رواية وله في ظلامها حياة الفصل العشرون 20 بقلم دينا احمد
الفصل العشرون
(نجمة ساطعة)
أقتربت رحمة أكثر أمام سريره صارخة وقد تملك منها الغضب فما فعله كفيلاً بأن يجعلها تقتله:
- فهمني و قولي انا جاي عندي إنذار من بيت الطاعة عشان أرجع البيت إزاي؟! أنا من امتا وأنا مراتك يا حيوان؟!!
التوي جانب فمه بابتسامة لامعة لم يختبرها من قبل وأقسم بداخله ألا يُخرجها من هذا البيت مرة ثانية، ولكنها غرست روحه بكلماتها التي القتها عليه:
- بكرهك و بكره سيرتك اللي أنت عملته في نورا كبير اوي و احسن حاجة للي زيك أنك تموت ... يكش الوساخة و الندالة اللي في دمك تختفي من حياة كل اللي أذيتهم ... أفهم بقا أنت مريض و مجنون محدش عاقل يعمل اللي أنت عملته ده.. البنت بسببك دلوقتي مش بتشوف و يا عالم إذا كانت العملية بتاعتها هتنجح و ترجع تشوف ولا لأ.
جحظت عيناه بصدمة و شعر بتجمد أطرافه من حديثها الأخير فهتف وهو يرمقها باستنكار وعدم تصديق:
- أنتي أكيد بتقولي كدا عشان تختبري رد فعلي مش صح؟ قوليلي أن كلامك غلط ! والله ما كنت أقصد.
تحدثت بتحشرج و الدموع تنساب من عسلياتها بغزارة:
- لا حصل ... حصل و دمرت حياة بنت ملهاش ذنب في أي حاجة.. دايرة الأنتقام اللي أنت محاوط نفسك بيها قتلت فيها بنت مهما حصل متقدرش تتخطى اللي أنت عملته! طب ليه عملت كدا؟ أنا مش فاهمة وصلت بيك الوقاحة أنك تمد أيدك عليها و تحاول تعتدي عليها!
طأطأ رأسه خجلاً وبدأ يشعر بتحجر الدموع بمقلتاه قائلاً:
- والله العظيم المرة دي أو اللي قبلها معملتش فيها حاجة ... آخر مرة أنا مكنش قصدي اعتدي عليها أنا كنت عايز أبعدها عن البلد دي و اخفيها من حياتهم كلهم يمكن النار اللي في قلبي تهدي، بس هي فهمتني غلط وكان معاها حق انا لما دخلتها الاوضة كنت عايز احبسها فيها بس هي عصبتني و فضلت تقاومني بطريقة غريبة عشان كدا خبطتها بس مكنش قصدي اعمل كدا ولما شفت دمها ارتعبت و جيت اشيلها اوديها مستشفى انتي خبطتيني، والمرة الأولى أنا مقربتش منها ولا اغتصبتها..
~Flashback~
(جانبه المُظلم)
أزدادت وتيرة أنفاسه بخوف عندما تشنجت عضلات جسدها بين يداه ! لعن نفسه بداخله لأنه كان على وشك أن يغتصبها، هز رأسه بعنف بالتأكيد لم تفارق الحياة ولكن شحوب وجهها يشعره بالفزع الشديد، ربت على وجهها عدة مرات علها تفيق ولكنها كانت غائبة عن الواقع تماماً!
ظلت يداه تغوص في شعره بعدم تصديق ليرتدي قميصه و سترته بهرجلة ثم نظر إلي حازم ليجده لا يزال يبكي للحظة أبتسم بتشفي وانتصار حتي وإن لم يستطع إكمال ما بدأ ولكن ستبقي نظرة الذل في أعين حازم أفضل شيء يرآه في حياته ثم بصق في وجه ذلك الحازم قائلاً بوعيد:
- دي لسه البداية يا حازم أستعد لجحيمك ! حق جميلة أختي هيرجع ... انا صحيح معملتش في مراتك حاجة لأني مش هدخل بنت ملهاش ذنب في حاجة في انتقامي منك و صدقني هتموت مذلول.
توجه نحو فراش تلك الراقدة وهو يوصد عيناه بندم وغضب عارم تغلغل في خلايا روحه، حملها بين يداه بعد أن حاوط جسدها بإحدي الأغطية ثم خرجا من الغرفة ليذهب بها إلى أقرب غرفة تقابله و وضعها برفق ثم دثرها جيداً و أحضر هاتفه من سترته و فتحه بنفاذ صبر وهو يتصل بطبيب صديقه ليجيبه صديقه
= في إيه يا جاسر أنت كويس؟
- بقولك يا حسن بلاش كلام كتير انا كويس بس هبعتلك العنوان المكان اللي انا فيه عايزك تكون قدامي حالاً.
= حاضر حاضر انا هكون عندك دلوقتي بس ابعتلي الـlocation على الواتس.
- طب سلام.
أرسل إليه العنوان ثم استدار نحوها وهو يبتلع ريقه بصعوبة لم يكن يعلم بأنه سوف يتمادي لهذه الدرجة! ليس من شيمه أن يضرب امرأة لم يفعلها حتي مع زوجته التي خانته!
أغلق عيناه عنوةً و قهراً لا لن يستطيع أن يظل في هذا المكان أكثر سوف ينهار في أية لحظة... هرع إلي الخارج راكضاً وكأنه يهرب من سجن مكث فيه طوال حياته!
ركب سيارته بهرجلة وهو يحارب كي لا تسقط دموعه رغماً عنه ثم انطلق بها بأقصي سرعة!
لماذا يتذكر شقيقته الآن؟ لماذا ضحكاتها المرحة و المحبة لقلبه التي كانت تهون عليه مشقة الحياة تتردد في عقله الآن؟! فتاة مثلها في مقتبل عمرها يافعة بالحياة لا تكف عن المزاح... تذكر سعادتها البالغة عندما أحضرت نتيجة الثانوية وحققت حلم حياتها بأن تدخل كلية الطب و تُصبح طبيبة أطفال نظراً لعشقها لتلك المخلوقات الصغيرة البريئة.. تذكر خطيبها شهاب ذلك الشاب الرزين المتفهم الذي عشقها كما عشقته هي..
شقيقته، والدته، والده، زوجته الهاربة، وأخيراً رحمة تلك الفتاة التي تآجج بداخله شعور لم يعهده قبلاً كلما نظر إلى عيناها المعذبتان يحلق في السماء! تعتبره رئيس عملها ليس إلا ولكن ماذا عنه؟! براءة ملامحها و طفولتها تجعله يشعر كأنه شيطان يسير في الأرض..
ذلك الجمود و القسوة التي يتظاهر بها ما هي ألا قناع يرتديه يُخفي حقيقته حقيقة أنه طفل صغير ضائع فقد كل شيء و تبدد بداخله ظلام دامس، عاصفة دبت بداخله لتمرمغه يميناً و يساراً بلا رحمة...
أزال دموعه المنهمرة بكف يده بعنف ثم توقف بسيارته على جانب الطريق و آخذ هاتفه ليجيب على اتصال حسن قائلاً بصوت بح باكي
- عملت إيه يا حسن؟
= مال صوتك يا جاسر أنت بتعيط؟!
- يوووه بقا ... وصلت ولا لسه؟
= أيوا وصلت بس رجالتك قالوا إنك مشيت.
- أسمع بقا ... أنت هتدخل لـ بنت اغمي عليها شاف مالها و حصل معاها ايه وعالج الكدمات اللي في وشها و أيدها ولو شفت واحد تاني متبهدل متعملش ليه حاجة سيبه زي الكلب المهم تنفذ اللي قولتلك عليه بخوص البنت.
= بنت مين؟ ما تفهمني يا جاسر انا بدأت أقلق.
- أسمع الكلام و نفذ وبعدين نبقي نقعد و نتكلم و بلاش رغي.
= تمام يا سيدي سلام.
ألقي هاتفه في المقعد بجانبه ثم نظر حوله بضياع... شرد مُفكراً كيف وصل إلى هنا؟ حقاً لا يعي اي شيء يحدث لا يُصدق أنه قطع هذا الطريق الطويل دون وجهة محددة.. عاد بسيارته مرة ثانية قاصداً فيلته حتي وصل فهبط منها وسار إلي الداخل ببطئ و تثاقل شديد حتي جلس على أحدي المقاعد في البهو و أراح ظهره يفك ازار قميصه حتي وصل إلى منتصف بطنه ثم وضع يده على عيناه مغلقاً إياها....حتي جاءه صوتها الناعم الدفئ:
- مستر جاسر حضرتك كويس؟.
نظر لها بجمود فحمحمت رحمة قائلة بتعثلم:
- طب ... آآ حضرتك أحضر الأكل ... ولا يعني تشرب قهوة؟.
نهر نفسه ها هي تأتي بصوتها الذي يسقط على مسامعه كالطرب و معذوفة عذبة تآسره كلما نظر أو أستمع إليها..
نهض واقفاً أمامها بطوله الفارع الذي جعلها تبدو طفلة أمامه تنظر إليه ببراءة و استغراب حتي نظرت إليه برعب عندما جذبها من يدها لترتطم بجسده فتحدثت بخفوت:
- مستر جاسر في إيه؟!
ابتسم لها بارهاق سرعان ما أخفاها بداخل صدره معانقاً إياها بقوة قائلاً بضعف:
- ارجوكي متبعديش انا محتاجك أوي.
شل حركة جسدها ولم تستطع الإفلات حتي انصاعت إليه..! ولكن ما الذي أصابه حتي يفعل ما يفعله الآن؟ فليبتعد عنها و يتركها وشأنها ! لماذا يرتجف بهذا الشكل؟ لا تستطيع دفعه هو الآن المسيطر على جسدها من جميع الجهات
شهقت بخوف عندما امتدت أنامله تسحب حجابها بهوادة فصاحت بإنفعال:
- لو سمحت أبعد اللي أنت بتعمله ده غلط!.
لم يكترث لما تقوله إنما أزال الحجاب تماماً دافناً وجهه مستنشقاً رائحة شعرها التي بدت كرائحة الياسمين فتحدث بخفوت وتوسل:
- والله هي المرة دي بس ومش هعمل كده تاني بس خليكي أنا محتاجك.
أغمضت عيناها بقوة حتي طال صمتهم لدقائق لا يعلموا عددها فقط يستنشق عبيرها يتشبث بها كأنه طفل يحتضن والدته خائفاً من ضياعها..
أبعدها عنه ولا يزال ممسكاً بذراعيها قائلاً بارتباك ونظرة شغف ظهرت في ملقتاه:
- سامحيني دي آخر مرة .... آسف.
دفعته بعيداً ثم أنحنت جاذبة حجابها و وضعته على شعرها ثم نظرت إليه بعتاب ولوم و فرت إلى غرفتها القريبة من المطبخ.
وفي اليوم التالي...
بدل ملابسه ثم توجه إلى حجرة الطعام حتي أتت أحدي الخادمات واضعة الطعام أمامه، ازدرد في توتر فمن المفترض أنها من تُحضر الطعام بنفسها، كيف يسأل عليها وبأي صفة؟.
تنهد بضيق ثم أشار إليها بالذهاب بعد أن انتهت ولكن فجأة أوقفها متسائلاً:
- مين اللي حضر الفطور وبعدين ليه مجبتيش القهوة؟!
أجابته بجدية:
- رحمة هي اللي حضرته و القهوة هتكون عند حضرتك حالاً.
زفر بارتياح منتظراً قدومها حتي خطت نحوه حاملة فنجان القهوة التي تسلل إلى أنفه فهو لا يشرب القهوة سوا من يدها لا يفهم كيف تكون قادرة على أن تجعلها كما يريد تماماً ! وضعتها أمامه ثم انصرفت بهدوء دون النظر إليه...
وبعد ساعتين...
كان جالساً بغرور و وقار أمام حسيني ليقول حسيني بتوجس:
- وأنت عرفت منين أنها عملالي توكيل؟
نظر إليه بازدراء ثم قال بغطرسة:
- أنت هتسألني ولا إيه؟ أخلص و أمضي.
تحدث حسيني بجشع:
- طب طالما الموضوع فيه جواز يبقي السعر يزيد شويتين.
زفر جاسر بنفاذ صبر:
- طب أمضي يا زفت عشان المأذون يمشي.
امتثل حسيني لآوامره ليصيح المأذون قائلاً بهدوء:
- بس يا أبني المفروض كانت العروسة تكون موافقة على جوازها منك.
لم يجيبها جاسر فهو قد حقق ما أراد وأصبحت زوجته.
~End~
كانت رحمة تنظر إليه بأعين متسعة ثم اقتربت أكثر لتصفعه بقوة و ركضت إلي الخارج تاركة إياه يبكي بانهيار كعادته.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في اسبانيا...
وبعد عدة ساعات بعد أن استيقظت نورا من أثر المُخدر ولكن كان على عيناها شريط طبي... شدت على يد مراد تستمد منه القوة ليتحدث بهمس مطمئناً إياها:
- نوري خليكي واثقة أنها هتنجح بإرادة ربنا وبلاش الخوف ده ... انتي هترجعي تشوفي من جديد عشان أول حاجة عُمر و عشان تحققي ذاتك و تعملي كل اللي أنتي عايزاه.
أبتسمت بارتعاش وقد بدأت كلامته بتخفيف آلامها و خوفها رويداً رويداً ليأتيها صوت دانيال قائلاً بابتسامة:
- هل أنتي مستعدة زوجة أخي؟
أومأت له بإضطراب ليردف قائلاً:
- من الواضح انكِ متوترة بعض الشئ وهذا ليس جيد على الاطلاق... استرخي تماماً و أنا أؤكد لكِ بأنها ناجحة... وأن حدث العكس لا بأس صديقتي سنحاول مرة أخرى.
صفعه مراد على مؤخرة عنقه (قفاه ) قائلاً بحنق:
- أخلص يا قنبلة التفاؤل و نقطنا بسُكاتك.
وضع دانيال يده مكان الصفعة قائلاً بألم:
- لا أفهم من كلامك شيئاً ولكن يبدو أنني أخطأت بقول صغيرتي... حسناً أعتذر.
قهقهت نورا بصخب ليصر مراد أسنانه بغضب فابتعد قليلاً سانحاً لـ دانيال الفرصة بأن ينزع العصابة من عيناها ولكنه ظل مُمسكاً بيدها يبتسم بأمل..
دقات قلبهما المتزايدة بجنون كانت العامل الأكبر بأن تجعل التوتر يسيطر عليهم.. شعر ببرودة يدها عندما أزاح دانيال ذلك الشريط من عيناها ... أزداد تنفسها حتي تحول إلى لهاث ليأتيها صوت دانيال المحفز:
- لما أنتِ مُغلقة عيناكِ إلي الآن؟! هيا ايتها الفتاه أفتحي تلك الزرقاوتان لنري.
فتحت عيناها ببطئ و تأني شديد ولكنها شعرت بشعاع نور مشوه أمامها..
- إيه يا نوري شايفة إيه؟!
استفسر مراد بقلق ولكن لم تصله إجابتها... فهي فقط كانت ترفرف بأهدابها محاولة الرؤية بوضوح حتي أبتسمت باتسـاع وسعادة لا مثيل لها عندما وقع نظرها وبدأت ترآه بوضوح... جالساً بهيمنة و عظمة لا تليق إلا به وحده طلته الساحرة سلبت آنفاسها لثوانٍ ولكن ذلك الطبيب الغبي قاطع تأملها بجاذبيته و وسامته المُفرطة:
فتحدث دانيال بمزاح:
- لما لا تتحدثي سوف يجف حلقي من الإنتظار.
حرك يده أمامه وجهها لتبعد يده حتي تستطيع رؤية فارسها بوضوح، بينما تهللت اسارير مراد فرحاً برد فعلها فيبدو أن العملية نجحت بفضل الله !
أزاحه مراد هو الآخر عن طريقه لتصرخ نورا بسعادة ثم اندفعت إلي أحضانه بقوة لتتسع عيناه بدهشة فدائماً هو من يبادر بعناقها أولاً بل الأجمل من هذا أنها أصبحت تري من جديد..
تعالت خفقات قلبه بجنون حتي انعكست على صدرها فابعدته تنظر إلي وجهه بفرح و لهفة لم تستطع التحكم بها قائلة بعدم تصديق وهي تتحسس وجهه:
- مراد أنا شايفاك!! انا بحبك أوي ربنا يخليك ليا..
(أنا هعيط يا جماعة )
عانقته بحرارة مرة ثانية بينما شعر هو بأن الدهشة قد سيطرت عليه وجعلته غير قادر بالتفوه بأي شيء..
قبّل جانب أذنها بحانية و عشق.. ليحمحم دانيال قائلاً:
- فلتهدأ قليلاً أيها الفهد نحن في مشفي..
ثم وجه حديثه إلي نورا بابتسامة رسمية:
- مبارك لكِ صغيرة أخي اتمني لكم حياة سعيدة.
أجابته نورا بأمتنان:
- شكراً لك كثيراً أيها البطل واتمني لك النجاح دوماً.
رفع دانيال يده بطريقة درامية وهو يعدل من ياقه قميصه بغرور:
- لا داعي للشكر صغيرة أخي فأنا بالخدمة...
ولكن حقاً أفضل شيء حدث أن العملية اُجريت سريعاً لأن كلما مر الوقت كان نسبة النجاح أقل.. مبارك لكِ مرة ثانية، اعذروني يجب أن أذهب الآن لدي موعد عملية بعد دقائق ولا تنسي أن تأخذي الأدوية التي اوصيت بها.
أومأ له مراد قائلاً بابتسامة:
- يجب أن تأتي أنت و زوجتك في زيارة الينا في مصر بالقريب العاجل.
أماء له دانيال ثم خرج من الغرفة تاركاً عاشقان السعادة تغمرهم إلى أبعد الحدود...!
تحدث مراد وهو يقترب من شفتاها:
- ألف مبروك يا نوري.
التقط شفتيها بقبلة حانية يبث بها عن مدي سعادته و سروره لتبدأ هي بالتجاوب معه بخجل...
فرق قبلتهم قائلاً بأنفس لاهثة مستنداً بجبينه على جبينها:
- من بكرة هنرجع مصر تاني.
عبست ملامحها قائلة بحنق:
- بس أنت عارف إني بحب اسبانيا وكان نفسي أسافر هنا من وانا صغيرة.
قرص وجنتها قائلاً بمرح:
- بلاش تعملي بوشك كدا عشان بحبك اكتر والله...وبعدين اعذريني بس في صفقات ومناقصة مهمة جداً والمفروض أمضي عليها، و صدقيني هنكون هنا في أسرع وقت بس أخلص اللي ورايا عشان أنا انشغلت كتير في الاسبوعين اللي فاتوا.
هزت رأسها بتفهم:
- خلاص اتفقنا أنا أصلا هموت وأشوف عمر و...
قاطعها زاجراً إياها بحدة:
- إياكي تجيبي سيرة الموت أنتي فاهمة... لو سمعتك بتقولي كدا تاني متلوميش غير نفسك أنتي عمرك ما تسبيني تاني انتي بتاعتي يا نورا.
ابتلعت لعابها بخوف من نبرته التي بدت كالجنون ولكنها أومأت له برأسها عدة مرات ليُقبل جبينها قائلاً:
- هنزل أشوف إجراءات الخروج عشان نخرج انهارده...
اشاحت بوجهها بعيداً عنه ليمسك ذقنها مجبراً إياها على النظر إليه:
- أنا آسف بس مبحبش تجيبي سيرة الموت حتي لو متقصديش.
رسمت ابتسامة مزيفة على ثغرها فتوجه إلي الأسفل حتي ينتهي من الإجراءات اللازمة ثم صعد مرة ثانية بعد مرور بعض الوقت..
دلف إلي الغرفة ممسكاً بكيس به ملابس خاصة بها فوجدها لا تزال على جلستها عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتذمر طفولي، أبتسم بيأس ثم أقترب جالساً أمامها قائلاً بصوته الاجش:
- واضح أنك لسه زعلانة..
وضع يده على جبهته يتصنع التفكير:
- تعمل إيه يا مراد عشان تصالحها؟ تعمل إيه يا مراد عشان تصالحها... بس لقيتها إيه رأيك لما نرجع نروح المول ونعمل كل اللي أنتي عايزاه؟.
التمعت عيناها بحماس ثم تحدثت بعفوية و براءة:
- يعني لما نوصل مصر مش هتقول مشغول وترفض؟.
هز رأسه بنفي لتقبله على وجنته بتلقائية فأغمض عيناه على أثر ملامسة شفتاها الناعمة لوجهه.. ثم نهض وهو يحاول كبح رغبته فى تقبيلها مرة ثانية قائلاً:
- قومي عشان تجهزي و نمشي.
بدأ بنزع ذلك الرداء الخاص بغرفة العمليات لتنظر إليه بخوف و خجل بآن واحد فهمس قائلاً:
- ممكن تبطلي خوف و رعشة عشان اكمل قولتلك مش هأذيكي..
اغمض عيناه ما أن أنتهي ليسحب فستانها بسرعة ثم وضعه عليها وجعلها توليه ظهره ليُغلق سحابة فستانها ثم أدارها مرة ثانية لتنظر إليه بوجهها الذي اصتبغ بحُمرة قانية ليزفر في راحة ثم شبك أصابعه بأصابعها وسار بها في الممر..
- أوه ! مراد هنا ولم أراه..
صاحت جوليا من ورائهم بدهشة ليلتفت كلاً من مراد و نورا لمصدر الصوت فكانت فتاة صارخة بالجمال بشعرها الاشقر كخيوط الذهب و ملامحها الفاتنة...
ابتسم لها مراد لتقفز في حضنه بسعادة مبالغ بها بينما تسمرت نورا بمكانها ! واشتعلت عيناها بالغضب بمعانقة تلك الصفراء إليه... وجدت يدها تفرق بين عناقهم بحدة فنظرت إليها جوليا باستغراب لتهتف نورا بغيرة و غضب:
- ابتعدي عنه و يكفيكي التصاقاً به ... ما هذه الأخلاق!
رمقتها جوليا باستخفاف قائلة بدلال مبالغ متعمدة الالتصاق به:
- من تلك الفتاة؟ يا إلهي كيف تسير مع عديمة أخلاق مثلها؟!
دفعها مراد بعيداً عنه يرسل إليها نظرات مرعبة ثم صاح بغضب:
- لا تتحدثي مع زوجتي كهذا مرة ثانية وألا سأنسي أنكِ صديقتي و سيكون عقابك وخيماً والآن ابتعدي مثلما قالت.
أمسك بيد نورا ساحباً إياها بينما ودت نورا لو ظلت أمام تلك الصفراء لتقتلع شعرها بين يداها...ثم خرجا سوياً ليذهبا....
~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت رحمة جالسة أرضاً في أحدي زوايا الغرفة تضم ركبتيها و تنساب دموعها مثل الشلالات لا تعلم لما تشعر بالشفقة تجاهه قلبها يدعوها بأن تذهب إليه و تطمئنه بأنه بجانبه ولكن عقلها يصرخ بأنه ظالم تزوجها دون علمها و رغماً عنها و أذي صديقتها التي اعتبرتها أختاً لها..
نهضت محاولة استجماع شجاعتها فهي ستذهب إليه و تفعل واجبها دون التحدث معه أو التجادل في أي شيء وفي الصباح سوف تذهب بلا رجعة! إذن طالما سوف تذهب إليه سوف ترغمه على طلاقها...
أمسكت مقبض الباب بتردد ثم زفرت في الهواء تحدث نفسها:
- أهدي كدا يا رحمة انا هخليه يطلقني غصب كفاية لحد كدا
أكملت وهي تنهر نفسها باستخفاف
- ايه الاوفر بتاعي ده أنا لو شفته دلوقتي مش بعيد اصالحه من نفسي اه مانا واقعة و محدش سمي عليا.
رسمت ملامح مقتضبة على وجهها ثم دلفت لتجده جالساً على كرسي متحرك في شرفة الغرفة فقد عمل مراد بعناية على أن يكسر قدماه و يده اليسرى و يده اليمني من الاعلي ناحية كتفه بجانب وجهه الملئ بالكدمات المتلونة، وقفت خلفه ولكنه حقاً لم يشعر بها فقد كان شارد الذهن... حركت كرسيه بخفة حتي دلفا إلي الداخل ليبتسم بداخله فهي إلي الآن لم تغادر، جلست هي على حافة الفراش جاذبة الضمادات ثم بدأت بتمريرها على وجهه بهدوء..
تآوه بألم عندما ضغطت على أحدي الأماكن المتورمة لتنظر إليه بقلق فتحدث ساخراً:
- إيه رجعتي في رأيك و قبلتي بالأمر الواقع ولا لسه منشفة دماغك.
وضعته يدها على مؤخرة عنقه مقربة إياه قائلة بخفوت:
- بلاش أسمع صوتك عشان أنا كرهته و الكلمة الوحيدة اللي عايزة أسمعها منك أنك تطلقني.
تجسد الألم و الندم في عيناه ولم يتفوه بشيء آخر فقط ملامسة أناملها الناعمة لوجهه تُسكن ألمه و روحه، أخرجت أنبوبة مرهم مضاد للألم لتبدأ بتوزيعه على كتفه فهو كان مرتدي قميص قطني أسود بحاملات عريضة أظهرت عضلاته... انتهت لتأخذ مرهم من نوع آخر و مررته على وجهها... نظرت له بتقييم بعد أن انتهت ولم تستطيع مقاومة كتلة الضحك التي انفجرت بداخلها لينظر إليه بدهشة واستغراب فصاحت من بين ضحكاتها:
- إيه فايدة العضلات دي و أنت منفوخ بالشكل ده.
اشاح بنظره يزفر بأنزعاج و غضب لتهدأ هي ثم استعادت جمودها قائلة:
- طلقني.
تآفف جاسر قائلاً ببرود:
- مسمعش الكلمة دي تاني ومفيش طلاق..
ثم أكمل بألم:
- متبعديش أنتي كمان انا مليش حد.
قاومت شعورها بالحزن لتخرج من الغرفة...
~~~~~~~~~~~~~~~~
في صباح يوم جديد...
داعبت أشعة الشمس الذهبية عيناها لتفتحها ببطئ مبتسمة بسعادة غمرتها من جديد... فوجدته يولي لها ظهره العاري لا يرتدي سوا بنطال قطني فقط و يحزم أمتعتهم معاً
- صباح الخير يا نوري.
صاح مراد وهو لا يزال يضع الملابس الخاصة بهم في الحقيبة لتتعجب هي فهو لم ينظر إليها حتي، كيف علم باستيقاظها فأجابته بصوتها الناعس:
- صباح النور ... بس انت بتعملهم ليه دلوقتي؟.
توجه نحوها جالساً بجانبها ثم هتف بعبث:
- مفيش حاجة اسمها صباح النور أنا عايز صباحي يكون مميز !
هزت رأسها وكادت أن تعترض ولكنه ابتلع كلامها داخل جوفه.
وبعد مرور ساعتين...
جلسا في طيارته الخاصة التي آتيا بها أثناء المجيء
حتي غفت مرة ثانية بين يداه فتمتم مراد بيأس:
"بطلة العالم في النوم و الإغماء!"
ربت على وجهها قائلاً بحنو:
- نوري قومي بقا دا كله نوم! قومي و كفاية كسل.
تملمت بنعاس بين ذراعيه، بينما احتواها أكثر يضم ذلك المعطف الكبير على جسدها فتحدثت بخفوت وهي تتوسد صدره:
- احنا فين؟ انا عايزة أشوف ماما و عمر.
أطلق ضحكة عالية قائلاً بمرح:
- طبعاً يا حبيبتي...اصحي بس الأول ونبقي نشوف الموضوع ده بعدين.
ضربته بقبضة يدها الصغيرة على صدره وحاولت النهوض ولكنه أحكم الإمساك بها، فأتي صوت مضيفة الطيران التي تحدثت بصوت حاولت قدر الإمكان أن تجعله ناعم:
- تحب تطلب إيه يا مستر مراد؟.
كانت تنظر إليه بجرأة ولم تعير نورا أية اهتمام يُذكر و قبل أن يتحدث مراد صاحت نورا بغرور:
- عايزة عصير برتقال فريش ومعه توست بالمربي.
رفع مراد أحدي حاجباه فاليوم تصرفاتها تبدو غريبة بالنسبة إليه ولكنه ستريث ليري ماذا ستفعل بعد...فملامحها الغاضبة الطفولية يعشقها بشدة، صاح بصوته الرخيم:
- قهوة سودا.
أومأت له المُضيفة مبتسمة بغنجية ثم انصرفت تاركة تلك التي تشتعل غضباً و غيظاً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
صرخت ديما بغضب على الهاتف:
- هو أنا مقولتش تعمل أي حاجة عشان العملية تفشل مانا مشغلة بهايم ميفهموش حاجة.
= صدقيني أنا حاولت أكلم دانيال و اديله فلوس يمكن يغير رأيه بس هو هددني أنه يحكي لمراد.
- عشان غبي وأنت اغبي منه واقفل عشان متغباش عليك خليني اتصرف في المصيبة اللي بسبع أرواح دي!
= طب ما تقوليلي ناوية على إيه يمكن أساعدك.
- مروان أنا مش فايقة للكلام معاك وإياك تتصل تاني غير لما انا اللي اتصل.. سلام.
أغلقت هاتفها ثم ألقته بالجدار ليتهشم إلي قطع وقد بدأت عيناها بإطلاق لهيب شرها و غلها قائلة بحقد:
- هسيبكم تتمتعوا يومين و ساعتها ابقي اترحم على جثة المرحومة مراتك يا سي مراد.
جلست الأريكة بأريحية تخطط إلي القادم...
~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور أسبوع...
صاحت به نورا في لوم:
- وأنت إزاي تسيبها معاه في بيت واحد أنت متعرفش ممكن يعمل فيها إيه... مش بعيد يكون ضاغط عليها عشان كدا قاعدة معاه في بيت واحد.
أشعل مراد سيجارته قائلاً بتهكم:
- طب واعمل إيه أنا ضغطت عليها عشان ترجع معايا بس هي رافضة... على العموم متقلقيش جاسر هيقع تحت أيدي في أقرب وقت وساعتها مش هرحمه.
تطلعت إليه بخوف ولكنها لم تستطيع مجادلته فطوال الأسبوع تترجاه بأن يتفهم الموقف وألا يأذيه فهي تعلم بأن رحمة تكن له مشاعر دفينة وبالتأكيد لن تكون بحالة جيدة عندما يحدث له شيء...
جذبها إليه لتلتصق به ثم همس بجانب أذنها قائلاً:
- خمس دقايق و تكوني فوق في اوضتنا.
سألته بتوتر:
- ليه ما احنا قاعدين في الجنينة أهو و الجو حلو نطلع ليه بقا؟.
همس مرة ثانية:
- نوري اخلصي أنا مبحبش اكرر كلامي.. و البسي لبس خروج عشان هنخرج.
اتسعت عيناها بحماس:
- ثواني و هكون لبست.
صعدت إلي الأعلى راكضة بسعادة حتي تدلي فاهها بدهشة عندما وجدت فستان من اللون الأحمر أنيق و بسيط للغاية وبجانبه حذاء من نفس اللون و ينتصفه فراشة مصممة باحترافية ثم وجدت معطف من اللون الأبيض كبير
أرتدت ذلك الفستان الذي أظهر مدي روعة جسدها، ثم وضعت مكياج هادئ و معه أحمر الشفاه القاني و اسدلت شعرها البني المتموج خلف ظهرها بسلاسة و من ثم أرتدت حذاءها الذي يشبه أحذية الأميرات ثم انتهت بارتداء المعطف الذي وصل إلى ما بعد خصرها...نظرت في المرآة بتقييم لتتسع ابتسامتها عندما دلف إليها وقد أرتدي حلة سوداء و صفف شعره بطريقه جذابة و رائحة عطره سلبت عقلها.

أمّا هو فوقف متصنم أمام تلك اللوحة الفنية الواقفة أمامه فما يرآه الآن ليست ألا نجمة ساطعة في ليلة مُظلمة فابتسمت قائلة بخجل:
- أنا جاهزة يالا بينا.
ظل يرمش بعيناه عدة مرات لعله يفيق وقد سلبت لبه لا بل سلبت كل ذرة به بجمالها الآخاذ! تشابكت أيديهم إلي أن هبطوا إلى الأسفل حتي جعلها تقف أمام السيارة ثم وضع قطعة قماش حريرية باللون الأسود على عيناها و ربطها خلف رأسها برفق و إحكام فقطبت جبينها قائلاً بارتباك:
- ليه كدا يا مراد؟!
همس بصوت شجي جعلها تُغمض عيناها أكثر:
- دي مفاجأة وياريت بلاش أسالتك الكتير يا نوري.
أدخلها السيارة بهدوء ثم ركبها هو الآخر وانطلق بها.. وبعد عدة دقائق هبط من سيارته أمام فيلا كبيرة ثم فتح لها الباب ممسكاً بيدها فتسائلت مرة ثانية:
- مش فاهمة أنت عامل ليا كدا ليه؟؟
لم يجيبها إنما أحاط خصرها بيداه و دلف بها إلي الداخل حتي أستمعت إلي صوت إغلاق الباب و سار بها عدة خطوات حتي ارغمها على الوقوف في منتصف هذه الصالة الكبيرة الواسعة... وفي ثوانٍ أزال تلك القطعة القماشية
لتفتح عيناها بتريث سرعان ما توسعت عندما نظرت إلي المكان حولها...! ورود حمراء متناسرة أرضاً بروعة و كلمات مست أوتار قلبها مُعلقة على الحائط
«أنتي نوري»
«والله العظيم بحبك»
«مجنون بيكي»
«نور قلبي»
التفتت إليه فوجدت شعاع ابتسامته الحنونة قد اسكنت قلبها و أنارت ظلامها ! بإشارة من يده أغلقت إنارة المكان ليتسلط النور حولهم فقط ثم امتدت يده لتزيح ذلك المعطف، ثم صدحت أغنية 'نشيـد العاشقين' فجذبها مراد وبدأ بالرقص والتمايل معها بتناغم و رومانسيه حانية
«صاحبة الصون والعفاف احلى واحدة في البنات
اللي عمري ما قلبي شاف
زيها في المخلوقات
تسمحيلي برقصه هادية ... تسحميلي بقربي منك
حلم عمري تكوني راضية عن وجودك بس جنبي
يا خُلاصة الجمال يانشيد العاشقين
يا إجابة عن سؤال كان شاغلني من سنين
كان سؤال عن ميْن حبيبتي
مين هتبقي أساس حكايتي
والإجابة كانت أنتي ... أنتي كنتي غايبة فين؟
يا حبيبتي أنتي نوري أنتي احساسي بحياتي
انتي مالكة من شعوري كل ماضي وكل آتي
أنتي مفتاح الحياة للي نفسه يعيش سعادة
قلبي محتاجلك معاه وكل يوم يحتاج زيادة
يا خُلاصَة الجَمال يانشيد العاشِقِيْنَ
يا إِجابَة عَنَّ سُؤال كانَ شاغَلَنِي مَن سَنَّينَ
كانَ سُؤال عَنَّ مَيْن حَبِيبَتَيْ
مَيْن هتبقا إِساس حِكايتِي
وَالإِجابَة كانَت أَنّتِي أَنّتِي كَنَّتَيْيَ غايبة فَيِن»
كانت ترقص معه كالفراشة بين يداه صدقاً لم يتدربا على هذه الرقصة ولكن مشاعرهم هي من قادتهم لفعل كل هذا.
ابتسامته التي تشق شفتاه و نظرات العشق التي تنهال من عيناه و السعادة التي يغدقها بها الآن تُذهبها إلي عنان السماء، ما أن انتهت رقتصهم الملحمية حتي قبل جبينها بحنو..
ثم هتف وهو يشير إلى المكان:
- دا بيتنا أنا وأنتي البيت اللي هنكمل حياتنا فيه و هيشهد على حبي و عشقي ليكي...انا اخترته قريب من بيت العائلة عشان لو حبيتي تروحي في أي وقت.
لفحت أنفاسه الحارة عنقها وهو يلثمها بشغف لتُغمض عيناها مستسلمة لمشاعرها الهوجاء التي تجتاحها دائماً كلما أقترب منها، ثم شهقت بخجل عندما حملها سريعاً قائلاً وهو يغمز إليها بمكر:
- تعالي بقا افرجك على البيت كله.
صعد بها إلى الأعلى مبتسماً باستمتاع لمشاهدة توهج وجنتها..
~ لتسكت شهرزاد عن الكلام الغير مباح
(نجمة ساطعة)
أقتربت رحمة أكثر أمام سريره صارخة وقد تملك منها الغضب فما فعله كفيلاً بأن يجعلها تقتله:
- فهمني و قولي انا جاي عندي إنذار من بيت الطاعة عشان أرجع البيت إزاي؟! أنا من امتا وأنا مراتك يا حيوان؟!!
التوي جانب فمه بابتسامة لامعة لم يختبرها من قبل وأقسم بداخله ألا يُخرجها من هذا البيت مرة ثانية، ولكنها غرست روحه بكلماتها التي القتها عليه:
- بكرهك و بكره سيرتك اللي أنت عملته في نورا كبير اوي و احسن حاجة للي زيك أنك تموت ... يكش الوساخة و الندالة اللي في دمك تختفي من حياة كل اللي أذيتهم ... أفهم بقا أنت مريض و مجنون محدش عاقل يعمل اللي أنت عملته ده.. البنت بسببك دلوقتي مش بتشوف و يا عالم إذا كانت العملية بتاعتها هتنجح و ترجع تشوف ولا لأ.
جحظت عيناه بصدمة و شعر بتجمد أطرافه من حديثها الأخير فهتف وهو يرمقها باستنكار وعدم تصديق:
- أنتي أكيد بتقولي كدا عشان تختبري رد فعلي مش صح؟ قوليلي أن كلامك غلط ! والله ما كنت أقصد.
تحدثت بتحشرج و الدموع تنساب من عسلياتها بغزارة:
- لا حصل ... حصل و دمرت حياة بنت ملهاش ذنب في أي حاجة.. دايرة الأنتقام اللي أنت محاوط نفسك بيها قتلت فيها بنت مهما حصل متقدرش تتخطى اللي أنت عملته! طب ليه عملت كدا؟ أنا مش فاهمة وصلت بيك الوقاحة أنك تمد أيدك عليها و تحاول تعتدي عليها!
طأطأ رأسه خجلاً وبدأ يشعر بتحجر الدموع بمقلتاه قائلاً:
- والله العظيم المرة دي أو اللي قبلها معملتش فيها حاجة ... آخر مرة أنا مكنش قصدي اعتدي عليها أنا كنت عايز أبعدها عن البلد دي و اخفيها من حياتهم كلهم يمكن النار اللي في قلبي تهدي، بس هي فهمتني غلط وكان معاها حق انا لما دخلتها الاوضة كنت عايز احبسها فيها بس هي عصبتني و فضلت تقاومني بطريقة غريبة عشان كدا خبطتها بس مكنش قصدي اعمل كدا ولما شفت دمها ارتعبت و جيت اشيلها اوديها مستشفى انتي خبطتيني، والمرة الأولى أنا مقربتش منها ولا اغتصبتها..
~Flashback~
(جانبه المُظلم)
أزدادت وتيرة أنفاسه بخوف عندما تشنجت عضلات جسدها بين يداه ! لعن نفسه بداخله لأنه كان على وشك أن يغتصبها، هز رأسه بعنف بالتأكيد لم تفارق الحياة ولكن شحوب وجهها يشعره بالفزع الشديد، ربت على وجهها عدة مرات علها تفيق ولكنها كانت غائبة عن الواقع تماماً!
ظلت يداه تغوص في شعره بعدم تصديق ليرتدي قميصه و سترته بهرجلة ثم نظر إلي حازم ليجده لا يزال يبكي للحظة أبتسم بتشفي وانتصار حتي وإن لم يستطع إكمال ما بدأ ولكن ستبقي نظرة الذل في أعين حازم أفضل شيء يرآه في حياته ثم بصق في وجه ذلك الحازم قائلاً بوعيد:
- دي لسه البداية يا حازم أستعد لجحيمك ! حق جميلة أختي هيرجع ... انا صحيح معملتش في مراتك حاجة لأني مش هدخل بنت ملهاش ذنب في حاجة في انتقامي منك و صدقني هتموت مذلول.
توجه نحو فراش تلك الراقدة وهو يوصد عيناه بندم وغضب عارم تغلغل في خلايا روحه، حملها بين يداه بعد أن حاوط جسدها بإحدي الأغطية ثم خرجا من الغرفة ليذهب بها إلى أقرب غرفة تقابله و وضعها برفق ثم دثرها جيداً و أحضر هاتفه من سترته و فتحه بنفاذ صبر وهو يتصل بطبيب صديقه ليجيبه صديقه
= في إيه يا جاسر أنت كويس؟
- بقولك يا حسن بلاش كلام كتير انا كويس بس هبعتلك العنوان المكان اللي انا فيه عايزك تكون قدامي حالاً.
= حاضر حاضر انا هكون عندك دلوقتي بس ابعتلي الـlocation على الواتس.
- طب سلام.
أرسل إليه العنوان ثم استدار نحوها وهو يبتلع ريقه بصعوبة لم يكن يعلم بأنه سوف يتمادي لهذه الدرجة! ليس من شيمه أن يضرب امرأة لم يفعلها حتي مع زوجته التي خانته!
أغلق عيناه عنوةً و قهراً لا لن يستطيع أن يظل في هذا المكان أكثر سوف ينهار في أية لحظة... هرع إلي الخارج راكضاً وكأنه يهرب من سجن مكث فيه طوال حياته!
ركب سيارته بهرجلة وهو يحارب كي لا تسقط دموعه رغماً عنه ثم انطلق بها بأقصي سرعة!
لماذا يتذكر شقيقته الآن؟ لماذا ضحكاتها المرحة و المحبة لقلبه التي كانت تهون عليه مشقة الحياة تتردد في عقله الآن؟! فتاة مثلها في مقتبل عمرها يافعة بالحياة لا تكف عن المزاح... تذكر سعادتها البالغة عندما أحضرت نتيجة الثانوية وحققت حلم حياتها بأن تدخل كلية الطب و تُصبح طبيبة أطفال نظراً لعشقها لتلك المخلوقات الصغيرة البريئة.. تذكر خطيبها شهاب ذلك الشاب الرزين المتفهم الذي عشقها كما عشقته هي..
شقيقته، والدته، والده، زوجته الهاربة، وأخيراً رحمة تلك الفتاة التي تآجج بداخله شعور لم يعهده قبلاً كلما نظر إلى عيناها المعذبتان يحلق في السماء! تعتبره رئيس عملها ليس إلا ولكن ماذا عنه؟! براءة ملامحها و طفولتها تجعله يشعر كأنه شيطان يسير في الأرض..
ذلك الجمود و القسوة التي يتظاهر بها ما هي ألا قناع يرتديه يُخفي حقيقته حقيقة أنه طفل صغير ضائع فقد كل شيء و تبدد بداخله ظلام دامس، عاصفة دبت بداخله لتمرمغه يميناً و يساراً بلا رحمة...
أزال دموعه المنهمرة بكف يده بعنف ثم توقف بسيارته على جانب الطريق و آخذ هاتفه ليجيب على اتصال حسن قائلاً بصوت بح باكي
- عملت إيه يا حسن؟
= مال صوتك يا جاسر أنت بتعيط؟!
- يوووه بقا ... وصلت ولا لسه؟
= أيوا وصلت بس رجالتك قالوا إنك مشيت.
- أسمع بقا ... أنت هتدخل لـ بنت اغمي عليها شاف مالها و حصل معاها ايه وعالج الكدمات اللي في وشها و أيدها ولو شفت واحد تاني متبهدل متعملش ليه حاجة سيبه زي الكلب المهم تنفذ اللي قولتلك عليه بخوص البنت.
= بنت مين؟ ما تفهمني يا جاسر انا بدأت أقلق.
- أسمع الكلام و نفذ وبعدين نبقي نقعد و نتكلم و بلاش رغي.
= تمام يا سيدي سلام.
ألقي هاتفه في المقعد بجانبه ثم نظر حوله بضياع... شرد مُفكراً كيف وصل إلى هنا؟ حقاً لا يعي اي شيء يحدث لا يُصدق أنه قطع هذا الطريق الطويل دون وجهة محددة.. عاد بسيارته مرة ثانية قاصداً فيلته حتي وصل فهبط منها وسار إلي الداخل ببطئ و تثاقل شديد حتي جلس على أحدي المقاعد في البهو و أراح ظهره يفك ازار قميصه حتي وصل إلى منتصف بطنه ثم وضع يده على عيناه مغلقاً إياها....حتي جاءه صوتها الناعم الدفئ:
- مستر جاسر حضرتك كويس؟.
نظر لها بجمود فحمحمت رحمة قائلة بتعثلم:
- طب ... آآ حضرتك أحضر الأكل ... ولا يعني تشرب قهوة؟.
نهر نفسه ها هي تأتي بصوتها الذي يسقط على مسامعه كالطرب و معذوفة عذبة تآسره كلما نظر أو أستمع إليها..
نهض واقفاً أمامها بطوله الفارع الذي جعلها تبدو طفلة أمامه تنظر إليه ببراءة و استغراب حتي نظرت إليه برعب عندما جذبها من يدها لترتطم بجسده فتحدثت بخفوت:
- مستر جاسر في إيه؟!
ابتسم لها بارهاق سرعان ما أخفاها بداخل صدره معانقاً إياها بقوة قائلاً بضعف:
- ارجوكي متبعديش انا محتاجك أوي.
شل حركة جسدها ولم تستطع الإفلات حتي انصاعت إليه..! ولكن ما الذي أصابه حتي يفعل ما يفعله الآن؟ فليبتعد عنها و يتركها وشأنها ! لماذا يرتجف بهذا الشكل؟ لا تستطيع دفعه هو الآن المسيطر على جسدها من جميع الجهات
شهقت بخوف عندما امتدت أنامله تسحب حجابها بهوادة فصاحت بإنفعال:
- لو سمحت أبعد اللي أنت بتعمله ده غلط!.
لم يكترث لما تقوله إنما أزال الحجاب تماماً دافناً وجهه مستنشقاً رائحة شعرها التي بدت كرائحة الياسمين فتحدث بخفوت وتوسل:
- والله هي المرة دي بس ومش هعمل كده تاني بس خليكي أنا محتاجك.
أغمضت عيناها بقوة حتي طال صمتهم لدقائق لا يعلموا عددها فقط يستنشق عبيرها يتشبث بها كأنه طفل يحتضن والدته خائفاً من ضياعها..
أبعدها عنه ولا يزال ممسكاً بذراعيها قائلاً بارتباك ونظرة شغف ظهرت في ملقتاه:
- سامحيني دي آخر مرة .... آسف.
دفعته بعيداً ثم أنحنت جاذبة حجابها و وضعته على شعرها ثم نظرت إليه بعتاب ولوم و فرت إلى غرفتها القريبة من المطبخ.
وفي اليوم التالي...
بدل ملابسه ثم توجه إلى حجرة الطعام حتي أتت أحدي الخادمات واضعة الطعام أمامه، ازدرد في توتر فمن المفترض أنها من تُحضر الطعام بنفسها، كيف يسأل عليها وبأي صفة؟.
تنهد بضيق ثم أشار إليها بالذهاب بعد أن انتهت ولكن فجأة أوقفها متسائلاً:
- مين اللي حضر الفطور وبعدين ليه مجبتيش القهوة؟!
أجابته بجدية:
- رحمة هي اللي حضرته و القهوة هتكون عند حضرتك حالاً.
زفر بارتياح منتظراً قدومها حتي خطت نحوه حاملة فنجان القهوة التي تسلل إلى أنفه فهو لا يشرب القهوة سوا من يدها لا يفهم كيف تكون قادرة على أن تجعلها كما يريد تماماً ! وضعتها أمامه ثم انصرفت بهدوء دون النظر إليه...
وبعد ساعتين...
كان جالساً بغرور و وقار أمام حسيني ليقول حسيني بتوجس:
- وأنت عرفت منين أنها عملالي توكيل؟
نظر إليه بازدراء ثم قال بغطرسة:
- أنت هتسألني ولا إيه؟ أخلص و أمضي.
تحدث حسيني بجشع:
- طب طالما الموضوع فيه جواز يبقي السعر يزيد شويتين.
زفر جاسر بنفاذ صبر:
- طب أمضي يا زفت عشان المأذون يمشي.
امتثل حسيني لآوامره ليصيح المأذون قائلاً بهدوء:
- بس يا أبني المفروض كانت العروسة تكون موافقة على جوازها منك.
لم يجيبها جاسر فهو قد حقق ما أراد وأصبحت زوجته.
~End~
كانت رحمة تنظر إليه بأعين متسعة ثم اقتربت أكثر لتصفعه بقوة و ركضت إلي الخارج تاركة إياه يبكي بانهيار كعادته.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في اسبانيا...
وبعد عدة ساعات بعد أن استيقظت نورا من أثر المُخدر ولكن كان على عيناها شريط طبي... شدت على يد مراد تستمد منه القوة ليتحدث بهمس مطمئناً إياها:
- نوري خليكي واثقة أنها هتنجح بإرادة ربنا وبلاش الخوف ده ... انتي هترجعي تشوفي من جديد عشان أول حاجة عُمر و عشان تحققي ذاتك و تعملي كل اللي أنتي عايزاه.
أبتسمت بارتعاش وقد بدأت كلامته بتخفيف آلامها و خوفها رويداً رويداً ليأتيها صوت دانيال قائلاً بابتسامة:
- هل أنتي مستعدة زوجة أخي؟
أومأت له بإضطراب ليردف قائلاً:
- من الواضح انكِ متوترة بعض الشئ وهذا ليس جيد على الاطلاق... استرخي تماماً و أنا أؤكد لكِ بأنها ناجحة... وأن حدث العكس لا بأس صديقتي سنحاول مرة أخرى.
صفعه مراد على مؤخرة عنقه (قفاه ) قائلاً بحنق:
- أخلص يا قنبلة التفاؤل و نقطنا بسُكاتك.
وضع دانيال يده مكان الصفعة قائلاً بألم:
- لا أفهم من كلامك شيئاً ولكن يبدو أنني أخطأت بقول صغيرتي... حسناً أعتذر.
قهقهت نورا بصخب ليصر مراد أسنانه بغضب فابتعد قليلاً سانحاً لـ دانيال الفرصة بأن ينزع العصابة من عيناها ولكنه ظل مُمسكاً بيدها يبتسم بأمل..
دقات قلبهما المتزايدة بجنون كانت العامل الأكبر بأن تجعل التوتر يسيطر عليهم.. شعر ببرودة يدها عندما أزاح دانيال ذلك الشريط من عيناها ... أزداد تنفسها حتي تحول إلى لهاث ليأتيها صوت دانيال المحفز:
- لما أنتِ مُغلقة عيناكِ إلي الآن؟! هيا ايتها الفتاه أفتحي تلك الزرقاوتان لنري.
فتحت عيناها ببطئ و تأني شديد ولكنها شعرت بشعاع نور مشوه أمامها..
- إيه يا نوري شايفة إيه؟!
استفسر مراد بقلق ولكن لم تصله إجابتها... فهي فقط كانت ترفرف بأهدابها محاولة الرؤية بوضوح حتي أبتسمت باتسـاع وسعادة لا مثيل لها عندما وقع نظرها وبدأت ترآه بوضوح... جالساً بهيمنة و عظمة لا تليق إلا به وحده طلته الساحرة سلبت آنفاسها لثوانٍ ولكن ذلك الطبيب الغبي قاطع تأملها بجاذبيته و وسامته المُفرطة:
فتحدث دانيال بمزاح:
- لما لا تتحدثي سوف يجف حلقي من الإنتظار.
حرك يده أمامه وجهها لتبعد يده حتي تستطيع رؤية فارسها بوضوح، بينما تهللت اسارير مراد فرحاً برد فعلها فيبدو أن العملية نجحت بفضل الله !
أزاحه مراد هو الآخر عن طريقه لتصرخ نورا بسعادة ثم اندفعت إلي أحضانه بقوة لتتسع عيناه بدهشة فدائماً هو من يبادر بعناقها أولاً بل الأجمل من هذا أنها أصبحت تري من جديد..
تعالت خفقات قلبه بجنون حتي انعكست على صدرها فابعدته تنظر إلي وجهه بفرح و لهفة لم تستطع التحكم بها قائلة بعدم تصديق وهي تتحسس وجهه:
- مراد أنا شايفاك!! انا بحبك أوي ربنا يخليك ليا..
(أنا هعيط يا جماعة )
عانقته بحرارة مرة ثانية بينما شعر هو بأن الدهشة قد سيطرت عليه وجعلته غير قادر بالتفوه بأي شيء..
قبّل جانب أذنها بحانية و عشق.. ليحمحم دانيال قائلاً:
- فلتهدأ قليلاً أيها الفهد نحن في مشفي..
ثم وجه حديثه إلي نورا بابتسامة رسمية:
- مبارك لكِ صغيرة أخي اتمني لكم حياة سعيدة.
أجابته نورا بأمتنان:
- شكراً لك كثيراً أيها البطل واتمني لك النجاح دوماً.
رفع دانيال يده بطريقة درامية وهو يعدل من ياقه قميصه بغرور:
- لا داعي للشكر صغيرة أخي فأنا بالخدمة...
ولكن حقاً أفضل شيء حدث أن العملية اُجريت سريعاً لأن كلما مر الوقت كان نسبة النجاح أقل.. مبارك لكِ مرة ثانية، اعذروني يجب أن أذهب الآن لدي موعد عملية بعد دقائق ولا تنسي أن تأخذي الأدوية التي اوصيت بها.
أومأ له مراد قائلاً بابتسامة:
- يجب أن تأتي أنت و زوجتك في زيارة الينا في مصر بالقريب العاجل.
أماء له دانيال ثم خرج من الغرفة تاركاً عاشقان السعادة تغمرهم إلى أبعد الحدود...!
تحدث مراد وهو يقترب من شفتاها:
- ألف مبروك يا نوري.
التقط شفتيها بقبلة حانية يبث بها عن مدي سعادته و سروره لتبدأ هي بالتجاوب معه بخجل...
فرق قبلتهم قائلاً بأنفس لاهثة مستنداً بجبينه على جبينها:
- من بكرة هنرجع مصر تاني.
عبست ملامحها قائلة بحنق:
- بس أنت عارف إني بحب اسبانيا وكان نفسي أسافر هنا من وانا صغيرة.
قرص وجنتها قائلاً بمرح:
- بلاش تعملي بوشك كدا عشان بحبك اكتر والله...وبعدين اعذريني بس في صفقات ومناقصة مهمة جداً والمفروض أمضي عليها، و صدقيني هنكون هنا في أسرع وقت بس أخلص اللي ورايا عشان أنا انشغلت كتير في الاسبوعين اللي فاتوا.
هزت رأسها بتفهم:
- خلاص اتفقنا أنا أصلا هموت وأشوف عمر و...
قاطعها زاجراً إياها بحدة:
- إياكي تجيبي سيرة الموت أنتي فاهمة... لو سمعتك بتقولي كدا تاني متلوميش غير نفسك أنتي عمرك ما تسبيني تاني انتي بتاعتي يا نورا.
ابتلعت لعابها بخوف من نبرته التي بدت كالجنون ولكنها أومأت له برأسها عدة مرات ليُقبل جبينها قائلاً:
- هنزل أشوف إجراءات الخروج عشان نخرج انهارده...
اشاحت بوجهها بعيداً عنه ليمسك ذقنها مجبراً إياها على النظر إليه:
- أنا آسف بس مبحبش تجيبي سيرة الموت حتي لو متقصديش.
رسمت ابتسامة مزيفة على ثغرها فتوجه إلي الأسفل حتي ينتهي من الإجراءات اللازمة ثم صعد مرة ثانية بعد مرور بعض الوقت..
دلف إلي الغرفة ممسكاً بكيس به ملابس خاصة بها فوجدها لا تزال على جلستها عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتذمر طفولي، أبتسم بيأس ثم أقترب جالساً أمامها قائلاً بصوته الاجش:
- واضح أنك لسه زعلانة..
وضع يده على جبهته يتصنع التفكير:
- تعمل إيه يا مراد عشان تصالحها؟ تعمل إيه يا مراد عشان تصالحها... بس لقيتها إيه رأيك لما نرجع نروح المول ونعمل كل اللي أنتي عايزاه؟.
التمعت عيناها بحماس ثم تحدثت بعفوية و براءة:
- يعني لما نوصل مصر مش هتقول مشغول وترفض؟.
هز رأسه بنفي لتقبله على وجنته بتلقائية فأغمض عيناه على أثر ملامسة شفتاها الناعمة لوجهه.. ثم نهض وهو يحاول كبح رغبته فى تقبيلها مرة ثانية قائلاً:
- قومي عشان تجهزي و نمشي.
بدأ بنزع ذلك الرداء الخاص بغرفة العمليات لتنظر إليه بخوف و خجل بآن واحد فهمس قائلاً:
- ممكن تبطلي خوف و رعشة عشان اكمل قولتلك مش هأذيكي..
اغمض عيناه ما أن أنتهي ليسحب فستانها بسرعة ثم وضعه عليها وجعلها توليه ظهره ليُغلق سحابة فستانها ثم أدارها مرة ثانية لتنظر إليه بوجهها الذي اصتبغ بحُمرة قانية ليزفر في راحة ثم شبك أصابعه بأصابعها وسار بها في الممر..
- أوه ! مراد هنا ولم أراه..
صاحت جوليا من ورائهم بدهشة ليلتفت كلاً من مراد و نورا لمصدر الصوت فكانت فتاة صارخة بالجمال بشعرها الاشقر كخيوط الذهب و ملامحها الفاتنة...
ابتسم لها مراد لتقفز في حضنه بسعادة مبالغ بها بينما تسمرت نورا بمكانها ! واشتعلت عيناها بالغضب بمعانقة تلك الصفراء إليه... وجدت يدها تفرق بين عناقهم بحدة فنظرت إليها جوليا باستغراب لتهتف نورا بغيرة و غضب:
- ابتعدي عنه و يكفيكي التصاقاً به ... ما هذه الأخلاق!
رمقتها جوليا باستخفاف قائلة بدلال مبالغ متعمدة الالتصاق به:
- من تلك الفتاة؟ يا إلهي كيف تسير مع عديمة أخلاق مثلها؟!
دفعها مراد بعيداً عنه يرسل إليها نظرات مرعبة ثم صاح بغضب:
- لا تتحدثي مع زوجتي كهذا مرة ثانية وألا سأنسي أنكِ صديقتي و سيكون عقابك وخيماً والآن ابتعدي مثلما قالت.
أمسك بيد نورا ساحباً إياها بينما ودت نورا لو ظلت أمام تلك الصفراء لتقتلع شعرها بين يداها...ثم خرجا سوياً ليذهبا....
~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت رحمة جالسة أرضاً في أحدي زوايا الغرفة تضم ركبتيها و تنساب دموعها مثل الشلالات لا تعلم لما تشعر بالشفقة تجاهه قلبها يدعوها بأن تذهب إليه و تطمئنه بأنه بجانبه ولكن عقلها يصرخ بأنه ظالم تزوجها دون علمها و رغماً عنها و أذي صديقتها التي اعتبرتها أختاً لها..
نهضت محاولة استجماع شجاعتها فهي ستذهب إليه و تفعل واجبها دون التحدث معه أو التجادل في أي شيء وفي الصباح سوف تذهب بلا رجعة! إذن طالما سوف تذهب إليه سوف ترغمه على طلاقها...
أمسكت مقبض الباب بتردد ثم زفرت في الهواء تحدث نفسها:
- أهدي كدا يا رحمة انا هخليه يطلقني غصب كفاية لحد كدا
أكملت وهي تنهر نفسها باستخفاف
- ايه الاوفر بتاعي ده أنا لو شفته دلوقتي مش بعيد اصالحه من نفسي اه مانا واقعة و محدش سمي عليا.
رسمت ملامح مقتضبة على وجهها ثم دلفت لتجده جالساً على كرسي متحرك في شرفة الغرفة فقد عمل مراد بعناية على أن يكسر قدماه و يده اليسرى و يده اليمني من الاعلي ناحية كتفه بجانب وجهه الملئ بالكدمات المتلونة، وقفت خلفه ولكنه حقاً لم يشعر بها فقد كان شارد الذهن... حركت كرسيه بخفة حتي دلفا إلي الداخل ليبتسم بداخله فهي إلي الآن لم تغادر، جلست هي على حافة الفراش جاذبة الضمادات ثم بدأت بتمريرها على وجهه بهدوء..
تآوه بألم عندما ضغطت على أحدي الأماكن المتورمة لتنظر إليه بقلق فتحدث ساخراً:
- إيه رجعتي في رأيك و قبلتي بالأمر الواقع ولا لسه منشفة دماغك.
وضعته يدها على مؤخرة عنقه مقربة إياه قائلة بخفوت:
- بلاش أسمع صوتك عشان أنا كرهته و الكلمة الوحيدة اللي عايزة أسمعها منك أنك تطلقني.
تجسد الألم و الندم في عيناه ولم يتفوه بشيء آخر فقط ملامسة أناملها الناعمة لوجهه تُسكن ألمه و روحه، أخرجت أنبوبة مرهم مضاد للألم لتبدأ بتوزيعه على كتفه فهو كان مرتدي قميص قطني أسود بحاملات عريضة أظهرت عضلاته... انتهت لتأخذ مرهم من نوع آخر و مررته على وجهها... نظرت له بتقييم بعد أن انتهت ولم تستطيع مقاومة كتلة الضحك التي انفجرت بداخلها لينظر إليه بدهشة واستغراب فصاحت من بين ضحكاتها:
- إيه فايدة العضلات دي و أنت منفوخ بالشكل ده.
اشاح بنظره يزفر بأنزعاج و غضب لتهدأ هي ثم استعادت جمودها قائلة:
- طلقني.
تآفف جاسر قائلاً ببرود:
- مسمعش الكلمة دي تاني ومفيش طلاق..
ثم أكمل بألم:
- متبعديش أنتي كمان انا مليش حد.
قاومت شعورها بالحزن لتخرج من الغرفة...
~~~~~~~~~~~~~~~~
في صباح يوم جديد...
داعبت أشعة الشمس الذهبية عيناها لتفتحها ببطئ مبتسمة بسعادة غمرتها من جديد... فوجدته يولي لها ظهره العاري لا يرتدي سوا بنطال قطني فقط و يحزم أمتعتهم معاً
- صباح الخير يا نوري.
صاح مراد وهو لا يزال يضع الملابس الخاصة بهم في الحقيبة لتتعجب هي فهو لم ينظر إليها حتي، كيف علم باستيقاظها فأجابته بصوتها الناعس:
- صباح النور ... بس انت بتعملهم ليه دلوقتي؟.
توجه نحوها جالساً بجانبها ثم هتف بعبث:
- مفيش حاجة اسمها صباح النور أنا عايز صباحي يكون مميز !
هزت رأسها وكادت أن تعترض ولكنه ابتلع كلامها داخل جوفه.
وبعد مرور ساعتين...
جلسا في طيارته الخاصة التي آتيا بها أثناء المجيء
حتي غفت مرة ثانية بين يداه فتمتم مراد بيأس:
"بطلة العالم في النوم و الإغماء!"
ربت على وجهها قائلاً بحنو:
- نوري قومي بقا دا كله نوم! قومي و كفاية كسل.
تملمت بنعاس بين ذراعيه، بينما احتواها أكثر يضم ذلك المعطف الكبير على جسدها فتحدثت بخفوت وهي تتوسد صدره:
- احنا فين؟ انا عايزة أشوف ماما و عمر.
أطلق ضحكة عالية قائلاً بمرح:
- طبعاً يا حبيبتي...اصحي بس الأول ونبقي نشوف الموضوع ده بعدين.
ضربته بقبضة يدها الصغيرة على صدره وحاولت النهوض ولكنه أحكم الإمساك بها، فأتي صوت مضيفة الطيران التي تحدثت بصوت حاولت قدر الإمكان أن تجعله ناعم:
- تحب تطلب إيه يا مستر مراد؟.
كانت تنظر إليه بجرأة ولم تعير نورا أية اهتمام يُذكر و قبل أن يتحدث مراد صاحت نورا بغرور:
- عايزة عصير برتقال فريش ومعه توست بالمربي.
رفع مراد أحدي حاجباه فاليوم تصرفاتها تبدو غريبة بالنسبة إليه ولكنه ستريث ليري ماذا ستفعل بعد...فملامحها الغاضبة الطفولية يعشقها بشدة، صاح بصوته الرخيم:
- قهوة سودا.
أومأت له المُضيفة مبتسمة بغنجية ثم انصرفت تاركة تلك التي تشتعل غضباً و غيظاً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
صرخت ديما بغضب على الهاتف:
- هو أنا مقولتش تعمل أي حاجة عشان العملية تفشل مانا مشغلة بهايم ميفهموش حاجة.
= صدقيني أنا حاولت أكلم دانيال و اديله فلوس يمكن يغير رأيه بس هو هددني أنه يحكي لمراد.
- عشان غبي وأنت اغبي منه واقفل عشان متغباش عليك خليني اتصرف في المصيبة اللي بسبع أرواح دي!
= طب ما تقوليلي ناوية على إيه يمكن أساعدك.
- مروان أنا مش فايقة للكلام معاك وإياك تتصل تاني غير لما انا اللي اتصل.. سلام.
أغلقت هاتفها ثم ألقته بالجدار ليتهشم إلي قطع وقد بدأت عيناها بإطلاق لهيب شرها و غلها قائلة بحقد:
- هسيبكم تتمتعوا يومين و ساعتها ابقي اترحم على جثة المرحومة مراتك يا سي مراد.
جلست الأريكة بأريحية تخطط إلي القادم...
~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور أسبوع...
صاحت به نورا في لوم:
- وأنت إزاي تسيبها معاه في بيت واحد أنت متعرفش ممكن يعمل فيها إيه... مش بعيد يكون ضاغط عليها عشان كدا قاعدة معاه في بيت واحد.
أشعل مراد سيجارته قائلاً بتهكم:
- طب واعمل إيه أنا ضغطت عليها عشان ترجع معايا بس هي رافضة... على العموم متقلقيش جاسر هيقع تحت أيدي في أقرب وقت وساعتها مش هرحمه.
تطلعت إليه بخوف ولكنها لم تستطيع مجادلته فطوال الأسبوع تترجاه بأن يتفهم الموقف وألا يأذيه فهي تعلم بأن رحمة تكن له مشاعر دفينة وبالتأكيد لن تكون بحالة جيدة عندما يحدث له شيء...
جذبها إليه لتلتصق به ثم همس بجانب أذنها قائلاً:
- خمس دقايق و تكوني فوق في اوضتنا.
سألته بتوتر:
- ليه ما احنا قاعدين في الجنينة أهو و الجو حلو نطلع ليه بقا؟.
همس مرة ثانية:
- نوري اخلصي أنا مبحبش اكرر كلامي.. و البسي لبس خروج عشان هنخرج.
اتسعت عيناها بحماس:
- ثواني و هكون لبست.
صعدت إلي الأعلى راكضة بسعادة حتي تدلي فاهها بدهشة عندما وجدت فستان من اللون الأحمر أنيق و بسيط للغاية وبجانبه حذاء من نفس اللون و ينتصفه فراشة مصممة باحترافية ثم وجدت معطف من اللون الأبيض كبير
أرتدت ذلك الفستان الذي أظهر مدي روعة جسدها، ثم وضعت مكياج هادئ و معه أحمر الشفاه القاني و اسدلت شعرها البني المتموج خلف ظهرها بسلاسة و من ثم أرتدت حذاءها الذي يشبه أحذية الأميرات ثم انتهت بارتداء المعطف الذي وصل إلى ما بعد خصرها...نظرت في المرآة بتقييم لتتسع ابتسامتها عندما دلف إليها وقد أرتدي حلة سوداء و صفف شعره بطريقه جذابة و رائحة عطره سلبت عقلها.

أمّا هو فوقف متصنم أمام تلك اللوحة الفنية الواقفة أمامه فما يرآه الآن ليست ألا نجمة ساطعة في ليلة مُظلمة فابتسمت قائلة بخجل:
- أنا جاهزة يالا بينا.
ظل يرمش بعيناه عدة مرات لعله يفيق وقد سلبت لبه لا بل سلبت كل ذرة به بجمالها الآخاذ! تشابكت أيديهم إلي أن هبطوا إلى الأسفل حتي جعلها تقف أمام السيارة ثم وضع قطعة قماش حريرية باللون الأسود على عيناها و ربطها خلف رأسها برفق و إحكام فقطبت جبينها قائلاً بارتباك:
- ليه كدا يا مراد؟!
همس بصوت شجي جعلها تُغمض عيناها أكثر:
- دي مفاجأة وياريت بلاش أسالتك الكتير يا نوري.
أدخلها السيارة بهدوء ثم ركبها هو الآخر وانطلق بها.. وبعد عدة دقائق هبط من سيارته أمام فيلا كبيرة ثم فتح لها الباب ممسكاً بيدها فتسائلت مرة ثانية:
- مش فاهمة أنت عامل ليا كدا ليه؟؟
لم يجيبها إنما أحاط خصرها بيداه و دلف بها إلي الداخل حتي أستمعت إلي صوت إغلاق الباب و سار بها عدة خطوات حتي ارغمها على الوقوف في منتصف هذه الصالة الكبيرة الواسعة... وفي ثوانٍ أزال تلك القطعة القماشية
لتفتح عيناها بتريث سرعان ما توسعت عندما نظرت إلي المكان حولها...! ورود حمراء متناسرة أرضاً بروعة و كلمات مست أوتار قلبها مُعلقة على الحائط
«أنتي نوري»
«والله العظيم بحبك»
«مجنون بيكي»
«نور قلبي»
التفتت إليه فوجدت شعاع ابتسامته الحنونة قد اسكنت قلبها و أنارت ظلامها ! بإشارة من يده أغلقت إنارة المكان ليتسلط النور حولهم فقط ثم امتدت يده لتزيح ذلك المعطف، ثم صدحت أغنية 'نشيـد العاشقين' فجذبها مراد وبدأ بالرقص والتمايل معها بتناغم و رومانسيه حانية
«صاحبة الصون والعفاف احلى واحدة في البنات
اللي عمري ما قلبي شاف
زيها في المخلوقات
تسمحيلي برقصه هادية ... تسحميلي بقربي منك
حلم عمري تكوني راضية عن وجودك بس جنبي
يا خُلاصة الجمال يانشيد العاشقين
يا إجابة عن سؤال كان شاغلني من سنين
كان سؤال عن ميْن حبيبتي
مين هتبقي أساس حكايتي
والإجابة كانت أنتي ... أنتي كنتي غايبة فين؟
يا حبيبتي أنتي نوري أنتي احساسي بحياتي
انتي مالكة من شعوري كل ماضي وكل آتي
أنتي مفتاح الحياة للي نفسه يعيش سعادة
قلبي محتاجلك معاه وكل يوم يحتاج زيادة
يا خُلاصَة الجَمال يانشيد العاشِقِيْنَ
يا إِجابَة عَنَّ سُؤال كانَ شاغَلَنِي مَن سَنَّينَ
كانَ سُؤال عَنَّ مَيْن حَبِيبَتَيْ
مَيْن هتبقا إِساس حِكايتِي
وَالإِجابَة كانَت أَنّتِي أَنّتِي كَنَّتَيْيَ غايبة فَيِن»
كانت ترقص معه كالفراشة بين يداه صدقاً لم يتدربا على هذه الرقصة ولكن مشاعرهم هي من قادتهم لفعل كل هذا.
ابتسامته التي تشق شفتاه و نظرات العشق التي تنهال من عيناه و السعادة التي يغدقها بها الآن تُذهبها إلي عنان السماء، ما أن انتهت رقتصهم الملحمية حتي قبل جبينها بحنو..
ثم هتف وهو يشير إلى المكان:
- دا بيتنا أنا وأنتي البيت اللي هنكمل حياتنا فيه و هيشهد على حبي و عشقي ليكي...انا اخترته قريب من بيت العائلة عشان لو حبيتي تروحي في أي وقت.
لفحت أنفاسه الحارة عنقها وهو يلثمها بشغف لتُغمض عيناها مستسلمة لمشاعرها الهوجاء التي تجتاحها دائماً كلما أقترب منها، ثم شهقت بخجل عندما حملها سريعاً قائلاً وهو يغمز إليها بمكر:
- تعالي بقا افرجك على البيت كله.
صعد بها إلى الأعلى مبتسماً باستمتاع لمشاهدة توهج وجنتها..
~ لتسكت شهرزاد عن الكلام الغير مباح