اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع عشر 19 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل التاسع عشر 19 بقلم فاطمة احمد 

الفصل التاسع عشر : ألم وغضب.
_________________
يقال أن إستجابة المرء للحياة مرهونة بمدى رغبته فيها، ورغبته هذه مرهونة بطبيعة المواقف التي يعيشها، والأشخاص الذين يعيشون معه !
فإن كان هؤلاء الأشخاص لا يعرفون سوى الغدر والأذية فهل سيقدر حينها على تجاوزهم والمضي قدماً أم أنه سيسقط، إثر ضربة جاءته من الخلف فأردته صريعا !!
جسد مرمي على الأرض ... أصوات متداخلة وفوضى عارمة ... طريق طويل أحست وكأنه يمتد آلاف الأميال وعبارات صارخة تفيد بوجوب الإسراع ثم قطرات دماء متسربة إثر النزيف الذي حاولوا كتمه قدر الإمكان ...
كانت جالسة في المقعد الخلفي للسيارة الكبيرة تراقبه وهو مجثي على بطنه دون أن تصدر حركة تدل على أنها مازالت واعية حتى سمعت تنهيدة فاروق الذي قال :
- أخيرا وصلنا يلا شيلوه معايا الطبيب مستنينا جوا.
استفاقت على نفسها في هذه اللحظة عندما توقفوا أمام باب السرايا ونظرت أمامها لتجد النساء في انتظاره وعلى رأسهم السيدة حكمت التي استقامت بضراوة ثم ترجل فاروق سريعا وتساعد مع الرجال كي يدخلوا آدم المغمى إليه فـ انتفضت نيجار راكضة معهم لغرفته بأنفاس محتبسة يتبعها صوت ليلى الباكي وعويل الخادمة وقبل ان تدلف معهم وجدت يدا تسحبها ثم صفعة قوية وقعت على وجهها من حكمت وهي تجلجل :
- رايحة فين هتدخلي تخلصي مهمتك اللي مكتملتش !
انتفض الحضور بصدمة بينما وقفت نيجار مع سيل الدموع المنتحرة من عينيها تشخص أنظارها فيها وروحها تبعت ذاك الجسد المتواري خلف باب الغرفة، لم تكن تدرك أنها تشهق ولم تدرك حتى بأن شهقاتها صدحت تتبارى مع شهقات حكمت التي طالعتها بلهيب وكأن المسَّ أصابها تناظرها بعينين متوحشتين ماطرتين ملقية عليها نصيبها من طعنات إتهاماتها العاتية :
- اتفقتي مع ابن عمك عشان تقتلوه غدر يا بنت الحرام نايمة في حضنه وبتخططي ازاي تخلصي عليه ديه تاني مرة تعملي كده لتاني مرة بتحرقي قلوبنا عليه بس اقسم بربي مش هتسلمي مني ... هندمك يابت الشرقاوي واحسرك على نفسك.
هزت نيجار رأسها بصدمة تنفي الإتهامات الموجهة إليها فلم تشعر سوى بظهرها ينغرس في الجدار الصلب خلفها إثر دفعة من حكمت ولكنها لم تتألم، بل وقفت كالجثة تحدج ثورتها وسخطها باِنطفاء كما لو أنها مطعونة ...
كما لو أن قوتها نضبت لتستحيل لدمية خشبية شظفة !
- أنا ... أنا معملتش حاجة ...
بالكاد استطاعت إخراج كلمات متقطعة من جوفها محاولة الوقوف أمامها دون أن تذوي وتتكوم على الأرض ثم مشت خطوتين لتدخل حيث يقبع آدم مع رجاله والطبيب إلا أن حكمت جذبتها ثانية وهي تصرخ بأعلى صوتها منادية الغفير وحين صعد هذا الأخير إليها ألقت نيجار بإتجاهه :
- خدوها للمخزن تحت واحبسوها هناك.
اندهش الغفير وتململ باِضطراب فأضافت مبرطمة بقسوة :
- انت مش سامع أنا بقول ايه !
انتفض ينفذ أوامرها مع الغفير الآخر وأمسك ذراع نيجار لتسحبها منه صارخة :
- ابعد عني انا مش هروح لحته قولتلك اني معملتش حاجة ... ابعد عني بقولك لازم اطمن على آدم سـيـبـونـي !
تجاهلوا صراخها وهي تُساق للطابق السفلي وتحديدا لتلك الغرفة الصغيرة المظلمة حاولت التحرر من قبضتهم لكنها كلما تفلت نفسها منهما يعيدان امساكها حتى استطاعوا احتجازها فركلت الباب المغلق بعصبية مزمجرة بشراسة :
- طلعوني من هنا صدقوني انتو هتندمو على اللي بتعملوه ده ومش هسيبكم في حالكم بقولك طلعووني من هنا ... آدم ...
اختفى صوتها مع آخر كلمة نطقتها إثر غصة احتكمت حلقها كصخرة مدببة واندفعت الدموع إلى عينيها وهي تفقد قوتها أخيرا وتجثو على الأرض هاتفة بيأس :
- انا لازم اطمن عليه ...
** في الطابق العلوي وقفت ليلى متصنمة وكأن الطير قابع فوق رأسها لم تفهم تماما ما حدث أو لماذا قامت جدتها بحبس زوجة أخيها وفي الحقيقة لم يكن عقلها يسعفها حاليا كي تفسر جميع الكلام الذي قيل فهي شهدت منذ قليل على رؤية سندها وأبيها الثاني ملقيا بلا حول ولا قوة كيف ستكون لها القدرة على التفكير في أشياء أخرى.
انتفضت بلهفة عندما فتح الباب وخرج منه محمد لتقترب منه متسائلة بدموع :
- ابيه آدم ماله هو كويس رد عليا أرجوك هيبقى كويس صح.
أومأ مطمئنا إياها :
- الحكيم بيقول أن الرصاصة صابت كتفه الأيسر وعظامه متأذتش الحمد لله يعني جت سليمة بس لازمله عناية لأنه نزف دم كتير وهو حاليا بيخيط لـ آدم بيه جرحه.
تنهدت حكمت بهدوء شاكرة ربها على سلامته أما ليلى فأطلقت زفرة مرتاحة كمن كان يحمل صخرة على كاهله وتخلص منها وسألته مجددا :
- امتى هقدر اشوفه طب هو كان بيتوجع متأكد انه بخير.
لمعت عيناه بشفقة وعاطفة لحظية درأها سريعا حينما سمع صوت السيدة تسأل فاروق بصلابة :
- اتصاب ازاي و انتو كنتو فين ايه لازمة وجودكم لو مش عارفين تحمو سيدكم.
أطرق رأسه بحرج وانزعاج من نفسه وأجابها :
- احنا كنا مع آدم بيه في كل خطوة بس فجأة قال انه عايز يروح يشوف الأرض من غيرنا وخد مراته معاه ومعدتش ربع ساعة وسمعنا صوت سلاح ونيجار هانم بتصوت جرينا بسرعة وشوفناه مرمي ع الأرض ومتصاب في كتفه قمنا اسعفناه وجبناه بسرعة لهنا لأننا كنا خايفين تحصله حاجة تانية لو فضلنا في القرية هناك.
رفع عيناه لها متابعا :
- نيجار هانم فين احنا لازم نسألها ع كام حاجة لانها كانت موجودة مع آدم بيه ويمكن شافت اللي ضربه بالنار.
- هي وابن عمها اللي اتفقوا يغتالوه.
هدرت حكمت بحدة جعلته يصعق بذهول متمتما بـ كيف لتستطرد بحقد :
- كانت واقفة مع صفوان امبارح وبيتكلمو سوا وانا النهارده عرفت واتصلت بـ آدم اقوله بعدها مباشرة اتصاوب يبقى معروف كويس مين هو الجاني.
قبض فاروق على يده مطلقا لعنة ساخطة بداخله وانتفض ناويا الهجوم على ذلك الوغد والأخذ بالثأر إلا أنها أوقفته بحركة من يدها :
- مش وقته احنا هنستنى حفيدي يصحى وهو عارف لازم يعمل ايه بعدين الخبر اتنشر وزمان العمدة ورجال المجلس سمعوا بيه مينفعش نستعجل ونتحرك من غير دليل لأننا هنتحط في موقف الغلط كده.
أومأ على مضض وانتظروا سويا خروج الطبيب ليزودهم بتفاصيل حالة آدم ثم أعطاهم الوصفة الطبية وغادر وخلفه محمد الذي نزل ليحضر الأدوية الازمة وذلك بعدما رشق ليلى بنظرة سريعة يتأكد فيها من حالها ...
دلفت هذه الأخيرة لغرفة شقيقها ووقفت فوق رأسه متأملة إياه وهو نائم بإرهاق بادٍ عليه وكتفه ملتف بالشاش نزلت دموعها عليه بأسى وانتبهت لدلوف حكمت التي مسدت على شعره بحنان نادرا مايظهر وهمهمت بخفوت :
- ألف سلامة عليك يا حفيدي ... هدفعهم تمن كل قطرة دم نزلت منك.
- ايه علاقة نيجار باللي حصله ؟
سألتها ليلى بجمود وناظرتها إليها مكملة :
- حضرتك قولتيلها "لتاني مرة بتعملي كده" ليه هي حصلت من قبل عشان ترجع تتكرر.
أدركت حكمت أنها في خضم غضبها أفصحت بما لا يجب على ليلى سماعه بعدما أوصاها آدم بذلك فتنهدت بهدوء وهي تستعد للمغادرة :
- اخوكي مريض ومحتاج يرتاح والوقت اتأخر اصلا روحي نامي انتي كمان.
أنهت جملتها وذهبت الى غرفتها لتتفاجأ بدخول ليلى وهي تعترض بصوت عالٍ :
- مش هتستغبوني وتتجاهلوني المرادي كمان أنا لازم افهم اللي بيحصل هنا بالضبط ايه علاقة نيجار وابن عمها بحادثة اخويا وليه واحدة تحاول تقتل جوزها اصلا ده ليه علاقة بجوازهم من بعض صح ؟
وبختها الأخرى مقرعة إياها :
- أولا وطي صوتك وانتي بتكلمي ستك ثانيا مفيش حاجة لازم تعرفيها وأخوكي حذرك قبل كده متسأليش في المواضيع ديه انتي لسه ااا...
قاطعتها بعصبية وسخط قبل أن تكمل الجملة المعتادة :
- متقوليش اني لسه صغيرة انا ليلى سلطان الصاوي جزء من العيلة ديه ولازم اعرف بكل حاجة تخص عيلتنا طب ايه رايك حضرتك لو محكتيليش ورديتي على اسئلتي هنزل للبنت ديه واطلعها من الاوضة واسألها هي او بعمل حاجة تانية هروح احكي للعمدة ع اللي سمعته وخليه هو يتصرف بقى.
كان تتكلم بثقة مطلقة وترمقها بتحدي واستعداد لتنفيذ كلامها فطالعتها حكمت لبرهة متذكرة نفسها الصغيرة في جسد حفيدتها قبل عقود طويلة لتتنهد وتبرطم :
- ماشي هحكيلك طالما عايزة تفهمي ... الحقيقة ان آدم وبت الشرقاوي بيعرفو بعض من زمان من قبل جوازهم بست أو سبع شهور.
سرقت دهشة من عينيها فقطبت حاجباها بإستفسار أجابت عليه الأخرى :
- آدم اتعرف عليها من وقت بدأت عيلتنا تشتغل مع عيلتهم وبدأ يحبها وجه ليا وطلب اروح معاه عشان نتقدملها بس انا رفضت لأن الست ديه تبقى بنت عدونا وطول عمرها خبيثة وملهاش أمان وفكرت ان القصة خلاص انتهت ... بس طلعت غلطانة والغلطة ديه كانت هتكلفنا حياة أخوكي.
وشرعت تسرد لها كل شيء بتفاصيله علاقة شقيقها مع نيجار ومعرفتها بأن آدم سيعقد قرانه عليها في بيت الهضبة ثم اندلاع حريق بها والعثور عليه وسط النيران مطعونا بخنجر مسموم من المرأة التي أحبها وتوالي الأحداث بعدها حتى اضطر على قبول زواجهما لذلك كانت تعاملها ببغض وقسوة وتكن لها كل مشاعر الحقد هذه.
استمعت ليلى حرفا حرفا وصدمتها تزيد مع كل حدث يذكر حتى وقعت على المقعد خلفها ووضعت يدها على فمها متمتمة بصدمة :
- يعني البنت ديه ضحكت على آدم وحاولت تقتله واحنا دخلناها لبيت ورجعت تحاول تقتله للمرة التانية ... انا مش مصدقة حاسة اني بحلم انا كنت فين من كل ده ازاي معرفش حاجة عن الحقيقة ديه و ازاي دخلتو الحقيرة ديه لبيتنا.
- سبق وقولتلك اننا مكناش هنقدر نحافظ ع مكانتنا عند العمدة لو رفضنا الجواز ومكناش هنقدر بردو نكشف الملعوب اللي اتلعب ع اخوكي لانه كان رافض يعرف حد بـ ان واحدة ست قدرت تضحك عليه ... ودلوقتي قدرت تعمل نفس الشي.
هزت ليلى رأسها بعدم تصديق واستقامت فجأة متوعدة إياها بسخط :
- انا هقتلها واشرب من دمها عديمة الأصل ديه والله العظيم لـ ...
قاطعتها حكمت مهدئة إياها وهي تخبرها بوجوب التأني لأن تسرعها لن يفيدهم بشيء وأن شقيقها بنفسه سيحاسبها بعد استيقاظه لم تقتنع ليلى ولم تفكر في الاقتناع أساسا لأن قلبها امتلأ على حين غرة بحقد دفين اتجاه نيجار وأقسمت على عدم التدخل ثانية في أي شيء تفعله بها جدتها ...
__________________
في تلافيف الليل السوداوية صدع صوته مرددا بنقمة على صاحب الجسد الضخم وتقاسيم الوجه المظلمة :
- فهمني ازاي تغلط ومتقتلوش برصاصتك مش على اساس انت قاتل مستأجر وعمرك ما عملت غلطة ازاي بقى تصيب آدم بخدش سطحي وميموتش يا مليجي !
زفر المدعو مليجي بضيق منه وأجاب :
- في ايه ياصفوان هو انت مبتعرفنيش ولا ايه قولتلك ان الضربة كانت هتبقى في نص قلبه من ورا بس هو اتحرك فجأة وجت في كتفه ديه مش غلطتي وبعدين أنا كنت هرميه برصاصة تانية واخلص عليه تماما بس البنت اللي معاه فضلت تصوت وتنادي على رجالته كان لازم اهرب قبل ما اتقفش.
صمت للحظة ثم تابع مستدركا بخشونة :
- مش قولتلي انك متفق مع البت ديه توديه لمكان لوحدهم عشان اقدر اقتله من سكات اومال هي بقت تصوت وتعيط كده ليه.
- لاني مقدرتش اقنعها ومكنتش بتعرف اني هغتال ابن سلطان وهو معاها.
رد عليه صفوان متأففا بحنق من ابنة عمه الغبية وهو يفكر بأنه فشل في خطته بسببها لقد كان ينوي قتله وأخذها معه للمنزل لأنها أصبحت أرملة ولن يستطيع أحد إثبات اشتراكه في الجريمة ولكنه الآن عاجز عن فعل ذلك لأنه لا يستطيع إخراجها من تلك السرايا الملعونة وليس ببعيد أن تكون حكمت الآن تذيقها من المرار ألوانا معتقدة بإشتراكها معه في خطة اغتيال آدم.
إضافة إلى أن هذا الأخير لن يتوانى بعد استيقاظه عن البحث المستمر على القناص الذي أصابه حتى يجده وهنا ستكون كارثته الجسيمة حقا ... ليته لم يستعجل ودرس الأمور بتروي أفضل من الوقوع في هذا الموقف لكن ماذا يفعل لم يقدر على تهدئة نفسه خاصة وهو يرى حق عائلته ينتزع منهم للمرة الثانية.
زفر بنزق وقال :
- خلاص امشي انت دلوقتي وانا هبقى اكلمك بعدين ومتنساش تتخبى كويس مش عايزك تلفت الانتباه ليك عيلة الصاوي مش هتسيبك في حالك.
رمقه مليجي بإستهجان من جُبنه وخوفه وغادر البستان ليظل هو واقفا بمفرده ولم يدم ذلك طويلا حينما سمع صراخ مراد يصدع من خلفه :
- صـفـوان !!
انتفض واستدار اليه فينطلق تأوه متألم منه حينما استقبل وجهه لكمة من الآخر وترنح إلى الخلف يسبه برعونة :
- انت بتعمل ايه يالا اتجننت.
قبض مراد على تلابيب قميصه مزمجرا بعصبية :
- رجعت عملتها يا غبي رجعت تحاول تقتل آدم انا كام مرة نبهت عليك متعملش حاجة من غير ما ترجعلي ازاي تعمل كده وتغدر بيه ازاااي !
تفاجأ من هجومه ولم يكد يستوعب حتى تلقى لكمة ثانية مستمعا لتوعداته فزفر صفوان ودفعه صائحا :
- كفاية بقى ايه جو الأخلاق اللي بتعمله عليا ده انت مالك ومال آدم مش فاهم ليه مش عايزه يموت هو عدوك ولا صديقك انت عارف ان العمدة أعلنه خليفته فاهم ده يعني ايه ان كل جهودنا ضاعت ومحدش هيقدر يقف قصاده كان لازم اعمل الخطوة ديه.
وبعدين انت لو رديت على اتصالاتي من امبارح كنت هتعرف انا بخطط لـ ايه بس حضرتك بتحب تتجاهل مكالماتب يبقى متلومنيش لما اعمل حاجة من نفسي.
أطلق مراد مسبة من بين أسنانه وطالعه بقتامة متمنيا لو يخنقه الآن ويفصل روحه عن جسده هذا البغيض الأحمق الذي يظن نفسه ذكيا، لكنه تراجع فجأة وغمغم مقتضبا :
- مكنش لازم ارجع اتعاون معاك بعد ما طعنت آدم وحرقت بيت الهضبة من غير ماترجعلي لكن افتكرتك بني ادم ومش هتكرر الغلطة ديه تاني بس انا اللي طلعت غلطان.
رمقه بإزدراء واستدار ليغادر فمنعه صفوان الذي أمسك ذراعه موقفا إياه :
- استنى هنا فهمني انت ليه فكل مرة بتنفعل بالطريقة ديه اول ادم ما يتأذى مش حضرتك بتحاول توقعه في شغله وتعمله مشاكل مش فاهم انت عدو ابن سلطان ولا صديقه.
اكتفى مراد بالنظر إليه ببرود ظاهري ما جعل صفوان يكز على أسنانه ويضغط على حروفه المقتضبة متمتما :
- اول مرة سكت وقولت انك اضايقت عشان خوفت اوقعك في مشاكل لو اتكشف انك بتساعدني بس النهارده انا شايف غير كده وجه وقت تفهمني انت مين وبتساعدني ليه ومتضايق عشان آدم ليه طالما انت اللي عايز تؤذيه ؟!
نفذ ما تبقى لديه من الصبر فزفر وأبعده عنه بعنف متشدقا بحدة وتحذير :
- كفاية بقى أنا زهقت من غبائك ومش هرجع اتعامل معاك والمرادي ديه بجد وحط في بالك لو فلوسي اللي اديتهالك مرجعتليش هضمن متلاقيش تاجر او مستثمر تتعامل معاه من بعد كده ... ده لو عيلة الصاوي سابتك عايش لوقتها.
ثم تركه وخرج ينهب الأرض نهبا وهو لا يرر أمامه من شدة إنفعاله ركب في سيارته ولكم عجلة القيادة عدة مرات بسخط ألمَّ به حتى أحس بيده تنزف في نفس اللحظة التي رن هاتفه بها وأجاب مراد سريعا ليسمع الطرف الآخر يقول بنبرة جادة :
- احنا سألنا زي حضرتك ما قولتلنا يا بيه ووصلنا لمعلومات كويسة، آدم الصاوي بخير واتجاوز مرحلة الخطر نهائيا.
أغمض مراد عيناه مخرجا أنفاسه المحتبسة ثم أغلق الخط ودخل إلى المعرض كي يرى صور أعز إنسانة على قلبه وهي تحضنه وتبتسم بوهن، لطالما رافقتها هذه الإبتسامة التي لم تصل يوما إلى عينيها لطالما سمع نشيج بكائها الحار وشاهد دموعها التي تسيل كالوديان ثم كالعادة تخرج إليه راسمة دورها ببراعة، دور المرأة التي لا تحزن ولا تتعب ...
أصدر تأوها متألما نابعا من صدره وهمس بصوت تملؤه الحسرة :
- عيلة الصاوي دمرتنا وكملت حياتها وآدم مرحمكيش وحرمك من فرصة انك تتحسني وتعيشي بقية حياتك مرتاحة ودلوقتي انا جاي اطمن على حالته ومعرفش ليه بس اللي بعرفه انه مينفعش يخلص من العقاب بالسهولة ديه، الموت راحة ليهم وانا مش هريحهم !
__________________
صباح اليوم التالي ...
وقفت على رأس الرجال في منتصف الفناء بملامح صلبة تشع هيبة ووقارا وحادت بعينيها نحو فاروق الذي تقدمهم وقال :
- مقدرناش نعرف مين الراجل اللي حاول يقتل آدم بيه دورنا عليه في كل مكان بس ملقيناش أثر يدل ع وجوده يا حكمت هانم.
- يعني اختفى بسهولة بعد ما ضرب حفيدي بالنار وانتو مقدرتوش تلاقوه كأنه هوا مبيتشافش مش كده.
علقت على أعذاره بلهجة تقريعية حادة وهي تطرق عصاها على الأرض متابعة :
- آدم الصاوي وخليفة العمدة اتعرض لهجوم وبدل رجالته ما يحموه من الأول وهما عارفين ان ليه أعداء كتير لأ جابوه متصاب ومعرفوش مين السبب كمان ... فهموني انتو بتاخدو مرتبكم في اخر الشهر على ايه بالضبط ولا عشان حفيدي بيعاملكم كويس زي البني ادمين انتو هتفكرو انه متساهل بقى ومحدش هيحاسبكم على تقصيركم !
لم يجب عليها أحد من الرجال وأخفضوا رؤوسهم بذنب من عدم تأديتهم لمسؤوليتهم وخوفا من طردهم بينما بلل فاروق شفته ونظر إليها مختارا كلماته بعناية وهو يعقب :
- كلامك صحيح الحق كله علينا بس حاليا احنا بنعمل اللي بنقدر عليه عشان نلاقي اللي ضرب آدم بيه بالنار ومش هنرتاح غير لما نجيبه لتحت رجله.
تنهدت حكمت بشدة وأشارت للبقية بالمغادرة ففروا سريعا من بطش سيدتهم أمام هي اقتربت من فاروق وقالت :
- انا متأكدة أن ابن الشرقاوي ورا العملة ديه هو حب يخلص من آدم بعد العمدة ما أعلنه خليفة للمنصب بتاعه وبعت البلطجي بتاعه عشان يضرب حفيدي من ورا ظهره الجبان ده.
زفر بحقد تعاظم إتجاه ذاك الوغد الذي لا يكف عن المهاجمة غدراً بدل أن يتواجه مع غريمه بشجاعة وعقب عليها :
- فعلا وأنا متأكد ان صفوان عمل كده بس ازاي وامتى لحق يستأجر حد ويتفق معاه في ليلة واحدة ويبعته للمكان اللي احنا رايحينله ... إلا لو كان اتفق مع الراجل ده قبل العمدة ما يستدعيكم ويعلن قراره وفضله التنفيذ بس.
- وأنا بقول نفس الشي بردو صفوان كان مخطط من قبل ووقف يكلم نيجار امبارح في بيت العمدة والله اعلم كانو بيتكلمو فـ ايه الشياطين دول.
- حضرتك متأكدة أن بنت الشرقاوي مشتركة مع صفوان ممكن هو وقفها عشان يسأل عليها أو فعلا عرض عليها تساعده بس موافقتش.
قدم فاروق إحتمالا مترددا وهو يعيد في ذاكرته صراخ نيجار البارحة وكيف أنها كانت تبكي وتنوح باِنهيار لكن حكمت قضبت حاجبيها متشدقة بلهجة شديدة :
- و امتى العيلة ديه سألت ع بنتها من يوم جوازها محبكش يسأل عليها غير امبارح يعني وبعدين هي لو رفضت مشاركته في جريمته مكنتش هتجي تقول لـ آدم او على الاقل تحذره ولا تلمحله بس على العكس كانت متحمسة تروح معاه لدرجة انا استغربتها واهي النتيجة ... اللي خان مرة بيخون مليون مرة يا فاروق اوعى تضحك عليك بوشها الحنين ودموعها الكدابة بس وعدت نفسي من امبارح اني هخليها تنزل من عينيها دم بدل الدموع وهعمل كده.
همهم فاروق متضايقا من فكرة ان سيده ورفيقه تعرض لمحاولة القتل مرتين ومن نفس الفتاة التي أحبها يوما حسنا مؤكد انهم سيذيقونها العذاب ألوانا وهذا ما تستحقه هي.
ومع ذلك كان يعلم جيدا بأنه ليس على أحد التدخل ومعاقبة نيجار إلا آدم نفسه فقال برصانة محاولا إقناع حكمت :
- أنا بقول انه مينفعش نتعرضلها قبل آدم بيه ما يصحى حضرتك عارفة طبيعته هو مش هيحب حد تاني ياخد حقه خاصة انه اتغدر منها قبل كده فـ الأحسن نستنى البيه يصحى وهو بيعرف شغله معاها.
تقلصت ملامح حكمت بإستهجان وكادت ترفض لكن الآخر قاطعها بروية :
- حتى العمدة هيجي بعد شويا يطمن عليه وطبعا هيستجوب نيجار ويسألها عن تفاصيل الحادثة عشان يعرف مين الجاني ولو لقاها محبوسة تحت ساعتها القصة هتكبر وممكن يوصل لأصل الموضوع وآدم بيه يضايق.
تلكأت في وقفتها باِنزعاج ومع الأسف كان حديث فاروق منطقيا بالتأكيد آدم لن يرضى أن تكشف تفاصيل القصة ويعرف الجميع بما تعرض له ولن يعجبها هي أيضا ولهذا كانت مجبرة على تهدئة أعصابها لفترة معينة فتنهدت وتوجهت بخطوات متزنة للغرفة التي تقبع فيها نيجار وفتحت الباب بعنف ...
كانت هذه الأخيرة قد قضت الليل بطوله تنازع الظلام الدامس حتى لا تجن وروحها تحترق من شدة ما تعايشه خاصة رعبها على آدم وتخوفها من أن تسمع خبرا سيئا في أية لحظة.
وحين فُتح الباب وداهم الضوء القوي تلك الغرفة أغمضت نيجار عيناها بتلقائية وأبعدتهما عن مرماه قبل أن تشعر بظل أسود يرزح فوق فخمد تفاجؤها ورفعت رأسها تطالع حكمت التي وقفت تستند على الإطار وسرعان ما صدع صوتها وهي تأمرها بصرامة :
- قومي اقفي على رجليكي.
وبالفعل استندت على يديها كي تستطيع الوقوف لكن ليس لأن الأخرى أمرتها بذلك بل لأن نيجار تود الإطمئنان على آدم ولهذا تقدمت منها متسائلة بلهفة :
- آدم كويس هو عامل ايه دلوقتي والدكتور قال ايه ؟
- التمثيلية ديه محبوكة كويس بس مع الأسف مبقتش تنفع لأن خلاص وشك الحقيقي اتكشف من زمان وفري دموعك ديه لنفسك.
قرصها لسانها الاذع للجواب عليها بوقاحة لكنها تعلم بأنها ربما ستفقد فرصتها في رؤية آدم لو تجادلت معها الآن فمسحت دموعها بجلادة تناقضت مع هشاشة صوتها وهي تهمس بقوة :
- سبق وقولت ان انا مليش دعوة في حادثة امبارح لو عملتها كنت اعترفت بذنبي زي أول مرة بس انا مستحيل ارجع اعمل كده و اؤذي آدم تاني.
رفعت حاجباها باِستهانة وتمنت لو تقتلها في هذه اللحظة وتتخلص منها نهائيا بيد أنها أجلت رغبتها لحين آخر وأفسحت لها الطريق بيدها مشيرة إليها بالخروج :
- تعالي.
خرجت نيجار وهنا شهقت للهواء مستنشقة أنفاسها بعدما أوشكت على الإختناق واستدارت لحكمت التي تحدثت بثبات :
- انا طلعتك من هنا لأن العمدة هيجي بعد شويا يطمن على حفيدي وملازمش يشوفك محبوسة لاننا هندخل في مواضيع ملهاش داعي بس اتأكدي انك لو عملتي غلطة واحدة مش هصبر عليكي وهقتلك فورا .... امشي قدامي.
تجاوزتها حكمت وصعدت على الدرج وخلفها نيجار حتى وصلتا إلى الغرفة ففتحتها هذه الأخيرة بحرقة وتأملت آدم النائم على السرير بوجه شاحب وجسد واهن، سقطت عبراتها مبللة وجهها بقهر تفاقم عند رؤيته واقتربت تتلمس شعره وتحدث نفسها :
- أنا موجوعة اوي ومش عارفة ايه السبب طول الليل بفكر فيك وخايفة تكون اتأذيت والله انا مليش علاقة باللي حصلك ومبعرفش اذا صفوان كدب عليا لما قالي انه اتراجع واتهجم عليك ولا كان صادق وحد تاني غيره حب يقتلك ... الحمد لله انك بخير.
قطعت سيل أفكارها مجيء أم محمود هاتفة :
- الغفير بيقول ان العمدة ومراته في طريقهم لعندنا وشويا ويوصلو يا ست هانم.
همهمت حكمت بجمود وخاطبت نيجار بحدة :
- روحي استحمي وجهزي نفسك عشان تظهري بمظهر يليق بمرات آدم الصاوي مع انك مبتوصليش لظفر المقام ده بس احنا مضطرين نساير الأوضاع دلوقتي.
وبالفعل قامت بتنفيذ المطلوب منها ووقفت في الخارج مع حكمت تنتظران حضور الضيوف حتى فتح الباب ودخل العمدة برفقة زوجته رحبت بهما بحرارة وأشارت لفاروق بطرف عينها فحمحم وأخذ العمدة لغرفة آدم أما الزوجة فاِقتربت منهما ورددت :
- حمد لله على سلامة حفيدك يا ست حكمت.
اجابتها هي بلباقة :
- الله يسلمك يا هانم اتفضلي للصالة نعمل الواجب.
بعد مرور فترة نزل العمدة وقابل نيجار يسألها بهدوء :
- ازاي ده حصل كنتو فين لما آدم اتضرب بالنار وانتي شوفتي اللي عمل كده ولا لا
اضطربت قليلا لأنها تحدثه لأول مرة لكنها تجلدت وردت عليه بنبرة مسموع :
- كنا مع واحد بيسموه ابو جميل بعدين آدم قال انه هيروح يشوف الأرض اللي حضرتك وصيته عليها وفعلا روحنا هناك وفضلنا فترة قبل ما اسمع صوت رصاصة و الاقي ... الاقي آدم بيقع بين ايديا.
تحشرج صوتها إثر الغصة التي ضيقت حلقها على حين غرة وهي تتذكر المغطى بالدماء وفكرت بأنها إن تألمت بهذا الشكل رغم أنهم أسعفوه بسرعة فكيف كان حال آدم حينما طعنته في السابق وتركته يحترق بين النيران كيف كان شكله وهو يتألم عاجزا عن النهوض وإنقاذ نفسه.
ارتجفت يداها كعادتها حين تنفعل فضمتهما لبعض وأخفضت رأسها حتى لا تبين حالتها للعيان لكن العمدة لاحظها وقال بروية :
- الحمد لله انها جت سليمة ومقتلتوش زبإذن الله الفاعل هيتكشف وياخد جزاه ... صحيح صفوان وبقية عيلتك مجوش يطمنو عليكم خاصة انك كنتي مع آدم وقت الحادثة ؟
تلكأت في وقفتها وضغطت على شفتها مرتبكة وزاد خفقان قلبها حين فكرت بأن العمدة سيكتشف كل شيء الآن فلاذت بالصمت بينما ابتسمت حكمت بتشفي وصمتت مكتفية برؤية توتر نيجار وكيف ستنقذ ذاتها من المأزق الذي وقعت به ...
وفي هذه الأثناء دق الباب ودلف الغفير مرددا :
- في ضيوف جم يا ست هانم.
- مين دول ؟
تساءلت حكمت بإستفهام تحول إلى صدمة وقد مادت الأرض بها بغتة وهي ترى آخر من توقعت وجودهم الآن ... صفوان وبقية أفراد عائلة الشرقاوي !
اتسعت عينا نيجار بذعر وتضايقت أنفاسها بشدة حين ابتسم هو وردد بصوت واثق :
- السلام عليكم ... انا جاي علشان اطمن على جوز اختي ألف سلامة عليه !
__________________
ستووب انتهى البارت
رايكم بيه هل توقعتو حكمت تتهم نيجار وتحبسها وهل نيجار هتقدر تبرئ نفسها ؟
للمرة التانية مراد وصفوان بيتواجهوا عشان آدم قدرتوا تستشفوا اي طرف يبين علاقته مع عيلة الصاوي ؟



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close