رواية اغلال الروح الفصل السابع عشر 17 بقلم شيماء الجندي
الفصل السابع عشر "وداع ! "
رغم أنه مر مايقرب الثلاث ساعات على فرارها من أمامه إلا أنها إلى الآن تحاول استيعاب ما قاله قبل هروبها وكأنه سوف يقيدها بالأغلال !!!! هل أخبرها أنه يرغب بالوصول إلى قلبها ؟! و كأن همسته لها "لقلـبك ياسديم ! " تتكرر داخل أذنيها دون توقف ! يرغب في الحصول على قلبها أو ما تبقى من حطام قلبها حين وصلت إلى تلك الفكرة أوقفت سيارتها خارج بوابة قصر "سامح" و بدأت الدموع تجتمع داخل عينيها محاولة ابتلاع مرارة حلقها وارتشعت شفتيها ترفع يديها و تسير بها حول عنقها بشكل عشوائي و أغمضت عينيها بقوة قبل أن تنفجر فجأة باكية واضعة يدها فوق قلبها الذي لازال يقرع كالطبول و صرخت بغضب تتحدث إلى قلبها و كأنه شخص يتجسد أمامها :
- كنت خايفة من كدااا !!! أنا كنت خايفة منكككك!! عايز يوصل للباقي منك !!!
إرتخت قبضتها و سارت الدموع فوق خديها وقد سيطرت الرعشة على نبرتها حين أكملت هامسة :
- أنا خايفة !!!
أسندت رأسها إلى عجلة القيادة و استمرت بالنحيب و البكاء فترة و قد عجز قلبها عن إجابتها أو محاولة طمئنتها بدقات واهية و تركها بين طبوله التي تقرع بقوة و بين صرخات عقلها بها أنها على حافية الهاوية و أن دروب العشق لا تصلح لقلب مهترئ مثل قلبها !! قلبها الذي أعلن فجأة عن تواجده حين نظر هذا الرجل داخل عينيها تلك النظرة الراغبة و كأنه يمارس تعويذة سحرية خاصة به ، لازالت لمساته فوق عنقها وذراعها تدفعها إلى القشعريرة و كأنه أمامها و لازال قلبها ينتفض حين لمسته تلك النظرات الحانية لازال ولازال و لن تتمكن تلك المرة من إزالة مشاعرها أو التحكم بها !! تتمكن فقط من سماع صرخات قلبها وهو يقول لها لقد تغير مالك الأغلال ياسيدتي و عقلها يهدر بغضب أنها تدفع روحها إلى الهلاك !!!!
و أرواحنا مثل المنازل المحصنة قفل أغلالها هو قلبنا إن امتلك أحدهم مِفْتَاحُ الأغلال لسكن المنزل في الحال ، فكن على حذر عن تسليم مقاليد روحك أيها السيد !!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
أفاقت على صوت الهاتف الذي ارتفع يحذرها من الانسياق خلف مشاعرها بتلك اللحظات العصيبة و أنارت الشاشة باسم الصديق المقرب "كريم" !! تنهدت و أجابت على المكالمة ثم فتحت مكبر الصوت و بدأت تجفف دموعها و تستمع إلى حديثه بفتور حيث قال بقلق بالغ :
- إيه ياسديم كل دا متكلمتيش خالص ؟!! حصل حاجه معاهم و روحتي فين دلوقت أنا معايا نيرة أهوه زي مااتفقنا !!
أجابت بصوت متحشرج قليلًا و هي تتحرك بالسيارة وتدلف من بوابة القصر :
- و وصلت و التيم بعتلي رسالة أنهم على وصول عقبال مااطلع واشوف الجو إيه هيكونوا وصلوا قبل سامح ، خد بالك من نيرة ياكريم أنت عارف سامح ساامعني !!
سألها بدهشة بعد أن طمئنها على تواجد شقيقته بأمان معه :
- متخافيش ياسديم أنا اتأكدت إن محدش متابعنا و روحت على شغل بابا الأول عشان اشتت الانتباه وبعدها اتحركنا وعلى الطريق أهو ، بس مال صوتك أنتِ بخير ؟!!
بخير !!! وهل يأتيها الخير منذ رحيل والدها بل منذ أن أصبحت تلك السيدة القاطنة بالأعلى هي صاحبة الأمر والنهي بأحوالها !!!!
ابتسمت ساخرة وهي تهبط من السيارة و تلتقط هاتفها تضعه فوق أذنها بعد أن أغلقت المكبر و أجابت باستنكار :
- آه أنا بخير أوي ياكريم !
ظنها قلقة بشأن رحيل شقيقتها و والدتها لذلك أجاب بلطف جاهلًا ما حدث بينها وبين "آسر" : معلش ياسديم أنتِ بتحاولي تصلحي غلطات مش بتاعتك و هتشوفي هترتاحي إزاي قي الآخر أنا فخور بيكِ و أكيد عمو دلوقت مبسوط باللي بتعمليه !!!
ما كان ينقصها سوى ذكر والدها الراحل بتلك اللحظة !!! رفعت أناملها تتحس القلادة حول عنقها بحزن شديد تحارب تجمع الدموع مرة أخرى داخل عينيها و أردفت وهو تواصل سيرها داخل الممر المؤدي لغرفة والدتها :
- أنا هقفل عشان وصلت ياكريم ! مش هوصيك على نيرة تاني خد بالك منها أنا مش بثق غير فيك ياكريم !!
استمعت إلى إجابته : متقلقيش نيرة في عنيا أنتِ عارفة هي غالية عليا إزاي !
تنهدت و أغلقت الهاتف تراقب الأجواء من حولها ثم أوقفت إحدى المعاونات التي تتحرك بالرواق و قالت بهدوء :
- سامح مش موجود ؟
هزت الأخرى رأسها بالسلب و أردفت مبتسمة بتهذيب :
- لأ و قالي أول ما حضرتك تيجي أبلغه !
عقدت حاجبيها حين وجدته على علم بقدومها و تنفست بهدوء تهز رأسها ببسمة مجاملة وتقول بلطف :
- طيب أدخلي قولي للممرضة اللي جوا تخرج و تستنى تحت عشان احاسبها و بعدها ابقي بلغيه !
تحركت على الفور تلبي طلبها و سارت خلفها "سديم" بخطوات هادئة وكأنها تحاول كسب وقت لاستجماع شتات أمرها هي على موعد مع مواجهة شرسة إن حاولت والدتها مقاومتها فقط لتتمكن من إنهاء الأمر بسلام هنا ثم بعدها تتفرغ لمواجهة الخال المحتال !!!!
دلفت إلى الداخل و أغلقت الباب بإحكام ثم تحركت تجاه والدتها "نبيلة" التي راقبتها بأعين متسعة مشتاقة قابلتها نظرات خاوية من ابنتها بل هي نظرات ألم واضحة وقد ظهر بحديثها حين جلست فوق الفراش تثني ساقها أسفلها و تنظر مباشرة إليها هامسة ببسمة شاحبة دبت الرعب بقلب "نبيلة" خاصة بعد رؤية الاحتقار داخل عيني صغيرتها :
- عاملة إيه ؟ بخير !
ظلت والدتها تراقبها بنظرات قلقة متوترة بعض الشيء بينما واصلت "سديم" و نكست رأسها حين شعرت أن عينيها على وشك خيانتها في تلك اللحظة تحديدًا :
- أصل أنا مش بخير !
ازدردت رمقها و بللت شفتيها تقاوم اختناق نبرتها و أكملت تسألها بدهشة مصطنعة :
- هيفرق معاكِ و هتنامي بليل بعد معلومة زي دي عادي ! ولا هتقعدي قلقانة عليا ومش هتعرفي تنامي زي أي أم طبيعية بتحب بنتها ؟!!
بدأت الدموع تجتمع داخل عينيها وارتعشت شفتيها بوضوح تسألها بنبرة ساخرة بعد أن اقتربت بوجهها منها و رفعت رأسها تحدق داخل عيني والدتها الدامعة :
- بالمناسبة صحيح هو أنتِ بتحبيني ؟ بفرق معاكِ و بوحشك وكدا ؟! ولا عادي تقعدي شهور مش بتشوفيني ولا تعرفي أنا فين عايشة أو ميتة مش هفرق كتير مش كدا ؟
سقطت دموع "نبيلة" وسارت عينيها فوق ملامح ابنتها تراقب شحوب وجهها بحزن و قد بدأ القلق يجوب قلبها على فلذة كبدها تستمع إلى كلماتها عاجزة عن الرد أو المواساة و قد لعنت عجزها بتلك اللحظة مئات المرات حيث منعها عن بث الطمأنينة داخل فتاتها التي تعاتبها بألم واضح و قد أتت اللحظة التي ارتعبت منها أعوام !!!
عقدت "نبيلة" حاجبيها و راقبت ابنتها و هي تعبث بحقيبتها وتخرج هاتفها تضبط معدل الصوت الخاص به ثم بدأ التسجيل الصوتي الذي علمت منه "نيرة" الحقيقة يتسلل إلى أذني والدتها لتستمع إلى حديث شقيقها معها منذ فترة قليلة يصدح من هاتف يخص ابنتها ، ابنتها التي تنظر إليها الآن بنفور واضح داخل مقلتيها و ألم بالغ !!!
ازداد هطول دموعها و إن كانت عاجزة عن الحديث ومشاركة مشاعرها ومواستها المتأخرة لكنها ليست عاجزة عن التعبير بدموع عينيها و نظراتها التي صرخت بالألم لأجل فلذة كبدها و لأجل صمتها الإجباري و عجزها عن احتضانها بتلك اللحظة !!! كيف تخبرها أنها نادمة أشد الندم و إن عاد الزمان لن تفرط بها مرة أخرى بل أن تضحيتها بها أسوأ ما فعلته على مدار سنوات عمرها الفاني ، وأنها أخطأت !
ظهرت بسمة ساخرة فوق شفتي "سديم" و همست بألم حين طال العتاب الصامت و النظرات المتبادلة بينهما :
- نيرة عرفت كل دا !!!
اتسعت عينيها برعب واضح مما دفع "سديم" إلى الضحك بقوة و عادت برأسها إلى الخلف تضع أناملها فوق شفتيها و سألتها باستنكار واضح و الألم قد اشتدت داخل نبرتها لتخرج كلماتها باختناق واضح :
- إيه داا خوفتي على صورتك في عينها !! طيب وأنا !!! مخوفتيش عليا !!!!
عقدت حاجبيها مرة أخرى و قد بدأت الشراسة تتمكن من نبرتها و تجاهلت السبب الرئيسي لتواجدها الآن مكملة :
- لا بجد بتنامي بليل مرتاحة و أنتِ مش عارفة مكاني ؟! طيب أول مرة رمتيني لسامح ندمتي عليها و شوفت دا بعيني ، تاني مرة ليه قبلتي تيجي هنا ؟!!!! ليه رجعتيني ؟ خوفتي تخسري ايه تاني ! خسرتي صحتك و جوزك و بنتك ! و نيرة اللي كنت بحارب عشان أبعدها عن كل داا عرفت خلاص !!! نيرة اللي كانت بريئة لدرجة كنت بخاف عليها من نفسي عرضتيها لأصعب نظرات ممكن تواجهها ، نظرات بتقطع فيا لما بشوفها في عيون الناس بس أنا استحقها عشان أنا فعلًا نصابة لكن هي ذنبها إيه !!! كل حاجه حواليكِ بقيت خراب و أنا دلوقت مقدرش ألومك لوحدك لأني اتهزمت ، كنت شايلة ذنب بابا و ذنبك و شايفاني بتعذب قدامك و كل دا وهم !!! الفلوس كانت أهم مني عندك بجد ؟ أهم من بنتك !!!!!
لازالت عينيها تحارب الدموع التي تود الإنفجار في شلالات لا تتوقف و قد خسرت المعركة حين أصرت القطرات على الاندفاع من مقلتيها و سارت فوق وجهها الجميل دون توقف لتتوتر أنفاس "نبيلة" وتظهر داخل عينيها نظرات رجاء وكأنها تطالب بصمتها !!! نظراتها تلك دفعتها إلى الجنون و شعرت أنها تود أيضًا سرقة حقها المشروع بالصراخ بها عن جريمتها الشنعاء في حقها لذلك لم تذعن إلى رغبتها الواضحة بتوقفها عن الحديث و بللت شفتيها تواصل حديثها بقهر كانت تكتمه لأعوام و تخبئه عن الجميع لكن بتلك اللحظة و أمام منبع ألمها رفضت الصمت تلك المرة وسألتها :
- عاوزاني أسكت مش كدا ؟! معلش بقا هضايقك واتكلم المرة دي ولا أقولك أنا ممكن أديكِ ملخص سريع عن اللي مش عايزة تسمعيه عارفة أنتِ حرمتيني من إيه ؟! عارفة استغليتي صلاحية امومتك إزاي ؟! في مراهقتي رمتيني لأخوكِ يعمل مني نصابة أما بقا في شبابي مقدرتش ارد على الراجل الوحيد اللي شاف سديم زي أي بنت من حقها تتحب ! بس كدا خلصت الحدوتة عجبتك !!!
طرقعت بأناملها و كأنها تذكرت شيئ ثم أكملت وهي تضرب جبهتها بخفة :
- لأ لأ استني احكيلك تفاصيل بقاا عشان تضحكي النهاردة في راجل قالي عاوز أوصل لقلبك ! تخيلي في واحد طموحه يوصل لقلب واحدة زيي ؟ لأ ومش أي راجل ، دا راجل أنا بنصب على عيلته وقع في حب شيطانة زيي !!! طيب بذمتك مش كلام يضحك ؟! عارفة أنا جسمي لحد دلوقت بيترعش ومقدرتش أبص في عينه حتى ؟!!! لا مش مقدرتش أنا اترعبت و جريت من قدامه كأني حرامية بالظبط أصل لو بصيت هقوله إيه ، أنا من ساعة ما بدأت أحس أنه قرب زيادة بقيت اتجنبه و ابعد و اهرب و اعمل مش فاهمة كلامه بس النهاردة هو جاب آخره و كان مستني مني رد تخيلي ؟! أصل مش معقول يحب واحدة ميعرفش عنها أي حاجة و أنا مكسوفة حتى أحكي عن اللي حصل عشان مصغرش نفسي في عين اللي حواليا ، أقول ازاي إن أمي وصلتني لكدا !!!!
تلاشت السخرية من نبرتها و بدأ الاستسلام يسيطر على كلماتها و عينيها لازالت تجوت ملامح أمها التي تغمض عينيها بندم بين حين و آخر و حين تفتحهما يطل الألم الممزوج بالندم على حالة جميلتها التي يرثى لها ، تجاهلت "سديم" نظراتها و بكائها و أكملت باختناق :
-أقوله إزاي إن قلبي اللي نفسه فيه دا باهت و لو فكر يقرب منه هيلاقيه أسود ليل من الضلمة ، أنا معرفتش أعمل إيه ولا أروح فين ، معرفتش أرد عليه و أقوله يبعد عني عشان لو عرف سديم الحقيقية هيكره اللحظة اللي فكر فيها يقرب منها ، أنا كل مااحاول أسامحك يطلعلي وجع جديد يفكرني إني جوا دايرة مقفولة وإني مهما لفيت مش هخرج من إطار محدد رسمتيه ليا منغير ما تعرفيني ! بأي حق تعملي فيا كدا ؟!! أنا لو سامحتك على كل حاجه عملتيها عمري ماهسامحك على شعوري دلوقت ، عمري ماهسامحك إني شايفة نفسي مستحقش الحب زي أي بنت في سني !! مستحقش أغمض عيني وأنا مش خايفة ومش شايلة هموم ومطمنة إن فيه حد جنبي !! الوحيد اللي بحس جنبه كدا مش هقدر أظلمه مع واحدة زيي ، والأسوأ مستحقش ابقا زي أي بنت في سني بتغلط و تتعلم من غلطها زي البشر عادي مش مجرد آلة عايشة عشان تنصب وتخدع في الناس رمتيني في جحيم مش بيخلص ووصمتيني بالعار غصب عني ، أنا بموت بقالي أيام عشان أقدر اخرجك من هنااا من المكان اللي فرضتيه علينا كلنا عشان ترتاحي ومتتعبيش لحظة واحدة عشان ولادك !
أمسكت يدها تضعها فوق موضع قلبها الذي ينتفض الآن من فرط ألمها و صاحت تحارب اختناق الحديث الذي تأخر كثيرًا و كانت تنتظره منذ أعوام لتصرح عنه و الآن زاد الأمر سوء حين أنعش قلبها بنظراته و أعاد النبض إلى قلبها من جديد :
- سامعة قلبي داااا ؟!!! أنت خلتيني أتمنى كل يوم أنه يقف واخلص من الوحل اللي اترميت فيه والنهاردة بالذات اتمنيت الموت مليون مرة عشان مش عارفة اتحكم فيه !!! متعيطيش عشان أنا مش عارفة اصدق دموعك دلوقت ، مش قادرة اصدق إن اللي لعبت بيا من كام سنة بتعيط على حالي دلوقت كنتِ مستنية إيه و أنتِ بتحوليني من ملاك لشيطان ؟!!! كنتِ مستنية إيه و أنتِ بترميني لأخوكِ اللي خلاني كدا ؟!! خليكِ عارفة إني مش هسامحك أبدًا على حياتي دي و رغم إني جاية اخدك معايا ونمشي من هنا لكن أنا بعمل كدا عشان نيـرة مش عشانك ولا عشاني حتى !
وقفت تنظر إليها بعدم تصديق قبل أن تهمس بألم و وهن :
- أنا ازاي هونت عليكِ كداااا !!! دا أنا مش هاين عليااا اسيبك لأخوكِ حتى و أمشي أنا وأختي !!! أنا بكره نفسي عشان ضعيفة معاكِ رغم قسوتك عليا !!!!
تحركت مسرعة من أمامها وغابت داخل المرحاض الخاص بالغرفة ثم خرجت و كأنها تبدلت بأخرى حيث استعادت نظراتها الراكدة و أمسكت المحارم الورقية تجفف وجهها الذي بللته بالمياه و هي تعبث بهاتفها ثم رفعته إلى أذنها تأمر أحدهم أن يصعد لها مسرعًا ، تحركت تجاهها وهي تقول بجفاء :
- الناس طالعة تجهزك بسرعة عشان نمشي من هنا وأنا هنزل اتفاهم مع أخوكِ أهو وصل !
قالت كلماتها وهي تراقب البوابة من زجاج النافذة ثم غادرت الغرفة تاركة إياها تراقب حركتها بعجز و لا أحد يدرك أن الأمر شديد القسوة عليها و دمار ابنتيها هكذا غالي الثمن خاصة ألم قلب ابنتها إلى تلك الدرجة لقد أهلكت روح تلك الجميلة و صنعت منها آلة كما أخبرتها ، لقد تسببت بدمار عائلتها و قتلت مستقبل ابنتها و عرفت ابنتها الأخرى أنها الفاعلة !!!!!
داهمتها الذكريات و مر عليها جميع مواقفها مع صغيرتيها ، كانت حياتها رائعة لكنها انهزمت أمام أول أزمة حقيقية و كانت التضحية سبيلها الوحيد هكذا فعلت أمها هي أيضًا حين تركتها صغيرة مع أخيها "سامح" و شقيقتها التي تزوجت و توفت بعد ثلاث أعوام من زواجها و إنجاب صغيرها و انقطعت الأخبار بعدها ، أما شقيقها لم يهتم لأحد سوى نفسه و مصالحه الخاصة إلى أن قابلت والد ابنتيها الرجل الرائع الذي أحبها دون شروط و حاول بشتى الطرق أن يوفر لها حياة كريمة هي و ابنتيهما ، و كانت "سديم" شديدة القرب له حيث كانت هي كاتمة الأسرار و منبع الأمان للمنزل الصغير ، لقد كان يخبرها أن لها مكانة خاصة هي أول بهجة و قطعة مشتركة بينهما ، إن أقسم لها أحدهم من أعوام أن صغيرتها سوف تجلس أمامها في يوم ما بقلب محطم و روح منهكة و تخبرها أنها الفاعلة لصرخت به أنه كاذب !!!! سخرت من حالها وهي تتخيل عودة حبيبها الآن و رؤية مااقترفته بحق قطعتهما المشتركة ، ليعود و يرى جميلته و هي تنازع هكذا بين دروب الحياة وكأن نظرات عتابه الآن تتجسد لها الآن و كأنها تسمع صوته يسألها بقلق عن مصير صغيرته المجهول و خاصة مع تواجد هذا الرجل الذي حدثتها عنه للتو ؟ لقد أطفأت مصباح روح صغيرتها و قُضي الأمر !!!!
ذكريات مشتته و تشوشت الرؤية و قهرها الآن أشد من ذي قبل ، مشهد قهر ابنتها الآن يؤلم قلبها أو ما تبقى من قلبها بينما عودة قرة عينيها ورغبتها في إنقاذها من بين براثن أخيها ماهو إلا خناجر تطعنها بها وهي على يقين أن هناك المزيد بين جنبات قلبها لم تفصح عنه في عتابها وأن ما تحدثت عنه ماهو إلا قشور جريمتها فقط !
لقد تمنت رغد العيش لهن و تطمح في حياة سعيدة بأموال طائلة و مستوى معيشة محدد و مرفه حتى إن كان الأمر استغلال لهذه الفتاة ، هل كانت تكره أمها حين ضحت بهم ؟! إذًا لقد فعلت الأسوأ مع ابنتها و دمرت روحها هي جانية قتلت برائتها و لوثت حياتها و لم تحاول ابنتها فعل المثل معها لم تتركها وترحل مع شقيقتها لقد عادت لأجلها بل و سوف تواجه "سامح" من جديد !!!!!
انتفض قلبها و اتسعت عينيها حين أدركت أن ابنتها على وشك مواجهة جديدة ونقاش جديد و ماضي قريب سوف يتجدد اليوم وهي هنا عاجزة يتحرك من حولها فريق كامل لنقلها حيث أرادت ابنتها الجميلة !!!!
أما بالأسفل وداخل غرفة المكتب تحديدًا وقفت "سديم" تعقد حاجبيها حين وجدت "سامح" يتحدث إلى أحدهم أثناء اتجاهه إليها بل و هذا الصوت الأنثوي تعرفه جيدًا إنها "روزاليا" !!!!!
وبالفعل ظهر خالها و اتجه إليها يُقبلها فوق خديها وهو يسألها بدهشة :
- إيه العربيات اللي برا دي ياسديم ؟
لم تنظر إليه بل سلطت عينيها على "روزاليا" التي ابتسمت لها و ظهرت بعدها "أميرة" أيضًا وقد تراقصت بسمات الانتصار الغريبة على وجهها عكس "روزاليا" التي حدقت بها بغضب شديد و كأنها تود الفتك بها !!
صرفت "سديم" عينيها عنهن و نظرت إليه متجاهلة سؤاله تردف متسائلة بحذر أن يتحقق ما تخشاه !! :
- بيعملوا إيه دول هنا !
عقد "سامح" حاجبيه من طريقتها الجافة المكللة بالإزدراء ثم نظر إلى السيدات و أردف باعتذار :
- آسف ياجماعة اتفضلوا ارتاحوا ، سديم لسه متعرفش عرضكم مش أكتر !
كادت تتحرك "أميرة" تجلس حيث أشار لكنها توقفت محلها حين استمتعت إلى "سديم" تقول باشمئزاز و رفض قاطع :
- هما مين اللي يتفضلوا وعرض إيه أنت إزاي تتفق معاهم من ورايا ؟
صمت "سامح" حين توجهت "روزاليا" إليها تقول بنبرة لطيفة رغم نظرات عينيها المشتعلة التي تكاد تحرقها :
- سديم أنا مبحبش الغدر و رغم كدا عديت ليكِ اللي حصل امبارح و وصلت لسامح النهاردة بعد كلامنا في المستشفي وقولت أجي نتفق فين مشكلتك بقا ؟
قابلت "سديم" نظراتها المشتعلة بأخرى باردة ثم أردفت ساخرة :
- غدر ! آه فعلًا أنا غدارة أوي معرفش إزاي واحدة طيبة زيك اتعاملت معايا ؟
بينما وقف "سامح" عاقدًا حاجبيه يراقب تفاقم الحديث بينهن بدهشة و قد أدرك أنه يجهل العديد من الأمور بل أن ابنة شقيقته تخفي العديد من الأمور عمدًا و لكنه تدخل قائلًا بلطف حين وجد نظرات "سديم" توجهت إليه وتحمل غضب مبالغ به تجاهه :
- سديم حبيبتي روز جاية عشان مصلحة الكل احنا مش هنخسر حاجة بالعكس هي كل اللي عاوزاه تدخل بيت عاصم عن طريقك لآخر مرة !
أضافت "روزاليا" بتأكيد و تحذير واضح وهي تقترب منها بنظرات متحدية : و خدي بالك لأني مش هسمح لحد يهد كل اللي بنيته في سنين و لو ماأخدتش اللي أنا عايزاه هعتبركم انتوا اعداء ليا !
رد "سامح" في الحال ببسمة لطيفة :
- روز أنا قولتلك إحنا مش مع حد ضد حد إحنا بنشجع اللعبة الحلوة و اللي مصلحتنا معاه !
رفعت "سديم" حاجبها و قالت ساخرة باستنكار :
- روز !!!!! اممم واضح أنكم بقيتوا صحاب أوي في كام ساعة بس من امتا بتتكلم باسمي ياسامح ؟ مين هي اللي بتشجع اللعبة الحلوة ؟
اشتد غضب "روزاليا" و اهتاجت حين وجدت نبرة السخرية تزداد و نظرات "سديم" اللامبالية قد افقدتها شعورها و تقدمت منها تهدر بصوت مرتفع :
- أنا مش هسيب حق بنتي يضيع عشان واحدة زيك ساااامعة !!!! غضب عنك هتعملي اللي أنا عايزاه أنا عندي استعداد اعمل أي حاجه عشان اخد حقي منهم ، أنا بعمل حساب كل خطوة ومش من مصلحتك تعاديني أبدًا !
أزاحت "سديم" نظراتها عنها و نظرت خلفها حيث تقف "أميرة" متوترة مما يحدث بل و تنظر إلى ساعة يدها بين حين وآخر وكأنها تنتظر أمر ما ، أثارت فضولها و تذكرت في هذه اللحظة والدتها و التي عليها الإعتناء بها إلى أن تخرج من هذا المكان آمنة !!!!
تحركت من محلها بخطوات سريعة تاركة إياهم في حالة ذهول و رفعت هاتفها تتحدث به لكن ألجمتها الصدمة من الحديث حين وجدت الضيف الجديد أمام عينيها يراقبها عاقدًا حاجبيه و صاح فجأة بغضب ناظرًا خلفها :
- شااايف بعينك يا آسر !!!!! أهي اللي مآمن ليها و مقعدها معانا و بتدافع عنها شاايف بعينك مين معاها هنا !!!!
أغمضت "سديم" عينيها بغضب من تسرع "سليم" الماثل أمامها يحاول تأكيد إتهام باطل و إثبات أنها تتآمر على العائلة رغم ما فعلته إلى الآن معهم !
فتحت عينيها و استدارت تراقب الفزع على ملامح "أميرة" أما "روزاليا" تقف مبتسمة بهدوء بجانب "سامح" الذي كان يتضح من ملامحه أنه يجهل مايحدث حوله عادت بنظراتها إلى الجهة الأخرى حيث يقف "سليم" و بجانبه الضيف الأخير "آسر" الذي كان ينظر إليها هي فقط ينتظر حديثها لكنه قرر تحطيم حاجز الصمت وتوجه إليها يهمس بعدم تصديق : دا بجد ؟
رفعت عينيها تنظر إليه بغضب وكادت تتحدث وتنفي ظنونه لكن صرخ "سليم" غاضبًا وهو يتجه إليه و قد احتدت نظراته حين نظر إليها :
- هو إيه اللي بجد ؟!!!! أنت لسه هتصدق النصابة دي !!!!! واقفة مع روزاليا قصادك أهو مستني إيه تاني !!!!!
عقد "سامح" حاجبيه و رفع هاتفه يحاول التواصل مع الأمن في الخارجي لكن لا يوجد اجابه لذلك توجه إليه يقول بدهشة : انتوا إزاي دخلتوا منغير الأمن ما يبلغني ؟
توجه "سليم" بنظراته إليه و هدر منفعلًا :
- أمن إيه أنت كمان مفيش حد برااا ، وهي دي مشكلتي أساسًا !!! انتوا شوية نصابين دا أنا هوديكوا في ستين داهية !!!
و أكمل ينظر إلى "آسر" الذي لم يقطع تواصله البصري معها : أنت لسه هتشكك في اللي بيحصل بص بعينيك حواليك و أنا شوفت بعيني أختها و صاحبهم وهو طالع على الطريق مسافريننن !!!
انتقلت عينيها بفزع إليه حين تحدث عن شقيقتها و ما أرعبها أن "سامح" لم يندهش بل كانت إجابته غريبة حيث صرخ بغضب حين وجده يتطاول عليه بشكل خاص : أنت مجنون ؟ متعرفش بتكلم مين !!!!! أنا اقـ..آآآ .
قطع حديثه حين وجد شقيقته تهبط من الأعلى بصحبة الفريق المختص الذي أحضرته ابنتها لتتسع عينيه و يتوجه إليهم معترضًا طريقهم صائحًا بغضب : إيه دا انتوا مين وبتعملوا إيه هنااا ؟!!
لا تعلم كيف تطورت الأحداث هكذا في دقائق معدودات اجتمعت الأطراف المتضادة و أصبح خروج والدتها من هذا المكان أشبه بالمعركة الحامية وما زاد الأمر تقعيدًا و دفعها إلى التوتر هو تواجده معها الآن حيث وقف يطالعها دون غيرها بنظرات مترقبة يخشى خذلانها له منتظرًا تصريحها الخاص و كأنه يبحث عن مبررات لجميع أفعالها و هذا ما يجعلها مشتته معه ، لكن الآن ليس التوقيت المناسب له بل هو أسوأ توقيت على الإطلاق توجهت إلى "سامح" واعترضت طريقه قبل وصوله إليهم تردف بهدوء :
- دول تبعي أنا هنقلها من هنا على بيتي الجديد !
عقد حاجبيه و اتجهت أنظار الجميع لهم باهتمام بعدها تحركت أنظارهم المذهولة من فوق "نبيلة" بينما تابع الفريق طريقهم إلى الخارج و حاول "سامح" الاعتراض صارخًا بهم :
- سديم وقفي المهزلة دي حالًا !!!!
أجابته ببرود مريب : لأ مش هسيبها ليك تاني ، هسيبك بقا لعروضك و اتفاقتك و هاخدها و امشي أظن كدا خالصين !
اقترب منها "سامح" و هو يشتعل قائلًا بصوت جهوري :
- سديم أنتِ اتجننتي!!!! الناس دي هتاخد أمك على فين !!!!
والدتها !!!!! هل هذه التي خرجت محمولة فوق مقعد متحرك مع هذا الفريق هي والدتها !!! كانت الصدمة من نصيب جميع المشاهدين لاحتدام الموقف بين الخال و الابنة المتمردة خاصة هو وقف يراقب ما يحدث بترقب وا هتمام بالغ بل وسلط أنظاره عليها ينتظر توضيحها و لم تبخل به عليهم حيث قالت باستنكار وقد احتدت نظراتها و ظهرت شراستها بالحديث :
- اتجننت عشان قررت أخد عيلتي وامشي ؟ فوق ياسامح أنا كنت معاك بمزاجي قبل مااعرف اللي فيها واحمد ربنا إني هسيبك في حالك بعد اللي عرفته !
داخله يتراقص الآن من كلماتها هل تود الرحيل و ترك خالها المحتال ؟!!! هل تبتعد عن هذا الطريق برغبتها أم أنه لم يتمكن من استيعاب ما يحدث !!!!
أصاب "سليم" أيضًا الذهول و راقب بدهشة تقدُم "سامح" منها بخطوات سريعة يهز رأسه بالسلب مردفًا بتوتر و رفض قاطع وهو يقترب منها و يضع يديه فوق كتفيها بلطف :
- سديم حبيبتي اعقلي إيه اللي حصل بينا لكل دا !!! ليه تصرفاتك بقيت غريبة كدا ياسديم ! وليه عايزة تنقلي أختي من بيتها ؟
حاولت تجنب النقاش معه خاصة في هذا الموقف و لأنها تود إنهاء الجدل دون خسائر تنهدت بهدوء و أجابت مستنكرة رد فعله وحديثه تعود بجسدها إلى الخلف خطوتين بينما ارتفعت يديها و أزاحت يديه عن كتفيها بنفور :
- لأ متقولش إنك مش فاهم اللي بيحصل ! سامح أنا مش هكمل معاك خلاص و هاخد أختك لبيتها الحقيقي فعلًا !
إصرارها الذي ينضح من عينيها أشعل رعبه وغضبه و ارتفع صوت الخال يقول بغضب وكأنه يكذب ماتحاول فعله :
- يعني ايه أمك تتنقل من قصري منغير مااعرف ياسديم !!!! هو أنا عيل معاكِ ؟ بتدخلي تاخديها من بيتي من ورايا و عايزاني أخرس منطقش !
رفعت حاجبها الأيسر و عقدت ذراعيها أسفل صدرها تقول باستنكار :
- من وراك ؟ سامح اصحا من الغيبوبة دي أنا باخدها قدام عينك ، هو أنا بسرق و لا أنت وصي علينا وأنا معرفش ، مش فاهمة إيه اللي يضايقك إني اخدها ونقعد في بيت منفصل عنك ؟
هز رأسه بالإيجاب و حاول رسم بسمة صغيرة وهو يتجه ناحيتها و هو يقول برعب من استنتاجه :
- يعني أنتِ بتاخديها بس و مش هتسيبيني ياسديم ؟!! يعني لسه مكملة معايا !!!!
نظرت إليه بصمت و لم تعقب على حديثه ليقول محاولًا استدراج عطفها : سديم أنا عارف إني ضايقتك في الفترة الأخيرة و عارف إني اتسرعت دلوقت باتفاقي مع روزاليا من وراكِ بس خلاص اعتبريني مقولتش حاجة ولا اتفقت معاها أصلًا ، مشي الموضوع زي ماتشوفيه !
اندفعت "روزاليا" تجاهه وهي تصرخ بغضب واضح :
- يانصاب يامخادع أنت فاكرني لعبة معاك !!!! أنت متعرفش بتلاعب مين !!!!!
تفاقمت الأمور واشتعلت الأجواء و نظر "آسر" إلى "سليم" بدهشة حين استمعا إلى اعتراف "سامح" اللفظي بل و شاهدا بعينيهما رغبتها في الرحيل و تمسك الخال بها بشكل مبالغ به ومثير للشكوك عقد "آسر" حاجبيه حين وجدها تنظر إلى باب القصر وكأنها تستغل إنشغال خالها مع "روزاليا" حيث صاح "سامح" غاضبًا بها و هو يحدق بها بشراسة :
- أنتِ اللي متعرفيش سديم عندي إيه !!!! أنا لايمكن اخسرها عشااانك ، أنا لا يمكن اخسرها عشان أي مخلوق مهماا كاان !!!!!
صرخ بعدها بالحرس و طاقم المساعدة الخاص به و الذي ارتص بلحظة من حولهم و وقفت "سديم" تراقب تأزم الموقف بخوف داخلي كبير حيث والدتها بالخارج بمفردها و هي هنا داخل معركة قاسية على وشك البدء وبالفعل صاحت "روزاليا" و هي تعبث بهاتفها :
أنااا كدا كدا خسرت كله و الحيوانة دي السبب في كل داااا هي اللي قالت لعاااصم إنه مش بيخلف و هي اللي خربت كل خططك دي مش بتسااعدك دي بتلعب لصالح اللي واقف داااا !
أشارت إلى "آسر" الذي كان بحالة من الصدمة حين استمع إلى كلماتها و ردد ينظر إلى ابن عمه الذي لم تقل صدمته عنه بمقذار ذرة : مش بيخلف !!!!!
تفاقمت الأحداث و صرخت "روزاليا" بجنون وهي تتجه إليها : أنتِ عملتي كدا لييييه مين معاكِ بيساعدك !!!!!
لم يشعر بحاله وهو يتحرك بجسده يخبئها خلفه ويواجه "روزاليا" بنظرات متحدية غاضبة حيث أمسك يدها التي كادت تمتد إليها بسوء و أردف بخشونة :
- أوعي تقريي منها !
ما كان من "سليم" سوى الإنضمام إلى ابن عمه خاصة حين صاحت "روزاليا" تهدر بإنفعال :
- دي نصبت عليك هتحميها دلوقت ؟! كرهك ليا هيخليها تهرب بمصايبها بسهولة !!!!
ضغط فوق يدها ثم تركها فجأة بقوة ليرتد جسدها إلى الخلف بينما أردف هو بتحذير صريح و قد احتدت نظراته :
-متقربيش منها ياروزاليا لأن أنا اللي هقف قصادك !!!!
عقدت "أميرة" حاجبيها حين وجدتها تصرخ باهتياج و تدفع "آسر" بقوة من صدره لكنه لم يهتز بل ظل محدقًا بها بتحدٍ سافر أشعل فتيل جنونها أمام الجميع و كأن تصرفاتها اليوم غير مألوفة بل وتصل إلى حد فقدان العقل حيث عبثت بخصلاتها وبعثرتها بعنف و هي تنظر حولها بغضب قبل أن تحدق بباب القصر و كادت تتحرك تجاهه لكن أدركت "سديم" نواياها و هرعت قبلها تركض إلى الخارج حيث اتضحت لها نواياها تجاه والدتها !!!!!
لكن تأخر الوقت و وجدت الفريق الذي كان بصحبة والدتها اختفى و والدتها فقط داخل السيارة المغلقة و قد ظهر الحرس الخاص بـ "سامح" من حولها فجأة و وجدت "روزاليا" تخرج خلفها و تقول بسخرية :
- أوه سديم طلعت بتخاف !!!!!
نظرت إليها بغضب و راقبت تقدمها منها وتحديقها بها بسخرية لاذعة و بسمتها الماكرة تُزين ثغرها وهي تهمس لها :
- أنا كنت خايفة كدا لما جابولي بنتي ميتة !!!! سيلا اللي سرقتي اسمها !!!!!
صرفت "سديم" عينيها اللامعة بدموع الخوف عنها ونظرت إلى السيارة التي تجلس داخلها والدتها العاجز تستمع إلى "سامح" يقول بغضب موجهًا حديثه إلى "روزاليا" :
- أنتِ فاكرة هتخرجي من هنا حية بعد اللي بتعمليه !!!!
انطلقت ضحكاتها و قالت وهي تهبط الدرج بخطوات رشيقة وكأنها تتراقص فوقه متجهة إلى السيارة بين الحرس الخاص بها : نو يا سااامح هخرج غصب عنك مع المامي بتاع سديم أو اقولك عندي فكرة تجنن !!
قفزت محلها ودارت حول نفسها ثم اتجهت إلى "سديم" مرة أخرى و وضعت يديها فوق وجنتيها تهمس لها بسخرية :
- أنتِ كنتِ عاوزة تاخدي مامتك وتمشي ياروحي ؟ كنتِ عاوزة تبعدي عن الشرير سامح بعد ما خربتي كل اللي عملته من سنين عشان انتقم من عاصم و فاكرة إني هسيبك مبسوطة ! نو سديم نو ، دلوقت تقدري تختاري اقتل سامح ولا مامي ؟!!!
لم تتحرك شفتيها بل ظلت تحدق بسيارة والدتها المذعورة بالداخل و بدأت عينيها تذرف دموع من نوع خاص و بعد أعوام من انعدام الرهبة أخيرًا عادت لها في أشد المشاهد قسوة وانتفض قلبها برعب داخلها تستمع إلى صوت ضحكات "روزاليا" الساخرة و التي قالت بصوت مرتفع :
- أوه سااامح دي بتعيط ريلي بتعيط !!!!! ومش مركزة معاك اعتقد اختيارها واضح وبصراحة أنت غدار وتستاهل !!!!
صرخ بها "سليم" بغضب بينما توجه "آسر" بخطوات خفيفة تجاه السيارة : كفاية بقااا جنان مش مستاهلة كل دا مشكلتك معانا إحنا خلينا نتفاهم ونوصل لحل !!!!
توقف "آسر" محله بالقرب من السيارة حين نبهتها "أميرة" الماكرة بصوت مرتفع :
- متحاولش على الفاضي ياااا آسر !!!!
نظر الجميع إليه عدا "سامح" الذي ارتعب من اختيار "سديم" و أشار بعينيه إلى الحارس القريب منها ثم إلى السيارة ، أغمض الحارس عينيه ثم فتحها بإشارة واضحة منه أنه أدرك رغبته و بالفعل أخرج السلاح الخاص به مطلقًا أول طلقة عشوائية في إتجاه إطار السيارة و انتفض الجميع و بدأ تبادل إطلاق النيران و اتسعت عيني "سديم" تركض تجاه سيارة والدتها لكنها توقفت فجأة صارخة برعب حين وجدت "روزاليا" توجه سلاح إلى زجاج نافذة "نبيلة" بينما بدأت سيارة حراسة "روزاليا" تتحرك بسرعة في عكس اتجاه السيارة الأخرى بهدف إنقاذها والفرار من المكان وقف "آسر" بجانبها و قال بصوت جهوري :
- روزاليا مش هتستفادي حاجه لو ماتت سيبيها وأنا اوعدك هعملك اللي أنتِ عايزااه !!!
كادت تصرخ به لكن بلحظات انطلقت الرصاصات على جسدها و على السيارة المتحركة و قد طالت سيارة "نبيلة" رصاصات طائشة أو ربما تكون مقصودة و بجزء من الثانية انفجرت السيارة الخاصة بوالدتها بعدما استقر جثمان روزاليا فوق الأرض أمام أعين "أميرة" التي خرجت من مخبأها تزامنًا مع صرخة "سديم" !!!!
أسرع "آسر" إليها مكبلًا جسدها داخل أحضانه يمنعها من الاقتراب من حطام السيارة المشتعلة والتي تقف على بعد أمتار منها حاولت دفع جسده بعيدًا عنها إلى أن خانتها قواها و سقطت أرضًا ترفع عينيها برهبة و تراقب ألسنة النيران المتراقصة بتكذيب لتخرج صرخاتها المدوية من أعماق قلبها : ماماااااا !!!!!!
و تلك المرة فراق بلا عودة ، ألم جديد ينتظرها و ثمن باهظ تدفعه نفس بريئة رغبت في الخلاص من أغلال روحها المخادعة !!!
بينما خرج "سامح" يراقب الخراب من حوله بأعين متسعة و خاصة حين وقعت عينيه على سيارة شقيقته المشتعلة ليصرخ بـ"أميرة" التي انتفضت تعود إلى الخلف برعب حين أشهر سلاحه بوجهها قائلًا بعنف : قتلتوهااا يا ولاد الـ****** !!!!!
و انطلقت رصاصة أخيرة تخترق جسدها لتسقط أرضًا بجانب قدم "سليم" وتنتهي ليلة قاسية أخرى في حياة تلك التي استقر جسدها بأحضان ابن عمه بعد أن ودعت والدتها وداع يليق بها و يترك لها هي ذكرى مؤلمة !!!
رغم أنه مر مايقرب الثلاث ساعات على فرارها من أمامه إلا أنها إلى الآن تحاول استيعاب ما قاله قبل هروبها وكأنه سوف يقيدها بالأغلال !!!! هل أخبرها أنه يرغب بالوصول إلى قلبها ؟! و كأن همسته لها "لقلـبك ياسديم ! " تتكرر داخل أذنيها دون توقف ! يرغب في الحصول على قلبها أو ما تبقى من حطام قلبها حين وصلت إلى تلك الفكرة أوقفت سيارتها خارج بوابة قصر "سامح" و بدأت الدموع تجتمع داخل عينيها محاولة ابتلاع مرارة حلقها وارتشعت شفتيها ترفع يديها و تسير بها حول عنقها بشكل عشوائي و أغمضت عينيها بقوة قبل أن تنفجر فجأة باكية واضعة يدها فوق قلبها الذي لازال يقرع كالطبول و صرخت بغضب تتحدث إلى قلبها و كأنه شخص يتجسد أمامها :
- كنت خايفة من كدااا !!! أنا كنت خايفة منكككك!! عايز يوصل للباقي منك !!!
إرتخت قبضتها و سارت الدموع فوق خديها وقد سيطرت الرعشة على نبرتها حين أكملت هامسة :
- أنا خايفة !!!
أسندت رأسها إلى عجلة القيادة و استمرت بالنحيب و البكاء فترة و قد عجز قلبها عن إجابتها أو محاولة طمئنتها بدقات واهية و تركها بين طبوله التي تقرع بقوة و بين صرخات عقلها بها أنها على حافية الهاوية و أن دروب العشق لا تصلح لقلب مهترئ مثل قلبها !! قلبها الذي أعلن فجأة عن تواجده حين نظر هذا الرجل داخل عينيها تلك النظرة الراغبة و كأنه يمارس تعويذة سحرية خاصة به ، لازالت لمساته فوق عنقها وذراعها تدفعها إلى القشعريرة و كأنه أمامها و لازال قلبها ينتفض حين لمسته تلك النظرات الحانية لازال ولازال و لن تتمكن تلك المرة من إزالة مشاعرها أو التحكم بها !! تتمكن فقط من سماع صرخات قلبها وهو يقول لها لقد تغير مالك الأغلال ياسيدتي و عقلها يهدر بغضب أنها تدفع روحها إلى الهلاك !!!!
و أرواحنا مثل المنازل المحصنة قفل أغلالها هو قلبنا إن امتلك أحدهم مِفْتَاحُ الأغلال لسكن المنزل في الحال ، فكن على حذر عن تسليم مقاليد روحك أيها السيد !!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
أفاقت على صوت الهاتف الذي ارتفع يحذرها من الانسياق خلف مشاعرها بتلك اللحظات العصيبة و أنارت الشاشة باسم الصديق المقرب "كريم" !! تنهدت و أجابت على المكالمة ثم فتحت مكبر الصوت و بدأت تجفف دموعها و تستمع إلى حديثه بفتور حيث قال بقلق بالغ :
- إيه ياسديم كل دا متكلمتيش خالص ؟!! حصل حاجه معاهم و روحتي فين دلوقت أنا معايا نيرة أهوه زي مااتفقنا !!
أجابت بصوت متحشرج قليلًا و هي تتحرك بالسيارة وتدلف من بوابة القصر :
- و وصلت و التيم بعتلي رسالة أنهم على وصول عقبال مااطلع واشوف الجو إيه هيكونوا وصلوا قبل سامح ، خد بالك من نيرة ياكريم أنت عارف سامح ساامعني !!
سألها بدهشة بعد أن طمئنها على تواجد شقيقته بأمان معه :
- متخافيش ياسديم أنا اتأكدت إن محدش متابعنا و روحت على شغل بابا الأول عشان اشتت الانتباه وبعدها اتحركنا وعلى الطريق أهو ، بس مال صوتك أنتِ بخير ؟!!
بخير !!! وهل يأتيها الخير منذ رحيل والدها بل منذ أن أصبحت تلك السيدة القاطنة بالأعلى هي صاحبة الأمر والنهي بأحوالها !!!!
ابتسمت ساخرة وهي تهبط من السيارة و تلتقط هاتفها تضعه فوق أذنها بعد أن أغلقت المكبر و أجابت باستنكار :
- آه أنا بخير أوي ياكريم !
ظنها قلقة بشأن رحيل شقيقتها و والدتها لذلك أجاب بلطف جاهلًا ما حدث بينها وبين "آسر" : معلش ياسديم أنتِ بتحاولي تصلحي غلطات مش بتاعتك و هتشوفي هترتاحي إزاي قي الآخر أنا فخور بيكِ و أكيد عمو دلوقت مبسوط باللي بتعمليه !!!
ما كان ينقصها سوى ذكر والدها الراحل بتلك اللحظة !!! رفعت أناملها تتحس القلادة حول عنقها بحزن شديد تحارب تجمع الدموع مرة أخرى داخل عينيها و أردفت وهو تواصل سيرها داخل الممر المؤدي لغرفة والدتها :
- أنا هقفل عشان وصلت ياكريم ! مش هوصيك على نيرة تاني خد بالك منها أنا مش بثق غير فيك ياكريم !!
استمعت إلى إجابته : متقلقيش نيرة في عنيا أنتِ عارفة هي غالية عليا إزاي !
تنهدت و أغلقت الهاتف تراقب الأجواء من حولها ثم أوقفت إحدى المعاونات التي تتحرك بالرواق و قالت بهدوء :
- سامح مش موجود ؟
هزت الأخرى رأسها بالسلب و أردفت مبتسمة بتهذيب :
- لأ و قالي أول ما حضرتك تيجي أبلغه !
عقدت حاجبيها حين وجدته على علم بقدومها و تنفست بهدوء تهز رأسها ببسمة مجاملة وتقول بلطف :
- طيب أدخلي قولي للممرضة اللي جوا تخرج و تستنى تحت عشان احاسبها و بعدها ابقي بلغيه !
تحركت على الفور تلبي طلبها و سارت خلفها "سديم" بخطوات هادئة وكأنها تحاول كسب وقت لاستجماع شتات أمرها هي على موعد مع مواجهة شرسة إن حاولت والدتها مقاومتها فقط لتتمكن من إنهاء الأمر بسلام هنا ثم بعدها تتفرغ لمواجهة الخال المحتال !!!!
دلفت إلى الداخل و أغلقت الباب بإحكام ثم تحركت تجاه والدتها "نبيلة" التي راقبتها بأعين متسعة مشتاقة قابلتها نظرات خاوية من ابنتها بل هي نظرات ألم واضحة وقد ظهر بحديثها حين جلست فوق الفراش تثني ساقها أسفلها و تنظر مباشرة إليها هامسة ببسمة شاحبة دبت الرعب بقلب "نبيلة" خاصة بعد رؤية الاحتقار داخل عيني صغيرتها :
- عاملة إيه ؟ بخير !
ظلت والدتها تراقبها بنظرات قلقة متوترة بعض الشيء بينما واصلت "سديم" و نكست رأسها حين شعرت أن عينيها على وشك خيانتها في تلك اللحظة تحديدًا :
- أصل أنا مش بخير !
ازدردت رمقها و بللت شفتيها تقاوم اختناق نبرتها و أكملت تسألها بدهشة مصطنعة :
- هيفرق معاكِ و هتنامي بليل بعد معلومة زي دي عادي ! ولا هتقعدي قلقانة عليا ومش هتعرفي تنامي زي أي أم طبيعية بتحب بنتها ؟!!
بدأت الدموع تجتمع داخل عينيها وارتعشت شفتيها بوضوح تسألها بنبرة ساخرة بعد أن اقتربت بوجهها منها و رفعت رأسها تحدق داخل عيني والدتها الدامعة :
- بالمناسبة صحيح هو أنتِ بتحبيني ؟ بفرق معاكِ و بوحشك وكدا ؟! ولا عادي تقعدي شهور مش بتشوفيني ولا تعرفي أنا فين عايشة أو ميتة مش هفرق كتير مش كدا ؟
سقطت دموع "نبيلة" وسارت عينيها فوق ملامح ابنتها تراقب شحوب وجهها بحزن و قد بدأ القلق يجوب قلبها على فلذة كبدها تستمع إلى كلماتها عاجزة عن الرد أو المواساة و قد لعنت عجزها بتلك اللحظة مئات المرات حيث منعها عن بث الطمأنينة داخل فتاتها التي تعاتبها بألم واضح و قد أتت اللحظة التي ارتعبت منها أعوام !!!
عقدت "نبيلة" حاجبيها و راقبت ابنتها و هي تعبث بحقيبتها وتخرج هاتفها تضبط معدل الصوت الخاص به ثم بدأ التسجيل الصوتي الذي علمت منه "نيرة" الحقيقة يتسلل إلى أذني والدتها لتستمع إلى حديث شقيقها معها منذ فترة قليلة يصدح من هاتف يخص ابنتها ، ابنتها التي تنظر إليها الآن بنفور واضح داخل مقلتيها و ألم بالغ !!!
ازداد هطول دموعها و إن كانت عاجزة عن الحديث ومشاركة مشاعرها ومواستها المتأخرة لكنها ليست عاجزة عن التعبير بدموع عينيها و نظراتها التي صرخت بالألم لأجل فلذة كبدها و لأجل صمتها الإجباري و عجزها عن احتضانها بتلك اللحظة !!! كيف تخبرها أنها نادمة أشد الندم و إن عاد الزمان لن تفرط بها مرة أخرى بل أن تضحيتها بها أسوأ ما فعلته على مدار سنوات عمرها الفاني ، وأنها أخطأت !
ظهرت بسمة ساخرة فوق شفتي "سديم" و همست بألم حين طال العتاب الصامت و النظرات المتبادلة بينهما :
- نيرة عرفت كل دا !!!
اتسعت عينيها برعب واضح مما دفع "سديم" إلى الضحك بقوة و عادت برأسها إلى الخلف تضع أناملها فوق شفتيها و سألتها باستنكار واضح و الألم قد اشتدت داخل نبرتها لتخرج كلماتها باختناق واضح :
- إيه داا خوفتي على صورتك في عينها !! طيب وأنا !!! مخوفتيش عليا !!!!
عقدت حاجبيها مرة أخرى و قد بدأت الشراسة تتمكن من نبرتها و تجاهلت السبب الرئيسي لتواجدها الآن مكملة :
- لا بجد بتنامي بليل مرتاحة و أنتِ مش عارفة مكاني ؟! طيب أول مرة رمتيني لسامح ندمتي عليها و شوفت دا بعيني ، تاني مرة ليه قبلتي تيجي هنا ؟!!!! ليه رجعتيني ؟ خوفتي تخسري ايه تاني ! خسرتي صحتك و جوزك و بنتك ! و نيرة اللي كنت بحارب عشان أبعدها عن كل داا عرفت خلاص !!! نيرة اللي كانت بريئة لدرجة كنت بخاف عليها من نفسي عرضتيها لأصعب نظرات ممكن تواجهها ، نظرات بتقطع فيا لما بشوفها في عيون الناس بس أنا استحقها عشان أنا فعلًا نصابة لكن هي ذنبها إيه !!! كل حاجه حواليكِ بقيت خراب و أنا دلوقت مقدرش ألومك لوحدك لأني اتهزمت ، كنت شايلة ذنب بابا و ذنبك و شايفاني بتعذب قدامك و كل دا وهم !!! الفلوس كانت أهم مني عندك بجد ؟ أهم من بنتك !!!!!
لازالت عينيها تحارب الدموع التي تود الإنفجار في شلالات لا تتوقف و قد خسرت المعركة حين أصرت القطرات على الاندفاع من مقلتيها و سارت فوق وجهها الجميل دون توقف لتتوتر أنفاس "نبيلة" وتظهر داخل عينيها نظرات رجاء وكأنها تطالب بصمتها !!! نظراتها تلك دفعتها إلى الجنون و شعرت أنها تود أيضًا سرقة حقها المشروع بالصراخ بها عن جريمتها الشنعاء في حقها لذلك لم تذعن إلى رغبتها الواضحة بتوقفها عن الحديث و بللت شفتيها تواصل حديثها بقهر كانت تكتمه لأعوام و تخبئه عن الجميع لكن بتلك اللحظة و أمام منبع ألمها رفضت الصمت تلك المرة وسألتها :
- عاوزاني أسكت مش كدا ؟! معلش بقا هضايقك واتكلم المرة دي ولا أقولك أنا ممكن أديكِ ملخص سريع عن اللي مش عايزة تسمعيه عارفة أنتِ حرمتيني من إيه ؟! عارفة استغليتي صلاحية امومتك إزاي ؟! في مراهقتي رمتيني لأخوكِ يعمل مني نصابة أما بقا في شبابي مقدرتش ارد على الراجل الوحيد اللي شاف سديم زي أي بنت من حقها تتحب ! بس كدا خلصت الحدوتة عجبتك !!!
طرقعت بأناملها و كأنها تذكرت شيئ ثم أكملت وهي تضرب جبهتها بخفة :
- لأ لأ استني احكيلك تفاصيل بقاا عشان تضحكي النهاردة في راجل قالي عاوز أوصل لقلبك ! تخيلي في واحد طموحه يوصل لقلب واحدة زيي ؟ لأ ومش أي راجل ، دا راجل أنا بنصب على عيلته وقع في حب شيطانة زيي !!! طيب بذمتك مش كلام يضحك ؟! عارفة أنا جسمي لحد دلوقت بيترعش ومقدرتش أبص في عينه حتى ؟!!! لا مش مقدرتش أنا اترعبت و جريت من قدامه كأني حرامية بالظبط أصل لو بصيت هقوله إيه ، أنا من ساعة ما بدأت أحس أنه قرب زيادة بقيت اتجنبه و ابعد و اهرب و اعمل مش فاهمة كلامه بس النهاردة هو جاب آخره و كان مستني مني رد تخيلي ؟! أصل مش معقول يحب واحدة ميعرفش عنها أي حاجة و أنا مكسوفة حتى أحكي عن اللي حصل عشان مصغرش نفسي في عين اللي حواليا ، أقول ازاي إن أمي وصلتني لكدا !!!!
تلاشت السخرية من نبرتها و بدأ الاستسلام يسيطر على كلماتها و عينيها لازالت تجوت ملامح أمها التي تغمض عينيها بندم بين حين و آخر و حين تفتحهما يطل الألم الممزوج بالندم على حالة جميلتها التي يرثى لها ، تجاهلت "سديم" نظراتها و بكائها و أكملت باختناق :
-أقوله إزاي إن قلبي اللي نفسه فيه دا باهت و لو فكر يقرب منه هيلاقيه أسود ليل من الضلمة ، أنا معرفتش أعمل إيه ولا أروح فين ، معرفتش أرد عليه و أقوله يبعد عني عشان لو عرف سديم الحقيقية هيكره اللحظة اللي فكر فيها يقرب منها ، أنا كل مااحاول أسامحك يطلعلي وجع جديد يفكرني إني جوا دايرة مقفولة وإني مهما لفيت مش هخرج من إطار محدد رسمتيه ليا منغير ما تعرفيني ! بأي حق تعملي فيا كدا ؟!! أنا لو سامحتك على كل حاجه عملتيها عمري ماهسامحك على شعوري دلوقت ، عمري ماهسامحك إني شايفة نفسي مستحقش الحب زي أي بنت في سني !! مستحقش أغمض عيني وأنا مش خايفة ومش شايلة هموم ومطمنة إن فيه حد جنبي !! الوحيد اللي بحس جنبه كدا مش هقدر أظلمه مع واحدة زيي ، والأسوأ مستحقش ابقا زي أي بنت في سني بتغلط و تتعلم من غلطها زي البشر عادي مش مجرد آلة عايشة عشان تنصب وتخدع في الناس رمتيني في جحيم مش بيخلص ووصمتيني بالعار غصب عني ، أنا بموت بقالي أيام عشان أقدر اخرجك من هنااا من المكان اللي فرضتيه علينا كلنا عشان ترتاحي ومتتعبيش لحظة واحدة عشان ولادك !
أمسكت يدها تضعها فوق موضع قلبها الذي ينتفض الآن من فرط ألمها و صاحت تحارب اختناق الحديث الذي تأخر كثيرًا و كانت تنتظره منذ أعوام لتصرح عنه و الآن زاد الأمر سوء حين أنعش قلبها بنظراته و أعاد النبض إلى قلبها من جديد :
- سامعة قلبي داااا ؟!!! أنت خلتيني أتمنى كل يوم أنه يقف واخلص من الوحل اللي اترميت فيه والنهاردة بالذات اتمنيت الموت مليون مرة عشان مش عارفة اتحكم فيه !!! متعيطيش عشان أنا مش عارفة اصدق دموعك دلوقت ، مش قادرة اصدق إن اللي لعبت بيا من كام سنة بتعيط على حالي دلوقت كنتِ مستنية إيه و أنتِ بتحوليني من ملاك لشيطان ؟!!! كنتِ مستنية إيه و أنتِ بترميني لأخوكِ اللي خلاني كدا ؟!! خليكِ عارفة إني مش هسامحك أبدًا على حياتي دي و رغم إني جاية اخدك معايا ونمشي من هنا لكن أنا بعمل كدا عشان نيـرة مش عشانك ولا عشاني حتى !
وقفت تنظر إليها بعدم تصديق قبل أن تهمس بألم و وهن :
- أنا ازاي هونت عليكِ كداااا !!! دا أنا مش هاين عليااا اسيبك لأخوكِ حتى و أمشي أنا وأختي !!! أنا بكره نفسي عشان ضعيفة معاكِ رغم قسوتك عليا !!!!
تحركت مسرعة من أمامها وغابت داخل المرحاض الخاص بالغرفة ثم خرجت و كأنها تبدلت بأخرى حيث استعادت نظراتها الراكدة و أمسكت المحارم الورقية تجفف وجهها الذي بللته بالمياه و هي تعبث بهاتفها ثم رفعته إلى أذنها تأمر أحدهم أن يصعد لها مسرعًا ، تحركت تجاهها وهي تقول بجفاء :
- الناس طالعة تجهزك بسرعة عشان نمشي من هنا وأنا هنزل اتفاهم مع أخوكِ أهو وصل !
قالت كلماتها وهي تراقب البوابة من زجاج النافذة ثم غادرت الغرفة تاركة إياها تراقب حركتها بعجز و لا أحد يدرك أن الأمر شديد القسوة عليها و دمار ابنتيها هكذا غالي الثمن خاصة ألم قلب ابنتها إلى تلك الدرجة لقد أهلكت روح تلك الجميلة و صنعت منها آلة كما أخبرتها ، لقد تسببت بدمار عائلتها و قتلت مستقبل ابنتها و عرفت ابنتها الأخرى أنها الفاعلة !!!!!
داهمتها الذكريات و مر عليها جميع مواقفها مع صغيرتيها ، كانت حياتها رائعة لكنها انهزمت أمام أول أزمة حقيقية و كانت التضحية سبيلها الوحيد هكذا فعلت أمها هي أيضًا حين تركتها صغيرة مع أخيها "سامح" و شقيقتها التي تزوجت و توفت بعد ثلاث أعوام من زواجها و إنجاب صغيرها و انقطعت الأخبار بعدها ، أما شقيقها لم يهتم لأحد سوى نفسه و مصالحه الخاصة إلى أن قابلت والد ابنتيها الرجل الرائع الذي أحبها دون شروط و حاول بشتى الطرق أن يوفر لها حياة كريمة هي و ابنتيهما ، و كانت "سديم" شديدة القرب له حيث كانت هي كاتمة الأسرار و منبع الأمان للمنزل الصغير ، لقد كان يخبرها أن لها مكانة خاصة هي أول بهجة و قطعة مشتركة بينهما ، إن أقسم لها أحدهم من أعوام أن صغيرتها سوف تجلس أمامها في يوم ما بقلب محطم و روح منهكة و تخبرها أنها الفاعلة لصرخت به أنه كاذب !!!! سخرت من حالها وهي تتخيل عودة حبيبها الآن و رؤية مااقترفته بحق قطعتهما المشتركة ، ليعود و يرى جميلته و هي تنازع هكذا بين دروب الحياة وكأن نظرات عتابه الآن تتجسد لها الآن و كأنها تسمع صوته يسألها بقلق عن مصير صغيرته المجهول و خاصة مع تواجد هذا الرجل الذي حدثتها عنه للتو ؟ لقد أطفأت مصباح روح صغيرتها و قُضي الأمر !!!!
ذكريات مشتته و تشوشت الرؤية و قهرها الآن أشد من ذي قبل ، مشهد قهر ابنتها الآن يؤلم قلبها أو ما تبقى من قلبها بينما عودة قرة عينيها ورغبتها في إنقاذها من بين براثن أخيها ماهو إلا خناجر تطعنها بها وهي على يقين أن هناك المزيد بين جنبات قلبها لم تفصح عنه في عتابها وأن ما تحدثت عنه ماهو إلا قشور جريمتها فقط !
لقد تمنت رغد العيش لهن و تطمح في حياة سعيدة بأموال طائلة و مستوى معيشة محدد و مرفه حتى إن كان الأمر استغلال لهذه الفتاة ، هل كانت تكره أمها حين ضحت بهم ؟! إذًا لقد فعلت الأسوأ مع ابنتها و دمرت روحها هي جانية قتلت برائتها و لوثت حياتها و لم تحاول ابنتها فعل المثل معها لم تتركها وترحل مع شقيقتها لقد عادت لأجلها بل و سوف تواجه "سامح" من جديد !!!!!
انتفض قلبها و اتسعت عينيها حين أدركت أن ابنتها على وشك مواجهة جديدة ونقاش جديد و ماضي قريب سوف يتجدد اليوم وهي هنا عاجزة يتحرك من حولها فريق كامل لنقلها حيث أرادت ابنتها الجميلة !!!!
أما بالأسفل وداخل غرفة المكتب تحديدًا وقفت "سديم" تعقد حاجبيها حين وجدت "سامح" يتحدث إلى أحدهم أثناء اتجاهه إليها بل و هذا الصوت الأنثوي تعرفه جيدًا إنها "روزاليا" !!!!!
وبالفعل ظهر خالها و اتجه إليها يُقبلها فوق خديها وهو يسألها بدهشة :
- إيه العربيات اللي برا دي ياسديم ؟
لم تنظر إليه بل سلطت عينيها على "روزاليا" التي ابتسمت لها و ظهرت بعدها "أميرة" أيضًا وقد تراقصت بسمات الانتصار الغريبة على وجهها عكس "روزاليا" التي حدقت بها بغضب شديد و كأنها تود الفتك بها !!
صرفت "سديم" عينيها عنهن و نظرت إليه متجاهلة سؤاله تردف متسائلة بحذر أن يتحقق ما تخشاه !! :
- بيعملوا إيه دول هنا !
عقد "سامح" حاجبيه من طريقتها الجافة المكللة بالإزدراء ثم نظر إلى السيدات و أردف باعتذار :
- آسف ياجماعة اتفضلوا ارتاحوا ، سديم لسه متعرفش عرضكم مش أكتر !
كادت تتحرك "أميرة" تجلس حيث أشار لكنها توقفت محلها حين استمتعت إلى "سديم" تقول باشمئزاز و رفض قاطع :
- هما مين اللي يتفضلوا وعرض إيه أنت إزاي تتفق معاهم من ورايا ؟
صمت "سامح" حين توجهت "روزاليا" إليها تقول بنبرة لطيفة رغم نظرات عينيها المشتعلة التي تكاد تحرقها :
- سديم أنا مبحبش الغدر و رغم كدا عديت ليكِ اللي حصل امبارح و وصلت لسامح النهاردة بعد كلامنا في المستشفي وقولت أجي نتفق فين مشكلتك بقا ؟
قابلت "سديم" نظراتها المشتعلة بأخرى باردة ثم أردفت ساخرة :
- غدر ! آه فعلًا أنا غدارة أوي معرفش إزاي واحدة طيبة زيك اتعاملت معايا ؟
بينما وقف "سامح" عاقدًا حاجبيه يراقب تفاقم الحديث بينهن بدهشة و قد أدرك أنه يجهل العديد من الأمور بل أن ابنة شقيقته تخفي العديد من الأمور عمدًا و لكنه تدخل قائلًا بلطف حين وجد نظرات "سديم" توجهت إليه وتحمل غضب مبالغ به تجاهه :
- سديم حبيبتي روز جاية عشان مصلحة الكل احنا مش هنخسر حاجة بالعكس هي كل اللي عاوزاه تدخل بيت عاصم عن طريقك لآخر مرة !
أضافت "روزاليا" بتأكيد و تحذير واضح وهي تقترب منها بنظرات متحدية : و خدي بالك لأني مش هسمح لحد يهد كل اللي بنيته في سنين و لو ماأخدتش اللي أنا عايزاه هعتبركم انتوا اعداء ليا !
رد "سامح" في الحال ببسمة لطيفة :
- روز أنا قولتلك إحنا مش مع حد ضد حد إحنا بنشجع اللعبة الحلوة و اللي مصلحتنا معاه !
رفعت "سديم" حاجبها و قالت ساخرة باستنكار :
- روز !!!!! اممم واضح أنكم بقيتوا صحاب أوي في كام ساعة بس من امتا بتتكلم باسمي ياسامح ؟ مين هي اللي بتشجع اللعبة الحلوة ؟
اشتد غضب "روزاليا" و اهتاجت حين وجدت نبرة السخرية تزداد و نظرات "سديم" اللامبالية قد افقدتها شعورها و تقدمت منها تهدر بصوت مرتفع :
- أنا مش هسيب حق بنتي يضيع عشان واحدة زيك ساااامعة !!!! غضب عنك هتعملي اللي أنا عايزاه أنا عندي استعداد اعمل أي حاجه عشان اخد حقي منهم ، أنا بعمل حساب كل خطوة ومش من مصلحتك تعاديني أبدًا !
أزاحت "سديم" نظراتها عنها و نظرت خلفها حيث تقف "أميرة" متوترة مما يحدث بل و تنظر إلى ساعة يدها بين حين وآخر وكأنها تنتظر أمر ما ، أثارت فضولها و تذكرت في هذه اللحظة والدتها و التي عليها الإعتناء بها إلى أن تخرج من هذا المكان آمنة !!!!
تحركت من محلها بخطوات سريعة تاركة إياهم في حالة ذهول و رفعت هاتفها تتحدث به لكن ألجمتها الصدمة من الحديث حين وجدت الضيف الجديد أمام عينيها يراقبها عاقدًا حاجبيه و صاح فجأة بغضب ناظرًا خلفها :
- شااايف بعينك يا آسر !!!!! أهي اللي مآمن ليها و مقعدها معانا و بتدافع عنها شاايف بعينك مين معاها هنا !!!!
أغمضت "سديم" عينيها بغضب من تسرع "سليم" الماثل أمامها يحاول تأكيد إتهام باطل و إثبات أنها تتآمر على العائلة رغم ما فعلته إلى الآن معهم !
فتحت عينيها و استدارت تراقب الفزع على ملامح "أميرة" أما "روزاليا" تقف مبتسمة بهدوء بجانب "سامح" الذي كان يتضح من ملامحه أنه يجهل مايحدث حوله عادت بنظراتها إلى الجهة الأخرى حيث يقف "سليم" و بجانبه الضيف الأخير "آسر" الذي كان ينظر إليها هي فقط ينتظر حديثها لكنه قرر تحطيم حاجز الصمت وتوجه إليها يهمس بعدم تصديق : دا بجد ؟
رفعت عينيها تنظر إليه بغضب وكادت تتحدث وتنفي ظنونه لكن صرخ "سليم" غاضبًا وهو يتجه إليه و قد احتدت نظراته حين نظر إليها :
- هو إيه اللي بجد ؟!!!! أنت لسه هتصدق النصابة دي !!!!! واقفة مع روزاليا قصادك أهو مستني إيه تاني !!!!!
عقد "سامح" حاجبيه و رفع هاتفه يحاول التواصل مع الأمن في الخارجي لكن لا يوجد اجابه لذلك توجه إليه يقول بدهشة : انتوا إزاي دخلتوا منغير الأمن ما يبلغني ؟
توجه "سليم" بنظراته إليه و هدر منفعلًا :
- أمن إيه أنت كمان مفيش حد برااا ، وهي دي مشكلتي أساسًا !!! انتوا شوية نصابين دا أنا هوديكوا في ستين داهية !!!
و أكمل ينظر إلى "آسر" الذي لم يقطع تواصله البصري معها : أنت لسه هتشكك في اللي بيحصل بص بعينيك حواليك و أنا شوفت بعيني أختها و صاحبهم وهو طالع على الطريق مسافريننن !!!
انتقلت عينيها بفزع إليه حين تحدث عن شقيقتها و ما أرعبها أن "سامح" لم يندهش بل كانت إجابته غريبة حيث صرخ بغضب حين وجده يتطاول عليه بشكل خاص : أنت مجنون ؟ متعرفش بتكلم مين !!!!! أنا اقـ..آآآ .
قطع حديثه حين وجد شقيقته تهبط من الأعلى بصحبة الفريق المختص الذي أحضرته ابنتها لتتسع عينيه و يتوجه إليهم معترضًا طريقهم صائحًا بغضب : إيه دا انتوا مين وبتعملوا إيه هنااا ؟!!
لا تعلم كيف تطورت الأحداث هكذا في دقائق معدودات اجتمعت الأطراف المتضادة و أصبح خروج والدتها من هذا المكان أشبه بالمعركة الحامية وما زاد الأمر تقعيدًا و دفعها إلى التوتر هو تواجده معها الآن حيث وقف يطالعها دون غيرها بنظرات مترقبة يخشى خذلانها له منتظرًا تصريحها الخاص و كأنه يبحث عن مبررات لجميع أفعالها و هذا ما يجعلها مشتته معه ، لكن الآن ليس التوقيت المناسب له بل هو أسوأ توقيت على الإطلاق توجهت إلى "سامح" واعترضت طريقه قبل وصوله إليهم تردف بهدوء :
- دول تبعي أنا هنقلها من هنا على بيتي الجديد !
عقد حاجبيه و اتجهت أنظار الجميع لهم باهتمام بعدها تحركت أنظارهم المذهولة من فوق "نبيلة" بينما تابع الفريق طريقهم إلى الخارج و حاول "سامح" الاعتراض صارخًا بهم :
- سديم وقفي المهزلة دي حالًا !!!!
أجابته ببرود مريب : لأ مش هسيبها ليك تاني ، هسيبك بقا لعروضك و اتفاقتك و هاخدها و امشي أظن كدا خالصين !
اقترب منها "سامح" و هو يشتعل قائلًا بصوت جهوري :
- سديم أنتِ اتجننتي!!!! الناس دي هتاخد أمك على فين !!!!
والدتها !!!!! هل هذه التي خرجت محمولة فوق مقعد متحرك مع هذا الفريق هي والدتها !!! كانت الصدمة من نصيب جميع المشاهدين لاحتدام الموقف بين الخال و الابنة المتمردة خاصة هو وقف يراقب ما يحدث بترقب وا هتمام بالغ بل وسلط أنظاره عليها ينتظر توضيحها و لم تبخل به عليهم حيث قالت باستنكار وقد احتدت نظراتها و ظهرت شراستها بالحديث :
- اتجننت عشان قررت أخد عيلتي وامشي ؟ فوق ياسامح أنا كنت معاك بمزاجي قبل مااعرف اللي فيها واحمد ربنا إني هسيبك في حالك بعد اللي عرفته !
داخله يتراقص الآن من كلماتها هل تود الرحيل و ترك خالها المحتال ؟!!! هل تبتعد عن هذا الطريق برغبتها أم أنه لم يتمكن من استيعاب ما يحدث !!!!
أصاب "سليم" أيضًا الذهول و راقب بدهشة تقدُم "سامح" منها بخطوات سريعة يهز رأسه بالسلب مردفًا بتوتر و رفض قاطع وهو يقترب منها و يضع يديه فوق كتفيها بلطف :
- سديم حبيبتي اعقلي إيه اللي حصل بينا لكل دا !!! ليه تصرفاتك بقيت غريبة كدا ياسديم ! وليه عايزة تنقلي أختي من بيتها ؟
حاولت تجنب النقاش معه خاصة في هذا الموقف و لأنها تود إنهاء الجدل دون خسائر تنهدت بهدوء و أجابت مستنكرة رد فعله وحديثه تعود بجسدها إلى الخلف خطوتين بينما ارتفعت يديها و أزاحت يديه عن كتفيها بنفور :
- لأ متقولش إنك مش فاهم اللي بيحصل ! سامح أنا مش هكمل معاك خلاص و هاخد أختك لبيتها الحقيقي فعلًا !
إصرارها الذي ينضح من عينيها أشعل رعبه وغضبه و ارتفع صوت الخال يقول بغضب وكأنه يكذب ماتحاول فعله :
- يعني ايه أمك تتنقل من قصري منغير مااعرف ياسديم !!!! هو أنا عيل معاكِ ؟ بتدخلي تاخديها من بيتي من ورايا و عايزاني أخرس منطقش !
رفعت حاجبها الأيسر و عقدت ذراعيها أسفل صدرها تقول باستنكار :
- من وراك ؟ سامح اصحا من الغيبوبة دي أنا باخدها قدام عينك ، هو أنا بسرق و لا أنت وصي علينا وأنا معرفش ، مش فاهمة إيه اللي يضايقك إني اخدها ونقعد في بيت منفصل عنك ؟
هز رأسه بالإيجاب و حاول رسم بسمة صغيرة وهو يتجه ناحيتها و هو يقول برعب من استنتاجه :
- يعني أنتِ بتاخديها بس و مش هتسيبيني ياسديم ؟!! يعني لسه مكملة معايا !!!!
نظرت إليه بصمت و لم تعقب على حديثه ليقول محاولًا استدراج عطفها : سديم أنا عارف إني ضايقتك في الفترة الأخيرة و عارف إني اتسرعت دلوقت باتفاقي مع روزاليا من وراكِ بس خلاص اعتبريني مقولتش حاجة ولا اتفقت معاها أصلًا ، مشي الموضوع زي ماتشوفيه !
اندفعت "روزاليا" تجاهه وهي تصرخ بغضب واضح :
- يانصاب يامخادع أنت فاكرني لعبة معاك !!!! أنت متعرفش بتلاعب مين !!!!!
تفاقمت الأمور واشتعلت الأجواء و نظر "آسر" إلى "سليم" بدهشة حين استمعا إلى اعتراف "سامح" اللفظي بل و شاهدا بعينيهما رغبتها في الرحيل و تمسك الخال بها بشكل مبالغ به ومثير للشكوك عقد "آسر" حاجبيه حين وجدها تنظر إلى باب القصر وكأنها تستغل إنشغال خالها مع "روزاليا" حيث صاح "سامح" غاضبًا بها و هو يحدق بها بشراسة :
- أنتِ اللي متعرفيش سديم عندي إيه !!!! أنا لايمكن اخسرها عشااانك ، أنا لا يمكن اخسرها عشان أي مخلوق مهماا كاان !!!!!
صرخ بعدها بالحرس و طاقم المساعدة الخاص به و الذي ارتص بلحظة من حولهم و وقفت "سديم" تراقب تأزم الموقف بخوف داخلي كبير حيث والدتها بالخارج بمفردها و هي هنا داخل معركة قاسية على وشك البدء وبالفعل صاحت "روزاليا" و هي تعبث بهاتفها :
أنااا كدا كدا خسرت كله و الحيوانة دي السبب في كل داااا هي اللي قالت لعاااصم إنه مش بيخلف و هي اللي خربت كل خططك دي مش بتسااعدك دي بتلعب لصالح اللي واقف داااا !
أشارت إلى "آسر" الذي كان بحالة من الصدمة حين استمع إلى كلماتها و ردد ينظر إلى ابن عمه الذي لم تقل صدمته عنه بمقذار ذرة : مش بيخلف !!!!!
تفاقمت الأحداث و صرخت "روزاليا" بجنون وهي تتجه إليها : أنتِ عملتي كدا لييييه مين معاكِ بيساعدك !!!!!
لم يشعر بحاله وهو يتحرك بجسده يخبئها خلفه ويواجه "روزاليا" بنظرات متحدية غاضبة حيث أمسك يدها التي كادت تمتد إليها بسوء و أردف بخشونة :
- أوعي تقريي منها !
ما كان من "سليم" سوى الإنضمام إلى ابن عمه خاصة حين صاحت "روزاليا" تهدر بإنفعال :
- دي نصبت عليك هتحميها دلوقت ؟! كرهك ليا هيخليها تهرب بمصايبها بسهولة !!!!
ضغط فوق يدها ثم تركها فجأة بقوة ليرتد جسدها إلى الخلف بينما أردف هو بتحذير صريح و قد احتدت نظراته :
-متقربيش منها ياروزاليا لأن أنا اللي هقف قصادك !!!!
عقدت "أميرة" حاجبيها حين وجدتها تصرخ باهتياج و تدفع "آسر" بقوة من صدره لكنه لم يهتز بل ظل محدقًا بها بتحدٍ سافر أشعل فتيل جنونها أمام الجميع و كأن تصرفاتها اليوم غير مألوفة بل وتصل إلى حد فقدان العقل حيث عبثت بخصلاتها وبعثرتها بعنف و هي تنظر حولها بغضب قبل أن تحدق بباب القصر و كادت تتحرك تجاهه لكن أدركت "سديم" نواياها و هرعت قبلها تركض إلى الخارج حيث اتضحت لها نواياها تجاه والدتها !!!!!
لكن تأخر الوقت و وجدت الفريق الذي كان بصحبة والدتها اختفى و والدتها فقط داخل السيارة المغلقة و قد ظهر الحرس الخاص بـ "سامح" من حولها فجأة و وجدت "روزاليا" تخرج خلفها و تقول بسخرية :
- أوه سديم طلعت بتخاف !!!!!
نظرت إليها بغضب و راقبت تقدمها منها وتحديقها بها بسخرية لاذعة و بسمتها الماكرة تُزين ثغرها وهي تهمس لها :
- أنا كنت خايفة كدا لما جابولي بنتي ميتة !!!! سيلا اللي سرقتي اسمها !!!!!
صرفت "سديم" عينيها اللامعة بدموع الخوف عنها ونظرت إلى السيارة التي تجلس داخلها والدتها العاجز تستمع إلى "سامح" يقول بغضب موجهًا حديثه إلى "روزاليا" :
- أنتِ فاكرة هتخرجي من هنا حية بعد اللي بتعمليه !!!!
انطلقت ضحكاتها و قالت وهي تهبط الدرج بخطوات رشيقة وكأنها تتراقص فوقه متجهة إلى السيارة بين الحرس الخاص بها : نو يا سااامح هخرج غصب عنك مع المامي بتاع سديم أو اقولك عندي فكرة تجنن !!
قفزت محلها ودارت حول نفسها ثم اتجهت إلى "سديم" مرة أخرى و وضعت يديها فوق وجنتيها تهمس لها بسخرية :
- أنتِ كنتِ عاوزة تاخدي مامتك وتمشي ياروحي ؟ كنتِ عاوزة تبعدي عن الشرير سامح بعد ما خربتي كل اللي عملته من سنين عشان انتقم من عاصم و فاكرة إني هسيبك مبسوطة ! نو سديم نو ، دلوقت تقدري تختاري اقتل سامح ولا مامي ؟!!!
لم تتحرك شفتيها بل ظلت تحدق بسيارة والدتها المذعورة بالداخل و بدأت عينيها تذرف دموع من نوع خاص و بعد أعوام من انعدام الرهبة أخيرًا عادت لها في أشد المشاهد قسوة وانتفض قلبها برعب داخلها تستمع إلى صوت ضحكات "روزاليا" الساخرة و التي قالت بصوت مرتفع :
- أوه سااامح دي بتعيط ريلي بتعيط !!!!! ومش مركزة معاك اعتقد اختيارها واضح وبصراحة أنت غدار وتستاهل !!!!
صرخ بها "سليم" بغضب بينما توجه "آسر" بخطوات خفيفة تجاه السيارة : كفاية بقااا جنان مش مستاهلة كل دا مشكلتك معانا إحنا خلينا نتفاهم ونوصل لحل !!!!
توقف "آسر" محله بالقرب من السيارة حين نبهتها "أميرة" الماكرة بصوت مرتفع :
- متحاولش على الفاضي ياااا آسر !!!!
نظر الجميع إليه عدا "سامح" الذي ارتعب من اختيار "سديم" و أشار بعينيه إلى الحارس القريب منها ثم إلى السيارة ، أغمض الحارس عينيه ثم فتحها بإشارة واضحة منه أنه أدرك رغبته و بالفعل أخرج السلاح الخاص به مطلقًا أول طلقة عشوائية في إتجاه إطار السيارة و انتفض الجميع و بدأ تبادل إطلاق النيران و اتسعت عيني "سديم" تركض تجاه سيارة والدتها لكنها توقفت فجأة صارخة برعب حين وجدت "روزاليا" توجه سلاح إلى زجاج نافذة "نبيلة" بينما بدأت سيارة حراسة "روزاليا" تتحرك بسرعة في عكس اتجاه السيارة الأخرى بهدف إنقاذها والفرار من المكان وقف "آسر" بجانبها و قال بصوت جهوري :
- روزاليا مش هتستفادي حاجه لو ماتت سيبيها وأنا اوعدك هعملك اللي أنتِ عايزااه !!!
كادت تصرخ به لكن بلحظات انطلقت الرصاصات على جسدها و على السيارة المتحركة و قد طالت سيارة "نبيلة" رصاصات طائشة أو ربما تكون مقصودة و بجزء من الثانية انفجرت السيارة الخاصة بوالدتها بعدما استقر جثمان روزاليا فوق الأرض أمام أعين "أميرة" التي خرجت من مخبأها تزامنًا مع صرخة "سديم" !!!!
أسرع "آسر" إليها مكبلًا جسدها داخل أحضانه يمنعها من الاقتراب من حطام السيارة المشتعلة والتي تقف على بعد أمتار منها حاولت دفع جسده بعيدًا عنها إلى أن خانتها قواها و سقطت أرضًا ترفع عينيها برهبة و تراقب ألسنة النيران المتراقصة بتكذيب لتخرج صرخاتها المدوية من أعماق قلبها : ماماااااا !!!!!!
و تلك المرة فراق بلا عودة ، ألم جديد ينتظرها و ثمن باهظ تدفعه نفس بريئة رغبت في الخلاص من أغلال روحها المخادعة !!!
بينما خرج "سامح" يراقب الخراب من حوله بأعين متسعة و خاصة حين وقعت عينيه على سيارة شقيقته المشتعلة ليصرخ بـ"أميرة" التي انتفضت تعود إلى الخلف برعب حين أشهر سلاحه بوجهها قائلًا بعنف : قتلتوهااا يا ولاد الـ****** !!!!!
و انطلقت رصاصة أخيرة تخترق جسدها لتسقط أرضًا بجانب قدم "سليم" وتنتهي ليلة قاسية أخرى في حياة تلك التي استقر جسدها بأحضان ابن عمه بعد أن ودعت والدتها وداع يليق بها و يترك لها هي ذكرى مؤلمة !!!