رواية اغلال الروح الفصل العشرون 20 بقلم شيماء الجندي
لفصل العشرون " شيطان ! "
أمر العودة إلى هذا المكان هو آخر ما كان يخطر على عقلها بل لم تتخيل أن عودتها سوف تحدث بتلك السرعة وقد تبدل دورها تلك المرة من المحتالة التي خدعت أفراد العائلة إلى زوجة الحفيد الأكبر !!!
لاحظ "آسر" توترها منذ أن دلفت إلى المنزل و لكنه قرر ترك الأمر قليلًا إلى أن تهدأ ثورتها الداخلية تجاهه و فضل إرشاد شقيقتها "نيرة" إلى الغرفة الخاصة بها متعمدًا اختيار الغرفة الأبعد من المنزل بل و الأكبر بعد غرفته الخاصة !!!
جلست "سديم" فوق الأريكة تنتظره بهدوء خارجي بينما داخلها يشتعل من فرط غضبها و توترها و رفضها جميع الأحداث التي تدور حولها ، تنهدت وعادت إلى الخلف بجسدها و شعورها التشتت و الرهبة قد تملك منها حيث وقعت أسيرة بين قوانين العقل و المنطق و رغبات قلبها التي أصبحت عاجزة عن التحكم بها !!! رغم إصراره بعد موافقة شقيقتها بالإنتقال معها و استغلاله جهلها بأمر الزواج الورقي فقط لكن عليها أن تعترف أن هناك نبضة داخلها رغبت بهذا القرب ، رغبت بدفئ أحضانه و لطف لمساته و همساته وعقلها يخبرها أنها أخطأت باختيار الزمان و المكان لكن قلبها يتراقص على ألحان نغمات قربه و احتوائه لها وعلى هذا الحال منذ ساعتين وأكثر بل طوال الطريق صامته تستمع إلى أحاديث شقيقتها الرقيقة بين حين و آخر الموجهة إلى "آسر" أما هي اختارت الصمت و الشرود بالمستقبل القريب و طريقة استقبال شقيقتها بين تلك العائلة ، هي قادرة على الصمود لكن "نيرة" بالغة الرقة و اللطف لن تتحمل لكن تطايرت مخاوفها حين وجدت المنزل هادئ و رغم الرفض الواضح بفعلتهم لكنها سعيدة لعدم تعرض شقيقتها إلى نظراتهم السامة !!!! زفرت أنفاسها بصوت مسموع و وضعت يدها فوق قلبها تهمس بحزن شديد :
- همشي وراك لحد ما أضيع ، أنت مش قد الحياة الوردية اللي بترسمها دي !!!
عقدت حاجبيها و رفعت يدها تجمع خصلاتها و هي تراقب عودة شقيقتها تردف مبتسمة غافلة أن "آسر" خلفها مباشرة :
- سديم ليه و إحنا بنجهز الهدوم قولتي إنك مش عاوزة تيجي هنا عشان البيت كئيب ؟ بالعكس أوضتي جميلة أوي !
اتسعت عينيها حين صاح مستنكرًا من خلفها :
- بيتي أنااا كئيب ؟!!!!
أغمضت "سديم" عينيها تلعن ثرثرة شقيقتها العفوية أمام هذا الرجل تحديدًا و كادت تتحدث لكن قاطع كلماتها الطرقات المتكررة بقوة فوق باب المنزل أعلنت ملامح "نيرة" عن توترها و اختفت بسمتها تتجه إلى شقيقتها و تقف بجانبها بينما تحرك "آسر" تجاه الباب و فتحه بغضب أسفل نظراتها الهادئة ، و التي ثبتت فوق ملامح والده المحقرة من شأنها مجرد أن دلف إلى الداخل وحدد مكانها بعينيه و نظراته المكللة بالنفور تتراقص فوق ملامحها كأنه يتعرف عليها لأول مرة شعرت أن عينيه على وشك الإنتقال إلى شقيقتها لذلك همست لها بهدوء :
- أدخلي يانيرة رتبي حاجتك لحد ما أحصلك !
هزت رأسها و تحركت على الفور مبتعدة عن المكان دون نقاش حيث أغضبتها نظرات هذا الرجل و لاحظت إنقاذ شقيقتها المتعمدة لها لكنها أيضًا تخشى أن يمسها سوء ، وتوقف عقلها عند تلك الفكرة لتتسمر قدميها عند الممر الخاص بالغرف و تقف في زاوية بعيدة عن النظرات حتى تتمكن من مراقبة مايحدث تجاه شقيقتها الجميلة و بالفعل بدأ هذا الرجل الذي أكل الشيب معظم خصلاته الحديث ساخرًا من شقيقتها وقال :
- معلش بقا هضايق عروستك شوية بس أنا قولت أجي اتطمن عليكِ و أشوفك عاملة إيه بعد وفاة الوالدة ؟
خرج صوت "آسر" الحاد من بين شفتيه و كأنه يزمجر بغضب و وضحت النبرة التحذيرية داخل كلماته حيث أردف مدافعًا عنها :
- بلاش يابابا عشان فيها خسارتي ، هي مش محتاجة حد يتطمن عليها !
لكن تعمد "رأفت" الابتسام بهدوء مردفًا ببراءة و دهشة :
- أخسرك عشان عاوز اتطمن على مراتك يابني ؟ مش أنت ابني وأنا من حقي أتطمن عليكم ، يعني معروف إن الجواز دا مشاركة في كل حاجة و أنت هتتأثر أكيد بنفسية مراتك !
ثم توجه إلى المقعد وجلس يضع ساق فوق الأخرى مكملًا بسخرية لاذعة متعمدًا توجيه كلماته المبطنة بالقسوة تجاهها :
- بس خد بالك و أنت بتتشارك معاها أو تاخد كل طباعها ، اصحي ألاقيك بتنصب بقا !!
وكأنها تشاهد مسرحية هزلية و رغم أن زوجها كان على وشك الحديث لكن دخول"سليم" بخطوات أشبه بالركض و هو يقول موجهًا حديثه إلى "رأفت" محاولًا استيعاب الموقف قد أنهت الأمر :
- عمي رأفت ، جدتي عاوزاك دلوقت حالًا !
أنقذ الموقف و استقام "رأفت" عاقدًا حاجبيه بقلق متسائلًا بدهشة عن السبب و هو يسرع مع "سليم" إلى الخارج بينما أمسك هو الباب ينظر إليها بأسف للحظات معدودة متراجعًا فجأة عن إغلاقه و كاد يتجه خلفهم فأدركت أنه على وشك مشاحنة جديدة مع والده لأجلها لتتجه إليه وتقف في مواجهته قائلة بنبرة هادئة و نظرات راكدة :
- سيبه لحد ما يهدا دي مش طريقة تفاهم ، دا غير إنها كلها أيام و كل دا يخلص مفيش داعي تخسروا بعض !
لم تنتظر الرد الواضح لها داخل عينيه المستنكرة بل فرت إلى الداخل و خناجر نظرات و كلمات والده تطعن قلبها بلا هوادة كانت على يقين أنها سوف تقابل تلك الأفعال بل والأسوأ منها و لكن حين رأت بعينيها الأمر أصبح أشد ألمًا لروحها و كأن أغلال ذنوبها لن تتركها و ها هو والده يتمكن من وأد تلك النبضة التي أنعشت قلبها منذ ساعات بين أحضانه الدافئة ، وهمس عقلها الذي استعاد توازنه أن والده على صواب مهما فعلت وتغيرت و تبدلت إلى أخرى لن تتمكن من محو حقيقة ماضيها الذي يلاحقها أنها هي المحتالة !!!
تحركت "نيرة" إلى غرفتها دامعة العينين و جلست فوق الفراش بصمت تنتظر قدوم شقيقتها كما أخبرتها بقلب متألم لأجلها ، ورغم أنها لا تعلم أبعاد الأزمة الخاصة بوالد "آسر" لكنها على يقين أن شقيقتها لا تستحق تلك المعاملة وكأنها تمكنت من رؤية حطام قلبها داخل نظرات عينيها الباردة ، لقد تعمد هذا الرجل السخرية منها والتطاول عليها أمام زوجها وهي على يقين أنه لا يعلم مثقال ذرة عن حقيقة شقيقتها الجميلة ذات الكبرياء لن تتقبل تلك الطريقة مهما حدث لكن من الواضح أنها تجنبت تفاقم الأمور لأجله هو ، لأجل زوجها !!!
نكست رأسها حين دلفت "سديم" إلى الغرفة ثم بدأت تتلفت حولها باحثة عن هاتفها رغبة في إدعاء الإنشغال به و هذا أفضل بكثير من رؤية نظرات الألم واليأس داخل عينيها ، استمعت إلى زفير "سديم" بصوت واضح وهي تقترب منها وتجلس بجانبها صامتة و شاردة كعادتها بالأونة الأخيرة منذ ليلة القبض على "سامح" و هي قليلة الأحاديث كثيرة الإنصات لها و الآن عليها أن تكسر هي حاجز الصمت و تستمع إليها مثلما تفعل هي معها منذ صِغرها !!!
بللت "نيرة" شفتيها و تنهدت بحزن تهمس لها بتوتر طفيف بعد أن اعتدلت بجلستها ووجهت وجهها إليها تضع يدها فوق فخذها :
- عشان كدا مكنتيش عايزة تيجي مع آسر ؟
لم تتفاجئ "سديم" من حديثها بل هي على يقين أن فضول شقيقتها تجاه زيجتها غريبة الأطوار سوف يدفعها إلى التجسس على ما يدور حولها رغبة في الاطمئنان عليها ، و رغم أن همها الأكبر هو تورط شقيقتها هنا لكنها لم ترغب بإثارة قلقها و هزت رأسها بالإيجاب و هي تهمس بنبرة متألمة :
- أيواا !
زمت "نيرة" شفتيها محاولة السيطرة على هذا الاختناق المتملك من حنجرتها كمدًا لأجل الظلم الواقع على شقيقتها المحاربة التي لم تكل أو تمل يومًا من تلك الحروب و وصل بها الأمر إلى كتمان بكائها ورثاء والدتها هي على يقين أنها شديدة التأثر بما حدث خاصة أن شقيقتها تواجدت داخل الحادث المفجع ورأت مقتل والدتها بأبشع الطرق التي تخشى هي نفسها تخيلها فماذا عن التي عايشتها ووضعتها ضمن ذكرياتها الأليمة ؟ لم تتمكن من الحديث و كأن جميع كلمات المواساة قد تبخرت يمكنها فقط احتضانها الآن و بثها شعور الأمان التي طالما منحتها إياه دون تردد وبالفعل اقتربت منها و أحاطت خصرها تحتضنها بصمت تاركة عينيها تذرف الدموع دون توقف لتدرك "سديم" أن شقيقتها تحاول دعمها على طريقتها الخاصة كعادتها سريعة البكاء لطيفة التصرف حانية القلب جميلتها والذكرى الباقية من والدها الحبيب ، رفعت يدها تربت فوق خصلاتها بهدوء و أعين دامعة أغلقتها على الفور خشية أن تلاحظ "نيرة" و بعد مدة قصيرة همست لها بلطف :
- يلا يانيرة عشان تبدأي تنتظمي من بكرة في دراستك أنا كمان محتاجة أرتاح شوية !
حلت "نيرة" ذراعيها و تركتها بشكل تدريجي و جففت "سديم" دموعها بأطراف أناملها تضع قبلة صغيرة فوق وجنتها ثم استقامت واقفة تتجه إلى الخارج لتوقفها "نيرة" حين أردفت بصوت متحشرج :
- هتسيبي آسر ؟
كأن جميع حواسها توقفت فجأة عن العمل و تسمرت محلها تزدرد مرارة حلقها تحاول الرد عليها لكن تمكن الاختناق منها لتحمد ربها أنها أولتها ظهرها وإلا لاحظت شقيقتها عينيها التي أصبحت على مشارف البكاء و اكتفت بهز رأسها بالإيجاب و الإنصراف دون التفوه بكلمة واحدة و بخطوات سريعة متعمدة الهرب من أسئلتها البديهية بينما راقبت "نيرة" اختفائها بحزن شديد خاصة أنها رأت هذه الليلة نظرات الوهن العاشقة تصرخ من عيني شقيقتها !!!!
اعتقد أن أسوأ شعور يمر به المرء هو شعور التشتت ؛ تصبح رؤية القلب ضبابية و يضل العقل طريق الصواب ، وحدها أرواحنا هي التي تواصل بحثها عن الحصن المنيع بين أرواح تشبهنا أو تلجأ إلى الحل الآخر و الأشد قسوة ؛ ألا وهو الانتظار إلى أن تلتئم جروحنا تاركة ندباتها تُخبرنا فيما بعد أن أرواحنا تجاوزت التشتت بقسوة الانتظار !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
________________ *** _________________
على الجانب الآخر و تحديدًا داخل غرفة الجدة جلس "رأفت" عاقدًا حاجبيه يراقب ملامح والدته الهادئة بتوجس لفترة طويلة قبل أن يزفر بغضب و يقرر كسر حاجز الصمت قائلًا بحدة طفيفة :
- قولي من الآخر ياماما إنك موافقة على المهزلة دي !!!
تنهدت الجدة و تركت السُّبْحَةُ فوق المنضدة الزجاجية و أردفت بهدوء مبالغ به يناقض حالة ابنها المستشيط غضبًا أمام عينيها :
- اللي عمله ابنك مش غلط ولا اعتبره مهزلة حب واحدة واتجوزها !
صاح بغضب شديد عاقدًا حاجبيه و قد انتفض إلى الأمام داخل مقعده :
- نصاااابة !!!! اتجوز نصاااابة !!!!!
ضحكت الجدة بخفة و ظهرت السخرية في كلماتها المتهكمة حين سألته بدهشة :
- نصابة ؟ و اللي آسر عمله مهزلة ؟ غريبة أصل لو الذاكرة مش بتخوني و عقلي لسه فيا أنا فاكرة إني وافقت على مهزلة أسوأ منها زمان !!!
بهتت ملامحه و اتسعت عينيه تدريجيًا يسألها بتوجس :
- قصدك إيه ؟ أنتِ عارفة كويس إني مكنتش أعرف حاجة عن جوازة عاصم و كنت مسافر أغلب الوقت عشان شغلي !!!
احتدت نظرات الجدة و أردفت بقسوة و قد اشتدت لهجتها فجأة وظهر الاختناق بنبرتها :
- و لما جيت و عرفت عملت ايه ؟!!! سيبت أخوك يكمل مع واحدة خاينة و مش بس كداا دا أنت سيبته يربي بنتك على إنها بنته !!!!
انتفض واقفًا و اجتمعت الدموع داخل عينيه و أردف بنبرة تحذيرية غاضبة و كاد يفر من ذكرياتها الأليمة التي بدأت تتلوها عليه بقسوة بعد مرور أعوام :
- بلاش يا أمي الموضوع دااا محدش فينااا قده و أنتِ عارفة إني ندمت و حاولت سنين أصلح ومقدرتش !!!!
سقطت دموعها و أردفت بغضب و حدة متعمدة إثارة غضبه و إشعال النيران التي لم تخمد يومًا داخل قلبها :
- كداب و أناني يارأفت و آسر دفع تمن أنانيتك لما أنت بقيت تهرب و تسافر خايف من روزاليا دا غير إنك حرمت ولادك من أمهم لما عرفت بخيانتك ، كل دي مكنتش مهزلة و لما ابنك قرر يتجوز قصاد الكل و في النور مهزلة !!!!
سالت دموعه بألم فوق لحيته و جلس مرة أخرى فوق المقعد يضع رأسه بين كفيه و يغمض عينيه بقوة مجهشًا بالبكاء و قد خرجت الكلمات بصعوبة واضحة من بين شفتيه :
- عشان كدا مش عايزه يغلط غلطتي ، غلطة واحدة دفعت حسابها باقي عمري و مش عايزه يكرر وجعي وعذابي مش عايزه يختار نصابة تلعب بيه و تعيشه في نار !
هزت رأسها بالسلب و أردفت بجفاء :
- حتى دلوقت كداب يارأفت ، أنت كرهت سديم عشان فكرتها بنتك و كنت عايش على أعصابك إن آسر يحب أخته و الماضي يتكشف و لما عرفت إنها نصابة كرهتها أكتر عشان قعدت في رعب شهور بوجودها رغم إن النصابة اللي مش عجباك دي هي اللي أنقذت أخوك و هي الوحيدة اللي قدرت تتكلم معاه و تعرفه الحقيقة ، النصابة دي كانت أحن على أخوك و ابنك منك معرفتش تكسر ابنك زي ما أنت كسرته مرضيتش تقول قصاد الكل إنه أجرها رغم إن دا مش هيكسبها حاجة و رغم إن عشيقتك كانت السبب في موت أمها !!!!
رفع رأسه يحدق بها بصدمة حين صارحته بحقيقة علاقته السابقة مع زوجة أخيه و ردد بألم شديد :
- عشيقتي ؟!!! أنا مكنتش أعرف إنها هتنتقم مني بالشكل دا وتروح تتجوز أخويا في سفري و مكنتش أعرف إنها حامل مني أصلًا !!!
انسابت دموعها و هزت رأسها بالسلب تسأله مستنكرة كلماته و مبرره العجيب :
- و لما عرفت عملت إيه ؟ سيبت أخوك يكمل معاها و سيبتلها ابنك تبهدل فيه وتطلع كل كرهها ليك فيه و في أمه و سيبتلها مراتك لحد ما ماتت في الحادثة مع أبوك هربت و فضلت تهرب حتى بعد موتها و بعد هروبها ببنتك سيبت أخوك يتقطع سنين على بنتك أنت !!!! و الوحيدة اللي قدرت توقف عذابه هي النصابة اللي مش عجباك على الأقل يعرف إنه مش بيخلف و يخف عنه وجع قلبه يعرف إنه اتخدع سنين في واحدة خاينة احسن ما يتخدع في أخوه ، كفاياااك يارأفت و سيب ابنك في حاله سيبه لحد يعوضه عن الوجع اللي شافه من عشيقتك و من هروبك ، سيبه و سيب صندوق أسرارك مقفول يابني ، لو اتفتح صندوقك خراب العيلة دي هيكون على إيدك ! النصابة جمعت يارأفت متمشيش ورا شيطانك و تفرق ، كفياك غلطات يابني !
أشارت إليه بالخروج و صرفت عينيها الباكية عنه و استقام واقفًا يمسح الدموع عن وجهه بحزن هامسًا لها باعتراض :
- اللي عملته مع العيلة حاجة و جوازها من ابني حاجة تاني ياأمي ، مش يمكن عملت كل دا عشان توصله و تبقا في النهاية الملاك اللي أنقذ العيلة ، دي شيطان بنت اتربت على شغل النصب و قدرت تخدع عيلة كاملة عاوزاني آمن ليها أنا مش هسيب ابني لنسخة تاني من روزاليا !!!!
ابتسمت بسخرية و همست له بألم :
- رغم إنك سيبت بنتك لروزاليا نفسها لحد ما ماتت على ايدها ، عندك حق متكررش غلطتك بس المرة ماتجيش تقولي إلحقيني لأني مش همدلك إيدي يارأفت ، و مين عارف يمكن المرة دي أمد إيدي للنصابة اللي مش عجباك و احميها
اتسعت عينيه و سألها بصدمة :
- هتنصري النصابة عليا ؟ على ابنك !!!!
هزت رأسها بالسلب و أجابت بحزن :
- هنصر الحق قبل ما أموت النصابة دي ليها دين في رقبتي و هرده ليها !!!
هز رأسه بالإيجاب و تحرك إلى الخارج لكنه توقف محله عاقدًا حاجبيه يسألها بقلق :
- عاصم هيرجع امتى ؟ و هيربي خلاص بنت الحرام دي ؟
كانت إجابتها الخالية من الشفقة مثل الخنجر الذي طعنه بقسوة حيث أردفت باستنكار :
- كان بيربي بنت حرام قصاد عين أبوها و مصعبش عليك دلوقت بقيت مهتم بولاد الحلال والحرام ؟ امشي يا رأفت و سيب أخوك في حاله كفاية عليه الوجع اللي هو فيه !!!!
تحرك إلى الخارج بصمت و قد تمكنت والدته من قذفه بأجحار الماضي بقوة متعمدة إصابة هدفها بينما أغمضت هي عينيها و أجهشت بالبكاء تضع يدها فوق قلبها و تهمس بألم نابع من بين ثنايا روحها المقيدة :
- يارب أنا عارفة إني غلطت بسكوتي بس أنا مقدرتش ادمر ولادي و اكسرهم على حساب بعض ، زي مابعتلي سديم تنقذ عيلتي وأنا عاجزة ساعدني للآخر عشان اجيلك وأنا متطمنة عليهم ، رحمتك بعجزي و وجعي يارب !!!!
ضغطت على زر المقعد المتحرك و لكنها أوقفته مرة أخرى تنظر بأعين متسعة مذهولة حين وجدت "سليم" يخرج من مرحاض غرفتها و دموعه تغطي لحيته يحدق بها بصمت تام و نظرات تحمل خليط من المشاعر المتفرقة بين الألم و العتاب و عدم التصديق و النفور و كأنه داخل حلقة مستمرة من السراب ، زوجة عمه هي عشيقة عمه الآخر و ابنة عمه المتوفاة هي ابنة عمه الآخر أيضًا و روزاليا كانت تود الانتقام من "رأفت" وليس "عاصم" و الآن أدرك حقيقة كراهيتها تجاه ابن عمه و صارت المحتالة عديمة الاحتيال نظرًا إلى سلوك عائلته !!!!!!
وبمرور الوقت نتأكد أن شيطان الإنسان يتجسد في نفسه و أفعاله !
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
________________ *** _________________
وقفت خارج غرفته تبحث عنه داخلها بعينيها و تشرئبّ بعنقها عاقدة حاجبيها حين وجدت المكان خالي !!! تحركت إلى الداخل بخطوات بالغة الحذر تاركة عينيها تجوب ملامح الغرفة إلى أن وصلت إلى غرفة الملابس حيث شعرت أن هناك حركة خفيفة داخلها و بالفعل رفعت صوتها هاتفة باسمه :
- آسر !!!
أتاها صوته الأجش داعيًا إياها إلى الداخل حيث قال مستنكرًا :
- تعالي ياسديم مش محتاجة إذن أكيد !
دلفت إلى الداخل و كادت تتحدث لكنها استبدلت كلماتها بأخرى صارخة به بهلع و قد استدارت بجسدها تنظر بعيدًا عنه حيث كان يقف كاشفًا عن جسده المبتل فقط منشفة تُحيط خصره ويعبث بهاتفه :
- يخربيتك إيه داااا !!!!
كادت تتحرك مسرعة إلى الخارج لكنه منعها قسرًا حين ترك الهاتف فوق أحد الرفوف و جذبها على حين غرة من خصرها إليه لتتلاشى المسافة الصغيرة بينهما حيث تعمد ضغط جسدها بخفة تجاهه مستغلًا الفارق الجسماني بينهما فقد أصبحت كثيرة الكر والفر معه و كأنها تظن أن شنها حملات هجومية ضده و حديثها الجاف سوف يدفعه إلى النفور منها رغم أنها لم تعترف و لم تبادله تلك المشاعر و لكن يفضح ثباتها الزائف تلك اللحظة التي يجبرها بها على البقاء داخل أحضانه يرى نداء صامت داخل عينيها و يدفعه هذا الكبرياء الصامت إلى سَبر أغوار روحها عله يتمكن من إزالة تلك الندوب داخلها والتي يجهل سببها إلى الآن وبين جسد رافض يقاومه و قلب راغب يطالبه بالمحاولة أصبح أسير روح تلك الأنثى التي تحدق به الآن بصدمة خاصة أنها شبه مُكبلة داخل أحضانه و مجبرة على لمس جسده العاري إلى حد الإلتصاق به تحركت عينيها بتوتر حين أطالت النظر داخل عينيه و حاولت تنظيم تلك الأنفاس التي تتسارع بطريقة غريبة و تلفح بشرته و خاصة مع اقتراب وجهه الآن منها متعمدًا إفساد ما تبقى من تمنع عقلها الذي بدأ يهاجمها بالأفكار منذ أن رأت بعينيها رفض والده ، قاطع حديثها الصامت مع عقلها حين هبط بشفتيه مُلتهمًا ثغرها بشراهة و قد رفع يده متعمدًا السير بها فوق ظهرها إلى أن وصل إلى عنقها مانعًا عقلها من دفعها إلى التشنج و الرفض بل و أصابها بالقشعريرة حيث اشتد ذراعه الذي يلتف حول خصرها و برزت عضلاته بينما بدأت أصابعه تندس بين خصلاتها و تتحرك بعشوائية ازدادت مع حركة شفتيه وترك شفتيها منتقلًا إلى عنقها مستغلًا توترها الواضح من عشوائية أنفاسها و مقاومتها الضعيفة التي تفضح صراعها الداخلي ، أغمضت عينيها عمدًا حين شعرت بـخِزْي استسلامها له بل و ما زاد الأمر سوء أنها تشعر بلذة اقترابه و تحرك شفتيه بحرية فوق وجهها و عنقها خاصة أن شعور الدفئ بين أحضانه الآن يجعلها عاجزة عن مقاومته وكيف لها أن تقاوم شعور تتمناه منذ أعوام !!!
لا تتهمني بالمبالغة حين أخبرك أنه وحده شعور الأمان هو أعظم انتصارات الحب بل هو منبع العشق الصادق و الخالص ، الأمان هو مفتاح القلوب و دواء علة الأرواح ، كيف أخبر روحي أن تتراجع عن هذا الشعور وقد طال بحثي عنه منذ أعوام ، كيف أخبر روحك أن الأمان هو أنت و عينيك هي منبع الأمان كيف أهمس لك أني لا أحبك بل أنا أأمنك !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
خفف قبضته عن جسدها حين وضعت يديها فوق صدره دون مقاومة بل و رفع رأسه قليلًا ينظر إليها عن كثب قبل أن يهمس لها أمام شفتيها :
- بحبك !
وكأن وخزها فجأة بإبرة الإفاقة من غيبوبة مشاعرها التي ذهبت بها إلى عالم الأحلام أما الواقع هو عبارة عن نظرات والده التي تجسدت لها الآن فور أن همس بتلك الكلمة ، كلمة واحدة قلبت موازين قلبها وعقلها رأسًا على عقب و فتحت عينيها تحدق به بجمود و أردفت باستنكار و قد هبطت يدها عن صدره :
- أنا كنت جاية أقولك إني هاخد الأوضة التانية واقعد فيها لحد الفترة دي ماتخلص و كل واحد فينا يروح لحاله !
وضعت يدها فوق يده تحاول إزاحتها عن جسدها و الإنصراف سريعًا هاربة من دفئ احتوائه لكنه عقد حاجبيه و أحكم قبضته فوق خصرها قائلًا باعتراض :
- إيه علاقة دا باللي أنا قولته دلوقت ؟
نظراته الواثقة الآن أن لديها إجابة محددة على كلمته بل و أنها تبادله مشاعره جعلتها داخل حالة من التوتر و الرهبة تسأل حالها هل افتضح أمر ضعفها تجاهه إلى تلك الدرجة أم أن استسلامها له منذ وفاة والدتها هو السبب الرئيسي لاندفاعه الآن ؟! أما عنها فهي على يقين أن حروبها الداخلية الآن و عجزها عن إجابة كلمته بصدق دون مخاوف و صراعات تكاد تدفعها إلى حالة من الإنهيار بين ذراعيه و ليحدث ما يحدث بعدها !!!!
سخرت من حالتها و أغمضت عينيها لحظات تستجمع شتات أمرها متعمدة إستعادة نظراتها الراكدة و كلماتها المتهكمة قبل أن تفتح عينيها مرة أخرى و تقترب منه هامسة له أمام شفتيه بخفوت :
- واحدة جاية تقولك هختار مكان بعيد عنك و اقعد فيه و بتعد الأيام عشان الربطة اللي ربطتها لنفسها تتفك تفتكر هيكون ردها إيه ؟ هو لازم أوضح أكتر من كدا و أنا برفضك و برفض مشاعرك ؟
عادت إلى الخلف تميل برأسها جانبًا و تُكمل ساخرة :
- كنت فاكراك عندك سرعة بديهة عن كدا ومش هتحتاج رفض مباشر مني ؟
كل لحظة يقضيها معها تدفعه إلى التمسك بها عن ذي قبل خاصة الآن لم تفشل مرة واحدة بإبهاره و دفعة إلى التساؤل كيف يمكنها تبديل حالتها بتلك الطريقة والتحكم بمشاعرها و كأنها اعتادت برمجة إنفعالات جسدها و عقلها و أيضًا قلبها إن لزم الأمر !!!
طال صمته و انتقاء كلماته وتصرفاته لا مفر منه مع تلك الفاتنة لذلك حررها من بين ذراعيه لكنه ظل ثابتًا مكانه و أردف بهدوء مشيرًا إلى الخارج :
- عندك الأوضة اللي جنب دي على طول ، و تقدري تاخدي شاور هنا لحد ماتجهز !
هزت رأسها بالإيجاب وتحركت بهدوء خارجي لكن داخلها رغبت بالبقاء بل و أن تصرخ به باستنكار هل هذا كل ما لديك !!!! تحديد مكان الغرفة و منحها فرصة الحصول على جلسة استحمام داخل المرحاض الخاص به ؟ و ما الذي تنتظره بعد كلماتها الجافة هل كان عليه احتضانها قسرًا و إجبارها على مشاعره أم أنها ظنت أنه رجل بلا كبرياء و سوف يخر راكعًا لها بل ما هذا التناقض الذي يسيطر على عقلها !!!!!
توقفت محلها تبحث عن حقيبتها بعقل شارد بينما كان هو يراقبها مبتسمًا وهو تدور حول نفسها بشرود واضح و قد أنهى ارتداء ملابسه فوق جزعه السفلي وألقى القميص الخاص به فوق الفراش متحركًا خارج الغرفة وصادف ذلك لحظة عثورها على حقائبها في أحد الأركان وقد توجهت هي الأخرى إليها و حصلت على مبتغاها ثم اتجهت إلى المرحاض و أغلقته خلفها تهمس بغضب :
- من بين البشر كلهم أحب اللي نصبت على أهله !!!
عقدت حاجبيها حين تردد صدى كلمتها العفوية داخل عقلها "أحب" !!! هل اعترف عقلها الآن أن هناك أمور خارجة عن إرادته أم هذا هو تأثير رائحته العالقة بملابسه الملقاه داخل سلة الملابس جوارها !!! هل وصلت إلى تلك الدرجة من تعقب رائحته ؟!!! رفعت يدها إلى رأسها ثم أغمضت عينيها تقبض على خصلاتها بقوة ثم بدأت تتنفس بصوت مسموع في محاولة منها لتشتيت ذهنها و لكن هيهات لقد استمعت إلى صوت استغاثة روحها تلك المرة تطالبها بتحريرها من قيود عقلها و إطاعة قلبها ولو لمرة واحدة !!!!
ألقت الملابس أرضًا بغضب شديد ثم دهستها تمر من فوقها متجهة إلى الباب تفتحه بعنف و من حسن حظها أنه كان يقف في وسط الغرفة يعبث بهاتفه لكنه رفع رأسه عاقدًا حاجبيه يراقب تقدمها الغاضب تجاهه بخطوات سريعة و كأنها تحفر الأرض بقدميها و قد ألقت نظرة خاطفة إلى باب الغرفة المغلق قبل أن تقف أمامه مباشرة قائلة بإنفعال واضح لأول مرة يراه فوق قسمات وجهها :
- حبيت فيا إيه ؟!!! أنت كنت شايف إني نصابة مأجرها بفلوسك و هتخلص شغلها و تمشي ، أنت أول واحد شوفتني زي السلعة ، إيه اللي غير رأيك كدا ؟
لم تنتظر الرد بل أكملت بنبرة اتهام واضحة يشوبها السخرية :
- أنا أقولك أنت حصل معاك إيه ، لقيت بنت نصابة بس تصرفاتها متناقضة شوية خصوصًا لما انفجرت فيك في الاسانسير و عيطت في حضنك قولت ياحرام دي شكلها بني آدمة زينا ما أشوف إيه وصلها لكدا و أحاول انقذها من الوحل اللي هي فيه ، زي ما أنا بحاول انقذ عيلتي !!! تنكر إن من يومها كل تصرفاتك اتغيرت معاياااا ، تنكر إنك أول حاجة فكرت فيها إيه اللي وصلني لكدا ، تنكر إنك يوم موت نبيلة اتصدمت باللي أنا خبيته عنك و إنك بتدافع عني بعد ما أنا اديتك سلاح تدافع بيه ؟ تنكر إن صاحبك قبل مايسافر كان بيحذرك من نصابة زيي و أنت رديت عليه وقولتله أنت عارف إني مليش في التسلية عشان أديها أكبر من حجمها ؟!!!
موجات الغضب كانت تتلاطم داخل عينيه خاصة أنه لا يستطيع إنكار كلماتها بل هي صادقة لقد فعل كل ما قالته لقد كان تائه بين قيم و مبادئ و عائلة و قلب راغب بفاتنة محتالة كيف يخبرها أن الأمر بالغ القسوة عليه و أن رؤيتها الآن بهذه الحالة يطعنه بخناجر أفعاله السابقة دون شفقة ؟! كلماتها القاسية التي تجلد بها نفسها قبله و تذكر حالها أنها مجرد محتالة و أنه أخطأ الشعور و هذا ما همست به الآن و كأنها تقرأ أفكاره حيث اقتربت منه و نظرت داخل عينيه هامسة بنبرة حادة من فرط ألمها :
- شعورك اسمه شفقة مش حب !!!! و دا مش هقبله منك ولا من غيرك يا آسـر !!!!
ارتعشت شفتيها من شدة غضبها و قد حاولت الحفاظ على تلك القشرة الحادة في نبرتها و إلا انفجرت باكية و ساخطة على جميع ما يدور ويحدث لها دون أن تعلم ما الذي اقترفته يداها لتصل إلى تلك الحالة :
- حتى لما شاركتي وجعك كنت عاوز مقابل ليه وهو إني أديك ثقتي عشان كدا أصريت متعرفش عني أي حاجة وقتها ، كانت هتفرق لو كنت شاركتني الوجع دا عشان أنا سديم ، مش عشان احكيلك حكايتي و أصعب عليك و تلاقي مبرر للشفقة اللي جواك !
خفت حدة نبرتها بل و ظهر الوهن داخل كلماتها و هي تهمس له بأعين دامعة :
- عارف الفرق بينا إيه ؟ أنت كنت أول و آخر حاجة احكيها لنبيلة من سنين لكن أنا بالنسبالك تصادف قدري اترمى في طريقك يا آسـر و اتكسفت حتى تصارح أقرب الناس ليك بمشاعرك ، أنا لو صدقتك دلوقت يبقا هزود وجعي أضعاف برفض عيلتك و وجع أختى من نظراتهم ليها و مين عارف ممكن تتعرض لإيه تاني بسببي !!!
وزعت نظراتها الحادة فوق ملامحه ثم استعادت شراستها بالحديث و همست له :
- أنا أمي راحت ضحية إنقاذي لنيرة و مش هسمح لمخلوق يسمعها حرف من اللي ودني اتعودت عليه ! خليك بعيد عني لحد ما يخلص اللي بينا و كل واحد يشوف طريقه !
ثم تركته و عادت من حيث أتت مثل العاصفة و حقًا قد عصفت به و بقلبه و ازداد ألمه تجاهها كما تضاعف تمسكه بها خاصة أن أفعاله كانت سبب الألم الرئيسي بفترتها الأخيرة ، و انتبه إلى كلماتها عن والدتها و عن حديثها عنه قبل مقتلها !!!!! إذًا هي تحمل مشاعر تجاهه و لكن تصادفهما القدري الذي قالت عنه هو الحائل بينهما !!!! تنهد زافرًا أنفاسه يإنهاك ثم توجه إلى غرفة مكتبه الخاص مقررًا قضاء وقته هناك و ترك غرفته الخاصة لها إلى أن تهدأ قليلًا و يبدأ هو بإعادة خططه القادمة في التعامل معها !!!
بينما أنهت هي جلسة استحمامها بسرعة و قد ازداد غضبها حين شعرت أنها أفصحت له بنقاط ألمها بل و كأنها تنتظر منه تعديل أفعاله و تعاتبه على ماسبق و فعله معها !!! كيف تفعل هذا بنفسها لقد أوضحت له أن حديثها مع والدتها يخصه و يخص اعترافه لها في تلك الليلة !!!
خرجت من كابينة الاستحمام تصفع رأسها بخفة و توبخ حالها هامسة باستنكار :
- كان ناقص تقوليله حبني صح ؟!!!!! إيه اللي بعمله دا بس !!!!
اتجهت إلى المنشفة تجفف جسدها و اتسعت عينيها حين وجدت ملابسها ملقاة أرضًا لتعض على شفتيها و تضم قبضتها بقوة هامسة بإنفعال :
- يانهار اسود كان لااازم اتعصب على الهدوم اهبب إيه دلوقت !!!!!!
وزعت نظراتها بين الملابس و الباب ثم سارت بخطوات حذرة ووضعت أذنها فوق الباب تحاول الإنصات إلى الأصوات بالخارج لكن كان الهدوء يعم المكان ، بللت شفتيها و نظرت إلى المنشفة ثم إلى الملابس مرة أخرى و همست بندم :
- أدي آخر التسرع !!! منك لله يا آسر كنت بعقلي قبل ماأعرفك !!!
أحاطت جسدها بالمنشفة ثم فتحت الباب بحذر و نظرت من مكانها فوجدت الغرفة هادئة وخالية !!! استعادت رئتيها التنفس وكادت تتحرك إلى حقيبة ملابسها لكن لحظة هل اختفت !!!!!
صفعت رأسها مرة أخرى حين تذكرت ما اخبرها به وأنه سوف يعد الغرفة الأخرى لها إلى حين الإنتهاء من جلسة استحمامها و بالطبع انتقلت الحقيبة إلى هناك !!!!!
استمعت إلى خطوات أقدامه تقترب من الغرفة بل و طرق فوق الباب منتظرًا أن تأذن له بالدخول لكنها فرت مسرعة إلى غرفة الملابس و أغلقت على حالها بالداخل ثم وقفت تحدق بهيئتها أمام المرآة بأعين متسعة مذهولة و قد اسعفها عقلها أن تمد يدها إلى القميص الأسود الخاص به و ترتديه أفضل أن تتحرك أمام أنظاره بتلك المنشفة و قد فعلت !!!!
أنهت ارتداء قميصه ثم فتحت الباب و تحركت إلى الخارج ترفع رأسها بشموخ متعمدة تجنب النظر إليه و تجاهله و لكنها توقفت محلها حين صدحت ضحكاته الرجولية بقوة و لم تقاوم رغبتها بالنظر إليه عابسة الوجه لكنها كانت تود رؤيته ضاحكًا هكذا فـنادرًا ما تحدث تلك الحالة و ينفجر ضاحكًا متجهًا إليها يهز رأسه بالسلب قائلًا من بين ضحكاته :
- لا مش قادر فعلًا !!!
ثم واصل الضحك مما دفعها إلى صرف وجهها عنه وقد ظهرت بسمة صغيرة فوق شفتيها على ارتدائها قميصه بعد انفجارها به منذ قليل ، استقر أمامها و كاد يواصل سخريته لكنها أشهرت إصبعها بوجهه محذرة إياه بحدة طفيفة :
متحاولش تفسر حاجة بمزاجك ، بسبب حضرتك هدومي اتبهدلت و اضطريت استلف دا لحد ما أروح أوضتي !
هز رأسه بتأكيد و أحاط خصرها فجأة يضمها إليه هامسًا لها ببسمة ملتوية و لازال صوته يحمل بقايا ضحكاته :
- آه طبعًا طبعًا ! أنا اللي بهدلت هدومك !
اتسعت عينيها من سخريته و صاحت بغضب عاقدة حاجبيها :
- أنت مش مصدق !!!! على فكرة دا اللي حصل وهدومي مرمية عندك أهي جوا !!!
تعمد تقليص المسافة بينهما و قد سارت عينيه فوق خصلاتها المبتلة متأملًا ملامحها الغاضبة وقد اقترب هامسًا لها أمام شفتيها قبل أن يدس وجهه في تجويف عنقها مستنشقًا عبير جسدها :
- أنا مبقتش محتاج دليل عشان أصدق كلامك ، بس القميص شكله يجنن عليكِ !!!
انتفض جسدها مع قربه المبالغ به و أنفاسه التي تفرقت بعشوائية فوق بشرتها و لكنه لم ينتظر فرارها تلك المرة بل وضع قبلة صغيرة فوق عنقها و انسحب بعيدًا عنها بخطوات قليلة قائلًا بهدوء و هو يواصل بحثه عن جهازه اللوحي :
- تصبحي على خير ياسديم !
و أثناء حركتها إلى الخارج أعلن هاتفه عن مكالمة و أجاب يفتح مكبر الصوت ويواصل بحثه ليصدح صوت الحارس قائلًا :
- في واحدة اسمها فريدة وصلت و بتسأل على حضرتك ادخلها !!!!!
توقفت محلها عاقدة حاجبيها خاصة حين تبدلت ملامحه و أردف بحدة :
- لأ متدخلهاش ، ولا أقولك استنى أنا هجيلها !
و بالفعل تحرك مسرعًا إلى الخارج بخطوات غاضبة غافلًا عن تسمرها محلها تراقب انصرافه بصمت تام !
أمر العودة إلى هذا المكان هو آخر ما كان يخطر على عقلها بل لم تتخيل أن عودتها سوف تحدث بتلك السرعة وقد تبدل دورها تلك المرة من المحتالة التي خدعت أفراد العائلة إلى زوجة الحفيد الأكبر !!!
لاحظ "آسر" توترها منذ أن دلفت إلى المنزل و لكنه قرر ترك الأمر قليلًا إلى أن تهدأ ثورتها الداخلية تجاهه و فضل إرشاد شقيقتها "نيرة" إلى الغرفة الخاصة بها متعمدًا اختيار الغرفة الأبعد من المنزل بل و الأكبر بعد غرفته الخاصة !!!
جلست "سديم" فوق الأريكة تنتظره بهدوء خارجي بينما داخلها يشتعل من فرط غضبها و توترها و رفضها جميع الأحداث التي تدور حولها ، تنهدت وعادت إلى الخلف بجسدها و شعورها التشتت و الرهبة قد تملك منها حيث وقعت أسيرة بين قوانين العقل و المنطق و رغبات قلبها التي أصبحت عاجزة عن التحكم بها !!! رغم إصراره بعد موافقة شقيقتها بالإنتقال معها و استغلاله جهلها بأمر الزواج الورقي فقط لكن عليها أن تعترف أن هناك نبضة داخلها رغبت بهذا القرب ، رغبت بدفئ أحضانه و لطف لمساته و همساته وعقلها يخبرها أنها أخطأت باختيار الزمان و المكان لكن قلبها يتراقص على ألحان نغمات قربه و احتوائه لها وعلى هذا الحال منذ ساعتين وأكثر بل طوال الطريق صامته تستمع إلى أحاديث شقيقتها الرقيقة بين حين و آخر الموجهة إلى "آسر" أما هي اختارت الصمت و الشرود بالمستقبل القريب و طريقة استقبال شقيقتها بين تلك العائلة ، هي قادرة على الصمود لكن "نيرة" بالغة الرقة و اللطف لن تتحمل لكن تطايرت مخاوفها حين وجدت المنزل هادئ و رغم الرفض الواضح بفعلتهم لكنها سعيدة لعدم تعرض شقيقتها إلى نظراتهم السامة !!!! زفرت أنفاسها بصوت مسموع و وضعت يدها فوق قلبها تهمس بحزن شديد :
- همشي وراك لحد ما أضيع ، أنت مش قد الحياة الوردية اللي بترسمها دي !!!
عقدت حاجبيها و رفعت يدها تجمع خصلاتها و هي تراقب عودة شقيقتها تردف مبتسمة غافلة أن "آسر" خلفها مباشرة :
- سديم ليه و إحنا بنجهز الهدوم قولتي إنك مش عاوزة تيجي هنا عشان البيت كئيب ؟ بالعكس أوضتي جميلة أوي !
اتسعت عينيها حين صاح مستنكرًا من خلفها :
- بيتي أنااا كئيب ؟!!!!
أغمضت "سديم" عينيها تلعن ثرثرة شقيقتها العفوية أمام هذا الرجل تحديدًا و كادت تتحدث لكن قاطع كلماتها الطرقات المتكررة بقوة فوق باب المنزل أعلنت ملامح "نيرة" عن توترها و اختفت بسمتها تتجه إلى شقيقتها و تقف بجانبها بينما تحرك "آسر" تجاه الباب و فتحه بغضب أسفل نظراتها الهادئة ، و التي ثبتت فوق ملامح والده المحقرة من شأنها مجرد أن دلف إلى الداخل وحدد مكانها بعينيه و نظراته المكللة بالنفور تتراقص فوق ملامحها كأنه يتعرف عليها لأول مرة شعرت أن عينيه على وشك الإنتقال إلى شقيقتها لذلك همست لها بهدوء :
- أدخلي يانيرة رتبي حاجتك لحد ما أحصلك !
هزت رأسها و تحركت على الفور مبتعدة عن المكان دون نقاش حيث أغضبتها نظرات هذا الرجل و لاحظت إنقاذ شقيقتها المتعمدة لها لكنها أيضًا تخشى أن يمسها سوء ، وتوقف عقلها عند تلك الفكرة لتتسمر قدميها عند الممر الخاص بالغرف و تقف في زاوية بعيدة عن النظرات حتى تتمكن من مراقبة مايحدث تجاه شقيقتها الجميلة و بالفعل بدأ هذا الرجل الذي أكل الشيب معظم خصلاته الحديث ساخرًا من شقيقتها وقال :
- معلش بقا هضايق عروستك شوية بس أنا قولت أجي اتطمن عليكِ و أشوفك عاملة إيه بعد وفاة الوالدة ؟
خرج صوت "آسر" الحاد من بين شفتيه و كأنه يزمجر بغضب و وضحت النبرة التحذيرية داخل كلماته حيث أردف مدافعًا عنها :
- بلاش يابابا عشان فيها خسارتي ، هي مش محتاجة حد يتطمن عليها !
لكن تعمد "رأفت" الابتسام بهدوء مردفًا ببراءة و دهشة :
- أخسرك عشان عاوز اتطمن على مراتك يابني ؟ مش أنت ابني وأنا من حقي أتطمن عليكم ، يعني معروف إن الجواز دا مشاركة في كل حاجة و أنت هتتأثر أكيد بنفسية مراتك !
ثم توجه إلى المقعد وجلس يضع ساق فوق الأخرى مكملًا بسخرية لاذعة متعمدًا توجيه كلماته المبطنة بالقسوة تجاهها :
- بس خد بالك و أنت بتتشارك معاها أو تاخد كل طباعها ، اصحي ألاقيك بتنصب بقا !!
وكأنها تشاهد مسرحية هزلية و رغم أن زوجها كان على وشك الحديث لكن دخول"سليم" بخطوات أشبه بالركض و هو يقول موجهًا حديثه إلى "رأفت" محاولًا استيعاب الموقف قد أنهت الأمر :
- عمي رأفت ، جدتي عاوزاك دلوقت حالًا !
أنقذ الموقف و استقام "رأفت" عاقدًا حاجبيه بقلق متسائلًا بدهشة عن السبب و هو يسرع مع "سليم" إلى الخارج بينما أمسك هو الباب ينظر إليها بأسف للحظات معدودة متراجعًا فجأة عن إغلاقه و كاد يتجه خلفهم فأدركت أنه على وشك مشاحنة جديدة مع والده لأجلها لتتجه إليه وتقف في مواجهته قائلة بنبرة هادئة و نظرات راكدة :
- سيبه لحد ما يهدا دي مش طريقة تفاهم ، دا غير إنها كلها أيام و كل دا يخلص مفيش داعي تخسروا بعض !
لم تنتظر الرد الواضح لها داخل عينيه المستنكرة بل فرت إلى الداخل و خناجر نظرات و كلمات والده تطعن قلبها بلا هوادة كانت على يقين أنها سوف تقابل تلك الأفعال بل والأسوأ منها و لكن حين رأت بعينيها الأمر أصبح أشد ألمًا لروحها و كأن أغلال ذنوبها لن تتركها و ها هو والده يتمكن من وأد تلك النبضة التي أنعشت قلبها منذ ساعات بين أحضانه الدافئة ، وهمس عقلها الذي استعاد توازنه أن والده على صواب مهما فعلت وتغيرت و تبدلت إلى أخرى لن تتمكن من محو حقيقة ماضيها الذي يلاحقها أنها هي المحتالة !!!
تحركت "نيرة" إلى غرفتها دامعة العينين و جلست فوق الفراش بصمت تنتظر قدوم شقيقتها كما أخبرتها بقلب متألم لأجلها ، ورغم أنها لا تعلم أبعاد الأزمة الخاصة بوالد "آسر" لكنها على يقين أن شقيقتها لا تستحق تلك المعاملة وكأنها تمكنت من رؤية حطام قلبها داخل نظرات عينيها الباردة ، لقد تعمد هذا الرجل السخرية منها والتطاول عليها أمام زوجها وهي على يقين أنه لا يعلم مثقال ذرة عن حقيقة شقيقتها الجميلة ذات الكبرياء لن تتقبل تلك الطريقة مهما حدث لكن من الواضح أنها تجنبت تفاقم الأمور لأجله هو ، لأجل زوجها !!!
نكست رأسها حين دلفت "سديم" إلى الغرفة ثم بدأت تتلفت حولها باحثة عن هاتفها رغبة في إدعاء الإنشغال به و هذا أفضل بكثير من رؤية نظرات الألم واليأس داخل عينيها ، استمعت إلى زفير "سديم" بصوت واضح وهي تقترب منها وتجلس بجانبها صامتة و شاردة كعادتها بالأونة الأخيرة منذ ليلة القبض على "سامح" و هي قليلة الأحاديث كثيرة الإنصات لها و الآن عليها أن تكسر هي حاجز الصمت و تستمع إليها مثلما تفعل هي معها منذ صِغرها !!!
بللت "نيرة" شفتيها و تنهدت بحزن تهمس لها بتوتر طفيف بعد أن اعتدلت بجلستها ووجهت وجهها إليها تضع يدها فوق فخذها :
- عشان كدا مكنتيش عايزة تيجي مع آسر ؟
لم تتفاجئ "سديم" من حديثها بل هي على يقين أن فضول شقيقتها تجاه زيجتها غريبة الأطوار سوف يدفعها إلى التجسس على ما يدور حولها رغبة في الاطمئنان عليها ، و رغم أن همها الأكبر هو تورط شقيقتها هنا لكنها لم ترغب بإثارة قلقها و هزت رأسها بالإيجاب و هي تهمس بنبرة متألمة :
- أيواا !
زمت "نيرة" شفتيها محاولة السيطرة على هذا الاختناق المتملك من حنجرتها كمدًا لأجل الظلم الواقع على شقيقتها المحاربة التي لم تكل أو تمل يومًا من تلك الحروب و وصل بها الأمر إلى كتمان بكائها ورثاء والدتها هي على يقين أنها شديدة التأثر بما حدث خاصة أن شقيقتها تواجدت داخل الحادث المفجع ورأت مقتل والدتها بأبشع الطرق التي تخشى هي نفسها تخيلها فماذا عن التي عايشتها ووضعتها ضمن ذكرياتها الأليمة ؟ لم تتمكن من الحديث و كأن جميع كلمات المواساة قد تبخرت يمكنها فقط احتضانها الآن و بثها شعور الأمان التي طالما منحتها إياه دون تردد وبالفعل اقتربت منها و أحاطت خصرها تحتضنها بصمت تاركة عينيها تذرف الدموع دون توقف لتدرك "سديم" أن شقيقتها تحاول دعمها على طريقتها الخاصة كعادتها سريعة البكاء لطيفة التصرف حانية القلب جميلتها والذكرى الباقية من والدها الحبيب ، رفعت يدها تربت فوق خصلاتها بهدوء و أعين دامعة أغلقتها على الفور خشية أن تلاحظ "نيرة" و بعد مدة قصيرة همست لها بلطف :
- يلا يانيرة عشان تبدأي تنتظمي من بكرة في دراستك أنا كمان محتاجة أرتاح شوية !
حلت "نيرة" ذراعيها و تركتها بشكل تدريجي و جففت "سديم" دموعها بأطراف أناملها تضع قبلة صغيرة فوق وجنتها ثم استقامت واقفة تتجه إلى الخارج لتوقفها "نيرة" حين أردفت بصوت متحشرج :
- هتسيبي آسر ؟
كأن جميع حواسها توقفت فجأة عن العمل و تسمرت محلها تزدرد مرارة حلقها تحاول الرد عليها لكن تمكن الاختناق منها لتحمد ربها أنها أولتها ظهرها وإلا لاحظت شقيقتها عينيها التي أصبحت على مشارف البكاء و اكتفت بهز رأسها بالإيجاب و الإنصراف دون التفوه بكلمة واحدة و بخطوات سريعة متعمدة الهرب من أسئلتها البديهية بينما راقبت "نيرة" اختفائها بحزن شديد خاصة أنها رأت هذه الليلة نظرات الوهن العاشقة تصرخ من عيني شقيقتها !!!!
اعتقد أن أسوأ شعور يمر به المرء هو شعور التشتت ؛ تصبح رؤية القلب ضبابية و يضل العقل طريق الصواب ، وحدها أرواحنا هي التي تواصل بحثها عن الحصن المنيع بين أرواح تشبهنا أو تلجأ إلى الحل الآخر و الأشد قسوة ؛ ألا وهو الانتظار إلى أن تلتئم جروحنا تاركة ندباتها تُخبرنا فيما بعد أن أرواحنا تجاوزت التشتت بقسوة الانتظار !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
________________ *** _________________
على الجانب الآخر و تحديدًا داخل غرفة الجدة جلس "رأفت" عاقدًا حاجبيه يراقب ملامح والدته الهادئة بتوجس لفترة طويلة قبل أن يزفر بغضب و يقرر كسر حاجز الصمت قائلًا بحدة طفيفة :
- قولي من الآخر ياماما إنك موافقة على المهزلة دي !!!
تنهدت الجدة و تركت السُّبْحَةُ فوق المنضدة الزجاجية و أردفت بهدوء مبالغ به يناقض حالة ابنها المستشيط غضبًا أمام عينيها :
- اللي عمله ابنك مش غلط ولا اعتبره مهزلة حب واحدة واتجوزها !
صاح بغضب شديد عاقدًا حاجبيه و قد انتفض إلى الأمام داخل مقعده :
- نصاااابة !!!! اتجوز نصاااابة !!!!!
ضحكت الجدة بخفة و ظهرت السخرية في كلماتها المتهكمة حين سألته بدهشة :
- نصابة ؟ و اللي آسر عمله مهزلة ؟ غريبة أصل لو الذاكرة مش بتخوني و عقلي لسه فيا أنا فاكرة إني وافقت على مهزلة أسوأ منها زمان !!!
بهتت ملامحه و اتسعت عينيه تدريجيًا يسألها بتوجس :
- قصدك إيه ؟ أنتِ عارفة كويس إني مكنتش أعرف حاجة عن جوازة عاصم و كنت مسافر أغلب الوقت عشان شغلي !!!
احتدت نظرات الجدة و أردفت بقسوة و قد اشتدت لهجتها فجأة وظهر الاختناق بنبرتها :
- و لما جيت و عرفت عملت ايه ؟!!! سيبت أخوك يكمل مع واحدة خاينة و مش بس كداا دا أنت سيبته يربي بنتك على إنها بنته !!!!
انتفض واقفًا و اجتمعت الدموع داخل عينيه و أردف بنبرة تحذيرية غاضبة و كاد يفر من ذكرياتها الأليمة التي بدأت تتلوها عليه بقسوة بعد مرور أعوام :
- بلاش يا أمي الموضوع دااا محدش فينااا قده و أنتِ عارفة إني ندمت و حاولت سنين أصلح ومقدرتش !!!!
سقطت دموعها و أردفت بغضب و حدة متعمدة إثارة غضبه و إشعال النيران التي لم تخمد يومًا داخل قلبها :
- كداب و أناني يارأفت و آسر دفع تمن أنانيتك لما أنت بقيت تهرب و تسافر خايف من روزاليا دا غير إنك حرمت ولادك من أمهم لما عرفت بخيانتك ، كل دي مكنتش مهزلة و لما ابنك قرر يتجوز قصاد الكل و في النور مهزلة !!!!
سالت دموعه بألم فوق لحيته و جلس مرة أخرى فوق المقعد يضع رأسه بين كفيه و يغمض عينيه بقوة مجهشًا بالبكاء و قد خرجت الكلمات بصعوبة واضحة من بين شفتيه :
- عشان كدا مش عايزه يغلط غلطتي ، غلطة واحدة دفعت حسابها باقي عمري و مش عايزه يكرر وجعي وعذابي مش عايزه يختار نصابة تلعب بيه و تعيشه في نار !
هزت رأسها بالسلب و أردفت بجفاء :
- حتى دلوقت كداب يارأفت ، أنت كرهت سديم عشان فكرتها بنتك و كنت عايش على أعصابك إن آسر يحب أخته و الماضي يتكشف و لما عرفت إنها نصابة كرهتها أكتر عشان قعدت في رعب شهور بوجودها رغم إن النصابة اللي مش عجباك دي هي اللي أنقذت أخوك و هي الوحيدة اللي قدرت تتكلم معاه و تعرفه الحقيقة ، النصابة دي كانت أحن على أخوك و ابنك منك معرفتش تكسر ابنك زي ما أنت كسرته مرضيتش تقول قصاد الكل إنه أجرها رغم إن دا مش هيكسبها حاجة و رغم إن عشيقتك كانت السبب في موت أمها !!!!
رفع رأسه يحدق بها بصدمة حين صارحته بحقيقة علاقته السابقة مع زوجة أخيه و ردد بألم شديد :
- عشيقتي ؟!!! أنا مكنتش أعرف إنها هتنتقم مني بالشكل دا وتروح تتجوز أخويا في سفري و مكنتش أعرف إنها حامل مني أصلًا !!!
انسابت دموعها و هزت رأسها بالسلب تسأله مستنكرة كلماته و مبرره العجيب :
- و لما عرفت عملت إيه ؟ سيبت أخوك يكمل معاها و سيبتلها ابنك تبهدل فيه وتطلع كل كرهها ليك فيه و في أمه و سيبتلها مراتك لحد ما ماتت في الحادثة مع أبوك هربت و فضلت تهرب حتى بعد موتها و بعد هروبها ببنتك سيبت أخوك يتقطع سنين على بنتك أنت !!!! و الوحيدة اللي قدرت توقف عذابه هي النصابة اللي مش عجباك على الأقل يعرف إنه مش بيخلف و يخف عنه وجع قلبه يعرف إنه اتخدع سنين في واحدة خاينة احسن ما يتخدع في أخوه ، كفاياااك يارأفت و سيب ابنك في حاله سيبه لحد يعوضه عن الوجع اللي شافه من عشيقتك و من هروبك ، سيبه و سيب صندوق أسرارك مقفول يابني ، لو اتفتح صندوقك خراب العيلة دي هيكون على إيدك ! النصابة جمعت يارأفت متمشيش ورا شيطانك و تفرق ، كفياك غلطات يابني !
أشارت إليه بالخروج و صرفت عينيها الباكية عنه و استقام واقفًا يمسح الدموع عن وجهه بحزن هامسًا لها باعتراض :
- اللي عملته مع العيلة حاجة و جوازها من ابني حاجة تاني ياأمي ، مش يمكن عملت كل دا عشان توصله و تبقا في النهاية الملاك اللي أنقذ العيلة ، دي شيطان بنت اتربت على شغل النصب و قدرت تخدع عيلة كاملة عاوزاني آمن ليها أنا مش هسيب ابني لنسخة تاني من روزاليا !!!!
ابتسمت بسخرية و همست له بألم :
- رغم إنك سيبت بنتك لروزاليا نفسها لحد ما ماتت على ايدها ، عندك حق متكررش غلطتك بس المرة ماتجيش تقولي إلحقيني لأني مش همدلك إيدي يارأفت ، و مين عارف يمكن المرة دي أمد إيدي للنصابة اللي مش عجباك و احميها
اتسعت عينيه و سألها بصدمة :
- هتنصري النصابة عليا ؟ على ابنك !!!!
هزت رأسها بالسلب و أجابت بحزن :
- هنصر الحق قبل ما أموت النصابة دي ليها دين في رقبتي و هرده ليها !!!
هز رأسه بالإيجاب و تحرك إلى الخارج لكنه توقف محله عاقدًا حاجبيه يسألها بقلق :
- عاصم هيرجع امتى ؟ و هيربي خلاص بنت الحرام دي ؟
كانت إجابتها الخالية من الشفقة مثل الخنجر الذي طعنه بقسوة حيث أردفت باستنكار :
- كان بيربي بنت حرام قصاد عين أبوها و مصعبش عليك دلوقت بقيت مهتم بولاد الحلال والحرام ؟ امشي يا رأفت و سيب أخوك في حاله كفاية عليه الوجع اللي هو فيه !!!!
تحرك إلى الخارج بصمت و قد تمكنت والدته من قذفه بأجحار الماضي بقوة متعمدة إصابة هدفها بينما أغمضت هي عينيها و أجهشت بالبكاء تضع يدها فوق قلبها و تهمس بألم نابع من بين ثنايا روحها المقيدة :
- يارب أنا عارفة إني غلطت بسكوتي بس أنا مقدرتش ادمر ولادي و اكسرهم على حساب بعض ، زي مابعتلي سديم تنقذ عيلتي وأنا عاجزة ساعدني للآخر عشان اجيلك وأنا متطمنة عليهم ، رحمتك بعجزي و وجعي يارب !!!!
ضغطت على زر المقعد المتحرك و لكنها أوقفته مرة أخرى تنظر بأعين متسعة مذهولة حين وجدت "سليم" يخرج من مرحاض غرفتها و دموعه تغطي لحيته يحدق بها بصمت تام و نظرات تحمل خليط من المشاعر المتفرقة بين الألم و العتاب و عدم التصديق و النفور و كأنه داخل حلقة مستمرة من السراب ، زوجة عمه هي عشيقة عمه الآخر و ابنة عمه المتوفاة هي ابنة عمه الآخر أيضًا و روزاليا كانت تود الانتقام من "رأفت" وليس "عاصم" و الآن أدرك حقيقة كراهيتها تجاه ابن عمه و صارت المحتالة عديمة الاحتيال نظرًا إلى سلوك عائلته !!!!!!
وبمرور الوقت نتأكد أن شيطان الإنسان يتجسد في نفسه و أفعاله !
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
________________ *** _________________
وقفت خارج غرفته تبحث عنه داخلها بعينيها و تشرئبّ بعنقها عاقدة حاجبيها حين وجدت المكان خالي !!! تحركت إلى الداخل بخطوات بالغة الحذر تاركة عينيها تجوب ملامح الغرفة إلى أن وصلت إلى غرفة الملابس حيث شعرت أن هناك حركة خفيفة داخلها و بالفعل رفعت صوتها هاتفة باسمه :
- آسر !!!
أتاها صوته الأجش داعيًا إياها إلى الداخل حيث قال مستنكرًا :
- تعالي ياسديم مش محتاجة إذن أكيد !
دلفت إلى الداخل و كادت تتحدث لكنها استبدلت كلماتها بأخرى صارخة به بهلع و قد استدارت بجسدها تنظر بعيدًا عنه حيث كان يقف كاشفًا عن جسده المبتل فقط منشفة تُحيط خصره ويعبث بهاتفه :
- يخربيتك إيه داااا !!!!
كادت تتحرك مسرعة إلى الخارج لكنه منعها قسرًا حين ترك الهاتف فوق أحد الرفوف و جذبها على حين غرة من خصرها إليه لتتلاشى المسافة الصغيرة بينهما حيث تعمد ضغط جسدها بخفة تجاهه مستغلًا الفارق الجسماني بينهما فقد أصبحت كثيرة الكر والفر معه و كأنها تظن أن شنها حملات هجومية ضده و حديثها الجاف سوف يدفعه إلى النفور منها رغم أنها لم تعترف و لم تبادله تلك المشاعر و لكن يفضح ثباتها الزائف تلك اللحظة التي يجبرها بها على البقاء داخل أحضانه يرى نداء صامت داخل عينيها و يدفعه هذا الكبرياء الصامت إلى سَبر أغوار روحها عله يتمكن من إزالة تلك الندوب داخلها والتي يجهل سببها إلى الآن وبين جسد رافض يقاومه و قلب راغب يطالبه بالمحاولة أصبح أسير روح تلك الأنثى التي تحدق به الآن بصدمة خاصة أنها شبه مُكبلة داخل أحضانه و مجبرة على لمس جسده العاري إلى حد الإلتصاق به تحركت عينيها بتوتر حين أطالت النظر داخل عينيه و حاولت تنظيم تلك الأنفاس التي تتسارع بطريقة غريبة و تلفح بشرته و خاصة مع اقتراب وجهه الآن منها متعمدًا إفساد ما تبقى من تمنع عقلها الذي بدأ يهاجمها بالأفكار منذ أن رأت بعينيها رفض والده ، قاطع حديثها الصامت مع عقلها حين هبط بشفتيه مُلتهمًا ثغرها بشراهة و قد رفع يده متعمدًا السير بها فوق ظهرها إلى أن وصل إلى عنقها مانعًا عقلها من دفعها إلى التشنج و الرفض بل و أصابها بالقشعريرة حيث اشتد ذراعه الذي يلتف حول خصرها و برزت عضلاته بينما بدأت أصابعه تندس بين خصلاتها و تتحرك بعشوائية ازدادت مع حركة شفتيه وترك شفتيها منتقلًا إلى عنقها مستغلًا توترها الواضح من عشوائية أنفاسها و مقاومتها الضعيفة التي تفضح صراعها الداخلي ، أغمضت عينيها عمدًا حين شعرت بـخِزْي استسلامها له بل و ما زاد الأمر سوء أنها تشعر بلذة اقترابه و تحرك شفتيه بحرية فوق وجهها و عنقها خاصة أن شعور الدفئ بين أحضانه الآن يجعلها عاجزة عن مقاومته وكيف لها أن تقاوم شعور تتمناه منذ أعوام !!!
لا تتهمني بالمبالغة حين أخبرك أنه وحده شعور الأمان هو أعظم انتصارات الحب بل هو منبع العشق الصادق و الخالص ، الأمان هو مفتاح القلوب و دواء علة الأرواح ، كيف أخبر روحي أن تتراجع عن هذا الشعور وقد طال بحثي عنه منذ أعوام ، كيف أخبر روحك أن الأمان هو أنت و عينيك هي منبع الأمان كيف أهمس لك أني لا أحبك بل أنا أأمنك !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
خفف قبضته عن جسدها حين وضعت يديها فوق صدره دون مقاومة بل و رفع رأسه قليلًا ينظر إليها عن كثب قبل أن يهمس لها أمام شفتيها :
- بحبك !
وكأن وخزها فجأة بإبرة الإفاقة من غيبوبة مشاعرها التي ذهبت بها إلى عالم الأحلام أما الواقع هو عبارة عن نظرات والده التي تجسدت لها الآن فور أن همس بتلك الكلمة ، كلمة واحدة قلبت موازين قلبها وعقلها رأسًا على عقب و فتحت عينيها تحدق به بجمود و أردفت باستنكار و قد هبطت يدها عن صدره :
- أنا كنت جاية أقولك إني هاخد الأوضة التانية واقعد فيها لحد الفترة دي ماتخلص و كل واحد فينا يروح لحاله !
وضعت يدها فوق يده تحاول إزاحتها عن جسدها و الإنصراف سريعًا هاربة من دفئ احتوائه لكنه عقد حاجبيه و أحكم قبضته فوق خصرها قائلًا باعتراض :
- إيه علاقة دا باللي أنا قولته دلوقت ؟
نظراته الواثقة الآن أن لديها إجابة محددة على كلمته بل و أنها تبادله مشاعره جعلتها داخل حالة من التوتر و الرهبة تسأل حالها هل افتضح أمر ضعفها تجاهه إلى تلك الدرجة أم أن استسلامها له منذ وفاة والدتها هو السبب الرئيسي لاندفاعه الآن ؟! أما عنها فهي على يقين أن حروبها الداخلية الآن و عجزها عن إجابة كلمته بصدق دون مخاوف و صراعات تكاد تدفعها إلى حالة من الإنهيار بين ذراعيه و ليحدث ما يحدث بعدها !!!!
سخرت من حالتها و أغمضت عينيها لحظات تستجمع شتات أمرها متعمدة إستعادة نظراتها الراكدة و كلماتها المتهكمة قبل أن تفتح عينيها مرة أخرى و تقترب منه هامسة له أمام شفتيه بخفوت :
- واحدة جاية تقولك هختار مكان بعيد عنك و اقعد فيه و بتعد الأيام عشان الربطة اللي ربطتها لنفسها تتفك تفتكر هيكون ردها إيه ؟ هو لازم أوضح أكتر من كدا و أنا برفضك و برفض مشاعرك ؟
عادت إلى الخلف تميل برأسها جانبًا و تُكمل ساخرة :
- كنت فاكراك عندك سرعة بديهة عن كدا ومش هتحتاج رفض مباشر مني ؟
كل لحظة يقضيها معها تدفعه إلى التمسك بها عن ذي قبل خاصة الآن لم تفشل مرة واحدة بإبهاره و دفعة إلى التساؤل كيف يمكنها تبديل حالتها بتلك الطريقة والتحكم بمشاعرها و كأنها اعتادت برمجة إنفعالات جسدها و عقلها و أيضًا قلبها إن لزم الأمر !!!
طال صمته و انتقاء كلماته وتصرفاته لا مفر منه مع تلك الفاتنة لذلك حررها من بين ذراعيه لكنه ظل ثابتًا مكانه و أردف بهدوء مشيرًا إلى الخارج :
- عندك الأوضة اللي جنب دي على طول ، و تقدري تاخدي شاور هنا لحد ماتجهز !
هزت رأسها بالإيجاب وتحركت بهدوء خارجي لكن داخلها رغبت بالبقاء بل و أن تصرخ به باستنكار هل هذا كل ما لديك !!!! تحديد مكان الغرفة و منحها فرصة الحصول على جلسة استحمام داخل المرحاض الخاص به ؟ و ما الذي تنتظره بعد كلماتها الجافة هل كان عليه احتضانها قسرًا و إجبارها على مشاعره أم أنها ظنت أنه رجل بلا كبرياء و سوف يخر راكعًا لها بل ما هذا التناقض الذي يسيطر على عقلها !!!!!
توقفت محلها تبحث عن حقيبتها بعقل شارد بينما كان هو يراقبها مبتسمًا وهو تدور حول نفسها بشرود واضح و قد أنهى ارتداء ملابسه فوق جزعه السفلي وألقى القميص الخاص به فوق الفراش متحركًا خارج الغرفة وصادف ذلك لحظة عثورها على حقائبها في أحد الأركان وقد توجهت هي الأخرى إليها و حصلت على مبتغاها ثم اتجهت إلى المرحاض و أغلقته خلفها تهمس بغضب :
- من بين البشر كلهم أحب اللي نصبت على أهله !!!
عقدت حاجبيها حين تردد صدى كلمتها العفوية داخل عقلها "أحب" !!! هل اعترف عقلها الآن أن هناك أمور خارجة عن إرادته أم هذا هو تأثير رائحته العالقة بملابسه الملقاه داخل سلة الملابس جوارها !!! هل وصلت إلى تلك الدرجة من تعقب رائحته ؟!!! رفعت يدها إلى رأسها ثم أغمضت عينيها تقبض على خصلاتها بقوة ثم بدأت تتنفس بصوت مسموع في محاولة منها لتشتيت ذهنها و لكن هيهات لقد استمعت إلى صوت استغاثة روحها تلك المرة تطالبها بتحريرها من قيود عقلها و إطاعة قلبها ولو لمرة واحدة !!!!
ألقت الملابس أرضًا بغضب شديد ثم دهستها تمر من فوقها متجهة إلى الباب تفتحه بعنف و من حسن حظها أنه كان يقف في وسط الغرفة يعبث بهاتفه لكنه رفع رأسه عاقدًا حاجبيه يراقب تقدمها الغاضب تجاهه بخطوات سريعة و كأنها تحفر الأرض بقدميها و قد ألقت نظرة خاطفة إلى باب الغرفة المغلق قبل أن تقف أمامه مباشرة قائلة بإنفعال واضح لأول مرة يراه فوق قسمات وجهها :
- حبيت فيا إيه ؟!!! أنت كنت شايف إني نصابة مأجرها بفلوسك و هتخلص شغلها و تمشي ، أنت أول واحد شوفتني زي السلعة ، إيه اللي غير رأيك كدا ؟
لم تنتظر الرد بل أكملت بنبرة اتهام واضحة يشوبها السخرية :
- أنا أقولك أنت حصل معاك إيه ، لقيت بنت نصابة بس تصرفاتها متناقضة شوية خصوصًا لما انفجرت فيك في الاسانسير و عيطت في حضنك قولت ياحرام دي شكلها بني آدمة زينا ما أشوف إيه وصلها لكدا و أحاول انقذها من الوحل اللي هي فيه ، زي ما أنا بحاول انقذ عيلتي !!! تنكر إن من يومها كل تصرفاتك اتغيرت معاياااا ، تنكر إنك أول حاجة فكرت فيها إيه اللي وصلني لكدا ، تنكر إنك يوم موت نبيلة اتصدمت باللي أنا خبيته عنك و إنك بتدافع عني بعد ما أنا اديتك سلاح تدافع بيه ؟ تنكر إن صاحبك قبل مايسافر كان بيحذرك من نصابة زيي و أنت رديت عليه وقولتله أنت عارف إني مليش في التسلية عشان أديها أكبر من حجمها ؟!!!
موجات الغضب كانت تتلاطم داخل عينيه خاصة أنه لا يستطيع إنكار كلماتها بل هي صادقة لقد فعل كل ما قالته لقد كان تائه بين قيم و مبادئ و عائلة و قلب راغب بفاتنة محتالة كيف يخبرها أن الأمر بالغ القسوة عليه و أن رؤيتها الآن بهذه الحالة يطعنه بخناجر أفعاله السابقة دون شفقة ؟! كلماتها القاسية التي تجلد بها نفسها قبله و تذكر حالها أنها مجرد محتالة و أنه أخطأ الشعور و هذا ما همست به الآن و كأنها تقرأ أفكاره حيث اقتربت منه و نظرت داخل عينيه هامسة بنبرة حادة من فرط ألمها :
- شعورك اسمه شفقة مش حب !!!! و دا مش هقبله منك ولا من غيرك يا آسـر !!!!
ارتعشت شفتيها من شدة غضبها و قد حاولت الحفاظ على تلك القشرة الحادة في نبرتها و إلا انفجرت باكية و ساخطة على جميع ما يدور ويحدث لها دون أن تعلم ما الذي اقترفته يداها لتصل إلى تلك الحالة :
- حتى لما شاركتي وجعك كنت عاوز مقابل ليه وهو إني أديك ثقتي عشان كدا أصريت متعرفش عني أي حاجة وقتها ، كانت هتفرق لو كنت شاركتني الوجع دا عشان أنا سديم ، مش عشان احكيلك حكايتي و أصعب عليك و تلاقي مبرر للشفقة اللي جواك !
خفت حدة نبرتها بل و ظهر الوهن داخل كلماتها و هي تهمس له بأعين دامعة :
- عارف الفرق بينا إيه ؟ أنت كنت أول و آخر حاجة احكيها لنبيلة من سنين لكن أنا بالنسبالك تصادف قدري اترمى في طريقك يا آسـر و اتكسفت حتى تصارح أقرب الناس ليك بمشاعرك ، أنا لو صدقتك دلوقت يبقا هزود وجعي أضعاف برفض عيلتك و وجع أختى من نظراتهم ليها و مين عارف ممكن تتعرض لإيه تاني بسببي !!!
وزعت نظراتها الحادة فوق ملامحه ثم استعادت شراستها بالحديث و همست له :
- أنا أمي راحت ضحية إنقاذي لنيرة و مش هسمح لمخلوق يسمعها حرف من اللي ودني اتعودت عليه ! خليك بعيد عني لحد ما يخلص اللي بينا و كل واحد يشوف طريقه !
ثم تركته و عادت من حيث أتت مثل العاصفة و حقًا قد عصفت به و بقلبه و ازداد ألمه تجاهها كما تضاعف تمسكه بها خاصة أن أفعاله كانت سبب الألم الرئيسي بفترتها الأخيرة ، و انتبه إلى كلماتها عن والدتها و عن حديثها عنه قبل مقتلها !!!!! إذًا هي تحمل مشاعر تجاهه و لكن تصادفهما القدري الذي قالت عنه هو الحائل بينهما !!!! تنهد زافرًا أنفاسه يإنهاك ثم توجه إلى غرفة مكتبه الخاص مقررًا قضاء وقته هناك و ترك غرفته الخاصة لها إلى أن تهدأ قليلًا و يبدأ هو بإعادة خططه القادمة في التعامل معها !!!
بينما أنهت هي جلسة استحمامها بسرعة و قد ازداد غضبها حين شعرت أنها أفصحت له بنقاط ألمها بل و كأنها تنتظر منه تعديل أفعاله و تعاتبه على ماسبق و فعله معها !!! كيف تفعل هذا بنفسها لقد أوضحت له أن حديثها مع والدتها يخصه و يخص اعترافه لها في تلك الليلة !!!
خرجت من كابينة الاستحمام تصفع رأسها بخفة و توبخ حالها هامسة باستنكار :
- كان ناقص تقوليله حبني صح ؟!!!!! إيه اللي بعمله دا بس !!!!
اتجهت إلى المنشفة تجفف جسدها و اتسعت عينيها حين وجدت ملابسها ملقاة أرضًا لتعض على شفتيها و تضم قبضتها بقوة هامسة بإنفعال :
- يانهار اسود كان لااازم اتعصب على الهدوم اهبب إيه دلوقت !!!!!!
وزعت نظراتها بين الملابس و الباب ثم سارت بخطوات حذرة ووضعت أذنها فوق الباب تحاول الإنصات إلى الأصوات بالخارج لكن كان الهدوء يعم المكان ، بللت شفتيها و نظرت إلى المنشفة ثم إلى الملابس مرة أخرى و همست بندم :
- أدي آخر التسرع !!! منك لله يا آسر كنت بعقلي قبل ماأعرفك !!!
أحاطت جسدها بالمنشفة ثم فتحت الباب بحذر و نظرت من مكانها فوجدت الغرفة هادئة وخالية !!! استعادت رئتيها التنفس وكادت تتحرك إلى حقيبة ملابسها لكن لحظة هل اختفت !!!!!
صفعت رأسها مرة أخرى حين تذكرت ما اخبرها به وأنه سوف يعد الغرفة الأخرى لها إلى حين الإنتهاء من جلسة استحمامها و بالطبع انتقلت الحقيبة إلى هناك !!!!!
استمعت إلى خطوات أقدامه تقترب من الغرفة بل و طرق فوق الباب منتظرًا أن تأذن له بالدخول لكنها فرت مسرعة إلى غرفة الملابس و أغلقت على حالها بالداخل ثم وقفت تحدق بهيئتها أمام المرآة بأعين متسعة مذهولة و قد اسعفها عقلها أن تمد يدها إلى القميص الأسود الخاص به و ترتديه أفضل أن تتحرك أمام أنظاره بتلك المنشفة و قد فعلت !!!!
أنهت ارتداء قميصه ثم فتحت الباب و تحركت إلى الخارج ترفع رأسها بشموخ متعمدة تجنب النظر إليه و تجاهله و لكنها توقفت محلها حين صدحت ضحكاته الرجولية بقوة و لم تقاوم رغبتها بالنظر إليه عابسة الوجه لكنها كانت تود رؤيته ضاحكًا هكذا فـنادرًا ما تحدث تلك الحالة و ينفجر ضاحكًا متجهًا إليها يهز رأسه بالسلب قائلًا من بين ضحكاته :
- لا مش قادر فعلًا !!!
ثم واصل الضحك مما دفعها إلى صرف وجهها عنه وقد ظهرت بسمة صغيرة فوق شفتيها على ارتدائها قميصه بعد انفجارها به منذ قليل ، استقر أمامها و كاد يواصل سخريته لكنها أشهرت إصبعها بوجهه محذرة إياه بحدة طفيفة :
متحاولش تفسر حاجة بمزاجك ، بسبب حضرتك هدومي اتبهدلت و اضطريت استلف دا لحد ما أروح أوضتي !
هز رأسه بتأكيد و أحاط خصرها فجأة يضمها إليه هامسًا لها ببسمة ملتوية و لازال صوته يحمل بقايا ضحكاته :
- آه طبعًا طبعًا ! أنا اللي بهدلت هدومك !
اتسعت عينيها من سخريته و صاحت بغضب عاقدة حاجبيها :
- أنت مش مصدق !!!! على فكرة دا اللي حصل وهدومي مرمية عندك أهي جوا !!!
تعمد تقليص المسافة بينهما و قد سارت عينيه فوق خصلاتها المبتلة متأملًا ملامحها الغاضبة وقد اقترب هامسًا لها أمام شفتيها قبل أن يدس وجهه في تجويف عنقها مستنشقًا عبير جسدها :
- أنا مبقتش محتاج دليل عشان أصدق كلامك ، بس القميص شكله يجنن عليكِ !!!
انتفض جسدها مع قربه المبالغ به و أنفاسه التي تفرقت بعشوائية فوق بشرتها و لكنه لم ينتظر فرارها تلك المرة بل وضع قبلة صغيرة فوق عنقها و انسحب بعيدًا عنها بخطوات قليلة قائلًا بهدوء و هو يواصل بحثه عن جهازه اللوحي :
- تصبحي على خير ياسديم !
و أثناء حركتها إلى الخارج أعلن هاتفه عن مكالمة و أجاب يفتح مكبر الصوت ويواصل بحثه ليصدح صوت الحارس قائلًا :
- في واحدة اسمها فريدة وصلت و بتسأل على حضرتك ادخلها !!!!!
توقفت محلها عاقدة حاجبيها خاصة حين تبدلت ملامحه و أردف بحدة :
- لأ متدخلهاش ، ولا أقولك استنى أنا هجيلها !
و بالفعل تحرك مسرعًا إلى الخارج بخطوات غاضبة غافلًا عن تسمرها محلها تراقب انصرافه بصمت تام !