اخر الروايات

رواية لعنة الخطيئة الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة احمد

رواية لعنة الخطيئة الفصل السادس عشر 16 بقلم فاطمة احمد 

الفصل السادس عشر : ألغام.
_________________
" لا تنسَ أن تكون حذرا ... وأنت تخطو فوق ألغام الكراهية! "
صدر طنين مزعج من حولها فرمشت عيناها بخفة واختار العقل العودة إلى الواقع بعد رحلة الاوعي التي عاشتها ...
وبحلق جاف وأنفاس شائكة أطبقت كالسلاسل الحديدية على صدرها باعدت جفنيها، وتعطلت مداركها العقلية لثوان عندما ارتطمت نظراتها في السقف قبل أن تشعر بألم يكاد يفتك برأسها فتبدأ أحداث التهجم عليها تتدفق لذاكرتها رويدا رويدا.
وهنا انتفضت نيجار بذعر تمكن منها مستوعبة بأنه كان حقيقة وليس كابوسا خاصة عند انتشار الألم في جسدها لتنتبه إلى ذلك الصوت الذي تمقته بشدة وهو يردد :
- حمد لله على السلامة.
صدرت هذه الجملة من حكمت التي كانت واقفة بجانب السرير وتحدق بها من فوق بنظرات خبيثة تحمل كُتلا من الشرّ فنظرت لها نيجار بذهول انقشع تلقائيا وحل مكانه الجمود حينما انحنت عليها الأخرى وابتسمت بقتامة مغمغمة :
- شوفتي آخرة اللي يتجاوز حدوده معايا يا بنت الشرقاوي ... بيتضرب ضرب البهايم زيك كده.
كانت حكمت في أوج رضاها وهي تراها بهذه الحالة التي تشفي غليلها وتذكرت كيف اتفقت مع أولئك النسوة على مهاجمة نيجار ثم أرسلتلها للخارج عمدا وضربوها.
وبعدما فقدت الوعي أعادتها للسرايا وهاهي جالسة بوجه مكدوم وجسد مضروب ... مُهانة ذليلة !
بينمت التمعت عينا نيجار بحرقة وأحست بالدم يكاد يخرج منهما وهي تطالعها بحقد أهوج بنظراتها الصقيعية وانكمشت ملامحها مكشرة بوحشية لدرجة أن حكمت ظنت بأنها ستتهجم عليها مجددا أو تنهار وتدخل في نوبة بكاء هستيرية ، بيد أنها تفاجأت حينما رأت نيجار تبتسم ببلادة وتهسّ أمام وجهها مباشرة :
- لا، أنا شوفت واحدة بتكدب وتخدع عشان تاخد حقها لأنها مش قادرة ترجعه بطريقة تانية من بنت في سن حفيدتها بس بصراحة خيبتي ظني أنا كنت متوقعة تاخدي بتارك مني بطريقة تليق بمقامك.
صمتت لبرهة مطالعة إياها من الأعلى للأسفل بشكل مستفز ثم تابعت بضحكة مستهزئة :
- خليتيني اطلع ولميتي عليا كام واحدة من الشارع عشان يضربوني ... مش حضرتك كبرتي ع الحركات ديه بردو.
اتسعت عينا حكمت لوقاحتها وجرأتها حتى بعد ما تعرضت له واحتقن وجهها بغل واضح أما هي فاِبتسمت بجلادة جعلت هذه الأخيرة تعتدل في وقفتها وتغادر الغرفة لينقشع شموخ نيجار ويحل مكانها الإنكسار وتبدأ أوصالها بالإرتجاف تتبعها دموعها التي نزلت واحدة تلوَ الأخرى شاهدة على قهرها تتذكر كيف ضُربت وقالت إحداهن أن التهجم عليها كان بتوصية من حكمت و آدم.
هل هذا ما آلت إليه الأمور هل تحولت من نيجار القوية إلى فتاة ذليلة تتعرض لشتى أنواع العنف ولا تصدر صوتا وهل ذاك الذي أعاد لها صورة والديها هو نفسه من خطط لهذه اللعبة !
عادت دموعها تنزل بشكل مضاعف وامتلأت روحها بالحقد حينما همست بنبرة متحشرجة :
- انت يا آدم تعمل فيا كده انت اللي مكنتش بتطيق نسمة الهوا تضرب وشي بس انا اتفاجأت ليه كنت متوقعة منك ايه يعني.
بعد بضع دقائق فُتح الباب ودلف آدم بهدوء ليجدها تتوسط السرير وتضم قدماها لصدرها واضعة رأسها على ركبتيها بصمت وسكون، رشقها بنظرات باردة ثم وضع هاتفه ومفاتيحه مغمغما :
- مش المفروض تكوني تحت عشان تشوفي طلبات ستي ولا الهانم واخدة اجازة النهارده.
نزل صوته على أذنيها كحمم من نار وأحست بقلبها يمتلئ كرها وبغضا في هذه اللحظة فرفعت رأسها ببطء ونظرت له وهو يوليها ظهره وينزع معطفه ثم تشدقت بنبرة اتسمت بالبلادة :
- لا أنا واخدة فترة نقاهة قصيرة عشان اقدر استرد طاقتي ... وهحرص على انك تاخد واحدة زيها.
نطقت آخر جملة وهي تحدق في التحفة الطينية الموضوعة على المنضدة لتنهض بهدوء وتلتقطها كان هدفها واضحا وهو رد الضربة إليه وهذا ما كانت ستفعله حقا حينما رفعتها في الهواء تنوي الهبوط بها على رأسه لولا أن آدم استدار فجأة وقبض على يدها في آخر لحظة صائحا بذهول غاضب :
- انتي بتعملي ايه !
- سيبني انا هاخد بتاري منك واندمك على اللي عملته بقولك سيبني !
صرخت نيجار في وجهه بشر وتوعد بينما تتخبط كي يفلتها بلا فائدة بينما ناظرها الآخر بعدم استوعاب وكأنها مخبولة حتى استطاع جعلها توقع التحفة لتنكسر إلى أشلاء ليهدر بحدة :
- انتي اتجننتي واعية للي بتهببيه ده عايزاني اكسر عظامك دلوقتي عشان ترتاحي.
دفعها بعنف فتراجعت هي للخلف لكنها بقيت تصرخ وتهدده فنهب آدم الخطوات الفاصلة بينهما نهباً وعيناه تقدحان شررا إنطفأ على حين غرة وهو يبصر أخيرا صفحة وجهها المكدومة ! تسمر مكانه يطالعها ببلاهة لحظية متسائلا :
- ايه اللي ع وشك ده.
مطت شفتها بإستنكار من وقاحته وإدعائه الجهل فأجابته بحدة :
- نتايج خطتك العظيمة انت وحكمت هانم ايه معجبتكش عايز تزود عليها ؟
لم يصله مقصدها واضحا بل زاده جهلا ليردد بذهول وهو يفكر في شيء واحد فقط :
- ستي اللي عملت فيكي كده انتو اتخانقتو !
رغم كرهه لشيطنتها وعدم ترددها في أذية أي شخص أمامها لكنه متيقن بأنها لن تسمح لجدته بضربها بهذه الطريقة دون مقاومة لذا لم يكن يعلم إن كان هذا هو السؤال الصحيح، في حين أن نيجار صاحت بغطرسة بعدما أوشكت على الوصول للجنون :
- انت من امتى بتدخل في ألاعيب قذرة زي ديه على الأقل متعملش نفسك مش فاهم يعني مكفاكش تخليني انزل على ركبتي واعتذر من جدتك وأبوس ايدها ومكفاكش تهينني قدامهم كلهم وتعاملني كواحدة ملهاش قيمة جيت في الاخر وخليتهم يضربوني ... مش كنت بتتكلم ع الغدر وبتقول عني خاينة وخبيثة ومليش أمان قولي انت فرقت ايه عني بعد اللي عملته !
ضربت صدره بإنهيار متابعة :
- لحد امتى هتفضل تنتقم مني كرهك هيخلص امتى اقتلني مرة واحدة وريحني بتستغل اني مبقدرش ارجع لبيتنا وقاعد تعذب فيا كفاية بقى كفاية.
تفاجأ آدم من هجومها وكلماتها غير المفهومة كأنها تكلمه بلغة أخرى ليفقد عقال صبره ويمسك ذراعها بقوة مغمغما :
- أنا مش فاهم كلمة من اللي بتقوليه ولا عارف بتحكي عن ايه اتكلمي زي الناس وفهميني لأني ااا...
قاطعه صرخة من نيجار لكن هذه المرة كانت صادرة عن ألمها وهي تحاول إبعاد يده فقضب حاجباه بشك هامسا :
- في ايه مالك.
لم ترد عليه وقد بدأت تشك في حقيقة تعاونه مع جدته لأن صدقه كان واضحا ومع ذلك التزمت الصمت فزفر بصبر نافذ وبدأ بفتح أسرار بلوزتها تحت دهشتها من تصرفه حتى نزعها كليا وألقاها على الأرض ليذعر آدم وهو يرى العلامات الزرقاء متفرقة على عنقها وكلتا ذراعيها !
وزع بصره بينهم وبين وجهها دون أن ينبس ببنت شفة بعدما ألجمت الصدمة لسانه وأحس ببوادر الجنون تلفحه حتى تشدق بدهشة :
- ايه كل ده مين عمل فيكي كده وامتى ... اتكلمي !
نطق آدم آخر كلمة بصوت عالٍ اخترق باب الغرفة ليصل إلى الأخريات فاِلتمعت حدقتاها بدموع ترفض النزول وردت عليه بصلابة :
- روح اسأل جدتك اللي خلتني اطلع برا البيت بحجة الطلبات وبعتت حريم تمسكني وتضربني بالشكل ده.
- متكدبيش.
- أنا مش بكدب ستك المحترمة اللي الكل بيشهد بوقارها وإحترامها خلتهم يتكاترو عليا والنتيجة اهي زي انت ما شايف.
ردت عليه بثقة ليشد شعره بأعصاب تالفة وعقل مرهق من كمّ الأحداث التي عاشها اليوم والآن تصدمه هذه الفتاة بحادثة جديدة دون أن يستوعب متى خرجت من السرايا وتعرضت لكل هذا وعادت لتقف أمامه وتخبره بالتفاصيل وكيف حدث أصلا وأين هو من كل مايحدث ؟
انحنى آدم فجأة والتقط البلوزة الملقية على الأرضية وألبسها إياها ثم سحبها من يدها حتى وصلا لغرفة الجدة طرق الباب ودخل قبل أخذ الإذن منها فنظرت له تلك الجالسة على الكرسي الهزاز وقالت برخامة :
- خير ياحفيدي انت جاي تمسي عليا.
رد عليها بسؤاله وهو يشير إلى نيجار بحدة :
- الكلام اللي قالته ديه صحيح انتي بعتيها برا البيت وخليتي الحريم تضربها ؟
لم يظهر عليها الإضطراب أو أي محاولة منها للإنكار بل رفعت رأسها بشموخ مجيبة بشكل مباشر :
- ده اللي كان لازم يحصل.
أسدل جفونه مغطيا الخيبة التي غزت عيناه لثوان ثم فتحهما وأشار لنيجار بالخروج كادت تعترض وتعاند لكن ملامحه المكفهرة أرجعتها عن محاولتها فزمت شفتيها وغادرت على مضض إلا أنها وقفت عند الباب مجربة سماع ما سيقولانه.
أما في الداخل رشقها آدم بنظرات واجمة وغمغم من بين أسنانه :
- انتي ازاي تعملي كده وتحطيني في الموقف ده ازاي تخلي شوية **** يتهجمو على بنت الشرقاوي ويوصلوها للحالة ديه.
لم تكترث حكمت بعتابه بل كل ماكان يهمها في هذه اللحظة ويرضيها هو أنها أخذت بثأرها من عديمة الأصل تلك وجعلتها تفقد وعيها من الألم، لذا وقفت أمامه مباشرة وهدرت بتنعت :
- البت ديه غلطت معايا وخدت العقاب اللي بتستحقه وخليها تشكر ربنا لأني مقتلتهاش ورجعتها جثة لأهلها.
- وأنا مش راجل ملي عينك عشان ياخدلك حقك منها مش جبتها وخليتها توطي ع ايدك تبوسها وتعتذر منك قدام الكل !
- انت راجل وسيد الرجالة ياحفيدي بس أنا عمري ماكنت هكتفي بإعتذارها وأنت عارف الحاجة ديه كويس !
- وطالما شايفاني راجل ليه تحطيني في موضع الغبي اللي مش عارف بيحصل ايه فـ بيته ازاي تطلعيها برا البيت رغم اني نبهت عليكو مليون مرة متخلوهاش تعتب خطوة واحدة.
إعترض متشدقا بإستنكار حاد لتختفي قشرة حكمت الصلبة وينكمش وجهها بحقد مبرطمة :
- اوعى تكون صعبت عليك ؟ نسيت عملت فيك ايه والوجع اللي خلتك وخلتنا نعيشه نسيت أنها ضحكت عليك وكانت هتقتلك البت ديه بتستاهل كل شر والمرة الجاية هخليهم يكسرو عظامها.
- هي مراتي أنا.
- أيوة نفسها قليلة الرباية وعديمة الأصل.
- هـي مـراتـي أنـا !!
هذه المرة صرخ آدم بعنف وسخط كمن تلبسه عفريت وتابع برعونة غير آبه بوصول صوته للبقية :
- مهما حصل ومهما كانت الطريقة اللي اتجوزنا بيها ميمنعش أن نيجار شايلة اسمي وأي حاجة تمسها بتمسني لما تبعتي ناس تضربها فـ ده هيبقى تعدي على حرمة آدم الصاوي وسمعتي ومكانتي أنا اللي هتضرر يا حكمت هانم.
سمحتلك تعملي فيها ما بدالك ومتدخلتش يوم حرقتي صورها جيتلك ووعدتك اني اخليها خدامة تحت رجليكي وتعامليها بالطريقة اللي حضرتك عايزاها لحد ما اطلقها وتغور في داهية بس بشرط الأحداث ديه متتجاوزش عتبة بيتنا بس انتي عملتي ايه ؟ اتخيلي اللي حصل النهارده يوصل للعمدة ولا لعيلتها هيبقى ايه موقفي.
كل هذه الكلمات نزلت على أذن نيجار التي كانت تسترق السمع إليهما وأحست بالسعادة حين وجدته يصرخ ويخبر حكمت بأنها زوجته لكن سرعان ما اضمحلت تعبيراتها المنشرحة وتحولت لغضب ممزوج بالإحباط عندما قال بأنه يفكر في سمعته ومكانته.
أهذا هو سبب عصبيته وإعتراضه هل كان جل إهتمامه متمثلا في إحتمالية وصول الأخبار إلى العمدة فيتضرر.
حسنا وماذا كانت هي تتوقع هل اعتقدت بأن آدم حزن عليها وغضب من أجلها ؟ ابتسمت بمرارة لا تدرك سببها وعادت إلى غرفتها أما في الداخل طالعته حكمت بدقة وتفرست في عينيه جيدا حتى ظن بأنها ستُعري دواخله وهنا تلفظت بما جعله ينصدم للمرة الثانية على التوالي :
- وهتفضل ع رأيك لما تعرف انها لسه بتحاول تغدر فيك ؟ نيجار خدت موبايل أم محمود النهارده الصبح واتصلت بصفوان ولو مصدقتنيش روح اسألها وخلينا نشوف لو عندها الجرأة عشان تنكر.
أغمض آدم عيناه وأغلق فمه كاتما شتيمة لاذعة ولعن نيجار بداخله قبل أن يفتحهما ويردد نفس الكلام :
- كنت متأكد انها هتحاول تتواصل مع الـ*** ده بس متوقعتش انها هتقدر تعملها بسرعة كده.
ومع ذلك ايوة لسه عندي نفس الرأي يا ستي ومش عايز اسمع عن الموضوع ده تاني ... ودلوقتي تصبحي على خير.
إنحنى وقبَّل جبينها وغادر بينما ظلت هي واقفة وتشخص بصرها في الفراغ حتى همست :
- أنا شوفت شوية خوف عليها فعينيك قدرت أشوف ازاي هي صعبانة عليك بس مينفعش مستحيل اسيبها تمشيك ع هواها.
________________
فتح باب الغرفة ودلف فوجدها جالسة على طرف السرير تحدق في الفراغ بشرود وبمجرد رؤيته نهضت من مكانها وقابلته مباشرة قائلة بلهجة قوية :
- انتهيت من نقاشك مع الست هانم ياترى خططتو لـ ايه المرة ديه تقتلوني وتخبو جثتي ولا المحترمة بتفكر في حاجة تانية غير القتل.
رفع حاجباه محذرا إياها :
- اتكلمي عليها كويس ده أولا وثانيا مفيش داعي تقلقي لأن الموضوع ده مش هيتكرر تاني.
- لا والله كتر خيرها معلش يعني انت فاكرني ايه بالظبط شايفني واحدة بتضرب وتسكت عادي ؟
- لا شايفك واحدة بتقدر تاخد حقها ومبتفكرش مرتين قبل ما تحاول تضربني بالفازة ع دماغي وده اللي كنتي هتعمليه من شويا لو موقفتكيش بس معلش اعتبريها مقابل لعمايلك فيا مش انتي بردو غفلتيني وضربتيني بخنجر مسموم وسبتيني مرمي جوا النار.
رد عليها آدم بنبرة مستهزئة أجفلت نيجار لوهلة ثم عادت وضمت يديها ناقمة :
- ده لأن الست إياها قالت كلام بمعنى أنك متفق انت وستك عليا مكنتش بعرف انك برا الموضوع ومع ذلك مش هسكت والكلام ده هيوصل للعمدة وساعتها ابقى وريني بتقدر تعمل ايه مش حضرتك شايل هم العمدة.
قصدت هي تهديده بما يخافه ولكن آدم الذي كان شبه متأكد من أنها وقفت خلف الباب واستمعت لحديثه مع جدته رمقها بتطليعات ساخرة معقبا :
- والكلام هيوصل للعمدة ازاي هتتصلي بصفوان تاني وتقوليله الحقني دول ضربوني وعنفوني ؟ مالك متفاجأة كده أنا فعلا بعرف انك اتصلتي بإبن عمك النهارده الصبح بس مفكرتيش فـ اني من الأول قاصد اهددك عشان تخافي وتتواصلي معاه بس تعرفي ايه ... لجانب انك غدارة وملكيش أمان طلعتي كمان واحدة غبية.
شهقت نيجار بدهشة وإستهجان للإهانة الموجهة إليها بينما أضاف هو هاتفا :
- الندل اللي معتبراه أخوكي باعك ليا عشان ميضحيش بأخته الحقيقية ووافق يحطك معايا في أوضة واحدة وهو متخيل أنا ممكن اعمل فيكي ايه بس مهتمش واعتبرك كبش فدا لكن مع ذلك انتي لسه بتساعديه وبتخاطري بسلامتك عشانه معقول للدرجة ديه معندكيش كرامة وإحترام لذاتك ولا المسكينة بتعمل كل ده عشان يعتبروها واحدة منهم بعد ما أهلها الحقيقيين اتوفو.
سكت يسترد أنفاسه ثم تابع بقسوة غير آبه بوجهها الذي شحب من هول ما أُلقي على مسامعها :
- طب أنا هسألك وحاولي تكوني صريحة معايا لمرة واحدة انتي لو رجعتي اتصلتي بصفوان دلوقتي وقولتيله الحقني آدم وجدته ضربوني بتقدري تضمني أنه هيسيب اللي فـ ايده ويجي ياخدك ويقول مش هسيب اختي معاه و في داهية السلطة والعمودية، ولا هيقولك معلش استحملي كام يوم زيادة لأني مشغول ومش ملحق.
اهتزت حدقتا نيجار بجرح أليم وأحست بقلبها ينجلد بسياط من نار وهو يضربها بالحقيقة المرة في وجهها ..حقيقة أنها بلا مأوى ولا أحد سيستقبلها في المنزل التي هي فرد منه ! وأن الأخ الذي ضحت بالكثير من أجله رماها بنفسه ولا يتوانى في كل مرة عن تخييب أملها وهي الآن لا تملك خيارا سوى الصمت لأنه وببساطة صفوان لن يُنصفها نهائيا.
لم تتكلم ولم ترد عليه بكلمة واحدة كي تهاجمه بعدوانيتها المعتادة مثلما توقع، بل تركته وتوجهت إلى الخزانة مخرجة من داخلها الأغطية وأفرشتها على الأرضية لتنام عليها مولية ظهرها له بعدما أخذت المنديل المشهور وضمته بيدها،فتأملها آدم لبضع لحظات ثم زفر وغادر المكان وهو يشعر بالإختناق ...
___________________
بعد مرور يومين وداخل بساتين عائلة الصاوي.
كان يشرف على العمال ويراقب أشغالهم بينما يمسك دفترا في يده ويسجل كمية الفواكه والخضر الجاهزة للنقل في الحال والكميات المخزنة وهو يردد بجدية :
- الشحنة ديه هتروح للحج محروس دلوقتي بالكمية اللي طلبها اهي فاضل شحنة الحج عثمان وديه هننقلها بكره ... كلمت عيسى يا فاروق ؟
أجابه الآخر بإيماء :
- أيوة وزي حضرتك ما وصيتني أنا قولتله انك رفضت طلبه ومادام سبق وفسخ العقد معانا مش هنقدر نرجع نتعامل معاه من تاني حتى لو تراجع عن الشراكة مع صفوان.
همهم برضا متذكرا التاجر الذي تخلى عنه فجأة وعقد مع صفوان ثم عاد له بحجة أن الزبائن لم يستسيغوا الفواكه الآتية من بستان الشرقاوي وكانت مبيعاته أقل من المعتاد حينما كان يشتري من عنده لكنه رفض الإتفاق معه مجددا وأخبره بأنه لا يود تجارا لا قيمة للكلمة التي تخرج من أفواههم.
فعاد فاروق وتكلم مستفسرا :
- بس اللي مفهمتوش طالما عيسى قالك انه مستعد يفسخ الشراكة مع ابن الشرقاوي ليه موافقتش و اهو تبقى ضربت عصفورين بحجر منه بترجع تتعامل مع أقوى التجار ومنه تخلي صفوان يخسر.
رد عليه ببساطة وعملية :
- لأني اكتشفت أن عيسى ده اتراجع عن التعامل معانا بسبب شخص أقنعه ويمكن طمعه بوعود تانية وأنا مش مستعد اشتغل مع انسان كلمة توديه وكلمة تجيبه مبحبش اللعب ده والمخاطرة في شغلي عشان اجاكر حد حتى لو هو عدوي اللدود.
وبعدين احنا لسه بندور على مين كان بيحاول يضرني في الشغل ولما الاقيه ساعتها يبقى يحلها الف حلال.
إقتنع بوجهة نظره وابتسم برضا معقبا :
- عندك حق انت اكتر واحد بيخلص في شغله وكنت متأكد أننا مش هنقع مع ان انسحاب عيسى والمستثمر المفاجئ أثر علينا لكن الشحنة اللي اتفقنا عليها جديد هتخلينا نعوض الخسارة.
أومأ آدم بإيجاب وربت على كتفه هاتفا :
- ربك مبيسيبش حد يافاروق احنا دورنا نشتغل بضمير والباقي بـ إيد ربنا سبحانه وتعالى ... بقولك انت وصلت صناديق الفواكه والخضر للبيوت المعتازة زي ما وصيتك صح وكمان الحبوب والبقوليات.
- أكيد ده أنا تابعتهم بنفسي امبارح والعايلات فضلوا يدعولك ووصوني اسلم عليك.
- كويس متقصرش معاهم يا فاروق وشوف أحوال العمال بتوعنا خاصة الشباب اللي لسه بتدرس خد بالك منهم.
- متشلش هم.
نهض آدم وبدأ بالسير حتى تفاجأ بوجود صفوان يقف مقابلا إياه !
ورغم إندهاشه من مجيئه على غفلة إلا أنه رسم على وجهه الجمود وتقدم منه مغمغما :
- نورت أرضي المتواضعة يا صفوان خير ايه سر الزيارة السعيدة ديه ولا أقولك اتفضل وادخل الأول.
سحب صفوان ذراعه قبل أن يلمسها الآخر وقال بغلظة :
- سيبك من جو الرسميات ده وخلينا نتكلم في موضوعنا بعتقد انت عارف أنا جاي ليه.
كتم إبتسامته بداخلة وإدعى الجهل وهو يهتف :
- مش فاكر اني عارف حاجة تخص سبب زيارتك خير في حاجة ؟
أخذ نفسا عميقا ولفظه على دفعات متفرقة كي يهدأ ولا يفتعل مشكلة أمام الجميع فيظهر نفسه بمظهر الأحمق، ونظر له مباشرة وسأله دون مقدمات :
- انت بتراقبني صح وحاطط جواسيس عليا كمان.
- اوف جواسيس مرة واحدة كده معقوله انا عملت كل ده.
قالها بذهول مصطنع ثم استطرد بتلميح :
- ايه اللي خلاك تفكر في اني براقبك مانا بعيد عنك وكافي شر نفسي اهو.
لم يستطع الآخر تقديم حُجة مناسبة فبماذا سيخبره هل يقول بأن نيجار هي من اتصلت به وأخبرته أن آدم يعلم بتعاملاته ومسألة القرض من شخص مجهول وهددها بحرق الأرض أيضا.
منذ إتصال ابنة عمه وصفوان في حالة استنفار يفكر بـ كيف عرف تفاصيل عمله ومَن نقل له هذه المعلومات ومتى لقد أوشك على الإصابة بالجنون حرفيا وهو يحاول اكتشاف الورقة الرابحة في يد آدم ومجددا وللمرة التي لا يعلم عددها هاهو يسبقه بخطوة بعدما اعتقد صفوان بأنه سيهزمه ...
كان الآخر مدركا جيدا لما يفكر به وشعر بالرضا وهو يراه يتخبط محتارا إلا أنه لم يُرد إراحته وإخباره بأنه علم بمكالمته مع نيجار لهذا تنحنح وهتف بأسف مزيف :
- الواضح انك تعبان وتفكيرك مشوش علشان كده شغال خيالات وهبد من لما جيت بس معلش أنا متفهم حالتك من جهة شغلك في النازل وحتى المساعدات مش نافعين معاك ومن جهة خايف تقع في الديون من تاني ده صعب بردو.
انتفض صفوان بغيظ واقترب خطوة ينوي مهاجمته لكنه توقف قبل الوصول إليه أما آدم فبقي يطالعه دون أي حركة حتى زفر الآخر بحقد وتركه مغادرا المكان بسرعة وبمجرد ركوبه في السيارة التقط هاتفه وبقي يطالع إحدى الأرقام بتردد قبل أن يحسم الأمر ويتصل قائلا بلهجة صلبة :
- ايوة يا مليجي ده أنا صفوان الشرقاوي ... يمكن احتاجك في خدمة قريبا.
________________
بعد مرور بضع ساعات قام مساعد العمدة بالإتصال بآدم وصفوان وأخبرهم بأن هذا الأخير سيقيم عزيمة فاخرة يوم الغد ودعاهما هما وعائلة كل واحد منهما كما إستدعى كبار المجلس في القرية مع عائلاتهم أيضا ويجب على الجميع تلبية الدعوة ...
إستغرب الإثنان وتساءلا عن السبب ولكن على أي حال أخبرا العائلتين.
وبعد صعود آدم إلى الغرفة دخلت نيجار خلفه وهي تردد :
- يعني أنا كده لازم اجي معاك صح.
تنهد بضيق من مجرد التفكير في ذهابها معه لتبتسم وتفتح الخزانة ثم تستطرد بحيرة مصطنعة من أجل استفزازه :
- بس البس ايه انا عندي فساتين وعبايات كتيرة لسه متلبستش اختار ايه طب انهي لون بيليق عليا أكتر.
- لو في لون بيجمل القلوب والنفوس كنت قولتلك البسيه بس طالما مفيش يبقى البسي أي حاجة.
رد عليها آدم بعجرفة فاِغتاظت منه وهمست :
- على أساس انتو اللي هنا قلوبكم ونفوسكم سليمة ومفيهاش غلطة.
وصلت الجملة لمسامعه لكنه لم يكن يود الجدال معها الآن بسبب إرهاقه فاِختار تجاهلها وبدأ في تبديل ملابسه دون ان يعيرها إكتراثا.
تأملته نيجار بصمت ومن غير دراية منها وجدت عيناها تتحركان على كل إنش يخص جذعه العاري بداية من صدره الصلب وذراعاه اللتان إكتسبتا قوة وضخامة واضحة بسبب الأثقال التي يحملها وينقلها يوميا، حتى ظهره مشدود ومتناسق حسنا لا بد أنه إضافة للمال والسلطة فإن عمله في البساتين والمزرعة أكسبه جسدا رياضيا بحق ... ورجولة مفرطة.
تنهدت بإعجاب فاِنتبه ونظر إليها بإستفهام لتحمحم مستفيقة لنفسها وتدعي العبث في مقتنياتها حتى هتف مستدركا بتجهم :
- بما اني مضطر اخدك معايا فـ مش محتاج احذرك اوعى تحاولي تعملي حركة ممكن تندمي عليها وأهم حاجة متظهريش اللي بيحصل بيننا لحد انا وانتي زوجين طبيعيين اتجوزنا عشان الصلح وعايشين مع بعض عادي من غير مشاكل ... فاهمة ؟
- عايزني اظهر بالشكل ده قدام حكمت هانم كمان ولا معازيم العمدة بس.
- ستي اكتر واحدة عارفة اللي بيننا أساسا.
تجاوزها متوجها للسرير كي ينام إلا أنها قاطعته من خلفه :
- علشان كده انت مخبي عنها حقيقة اللي بيحصل في الأوضة ديه ؟
قطب آدم حاجباه بعدم فهم فتابعت نيجار بدهاء :
- ستك مبتعرفش انك مقربتليش غير ليلة الفرح ومن يومها وكل واحد مننا بينام فمكان منفصل عن التاني ديه حتى جت بنفسها وحذرتني من الخلفة يعني هي مش عارفة اللي فيها.
كتم شتيمة بداخله ودلك صدغيه بإمتعاض لأن هذه الماكرة من الممكن أن تخبر جدته بالحقيقة فتغضب الأخيرة لأنها كانت تود منه أن يذل نيجار في كل مرة يقترب منها ولا تدري بأنه لا يطيق الإقتراب منها حتى.
لهذا رمقها بحدة محذرا :
- وأنا قولتلك من البداية انها كانت ليلة وراحت لحالها ومش هقرب ليكي تاني وانتي عارفة ليه كويس.
- تمام بس ليه خبيت عن ستك ديه كانت حاطة في بالها احتمالية الحمل كمان.
- انتي علقتي ع الموضوع ده ليه اوعى تكوني عايزة ليلة الفرح تتكرر تاني.
تشدق بها ساخرا وهو ينتظر منها المجادلة والقول بأنها لا تريد ذلك لكن نيجار فاجأته حينما أجابت بإندفاع :
- وانت مش عايز يعني ؟
رفع آدم إحدى حاجبيه بغرابة لتستوعب هي ما قالته وتندهش من نفسها فإستطردت بتلعثم محاولة الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها :
- بقصد انك بتتكلم ع أساس اني هموت عليك متقلقش حتى انا بفكر زيك ومش هحكي لحكمت هانم خالص.
رفعت اصبعيها ومررتهما على شفتيها كعلامة على غلقهما وعدم إفشاء السر ثم انسحبت لفراشها تحت نظراته حتى تنهد مبعدا عيناه عنها وإنشغل بالتفكير في أمر العزيمة ... ترى مالذي يريد العمدة فعله بعدما قام بدعوة كبار القرية مع عائلاتهم ولما قام بها من الأساس ؟!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close