رواية لعنة الخطيئة الفصل السابع عشر 17 بقلم فاطمة احمد
الفصل السابع عشر : خليفة المنصب.
__________________
جاء الوقت الموعود واجتمع كبار البلدة لتلبية دعوة العمدة وكلهم يتساءلون عن سبب إقامتها من الأساس
وهاهي نيجار تترجل من سيارة آدم وتطالع المبنى الفخم بإعجاب ثم تنظر لحكمت التي كانت تقف بوقار وهي ترتدي عباءة كحلية اللون ومطرزة تظهر من أسفل معطف طويل ووشاح يلتف حول رأسها محكمة إياه بدبوس فضي فعقدت حاجبيها بنقمة معترفة لنفسها بأن هذه السيدة حقا تملك من الهيبة الكثير فإذا كانت تحضى بإحترام رجال المجلس وهم يلقون عليها التحية بحرارة هي وحفيدها في هذه الأثناء كلما فما بالها إذا بالنساء !
قطع وصلة تفكيرها وصول سيارة تعرفها جيدا ليخرج منها صفوان تتبعانه زوجة عمها وسلمى التي تعلقت عيناها بها في شوق لم تستطع منعه من التسرب إليها لكنها آثرت التحلي بالهدوء حاليا وتحركت إلى الداخل خلف حكمت غير أن آدم قبض على معصمها وأعادها هامسا في أذنها بخشونة :
- اقعدي عاقلة ومتعمليش أي تصرف يضرني أو يحطني في موقف محرج انتي هنا بصفتك حرم الصاوي مش بنت الشرقاوي فـ اتصرفي ع الأساس ده.
تغضن وجه نيجار بضيق من أسلوبه وكلامه الباعثان في نفسها إزعاجا كبيرا بَيد أنها لم تبين له ذلك بل مالت شفتيها في إبتسامة صفراء ورشقته بنظرات باردة صقيعية :
- هفكر في كلامك مع اني مش متأكدة اذا همشي عليه ... ولا لأ.
كز على أسنانه وفتح فمه ليرمي عليها كلماته لكنه توقف مستدركا بأن هذا ليس الوقت والمكان المناسبين للجدال مع هذه الماكرة فتركها مشيرا لها بالدخول دون أن يغفل عن رشقها بنظرة محذرة متوعدة ...
تم اِستقبال الرجال والنساء في قاعتين منفصلتين بينهما جدار متين وقد حرصت زوجة العمدة بمساعدة الخادمات على تحضير كل ماهو فاخر للضيوف من أجل تشريف زوجها دلفت نيجار ونزعت معطفها ليظهر فستانها الشتوي الرمادي الذي انساب على جسدها بنعومة ووصل إلى ركبتيها أسفله حذاء جلدي وطويل يخفي الجزء الظاهر من ساقيها ذو لون أسود شابه لون الحزام المعقود حول خصرها وصففت شعرها الذي يصل لأسفل كتفيها بتموجات منظمة غير غافلة عن وضع إكسسواراتها الرقيقة فكانت لافتة للأنظار بهيأتها المحتشمة الناعمة وبالتأكيد لم تكن هذه النعومة تشبه طبيعتها الجامحة ..
إشرأبت أعناق النساء نحوها مطالعين إبنة عائلة الشرقاوي وكنة عائلة الصاوي التي لم تظهر في أي تجمع لنساء البلدة منذ زواجها من آدم وفي الحقيقة لطالما انتشرت الأقاويل عن سبب إختفائها فمنهن من قالت أم حكمت تعذبها ومنهن من ادعت سماع الإشاعات عن زوجها الذي يذيقها شتى أنواع التعنيف الجسدي حتى تغير شكلها وأخفوها داخل السرايا كي لا تظهر معاناتها للعيان.
إلا أنهن الآن وبعد ظهور نيجار أمامهن بصلابتها المعتادة تأكدن من مدى خطأ تلك الأقاويل خاصة أنها تبدو في أفضل حالاتها.
انتبهت هذه الأخيرة للنظرات والهمسات فزفرت بنفور تلاشى عند إبصارها لسلمى مجددا ولم تستطع هذه المرة منع نفسها من احتضانها هامسة بشجن :
- ازيك.
بادلتها العناق بقوة بعدما كانت مترددة وردت عليها بشوق جارف :
- انا كويسة وانتي عامله ايه أخبارك ... انا قلقت عليكي اوي من آخر مرة شوفتك فيها.
- أنا بخير.
أجابت على سؤالها بهدوء وانزاحت عنها لتحضن جميلة وفي الحقيقة لم يكن عناقها في هذه اللحظة صادرا من قلبها لولا نظرات النساء المصوبة عليها من كل ناحية وهي لا تود أن تلاحظ أي واحدة مشاعر البرود بينهما.
في خضم وصلة تبادل النظرات وكلمات السلام دلفت زوجة العمدة وتعالت عبارات الترحيب والإستقبال من كلا الطرفين...
في الجهة المقابلة كان الرجال يصافحون بعضهم بإحترام ووقار حتى دخل العمدة وغمغم بهيبة :
- السلام عليكم.
ردوا عليه السلام ولم يغفل أحد عن النظرات المصوبة بين آدم وصفوان أحدهما كان يشتعل حقدا وكرها والآخر فضل تجاهله هذه الليلة حتى لا يفتعل مشكلة هو في غنى عنها، جلس العمدة على المقعد الوثير يقابل صفان من المقاعد ملأهم رجال المجلس فتنحنح وقال بصوت عالٍ كي ينتبه له الجميع من هذه القاعة والقاعة الأخرى :
- نورتونا يا جماعة الخير أكيد انتو مستغربين من العزومة ديه وبتتساءلوا عن السبب اللي خليني استدعيكم.
قابلته نفس النظرات المحتارة ليتابع :
- اولا العزومة ديه مجتش فجأة أنا مخططلها من وقت طويل وكان الدافع وراها هو نفسه اللي أهل البلد بيفكرو فيه من ساعة ربنا راد يستعيد أمانته وخد ولدي سليمان لعنده.
تباينت النظرات مابين متأسفة على ذكر وفاة بكر العمدة وأخرى مترقبة بدأت تستنير وتفهم سبب هذه الدعوة ليتحدث مجددا :
- زي الحضور ما عارفين أن المرحوم سليمان كان المرشح الأول للعمودية ورأينا عليه مختلفش عليه اتنين لكن كان نصيبي اني انا اللي ادفن ولدي مش هو اللي يدفنني وبالتالي كان لازم نختار خليفة تاني ليا عشان يتحمل من بعدي مسؤولية القرية ديه ويتقي ربنا في أهلها ورزقهم والإختيار كان صعب عليا لأن المرشحين من زينة شبابنا وعملو واجبهم وأكتر ... واحد بيكون ابن الصاوي والتاني ابن الشرقاوي.
صمت مدوي تداعى في المكان سواء من النساء اللواتي شهقن بخفوت وقد أدركن بأن العمدة على وشك إعلان خليفته استقامت حكمت في جلستها بإحتراز وفعلت جميلة المثل أما نيجار فكان نصيبها من الدهشة كبيرا وفي نفس الوقت أصابها قلق وتلبك من الموقف العسير.
تدرك أن المرشحين الوحيدين هما صفوان وآدم وتدرك بأن كل ماحدث في السابق كان من أجل هذا اليوم ولو سألوها قبل اشهر من الآن عن الشخص الذي تتمنى أن يتسلم العمودية لكانت حينها ستنطق اسم دون تردد ولكن الآن ... الآن ... هي لا تعلم حقا من تريده.
وحين فكرت في هذا الأمر وردتها خاطرة خبيثة هامسة لها بأن آدم لم يكن ليتزوجها سوى ليحتفظ بمكانته وإن حصل على المنصب الآن ربما يقطع الوصل المربوط بينهما !
لم يختلف الأمر كثيرا عند الرجال فلقد كان الترقب والجو المتوتر من نصيبهم خاصة على هاذان الإثنان اللذان كانا وكأنهما يجلسان على الأشواك كل واحد يحدق في الآخر بتطليعات ملتهبة ... لهب أشعل فتيله حينما نطق العمدة فجأة بصلابة :
- الشخص اللي هيبقى العمدة من بعدي هو ... آدم الـصـاوي.
وانقطعت النظرات المشحونة !!
هلل رجال المجلس بمباركة لوريث المنصب برضا على هذا الإختيار ففي كل الأحوال لم يكن هناك من هو أفضل من آدم المتسم بالرجولة والذكاء والرحمة وأهم شيء أنه هو إبن زعيم القرية وحفيد العمدة الراحل لذا فإنه مناسب من ناحية النسب والصفات.
نهض هذا الأخير يقبل يد العمدة بإحترام مغمغما :
- ثقتك هي شرف كبير ليا وان شاء الله اكون قد الثقة ديه.
ربت على كتفه باسما فاِلتف آدم للحضور ووقع نظره على صفوان الجالس بصمت وكأن الطير حط فوق رأسه، ينظر أمامه بعينين متقدتين جمرا وتقطران حقدا فظن أنه سينفجر الآن ويتسبب في شجار لكنه تفاجأ عندما نهض الآخر ومد يده مصافحا إياه بنبرة خافتة ربما لم يدرك أحد كمية الشر الموجودة بها سواه هو :
- ألف مبروك ... انت بتستاهل.
وأضاف بصوت عالٍ نسبيا :
- محدش كان هيليق بالمنصب أكتر من ابن الصاوي ولا ايه رايكم.
ابتسم آدم باِستهانة مختلطة بالغرابة وصافحه متسائلا بداخله ترى مالذي يخطط له في هذه الأثناء فهو يعلم بأن صفوان يكاد ينفجر من شدة الغيظ الآن خاصة أنه انتهج كل الوسائل القذرة من أجل الوصول لهذا المنصب لذا يستحيل أن يتقبل القرار بهذه السهولة.
قرر تأجيل التفكير إلى وقت لاحق عندما دعاهم العمدة للجلوس على سفرة العشاء وكانت عبارة عن طاولة فاخرة امتدت لما يتسع ثلاثين مقعدا واحتوت على أجود وأشهى الأطعمة والمقبلات جلس آدم على الجهة اليمنى للعمدة والذي همس له هذا الأخير :
- أنا مخدتش القرار ده إلا بعد تفكير طويل ومتأكد انك هتبقى قدها لأنك طالع لأبوك وجدك في أمانتهم ونخوتهم ربنا يرحمهم ويحسن اليهم.
أمّن خلفه بصوت رخيم وشكره ليضيف الآخر مستطردا بجدية :
- يمكن صفوان يبقى مضايق من القرار مع انه متكلمش دلوقتي بس خد بالك مش عايز أي مشاكل تحصل.
أومأ وتمتم وهو يلمح هيأة صفوان من طرف عينه :
- متقلقش حضرتك مشاكلنا احنا وعيلة الشرقاوي خلصت من زمان وأكيد صفوان مش هيعترض ع كلام العمدة.
- اتمنى لأنه لو فكر يعمل حاجة غلط هيبقالي تصرف تاني معاه.
بدأوا بتناول الطعام بهدوء وكان آدم يشعر بسهام تحرق وجهه فرفع عيناه وأبصر صفوان جالسا على الكرسي مقابلا له تماما على الجهة اليسرى من مقعد العمدة ويحدق فيه بجمود مريب أثار سخرية هذا الأخير بداخله وهو يفكر أنه على وشك الموت بنوبة قلبية لأن ما حدث يفوق قدرة تحمله.
كاد يبادله النظرات بأخرى مستخفة لولا أن العمدة تحدث بثبات مقاطعا الوصل بينهما :
- بما أنك بقيت خليفتي فـ انت لازم تبدأ في وظايفك من دلوقتي يا آدم عشان يبقالك علم بكل تفصيل ومتنساش انها مسؤولية كبيرة عليك من بعدي.
- ربنا يطول في عمرك.
- محدش هياخد اكتر من اللي مكتوبله المهم انا كنت مروح بكره للجهة الغربية من البلد عشان اطمن على أحوال العايلات والعمال هناك انت عارف ان اوضاعهم مش ولابد من بعد الشتا القوية بتاعت الشهر اللي فات واشوف طلباتهم واحتياجاتهم بس دلوقتي مفيش داعي ليا انت هتروح بنفسك.
أومأ آدم بإيجاب مباشرة :
- أكيد واساسا انا متعود اروحلهم كل فترة هما بيعرفوني كويس.
هز العمدة رأسه موافقا إياه وتابع بقول ما أدهشه :
- وانا عارف قد ايه هما بيعرفوك وبيحبوك بس المرة ديه مش هتروحلهم لوحدك لا هتاخد حرمتك معاك وتخليها تتعرف عليهم وتشوف أحوالهم وتسمع شكاويهم وده ضروري بصفتها حرمة العمدة المستقبلي.
أجفل بتفاجؤ ورمشت عيناه عدة مرات قبل أن يتحكم في رد فعله ويتنحنح كاتما غيظه :
- أكيد ... هعمل زي حضرتك ما طلبت وهوديها معايا.
*** في الجهة الثانية وبعد الإعلان عن خليفة العمدة إبتسمت حكمت بوجه يشع ثقة وغرورا فوق غرورها الإعتيادي بينما اضمحلت معالم الحياة من وجه جميلة التي خافت من أن يفقد ابنها أعصابه ويقدم على فعل مالا تحمد عقباه أمام الجمع الغفير فيصعب بعدها تدارك الأمر فـ انتظرت لدقائق مطولة سماع فوضى وأصوات شجار صادرة من قاع الرجال وارتاح قلبها عندما خابت.
تنهدت باِضطراب وطالعت النساء اللواتي لم تدخرن وسيلة لتملق السيدة حكمت والمباركة لها بعبيرات مبالغ فيها وهي ترد عليهم من طرف أنفها كما يقال لتبتسم وتهنئها بود زائف :
- ألف مبروك يا حكمت هانم حفيدك بقى كبير البلد من بعد عمدتنا ربنا يطول في عمره وطبعا الفرحة مش سايعاكي دلوقتي.
قبضت على عصاها التي تنتهي بقبضة ذات لون ذهبي وقابلت مباركتها ببسمة لم تصل لعينيها :
- الله يسلمك كل واحد بياخد اللي بيستحقه يا جميلة هانم واحنا الحمد لله رجالة الصاوي مصدر فخرنا من الجد للحفيد.
قلبت نيجار عيناها بضجر من تكبرها واِنتبهت لقول إحدى النساء وهي تضحك بإصفرار مدعية المزاح :
- مبروك يا نيجار مع اني مش متأكدة لو لازم اباركلك ع فوز جوزك ولا اواسيكي ع خسارة ابن عمك للمنصب انتي ايه رأيك.
همهمت لاعنة بداخلها ثقل دم هذه المرأة ثم أجابتها بقوة لتخرس لسانها المتطفل :
- ميهمش بقى اذا هتباركيلي ولا تواسيني الأهم تكون مشاعرك صادقة وده كفاية عندي.
بعد عدة دقائق استأذنت نيجار للذهاب إلى الحمام من أجل غسل وجهها وحين عودتها تفاجأت بيد تقبض معصمها وتسحبها للجانب حيث الظلام ارتجت مجفلة وانتفضت بذعر وكادت تصرخ لكن يده كتمت فمها مانعة إياها فـثنت ركبتها وضربته أسفل الحزام دون أي تردد ليطلق صيحة ألم تبعها همسه المكتوم :
- يخربيتك انتي ايه لو قدرت اهرب من ايديكي مش هسلم من رجليكي يعني.
استمعت لصوته واستنار عقلها بالإدراك فتمتمت بهلع دب في أوصالها :
- صفوان ده انت.
وضع اصبعه على شفتيه كعلامة على وجوب صمتها وتحامل على نفسه ليسحبها إلى ما خلف الجدار كي يستطيع رؤيتها في الإنارة الخافتة ثم همس :
- ايوة أنا مكنتش هقدر اكلمك بطريقة تانية علشان كده استنيتك تطلعي من الصالة وجبتك لهنا.
نبض قلبها بعنف وشحب وجهها بخيالات مرعبة عن مجيء آدم الآن ورؤيته لها مع أكثر شخص يبغضه لذا دفعته عنها وتمتمت بعصبية متوترة :
- انت اتجننت مش عارف ان آدم هيفكر في مليون حاجة لو شافنا مع بعض ده لو حكمت مشافتناش بنفسها انا ناقصة يعني.
لكنه شد كتفها وأجبرها على النظر إليها مغمغما بعنف :
- آدم بيه مشغول مع العمدة ورجال المجلس يعني محدش هياخد باله منك ولا مني.
لاحظت ملامحه المتصلبة ولم تستطع منع نفسها من الشعور بالحزن عليه لأنه خسر المنصب الذي لطالما طمح إليه ففتحت فمها كي تواسيه لكنه قاطعها بنبرة لا تحتمل الجدال :
- انا عارف هتقولي ايه كويس بس وفري كلامك لان الوضع ده مش هيستمر كتير.
زفرت أنفاسها المهتاجة متسائلة بتوجس :
- ازاي يعني انت ناوي ع ايه بالظبط.
- ناوي اخلص ع آدم والمرة ديه اتأكد من انه يموت بجد.
نطق الجملة بنبرة إجرامية وملامح لا تمت للإنسانية بصلة فلم تكد نيجار تزن الكلمات في عقلها حتى وجدته يكمل وعيناه تقطران شرا :
- وانتي هتساعديني وبكامل إرادتك المرة ديه !
__________________
إنتهت الدعوة وعاد كل شخص لبيته وبمجرد دخول حكمت لسرايا الصاوي وقفت في منتصف البهو هاتفة بصوت عال يشع فخرا :
- الحمد لله اللي طول في عمري وخلاني اشوف اليوم ده واحس بالفخر لي حساه في اللحظة ديه ماشاء الله عليك يا حفيدي انت طول عمرك مصدر فخر ليا.
ابتسم وانحنى مقبلا يدها بإحترام لتمسح على وجهه متنهدة :
- ربنا يبعد عليك العين الحسود وكل شر يا حفيدي الغالي.
نطقت بالجملة الأخيرة مركزة بعينيها على نيجار التي فهمت مقصدها وصمتت لتقرعها حكمت بحدة :
- انتي واقفة عندك ليه يابت مبتعرفيش ان ام محمود روحت لبيتها ولازم انتي تقدمي الحلوان بدالها ولا محدش علمك الأصول قبل كده.
- لا انا تعلمتهم بس يمكن حضرتك من الفرحة نسيتي انك أمرتي مجيش ناحية المطبخ نهائيا.
أجابتها نيجار بملل وهي تشعر بالإختناق الشديد فرشقها آدم بتطليعات حارقة وقال من بين أسنانه :
- مفيش داعي للحلوان يا ستي حلاوتي الوحيدة هي وجودك انتي واختي جمبي، و اه بعتقد عارفة العمدة طلب مني ايه اعمله بكره ياريت تتكفلي بالتحضيرات.
- زوجة العمدة قالتلي انك هتروح للجهة الشرقية من القرية بكره مع البت ديه عموما متقلقش هعمل المطلوب ... ودلوقتي اطلع نام وارتاح.
ودعها آدم وصعد للغرفة تتبعه نيجار التي ما ان دخلا سويا حتى قالت :
- مبروك على المنصب اللي خدته.
تجاهل الرد عليها متعمدا فتنهدت وشرعت تنزع معطفها وتعلقه بإهمال وفي هذه الأثناء كان آدم يقف أمام المرآة مباشرة ليراها في الإنعكاس بهيأتها وقوامها المشدود بذاك الفستان الضيق الذي ظهر عليها كجلدٍ ثانٍ، تعلقت بها عيناه لهنيهة لم يدري فيها أنهما انجرفتا للمحظور من جسدها فألهبته رغبة أغلق عليها منذ زمن لكن سرعان ما اِستفاق وأشاح بصره عنها مغمغما بنبرة صلبة :
- اظن انك عارفة اننا هنروح بكره مع بعض عشان نشوف الأهالي ومش محتاج اقولك كل مرة ازاي لازم تتصرفي قدام الناس ديه.
نهضت نيجار بعدما نزعت حذائها واقتربت منه بقدميها الحافيتين لتقف خلفه وتقول بثقة :
- متقلقش بعرف ازاي اتعامل كويس وبالمناسبة أنا كنت عاملة دوري حلو اوي النهارده والستات انبهروا بيا يعني صحيح انت بتكرهني بس انا عملت المطلوب مني عشان اشرفك وابسطك ... يا جوزي.
لمس آدم الإستهزاء في نبرتها فاِستدار اليها وانحنى على وجهها هامسا ببسمة :
- هبقى مبسوط اكتر لو مذكرتيش كلمة جوزي ديه تاني.
لكن ابتسامته اضمحلت فجأة حين نزل بعينيه إلى عنقها ورآه مزينا بقلادة ذهبية على شكل عباد الشمس ... نفس القلادة التي أهداها لها ذات يوم على البحيرة وارتدتها يوم طعنته وأحرقت بيت الهضبة !
كز أسنانه بكبت وتوحشت عيناه معيدا في ذاكرته تفاصيل تلك الجريمة المرتكبة بحقه فاِنقلبت ملامحه المنبسطة لأخرى حادة في ثواني لتتوجس نيجار من حالته وقبل أن تسأله عما حدث وجدته يقتلع القلادة بعنف منها !
انتفضت بخضة ونظرت لما بين يديه وهو يرمي عليها كلماته بعنف :
- ايه اللي ع رقبتك ده لبستيه ليه.
ارتبكت من صوته وأحست بالحروف تطير من لسانها فلم تجد ماتقوله ليكمل آدم بكبت ملقيا القلادة على الأرض :
- اوعى اشوفها ع رقبتك تاني مفهوم.
- مش فاهمة سبب عصبيتك في ايه ديه مجرد قلادة وانت اللي جبتهالي هدية أصلا.
بررت نيجار باِضطراب فتصاعد غضبه أكثر وقبض على ذراعها باصقا كلماته بصفاقة :
- وعلشان كده أنا مش عايز أشوفها لانها بتفكرني بالسوء اللي فيكي وازاي عملت قيمة لواحدة مبتستاهلش زيك انتي.
حدقت فيه بصمت قبل أن تسحب نفسها من يده وتنحني على الأرضية التقطت القلادة الملقاة ووضعتها في الخزانة ثم دنت منه مجددا مرددة بتنعت :
- انت لو مش عايز تفتكر قد ايه أنا وحشة يبقى ريح نفسك ومتبصليش عشان تضمن راحة بالك انما مش هتحشر نفسك في اللي يخصني أنا بلبس وبحط اللي عايزاه مش محتاجة رأيك فيه.
- متستفزنيش !
- مش بستفزك ولا حاجة انت اللي مبتضيعش فرصة تضايقني فيها وانا عماله اقول عنده حق ومردش عليك.
حذرها بقسوة وردت عليه هي بإنفعال وتابعت :
- ومفيش داعي تبقى مضايق من ذكرياتك معايا للدرجة ديه لأنك هتخلص مني قريب ... مش حضرتك بقيت خليفة العمدة رسميا وانت سبق ووافقت تتجوزني عشان متخسرش ترشيحك للمنصب يبقى واضح انك مخطط تطلقني او تعمل الأسوء بقى عشان قلبك يبرد وأنا مستعدة ومش خايفة منك.
رمقها آدم باستنكار من عنهجتيها وإدعائها الدائم لإستعدادها لما يريد فعله بها حسنا هي تخبره بأنها لا تكترث لرأيه وأنها ستفعل ماتريده لذلك جذبها من مؤخرة رأسها حينما استدارت لتغادر وضغط بأصابعه على شعرها يلفح وجهها بكلماته الثائرة المتوعدة :
- عندك حق اتجوزتك عشان مخسرش المنصب يعني غصب عني بس هخلص منك بإرادتي في الوقت اللي بحدده أنا ممكن النهارده وممكن بكره وممكن مطلقكيش واخليكي خدامة تحت رجلي ... وبالنسبة لسمعان الكلام فـ انتي مجبرة تسمعي أوامري وتنفذيها بالحرف لأني بتحكم في نفَسك حتى ... يا مراتي.
شد على شعرها أكثر فأغمضت نيجار عيناها محاولة كتم ألمها وعادت تفتحهما هامسة :
- مراتك بـ الاسم بس واحنا الاتنين عارفين طبيعة العلاقة ديه كويس.
رفع حاجباه مستخفا بها واقترب من أذنها يهمس بصوت رجولي ثقيل مرسلا قشعريرة في جسدها :
- يبقى هوريكي بنفسي طبيعة علاقتنا.
أنهى جملته وهو يدفعها على السرير خلفها فشهقت بوجع من قوة السقوط واستندت على الفراش بمرفقيها محاولة الجلوس وهي ترى آدم يخلع كنزته الصوفية ثم يلقي بها بعيدا فجحظت عيناها وركزت بهما على صدره الصلب الذي جعلها تحبس أنفاسها بداخلها ولاحظ هو تلك اللمعة فيها فاِبتسم ابتسامة ذئب وأخذ يقترب منها بملامح لا تنوي خيرا بينما يردد :
- طالما شايفة انك مراتي بالاسم ومبقدرش اتحكم بيكي فـ لازم اغير المفهوم ده عندك واوريكي ازاي بخليكي تحت طوعي ... ياحبيبتي.
ازدردت نيجار ريقها بصعوبة وحاولت القيام لكنه هجم عليها ممسكا كتفيها بقسوة وهو ينفث لهبا بأنفاسه الحارة ومالبث أن هجم على شفتيها يقبلهما بكل عنف !
أخذت بشراسة وضربت صدره مهاجمة ذاك الشعور الذي يصيبها كلما اقترب منها والذي عاشته معه ذات ليلة فأمسك آدم معصميها وأولاهما خلف ظهرها مكبلا إياهما بقبضة واحدة منه ودفعها كي تستلقي وجثم هو فوقها ... مسيطرا على حركتها تماما ...
_________________
أشرقت شمس اليوم الجديد باعثة نسمات دافئة وسط جو بارد فتمطعت في الفراش وفتحت عيناها بإرهاق ظهر على ملامح وجهها بوضوح وزعت بصرها في المكان بغرابة حتى تذكرت أحداث الليلة الماضية فتنهدت وسحبت الغطاء على جسدها باِمتعاض لتشعر بطرف السرير ينخفض فنظرت من فوق كتفها ووجدت آدم جالسا يلتحف برنس الحمام ويجفف شعره بالمنشفة وعندما لاحظ استيقاظها غمغم بنبرة عادية :
- قومي خدي شاور وانزلي ساعديهم تحت.
استلقت على ظهرها وهمهمت ببحة ناعسة :
- اساعدهم فـ ايه بالضبط.
- في ترتيب الحاجات اللي هنوديها معانا انتي نسيتي ولا ايه ستي جابت بنات يساعدو ام محمود في المطبخ فـ لازم تساعديهم انتي بردو عشان نلحق.
أحكمت الغطاء الحريري عليها واعتدلت جالسة وهي تتمتم ممتعضة :
- بس ستك مانعاني ادخل المطبخ ومبتسمحليش اعملك كوباية شاي أكيد مش هتخليني أحط ايدي حتى.
تأفف آدم بضيق واستدار إليها كليا فتوقفت كلماته في حلقه حين أبصرها بهيأتها المهلكة، بشعرها الأشعث وشفتيها المتورمتين والعلامات المنتشرة هنا وهناك وعينيها الناعستين كانت تنظر له بتزمت وعدم رضا فرسم الصرامة على وجهه قائلا :
- يبقى انزلي ساعديهم بأي حاجة غير المطبخ مش هتفضلي نايمة يلا.
قام وارتدى ملابسه على عجالة وخرج أما نيجار فاِنكمش وجهها بغيظ منه وقلدته بحركة مضحكة :
- مش هتفضلي نايمة يلا ... بيتصرف كأن مفيش حاجة حصلت امبارح واحد همجي.
قامت على مضض ترتب خصلات شعرها حتى استمعت لطرق الباب كادت تجيب لكن خطرت ببالها فكرة أجمل فاِبتسمت بمكر والتقطت كنزة آدم الواسعة التي رماها ليلة البارحة وارتدتها بسرعة مستمعة للطرق الذي مازال مستمرا ثم ذهبت وفتحت الباب وهي تتثاءب باصطناع :
- خير يا ام محمود بتخبطي كده ليه.
تفاجأت هذه الأخيرة من هيأتها ونقلت عينيها المتطفلتان إلى داخل الغرفة وبدا حالها واضحا للعيان فتنحنحت بحرج طفيف :
- لمؤاخذة يا ست هانم ازعجتك بس حكمت هانم كانت بتقولي انادي عليكي عشان تنزلي تعملي شغل البيت على ما يرجع سي آدم وياخدك معاه.
شهقت بدلال مصطنع وهمست وهي تعبث بخصلة من شعرها :
- هو آدم موصاكمش متطلعوش وتصحوني ده قالي بنفسه اني معملش حاجة النهارده بس أمري على الله هاخد دوش سريع وانزل.
اضطربت أم محمود وخافت من أن يعلم سيدها بأنها جعلت زوجته تساعدهم فأسرعت بالقول :
- لأ خالص انا والله مكنتش بعرف انه رفض تشتغلي بعتذر منك يا هانم ااا تحبي اطلعلك الفطار لحد عندك ؟
كتمت ضحكتها وهي تفكر بمكر أن حكمت ستصاب بنوبة قلبية لو رأتها تحضر الفطور لغرفتها فنفت برأسها هاتفة :
- تؤ مفيش داعي يا ام محمود روحي شوفي شغلك.
هزت رأسها بإيجاب وغادرت بخطوات سريعة لتغلق نيجار الباب وتضحك مرددة :
- متحمسة اشوف وش حكمت هانم لما تحكيلها ام محمود ع اللي شافته وسمعته قال بتنادي عليا عشان اعمل شغل البيت هو انا هصحى كل يوم من غير راحة عشان اغسل المواعين وامسح السلالم يعني.
رمت نفسها على السرير مستمتعة بنعومته بدل الأرضية القاسية ثم رفعت طرف الكنزة لأنفها تشمه وتأوهت بعمق هامسة :
- ريحتك حلوة اوي.