رواية اغلال الروح الفصل السادس عشر 16 بقلم شيماء الجندي
الفصل السادس عشر "اعتراف ! "
غضبنا يشبه تلاطم الأمواج بقوة ثم خمودها ، ففي بداية الأمر نثور ثورة عارمة تكاد تحرق الأخضر واليابس و بعدها نهدأ و نتعايش مع الذكريات التي خلفتها المواقف السيئة !
ولأن "سديم" تعلم جيدًا عظم الأمر على نفس "عاصم" قررت مصارحته بطريقة ملائمة ، مؤلم أن يعلم المرء أنه قضى ما يقرب نصف حياته في خدعه و من الممكن أن يكون تصرفها هكذا دون علم "آسر" مربك لها ، خاصة أنها لديها خطة لإنقاذ نفسها وعائلتها من الوحل و إنقاذ الفتاة الصغيرة من بطشهم لكنها لا تملك خطة مصارحته بما تفعله اليوم !!
وقفت حين وجدت "عاصم" يقتحم الغرفة باحثًا عنها بلهفة وتوتر وحين وجدها أسرع إليها قائلًا بدهشة متفحصًا إياها بعينيه :
- مالك ياحبيبتي حصلك إيه ؟
حاولت الابتسام له بينما داخلها يتألم لأجل تلك اللهفة الواضحة على ملامحه و الخوف البالغ في نبرته لكنها حافظت على إتزان نبرتها و أردفت بلطف :
- مفيش حاجه أنا بخير بس كنت عايزاك تشوف حاجه بعيد عن البيت !
عقد "عاصم" حاجبيه انتقلت عينيه إلى الحاسوب الذي أشارت إليه ثم عادت نظراته إليها يسألها بصدمة و قد ارتفع معدل نبضات قلبه من فرط القلق :
- هنا ؟!! في المخزن دا ؟!!
هزت رأسها بالإيجاب و ازدردت رمقها تقول بلطف :
- حبيت يكون فيه بينا سر ! مش أنت بتثق فيا ؟
هز رأسه على الفور و أردف بأعين متسعة مؤكدًا حديثها و قد اعتلت شفتيه بسمة صغيرة متوترة من طريقتها الغريبة معه و حديثها المريب خاصة أنها لأول مرة يظهر عليها التوتر و الخوف هكذا :
- طبعًا ياحبيبتي أنا مش بثق في حد في الدنيا كلها قدك !
وكأن كلماته الواثقة أرهبت روحها و دبت القشعريرة بجسدها من خطوتها القادمة معه ، كادت تتراجع عن الحديث و عن المصارحة وعن كل شيئ حين نظر إليها بهذا الخوف و تحدث معها بتلك الطريقة ، رفعت عينيها تراقب ملامحه المتوترة وبسمته التي تحارب بالظهور وقد بدأت عينيه ترتكز فوق شاشة الجهاز المغلقة بانتظار مفاجأتها لكن ارتعشت يدها عن الزر حين ارتفع صوت هاتفها و ظهر اسمه فوق الشاشة وكأنه يشعر بما تفعله مع عمه بللت شفتيها بتوتر و امتدت يدها إلى الهاتف لـترفض المكالمة و تغلق الهاتف نهائيًا ثم بدأت حديثها معه بنبرة مهتزة : أنت كنت بتروح لدكتور زمان و عملت تحاليل فس أول جوازك من روزاليا ! أنا عرفت حاجه من فترة و اتأكدت منها بصراحة مكنتش ناوية اخليك تشوفها ، بس أنت لازم تعرفها !
توقفت عن الحديث تراقب ملامحه التي ظهر عليها الدهشة ثم عقد حاجبيه ينظر بعيدًا بنقطة وهمية قائلًا بعدم تذكر : تحاليل إيه يابنتي وزمان من امتا ! أنا آخر تحاليل عملتها معاكِ لما طلبتي مني دا !
أشارت إليه بالجلوس فوق المقعد المجاور لها و تنهدت ثم باشرت الحديث معه و قد قررت نزع رداء الحرج و التخلص نهائيًا حتى تنتهي تلك اللحظات العصيبة على خير :
- أيوا أنا عارفة دا بس أنا بتكلم عن تحاليل عملتها زمان و أكدت إنك عقيم ، لكن أنت معرفتش المعلومة عشان روزاليا خدعتك وقتها و فهمتك إنها حامل فـ سيلا !
بللت شفتيها حين وجدته صامت يراقب ملامحها الجامدة و قد ظن أنها تحاول مداعبته بتلك الكلمات الغريبة لكن هذه المرة أخطأت في إصابة الهدف هز رأسه ضاحكًا و قال و قد امتدت يده تقبض على يدها المستقرة فوق المقعد :
- سديم بلاش الهزار دا مش محتاجة تختبري غلاوتك عندي و تقولي بعدها كنت بهزر و افرض فعلًا مكنتش بنتك و تخضيني بقاا أبوكِ كبر مبقاش حمل الكلام دا خلاص !
لقد توقعت رد فعله منذ أن رسمت خطة مصارحته لكن الواقع شديد الألم على روحها أغمضت عينيها خشية أن تتأثر و تتراجع ثم أفلتت يدها منه بتوتر و نكست رأسها لحظات تستجمع شتات أمرها و قد قررت أن تلجأ إلى الفيديوهات المصورة للطبيب و عرض ما عرضته على الجدة وجهت الشاشة إليه ثم ضغطت على زر التشغيل و ارتكزت ملامحها عليه وهو يعتدل بجلسته و يصغي إلى الطبيب المسن و من الواضح أنه تذكر ملامحه خاصة أنه بدأ يتحدث عن حالته و احتفاظه بملفه الحقيقي و ملف تحاليله الحالي و بدأ يبرهن له ما يقوله بموقف قديم و عدة مواقف لزوجته الأولى "روزاليا" !!!!
توترت ملامحه بشكل واضح و اقترب من الشاشة يراقب ما يعرضه الطبيب ثم ينظر إليها و يهز رأسه ببسمة مكذبة لجميع مايراه ثم يعود مرة أخرى إلى الشاشة بأعين متسعة و كرر فعلته عدة مرات و هي تراقبه بحزن و قد اجتمعت الدموع داخل مقلتيها على حالته و لم تتحمل رؤية هذا الرجل الصالح بهذه الحالة أغلقت الحاسوب المحمول بيدها ثم همست بألم و قد استقامت تكور وجهه بيديها :
- أنا مش هقولك إني حاسة بيك بس اللي اقدر أقوله إن دي حقيقة أنت لازم تعرفها ومش من حق حد يخدعك أكتر من كدا !
هز رأسه و انتفض واقفًا يمسك ذراعيها و هو قد بدأت دموعه تتكون داخل عينيه يهدر بتكذيب :
- لأ داا .. داا مجنون أوعي تصدقيه ، أنا عارف إنك لازم تقلقي من الكلام دا ، بس أنا أبوكِ ، بلااش .. طيب نور أختك .. أناآ .. أبوكم انتوا الأتنين الراجل دا أكيد مزقوق من أمك روزاليا دي عمايلها أنا عارفها كويس يابنتي صدقيني ، أنا قعدت أدور عليكِ سنين ياسديم لو عايزة تسيبيني مايبقاش بالشكل دااا !
سقطت دموعه و هطلت دموعها أيضًا تراقب انهياره بألم و نكست رأسها بخجل من فعلتها و قد أدركت بشاعة أعمالها الغير شرعية بتلك اللحظة تحديدًا لكنه صاح بها حين وجدها بتلك الحالة و ضمها إلى صدره يقول بغضب بالغ : لأ أوعي تصدقيه أنا هبلغ عن النصاب داااا ، دا مش طبيعي أكيد ليه غرض أكيد قابض منها ، أوعي تصدقيه ، أنا أبوكِ بلااش كل دااا تعالي نعمل تحليل دلوقتتت حالًا ، أنا أبوكِ !!!
هزت رأسها و حاولت استجماع شتات أمرها تخرج من أحضانه و انفجرت به بوجع و وجه شديد الحمرة :
- افهمني بقاا ، أنا مش بنتك أصلًا ، أنا كنت هنا عشان اخدعك و اخد فلوسك ، كل الفكرة إني نصابة شاطرة عن اللي قبلي ، أنا اسمي سديم المغازي مليش أي علاقة بعيلتكم و كل هدفي دلوقت إني أحمي نورهان الصغيرة هي ملهاش ذنب في اتفاق أمها مع روزاليا عشان تنهبك ، أنا كنت أتمنى ابقا بنتك صدقني ، كنت أتمنى تكون أب ليا فعلًا بس أنا مش هقدر أكمل في الكارثة دي أكتر من كدا !!!!
اتسعت عينيه و وضع يده فوق صدره و هو يرفع إصبعه ويحركه نافيًا حديثها بعدم تصديق وقد بدأ الدوار يداهمه و الاختناق يتمكن من رئتيه لـيجلس فوق المقعد يراقبها وهي تصرخ به بهلع قبل أن يغمض عينيه مستسلمًا إلى نوبة الإغماء وتاركًا إياها تحاول إسعافه !
بعد مرور ست ساعات و داخل المشفى الذي انتقل إليه معها حيث عاونها "كريم" بإسعافه و طمأنها على استقرار حالته ثم خرج ينتظرها أمام الغرفة بينما جلست هي بجانب فراشه فوق مقعد صغير ونظرت إلى الأرض تشعر به يراقب ملامحها بهدوء و قد قطع صمت الأجواء قائلًا بصوت متحشرج : و ليه قولتي دلوقت ؟
رفعت عينيها إليه و أردفت بصدق : عشان أخرج من حياتكم !
تحركت عينيه فوق ملامحها وكأنه لازال لا يصدق ما يدور من حوله وقال بحزن: و الأوراق و المحامي و كل اللي أكد إنك بنتي ، عملتي كدا إزاي ؟
كل ما يراودها الآن هو شعور الخجل من أفعالها المشينة فقط و كأنها لا تقوى على مواجهة نظرات هذا الرجل !!! نكست رأسها تنظر أرضًا وكأنه حقًا والدها و أجابت بحزن شديد : أنا ليا ناس بتساعدني !
- في النصب !!
كان رد عفوي ساخر خرج منه باستنكار واضح و رفعت عينيها تراقب نظرته الساخرة وهي تحرك رأسها بالإيجاب وبلحظة واحدة تحولت الفتاة الخجلة إلى أخرى حيث اشتعلت عينيها و بدأت بسمتها القاسية تظهر فوق ملامحها ثم استقامت واقفة تقول بشموخ :
- آه في النصب بالمناسبة خالي لو عرف إني عملت كدا وبوظت شغله فيها أرواح هتضيع متتريقش أوي كدا ، الوقت اللي أنت كنت بدور فيه على بنتك عشان تسكنها قصرك أنا كنت بتعلم النصب عشان أنقذ أبويا من الموت ومعرفتش اعمل دا ، متبصليش باحتقار أوي كدا و خليك مبسوط من حالك غيرك جاب عيال و اتبهدلوا من قسوة الدنيا عليهم ، أنا لو وحشة مكنتش عرفتك حقيقتك وكنت هسيبك في الوهم و امشي واختفي ومكنتش هتوصلي بعد ما انهبك زي ما اتطلب مني !!! أنا مش عايزة منك غير الطفلة اللي ملهاش ذنب لو متلزمكش هي تلزمني و أي أذى ليها أنا اللي هقفلكم ، أنا كدا ديني ليك خلص و عيلتك على وصول متقلقش هيرجعوك بيتك و أنا هستنى قرارك ناحيتها وبعدها مش هتشوف وشي تاني !
سقطت دموع قهره و نظر إليها صارخًا بغضب و هو يحاول الإستقامة فوق هذا الفراش لكن دون جدوى حيث سقط جسده مرة أخرى و أمسك صدره بألم :
- أنا عيشت عمري كله أتمنى اشوف بنتي و يوم ما ظهرت عرفت إني كنت مخدوع نص عمري مستنية مني إيه يعنييي أقوم احضنك واقولك فداكِ ؟! ولا أروح اخد بنت الحرام التانية في حضني واقولهااا معلش !!!!!
اتجهت إليه تقول بصوت متحشرج غاضب من اللقب الذي منحه إلى الصغيرة :
- بنت الحرام دي كانت لحد الصبح بتبوسك من خدك وتودعك قبل ماتروح مدرستها وتقولك سلام يابابا !!! ودا اللي أنا اتوقعته منك إنك هتستقوى على أضعف واحدة فينا ! لو مش عايزها أنا عايزاها !!!
اتسعت عينيه وقال بصدمة مستنكرًا ظنها تجاهه : توقعتي مني استقوى على نورهان .. بنتــ ..آآ !
قطع كلماته وأغمض عينيه متألمًا يستمع إليها تردف بنبرة ساخرة :
شوفت مش قادر تقول بنتي رغم إنك أنت اللي مربيهااا ورغم إنها متعرفش أب غيرك !
تنهدت و لانت نيرتها ثم جلست على طرف الفراش و همست له بحزن وقد لمست نبرتها الصادقة قلبه : أنا عارفة أنت وضعك صعب ومصدوم ومتشتت و عشان كدا اخدتك بعيد عن البيت عشان متواجهش أي حد ولا تاخد قرارات تندم عليها ، أنا عارفة إن احتمال تصديقك ليا دلوقت صفر بس صدقني أنت كنت أكبر سبب إني أرجع عن اللي بعمله ، أنت فكرتني بواحد لو كان عايش دلوقت مكنتش وصلت للمرحلة دي و لا كان زماني سديم النصابة !
رفع عينيه يراقب دموعها التي بدأت تتراقص داخل عينيها و قد بدأ الاختناق يتملك من نبرتها وهي تواصل حديثها بألم واضح : ليه تفرط في نورهان و أنت بقالك سنين بتدور على بنت لمجرد إن رابطك بيها اسم ومتعرفش اتربت إزاي ولا فين ، تخيل نورهان دي اتولدت على إيدك وأنت اللي مربيها أنت مش خارج خسران صدقني أنت كسبت كتير ، أنا كان ممكن أكمل نصب عليك و انهبك وامشي بس مقدرتش ، أنا عارفة آخر واحدة ممكن تكلمك عن الانسانية و آخر واحدة تنصحك بس أنا أكتر واحدة عارفة شعور نورهان لما توصل لسني دا متتخلاش عنها و مين عارف ممكن تقع تحت إيد مين و ممكن يعمل فيها إيه أنا أكبر نتيجة قصاد عينك ،و أنا أكتر واحدة عارفة قيمة العيلة بتاعتك و يعني إيه أب في ضهرك مهما حصل ، أنا اللي خدعتك مش من العدل تخرج غضبك في نورهان !
أنهت كلماتها و استقامت واقفة تنظر إلى ملامحه الجامدة بحزن شديد حيث تراه لأول مرة يراقبها بوجه خالٍ من النظرات الحانية تجاهها بل وكأنه تحول إلى صنم و من خبرتها هو الآن بعالمه الخاص يقارن الأحداث لكنه قادر على استيعاب كلماتها جيدًا خاصة حين اندفعت الصغيرة التي وصلت للتو من باب الغرفة وتوجهت إلى فراش أبيها باكية تنظر له بخوف وتقول : بابي ! مالك ؟
تعلقت نظرات "سديم" بيد الصغيرة التي قبضت على يده تنتظر رده و كأن دقات قلبها وصلت عنان السماء الآن حيث كانت تنتظر رد فعله بترقب أكبر من الصغيرة وكأنها مقيدة غير قادرة على التوجه إليهم وسحب الصغيرة من أمامه لكن أدهشها حين ابتسم لها بمرارة و رفع جسد "نورهان" إليه يجهش ببكاء مرير في أحضانها وكان صوته مسموع لجميع الحاضرين الذين تملكت منهم الصدمة و تحولت النظرات إلى "سديم" التي كانت تراقب المشهد بألم داخلي و لكن خارجها هادئ سعيد أنه وجد ملاذه داخل هذه الطفلة البريئة وأخرج قهره بأحضانها والآن فقط عليها المغادرة و الانسحاب كما وعدت الجدة !!!!
لم تنظر إلى أحد رغم يقينها أن جميع النظرات تتوجه إليها بل غادرت الغرفة و خرجت إلى "كريم" الذي اعتدل بوقفته و سار بجانبها في الممر بصمت تام لكنهما توقفا حين خرج صوته الغاضب و هو يتجه إليها بخطوات مسرعة هاتفًا بغضب :
- سديم !!! استني هنا !
أغمضت عينيها و كورت قبضتها تحاول تهدئة أنفاسها و استعادة نظراتها الجليدية ثم استدارت ترفع رأسها تراقب تقدمه الغاضب منها بهدوء و تنتظر استقراره أمامها و قد عقدت حاجبيها حين وجدت "سليم" أيضًا يتجه خلفه بخطوات واسعة و نظرات مشتعلة و يتقدمه قائلًا باندفاع و شراسة :
- عملتي إيه فيه يانصاابة !
عقد "كريم" حاجبيه و أردف بغضب و هو يقف أمامها و قد توارى جسدها خلفه : إياك تحاول تغلط فيها ! دي لحقت عمك ..آآ .
قاطعه "سليم" الذي قال بغضب و هو يدفعه من كتفه بقوة بعيدًا عنها حتى يتمكن من رؤيتها : وأنا مغلطش أنا وصفتها !
ثم تحرك من أمامه و تخطاه يقف بمواجتها قائلّا بتساؤل ولازالت نبرته تتسم بالشراسة معها : مش كدا برضه يا نصابة !
حدقت به بصمت و قد اخبرتها نظراته أن خداعها له بالأيام السابقة لن يمر مرور الكرام وأن ثقته التي منحها إياها تحولت الآن إلى سوط يجلدها به متى شاء ، تحركت عينيها على الآخر الذي أزاح جسد ابن عمه ليستقر محله و قال بهدوء موجهًا حديثه إلى "سليم" : سليم إحنا لسه منعرفش اللي حصل مينفعش كدا !
صدرت عنها ضحكة ساخرة و قالت بدهشة واستنكار : ليه هو لو عرفتوا اللي حصل هيتغير حقيقة إني نصابة ؟
رفع "آسر" عينيه عاقدًا حاجبيه و قد استطاعت أن تقرأ استنكاره لحديثها داخل حدقتيه وكأنه يطالبها أن تصمت وتترك له حجة واحدة للدفاع عنها لكنها تمنعت بل واقتربت من "سليم" تهمس بجفاء و سخرية :
- كنت بتقولي عملت فيه إيه يانصابة مش كدا ؟ لما تقولي عملت إيه في أختي امبارح يبقا ليك عين ساعتها تسألني على الأقل دا راجل كبير و عارف هو بيعمل إيه وجاي معايا بمزاجه مش بنت مراهقة بجبرها تيجي معايا عشان أوصل لحقيقة !
عقد حاجبيه و ظهرت شبح ابتسامة انتصار فوق شفتيها حين وجدت الخجل بدأ يتمكن من عينيه لذلك أكملت تسأله مستنكرة :
- مش دا نفس اللي أنت عملته امبارح ولا أنا غلطانة ! سديم تعمل كدا تبقا نصابة و ابن الناس اللي زيك لما يعمل الأسوأ يبقا قديس ولا إيه ؟
أدهشته بحديثها و أصابته بالتوتر حيث أنه إلى الآن يرى صورة شقيقتها الملطخة بالدماء ومنذ أمس يوبخه ضميره كلما تذكر أنه المتسبب بما حدث حين أرهبها إلى درجة الرعب من تواجدها بجانبه و اضطر إلى عرضه الذي كاد يهلكها دون قصد !!!
نظر "سليم" إلى ابن عمه الذي وقف يراقب ملامحها بانبهار واضح لم يحاول إخفائه و كأنه على وشك التصفيق لها و عينيه تكاد تأكل ملامحها الهادئة و المرتكزة فوقه هو الآن غافلة عن شرود "آسر" بها !!!
صرف عينيه عنها حين لاحظ مراقبة "أميرة" لهم من بعيد بل و إقبال "روزاليا" من الجهة الأخرى عليهم و قد رأتها "سديم" ثم "كريم" الذي عقد حاجبيه ونظر إليها بتوتر مما دفعها إلى القول بهدوء :
- مفيش حاجه هتتغير روح أنت لـنيرة و كمل زي مااتفقنا وأنا هتصرف !
كانت نظرات الاعتراض واضحة داخل مقلتيه و قد أفصح عن ذلك حين امتدت يده و أمسك ذراعها بلطف يهمس لها أسفل نظرات الرجلين المترقبة والغاضبة في آن واحد :
- سديم خليني معاكِ الحوار هيوسع !
هزت رأسها بالسلب و أجابت بلطف و هي تربت فوق يده :
- متخافش خليها تمشي زي مااتفقنا ماتسيبش نيرة و أنا هحصلك بس أخلص هنا !
ارتكزت عينيه المشتعلة فوق يدها التي قبضت بخفة على يد هذا الرجل الذي قبل خصلاتها وغادر مسرعًا يلبي رغبتها و كأن أحدهم أشعل النيران داخل صدره و كور قبضته يقول بغضب واضح :
- إيه السخافة دي ، و إيه والأسرار والشفرات دي أصلًا ماتتكلموا عدل هو إيه اللي يمشي زي اتفاقكم !
شرد "سليم" بجهة أخرى وخاصة حين أدرك أن هذا الرجل سوف يذهب إلى الفتاة صاحبة الحادث أمس ! لذلك قرر الإنسحاب بهدوء والتحرك خلفه مباشرة عله يستطيع الاعتذار لها على ماحدث ! و أثناء تحركه اصطدم بـ "روزاليا" التي استقرت محلها تراقب توتر الأجواء ولاحظت هرولته مسرعًا خلف "كريم" و بدل الاعتذار ظهر الاشمئزاز على وجهه وأردف بامتعاض : كانت ناقصاكِ أنتِ كمان !
نظرت إليه باحتقار ثم تابعت التحديق بـ "سديم" التي ابهرتها منذ الليلة الماضية بطريقتها ، تعجبها هذه الفتاة بشكل كبير خاصة أنها لمست بها الدهاء و المكر في حديثها و أنها ليست غافلة عما يدور حولها وهذا يذكرها بحالتها منذ أعوام حين أوقعت "عاصم" بشباك عشقها الزائف !
خرجت من شرودها و عقدت حاجبيها حين وجدت "سديم" تقترب منها بخطوات ثابتة وتقف بجانبها هامسة لها بخفوت ونبرتها الساخرة قد اخترقت أذن "روزاليا" :
- لو عايزة نصيحتي اختفي من هنا خالص عاصم لو شافك هيطلع روحك في إيده وآسر مستني إشارة عشان يخلص منك نهائي ، أصل والد بنتك عرف إنه عقيم !
________________ *** _________________
غادرت المشفى مع "آسر" قسرًا حيث أمسك يدها و تحرك إلى الخارج و هو يتحدث إلى الهاتف و يؤكد على تواجد "يوسف" محله وأنه طرأ له عمل هام مع ابنه العم _سديم_ والتي تسير بجانبه الآن مرغمة تشعر بيده تضغط بغضب على يدها تكاد تهشمها و لم تحاول تصحيح معلوماته أو مصارحته بماحدث مع عاصم حيث شعرت أنه على وشك الانفجار بها لذلك آثرت الصمت و مجاراته لأنه هذه المرة محق ، و إن علم بما فعلته بمفردها دون علمه لافترسها في هذا المَرأَب في التو والحال !!!!
توقف أمام سيارته و كور يده بقوة ثم هبط بها بعنف فوق مقدمة السيارة وهو يميل بجزعه العلوي ويستند إليها ثم زفر أنفاسه و اعتدل يهمس بهدوء ظاهري :
- شوفي أنا مش هتعصب و لا هزعق و اخبط ولا هلمسك عشان مبقاش متحرش !
لا تعلم كيف ظهرت هذه البسمة الصغيرة فوق شفتيها حين ذكرها بكلمتها عن التحرش لكنها اخفتها على الفور حين حذرها مستخدمًا إصبع السبابة الذي أشهره فجأة بوجهها و قال بغضب :
- أنا في أقصى درجات غضبي و مش من مصلحتك تبدأي حفلة الرد ولا السخرية بتاعك خااالص !!!
هزت رأسها بالسلب و عضت على شفتها السفلية تحاول كبت بسمتها و قد إلتصق ظهرها بالسيارة الخاصة به و هو أمامها يفصل بينه وبينها عدة سنتيمترات صغيرة لا تُذكر و قد مال عليها يستند إلى السيارة بيده ويقترب بوجهه منها مراقبًا ملامحها عن كثب عاقدًا حاجبيه بغضب و هامسًا لها مكملًا : هسألك سؤال واحد و جاوبيني منغير لف ولا دوران ياسديم أنا جبت أخري المرة دي فعلًا !
تنهدت و انتظرت سؤاله هامسة بهدوء أدهشه : اتفضل !
خرج سؤاله مباشر إلى درجة صدمتها حيث قال بحدة طفيفة : كريم يقربلك ايه؟
رفعت حاجبها الأيسر و أجابت بدهشة : نعم !!!
حذرها مرة أخرى وقال بغضب واضح : سديمممم !!!!
زفرت بملل ثم أردفت وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها : كريم كان جيراني من زمان و صاحبي جدًا ، تقدر تقول أخويا
عقدت حاجبيها حين حدق بها بعدم تصديق و ظهر الامتعاض فوق ملامحه لتقول بدهشة مستنكرة سبب أفعاله البربرية معها : بس كدا ؟!!!
سألها عاقدًا حاجبيه : هو إيه اللي بس كدا ؟
ضيقت عينيها ثم قالت بغضب : أنت مجرجرني كل دا من فوق لحد هنا عشان تسألني عن كريم مش اللي حصل امبارح مع روزاليا أو اللي حصل مع عمك وجابه هنا !!!
وكأنها ذكرته أنه غافل عن متابعة أفعالها مع عائلته بل و غفل أيضًا عن اختفاء "روزاليا" المفاجئ بعد حديثها القصير معها بالأعلى !!!
رفع يده يعبث بخصلاته الخلفية بعشوائية و أزاح عينيه عنها بتوتر طفيف أدركته في لحظتها لكنها قررت تجاهله حيث برر غاضبًا بنبرة حادة :
- لأ طبعًا ، أنا كنت هقولك نروح البيت عشان نعرف نتكلم في موضوع روزاليا دا بس حبيت اسألك عن صلة البتاع دا بيكِ اللي تخليه بيتكلم و يلمس و يبوسك أنتِ و أختك عادي كدا منغير أي حدود !
وفجأة احتدت نظراته التي عادت إليها و عادت عقدة حاجبيه و قد تلاشى التوتر من ملامحه و حل محله الإنفعال الشديد وكأنه يحاسبها على صلتها بـصديقها ؟! خرج حديثها بشكل عفوي و قالت بغضب :
- هو مين دا اللي بيلمس ويبوس وحدود إيه و بعدين أنت مالك أصلًا مين سمحلك تقولي الكلام دا وتتدخل في حياتي الشخصية ؟!
كرر كلماتها بإنفعال و قد فاض الكيل به ليقول بغضب :
- حياااتك الشخصية !! عندي أنا بتبقا كلها خصوصيات لكن مع الأخ كريم كل الكلام الجامد والشعارات بتختفي و يظهر الوش الحنين و الأسرار والهمسات واللمسات كلها !!!
رفعت حاجبها الأيسر بدهشة من غضبه المبالغ به و راقبت ملامحه المنفعلة و حركة جسده و أنفاسه المشتعلة التي تلفحها بغضب ساحق جعل روحها تنتفض برعب و بدأت تربط الأحداث الأخيرة ببعضها ثم ازدردت رمقها بخوف داخلي و اعتدلت بوقفتها تقول بنبرة حادة وتحاول الفرار مسرعة من براثنه :
- دي حاجة تخصني لوحدي و بعد إذنك عندي مشوار مهم !
كادت تتحرك وتفر من أمامه لكنه قبض على رسغها و أعاد جسدها فجأة إلى محله مرة أخرى ليلتصق ظهرها بسيارته و يحاوطها بجسده العريض من الأمام قائلًا بإنفعال : ليه بتعملي معايا كدا ؟ ليه مش عايزاني أعرف أي حاجة عنك رغم أني عرفتك كل حاجه تخصني دخلتك بيتي و آمنتك على سري و وثقت في تصرفاتك و مسألتكيش حتى عمي حصله كدا ليه رغم إني عملت كدا دا عشانه ، وفي نفس الوقت مآمنة لواحد تاني على كل تفاصيلك !!!!
تحولت نبرته إلى الوهن و بدأ الألم يتراقص داخل عينيه التي تحدق بملامحها المتوترة : ليه بتبعدي عني في كل خطوة بقربلك فيها ياسديم ؟
بدأت يده تترك رسغها و سار بأنامله برقة فوق ماظهر من ذراعها و لسوء حظها أنها كانت ترتدي قطعة قطنية ذات حمالات عريضة أظهرت ذراعيها و نحرها الناعم بشكل مبهر للأعين ، نكست رأسها و أغمضت عينيها حين اندفعت الدماء فجأة داخل أوردتها و اقشعر بدنها من فعلته و قد ارتفع مؤشر خوفها من هذه اللحظة بشكل مبالغ به قررت كسر حاجز الصمت حين اقترب بوجهه منها و قد قرأت ما هو على وشك فعله لتهمس بحدة واضحة :
- كويس إنك واخد بالك إني ببعد و ياريت أنت كمان متقربش مني أكتر من كدا إحنا اللي رابطنا ببعض شغل و أنا مش مسؤلة عن تصرفاتك الخاصة ، أنت اللي جيت وصارحتني بسرك من نفسك و دخلتني بيتك عشان انصب مش أكتر ياريت تفتكر وأنت بتتعامل معايا إني أنا سديم النصابة زي ماقال ابن عمك و زي ما أنت برضه كنت بتقول !
دفعت جسده بعيدًا عنها بقوة مفاجأة و لكنه عاد مرة أخرى و أمسك يديها التي استقرت فوق صدره حين حاولت إبعاده عنها و أجاب بإصرار محدقًا بعينيها التائهة:
- لما هترمي دبش و تتكلمي كدا مش هبتبعديني عنك بالعكس هقرب أكتر !
تنهدت أغمضت عينيها ثم فتحتها بإنهاك وهمست له باستسلام :
- عايز توصل لإيه ياآسر ؟
كعادته خرجت كلماته الصريحة لإنهاء هذا النقاش و لـصدمتها أيضًا لتتسع عينيها و تخترق كلماته أذنيها وهو يهمس أمام شفتيها بخفوت و لطف :
- لقلـبك ياسديم !
وللقلب دروب مُظلمة لا تخضع إلى ترميم العقل و لا ترغب في أضواء وصخب قوانين وقواعد الاختيار ، لكنها ترغب في إنارة مصباح من أحببنا ليرشدنا داخل الطريق و لـندرك حينها أن هذا هو القانون الوحيد الذي خضعنا له بطواعية تامة إنه قانون المصباح المضئ داخل الطريق المُعتم ، وأنا لم يدهشني القانون قدر دهشتي من حامل المصباح !!!!
غضبنا يشبه تلاطم الأمواج بقوة ثم خمودها ، ففي بداية الأمر نثور ثورة عارمة تكاد تحرق الأخضر واليابس و بعدها نهدأ و نتعايش مع الذكريات التي خلفتها المواقف السيئة !
ولأن "سديم" تعلم جيدًا عظم الأمر على نفس "عاصم" قررت مصارحته بطريقة ملائمة ، مؤلم أن يعلم المرء أنه قضى ما يقرب نصف حياته في خدعه و من الممكن أن يكون تصرفها هكذا دون علم "آسر" مربك لها ، خاصة أنها لديها خطة لإنقاذ نفسها وعائلتها من الوحل و إنقاذ الفتاة الصغيرة من بطشهم لكنها لا تملك خطة مصارحته بما تفعله اليوم !!
وقفت حين وجدت "عاصم" يقتحم الغرفة باحثًا عنها بلهفة وتوتر وحين وجدها أسرع إليها قائلًا بدهشة متفحصًا إياها بعينيه :
- مالك ياحبيبتي حصلك إيه ؟
حاولت الابتسام له بينما داخلها يتألم لأجل تلك اللهفة الواضحة على ملامحه و الخوف البالغ في نبرته لكنها حافظت على إتزان نبرتها و أردفت بلطف :
- مفيش حاجه أنا بخير بس كنت عايزاك تشوف حاجه بعيد عن البيت !
عقد "عاصم" حاجبيه انتقلت عينيه إلى الحاسوب الذي أشارت إليه ثم عادت نظراته إليها يسألها بصدمة و قد ارتفع معدل نبضات قلبه من فرط القلق :
- هنا ؟!! في المخزن دا ؟!!
هزت رأسها بالإيجاب و ازدردت رمقها تقول بلطف :
- حبيت يكون فيه بينا سر ! مش أنت بتثق فيا ؟
هز رأسه على الفور و أردف بأعين متسعة مؤكدًا حديثها و قد اعتلت شفتيه بسمة صغيرة متوترة من طريقتها الغريبة معه و حديثها المريب خاصة أنها لأول مرة يظهر عليها التوتر و الخوف هكذا :
- طبعًا ياحبيبتي أنا مش بثق في حد في الدنيا كلها قدك !
وكأن كلماته الواثقة أرهبت روحها و دبت القشعريرة بجسدها من خطوتها القادمة معه ، كادت تتراجع عن الحديث و عن المصارحة وعن كل شيئ حين نظر إليها بهذا الخوف و تحدث معها بتلك الطريقة ، رفعت عينيها تراقب ملامحه المتوترة وبسمته التي تحارب بالظهور وقد بدأت عينيه ترتكز فوق شاشة الجهاز المغلقة بانتظار مفاجأتها لكن ارتعشت يدها عن الزر حين ارتفع صوت هاتفها و ظهر اسمه فوق الشاشة وكأنه يشعر بما تفعله مع عمه بللت شفتيها بتوتر و امتدت يدها إلى الهاتف لـترفض المكالمة و تغلق الهاتف نهائيًا ثم بدأت حديثها معه بنبرة مهتزة : أنت كنت بتروح لدكتور زمان و عملت تحاليل فس أول جوازك من روزاليا ! أنا عرفت حاجه من فترة و اتأكدت منها بصراحة مكنتش ناوية اخليك تشوفها ، بس أنت لازم تعرفها !
توقفت عن الحديث تراقب ملامحه التي ظهر عليها الدهشة ثم عقد حاجبيه ينظر بعيدًا بنقطة وهمية قائلًا بعدم تذكر : تحاليل إيه يابنتي وزمان من امتا ! أنا آخر تحاليل عملتها معاكِ لما طلبتي مني دا !
أشارت إليه بالجلوس فوق المقعد المجاور لها و تنهدت ثم باشرت الحديث معه و قد قررت نزع رداء الحرج و التخلص نهائيًا حتى تنتهي تلك اللحظات العصيبة على خير :
- أيوا أنا عارفة دا بس أنا بتكلم عن تحاليل عملتها زمان و أكدت إنك عقيم ، لكن أنت معرفتش المعلومة عشان روزاليا خدعتك وقتها و فهمتك إنها حامل فـ سيلا !
بللت شفتيها حين وجدته صامت يراقب ملامحها الجامدة و قد ظن أنها تحاول مداعبته بتلك الكلمات الغريبة لكن هذه المرة أخطأت في إصابة الهدف هز رأسه ضاحكًا و قال و قد امتدت يده تقبض على يدها المستقرة فوق المقعد :
- سديم بلاش الهزار دا مش محتاجة تختبري غلاوتك عندي و تقولي بعدها كنت بهزر و افرض فعلًا مكنتش بنتك و تخضيني بقاا أبوكِ كبر مبقاش حمل الكلام دا خلاص !
لقد توقعت رد فعله منذ أن رسمت خطة مصارحته لكن الواقع شديد الألم على روحها أغمضت عينيها خشية أن تتأثر و تتراجع ثم أفلتت يدها منه بتوتر و نكست رأسها لحظات تستجمع شتات أمرها و قد قررت أن تلجأ إلى الفيديوهات المصورة للطبيب و عرض ما عرضته على الجدة وجهت الشاشة إليه ثم ضغطت على زر التشغيل و ارتكزت ملامحها عليه وهو يعتدل بجلسته و يصغي إلى الطبيب المسن و من الواضح أنه تذكر ملامحه خاصة أنه بدأ يتحدث عن حالته و احتفاظه بملفه الحقيقي و ملف تحاليله الحالي و بدأ يبرهن له ما يقوله بموقف قديم و عدة مواقف لزوجته الأولى "روزاليا" !!!!
توترت ملامحه بشكل واضح و اقترب من الشاشة يراقب ما يعرضه الطبيب ثم ينظر إليها و يهز رأسه ببسمة مكذبة لجميع مايراه ثم يعود مرة أخرى إلى الشاشة بأعين متسعة و كرر فعلته عدة مرات و هي تراقبه بحزن و قد اجتمعت الدموع داخل مقلتيها على حالته و لم تتحمل رؤية هذا الرجل الصالح بهذه الحالة أغلقت الحاسوب المحمول بيدها ثم همست بألم و قد استقامت تكور وجهه بيديها :
- أنا مش هقولك إني حاسة بيك بس اللي اقدر أقوله إن دي حقيقة أنت لازم تعرفها ومش من حق حد يخدعك أكتر من كدا !
هز رأسه و انتفض واقفًا يمسك ذراعيها و هو قد بدأت دموعه تتكون داخل عينيه يهدر بتكذيب :
- لأ داا .. داا مجنون أوعي تصدقيه ، أنا عارف إنك لازم تقلقي من الكلام دا ، بس أنا أبوكِ ، بلااش .. طيب نور أختك .. أناآ .. أبوكم انتوا الأتنين الراجل دا أكيد مزقوق من أمك روزاليا دي عمايلها أنا عارفها كويس يابنتي صدقيني ، أنا قعدت أدور عليكِ سنين ياسديم لو عايزة تسيبيني مايبقاش بالشكل دااا !
سقطت دموعه و هطلت دموعها أيضًا تراقب انهياره بألم و نكست رأسها بخجل من فعلتها و قد أدركت بشاعة أعمالها الغير شرعية بتلك اللحظة تحديدًا لكنه صاح بها حين وجدها بتلك الحالة و ضمها إلى صدره يقول بغضب بالغ : لأ أوعي تصدقيه أنا هبلغ عن النصاب داااا ، دا مش طبيعي أكيد ليه غرض أكيد قابض منها ، أوعي تصدقيه ، أنا أبوكِ بلااش كل دااا تعالي نعمل تحليل دلوقتتت حالًا ، أنا أبوكِ !!!
هزت رأسها و حاولت استجماع شتات أمرها تخرج من أحضانه و انفجرت به بوجع و وجه شديد الحمرة :
- افهمني بقاا ، أنا مش بنتك أصلًا ، أنا كنت هنا عشان اخدعك و اخد فلوسك ، كل الفكرة إني نصابة شاطرة عن اللي قبلي ، أنا اسمي سديم المغازي مليش أي علاقة بعيلتكم و كل هدفي دلوقت إني أحمي نورهان الصغيرة هي ملهاش ذنب في اتفاق أمها مع روزاليا عشان تنهبك ، أنا كنت أتمنى ابقا بنتك صدقني ، كنت أتمنى تكون أب ليا فعلًا بس أنا مش هقدر أكمل في الكارثة دي أكتر من كدا !!!!
اتسعت عينيه و وضع يده فوق صدره و هو يرفع إصبعه ويحركه نافيًا حديثها بعدم تصديق وقد بدأ الدوار يداهمه و الاختناق يتمكن من رئتيه لـيجلس فوق المقعد يراقبها وهي تصرخ به بهلع قبل أن يغمض عينيه مستسلمًا إلى نوبة الإغماء وتاركًا إياها تحاول إسعافه !
بعد مرور ست ساعات و داخل المشفى الذي انتقل إليه معها حيث عاونها "كريم" بإسعافه و طمأنها على استقرار حالته ثم خرج ينتظرها أمام الغرفة بينما جلست هي بجانب فراشه فوق مقعد صغير ونظرت إلى الأرض تشعر به يراقب ملامحها بهدوء و قد قطع صمت الأجواء قائلًا بصوت متحشرج : و ليه قولتي دلوقت ؟
رفعت عينيها إليه و أردفت بصدق : عشان أخرج من حياتكم !
تحركت عينيه فوق ملامحها وكأنه لازال لا يصدق ما يدور من حوله وقال بحزن: و الأوراق و المحامي و كل اللي أكد إنك بنتي ، عملتي كدا إزاي ؟
كل ما يراودها الآن هو شعور الخجل من أفعالها المشينة فقط و كأنها لا تقوى على مواجهة نظرات هذا الرجل !!! نكست رأسها تنظر أرضًا وكأنه حقًا والدها و أجابت بحزن شديد : أنا ليا ناس بتساعدني !
- في النصب !!
كان رد عفوي ساخر خرج منه باستنكار واضح و رفعت عينيها تراقب نظرته الساخرة وهي تحرك رأسها بالإيجاب وبلحظة واحدة تحولت الفتاة الخجلة إلى أخرى حيث اشتعلت عينيها و بدأت بسمتها القاسية تظهر فوق ملامحها ثم استقامت واقفة تقول بشموخ :
- آه في النصب بالمناسبة خالي لو عرف إني عملت كدا وبوظت شغله فيها أرواح هتضيع متتريقش أوي كدا ، الوقت اللي أنت كنت بدور فيه على بنتك عشان تسكنها قصرك أنا كنت بتعلم النصب عشان أنقذ أبويا من الموت ومعرفتش اعمل دا ، متبصليش باحتقار أوي كدا و خليك مبسوط من حالك غيرك جاب عيال و اتبهدلوا من قسوة الدنيا عليهم ، أنا لو وحشة مكنتش عرفتك حقيقتك وكنت هسيبك في الوهم و امشي واختفي ومكنتش هتوصلي بعد ما انهبك زي ما اتطلب مني !!! أنا مش عايزة منك غير الطفلة اللي ملهاش ذنب لو متلزمكش هي تلزمني و أي أذى ليها أنا اللي هقفلكم ، أنا كدا ديني ليك خلص و عيلتك على وصول متقلقش هيرجعوك بيتك و أنا هستنى قرارك ناحيتها وبعدها مش هتشوف وشي تاني !
سقطت دموع قهره و نظر إليها صارخًا بغضب و هو يحاول الإستقامة فوق هذا الفراش لكن دون جدوى حيث سقط جسده مرة أخرى و أمسك صدره بألم :
- أنا عيشت عمري كله أتمنى اشوف بنتي و يوم ما ظهرت عرفت إني كنت مخدوع نص عمري مستنية مني إيه يعنييي أقوم احضنك واقولك فداكِ ؟! ولا أروح اخد بنت الحرام التانية في حضني واقولهااا معلش !!!!!
اتجهت إليه تقول بصوت متحشرج غاضب من اللقب الذي منحه إلى الصغيرة :
- بنت الحرام دي كانت لحد الصبح بتبوسك من خدك وتودعك قبل ماتروح مدرستها وتقولك سلام يابابا !!! ودا اللي أنا اتوقعته منك إنك هتستقوى على أضعف واحدة فينا ! لو مش عايزها أنا عايزاها !!!
اتسعت عينيه وقال بصدمة مستنكرًا ظنها تجاهه : توقعتي مني استقوى على نورهان .. بنتــ ..آآ !
قطع كلماته وأغمض عينيه متألمًا يستمع إليها تردف بنبرة ساخرة :
شوفت مش قادر تقول بنتي رغم إنك أنت اللي مربيهااا ورغم إنها متعرفش أب غيرك !
تنهدت و لانت نيرتها ثم جلست على طرف الفراش و همست له بحزن وقد لمست نبرتها الصادقة قلبه : أنا عارفة أنت وضعك صعب ومصدوم ومتشتت و عشان كدا اخدتك بعيد عن البيت عشان متواجهش أي حد ولا تاخد قرارات تندم عليها ، أنا عارفة إن احتمال تصديقك ليا دلوقت صفر بس صدقني أنت كنت أكبر سبب إني أرجع عن اللي بعمله ، أنت فكرتني بواحد لو كان عايش دلوقت مكنتش وصلت للمرحلة دي و لا كان زماني سديم النصابة !
رفع عينيه يراقب دموعها التي بدأت تتراقص داخل عينيها و قد بدأ الاختناق يتملك من نبرتها وهي تواصل حديثها بألم واضح : ليه تفرط في نورهان و أنت بقالك سنين بتدور على بنت لمجرد إن رابطك بيها اسم ومتعرفش اتربت إزاي ولا فين ، تخيل نورهان دي اتولدت على إيدك وأنت اللي مربيها أنت مش خارج خسران صدقني أنت كسبت كتير ، أنا كان ممكن أكمل نصب عليك و انهبك وامشي بس مقدرتش ، أنا عارفة آخر واحدة ممكن تكلمك عن الانسانية و آخر واحدة تنصحك بس أنا أكتر واحدة عارفة شعور نورهان لما توصل لسني دا متتخلاش عنها و مين عارف ممكن تقع تحت إيد مين و ممكن يعمل فيها إيه أنا أكبر نتيجة قصاد عينك ،و أنا أكتر واحدة عارفة قيمة العيلة بتاعتك و يعني إيه أب في ضهرك مهما حصل ، أنا اللي خدعتك مش من العدل تخرج غضبك في نورهان !
أنهت كلماتها و استقامت واقفة تنظر إلى ملامحه الجامدة بحزن شديد حيث تراه لأول مرة يراقبها بوجه خالٍ من النظرات الحانية تجاهها بل وكأنه تحول إلى صنم و من خبرتها هو الآن بعالمه الخاص يقارن الأحداث لكنه قادر على استيعاب كلماتها جيدًا خاصة حين اندفعت الصغيرة التي وصلت للتو من باب الغرفة وتوجهت إلى فراش أبيها باكية تنظر له بخوف وتقول : بابي ! مالك ؟
تعلقت نظرات "سديم" بيد الصغيرة التي قبضت على يده تنتظر رده و كأن دقات قلبها وصلت عنان السماء الآن حيث كانت تنتظر رد فعله بترقب أكبر من الصغيرة وكأنها مقيدة غير قادرة على التوجه إليهم وسحب الصغيرة من أمامه لكن أدهشها حين ابتسم لها بمرارة و رفع جسد "نورهان" إليه يجهش ببكاء مرير في أحضانها وكان صوته مسموع لجميع الحاضرين الذين تملكت منهم الصدمة و تحولت النظرات إلى "سديم" التي كانت تراقب المشهد بألم داخلي و لكن خارجها هادئ سعيد أنه وجد ملاذه داخل هذه الطفلة البريئة وأخرج قهره بأحضانها والآن فقط عليها المغادرة و الانسحاب كما وعدت الجدة !!!!
لم تنظر إلى أحد رغم يقينها أن جميع النظرات تتوجه إليها بل غادرت الغرفة و خرجت إلى "كريم" الذي اعتدل بوقفته و سار بجانبها في الممر بصمت تام لكنهما توقفا حين خرج صوته الغاضب و هو يتجه إليها بخطوات مسرعة هاتفًا بغضب :
- سديم !!! استني هنا !
أغمضت عينيها و كورت قبضتها تحاول تهدئة أنفاسها و استعادة نظراتها الجليدية ثم استدارت ترفع رأسها تراقب تقدمه الغاضب منها بهدوء و تنتظر استقراره أمامها و قد عقدت حاجبيها حين وجدت "سليم" أيضًا يتجه خلفه بخطوات واسعة و نظرات مشتعلة و يتقدمه قائلًا باندفاع و شراسة :
- عملتي إيه فيه يانصاابة !
عقد "كريم" حاجبيه و أردف بغضب و هو يقف أمامها و قد توارى جسدها خلفه : إياك تحاول تغلط فيها ! دي لحقت عمك ..آآ .
قاطعه "سليم" الذي قال بغضب و هو يدفعه من كتفه بقوة بعيدًا عنها حتى يتمكن من رؤيتها : وأنا مغلطش أنا وصفتها !
ثم تحرك من أمامه و تخطاه يقف بمواجتها قائلّا بتساؤل ولازالت نبرته تتسم بالشراسة معها : مش كدا برضه يا نصابة !
حدقت به بصمت و قد اخبرتها نظراته أن خداعها له بالأيام السابقة لن يمر مرور الكرام وأن ثقته التي منحها إياها تحولت الآن إلى سوط يجلدها به متى شاء ، تحركت عينيها على الآخر الذي أزاح جسد ابن عمه ليستقر محله و قال بهدوء موجهًا حديثه إلى "سليم" : سليم إحنا لسه منعرفش اللي حصل مينفعش كدا !
صدرت عنها ضحكة ساخرة و قالت بدهشة واستنكار : ليه هو لو عرفتوا اللي حصل هيتغير حقيقة إني نصابة ؟
رفع "آسر" عينيه عاقدًا حاجبيه و قد استطاعت أن تقرأ استنكاره لحديثها داخل حدقتيه وكأنه يطالبها أن تصمت وتترك له حجة واحدة للدفاع عنها لكنها تمنعت بل واقتربت من "سليم" تهمس بجفاء و سخرية :
- كنت بتقولي عملت فيه إيه يانصابة مش كدا ؟ لما تقولي عملت إيه في أختي امبارح يبقا ليك عين ساعتها تسألني على الأقل دا راجل كبير و عارف هو بيعمل إيه وجاي معايا بمزاجه مش بنت مراهقة بجبرها تيجي معايا عشان أوصل لحقيقة !
عقد حاجبيه و ظهرت شبح ابتسامة انتصار فوق شفتيها حين وجدت الخجل بدأ يتمكن من عينيه لذلك أكملت تسأله مستنكرة :
- مش دا نفس اللي أنت عملته امبارح ولا أنا غلطانة ! سديم تعمل كدا تبقا نصابة و ابن الناس اللي زيك لما يعمل الأسوأ يبقا قديس ولا إيه ؟
أدهشته بحديثها و أصابته بالتوتر حيث أنه إلى الآن يرى صورة شقيقتها الملطخة بالدماء ومنذ أمس يوبخه ضميره كلما تذكر أنه المتسبب بما حدث حين أرهبها إلى درجة الرعب من تواجدها بجانبه و اضطر إلى عرضه الذي كاد يهلكها دون قصد !!!
نظر "سليم" إلى ابن عمه الذي وقف يراقب ملامحها بانبهار واضح لم يحاول إخفائه و كأنه على وشك التصفيق لها و عينيه تكاد تأكل ملامحها الهادئة و المرتكزة فوقه هو الآن غافلة عن شرود "آسر" بها !!!
صرف عينيه عنها حين لاحظ مراقبة "أميرة" لهم من بعيد بل و إقبال "روزاليا" من الجهة الأخرى عليهم و قد رأتها "سديم" ثم "كريم" الذي عقد حاجبيه ونظر إليها بتوتر مما دفعها إلى القول بهدوء :
- مفيش حاجه هتتغير روح أنت لـنيرة و كمل زي مااتفقنا وأنا هتصرف !
كانت نظرات الاعتراض واضحة داخل مقلتيه و قد أفصح عن ذلك حين امتدت يده و أمسك ذراعها بلطف يهمس لها أسفل نظرات الرجلين المترقبة والغاضبة في آن واحد :
- سديم خليني معاكِ الحوار هيوسع !
هزت رأسها بالسلب و أجابت بلطف و هي تربت فوق يده :
- متخافش خليها تمشي زي مااتفقنا ماتسيبش نيرة و أنا هحصلك بس أخلص هنا !
ارتكزت عينيه المشتعلة فوق يدها التي قبضت بخفة على يد هذا الرجل الذي قبل خصلاتها وغادر مسرعًا يلبي رغبتها و كأن أحدهم أشعل النيران داخل صدره و كور قبضته يقول بغضب واضح :
- إيه السخافة دي ، و إيه والأسرار والشفرات دي أصلًا ماتتكلموا عدل هو إيه اللي يمشي زي اتفاقكم !
شرد "سليم" بجهة أخرى وخاصة حين أدرك أن هذا الرجل سوف يذهب إلى الفتاة صاحبة الحادث أمس ! لذلك قرر الإنسحاب بهدوء والتحرك خلفه مباشرة عله يستطيع الاعتذار لها على ماحدث ! و أثناء تحركه اصطدم بـ "روزاليا" التي استقرت محلها تراقب توتر الأجواء ولاحظت هرولته مسرعًا خلف "كريم" و بدل الاعتذار ظهر الاشمئزاز على وجهه وأردف بامتعاض : كانت ناقصاكِ أنتِ كمان !
نظرت إليه باحتقار ثم تابعت التحديق بـ "سديم" التي ابهرتها منذ الليلة الماضية بطريقتها ، تعجبها هذه الفتاة بشكل كبير خاصة أنها لمست بها الدهاء و المكر في حديثها و أنها ليست غافلة عما يدور حولها وهذا يذكرها بحالتها منذ أعوام حين أوقعت "عاصم" بشباك عشقها الزائف !
خرجت من شرودها و عقدت حاجبيها حين وجدت "سديم" تقترب منها بخطوات ثابتة وتقف بجانبها هامسة لها بخفوت ونبرتها الساخرة قد اخترقت أذن "روزاليا" :
- لو عايزة نصيحتي اختفي من هنا خالص عاصم لو شافك هيطلع روحك في إيده وآسر مستني إشارة عشان يخلص منك نهائي ، أصل والد بنتك عرف إنه عقيم !
________________ *** _________________
غادرت المشفى مع "آسر" قسرًا حيث أمسك يدها و تحرك إلى الخارج و هو يتحدث إلى الهاتف و يؤكد على تواجد "يوسف" محله وأنه طرأ له عمل هام مع ابنه العم _سديم_ والتي تسير بجانبه الآن مرغمة تشعر بيده تضغط بغضب على يدها تكاد تهشمها و لم تحاول تصحيح معلوماته أو مصارحته بماحدث مع عاصم حيث شعرت أنه على وشك الانفجار بها لذلك آثرت الصمت و مجاراته لأنه هذه المرة محق ، و إن علم بما فعلته بمفردها دون علمه لافترسها في هذا المَرأَب في التو والحال !!!!
توقف أمام سيارته و كور يده بقوة ثم هبط بها بعنف فوق مقدمة السيارة وهو يميل بجزعه العلوي ويستند إليها ثم زفر أنفاسه و اعتدل يهمس بهدوء ظاهري :
- شوفي أنا مش هتعصب و لا هزعق و اخبط ولا هلمسك عشان مبقاش متحرش !
لا تعلم كيف ظهرت هذه البسمة الصغيرة فوق شفتيها حين ذكرها بكلمتها عن التحرش لكنها اخفتها على الفور حين حذرها مستخدمًا إصبع السبابة الذي أشهره فجأة بوجهها و قال بغضب :
- أنا في أقصى درجات غضبي و مش من مصلحتك تبدأي حفلة الرد ولا السخرية بتاعك خااالص !!!
هزت رأسها بالسلب و عضت على شفتها السفلية تحاول كبت بسمتها و قد إلتصق ظهرها بالسيارة الخاصة به و هو أمامها يفصل بينه وبينها عدة سنتيمترات صغيرة لا تُذكر و قد مال عليها يستند إلى السيارة بيده ويقترب بوجهه منها مراقبًا ملامحها عن كثب عاقدًا حاجبيه بغضب و هامسًا لها مكملًا : هسألك سؤال واحد و جاوبيني منغير لف ولا دوران ياسديم أنا جبت أخري المرة دي فعلًا !
تنهدت و انتظرت سؤاله هامسة بهدوء أدهشه : اتفضل !
خرج سؤاله مباشر إلى درجة صدمتها حيث قال بحدة طفيفة : كريم يقربلك ايه؟
رفعت حاجبها الأيسر و أجابت بدهشة : نعم !!!
حذرها مرة أخرى وقال بغضب واضح : سديمممم !!!!
زفرت بملل ثم أردفت وهي تعقد ذراعيها أسفل صدرها : كريم كان جيراني من زمان و صاحبي جدًا ، تقدر تقول أخويا
عقدت حاجبيها حين حدق بها بعدم تصديق و ظهر الامتعاض فوق ملامحه لتقول بدهشة مستنكرة سبب أفعاله البربرية معها : بس كدا ؟!!!
سألها عاقدًا حاجبيه : هو إيه اللي بس كدا ؟
ضيقت عينيها ثم قالت بغضب : أنت مجرجرني كل دا من فوق لحد هنا عشان تسألني عن كريم مش اللي حصل امبارح مع روزاليا أو اللي حصل مع عمك وجابه هنا !!!
وكأنها ذكرته أنه غافل عن متابعة أفعالها مع عائلته بل و غفل أيضًا عن اختفاء "روزاليا" المفاجئ بعد حديثها القصير معها بالأعلى !!!
رفع يده يعبث بخصلاته الخلفية بعشوائية و أزاح عينيه عنها بتوتر طفيف أدركته في لحظتها لكنها قررت تجاهله حيث برر غاضبًا بنبرة حادة :
- لأ طبعًا ، أنا كنت هقولك نروح البيت عشان نعرف نتكلم في موضوع روزاليا دا بس حبيت اسألك عن صلة البتاع دا بيكِ اللي تخليه بيتكلم و يلمس و يبوسك أنتِ و أختك عادي كدا منغير أي حدود !
وفجأة احتدت نظراته التي عادت إليها و عادت عقدة حاجبيه و قد تلاشى التوتر من ملامحه و حل محله الإنفعال الشديد وكأنه يحاسبها على صلتها بـصديقها ؟! خرج حديثها بشكل عفوي و قالت بغضب :
- هو مين دا اللي بيلمس ويبوس وحدود إيه و بعدين أنت مالك أصلًا مين سمحلك تقولي الكلام دا وتتدخل في حياتي الشخصية ؟!
كرر كلماتها بإنفعال و قد فاض الكيل به ليقول بغضب :
- حياااتك الشخصية !! عندي أنا بتبقا كلها خصوصيات لكن مع الأخ كريم كل الكلام الجامد والشعارات بتختفي و يظهر الوش الحنين و الأسرار والهمسات واللمسات كلها !!!
رفعت حاجبها الأيسر بدهشة من غضبه المبالغ به و راقبت ملامحه المنفعلة و حركة جسده و أنفاسه المشتعلة التي تلفحها بغضب ساحق جعل روحها تنتفض برعب و بدأت تربط الأحداث الأخيرة ببعضها ثم ازدردت رمقها بخوف داخلي و اعتدلت بوقفتها تقول بنبرة حادة وتحاول الفرار مسرعة من براثنه :
- دي حاجة تخصني لوحدي و بعد إذنك عندي مشوار مهم !
كادت تتحرك وتفر من أمامه لكنه قبض على رسغها و أعاد جسدها فجأة إلى محله مرة أخرى ليلتصق ظهرها بسيارته و يحاوطها بجسده العريض من الأمام قائلًا بإنفعال : ليه بتعملي معايا كدا ؟ ليه مش عايزاني أعرف أي حاجة عنك رغم أني عرفتك كل حاجه تخصني دخلتك بيتي و آمنتك على سري و وثقت في تصرفاتك و مسألتكيش حتى عمي حصله كدا ليه رغم إني عملت كدا دا عشانه ، وفي نفس الوقت مآمنة لواحد تاني على كل تفاصيلك !!!!
تحولت نبرته إلى الوهن و بدأ الألم يتراقص داخل عينيه التي تحدق بملامحها المتوترة : ليه بتبعدي عني في كل خطوة بقربلك فيها ياسديم ؟
بدأت يده تترك رسغها و سار بأنامله برقة فوق ماظهر من ذراعها و لسوء حظها أنها كانت ترتدي قطعة قطنية ذات حمالات عريضة أظهرت ذراعيها و نحرها الناعم بشكل مبهر للأعين ، نكست رأسها و أغمضت عينيها حين اندفعت الدماء فجأة داخل أوردتها و اقشعر بدنها من فعلته و قد ارتفع مؤشر خوفها من هذه اللحظة بشكل مبالغ به قررت كسر حاجز الصمت حين اقترب بوجهه منها و قد قرأت ما هو على وشك فعله لتهمس بحدة واضحة :
- كويس إنك واخد بالك إني ببعد و ياريت أنت كمان متقربش مني أكتر من كدا إحنا اللي رابطنا ببعض شغل و أنا مش مسؤلة عن تصرفاتك الخاصة ، أنت اللي جيت وصارحتني بسرك من نفسك و دخلتني بيتك عشان انصب مش أكتر ياريت تفتكر وأنت بتتعامل معايا إني أنا سديم النصابة زي ماقال ابن عمك و زي ما أنت برضه كنت بتقول !
دفعت جسده بعيدًا عنها بقوة مفاجأة و لكنه عاد مرة أخرى و أمسك يديها التي استقرت فوق صدره حين حاولت إبعاده عنها و أجاب بإصرار محدقًا بعينيها التائهة:
- لما هترمي دبش و تتكلمي كدا مش هبتبعديني عنك بالعكس هقرب أكتر !
تنهدت أغمضت عينيها ثم فتحتها بإنهاك وهمست له باستسلام :
- عايز توصل لإيه ياآسر ؟
كعادته خرجت كلماته الصريحة لإنهاء هذا النقاش و لـصدمتها أيضًا لتتسع عينيها و تخترق كلماته أذنيها وهو يهمس أمام شفتيها بخفوت و لطف :
- لقلـبك ياسديم !
وللقلب دروب مُظلمة لا تخضع إلى ترميم العقل و لا ترغب في أضواء وصخب قوانين وقواعد الاختيار ، لكنها ترغب في إنارة مصباح من أحببنا ليرشدنا داخل الطريق و لـندرك حينها أن هذا هو القانون الوحيد الذي خضعنا له بطواعية تامة إنه قانون المصباح المضئ داخل الطريق المُعتم ، وأنا لم يدهشني القانون قدر دهشتي من حامل المصباح !!!!