رواية جوازة ابريل الجزء الثاني الفصل العشرون 20 بقلم نورهان محسن
الفصل العشرون (إشتاق لشراستها) رواية جوازة ابريل2
"تستطيع المرأة أن تفارق الرجل الغني،
و تستطيع أن تفارق الرجل الوسيم،
و لكنها لاتستطيع أبدا أن تفارق الرجل الذي طيب خاطرها،
الرجل الذي أشعرها بالأمان و أنه لايستطيع أن يستغني عنها،
الرجل الذي كان سندا لها،
و مسح دموعها في لحظات ضعفها،
فالقلوب لاتُشترى بالمال ولا بالقوة ولا بالوسامة،
فالقلوب تُشترى بالمعاملة الطيبة."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند ابريل
_يخربيت سنينك السوده يا ابريل
قالتها بهلع ممزوج بطعم الدموع التي بدأت تتساقط على خديها من الخوف ، وأخذت تضرب خده براحة يدها بخفة ، تحاول إيقاظه : فوق يا باسم .. فوق ابوس ايدك .. الله يخليك .. ماتودنيش في مصيبة .. والنبي قوم..
ظلت ابريل تناديه بذعر مرتجف يعادل دقات قلبها المدوية من الرعب ، على أمل أن يستفيق ، لكن لا حياة لمن تنادي.
وضعت إصبعها السبابة أمام أنفه ، وشعرت بأنفاسه الدافئة ، فأطلقت على الفور تنهيدة عميقة ممزوجة بالارتياح ، حينما تأكدت من أنه لا يزال على قيد الحياة.
تمكنت أخيرًا من النهوض ، وسارت بخطوات مرتعشة نحو طاولة التجميل الخاصة بها ، وسحبت زجاجة عطرها من فوقها ، لتعود إليه مرة أخرى ، ثم ركعت بجانبه ، وهو لا يزال فاقدًا للوعي ، وبدأت في نثر بعض العطر على ظهر يدها لتبدأ بتمريره بالقرب من أنفه ببطء ليستنشقه ، وهي تهزه بلطف
رأته يتململ برأسه ، ويعقد حاجبيه انزعاجا بمجرد استنشاقه لرائحة العطر التي تسللت إلى أنفه ، مما جعله يبدأ بالخروج من غيبوبته المؤقتة ، وهو يستمع إلى همسها الخائف : الحمدلله .. انت كويس..!!
فتح جفنيه ببطء قبل أن ينظر إليها لبضع لحظات بتيه صامتة أخافتها ، فسألت بسرعة : ساكت كدا ليه؟! رد بأي حاجة طمني عليك ..
إعتدل بظهره مع بعض الألم الذي يعصف برأسه ، وهو يمسك مكان الضربة على الجانب الأيمن من جبهته ، بينما ينظر حوله في نفس الصمت ، تابعت بسؤال آخر : طيب انت جيت هنا ليه؟
_انتي مين؟
وقع سؤاله المباغت على أذنيها ، مثل صعقة عنيفة شلت أطرافها.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في ذلك الوقت
فى فيلا صلاح الشندويلي
كانت هالة تجلس على أحد الكراسي المريحة أمام حوض السباحة ، تستمع إلى الموسيقى الهادئة عبر السماعات الصغيرة في أذنيها ، وتنظر إلى الماء الذي عكست داخله صورة السماء بستار ليلي مرصع بالنجوم الساطعة ، والنسيم يداعب شعرها البني حول وجهها الباهي ، بينما عقلها شارداً فيما حدث هذا الصباح.
flash back
_اطمنتي علي لميس
طرحت وسام هذا السؤال بصوتها الأنثوى الهاديء ، بينما تجلس مع هالة على طاولة الطعام تتناولان الإفطار لوحدهما.
جاءها الجواب منها بعد أن ارتشفت القليل من عصير البرتقال : اخر مرة كلمتها كانت بليل وهي تمام هتيجي من الفيوم اخر الاسبوع
سلمي بهدوء : تيجي بالسلامة .. صحيح خلصي فطارك وادخلي لباباكي في مكتبه لما صحي سألني عليكي
هالة بتوتر : طيب ماقالكيش عايزني في ايه؟
أجابتها بتخمين : لا يا حبيبتي بس علي ما اعتقد هيكلمك في موضوع ياسر
_ربنا يستر!!
_ماتقلقيش
هكذا تمتمت وسام بنبرة مطمئنة ، فأومأت لها هالة برأسها قبل أن تغادر من أمامها متجهة نحو مكتب والدها.
_صباح الخير يا بابا
_صباح النور
طرقت الباب بهدوء ، فجاءها صوته يسمح لها بالدخول : اخبارك ايه!!
هالة ببساطة رقيقة : كله تمام الحمدلله .. كنت عايزني في حاجة مش كدا؟!
مرت دقيقة من الصمت ، قام خلالها من مقعده ، ثم دار حول المكتب ، ليجلس مقابلها قبل أن يتحدث بلهجة جدية : سبق من يومين لما جيتي وقولتلي انك رجعتيله دبلته ردت عليك وقلت لك مش هسمع قرارك النهائي دلوقتي وهديك فرصه يومين تفكري كويس يمكن تغيري رايك ودلوقتي بسألك للمرة الاخيرة انتي متأكدة من القرار اللي بلغتيني بيه
أومأت هالة برأسها بينما لسانها يؤكد له بتهذيب : بصراحة يا بابا انا اديت لنفسي اكتر من فرصة معاه .. بس هو مشكلته انه مش شايف نفسه غلطان او عامل حاجة مزعلاني وانا بقي صعب عليا اتجاهل اللي بيحصل
خفضت وجهها إلى الأسفل ، وضد إرادتها ، تجمعت العبرات في زوايا مقلتيها ، وأضافت بصوت منخفض ، كأنها توجه هذا الحديث لنفسها : بس بجد اذا في حد فعلا غلطان فهو انا .. انا اللي فشلت في اختياري من الاول .. كنت غلطانة لما افتكرت ان ممكن اقدر اغيره .. الجواب كان باين من عنوانه وهبقي غبية اذا كملت يا بابا وانا جوايا شك ان الحال ممكن يفضل زي ماهو .. ف ايوه يا بابا انا مش هقدر استمر في الخطوبة دي
عانق صلاح كف يدها بحنان يؤزرها ، وهو يقول بهدوء : تمام يا هالة .. انا سبق وقولتلك اني معاكي في اي قرار هتاخديه .. ومش ممكن هسمح انك تعيشي باقي حياتك متعذبة مع واحد مافيش بينكو تفاهم
هالة بإبتسامة ممتنة : شكرا يا بابا
عادت هالة من أفكارها إلى الواقع ، والابتسامة ترتسم على شفتيها ، زفرت أنفاسها بارتياح وهدوء غريب لم تحظى به فى الآونة الأخيرة ، ربما لأنها تمكنت من اتخاذ قرار الابتعاد عما يؤلمها بمفردها دون تدخل من أحد.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند باسم
_انتي مين؟
وقع سؤاله المباغت على أذنيها ، مثل صعقة عنيفة شلت أطرافها.
خرجت ابريل من أفكارها المرتبكة على صوته الحائر ، بمجرد أن كرر نفس السؤال : انتي مين وانا بعمل ايه هنا؟!
ابريل بِلا استيعاب لا تخلو من الصدمة : مش فاهمة قصدك .. يعني انا مين..؟
أنتابها القلق الشديد عليه فور أن أمسك برأسه ، وتجعد جبينه من الألم ، فاقتربت منه دون وعي ، ناسية ما كانت تفكر فيه قبل ان تتساءل بصوت مفزوع : مالك انت حاسس بإيه؟
تحسس باسم بأطراف أصابعه مكان الإصابة بحذر منزعج من الألم ، قبل أن يجيبها بضيق : وجع جامد في راسي
_شكل الخبطة كانت جامدة
جمجمت ابريل بخفوت ، وإزدردت لعابها بتوتر ، وهي تخفض يده إلى الأسفل ، وعينيها تتفحص رأسه بعناية قبل أن تزفر بشيء من الراحة : الحمدلله مافيش نزيف .. هتبقي كويس بعد شوية و يروح الوجع .. بس هو انت بجد مش عارف انا مين؟!!
ترددت في طرح سؤالها الأخير بخوف لم يخفى على عيني الجالس أمامها على الأرض ، الذي مرر عينيه اللامعتين على ملامحها الطفولية ، وهمس بإعجاب : كل اللي اعرفه انك حلوة اوي بالضفرتين دول يا بندقة
اتسعت عيناها حتى كادت تخرج من محجريها من الصدمة التي ألجمت لسانها للحظات ، ثم حركت رأسها بعدم التصديق تطابق غمغمتها : لا انت مش طبيعي .. مش طبيـ...
سألها بحيرة طريفة : انتي متعودة تقابلي الضيوف بالترحيب الشديد دا؟؟ ودا بتعملي بيه ايه هنا اصلا؟
قال باسم السؤال الأخير باستنكار شديد ، وهو ثني ساقه ، ممسكًا بالمضرب الخشبي فأجابته بعفوية : بتاع اخويا
جذبته ابريل من يده بغتة ، وهى تهاجمه مستفهمة : انت اللي بتعمل ايه هنا في اوضتي في وقت متأخر زي دا انت مجنون ولا بتستهبل...!!؟
احتبست الحروف فى جوفها حالما وضع إصبعه على شفتيها ، قائلا بتوبيخ هامس : هيسمعونا .. حد قالك اني اطرش؟!
_اوعي كدا..
أبعدت يده عنها ، وهي تنفخ الهواء من فمها بضيق ، ووضعت يديها على مكان قلبها الذي كان يؤلمها من شدة خفقاته ، وأردفت بتقريع : حرام عليك قلبي كان هيقف من الخوف عليك يا بارد وانت مرمي قدامي ومابتنطقش
أربكت نبضات قلبه ، وكأن عاصفة صحراوية استهدفت كيانه ، حالما أحس بخوفها عليه للمرة الثانية ، بادياً علي ملامحها وتصرفاتها ليتمتم باندفاع : خوفتي عليا؟
سألت ابريل مستنكرة : وانا هخاف عليك بأمارة ايه؟
رفع باسم يده ، ومسح بخفة دمعة هاربة على خدها المحمر ، وسأل مستفسرًا بتعجب ماكر : اومال الدموع دي كلها علي مين؟!
أدركت أبريل على الفور أنها كانت تبكي دون وعي من خوفها ، فأجابت عليه بسرعة بديهة تتحلى بها : علي مستقبلي اللي كان هيضيع بسببك
ارتفعت ضحكاته الرجولية ، مشاكساً إياها بمرح : واطية يا بندقة
وكزته أبريل في كتفه ، وهى تمتم بغيظ من هذا المحتال : احترم نفسك
شعر باسم بألم طفيف ، لكنه رسم على ملامحه مزيد من الألم المزيف ، وهو يئن بتحذير : اي حاسبي...
نبست أبريل بقلق ، وهي تكور قبضتيها بقوة تحت ذقنها قبل أن تقول بمبرر يتناقض مع توبيخها له ، مما جعله يحبس ضحكته بصعوبة من جنونها : اسفة مقصدش والله .. ماهو انت اللي بتستفزني وقايم فيك حيل تستظرف كمان!!
غمز باسم لها بعبث عفوى ، وهو يجيبها مبتسماً : فيا حيل لحاجات كتير تحبي تجربي
اعتلت فيروزيتها نظرة شرسة ، مشيرة إليه بتهديد ، وهي تهسهس من بين أسنانها في استهجان محبب له : انت لو مابطلتش والله هـ...
تاملتها رماديتيه ، التى تهيم علي ملامحها بتأنِ ، تلائم مع نبرته التائقة : وحشتيني ووحشتني شراستك
تلاشت نظراتها الغاضبة حالما سمعت همسه الرجولي الذي لامس شغاف قلبها لا شعورياً ، فيما هو يرى الخجل يرتسم كلوحة فنية مليئة بالألوان القرمزية الرائعة على صفحة وجهها ذو الملامح البريئة ، وهي ترد بتلعثم خجول : هقوم اجيبلك حتة تلج تحطها مكان الخبطة قبل ما تورم
سرعان ما وجدت قبضته تلتف حول معصمها ، تمنعها من النهوض ، وهو يرفض باعتراض : لا خليكي ماتخرجيش
أخفت ابريل رجفة سرت في أعماقها خلف الاحتجاج الذي ظهر على ملامحها ، فسحبت يدها منه قبل أن تستفسر بريبه : اشمعنا؟
_مصطفي قاعد برا...
اندهشت ابريل من إجابته ، وكأنه يحدثها عن أحوال الطقس ، ولا إرادياً حركت رأسها نحو باب غرفتها قبل أن تثبت نظرها عليه من جديد بتوتر ، وقالت بتعجب : وانت عرفت منين!!!
أجاب باسم موضحا إليها ، وهو ينهض ببطء من الأرض ، وهو لا يزال يشعر بصوت يشبه الطنين في جمجمته : ماهو دا اللي جابني الامن بلغوني انه دخل مع اختك فجيت اطمن عليكي .. بس انتي كده طمنتيني عليكي قادرة تقومي باي حد .. ومجهزة السلاح كمان
قال جملته الأخيرة مازحا ، عندما رآها تستقيم هي الأخرى ، وهي تمسك المضرب ، فتصاعدت ضحكتها العفوية ، التي يسمعها لأول مرة منذ أن التقى بها.
_كنت عايزني اعمل ايه وانت داخل عليا دخلة الحرامية دي .. بس الحمدلله جت سليمة
رفع يده ليلمس جبينه بحسرة ، وتمتم علي مضض مضحك : اه جت سليمة جبتيلي ارتجاج في المخ ودشدشتي نفوخي من جوا بس
ضحكت ابريل برقة فشلت في اخفائها ، ثم أخبرته بمزحة : احمد ربنا اني مكنتش طويلة شوية كانت دماغك دي اتفلقت نصين من قوة ضربتي
باسم بحاجب مرفوع ، مغتاظا من ثقتها غير المنطقية : ايه الفرعنة اللي انتي فيها دي يا بت انتي .. اومال لو ماكنتيش شبر ونص هتعملي فينا ايه؟!
تحولت ملامحها إلى الجدية التي بدت في قولها الذي يكاد يكون متوسلا : احنا اللي هيتعمل فينا لو حد دخل دلوقتي وشافك .. ممكن تخرج بقي قبل نتورط في مصيبة جديدة!!
_مش قبل ما تجاوبيني؟؟
قال باسم ذلك وهو يجلس علي سريرها بإرتخاء ، فسألت مستفسرة بفضول : علي ايه؟!
_ماوحشتكيش اليومين اللي فاتو؟
أدارت عينيها بملل واضح من تلاعبه ، ثم نظرت إليه بسرعة مرة أخرى ، ووضعت يديها على خصرها ، وأجابته بامتعاض : وهتوحشني ليه؟! هو انا اعرفك منين ما تخليك منطقي في كلامك؟!
رفع باسم يده يحك بها مؤخرة عنقه ، مدمدماً بحرج : يخربيت ام الدبش اللي طالع من بوقك
نهض من مقعده متوجهاً إليها ، مهدئاً قليلاً من روعها وهو يتابع قائلاً : خلاص ماتتوتريش انا جنبك
طالعته ابريل لثوانٍ ، ثم لوت فمها بتهكم ، وهي تردد داخلها : وجودك انت هنا موترني اكتر من اللي قاعد برا
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى نفس المنزل
تحديدا علي طاولة الطعام
كانوا يتبادلون اطراف الحديث ، وهم يتناولون العشاء
_انت ما اكلتش يا مصطفي الاكل مش عجبك ولا ايه؟!
أنهت سلمى سؤالها بإستغراب مرتبك من صمته ، ليرد عليها بلامبالاة : ماليش نفس للاكل .. ابريل فين ايه مش حابة تشوفني؟
بررت ريهام له بدلاً من والدتها بنبرةٍ لينة : لا هي من ساعة ما خرجت من المستشفي وهي جوا اوضتها مابتطلعش منها الا بسيط اوي حتي مابقتش تقعد تاكل معانا
تلفظ مصطفي بلهجته الآمرة : عايز اشوفها
_بس هي مش عايزة
وصل رد يوسف الساخر بجمود إلى أذنيه لكنه لم يعلق عليه ، فيما تدخلت سلمى في الحديث بصوت هادئ معتذر بعد أن نظرت لابنها بنظرة تحذيرية : معلش يا مصطفي اديها فرصة تستوعب و تهدا ماتنساش هي صحتها لسه ضعيفة
ردد مصطفي بإقتضاب : اديها فرصة!!
أخذ مصطفي نفسا عميقا ، وهو يبتسم ببرود ، وتابع بهدوء خطير لا يخلو من السخرية : بالمناسبة سمعت انكو اتفقتو مع صلاح علي معاد الخطوبة بعد اسبوعين .. معلش عشان اكون فاهم ناويين تثبتوني لحد بعد فرحها يعني مش كدا!!! .
"تستطيع المرأة أن تفارق الرجل الغني،
و تستطيع أن تفارق الرجل الوسيم،
و لكنها لاتستطيع أبدا أن تفارق الرجل الذي طيب خاطرها،
الرجل الذي أشعرها بالأمان و أنه لايستطيع أن يستغني عنها،
الرجل الذي كان سندا لها،
و مسح دموعها في لحظات ضعفها،
فالقلوب لاتُشترى بالمال ولا بالقوة ولا بالوسامة،
فالقلوب تُشترى بالمعاملة الطيبة."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند ابريل
_يخربيت سنينك السوده يا ابريل
قالتها بهلع ممزوج بطعم الدموع التي بدأت تتساقط على خديها من الخوف ، وأخذت تضرب خده براحة يدها بخفة ، تحاول إيقاظه : فوق يا باسم .. فوق ابوس ايدك .. الله يخليك .. ماتودنيش في مصيبة .. والنبي قوم..
ظلت ابريل تناديه بذعر مرتجف يعادل دقات قلبها المدوية من الرعب ، على أمل أن يستفيق ، لكن لا حياة لمن تنادي.
وضعت إصبعها السبابة أمام أنفه ، وشعرت بأنفاسه الدافئة ، فأطلقت على الفور تنهيدة عميقة ممزوجة بالارتياح ، حينما تأكدت من أنه لا يزال على قيد الحياة.
تمكنت أخيرًا من النهوض ، وسارت بخطوات مرتعشة نحو طاولة التجميل الخاصة بها ، وسحبت زجاجة عطرها من فوقها ، لتعود إليه مرة أخرى ، ثم ركعت بجانبه ، وهو لا يزال فاقدًا للوعي ، وبدأت في نثر بعض العطر على ظهر يدها لتبدأ بتمريره بالقرب من أنفه ببطء ليستنشقه ، وهي تهزه بلطف
رأته يتململ برأسه ، ويعقد حاجبيه انزعاجا بمجرد استنشاقه لرائحة العطر التي تسللت إلى أنفه ، مما جعله يبدأ بالخروج من غيبوبته المؤقتة ، وهو يستمع إلى همسها الخائف : الحمدلله .. انت كويس..!!
فتح جفنيه ببطء قبل أن ينظر إليها لبضع لحظات بتيه صامتة أخافتها ، فسألت بسرعة : ساكت كدا ليه؟! رد بأي حاجة طمني عليك ..
إعتدل بظهره مع بعض الألم الذي يعصف برأسه ، وهو يمسك مكان الضربة على الجانب الأيمن من جبهته ، بينما ينظر حوله في نفس الصمت ، تابعت بسؤال آخر : طيب انت جيت هنا ليه؟
_انتي مين؟
وقع سؤاله المباغت على أذنيها ، مثل صعقة عنيفة شلت أطرافها.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في ذلك الوقت
فى فيلا صلاح الشندويلي
كانت هالة تجلس على أحد الكراسي المريحة أمام حوض السباحة ، تستمع إلى الموسيقى الهادئة عبر السماعات الصغيرة في أذنيها ، وتنظر إلى الماء الذي عكست داخله صورة السماء بستار ليلي مرصع بالنجوم الساطعة ، والنسيم يداعب شعرها البني حول وجهها الباهي ، بينما عقلها شارداً فيما حدث هذا الصباح.
flash back
_اطمنتي علي لميس
طرحت وسام هذا السؤال بصوتها الأنثوى الهاديء ، بينما تجلس مع هالة على طاولة الطعام تتناولان الإفطار لوحدهما.
جاءها الجواب منها بعد أن ارتشفت القليل من عصير البرتقال : اخر مرة كلمتها كانت بليل وهي تمام هتيجي من الفيوم اخر الاسبوع
سلمي بهدوء : تيجي بالسلامة .. صحيح خلصي فطارك وادخلي لباباكي في مكتبه لما صحي سألني عليكي
هالة بتوتر : طيب ماقالكيش عايزني في ايه؟
أجابتها بتخمين : لا يا حبيبتي بس علي ما اعتقد هيكلمك في موضوع ياسر
_ربنا يستر!!
_ماتقلقيش
هكذا تمتمت وسام بنبرة مطمئنة ، فأومأت لها هالة برأسها قبل أن تغادر من أمامها متجهة نحو مكتب والدها.
_صباح الخير يا بابا
_صباح النور
طرقت الباب بهدوء ، فجاءها صوته يسمح لها بالدخول : اخبارك ايه!!
هالة ببساطة رقيقة : كله تمام الحمدلله .. كنت عايزني في حاجة مش كدا؟!
مرت دقيقة من الصمت ، قام خلالها من مقعده ، ثم دار حول المكتب ، ليجلس مقابلها قبل أن يتحدث بلهجة جدية : سبق من يومين لما جيتي وقولتلي انك رجعتيله دبلته ردت عليك وقلت لك مش هسمع قرارك النهائي دلوقتي وهديك فرصه يومين تفكري كويس يمكن تغيري رايك ودلوقتي بسألك للمرة الاخيرة انتي متأكدة من القرار اللي بلغتيني بيه
أومأت هالة برأسها بينما لسانها يؤكد له بتهذيب : بصراحة يا بابا انا اديت لنفسي اكتر من فرصة معاه .. بس هو مشكلته انه مش شايف نفسه غلطان او عامل حاجة مزعلاني وانا بقي صعب عليا اتجاهل اللي بيحصل
خفضت وجهها إلى الأسفل ، وضد إرادتها ، تجمعت العبرات في زوايا مقلتيها ، وأضافت بصوت منخفض ، كأنها توجه هذا الحديث لنفسها : بس بجد اذا في حد فعلا غلطان فهو انا .. انا اللي فشلت في اختياري من الاول .. كنت غلطانة لما افتكرت ان ممكن اقدر اغيره .. الجواب كان باين من عنوانه وهبقي غبية اذا كملت يا بابا وانا جوايا شك ان الحال ممكن يفضل زي ماهو .. ف ايوه يا بابا انا مش هقدر استمر في الخطوبة دي
عانق صلاح كف يدها بحنان يؤزرها ، وهو يقول بهدوء : تمام يا هالة .. انا سبق وقولتلك اني معاكي في اي قرار هتاخديه .. ومش ممكن هسمح انك تعيشي باقي حياتك متعذبة مع واحد مافيش بينكو تفاهم
هالة بإبتسامة ممتنة : شكرا يا بابا
عادت هالة من أفكارها إلى الواقع ، والابتسامة ترتسم على شفتيها ، زفرت أنفاسها بارتياح وهدوء غريب لم تحظى به فى الآونة الأخيرة ، ربما لأنها تمكنت من اتخاذ قرار الابتعاد عما يؤلمها بمفردها دون تدخل من أحد.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند باسم
_انتي مين؟
وقع سؤاله المباغت على أذنيها ، مثل صعقة عنيفة شلت أطرافها.
خرجت ابريل من أفكارها المرتبكة على صوته الحائر ، بمجرد أن كرر نفس السؤال : انتي مين وانا بعمل ايه هنا؟!
ابريل بِلا استيعاب لا تخلو من الصدمة : مش فاهمة قصدك .. يعني انا مين..؟
أنتابها القلق الشديد عليه فور أن أمسك برأسه ، وتجعد جبينه من الألم ، فاقتربت منه دون وعي ، ناسية ما كانت تفكر فيه قبل ان تتساءل بصوت مفزوع : مالك انت حاسس بإيه؟
تحسس باسم بأطراف أصابعه مكان الإصابة بحذر منزعج من الألم ، قبل أن يجيبها بضيق : وجع جامد في راسي
_شكل الخبطة كانت جامدة
جمجمت ابريل بخفوت ، وإزدردت لعابها بتوتر ، وهي تخفض يده إلى الأسفل ، وعينيها تتفحص رأسه بعناية قبل أن تزفر بشيء من الراحة : الحمدلله مافيش نزيف .. هتبقي كويس بعد شوية و يروح الوجع .. بس هو انت بجد مش عارف انا مين؟!!
ترددت في طرح سؤالها الأخير بخوف لم يخفى على عيني الجالس أمامها على الأرض ، الذي مرر عينيه اللامعتين على ملامحها الطفولية ، وهمس بإعجاب : كل اللي اعرفه انك حلوة اوي بالضفرتين دول يا بندقة
اتسعت عيناها حتى كادت تخرج من محجريها من الصدمة التي ألجمت لسانها للحظات ، ثم حركت رأسها بعدم التصديق تطابق غمغمتها : لا انت مش طبيعي .. مش طبيـ...
سألها بحيرة طريفة : انتي متعودة تقابلي الضيوف بالترحيب الشديد دا؟؟ ودا بتعملي بيه ايه هنا اصلا؟
قال باسم السؤال الأخير باستنكار شديد ، وهو ثني ساقه ، ممسكًا بالمضرب الخشبي فأجابته بعفوية : بتاع اخويا
جذبته ابريل من يده بغتة ، وهى تهاجمه مستفهمة : انت اللي بتعمل ايه هنا في اوضتي في وقت متأخر زي دا انت مجنون ولا بتستهبل...!!؟
احتبست الحروف فى جوفها حالما وضع إصبعه على شفتيها ، قائلا بتوبيخ هامس : هيسمعونا .. حد قالك اني اطرش؟!
_اوعي كدا..
أبعدت يده عنها ، وهي تنفخ الهواء من فمها بضيق ، ووضعت يديها على مكان قلبها الذي كان يؤلمها من شدة خفقاته ، وأردفت بتقريع : حرام عليك قلبي كان هيقف من الخوف عليك يا بارد وانت مرمي قدامي ومابتنطقش
أربكت نبضات قلبه ، وكأن عاصفة صحراوية استهدفت كيانه ، حالما أحس بخوفها عليه للمرة الثانية ، بادياً علي ملامحها وتصرفاتها ليتمتم باندفاع : خوفتي عليا؟
سألت ابريل مستنكرة : وانا هخاف عليك بأمارة ايه؟
رفع باسم يده ، ومسح بخفة دمعة هاربة على خدها المحمر ، وسأل مستفسرًا بتعجب ماكر : اومال الدموع دي كلها علي مين؟!
أدركت أبريل على الفور أنها كانت تبكي دون وعي من خوفها ، فأجابت عليه بسرعة بديهة تتحلى بها : علي مستقبلي اللي كان هيضيع بسببك
ارتفعت ضحكاته الرجولية ، مشاكساً إياها بمرح : واطية يا بندقة
وكزته أبريل في كتفه ، وهى تمتم بغيظ من هذا المحتال : احترم نفسك
شعر باسم بألم طفيف ، لكنه رسم على ملامحه مزيد من الألم المزيف ، وهو يئن بتحذير : اي حاسبي...
نبست أبريل بقلق ، وهي تكور قبضتيها بقوة تحت ذقنها قبل أن تقول بمبرر يتناقض مع توبيخها له ، مما جعله يحبس ضحكته بصعوبة من جنونها : اسفة مقصدش والله .. ماهو انت اللي بتستفزني وقايم فيك حيل تستظرف كمان!!
غمز باسم لها بعبث عفوى ، وهو يجيبها مبتسماً : فيا حيل لحاجات كتير تحبي تجربي
اعتلت فيروزيتها نظرة شرسة ، مشيرة إليه بتهديد ، وهي تهسهس من بين أسنانها في استهجان محبب له : انت لو مابطلتش والله هـ...
تاملتها رماديتيه ، التى تهيم علي ملامحها بتأنِ ، تلائم مع نبرته التائقة : وحشتيني ووحشتني شراستك
تلاشت نظراتها الغاضبة حالما سمعت همسه الرجولي الذي لامس شغاف قلبها لا شعورياً ، فيما هو يرى الخجل يرتسم كلوحة فنية مليئة بالألوان القرمزية الرائعة على صفحة وجهها ذو الملامح البريئة ، وهي ترد بتلعثم خجول : هقوم اجيبلك حتة تلج تحطها مكان الخبطة قبل ما تورم
سرعان ما وجدت قبضته تلتف حول معصمها ، تمنعها من النهوض ، وهو يرفض باعتراض : لا خليكي ماتخرجيش
أخفت ابريل رجفة سرت في أعماقها خلف الاحتجاج الذي ظهر على ملامحها ، فسحبت يدها منه قبل أن تستفسر بريبه : اشمعنا؟
_مصطفي قاعد برا...
اندهشت ابريل من إجابته ، وكأنه يحدثها عن أحوال الطقس ، ولا إرادياً حركت رأسها نحو باب غرفتها قبل أن تثبت نظرها عليه من جديد بتوتر ، وقالت بتعجب : وانت عرفت منين!!!
أجاب باسم موضحا إليها ، وهو ينهض ببطء من الأرض ، وهو لا يزال يشعر بصوت يشبه الطنين في جمجمته : ماهو دا اللي جابني الامن بلغوني انه دخل مع اختك فجيت اطمن عليكي .. بس انتي كده طمنتيني عليكي قادرة تقومي باي حد .. ومجهزة السلاح كمان
قال جملته الأخيرة مازحا ، عندما رآها تستقيم هي الأخرى ، وهي تمسك المضرب ، فتصاعدت ضحكتها العفوية ، التي يسمعها لأول مرة منذ أن التقى بها.
_كنت عايزني اعمل ايه وانت داخل عليا دخلة الحرامية دي .. بس الحمدلله جت سليمة
رفع يده ليلمس جبينه بحسرة ، وتمتم علي مضض مضحك : اه جت سليمة جبتيلي ارتجاج في المخ ودشدشتي نفوخي من جوا بس
ضحكت ابريل برقة فشلت في اخفائها ، ثم أخبرته بمزحة : احمد ربنا اني مكنتش طويلة شوية كانت دماغك دي اتفلقت نصين من قوة ضربتي
باسم بحاجب مرفوع ، مغتاظا من ثقتها غير المنطقية : ايه الفرعنة اللي انتي فيها دي يا بت انتي .. اومال لو ماكنتيش شبر ونص هتعملي فينا ايه؟!
تحولت ملامحها إلى الجدية التي بدت في قولها الذي يكاد يكون متوسلا : احنا اللي هيتعمل فينا لو حد دخل دلوقتي وشافك .. ممكن تخرج بقي قبل نتورط في مصيبة جديدة!!
_مش قبل ما تجاوبيني؟؟
قال باسم ذلك وهو يجلس علي سريرها بإرتخاء ، فسألت مستفسرة بفضول : علي ايه؟!
_ماوحشتكيش اليومين اللي فاتو؟
أدارت عينيها بملل واضح من تلاعبه ، ثم نظرت إليه بسرعة مرة أخرى ، ووضعت يديها على خصرها ، وأجابته بامتعاض : وهتوحشني ليه؟! هو انا اعرفك منين ما تخليك منطقي في كلامك؟!
رفع باسم يده يحك بها مؤخرة عنقه ، مدمدماً بحرج : يخربيت ام الدبش اللي طالع من بوقك
نهض من مقعده متوجهاً إليها ، مهدئاً قليلاً من روعها وهو يتابع قائلاً : خلاص ماتتوتريش انا جنبك
طالعته ابريل لثوانٍ ، ثم لوت فمها بتهكم ، وهي تردد داخلها : وجودك انت هنا موترني اكتر من اللي قاعد برا
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى نفس المنزل
تحديدا علي طاولة الطعام
كانوا يتبادلون اطراف الحديث ، وهم يتناولون العشاء
_انت ما اكلتش يا مصطفي الاكل مش عجبك ولا ايه؟!
أنهت سلمى سؤالها بإستغراب مرتبك من صمته ، ليرد عليها بلامبالاة : ماليش نفس للاكل .. ابريل فين ايه مش حابة تشوفني؟
بررت ريهام له بدلاً من والدتها بنبرةٍ لينة : لا هي من ساعة ما خرجت من المستشفي وهي جوا اوضتها مابتطلعش منها الا بسيط اوي حتي مابقتش تقعد تاكل معانا
تلفظ مصطفي بلهجته الآمرة : عايز اشوفها
_بس هي مش عايزة
وصل رد يوسف الساخر بجمود إلى أذنيه لكنه لم يعلق عليه ، فيما تدخلت سلمى في الحديث بصوت هادئ معتذر بعد أن نظرت لابنها بنظرة تحذيرية : معلش يا مصطفي اديها فرصة تستوعب و تهدا ماتنساش هي صحتها لسه ضعيفة
ردد مصطفي بإقتضاب : اديها فرصة!!
أخذ مصطفي نفسا عميقا ، وهو يبتسم ببرود ، وتابع بهدوء خطير لا يخلو من السخرية : بالمناسبة سمعت انكو اتفقتو مع صلاح علي معاد الخطوبة بعد اسبوعين .. معلش عشان اكون فاهم ناويين تثبتوني لحد بعد فرحها يعني مش كدا!!! .