رواية لعنة الخطيئة الفصل العشرون 20 بقلم فاطمة احمد
الفصل العشرون : اِضطرام.
________________
بعد تسليم الشحنة الأخيرة لهذا اليوم خرجت من بساتين الصاوي وامتطت فرسها راكضة به نحو بستان عائلتها وحين وصلت دخلت للمستودع الذي كان صفوان جالسا فيه يدخن سجائره وقالت بعملية :
- احنا خلصنا تسليم النهارده عربيات النقل جت وخدت صناديق الفواكه بتاعتنا ورجعت نقلت صناديقهم.
أصدر همهمة بسيطة مطالعا السيجارة وقد قاربت على الإنتهاء حتى ألقاها أرضا وداس عليها ثم نهض واقترب من نيجار بملامح مكفهرة جعلتها تسأله بإمتقاع :
- مالك في ايه.
- عايز اتكلم معاكي بخصوص الشغل في بساتين الصاوي.
تنهدت بملل وردت مقتضبة :
- نتكلم فـ ايه هترجع تقولي انه مكنش ينفع انا اخد الشغل والمفروض راجل يشتغل بدالي ؟ مفيش داعي لأسطوانة كل يوم كده كده بكره آخر شحنة ومش هيرجعو يشوفوني ولا أنا أشوفهم.
ابتسم صفوان بريبة وحاوط كتفاها ليقول بروية :
- متقلقيش أنا مش هقولك الكلام ده خالص على العكس زعلت لان مدة شراكتنا مع عيلة الصاوي هتخلص بكره ده انا نفسي تفضلي كام يوم كمان.
قطبت نيجار حاجباها وتأملته مفكرة في أنه ربما يكون مخمورا فتأففت مبرطمة بنزق :
- انت شكلك فايق النهارده بس أنا مليش مزاج لحكاويك هخلص اللي فـ ايدي وامشي.
لكن الآخر منعها من التحرك إنشا وأعادها لتقف أمامه وقال :
- انتي عارفة ايه اللي عملته عيلة الصاوي فينا وازاي سرقو مننا حق الزعامة والعمودية مش كده ... وعارفة ان ابن سلطان مترشح لمنصب العمدة وهو أكبر منافس ليا مش كده.
- أيوة عارفة.
- وحكيتلك انه هيعمل صفقة مع العمدة والتجار وخد مسؤولية كبيرة عليها ولو اتحملها ونجح في المهمة ساعتها احنا هنرجع لنقطة الصفر وتضيع فرصتنا صح.
- اه قولتلي عليها مش ديه اللي بتخص سبايك الدهب ؟
سألته مستفهمة بعدما لفت إنتباهها حول الصفقة التي أثارت جنونه منذ أيام حين علم بها وطفق يصرخ بعصبية لأن العمدة اختار آدم بدل أن يختاره هو فأجابها صفوان بلهجة صريحة :
- أيوة هي الصفقة ديه كبيرة وبتكلف ملايين وزي ما قولتلك احنا هنخسر كتير لو آدم نجح فيها علشان كده أنا مخطط ابوظها واحطه في موقف صعب ومشاكل ملهاش نهاية ... عايز اسرقهم.
شهقت نيجار وجحظت عيناها بدهشة مرددة جملته بخفوت لتستوعبها قبل أن تعود وتقول :
- تسرق ايه انت عايز تودي نفسك في داهية فاكر القصة لعب عيال يعني ! بلاش هبل واقصر الشر انت مش قدها.
تغيرت تقاسيمه للغضب بعدما قللت منه وتشدق معترضا :
- لا أنا قدها وقادر اعمل كده وانا مش لوحدي أصلا في واحد اتعرفت عليه من فترة وعرض عليا المساعدة ونتقاسم الربح.
- مين ده اوعى يكون بيضحك عليك.
- لا ده سمسار معروف وليه علاقات كبيرة في مجال التجارة وبيعرف تفاصيل الصفقات ولو قدرنا نسرق الدهب هنبقى كأننا طولنا السما بس لازم اعرف هيحطوهم فين الأول وانتي هتساعديني.
- أنا اساعدك ! ازاي يعني.
تمتمت نيجار بعدم فهم وكررت السؤال عليه حين شرد للحظات فـاِستفاق ومد يده يملس على شعرها ممهدا للقنبـ.لة التي سيفـ.جرها بعد قليل :
- عايزك تسمعيني من غير ما تقاطعيني بصي أنا لاحظت من فترة ان ابن سلطان منجذب ليكي هو متكلمش ولا حاول يقرب منك بس لاحظت نظراته ناحيتك وحاسس أنه معجب بيكي.
امتقع وجهها وعقبت ساخرة :
- آدم معجب بيا وبيبصلي كمان ؟ ده واحد عليه كتلة برود فظيعة وبيفوتش فرصة يغيظني فيها وفكل مرة بيحسسني انه هو الطرف الأقوى في الشراكة ديه انت غلطان.
زفر وطرق على رأسها موضحا لها بإصرار :
- مش غلطان أنا راجل زيه وبفهم الحركات ديه كويس ولو حسيتي أنه بيعاملك ببرود فده لأن طبيعة آدم عامله كده اكيد مش هيجي يعاكسك ويرميلك كلمتين من الشارع زي الشباب اللي كنتي بتشوفيهم في المدينة.
- اوف هعتبر ان كلامك صحيح طيب المفروض اعمل ايه يعني.
- تحاولي تتقربي منه وتسحبي الكلام من لسانه اتعاملي معاه بشخصيتك عشان يرتاحلك وممكن تعرفي تسمعي اي كلمة كده ولا كده من رجالته.
رفعت حاجبها بإستنكار منه وعلقت :
- انت بتطلب مني اتقرب من راجل ومين هو ابن عدونا انت شكلك اتهبلت في دماغك انا همشي واسيبك.
تأفف صفوان وسحبها إليه مجددا متكلما بصلابة :
- يابنتي مبقولكيش اتجاوزي الحدود معاه أنا بقولك تكلميه اسبوع ولا اسبوعين بس وأول ما تقدري تاخدي معلومة تفيدنا سيبيه.
- بس هو راجل صعب وبيتكلم بالعافية ازاي هقدر أعمل كده معقوله يجي يحكي لبنت عم عدوه عن تفاصيل الصفقة بتاعته !
- مش هتخسري حاجة لو حاولتي يا نيجار رجاء ديه فرصة عشان ننتقم لعيلتنا وناخد حقنا ومش هتتكرر ... متنسيش أن أبوكي وعمك كانوا الأحق بأنهم يورثوا المنصب من جدي ربنا يرحمه بس عيلة الصاوي سرقت مننا الحق ده.
نزلت كلماته كحمم من نار على قلبها واستطاع تنمية الحقد في قلبها والرغبة في الانتقام وإنتزاع ما أُخذ من عائلتها لتتنهد وتنظر له بعينين ملتهبتين وهي تردد :
- تمام ... أنا هعمل كده )
** عودة إلى الحاضر.
- أنا جاي اطمن على جوز أختي ألف سلامة عليه !
وقفت نيجار متسمرة من هول المفاجأة ورمشت بعينيها دون استيعاب وهي ترى صفوان يقترب من العمدة وحكمت مغمغما بجدية :
- أنا سمعت بالحادثة امبارح بليل وحبيت اجي اطمن على آدم بس قلت يمكن الوقت مش مناسب واستنيت الصبح يطلع عشان ازوره.
تنهد فاروق بحقد وتحرك ليذهب ويخنقه لكن حكمت أشارت له بعينيها بأن يتوقف ولا يقدم على فعل شيء متهور ثم حادتا نحو هذا الأخير هاتفة بوقار :
- فيك الخير وأهلا بيكم في سرايا الصاوي.
كتم ابتسامة ساخرة واستطرد مدعيا القلق :
- طمنوني آدم عامل ايه عرفتو مين عمل فيه كده أنا مستعد ادور معاكم عشان تلاقوه بسرعة.
حدقت فيه ببرود وأجابته بينما ترى جميلة وسلمى تتكلمان مع نيجار :
- حفيدي بخير ماشاء الله عليه قوي ومبيقعش من حركات الغدر ديه.
تابع العمدة بجدية :
- احنا بندور ع الجاني وهنلاقيه بإذن الله ساعتها محدش هينجده مني هحرص ع انه ياخد آخر أنفاسه بين ايديا.
لم يبدُ على صفوان التأثر بهذا التهديد المبطن كأن الأمر لا يعنيه بل أومأ برأسه بتأكيد مردفا :
- وأنا مع حضرتك اللي عملوه مبيتسكتش عنه ولازم ياخدو جزاتهم عموما انا كمان هتابع الموضوع معاكم يعني مهما كان مابيننا زمان دلوقتي الوضع اختلف وآدم بقى جوز اختي وحاله مش هيهون عليا.
- ربنا يجيب اللي فيه الخير المهم أنا هستأذن منكو وارجع للشغل المتراكم، حمد لله على سلامة آدم هو قوي ولحمه مر متأكد انه هيتحسن بسرعة يلا السلام عليكم.
ودعهم العمدة بهذه العبارات ورحل مع زوجته ليظل البقية في مواجهة بعضهم فتركت نيجار زوجة عمها وسلمى واقتربت من صفوان هامسة بتوتر :
- انت بتعمل ايه هنا امشي اطلع برا.
سمعتها حكمت وتلفظت بنبرة تمتلك من القوة والفطنة الكثير :
- يمشي ليه يابت الشرقاوي معقوله يطلع من غير استقبال واحنا معروف عننا الكرم وحسن الضيافة مهما كانت طينة الضيف.
سرقت دهشة لحظية من عيني صفوان الذي رشقها بنظرات متعجبة من ردة فعلها وهو الذي توقع بأنها ستطرده شر طردٍ ما إن يوليهم العمدة ظهره لكنها على عكس ظنه قابلته حكمت بهدوئها المعتاد وأشارت لهم كي يدخلوا لصالة الإستقبال وكل هذا تحت توجس نيجار واحترازها مما تنوي هذه السيدة فعله.
قدمت لهم الخادمة أصول الضيافة وجلست نيجار جوار زوجة عمها على الأريكة وهمست :
- انتو جيتو ليه بتعملو ايه هنا مش عارفين ان الست ديه مش هتعمل حاجة خير لما تشوفكم قدامها.
تنهدت جميلة مجيبا باِمتعاض :
- صفوان أصر اننا نجي نعمل الواجب بيقول انه مش هو السبب ومحاولش يغتال ابن سلطان بس أنا مقدرتش اصدقه ... قوليلي الحقيقة انتو الاتنين اتفقتو سوا عشان تعملو كده امتى وفين.
توسعت عيناها بدهشة لأنها هي أيضا تظنها الفاعلة وتساءلت بداخلها ان كانت أمها بالرضاعة تنظر اليها بهذا الشكل اذا كيف سيراها آدم وجدته ، زمت شفتيها بضيق وفتحت فمها لتجيب لكن جميلة قاطعتها وهي تهتف بصوت مسموع موجهة كلماتها إلى حكمت :
- آدم بمثابة ولدي ويعلم الله اني مبتمنالوش إلا الخير يا ست هانم انا اتصدمت لما سمعت الخبر خوفت عليه وعلى نيجار بعد ما عرفت انهم كانوا مع بعض ...الحمد لله اللي جت سليمة قدر ولطف.
وافقتها الأخرى الرأي وهي تجلس مقابلة لها تتفحصها بعينيها المكحلتين :
- الحمد لله هي الدنيا كده محدش بيعرف فيها ايه ممكن لي نايم النهارده يصحى بكره وممكن لي صاحي وبيمشي ع رجليه دلوقتي بكره يدخل لقبره.
أصاب تلميحها الهدف المنصوب واضطربت جميلة خوفا وقلقا بينما ابتسم صفوان مرتشفا من كوب الشاي أما سلمى ازدردت لعابها بتوتر متمتمة :
- انا خايفة تحصل حاجة يا نيجار اتصرفي ارجوكي.
رغم ارتجافتها وتصوير عقلها لعدة خيالات كل واحد منها أسوء من الآخر إلا أنها استجمعت قواها مبرطمة بنبرة حاولت أن تقنعها هي قبل إقناع ابنة عمها :
- متقلقيش حسب معرفتي بحكمت هانم هي مش هتعمل حاجة طالما لسه قاعدين جوا بيتها خاصة ان العمدة شافكم وانتو داخلين ... بس مبقدرش اقول نفس الكلام لو خرجتو برا حدود عيلة الصاوي.
هتفت بالجملة المتشائمة دون شعور منها فرفعت سلمى شفتها مهمهمة :
- ريحتيني اوي متشكرة.
تنهدت بإعياء وتمنت لو تستطيع الذهاب إلى آدم الآن والإطمئنان عليه لكنها تعلم بأن حكمت لن تسمح لها وغالبا ستحبسها مجددا بعد مغادرة عائلتها والله وحده يعلم عن أي تراهات ستقولها لحفيدها عند استيقاظه.
بيد أن هذه الأخيرة قطعت سيل شرودها وهي تخبرها بأن تجلب الصينية المتبقية من المطبخ فذهبت سريعا تجهزها وأعطتها لأم محمود لتأخذها بدلا عنها وقالت محدثة نفسها :
- انا هستغل الفرصة واطلع اشوفه ممكن يصحى ويعوز حاجة وميلاقيش حد جمبه.
خطت بسرعة خارج المطبخ وبمجرد تجاوزها العتبة وجدت يدا تسحبها من ذراعها فاِنتفضت ونظرت لصاحبها لتجده صفوان الذي رشقها بنظرات مستهينة مشيرا لها بالصمت وكاد يتحدث لكن حروفه الأولى تجمدت بين شفتيه حين عاجلته نيجار بصفعة قوية أردت وجهه للجهة الأخرى !
أغمض عيناه كاتما شتيمة لاذعة بداخله ثم رشقها بتطليعات جامدة مغمغما :
- ديه تاني مرة بتعمليها.
شدد قبضته عليها وجذبها ناحيته بعنف مستطردا بقتامة :
- وفي المرتين رزعتيني قلم عشان ابن سلطان اللي متلقح ع السرير دلوقتي.
أجابته نيجار بنفس النبرة وهي تحدق في عينيه مباشرة :
- لأنك في المرتين ضحكت عليا وخليتني بيدق بتستعمله لمصالحك في الأول خليتني اضرب آدم بخنجر وانت عارف انه مسموم وهيقتله وولعت في بيته وامبارح ضربتوه بالنار غدر وكنتو هتقتلوه وبردو انا كنت موجودة معاه وممكن يصدق اني اتفقت معاك علشان نقتله ... انت قولتلي انك اتراجعت ومش هتنفذ خطتك بس كدبت عليا.
زفر صفوان بضيق هامسا :
- بس انا بجد معملتش كده ومقربتش ناحيته خالص.
- بطل كدب.
- مش بكدب عليكي لو انا حاولت اقتله فعلا كنت هعترف زي ما اعترفت اول مرة ومأنكرتش بس المرة ديه أنا مليش دعوة فعلا !
برطم بلهجة حاول جعلها مقنعة قدر الإمكان كي تصدقه فاِضطربت نيجار بتشتت ولانت ملامحها قليلا دون أن تتخلى عن الحدة في صوتها وهي تستفهم :
- اومال مين عمل كده غيرك أنت اللي اقترحت نقتله يوم السفرية وفعلا في اليوم ده حاولوا يغتالوه لو مكنش انت هيبقى مين يعني انت عايز تجنني !
- مش انا الوحيد اللي بكرهه يا نيجار لأن في ناس كتيرة كانت بتطمح لمنصب العمدة وبتتمناه لنفسها فـلما سلمه هو لآدم حقدوا عليه وحبو يتخلصو منه.
راقبها صفوان وهي تقطب حاجبيها وتحرك حدقتيها من حولها كعادتها حينما تكون مترددة أو محتارة بشيء ما وأدرك تأثيره على أفكارها حتى لو لم يستطع جعلها تقتنع كليا لكن يكفيه ألا تكرهه وتفقد ثقتها به حين تتأكد من تورطه في محاولة الإغتيال.
فهو لاحظ انها بدأت بالميل ناحية آدم وإن تعلقت به هذه الغبية أكثر لن يكون الأمر بصالح صفوان ولن يقدر على استغلالها ضد عائلة الصاوي نهائيا.
تنفست نيمار بعمق وقد داهمها الصداع فأفلتت نفسها من قبضته مهمهمة :
- مش عارفة افكر كويس ولا اصدقك او اكدبك بس لازم تمشي مع اختك ومرات عمي قبل حكمت ما تعملهم حاجة أما انا هطلع لفوق دلوقتي.
همهم مستهجنا منهت وعقب بسخرية لم يتحكم بها :
- رايحة تطمني على حبيب القلب وتؤدي واجباتك الزوجية مش كده بس تصدقي دور الزوجة ده لايق عليكي اوي.
مطت شفتيها وتأففت وهي تتركه لتصعد إلا أنهما استمعت لصوت حكمت الصادر فجأة وهي تسأله بجمود :
- خير انت ضيعت طريق الحمام ولا ايه.
التف لها ورآها واقفة تحدق بهما بينما تقرع بعصاها عدة مرات على الأرض ليجيب :
- أيوة ونيجار كانت بتوريهولي ... بيتكم كبير اوي والواحد بيضيع جواه.
- علشان كده ملازمش يدخل في متاهة فاكرها سهلة ويضيع نفسه فيها.
اكتفت بالرد عليه بجملة مبهمة فهمها صفوان وأومأ مبتسما باِصفرار قبل أن يستأذن ويأخذ عائلته مغادرا.
وحين كاد يفتح باب سيارته قابله فاروق مطالعا إياه بغل واضح فتنحنح الآخر مستفهما :
- خير انت جاي لهنا ليه.
رد عليه مباشرة ودون أن يرمش :
- بتعمل جريمتك وبتجي بعدها تلعب دور الانسان الصالح عشان محدش يشك فيك، لعبة رخيصة بس جديدة عليك احسن من الهرب زي عوايدك، وعموما ده آخرك انك تستنى خصمك يغفل وتضربه من ورا ظهره وتجري تتخبى.
استمع له بصمت ثم لعق شفته السفلية وعاد يغلق باب السيارة مقتربا من فاروق بخطوات هادئة حتى وصل إليه وتنهد مرددا :
- تعرف ايه هي اكبر مشكلة بتصادف بعض الناس انهم مبيعرفوش حدودهم اللي مينفعش يتجاوزوها يعني الواحد منهم اول ما يلاقي شخص أعلى منه عامله معاملة زي البني ادمين بيقوم يصدق نفسه وينسى مستواه الحقيقي لا وبيفكر انه خلاص بقى واحد من الأسياد وده كله ليه ؟
لأن سيده قعده معاه ع نفس السفرة بس الحق على ابن سلطان لأنه بيحب يلعب دور الحنين لي مبيفرقش بين الخدام و البيه واهي النتيجة.
تشدق بألفاظ مهينة قصد تجريده من كرامته وإظهار قيمته الحقيقية له بَيد أن فاروق الذي لطالما عُرف بصلابته لم يتأثر قيد أنملة بل اكتسبت ملامحه الجمود وهو يرد عليه بكلمات موجزة :
- ملهاش دعوة بالمستويات يا "بيه" لأن في ناس مهما تغطت بالدهب هيفضل معدنها رخيص وميسواش قرش واحد وحضرتك أدرى.
ضربت جملته صميم صفوان الذي اتسعت عيناه بنقمة وأوشك على مهاجمته لكن فاروق لم يمهمله الفرصة حيث ألقى عليه نظرة مستهينة وتركه فشتمه بصوت منخفض هامسا :
- هيجي يومك انت كمان يا كلب عيلة الصاوي وساعتها هتعرف كويس مين اللي معدنه رخيص ومين لي معدنه غالي.
***
بمجرد مغادرتهم وقفت نيجار أمام حكمت وتشدقت بجدية :
- بما أنك بتقولي ع صفوان انه هو لي حاول يقتل آدم يبقى ايه لازمة تستقبليه في البيت من شويا.
- انتي هتقوليلي اعمل ايه في بيتي ؟
- لا خالص بس أنا مش فاهمة حضرتك بتعملي ايه بالضبط من ناحية بتهددي وتتوعدي ومن ناحية تانية بتستقبلي أعدائك وبتعامليهم كويس ولا كأنهم احبابك انتي بتخططي لـ ايه.
تساءلت نيجار بحيرة حقيقية فهي لحد الآن لا تفهم تصرفات السيدة ولا تستوعب هذه الدبلوماسية التي تتصرف بها ومدى قدرتها على التحكم في غضبها وحقدها ناحية أشخاص محددين.
لقد كانت تتوعد لها ولعائلتها البارحة فقط وحين رأتهم أمامها اعتقدت بأن الحرب ستشن في تلك الدقيقة إلا أن حكمت نجحت في ادهاشها ككل مرة وجعلتها تستغرب من شخصيتها الداهية وبذات الوقت تفاقم احترازها منها لكونها لا تقدر على توقع حركتها المستقبلية.
بينما ناظرتها الأخرى ببرود وأوشكت على التكلم لكن ليلى التي استيقظت بعد نومها المتأخر بسبب بقائها ساهرة طوال الليل وقفت أعلى السلم وصرخت بعصبية عند رؤيتها للمرأة التي خدعت شقيقها وطعنته :
- الخاينة ديه بتعمل ايه هنا !
نزلت ركضا وحاولت التهجم عليها فمنعتها حكمت لكنها لم تصمت وتابعت بينما تتململ بين يدي جدتها كي تتحرر :
- وكمان كان ليكي عين تبصي في وشنا وتتعاملي بشكل طبيعي ودلوقتي واقفة هنا ولا كأنك السبب في اللي حصل لأخويا.
هدرت حكمت بهدوء :
- كفاية يا ليلى.
تنهدت نيجار وقالت معترضة :
- معملتش لآدم حاجة ايوة غلطت من قبل وأذيته بس بجد المرة ديه مليش دعوة باللي حصل.
- انتي لسه بتتكلمي اخرسي !
صلحت ليلى بهياج متابعة :
- وانا اللي كنت مضايقة لأن تيتا بتعاملك بالطريقة ديه وصعبتي عليا دلوقتي عرفت ان عندها حق واللي عملته فيكي قليل أصلا لأن اللي زيك بتستاهل تموت ياريت اتحرقتي مع صورك والزبالة بتاعتك في اليوم إياه.
أظلمت عينا نيجار وتوحشت ملامحها بإستنفار للكلمات التي أُلقيت عليها فهمَّت برد الصاع صاعين لها إلا أنها توقفت مكانها مستدركة بأن لليلى الحق الكامل فيما تفعله وتقوله لا بد أن حكمت أخبرتها بالحقائق وهاهي أصبحت تكرهها مثل البقية.
بقيت صامتة تنتظر سكون موجة الغضب هذه حتى صرخت الجدة بصرامة :
- قولت كفاية يا ليلى أنا عارفة كويس انتي حاسة بـ ايه دلوقتي ومش هتكرهي البت ديه أكتر مني بس استني لحد ما اخوكي يصحى وهو هيعمل شغله معاها احنا كده كده مش هنسيب عيلة الشرقاوي متهنية ولا هنسكت عن حقنا.
زفرت نيجار بإعياء مفاجئ هادرة :
- أنا قولت اني مليش دعوة ومتفقتش مع حد عشان اؤذي آدم انا زيي زيكم اتفاجأت من الهجوم وخوفت لما لقيته واقع قدامي.
التفت حكمت وغمغمت بحدة :
- مادام ملكيش دعوة يبقى انتي كنتي واقفة مع ابن عمك بتعملي ايه فليلة العزيمة واتكلمتوا فـ ايه بالظبط واشمعنا حفيدي اتصاب مباشرة بعد ما انا اتصلت بيه وقولتله ع لقائكم.
اضطربت وتلكأت في وقفتها متوترة وهى ترى الأخرى تواجهها بالسؤال مباشرة وقد أدركت أن آدم علم من جدته بشأن اللقاء وغضب منها لهذا السبب فرمشت بعينيها مبرطمة :
- آدم أوْلى بالرد هطلع لفوق واستناه لحد ما يصحى واحكيله ع كل حاجة بنفسي.
سخرت منها حكمت معقبة :
- ايه الذكاء ده هو انتي فاكرة هسمحلك تشوفيه أصلا ... في أحلامك.
أشارت للغفير بحركة من اصبعها ففهمها وسحب نيجار للغرفة التي كانت بها وأغلق عليها لتصرخ بخنق وتضرب الباب عدة مرات بعصبية حتى وهنت ساقاها وأصبحتا كخيط من الهلام الرفيع وعجزت عن الوقوف أكثر فجلست على الأرضية الصلبة وغفت دون شعور منها ...
________________
فتح عيناه المثقلتان بصعوبة استجابة لتلك الضوضاء المحيطة به وقد انتشلته من إغمائه ... ألم ضاري هتك بالجزء الأيسر منه وتعسرت له أنفاسه ثم ذكرى باهتة استنار بها عقله قبل أن تشتد الضجة ويصله صوت رجولي يهتف بلهفة :
- آدم بيه صحي.
تأوه رازحا تحت عمق الألم المستمد من ظهره فظهر له وجه جدته من خلف أغشية عينيه التي بدأت تنقشع شيئا فشيئا وهدهده صوتها الرخيم :
- ابن الغالي انت كويس يا حفيدي حاسس بـ ايه ؟
- ستي.
تأوه مجددا وهو يميل على جانبه الأيمن ورفع يده يتحسس موضع الألم الصادر من خلف كتفه الأخرى فاِندهش حين تلمس الشاش الذي غلفها وامتد لغاية صدره ملتفا حول ظهره أيضا فهمس بتحشرج :
- ايه اللي حصل وليه ...
وانقطعت كلماته عندما هاجمته الذكريات واحدة تلوَ الأخرى بداية من سفره ثم ذهابه لمكان منعزل نسبيا عن القرية ... شجاره وصراخه عليها ... ثم سهم من نار يغرزه من الخلف ويوقعه أرضا ... وأخيرا استسلامه للموجة السوداء مستمعا لصراخها بإسمه ودموعها المنسكبة على وجهه ...
انتفض بتفاجؤ وقبل أن يبدأ بالسؤال وجد نفسه يغمر في حضن شقيقته الباكية التي كانت تقبله مرددة عبارات الشكر لأنه استيقظ فاِبتسم بصعوبة ومد يده يمسح دموعها هاتفا بصوت خفيض :
- انا كويس يا حبيبتي ... متعيطيش كده.
- حمد لله على السلامة يا آدم بيه ... حضرتك اتعرضت لهجوم و حد ضربك بالنار بس كويس ان الرصاصة مصابتش القلب.
قالها فاروق بعدما رأى الحيرة تكتسي ملامحه لينظر إليه الآخر متسائلا :
- لقيتو اللي عمل كده.
أجابت جدته هذه المرة :
- ملقيناهوش بس احنا عارفين كويس مين اللي خطط لقتلك.
أغمض عيناه بشدة مدركا قصدها ونطق إسمها دون شعور فاِمتقع وجه ليلى عند ذكرها وتمتمت بكره أهوج :
- الحقيرة ديه هي السبب في اللي حصلك يا ابيه هي حاولت تقتلك لتاني مرة وانت لازم تخلص عليها.
لم يجب عليها واكتفى بالشرود فحمحمت حكمت متمتمة :
- الكلام ده مش وقته سيبي أخوكي يرتاح وهنبقى نتكلم في المواضيع ديه بعدين.
أومأت موافقة على مضض ودلك آدم جبينه مرددا :
- انا نايم من امتى.
- من امبارح المسا الطبيب حقنك بمنوم قوي عشان تقدر تنام من غير وجع.
- وهي فين دلوقتي ؟
- في القبو.
سأل عن مكان نيجار وأخبره فاروق محترزا ليزفر آدم ويطلب منهم تركه يرتاح لأنه متعب وهذه لم تكن الحقيقة بالطبع لكنه كان يريد البقاء بمفرده وبمجرد خروجهم طحن ضروسه بغضب أهوج واشتعل قلبه حقدا إتجاهها وهمس :
- رجعتي عملتيها تاني رجعتي تطعنيني وانتي باصة في عينيا يعني بليل نايمة في حضني والصبح بتتفقي مع عدوي عشان تقتلوني انتي جنس ملتك ايه بالضبط عمري ما شوفت أسوء منك بس المرة ديه مش هفكر في منصب ولا اسم المرة ديه هاخد بتاري منك انتي والـ*** ابن عمك.
** بعد مرور ساعات.
أبعد صينية الطعام التي أجبرته جدته على إنهائها ووقف أمام المرآة محاولا وضع دعامة الكتف بنفسه لكن الألم صاحبه مجددا وهنا طُرق الباب ودلفت حكمت لتهتف باِستهجان حين رأت ما يفعله :
- انت بتعمل ايه المفروض تكون ع فرشتك دلوقتي.
أجابها بعدم اكتراث وهو لا يزال يحاول تركيب الدعامة :
- مش كفاية فضلت نايم من امبارح متعودتش افضل قاعد في الاوضة لوقت طويل كده وبعدين لازم افوق وأحاسب كل واحد اتسبب في حالتي ديه عشان يعرفو انه مش سهل حد يلعب مع آدم الصاوي.
تنهدت ودنت منه لتساعده بينما يتابع هو ببغض :
- كل لما افتكر اني اتصبت مرتين من الحيوان ابن الشرقاوي بحس دمي بيتحرق وبيزيد حقدي عليهم غدر بيا من تاني بدل ما يواجهني راجل لراجل بس هو ده طبع صفوان طول عمره جبان وبلا شرف لكن أنا هوريه العداوة الحقيقية بتبقى عاملة ازاي.
حدقت فيه حكمت مباشرة ورددت بنبرة جادة :
- متتهورش دلوقتي وتقلب الموضوع علينا خلينا نلاقي دليل الأول ونوريه للعمدة.
- لسه هستنى دليل ماهو واضح ان صفوان ورا اللي حصل ومش بعيد يكون بيخطط ازاي يهرب دلوقتي أساسا من كتر حقده عليا هيجي يتفاخر بجريمته قدامي.
- للأسف صفوان عرف يتصرف المرة ديه ومأظهرش خوفه ولا حقده ده كان عندنا النهارده الصبح وقت جه العمدة عشان يطمن عليك.
- نعم ؟ مش فاهم مين اللي كان عندنا ؟!
صاح آدم بصدمة وذهول غير مصدق لما يسمعه وظهرت بوادر الجنون على وجهه وهو يتخيل بأن أكثر وغد لي الحياة وطأ بيته بقدمه النجسة فتصلب جسده واحمرت عيناه بعصبية مغمغما :
- حضرتك مستوعبة بتقولي ايه ازاي تسمحوله يدخل وأنا متلقح ع السرير ومش قادر أقوم هو جه يعمل ايه وقالكم ايه !
قابلت إنفعاله بجمود وأجابته :
- جه ع أساس يزورك ويطمن على حالتك وقال ايه مصدوم من محاولة الإغتيال ومستعد يدور معانا ع الجاني.
- مضربتيهوش برصاصة في نص دماغه ليه أو على الأقل كنتو كسرتو عظامه الواطي !
- وهو ده اللي صفوان خططله كان عايز يظهر نفسه بريء وبيعمل الواجب ويطلعنا احنا الوحشين اللوم يتحط علينا وقت نهاجمه خاصة قدام العمدة وأنا فهمت نواياه من أول نظرة وعرفت اتصرف.
أسكتته بمنطقيتها ووجهة نظرها التي دائما ما تكون صحيحة فزفر بخنق متمنيا لو قام بقطع قدمي ذاك الوغد قبل أن يدوس عتبة الباب فهو لا يصدق أن الأحمق أصبح ذكيا ويجيد التلاعب مع كافة الأطراف من أخبره بلعب هذا الدور ومن يساعده في تحقيق مراده ... ترجم دواخله على شكل سؤال همسه بصوت منخفض فسمعته حكمت وقالت :
- فعلا الأفكار ديه غريبة ع صفوان يعني امتى لحق يخطط وينفذ ويعمل خطة احتياطية ولا كأن في حاجة توقفه واضح أن اللي بيساعده واحد ذكي وعارف طبيعة عيلتنا.
- قصدك ع نيجار صح.
تلفظ إسمها بنبرة قاتمة وتابع بشرود بعدما أفلتته جدته، وهو يتذكر انهيار نيجار حين أصيب :
- مش عارف اذا فعلا هي اتفقت مع ابن عمها ولا لأ حاسس بالشك في الموضوع ده.
- وشكك ده نابع من ثقة فيها ؟
هز رأسه نافيا على الفور :
- طبعا لأ انا مبثقش فيها ومتوقع الغدر منها في أي لحظة بس يعني ... لو صفوان متفق معاها يبقى كانت هتساعده فـ ايه بالضبط ديه محاولتش توديني لمكان من نفسها أو تخليني اغفل ومشوفش مين واقف ورايا على العكس كانت طول الوقت قاعدة مع الست أم جميل بعيد عني وأنا اللي قررت اروح للأرض في الوقت ده مش هي خدتني ليها.
وقفت حكمت تدقق في كلماته ولم تستطع للحظة معرفة إن كان تحليل آدم الآن نابعا من التفكير بمنطقية حقا أو أن قلبه بدأ بالخفقان نحو تلك الخبيثة مجددا ولهذا هو يدافع عنها.
كزت على أسنانها بعصبية لم تبينها ووجدت طريقة واحدة للتأكد مما تود معرفته فحمحمت وهتفت برصانة :
- اه ممكن ليه لأ اينعم صحيح بت الشرقاوي كانت واقفة مع صفوان لوحدهم في بيت العمدة والاتنين خايفين من ان حد يشوفهم بس ممكن كان بيطمن عليها ولا بيتكلموا في اي حاجة تانية.
حتى لما وقف معاها النهارده الصبح وكان بيقولها انه استأجر واحد ينفذ المهمة وطلب منها تساعده بس معتقدش أنه الموضوع بيخصك.
اتسعت عيناه بذهول واستنفرت حواسه مستجيبة للحديث الذي يسمعه فنظر لها مبرطما بعنهجية :
- وقف معاها امتى وقالها ايه ؟؟
ابتسمت بداخلها لنجاح خطتها ومع ذلك أخفت إحساسها وقالت بتلبد مصطنع :
- زي ما سمعت مني انا مسكتهم بالجرم المشهود ولو مش مصدق جدتك روح اسأل البنت ديه وهنشوف لو عندها الجرأة تنكر كلامي، ومع ذلك انت لو لسه مش مصدق أو عايز تغض نظر وتتجاهل عملتها اعمل نفسك مسمعتنيش.
ولم يسمع آخر جملتها فعلا ليس لأنه لا يود تصديقها بل لأنه خطف المسدس الموضوع على المنضدة وضرب طرفه على ركبته كي يثبت السلاح على وضع الإطلاق ثم انزاح عن مكانه ونهب الخطوات نهبا نحو الخارج تاركا إياها تبتسم بمكر شعَّ من عينيها ...
هبط آدم على السلالم وهو يشعر بالشياطين تدور حوله وقلبه يختض بعنف سافر مقسما على أخذ حقه هذه المرة ...
حينها وصل للغرفة المنشودة وركل الباب فرآها تستقيم واقفة بعدما كانت تجلس وارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها لم تكتمل لأن آدم أشهر سلاحه ضدها ...