراجعت فجأة بأعين متسعة مذهولة حين استمعت إلى صوت حطام شيئ ما يليه صوت هذا الرجل الذي كان يتطاول على شقيقتها بالليلة الماضية يصرخ بصوت شديد الإرتفاع هادرًا بعنف :
- يعني إييييه بتتحداني عشاااان واحدة ياآسر أنت خلاااص اتجننت !!!!! أنا اخدتك على قد عقلك امبارح وقولت هيبقا عندها كرامة و مش هتيجي لكن دخولها هنا بعد كل اللي عملته داااا ملهوش غير معنى واااحد إنها بجحة و رباية شوارع و شوية وهترميك وتلف على غيرك !!!!
هل يتحدث هذا المسن المجنون عن شقيقتها !!! عن سديم ؟!!! قطع صدمتها صوت "آسر" الجهور وهو يهدر بغضب معقبًا على حديث والده المشين بحق زوجته :
- سامع بودنك يايوسف هو دا اللي عاوز يتفاهم معايااا ، طيب آخر ما عندي بقااا أي كلمة هتخرج من أي مخلوق في البيت دا غلط في حق مراتي أنا هاخدها وامشي و مش هتشوفوني تاني ، الموضوع زاد عن حده وبقا سخيف مين طلب منكم أصلًا تقييم لاختياراتي أنا حر وكبير كفاية إني أخد قرار و لو كنت جمعتكم عشان تعرفوا فدا عشان ظروف دخولها هنا في الأول غير كدا محدش مسموح ليه يتدخل في حياتي الشخصية مهما كااان !!!!
انتفضت "نيرة" برعب واتسعت عينيها بهلع حيث أمسكت تلك السيدة ذراعها وجذبتها معها إلى الداخل عنوة وقد استسلمت لها من فرط رعبها وصدمتها تراقبها بفزع حقيقي وتستمع إلى نبرتها الساخرة وهي تقول أثناء خطواتها إلى الداخل و حين التفتت جميع الأوجه إليها :
- مش دي برضه تبقا أخت المدام اللي بتدافع عنها ياآسر ؟
عقد حاجبيه ينظر إلى "نيرة" التي وقفت تراقبهم بنظرات مترقبة و قد اتضح عليها الفزع تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر و صدرها يعلو و يهبط بقوة فاضحًا خوفها مما تتعرض له لأول مرة وداخل منزل غريب وكل ما تعرفه هو شخص واحد يراقبها بدهشة و باقي الوجوه تنظر إليها باحتقار بين و كأنها سارقة ، والآن فقط أدركت مقصد شقيقتها خاصة حين سألها هذا الرجل المسن "رأفت" بغضب متعمدًا توجيه الإهانة لها :
- معلش يافريدة أصلك جديدة مشوفتيش أختها النصاابة أنت بتعملي إيه برا أنت كمان إيه طريقة جديدة عاملين عصااابة !!!
دلف "سليم" بتلك اللحظة على الأصوات المرتفعة و قد رفعت إحدى المساعدات _ التي كانت تنقل الأخبار بين الجدة و "سديم"_ الهاتف و هاتفت "سديم" حين أشفقت على تلك الفتاة الصغيرة والجميلة التي وقعت بين يدي "فريدة" و تراقب مايدور حولها مثل عصفور مذعور بينما خرج صوت الجدة أخيرًا و صاحت بغضب :
- فريدة نزلي إيدك من عليها !!!
و انصاعت المدعوة "فريدة" إلى الأمر تراقب فزعها بنظرات ساخرة و أردفت بهدوء تنقل نظراتها إلى الجدة :
- أنا مش ماسكاها يا تيتة ! وبعدين أنا مستنية اشوف تبرير آسر اللي واقف يزعق في العيلة كلها عشان أخت البنت اللس واقفة تتجسس على كلام العيلة ؟! واو أنا ريلي مبهورة بالتربية العالية بتاعتهم !!!
تحرك "آسر" تجاهها و كاد يردعها على كلماتها لكن انفجرت "نيرة" باكية و حاولت التحرك من المكان لتفر هاربة من فرط الضغط الذي تعرضت له من كلمات و نظرات لكن أسرع "رأفت" يقبض على ذراعها بقوة و يصرخ بها منفعلًا :
- شايفانا هبل و هنصدق شغل النصابين داااا ؟!!!
أسرع "آسر" يقبض على يده بقوة محاولة فك أسرها وهو يقول بغضب شديد :
- كفاية بقااا !!!
اتسعت عيني "رأفت" بصدمة حين قبض ابنه على معصم يده و يحاول تحرير فتاة غريبة بغضب أمام الجميع و قد تحرك "سليم" أيضًا يجذبها من يدها إلى الخلف ضاغطًا على يد عمه مدافعًا عنها ليتركها لهم هاتفًا بصدمة:
- انتوا بتمدوا ايديكم علياا عشان دي ؟!!! اومال لو مكانوش نصااابين و وولاد شواارع ؟!!!
علقت "فريدة" ساخرة و هي تقف عاقدة ذراعيها أسفل صدرها :
- و بنمسكهم متلبسين كمان خليها تتكلم وتقول كانت بتعمل إيه برا لو إحنا ظالمينها نعتذر ؟!
هرعت "نيرة" إلى أحضان شقيقتها التي دلفت للتو تردف بنبرة حادة مرتفعة و هي تمرر عينيها سريعًا على أوجه الحاضرين مستقبلة شقيقتها بين ذراعيها :
- لأ احنا مستغنيين عن اعتذاراتكم عشان مش بنقبلها ، أنا مؤمنة أن اللي بيغلط بيدفع تمن غلطاته مش بيعتذر عنها و انتوا غلطتوا في أختى و أنا مش بسامح في حقوقها !! أسرار إيه اللي هتقف أختى وتحاول تسمعها عنكم دا البيت دا كله في جيبي أسراره و لو حبيت اخربها على دماغ حد مش هستنى لحظة واحدة ، حتى اسالي أميرة كدا مش فاقت برضه و افتكرت اللي حصل ولسه ليا مقابلة معاها قريب !!!!
حركت نظراتها الجليدية من فوقها و استقرت فوق "رأفت" الذي وقف يتابعها بملامح مشتعلة و قد أخرجت شقيقتها من أحضانها و تركتها تقف بجانب "سليم" قبل أن تتحرك و تقف بمواجهته قائلة بسخرية :
- إيه رأيك بدل ما كنت ماسك أختي من دراعها تفكر دلوقت تمد إيدك على دراعي أنا ؟!!!
عقدت "فريدة" حاجبيها وأشارت إليها باستنكار تردد بسخرية :
- ولو عمل كدا هيحصل إيه بقا هتضربيه ولا هتخلي ابنه يضربه المرة دي ؟ شغل النصابين دااا مـ ااا
قطعت كلماتها حين صفقت "سديم" بقوة و توجهت إليها تردف مبتسمة ببرود :
- أولًا أنا مطلبش رأيك اللي ملهوش لازمة و سألتك عن رأيك فيا و لا هسأل ، ثانيًا أنا مش نصابة بس لأ دا أنا كمان دخلت خالي السجن من كام يوم يعني مشوفتش ريحة الأدب ولا الرباية و معنديش عزيز ولا غالي ، تخيلي واحدة رمت خالها في السجن ممكن تعمل إيه تاني عشان أختها ؟! ولا تتخيلي ليه جربي تتحشري في حاجة تخصني أنا أو أختي تاني ولا تفكري تقربي منها و شوفي ممكن اعمل إيه بنفسك و اوعدك حركة النهاردة مش هتعدي و آه بهددك قصاد الكل حلو كدا ؟!
و بحركة فجائية دفعتها بقوة من ذراعها كاد يختل توزانها بها لولا أن امتدت يدها تستند إلى المقعد بجانبها وتحدق بها بذهول لتردف "سديم" بسخرية :
- مش عيب تقعي زي العبيطة كدا ، وعاملة جامدة على أختى ؟!!
اتسعت عينيها و كادت تنظر إلى "آسر" الذي وقف يراقب المشهد بصمت ولكن صدمها مواصلة "سديم" فظاظتها حين سخرت منها قائلة :
- إيه مستنية حد كبير يتكلم مكانك ؟!! على العموم أنتِ متهمنيش أوي اركني بقااا على جنب لحد ما اتفاهم مع الراجل الكبارة اللي ماسك عيلة من دور عياله وشغال زعيق فيها عشان مش عارف يتكلم مع النصابة الحقيقية اللي هي أنا !!!!
نظر "رأفت" إلى ابنه بوجوم ثم عادت نظراته إليها و قد أصابه التوتر داخليًا من طريقتها المنتجهة مع "فريدة" و خشى أن ترد الإساءة بمثلها معه أيضًا و قد أدركت ذلك على الفور لتردف ساخرة :
- مفيش داعي تبص لابنك أنا أصلًا مقدرش اغلط في حد أكبر مني تؤ تؤ مش أخلاق نصابين أبدًا !! بس خليني اطربك بجملة تجنن يشرفني و يسعدني يا عمو رأفت ياجندي إني أنا سديم النصابة بنت الشوارع أكمل مع ابنك كزوجة محتالة و زي القمر !!!
كادت أن تفلت ضحكة من الجدة لكنها نكست رأسها بصمت و قد تابع "سليم" الحديث ببسمة ملتوية كاتمًا ضحكاته من طريقتها الغريبة و المتنوعة وكأنها تعلم مداخل ومخارج عقول من حولها و تأكد من ذلك حين أردفت بلطف زائف :
- و إن شاء الله تشيل أحفادك النصابين قريب كداا !!!
افلتت الجدة ضحكتها و لم تتحمل خاصة مع كلماتها الأخيرة و قد زاد انبهارها بتلك الفتاة التي علمت كيف تطعن فظاظة معاملة ابنها !!!
وزعت نظراتها الساخرة بينه و بين "فريدة" التي جلست محلها بصمت و سكون تراقب مغادرتها مع شقيقتها بخطوات متزنة و كأنها تتعمد استفزاز الجميع و تحرك بعدها "آسر" و "سليم" بينما استقام "أمجد" و أردف بغضب :
- عاجبكوا كدا ؟!! البنت الصغيرة دي إيه علاقتها باللي بيحصل ؟! شوفتوا الفرق الكبير بينهم ؟!! دي عيطت من النظرات تقولولي نصابة وبتتجسس ، خلصنا بقا من المهاترات مش معقول كل شوية هنعمل مشكلة و خصوصًا مع واحدة زي سديم لا بتسكت ولا بتسيب حقها وعارفة كويس أوي ازاي تحرق دم اللي قصادها و أهي اتمسكت بابنك أكتر ، ولعلمك كل ما هتتصرف بالعشوائية و الأساليب دي ابنك هيعند و يمسك فيها أكتر و أكتر و متقولش عشان مش مكانك حتى سليم ابني دافع عن البنت أهو و لو معملوش كدا يبقا معرفناش نربي أنت إزاي تتهجم على بنت صغيرة و ترعبها بالمنظر دا ؟!! مش معقول خوفك على ابنك يوصل لدرجة نسيانك الإنسانية حتى يا أخي !!!!
اشاح بيده و تحرك بغضب من أمامهم و تبعته "فريدة" بصمت تام بينما وقف "رأفت" ينظر إلى والدته بتوتر حيث هزت رأسها بسخرية و أردفت بهدوء :
- أنا نصحتك و عملت اللي عليا ، استحمل بقا تمن أفعالك !!!
وغادرت هي أيضًا تاركة إياه بصحبة شيطان أفكاره !!!!
أما داخل منزل "آسر" وبعد أن هدأت "نيرة" وخلدت إلى النوم غادرت "سديم" الغرفة و تحركت بإنهاك إلى الخارج حيث يجلس هو وابن عمه "سليم" الذي بدا لها وكأنه يعمل على تهدئته لكن دون جدوى وقفت محلها عاقدة حاجبيها مقررة عدم المباردة بما يدور داخلها إلا حين أن يبدأ هو حديثه الغاضب وبالفعل استقام واقفًا يواجهها فور أن وقفت أمامه و سألها أولًا باقتضاب :
- نيرة عاملة إيه ؟
أجابت بآلية و هدوء : نامت ! شكلك عاوز تقول اتفضل !!
أغمض عينيه محاولًا كظم غضبه المسيطر عليه لكنه عجز و أردف بخشونة ونبرة حادة :
- آه عايز ، عايزك تحاولي تفهمي إنك دلوقت مش لوحدك و إني موجود في حياتك و مش هينفع كل حاجة تتعاملي معاها بالمنظر دا و بالطريقة دي أنا دوري إيه في حياتك لما حضرتك هتروحي تتخانقي و تهددي في عيلتي النصب اللي حضرتك بتتباهي بيه دا عار مش ميزة أبدًااا و مينفعش تفضلي ماشية بتقولي للناس ايوا أنا نصابة أنا أصلًا مش عارف أخرج من دماغهم الفكرة عشان تيجي تخوفيهم أكتر منك ليه مش عايزة تعتمدي علياا مرة وتشوفي هتصرف إزاي !!
ضيقت عينيها و رددت بألم :
- اخوفهم أكتر مني ؟
شعر أنه اندفع يحديثه معها و رغم أن غضبه كان من تجاهلها له أولًا ثم لرؤيته أن حديثها المستمر عن مهنتها السابقة ماهو إلا وصمة عار لكنه مشتت ولا يعلم كيف يتحدث إليها أو يتصرف معها في هذه الأمور !!!
زفر بغضب ثم جمع متعلقاته وغادر المنزل مسرعًا هاربًا من نظراتها المتألمة بينما وقف "سليم" يتابع أثره مقررًا الإخلاء بعهده مع الجدة و منح "سديم" سلاح تقف به بمواجهة تيار كراهية "رأفت" خاصة بعد أن تعمد إهانة تلك الفتاة اليوم و كأنه لم يرتكب ذنبًا قط !!!!
خرجت الكلمات بهدوء من شفتيه و كأنه يلقي عليها حالة الطقس حيث أردف بهدوء :
- سيلا تبقا أخت آسر !
عقدت حاجبيها و نظرت إليه تراقب ملامحه للحظات ظنًا منها أنه يمازحها لكنه أكمل بملامح جادة و غاضبة :
- رأفت هو الراجل اللي روزاليا حملت منه في سيلا ، عمي رأفت هو عشيق روزاليا و كانت عايزة تنتقم منه هو مش من من عمي عاصم !!!
حدقت به بذهول و أعين متسعة وقد عجزت عن تصديق الكوارث التي تندلع من الخفاء و كلما ظنت أن نهاية الألم قادمة تحدث كارثة جديدة تخبرها أن ما سبق ماهو إلا مُناوَشات !!!!
استقام واقفًا يضحك من بين بكائه بسخرية و يغطي وجهه بكلتا يديه مغمضًا عينيه بقوة هامسًا داخله باستنكار هل كنت غاضب من المحتالة التي تلاعبت بك و بعائلتك ؟ ماذا عن عمك إذًا ؟!!! لقد كانت المحتالة شجاعة و زاهدة إلى درجة مصارحة الجدة بحقيقتها !!! عُذرًا هي ليست محتالة نظرًا إلى سلوك العم الفاضل !!! بل حاولت إنقاذ طفلة صغيرة من براثن حياة قاسية انتهكت روحها و قضت على قلبها منذ زمن و الآن اتضح له حقيقة تعلقها بالصغيرة "نورهان" و رغبتها بتوضيح الحقائق إلى عمه و التي كانت جدته على علم بها أيضًا و من الواضح أن ما حدث بين "سديم" و عمه "عاصم" كان تحت إشرافها !!! و آه من عمه "عاصم" و الطعنات القاسية التي حصل عليها طوال الأعوام الماضية ؟ كيف يطعنه بخنجر شقيقه أيضًا ؟!!! عقد حاجبيه حين استمع إلى صوت الباب خلفه و أسرع يمسح القطرات المنسابة فوق صدغيه ثم نظر إرضًا يحاول لملمة شتات أمره خاصة حين تأكد أن الحركة خلفه تخص "سديم" و ابتسم ساخرًا من حاله حين استمع إليها تقول بهدوء تام :
- متقلقش مش هقول لحد ، أنا جاية أخرج طاقتي تقدر تعتبرني مش موجودة أصلًا !
و بالفعل مرت أمامه و تركت متعلقاتها فوق المنضدة الجانبية و عادت إليه تنظر إلى ملامحه الشاحبة للحظات معدودة قبل أن تتحرك تجاه الآلة ليهمس لها متسائلًا وهو يتابع أثرها بدهشة :
- منمتيش ليه الصبح قرب يطلع !
ضحكت بخفة و قد استقرت فوق الآلة تستند إليها بكوعها و عينيها تراقب ملامحه المجهدة لتهمس باستنكار :
- نفس أسبابك !
عقد حاجبيه و رفع زاوية فمه قائلًا بدهشة بعد أن تحرك من مكانه و استقر أمامها :
-و تعرفي أسبابي منين ؟
تلاشت بسمتها الصغيرة و حدقت به بصمت لحظات قليلة قبل أن تقول بحزن :
- اتخدعت في حد قريب منك مش كدا ؟
عقد حاجبيه و أردف بنبرة متألمة ساخرًا من حاله :
- سرعة بديهة تتحسبلك أو يمكن أنا مبعرفش اخبي زيك !
زفرت أنفاسها بإنهاك و أردفت بهدوء وهي تعتدل وتعبث بالأزرار لتبدأ الآلا بالعمل :
- ملهوش علاقة بالبديهية ، وعلى فكرة دي بداية الصدمة و هتتعود تخبي لما تلاقي نفسك شايل مسؤلية و مضطر تبقا قدها !
ثم ألقت نظرة خاطفة عليه وعادت تنظر أمامها إلى الزجاج المطل على الحديقة تُكمل بسخرية لاذعة:
- زيي ! بس أنت على طريقة متربية شوية مش طريقة النصابين !
نظر أرضًا وهمس بندم ظنًا منه أنها تعاتبه على كلماته تجاهها :
- أنا آسف ، بس حطي نفسك مكاني الموضوع كان صعب عليا وقتها خصوصًا إني كنت أقرب واحد ليكِ وكان أغلب وقتك معايا !
هبطت عن الآلة بل و توجهت إلى أقرب حائط تجلس أرضًا و تستند بظهرها إليه قائلة بهدوء :
- بس أنا متضايقتش منك ياسليم كلامك كان صح ومتوقع كمان منكم محدش هيفرح إنه اتخدع !
تبعها حيث استقرت جالسة و هبط أرضًا يجلس بجانبها و ينظر أمامه بشرود متهكمًا داخله على حديثها عن الخداع و قد كان العم الأكبر يحتال على أسرة بأكملها كما قالت الجدة بينما هي خدعتهم دون أن تمس أحد بضرر عند تلك الفكرة عقد حاجبيه و نظر إليها هامسًا بألم شديد :
- طيب و لو الخدعة دي هتوجع ناس كتير لو خرجت و في نفس الوقت متقدريش تكتميها جواكِ و لا عندك شجاعة تصارحي حد و تخربي حياة كل اللي حواليكِ هتعملي إيه ؟
وكأنه يتحدث عن بداية طريقها المدنس كانت مثله تمامًا تائهة ، ضائعة بين دروب الخير و الفساد و بين ألم خداع والدها الحبيب بحقيقة أموالهم و صمتها الإجباري على أفعال والدتها و تبدل أحوالهم المعيشية بمهنة ابنتها المشينة التي قضت على والدها و أنهت حياته !! أغمضت عينيها لحظات تدراي دمعاتها ثم نظرت إليه تسأله بحزن :
- هفكر وقتها مليون مرة الخدعة دي لو خرجت هتفيد ولا تضر ؟ يعني لو الحقيقة هتفيد هوصلها بأقل خساير و لو هتضر هعتبر نفسي مسمعتهاش !
سألها مباشرة عاقدًا حاجبيه عله يجد دواء علته داخل كلماتها المتزنة :
- قصدك زي ما خبيتي على الكل إن آسر اللي جابك ؟
تنهدت و هزت رأسها بالإيجاب و كادت تواصل شرودها لكنه أكمل بتردد ملحوظ :
- ينفع اسألك سؤال و تجاوبيني بصراحة ؟
هزت رأسها بالموافقة و أولته اهتمامها ليسألها مباشرة :
- عملتي كدا عشان بتحبي آسر ؟ متقوليش عشان عيلة و متتفرقوش ويكرهوه ، أنا وأنتِ عارفين عمي عاصم بيحب آسر إزاي وهيسامحه بس أنت فرق معاكِ إن محدش يشوفه وحش !
حركت عينيها بعدة اتجاهات بعيدًا عنه ثم أردفت باقتضاب :
- محدش بيسامح ، أنا عملت كدا عشان عرفت طبع كل واحد منكم !
هز رأسه بالإيجاب و أردف ساخرًا بخفوت :
- خايفة تصارحي نفسك !
عقدت حاجبيها و أردفت بحدة مدافعة عن نفسها بعفوية :
- معنديش حاجة أصارح نفسي بيها ياسليم خصوصًا مع بتاع فريدة بتاعك دا !
نظر إليها بصدمة و سألها بحذر و تردد أثار فضولها :
- تعرفي فريدة منين ، هي رجعت ؟!!
أجابته بدهشة وقد اعتدلت بجلستها تنظر اليه باهتمام بالغ تعمد تجاهله و إكمال محادثتهم دون إثارة حفيظتها :
- أنت تعرفها ؟!!! ورجعت منين أصلًا ؟!
رفع حاجبه الأيسر و أردف بنبرة تحذيرية : هو فيه حد ميعرفهاش أتمنى متتعامليش معاها خالص بقا ، فريدة تبقا أخت أميرة و النسخة الأسوأ منها في كل حاجة حرفيًا حتى نورهان الصغيرة مش بتطيقها و شبه متعرفهاش لأنها على طول مختفية وبيقولوا مسافرة !
رفعت حاجبها باستنكار وأردفت بحدة طفيفة :
- ولما هي أخت أميرة تيجي تسأل على ابنك بعد نص الليل تقعد هنا و يطلع يجري عليها ليه يعني ، معرفتش تستنى للصبح مثلًا و إيه علاقة دخولها بيتكم بآسر ؟!
رفع كتفيه بلا مبالاة و أردف بعبث :
- لأ دي بقا تسألي فيها جوزك ، بس هي أكيد عرفت اللي حصل في أختها وجاية تشوفها !
عقدت حاجبيها و لمست المكر بحديثه و نظراته لذلك رفعت كتفيها بلا مبالاة مماثلة و عادت تستند إلى الحائط مرة أخرى وتقول ببرود :
- وأنا أساله ليه هو حر في تصرفاته !
هز رأسه بتأكيد و أردف باستفزاز :
- آه على رأيك هتهتمي بتصرفاته ليه أنتِ أصلًا مش بتحبيه ! جايز الاسم لفت انتباهك عشان جديد مش أكثر ، إلا لو كنتِ راقبتيه مثلًا وعشان كدا عرفتي إنها قاعدة هنا ؟
عقدت حاجبيها و صمتت لحظات ثم اعتدلت بجسدها مرة أخرى و استدارت تنظر إليه و تقول بامتعاض :
- ماهو طبيعي لما اسم جديد يلفت انتباهي أشوف دوره إيه يعني في المكان مش مراقبة ولا حاجة !
عقد حاجبيه و هز رأسه بتأكيد قائلًا بسخرية :
- آه أكيد طبعًا ، حتى لو كانت بتسأل عليا أو على يوسف برضه كنتِ هتراقبينا مش كدا ؟
حدقت به بشرود للحظات تسأل حالها هل كانت لتتبع أمرها و تذهب خلفهم خفية مثلما فعلت منذ ساعات ؟ هل تحاول خداع حالها أم تخدع الجالس أمامها و يسخر من تكذيبها لصدق كلماته ، إن صارحته بحقيقة تشتتها لوجدت ما يدفعها إلى حرب محتمة النهاية و إن كذبت عليه لن تتمكن من الكذب على حالها !!
تنهدت بضيق شديد و نظرت إليه حيث كان بانتظار إنهاء حربها مع حالها و همسها بسخرية لاذعة :
- مش هتفرق كتير مفيش حاجة هتتغير أنا مش هقبل على أختي تتهان في بيتكم عشاني ، و عمك عمره ماهيقبل بالجنان دا حتى لو سكت بشكل مؤقت ! وأنا مش هدخل آسر وأبوه في حرب عشاني دا أب في الأول والآخر !
احتدت نظراته حين ذكرت العم المخادع و العقبة الصلدة في طريق ابن عمه و كأنها كلماتها عن الأبوة صفعته بقوة كيف يخبرها أن هذا الأب ترك ابنته تتربى بين أحضان أخيه متجنبًا ويلات المعارك لأجلها و كان يتهم شقيقه بالمبالغة كلما حاول البحث عنها و ذكريات عدة تداهمه منذ ليلة أمس والآن المخادع يمارس مهنة الشرف على من أنقذت العائلة و تخشى الإعتراف بمحبتها كنوع من أنواع مواصلة سلسلة التضحيات بالرغم أنها هي الترياق الوحيد لابن عمه في حالة تسرب الحقائق ومعرفة أفعال والده المشينة !!!!
أغمض عينيه محاولًا كظم غضبه الشديد و عجزه عن التصرف رغم بشاعة ما يدور حوله و أفاق على استقامتها واقفة تربت على ركبته و تقول بسخرية :
- عاجبك كدا ؟ كنت جاية أخرج طاقتي قعدتني جنبك ! قوم شوف اللي وراك ياسليم المشاكل مش بتتحل بالهروب ، ولا هتغير حقايق بكلامك ، فكر كويس قبل كل خطوة بتاخدها !
كادت تتحرك إلى الخارج لكنه استقام مثلها و أوقفها محلها قائلًا بامتنان حيث أنها لم تحاول التطرق إلى تفاصيل اسئلته بل أظهرت تفهم واضح خالي من الفضول :
- متشكر ياسديم !
وزفر أنفاسه قائلًا بحزن : و آسف إني مش عارف انصحك زي ما أنتِ عملتي كدا !
هزت رأسها بالسلب و ربتت فوق ذراعه تقول ببسمة صغيرة :
- متقلقش أنا بعرف ألحق نفسي !
عقد حاجبيه و صحح لها وهو يتجه معها إلي الخارج :
- قصدك أنا بعرف أجي على نفسي !!!
عضت شفتيها و تنهدت تردف مبتسمة غافلة عن نبرة الألم الملموسة بكلماتها :
- أنا اتعودت ياسليم ، وعارفة يعني إيه عواقب إنك تكون أناني وتبني سعادتك على وجع اللي حواليك ، مش هعرف أوجع حد في طريقي خصوصًا نيرة أنت متعرفش هي بتتأثر بسرعة إزاي دي طبيعتها من صغرها !!!
مؤلم أن يستمع إلى كلماتها و يقف مكتوف الأيدي و خاصة رؤيتها تحارب روحها لأجل مبادئ صنعتها في وسط بلا مبادئ الفرق شديد القسوة على روحه ! بلل شفتيه محاولًا الهروب من أفكاره بسؤالها لأول مرة عن عائلتها :
- بحسها متعلقة بيكِ بشكل مبالغ فيه شوية ، ليه سايباها بالضعف دا رغم إنك مش كدا و شايفة ومدركة الحياة برا شكلها إيه ، هو والدك اتوفى وهي صغيرة ؟
رسمت بسمة صغيرة متألمة و اجابته بحزن :
- نيرة مش ضعيفة أبدًا بالعكس كل الفكرة إن قوتها بتتلمس في التعاملات هي رقيقة جدًا و يمكن دا من تعاملها مع بابا كتير أوي و كان دايمًا وصيته ليا أخد بالي منها ولو وصلت إني أخد مكانه عندها متأخرش ، ولما بابا اتوفت اتأثرت بده جدًا و بقيت بتتفرج بصمت و مش بتتدخل في حاجة و طبعًا دا لحد فترة صغيرة لحد ما سمعت اعترافاتهم و جت سمعتهالي ، من الآخر نيرة بتحب الهدوء والسلام أوي عكسي تمامًا بجري على المشاكل كدا !
لم يحاول الاستفسار عن التسجيلات المقصودة خاصة حين وجدها ترغب في إنهاء المحادثة مع إقبال شقيقتها "نيرة" عليهما وهي تعاتبها بلطف :
- إيه دا ياسديم لسه مالبستيش ؟ هنتأخر كدا ؟
عقد حاجبيه وتدخل بالحديث وهو يمرر عينيه فوق ملابسها المدرسية و الحقيبة التي تضعها فوق كتفها :
- لو رايحة مدرستك أنا ممكن أوصلك هي في طريقي أصلًا !
رفعت عينيها تراقب ملامحه ثم صرفتها قبل أن تتجه إلى شقيقتها و تلتصق بها بتوتر مزدردة رمقها وهي تردف بصوت يشوبه القلق :
- لأ ، أنا هروح مع سديم !
ابتسمت "سديم" حين أدركت أن شقيقتها ترفض الذهاب معه بسبب تعامله الجاف ليلة المشفى بعد معرفته بالحقيقة و كادت ترفض العرض بتهذيب لكنه أردف بحزن ناقلًا نظراته وحديثه إلى "سديم" :
- شكلها خايفة مني ، على العموم أنا لسه هلبس لو غيرت رأيها أنا موجود !
توترت "نيرة" حين غادر بهدوء بعد أن ربت بلطف فوق كتف شقيقتها وشعرت بسخافة رد فعلها معه رغم أنه يوم الحادث كان يود الراحة لأجلها و عرض عليها الانتقال إلى المكان الأبعد رغبة في نزع القلق من داخلها !!!
تنهدت بضيق شديد و أردفت باستنكار و هي تنظر إلى شقيقتها التي وقفت تتابعها بهدوء وصمت مريب :
- ماله دا هو أنا قولت حاجة غلط ؟ بيتكلم عني كأني نكرة وأنا واقفة ؟
رفعت "سديم" حاجبها و أردفت بعبث : يعني هو اللي بدأ واتكلم وحش ؟ أنا شايفة إنك كنتِ شكرتيه وخلاص و بعدين سليم جدع فعلًا يانيرة و اللي حصل يوم المستشفى دا كان بسبب صدمته فيا أنا الموضوع بعيد عنك خالص !
عقدت حاجبيها و أردفت برفض قاطع و قد تعمدت رفع كتفيها وتقليد طريقة حديثه بتهكم وقد أنهت كلماته تحاول تغيير صوتها و الإيصال إلى درجة صوته الرجولي الخشن :
- يبقا كان المفروض يعتذر على قاله مش يقول لو غيرت رأيها أنا موجود !
ضحكت "سديم" و أحاطت كتف شقيقتها تتجه معها إلى المنزل وهي تقول بلطف :
- معلش المرة الجاية نعلمه الموضوع دا ! يلا عشان متتأخريش أكتر من كدا !!
تحركت معها بهدوء و دلفت معها إلى الغرفة الخاصة بها عاقدة حاجبيها تراقب الوضع بدهشة واضحة على ملامحها ثم وقفت فجأة تحدق بشقيقتها و تقول باستنكار :
- إيه دا هو أنتِ قاعدة هنا مش مع آسر ؟
زفرت "سديم" أنفاسها بإنهاك ثم منحتها إيماءة صغيرة من رأسها و تحركت إلى غرفة الملابس لتضع "نيرة" الحقيبة جانبًا وتتحرك خلفها قائلة بحزن :
- ليه كدا ياسديم ؟
اجابتها وهي تنظر إلى الملابس و تعبث بهم بيدها تحاول انتقاء الأنسب :
- وايه الجديد يانيرة ما أنتِ عارفة من امبارح !
زفرت "نيرة" وعلقت عاقدة حاجبيها بامتعاض :
- الجديد إنك بتتعمدي تبعدي عنه و مش عايزة تديله فرص وأنا كنت فاكرة إنك هتكوني "مرنة" "flexible" معاه لأنك بتحبيه !!!
إلتقطت "سديم" الملابس ووضعتها جانبًا ثم حررت خصلاتها من العقدة وهي تقول بلطف :
- نيرة أنا ورايا حاجات كتير النهاردة و مش حابة اتكلم عن آسر ولا عيلته ولا أي تفاصيل دلوقت !
ثم تحركت باتجاه المرحاض و تركتها تقف محلها تراقبها بحزن و قد شعرت أنها شديدة السلبية تجاه شقيقتها و عاجزة عن مساندتها مثلما تفعل هي بشكل دائم معها ، تحركت تجاه الفراش و لكنها وقفت فجأة و نظرت إلى باب المرحاض المغلق للحظات قبل أن تغادر الغرفة بخطوات سريعة باحثة عن "آسر" بالأرجاء حيث وجدت غرفته الخاصة فارغة وبالرغم من تحذيرات شقيقتها المستمرة لها بتجنب الحركة داخل منزل العائلة لكنها واصلت رحلة بحثها حين أشار أحد أفراد الأمن إلى هناك مؤكدًا أن رب عمله داخل منزل الجدة منذ أمس !!!!
________________ *** _________________
وقفت بالخارج تلتقط أنفاسها التي سلبها منها الخوف والتوتر ثم بللت شفتيها و أغمضت عينيها لحظات تستجمع شتات أمرها حيث استمعت إلى عدة أصوات متداخلة منها صوته الغاضب و تراجعت فجأة بأعين متسعة مذهولة حين استمعت إلى صوت حطام شيئ ما يليه صوت هذا الرجل الذي كان يتطاول على شقيقتها بالليلة الماضية يصرخ بصوت شديد الإرتفاع هادرًا بعنف :
- يعني إييييه بتتحداني عشاااان واحدة ياآسر أنت خلاااص اتجننت !!!!! أنا اخدتك على قد عقلك امبارح وقولت هيبقا عندها كرامة و مش هتيجي لكن دخولها هنا بعد كل اللي عملته داااا ملهوش غير معنى واااحد إنها بجحة و رباية شوارع و شوية وهترميك وتلف على غيرك !!!!
هل يتحدث هذا المسن المجنون عن شقيقتها !!! عن سديم ؟!!! قطع صدمتها صوت "آسر" الجهور وهو يهدر بغضب معقبًا على حديث والده المشين بحق زوجته :
- سامع بودنك يايوسف هو دا اللي عاوز يتفاهم معايااا ، طيب آخر ما عندي بقااا أي كلمة هتخرج من أي مخلوق في البيت دا غلط في حق مراتي أنا هاخدها وامشي و مش هتشوفوني تاني ، الموضوع زاد عن حده وبقا سخيف مين طلب منكم أصلًا تقييم لاختياراتي أنا حر وكبير كفاية إني أخد قرار و لو كنت جمعتكم عشان تعرفوا فدا عشان ظروف دخولها هنا في الأول غير كدا محدش مسموح ليه يتدخل في حياتي الشخصية مهما كااان !!!!
انتفضت "نيرة" برعب واتسعت عينيها بهلع حيث أمسكت تلك السيدة ذراعها وجذبتها معها إلى الداخل عنوة وقد استسلمت لها من فرط رعبها وصدمتها تراقبها بفزع حقيقي وتستمع إلى نبرتها الساخرة وهي تقول أثناء خطواتها إلى الداخل و حين التفتت جميع الأوجه إليها :
- مش دي برضه تبقا أخت المدام اللي بتدافع عنها ياآسر ؟
عقد حاجبيه ينظر إلى "نيرة" التي وقفت تراقبهم بنظرات مترقبة و قد اتضح عليها الفزع تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر و صدرها يعلو و يهبط بقوة فاضحًا خوفها مما تتعرض له لأول مرة وداخل منزل غريب وكل ما تعرفه هو شخص واحد يراقبها بدهشة و باقي الوجوه تنظر إليها باحتقار بين و كأنها سارقة ، والآن فقط أدركت مقصد شقيقتها خاصة حين سألها هذا الرجل المسن "رأفت" بغضب متعمدًا توجيه الإهانة لها :
- معلش يافريدة أصلك جديدة مشوفتيش أختها النصاابة أنت بتعملي إيه برا أنت كمان إيه طريقة جديدة عاملين عصااابة !!!
دلف "سليم" بتلك اللحظة على الأصوات المرتفعة و قد رفعت إحدى المساعدات _ التي كانت تنقل الأخبار بين الجدة و "سديم"_ الهاتف و هاتفت "سديم" حين أشفقت على تلك الفتاة الصغيرة والجميلة التي وقعت بين يدي "فريدة" و تراقب مايدور حولها مثل عصفور مذعور بينما خرج صوت الجدة أخيرًا و صاحت بغضب :
- فريدة نزلي إيدك من عليها !!!
و انصاعت المدعوة "فريدة" إلى الأمر تراقب فزعها بنظرات ساخرة و أردفت بهدوء تنقل نظراتها إلى الجدة :
- أنا مش ماسكاها يا تيتة ! وبعدين أنا مستنية اشوف تبرير آسر اللي واقف يزعق في العيلة كلها عشان أخت البنت اللس واقفة تتجسس على كلام العيلة ؟! واو أنا ريلي مبهورة بالتربية العالية بتاعتهم !!!
تحرك "آسر" تجاهها و كاد يردعها على كلماتها لكن انفجرت "نيرة" باكية و حاولت التحرك من المكان لتفر هاربة من فرط الضغط الذي تعرضت له من كلمات و نظرات لكن أسرع "رأفت" يقبض على ذراعها بقوة و يصرخ بها منفعلًا :
- شايفانا هبل و هنصدق شغل النصابين داااا ؟!!!
أسرع "آسر" يقبض على يده بقوة محاولة فك أسرها وهو يقول بغضب شديد :
- كفاية بقااا !!!
اتسعت عيني "رأفت" بصدمة حين قبض ابنه على معصم يده و يحاول تحرير فتاة غريبة بغضب أمام الجميع و قد تحرك "سليم" أيضًا يجذبها من يدها إلى الخلف ضاغطًا على يد عمه مدافعًا عنها ليتركها لهم هاتفًا بصدمة:
- انتوا بتمدوا ايديكم علياا عشان دي ؟!!! اومال لو مكانوش نصااابين و وولاد شواارع ؟!!!
علقت "فريدة" ساخرة و هي تقف عاقدة ذراعيها أسفل صدرها :
- و بنمسكهم متلبسين كمان خليها تتكلم وتقول كانت بتعمل إيه برا لو إحنا ظالمينها نعتذر ؟!
هرعت "نيرة" إلى أحضان شقيقتها التي دلفت للتو تردف بنبرة حادة مرتفعة و هي تمرر عينيها سريعًا على أوجه الحاضرين مستقبلة شقيقتها بين ذراعيها :
- لأ احنا مستغنيين عن اعتذاراتكم عشان مش بنقبلها ، أنا مؤمنة أن اللي بيغلط بيدفع تمن غلطاته مش بيعتذر عنها و انتوا غلطتوا في أختى و أنا مش بسامح في حقوقها !! أسرار إيه اللي هتقف أختى وتحاول تسمعها عنكم دا البيت دا كله في جيبي أسراره و لو حبيت اخربها على دماغ حد مش هستنى لحظة واحدة ، حتى اسالي أميرة كدا مش فاقت برضه و افتكرت اللي حصل ولسه ليا مقابلة معاها قريب !!!!
حركت نظراتها الجليدية من فوقها و استقرت فوق "رأفت" الذي وقف يتابعها بملامح مشتعلة و قد أخرجت شقيقتها من أحضانها و تركتها تقف بجانب "سليم" قبل أن تتحرك و تقف بمواجهته قائلة بسخرية :
- إيه رأيك بدل ما كنت ماسك أختي من دراعها تفكر دلوقت تمد إيدك على دراعي أنا ؟!!!
عقدت "فريدة" حاجبيها وأشارت إليها باستنكار تردد بسخرية :
- ولو عمل كدا هيحصل إيه بقا هتضربيه ولا هتخلي ابنه يضربه المرة دي ؟ شغل النصابين دااا مـ ااا
قطعت كلماتها حين صفقت "سديم" بقوة و توجهت إليها تردف مبتسمة ببرود :
- أولًا أنا مطلبش رأيك اللي ملهوش لازمة و سألتك عن رأيك فيا و لا هسأل ، ثانيًا أنا مش نصابة بس لأ دا أنا كمان دخلت خالي السجن من كام يوم يعني مشوفتش ريحة الأدب ولا الرباية و معنديش عزيز ولا غالي ، تخيلي واحدة رمت خالها في السجن ممكن تعمل إيه تاني عشان أختها ؟! ولا تتخيلي ليه جربي تتحشري في حاجة تخصني أنا أو أختي تاني ولا تفكري تقربي منها و شوفي ممكن اعمل إيه بنفسك و اوعدك حركة النهاردة مش هتعدي و آه بهددك قصاد الكل حلو كدا ؟!
و بحركة فجائية دفعتها بقوة من ذراعها كاد يختل توزانها بها لولا أن امتدت يدها تستند إلى المقعد بجانبها وتحدق بها بذهول لتردف "سديم" بسخرية :
- مش عيب تقعي زي العبيطة كدا ، وعاملة جامدة على أختى ؟!!
اتسعت عينيها و كادت تنظر إلى "آسر" الذي وقف يراقب المشهد بصمت ولكن صدمها مواصلة "سديم" فظاظتها حين سخرت منها قائلة :
- إيه مستنية حد كبير يتكلم مكانك ؟!! على العموم أنتِ متهمنيش أوي اركني بقااا على جنب لحد ما اتفاهم مع الراجل الكبارة اللي ماسك عيلة من دور عياله وشغال زعيق فيها عشان مش عارف يتكلم مع النصابة الحقيقية اللي هي أنا !!!!
نظر "رأفت" إلى ابنه بوجوم ثم عادت نظراته إليها و قد أصابه التوتر داخليًا من طريقتها المنتجهة مع "فريدة" و خشى أن ترد الإساءة بمثلها معه أيضًا و قد أدركت ذلك على الفور لتردف ساخرة :
- مفيش داعي تبص لابنك أنا أصلًا مقدرش اغلط في حد أكبر مني تؤ تؤ مش أخلاق نصابين أبدًا !! بس خليني اطربك بجملة تجنن يشرفني و يسعدني يا عمو رأفت ياجندي إني أنا سديم النصابة بنت الشوارع أكمل مع ابنك كزوجة محتالة و زي القمر !!!
كادت أن تفلت ضحكة من الجدة لكنها نكست رأسها بصمت و قد تابع "سليم" الحديث ببسمة ملتوية كاتمًا ضحكاته من طريقتها الغريبة و المتنوعة وكأنها تعلم مداخل ومخارج عقول من حولها و تأكد من ذلك حين أردفت بلطف زائف :
- و إن شاء الله تشيل أحفادك النصابين قريب كداا !!!
افلتت الجدة ضحكتها و لم تتحمل خاصة مع كلماتها الأخيرة و قد زاد انبهارها بتلك الفتاة التي علمت كيف تطعن فظاظة معاملة ابنها !!!
وزعت نظراتها الساخرة بينه و بين "فريدة" التي جلست محلها بصمت و سكون تراقب مغادرتها مع شقيقتها بخطوات متزنة و كأنها تتعمد استفزاز الجميع و تحرك بعدها "آسر" و "سليم" بينما استقام "أمجد" و أردف بغضب :
- عاجبكوا كدا ؟!! البنت الصغيرة دي إيه علاقتها باللي بيحصل ؟! شوفتوا الفرق الكبير بينهم ؟!! دي عيطت من النظرات تقولولي نصابة وبتتجسس ، خلصنا بقا من المهاترات مش معقول كل شوية هنعمل مشكلة و خصوصًا مع واحدة زي سديم لا بتسكت ولا بتسيب حقها وعارفة كويس أوي ازاي تحرق دم اللي قصادها و أهي اتمسكت بابنك أكتر ، ولعلمك كل ما هتتصرف بالعشوائية و الأساليب دي ابنك هيعند و يمسك فيها أكتر و أكتر و متقولش عشان مش مكانك حتى سليم ابني دافع عن البنت أهو و لو معملوش كدا يبقا معرفناش نربي أنت إزاي تتهجم على بنت صغيرة و ترعبها بالمنظر دا ؟!! مش معقول خوفك على ابنك يوصل لدرجة نسيانك الإنسانية حتى يا أخي !!!!
اشاح بيده و تحرك بغضب من أمامهم و تبعته "فريدة" بصمت تام بينما وقف "رأفت" ينظر إلى والدته بتوتر حيث هزت رأسها بسخرية و أردفت بهدوء :
- أنا نصحتك و عملت اللي عليا ، استحمل بقا تمن أفعالك !!!
وغادرت هي أيضًا تاركة إياه بصحبة شيطان أفكاره !!!!
أما داخل منزل "آسر" وبعد أن هدأت "نيرة" وخلدت إلى النوم غادرت "سديم" الغرفة و تحركت بإنهاك إلى الخارج حيث يجلس هو وابن عمه "سليم" الذي بدا لها وكأنه يعمل على تهدئته لكن دون جدوى وقفت محلها عاقدة حاجبيها مقررة عدم المباردة بما يدور داخلها إلا حين أن يبدأ هو حديثه الغاضب وبالفعل استقام واقفًا يواجهها فور أن وقفت أمامه و سألها أولًا باقتضاب :
- نيرة عاملة إيه ؟
أجابت بآلية و هدوء : نامت ! شكلك عاوز تقول اتفضل !!
أغمض عينيه محاولًا كظم غضبه المسيطر عليه لكنه عجز و أردف بخشونة ونبرة حادة :
- آه عايز ، عايزك تحاولي تفهمي إنك دلوقت مش لوحدك و إني موجود في حياتك و مش هينفع كل حاجة تتعاملي معاها بالمنظر دا و بالطريقة دي أنا دوري إيه في حياتك لما حضرتك هتروحي تتخانقي و تهددي في عيلتي النصب اللي حضرتك بتتباهي بيه دا عار مش ميزة أبدًااا و مينفعش تفضلي ماشية بتقولي للناس ايوا أنا نصابة أنا أصلًا مش عارف أخرج من دماغهم الفكرة عشان تيجي تخوفيهم أكتر منك ليه مش عايزة تعتمدي علياا مرة وتشوفي هتصرف إزاي !!
ضيقت عينيها و رددت بألم :
- اخوفهم أكتر مني ؟
شعر أنه اندفع يحديثه معها و رغم أن غضبه كان من تجاهلها له أولًا ثم لرؤيته أن حديثها المستمر عن مهنتها السابقة ماهو إلا وصمة عار لكنه مشتت ولا يعلم كيف يتحدث إليها أو يتصرف معها في هذه الأمور !!!
زفر بغضب ثم جمع متعلقاته وغادر المنزل مسرعًا هاربًا من نظراتها المتألمة بينما وقف "سليم" يتابع أثره مقررًا الإخلاء بعهده مع الجدة و منح "سديم" سلاح تقف به بمواجهة تيار كراهية "رأفت" خاصة بعد أن تعمد إهانة تلك الفتاة اليوم و كأنه لم يرتكب ذنبًا قط !!!!
خرجت الكلمات بهدوء من شفتيه و كأنه يلقي عليها حالة الطقس حيث أردف بهدوء :
- سيلا تبقا أخت آسر !
عقدت حاجبيها و نظرت إليه تراقب ملامحه للحظات ظنًا منها أنه يمازحها لكنه أكمل بملامح جادة و غاضبة :
- رأفت هو الراجل اللي روزاليا حملت منه في سيلا ، عمي رأفت هو عشيق روزاليا و كانت عايزة تنتقم منه هو مش من من عمي عاصم !!!
حدقت به بذهول و أعين متسعة وقد عجزت عن تصديق الكوارث التي تندلع من الخفاء و كلما ظنت أن نهاية الألم قادمة تحدث كارثة جديدة تخبرها أن ما سبق ماهو إلا مُناوَشات !!!!