اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الخامس عشر 15 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الخامس عشر 15 بقلم شيماء الجندي


لفصل الخامس عشر " تخبط !"

صدمة سيطرت على جسد "سليم" حين أنصت من خلال الشاشة إلى الحديث الدائر بين "روزاليا" و "سديم" خاصة حين أردفت المحتالة الصغيرة "سديم" بثقة تامة :

- آسر ميعرفش حقيقتي ومش هيعرف لحد مااخلص شغلي هنا !

صادقة ، هو لا يعلم عنها سوى القشور وأنها المحتالة المأجورة بالأموال فقط ! إذن هي لم تكذب في كلماتها لكنها تراوغها الآن و تتعمد صرف الأذى عنه بتصرف عفوي نابع من قلبها حيث رأت لأول مرة نظرات الاشتعال و الكراهية تكاد تقفز من عينيه حين أدرك أن الكندية الماكرة داخل منزله بل و سوف تستقر به !!!!!

كان يقف بجانب ابن عمه و يعقد حاجبيه بعدم تصديق أمام شاشة المراقبة لقد أنكرت للتو معرفته بحقيقتها !!! هل تحاول حمل أوزاره ؟ أم تمنع عنه مكر الكندية ؟ أم أنها تخطط إلى أمر ما يجهله ؟ ماذا تفعل تلك الفتاة غريبة الأطوار ؟ جلس مشدوه يراقبها بصدمة لكنه استطاع أن ينظر إلى ابن عمه و كأنه يقول أترى فعلتها الغريبة وبادله "سليم" الدهشة ثم عاد يحدق بها بهدوء ظاهري ؟!

وقفت "روزاليا" من مقعدها و اتجهت إلى "سديم" تنظر داخل عينيها و كأنها تحاول اختراق عقلها و التأكد من صدقها لكن هيهات ! إنها أمام متمرسة معتادة الثبات و لم يكشفها مُعلمها أتحاول تلك الساذجة مهما كان مدى مكرها أن تكشفها !!!

ابتسمت "روزاليا " حين وجدت نظراتها الجليدية تُسيطر على عينيها وتحجب عنها ما تتمنى رؤيته لذلك أردفت بنبرة ساخرة محاولة استفزاز ثباتها الإنفعالي :

- بس أنا ممكن أطلع أقول إنك مش سيلا بنتي و إنك نصابة ! و بكدا آسر يعرف كل حاجه !

صمتت "سديم" لحظات ثم استقامت واقفة تتجه إلى المرآة و تنزع ضمادة أذنها التي وضعها لها بالسيارة تستكشف جرحها الصغيرة و قد ارتسمت بسمة تسلية واضحة فوق شفتيها و قالت بهدوء أبهر "روزاليا" و أدهش "سليم" الذي يصطدم بوجهها المراوغ لأول مرة :

- اممم ، مش هتعملي كدا لأ ! لو كنتِ عايزة تكشفيني معتقدش كنتِ استنيتي لحد ما أوصل و تنادي عليا باسم بنتك و توافقي على عرضي إنك تكوني معايا هنا في أوضتي على إنفراد مش كدا برضه ؟

لم تمنع "روزاليا" حالها من الابتسام بإعجاب و إجابتها بإطراء : مظبوط يا سديم !

هزت "سديم " رأسها متجاوبة معها ثم جلست فوق المقعد المقابل للمرآة و قالت بثقة واضحة :

- حلو يلا أنا سمعاكِ !!

رفعت حاجبها و قالت بدهشة : سامعة إيه ؟

تنهدت بثقل و أجابتها بإنهاك وملل :

- روزاليا أنا كنت بقول عليكِ ذكية ! أقصد سامعة عرضك اللي جاية لحد هنا تعرضيه عليا وواثقة إني هقبله عشان متكشفنيش ليهم !

اتجهت إليها "روزاليا" بخطوات ثابتة ثم مالت عليها تقول بغضب واضح وكأن عينيها اشتعلت فجأة بل و تجرأت تقبض بقوة فوق ذراعيها و تغرز أظافرها بعنف محاولة جرح جلدها وقد نجحت :

- عارفة أنا برتب لكل دا بقالي كام سنة يا سديم ؟ أنا عاوزة حقي و حق بنتي اللي ماتت ! و أنتِ هنا بتنصبي باسمها !!!!!

انتفض "آسر" واقفًا بأعين متسعة حين فعلت فعلتها و قد عقد "سليم" حاجبيه ممسكًا ذراعه يمنعه عن الحركة وهو يعلق قائلًا ولازالت عينيه على الشاشة و قد فرغ فاهه بصدمة : إيه داااا !

عادت مقلتي "آسر" إلى الشاشة و بدأت بسمة صغيرة ترتسم فوق شفتيه حين وجدها تركلها بغضب و تقف مستقيمة تدفع جسدها بقوة إلى الحائط و تقول بغضب بالغ :

- أوعي تفكري تلمسيني تااااني !!

ضغطت بركبتها فوق معدتها بقوة أكبر مما جعل عينيها تجحظ من هول صدمتها و الألم معًا !! ثم قالت و هي تدفعها من كتفيها مرة أخرى للحائط و قد غرزت أظافر يدها بعنقها تمنع عن رئتيها التنفس بغضب واضح :

- أنتِ عضمة كبيرة و مش هتستحملي وأنا مبتفاهمش مع قلة الأدب غير بقلة أدب أكبر منها ، ساااامعة !!!

هزت الأخرى رأسها بالإيجاب حيث سيطر الاختناق عليها و تأكدت أن طريقتها المنتهجة خاطئة و عقدت حاجبيها حين استمعت إليها تقول بسخرية لاذعة و قد قبضت على ذقنها بقوة :

- أنا مش أميرة ، إيدك لو اتمدت عليا تاني هكسرهالك !!

وعلى الطرف الآخر رغم انبارهما برد فعلها إلا أن كلماتها الأخيرة كانت بمثابة دلو مياه انسكب فوق رأسيهما هل هي على علاقة بـ "أميرة" كاد "سليم" يتحدث وهو يُشير بصدمة إلى الشاشة لكنه صمت حين أشار له "آسر" و ضيق عينيه يتابع حديثهن باهتمام بالغ !!!!

أما "روزاليا" حدقت بها بصدمة و كادت تسألها عن أبعاد معرفتها بعلاقة "أميرة" بها لكن اختصرت "سديم" عناء السؤال وقالت ساخرة :

- فاكرة نفسك الوحيدة اللي تعرفي كل حاجة مش كدا ؟ انجزي وقولي عايزة مني إيه ؟

استقامت "روزاليا" و ابتسمت لها تقول :

- شكلك شاطرة أوي ياسديم و ذكية ، تفتكري واحدة بترتب كل السنين دي عشان تاخد الفلوس هتكون عايزة إيه ؟!

رفعت أصابعها و أشارت لها بعلامة دلالية على رغبتها بالأموال وقالت وهي تدلك عنقها بيدها الأخرى :

- Money !! "الأموال "
أنا عاوزة تعويض عن بنتي الوحيدة اللي ضاعت مني !

رفعت "سديم " حاجبها و قالت بهدوء :

- أنا متأكدة من دا بس مليش علاقة بغرضك الخاص ، أنا اقصد عايزة مني أنا تحديدًا إيه ؟

اقتربت منها و قالت بلطف و هي تنظر إلى آثار أظافرها فوق ذراعها :

- sadiem ! you are genius ! " سديم! أنتِ عبقرية"
عشان كدا هكون صريحة معاكِ ، أنا عايزة حق بنتي اللي ماتت العيلة دي دمرتني زمان وهما السبب في كل اللي حصلي أنا وبنتي و مش هسيبهم غير وهما متدمرين زيي و أولهم عاصم !!!!

هكذا يتضح الأمر جيدًا لها بالتأكيد هذه السيدة لا تحتاج إلى الأموال لقد رأت بعينيها حين تتبعت "أميرة" ثرائها الفاحش و الحراسة حول مكان تجلس فيه بعض الوقت ، إذًا هي ترغب بالانتقام !!!

أجابتها "سديم " ساخرة :

- وأنا مطلوب مني إيه في قصة انتقامك المبجلة ؟

نظرت إليها "روزاليا" بإعجاب ثم ابتسمت و قالت غامزة بإحدى عينيها :

- نو سديم ، دا مش وقته ! دلوقت مطلوب منك تقوليلهم يجهزوا لمامي بتاعتك أوضة ! لأني عاوزة ارتاح !!!

رفعت حاجبها الأيسر و سألتها باستهزاء : و أنتِ معندكيش بيت تقعدي فيه ؟

نظرت إلى أظافرها و ردت عليها ببرود :

- نو ! فيه بيت ! بس أنا قررت اقعد هنا مع عيلتي ونفتكر كلنا ذكريات زمان !

أدركت "سديم" أنها لن تفصح عن مخططها الانتقامي بل وأنها سوف تحسن استغلالها في هذا المكان و من حديثها الآن هي تهدف إلى إثارة غضب "آسر" الذي لن يقبل بتواجدها هنا لحظة واحدة ! ماذا تفعل الآن ؟ إن رفضت سوف تضع خطتها في مأزق خاصة أنها تحاول كف الأذى عن الصغيرة و إن وافقت سوف تتورط معه بل تؤلمه برؤية هذه اللعينة كل صباح !!!

قاطعت "روزاليا" شرودها و قالت بنبرة ساخرة :

- هااااي أنا هنااا ! يلاا اطلعي قوليلهم !

ابتسمت لها "سديم" وقالت بمكر :

- تؤ ، محدش مننا هيقول حاجه ، وأنتِ هتروحي بيتك دلوقت !

كادت تعترض لكن أكملت "سديم" بهدوء :

- شوفي ياروزاليا أنا مبحبش الأوامر ومبحبش الصداع أنتِ محتجاني عشان تنتقمي زي ما بتقولي أو أيًا كان و أنا مش عايزة حد يعرف دلوقت غير لما أخد اللي أنا موجودة هنا من شهور عشانه ، يبقا تسمعي كلامي للأخر وتاخدي بعضك وتمشي ، أصل بالمنطق كدا أنا مجبتش سيرتك من ساعة ما ظهرت ليهم فجأة تظهري أنتِ و منغير أي مبرر هعيش مع بنتي ؟ لكن لو مشيتي دلوقت هعرف أبرر إني كنت مختلفة معاكِ وجيتي تحاولي ترجعيني وأنا رفضت وبعدها اطلب وجودك معايا ، لكن مش هينفع نحطهم قدام الأمر الواقع مهما كانت مكانتي عندهم في احتمال كبير يرفضوا و مش بعيد يقولولي خلاص روحي معاها وأنا مش هغامر بتعبي دا كله عشانك !

ظهرت علامات الاقتناع على ملامحها بل شعرت أن هذه الفتاة لها منطق قوي و عقلية جيدة للغاية ناهيك عن بُعد نظرها تجاه الأمور ! اعجبتها كما اعجبت الرجلين المتابعين للحديث و طريقة سيطرتها على هذه الخبيثة وتمكنها من صرف فكرة تواجدها معهم ببضع كلمات !!! وها هي تنصاع إلى حديثها و تنصرف من اتجاه باب الحديقة معها على اتفاق بلقاء آخر في الصباح الباكر !!!!

أردف "سليم" بشك و هو يصرف عينيه عن شاشة المراقبة و ينظر إلى ابن عمه موجهًا حديثه إليه :

- طيب وهي رفضت إنها تقعد معانا ليه وهي متعرفش حاجه عن ماضيها أكيد محدش حكى ليها علاقتها بينا كانت إيه بالعكس دي بتتهمنا إننا السبب في موت بنتها وتدمير حياتها !!

جلس " آسر" فوق المقعد وقال عاقدًا حاجبيه :

- معرفش يمكن خافت توافق و هي مش قايلالي و خافت ترفض تتورط معاها ، أصلًا كويس إنها عرفت تخرج من تحت إيدها منغير ما تبتزها وتبدأ تتحكم فيها !

هكذا كان حديثه الخارجي أما داخله كانت الحيرة تُسيطر عليه ، هو على يقين أن هذه الفتاة لن تنتظر تصريح منه بل أن لديها ما يكفيها من الثقة و التبجح لفعل ما شاءت وقتما أرادت لكنها غريبة و تتصرف بغرابة بالفعل !!

سيطر الصمت عليهما إلى أن حمحم "سليم" ثم قال بخجل طفيف :

- أنت مزعلتش من كلامي في المستشفى مش كدا ؟ أنا عارف إن هدفك خير بس إحنا ملناش نحجر على عمي عاصم و نتصرف مكانه يا آسر ، صحيح هتبقا صدمة جامدة عليه بس أكيد مش هيعيش العمر كله فاكر بنته موجودة من حقه يعرف و أديك شايف الدنيا بتتعقد كل شوية إزاي ؟ مش هنكر إن تصرفها كان كويس لما خرجتك من الصورة و مورطتتكش مع روزاليا بس برضه إحنا منعرفهاش ياآسر عشان نثق فيها !

عقد "آسر" حاجبيه وقال باستنكار وهو يُشير إلى الشاشة :

- أنت لسه شاكك في سديم بعد اللي شوفته بعينك ؟!

رفع "سليم" حاجبه الأيسر و استقام واقفًا يقول بنفور واضح :

- أنت اللي مآمن ليها زيادة عن اللزوم وناسي إنك جايبها بالفلوس تمثل و اللي بتعمله دا حتى لو كان في صالحك ملهوش أي مسمي عندي غير إنها بتعمل شغلها اللي قبضت تمنه دا دورها و قامت بيه ومش بعيد تكون عارفة إن فيه كاميرا في اوضتها وعملت دا قصادنا عشان تقابل روزاليا برا وتتفق معاها ضدك !!! البنت دي ذكية لدرجة تخدع روزاليا أنت متخيل مدى بشاعتها !!!!!

استقام واقفًا هو الآخر وأردف مدافعًا عنها :

- سديم كان في ايدها تضرني دلوقت ومعملتش كدااا ! وكان ممكن تسيبها على فكرة تقعد معانا الموضوع مش هيضرها !

عقد "سليم" حاجبيه و سأله بترقب و تردد :

- تضرك دلوقت ؟ أنت حكيت ليها حاجة عنك ياآسر ؟

استند بيديه إلى مكتبه ونكس رأسه رافضًا الرد على سؤاله و قال بهدوء مغمضًا عينيه :

- أنا محتاج أنام لأني مجهد و متنساش تأكد على الراجل اللي كلمته يدورلنا على علاقة روزاليا بأميرة نشوف إيه حكايتها دي كمان !

كانت تقف بالخارج تستمع إلى النقاش بأكمله و فرت مسرعة حين شعرت بحركة أقدام "سليم" ، اتجهت إلى غرفة الجدة رافضة أن تنساق خلف هذا الحديث السيئ بحقها يكفيها تخبط بتلك الفترة !!

نظمت أنفاسها أولًا ثم طرقت الباب و دلفت على الفور تقول بهدوء :

- روزاليا مشيت بس معرفتش اتكلم مع آسر و سليم !

ابتسمت لها الجدة و أردفت بلطف و هي تضع يدها على الفراش بجانبها :

- تعالي اقعدي ياحبيبتي ، معلش سليم هياخد وقته ويهدى سيبك منه ومن كلامه التقيل على فكرة هو و آسر نسخة واحدة كلامهم غلس زيهم بس طيبين أوي و مش بيظلموا حد ! قوليلي حصل ايه بينك وبين الخبيثة دي !

قصت عليها تفاصيل ما حدث و ختمت حديثها قائلة بحزن مدافعة عن أفكارها :

- سليم قال لآسر إني عملت كدا عشان الكاميرات اللي عندي بس أنا محبتش تقعد معاكم فعلًا ومفكرتش للحظة بالشكل دا !!!

ابتسمت الجدة و سألتها بعبث : و أنتِ اللي مزعلك كلام سليم ! و لا خايفة آسر يصدقه ؟

وكأنها تضعها بمواجهة أمام نفسها ، سؤال تخشاه منذ أن استمعت إلى النقاش الدائر بينهما و شعرت أن حديث "سليم" منطقي بالنسبة إليه وقد يؤثر عليه لكن ما بالها ! ما الذي يشغل عقلها هل حديث "سليم" الصائب وأنها ليست مصدر ثقة أم صمت "آسر" وعجزه عن الدفاع عنها بمبرر قوي و برهان واضح ؟!

أفاقتها الجدة حين وضعت يدها فوق ذراعها و رفعته تنظر إلى أثر أظافر تلك اللعينة تسألها بغضب :

- هي اللي عملت كدا ؟!

حركت "سديم" عينيها حيث أشارت الجدة ثم أمسكت يدها تربت عليها تقول بلطف :

- متقلقيش أنا مسيبتش حقي ، رقبتها فيها أسوأ من العلامات دي !

وواصلت بتوتر وعينيها تتحرك فوق ملامح الجدة بترقب :

- أنا شايفة إن خلاص لازم ابن حضرتك يعرف كل حاجه ، ظهورها دلوقت ممكن يخلى الأوضاع تسوء أكتر !

عقدت الجدة حاجبيها و سألتها بدهشة :

- و هتقوليله إزاي يابنتي ؟ دا عاصم ممكن يروح فيها ! عايزة تقوليله إنه مش بيخلف أصلًا ؟ دا أنا لما عرفت كنت هتجنن !!!

تنهدت "سديم" و أردفت بحزن :

- أنا وعدتك لما جيت صارحتك إني مش هتسبب في ضرر حد من عيلتك ، متقلقيش هعرف اتصرف منغير ما أضره !

نظرت لها الجدة بارتياح و شردت تتذكر لحظة مصارحة تلك الفتاة لها ..

Flash back ...

كانت "سديم" جالسة بجانب الصغيرة "نورهان" التي كانت تعرض لها المشهد المسجل لها في مدرستها و تشاركها التعليقات بحماس طفولي واضح حيث بدأت تشرح لها شعورها في كل موقف أولتها "سديم" الاهتمام كما منحتها محبة خالصة لها دون نفاق وهذا جذب الصغيرة تجاهها بشكل كبير و تحولت في خلال أيام من فتاة صامتة هادئة إلى فتاة تشع بهجة وحيوية أدهشت الجميع و صارت تمارس دلالها على الأخت الكبرى التي رحبت بأفعالها بل و شجعتها أيضًا ، لاحظ الجميع هذه العلاقة العفوية كما جذبت انتباهه لها بشكل كبير و جلس الآن يرتشف قهوته وهو يتابع جلسة الصغيرة فوق ساقيها و احتضان الأخرى لها تستند بذقنها فوق كتف الصغيرة و تداعبها بين حين وآخر لتنفجر ضاحكة و يشاركهما "عاصم" أحيانًا و قد تعلقت عينيه بهما و كأنه امتلك كنز يخشى صرف عينيه عنه !

بدأت الصغيرة تستسلم إلى تيار النوم داخل أحضان "سديم" و وقف "عاصم " يحملها و يصعد بها إلى مقر نومها وقد تفرقت العائلة واحدًا تلو الآخر عدا الجدة و هي و هو !

كان يود الحديث معها لكنها وقفت فجأة تقول بهدوء :

- تصبحوا على خير !

أجابها بعجب وعفوية :

- هتنامي دلوقت ؟

هزت رأسها بالايجاب وقالت بدهشة :

- أيوا !

كاد يتحدث لكنها أكملت وهي تنسحب من المجلس : بعد إذنكم !

عقد حاجبيه و وقف هو الآخر يقبل رأس الجدة التي كانت تراقب ما يحدث بصمت ثم انصرف لتتنهد الجدة و تنظر إلى المعاونة الخاصة بها تطلب منها أن تذهب تخبر "سديم" أنها تود رؤيتها في غرفتها !

استمعت الجدة إلى طرقاتها فوق باب الغرفة و أذنت لها بالدخول تقول باقتضاب :

- اقفلي الباب وراكِ ياسديم وتعالي !

أغلقت الباب بإحكام و توجهت إليها لتقول الجدة و هي تنظر إلى الزجاج المؤدي إلى الحديقة :

- و اقفلي دا كمان !

أذعنت "سديم" إلى مطلبها و قد بدأ الشك يساورها لكنها عادت إليها بصمت تنتظر حديثها وبالفعل ابتسمت لها الجدة وقالت بهدوء :

- بتعاملي آسر كدا ليه يا سديم ؟

عقدت حاجبيها و سألتها بدهشة :

- كدا إزاي !

تنهدت الجدة و أشارت إلى المقعد أمامها تدعوها إلى الجلوس وهي تقول بلطف :

- أنا مبحبش اللف والدوران وأوعدك أي حرف هتقوليه هنا هيروح معايا قبري محدش هيعرفه إلا برغبتك ، معاملتك لآسر مش زي معاملتك لسليم ويوسف و كنت بقول إنه ممكن من الشغل أو بيضغط عليكِ لكن واضح إنك بتتعمدي دا و بصراحة أكبر أنا بدأت اقلق و عقلي ترجم حاجة اتمنى تكون غلط لما هند المساعدة بتاعتي لقيت دي في أوضتك الصبح !

رفعت يدها بتلك السلسلة الصغيرة التي تحمل خاتم أبيها الحبيب المنقوش فوقه اسمه ، ذكرى تخشى أن تدنسها حين تضعها حول عنقها واحتفظت بها داخل حقيبتها الخاصة ، هل سقطت منها دون قصد أم أن الجدة بدأت تعبث معها و تبحث في محتويات حقيبتها ، لماذا لا تحاول مصارحتها و يحدث ما يحدث في جميع الحالات لن تترك الصغيرة تعاني و لن تواصل خداعها إلى الأبد لتعلم الجدة و يحدث ما يحدث !!!

سألتها "سديم" مباشرة : أنتوا دورتوا في الأوضة بتاعتي على حاجة ؟

اجابتها الجدة بصدق : آه كنت بدور على ورق يثبت شخصيتك لأني بدأت أشك إنك بنت عاصم !

تنهدت "سديم" و أردفت بتوتر طفيف : هتقدري تسمعي الحقيقة ولو اتكلمت هتصدقيني ؟

اهتزت نظرات الجدة الثابتة و أجابتها بترقب : هحاول !

ثبتت "سديم" نظراتها على الجدة و قالت برفض واضح :

- أنا مسألتش عن محاولة حضرتك ، اللي هقوله محتاج حد يصدقه عشان ينقذ عيلتكم و الأهم من دا تساعديني ، آسر بيكره روزاليا لدرجة ممكن تعميه أي حاجة وممكن يعمل كارثة يندم عليها عمره كله في وقت غضب !

اتسعت عيني الجدة و قالت بنبرة ثابتة قوية :

- لو عيلتي في خطر و أنتِ جاية تساعدي أنا أول واحدة هتقف معاكِ بس أعرف حكايتك إيه وعرفتي عاصم منين ؟ و ليا نظرتي اللي أقدر احكم بيها على كدبك أو صدقك !

بللت "سديم" شفتيها ومالت إلى الأمام تضع رأسها بين يديها لحظات ثم زفرت بصوت مسموع ورفعت رأسها تردف :

- أنا مش بنت ابنك أنا نصابة كان مطلوب مني حاجة محددة اعملها وامشي بس عرفت حاجات عنكم ربطتني بالمكان وحلفت مش هتحرك منه قبل ما انقذ أضعفكم أنا عملت مصايب كتير و خدعت ناس أكتر لكن لا يمكن أشارك في أذية طفلة !

انتبهت الجدة إلى حديثها وبدأت تنصت إليها بدهشة تلاشت و حل محلها الصدمة حين أكملت قائلة :

- نورهان مش بنت ابنك برضه ، أنا عملت تحليل ليهم واتأكدت من دا ، أميرة بتتقابل مع مراته الأولى روزاليا ، و أنا هنا عشان أوهمه إني بنته و أقنعه يغير وصيته اللى كاتبها لسيلا على حسب كلام آسر طبعًا !

بدأت الصدمة تتبلور فوق ملامح الجدة و تابعت "سديم" الحديث تقول بأعين تلتمع داخلها الدموع ونبرة يشوبها الاختناق :

- أنا كنت هسيبكم و امشي و أخلص من كل دا بس لما عرفت إن نورهان هتتورط مقدرتش اسيبها مهما كانت أمها بتعمل إيه هي ملهاش ذنب ، و أمها طماعة لدرجة كبيرة و ممكن تغامر بيها في أي وقت ، تصدقيني أو تكدبيني أنا أكتر واحدة عارفة يعني أي بنت ليها أم طماعة و معنديش أي استعداد أشوف طفلة بتعاني من دا ، العالم دا مش بيرحم محدش هيسيبلها مبرر واحد ولا يقول امها السبب ، الكل هيشاور عليها ويقول إنها أسوأ واحدة في الدنيا كأنها اتولدت شيطانة صغيرة ، الكل هياخد بالنتيجة و أنا هنا عشان احمي البنت دي من نتايج طمع أمها وغضبكم لما تعرفوا إنها مش بنته !

سألتها الجدة بصوت مبحوح و أعين دامعة : و سيلا بنت ابني مع روزاليا وعارفة كل دا ؟

هزت رأسها بالسلب ونكست رأسها تقول بحزن : سيلا مش بنت ابنك أصلًا ، ابنك مش بيخلف و دا اللي لسه محدش منكم يعرفه واضح إن روزاليا خدعتكم من زمان و بتمارس عليكم نفس الخدعة دلوقت !

سقطت دموعها و قالت بتكذيب : لأ أنتِ بتكدبي !!!

تنهدت "سديم" و بدأت تتأثر لحالة الجدة و لكنها أخرجت هاتفها و بدأت تعرض عليها التقارير واحدًا تلو الآخر وهي تقول بحزن :

-أنا طلبت من ابنك يعمل تحليل شامل عشان نتطمن على صحته بشكل عام و كريم قام باللازم وقتها و اتأكدنا إنه عقيم و عرفنا نوصل للدكتور بتاعه و اللي أكد كلامي و سجلنا كمان الكلام معاه وتقدري تروحي ليه وتتأكدي بنفسك ، أنا عارفه إن دي صدمة كبيرة بس صدقيني أنا كنت هسيب كل دا وامشي و مش هتشوفوني تاني و مقدرتش افرط في الصغيرة اللي هتروح وسط الموجة ولا افرط في اللي باقي من عيلتي !

سقطت يدها الممسكة بالقلادة فوق الفراش و قد لاحظتها "سديم" لتقول بألم هي تستقيم واقفة ثم مدت يدها تلتقطها من بين أناملها بهدوء :

- على فكرة الخاتم دا بتاع بابا كان دكتور جامعي ، أنا كان عندي عيلة زي نورهان كدا !

نظرت إليها الجدة عاقدة حاجبيها ثم إلى القلادة و راقبت اختفائها من الغرفة بحزن بينما بدأ عقلها يترجم ما قالته و كانت ليلة قاسية استرجعت بها جميع ذكرياتها و حاوطتها التخيلات و الكوابيس عن رد فعل ابنها سيئ الحظ و بين تساؤلات هل تصدق تلك الفتاة أم تكذبها و إن كانت سيئة ما فائدتها بكشف هذه الأسرار بل و إعلام ابنها أنها ليست ابنته !!!! إذًا أين مكاسبها ؟ إن كانت سيئة كانت أكملت دور الابنة و سيطرت على الأموال وقضي الأمر و لن تغامر بحديث مع عجوز مثلها !!!!

لم يزورها النوم في تلك الليلة إلى أن أشرقت شمس الصباح الجديد و طرقت "سديم" الباب ثم دلفت تقول بهدوء :

- قررتي إيه ؟ أكمل في اللي بعمله و لا اختفي نهائي !

نظرت لها الجدة لحظات ثم قالت ببسمة ماكرة :

- لا هتكملي بس لازم اعرف قصتك الأول عشان سرك يبقا قصاد ضرر عيلتي !

رفعت "سديم" حاجبها و قالت بعبث حين وجدت داخل عينيها ثقة مهزوزة بعض الشيئ بها :

- ما أنا ممكن أكدب عليكِ و ألف قصة من خيالي !

ضحكت الجدة و قالت بمكر : و أنا أبان هبلة وسهل يتضحك عليا ؟ متنسيش إن أنا الوحيدة اللي كشفتك ! قولي و زي ماقولتلك اللي هتقوليه هيتدفن معايا مجرد ما الموضوع دا يخلص و احكيلي آسر عرفك إزاي ؟

تنهدت "سديم" جلست أمامها بصمت دام للحظات تنظر إليها بتردد قبل أن تقص عليها ما حدث لها منذ أعوام و تخبرها سرها الأعظم !! وجدت داخل عيني هذه العجوز أمان غريب و رغم أنها تحاول مقايضتها إلا أنها لا يوجد لديها ما تخشاه لتخبر أحدهم أنها ليست بهذا السوء لعلها تجد راحة روحها ولو لمرة واحدة !!!!

Back ...

أفاقت على يد "سديم" تربت بهدوء فوقها و تستقيم واقفة تقول بلطف :

- أنا هروح أنام !

عقدت الجدة حاجبيها و سألتها بدهشة وقد لاحظت جرح أذنها حين رفعت خصلاتها بشكل عشوائي :

- إيه دا ياسديم حصلك إيه ؟

ابتسمت و أجابت بهدوء : متقلقيش دا خدش صغير !

وضعت الجدة يدها فوق يد "سديم" و قبضت عليها بحنو قائلة بلطف :

- لأ ، أقلق طبعًا خدي بالك من نفسك !

ثم ابتسمت و سألتها بعبث وهي تمرر عينيها على ملابسها :

- أنتِ لما عديتي عليا الصبح مكنتيش لابسة كدا صح ياسديم ؟!

أشارت برأسها إلى القطعة الجديدة التي ابْتَاعَها لها "آسر" واتسعت عيني "سديم" حين نظرت إلى ملابسها ثم تذكرت أنها ألقت الملابس الملطخة بالدماء داخل سيارته و الآن فقط أدركت ذلك !!!

وضعت يدها الحرة فوق شفتيها بخجل و قالت بتوتر :

- أوبسس ! أنا إزاي نسيت !!!!

نظرت إلى الجدة التي حدقت بها عاقدة حاجبيها بدهشة واستنكار لحديثها الغير مفهوم فأكملت توضح مقصدها هامسة :

- أصل النهاردة و إحنا رايحين لـنيرة الجرح نزف و أنا مأخدتش بالي فطبعًا هدومي اتبهدلت بس آسر نزل قال هيجيب حاجات و لقيته راجع بده عشان نيرة متتخضش لما تشوفني ، المهم بقا إني رميت اللي كنت لابساه في عربيته و نسيت خالص اخده وأنا نازلة حركة بايخة أوي بس أنا نسيت فعلًا !

رفعت الجدة حاجبها و علقت مبتسمة بمكر : آه يعني آسر اشترى دا عشان نيرة متتخضش ! ماشي ياحبيبتي على العموم متقلقيش الصبح هبعت هدى معاكِ وأنتِ خارجة عشان تفكرك تاخديه مش مشكلة يعني ، روحي ارتاحي !

ابتسمت لها و قد لاحظت نظراتها الغريبة و بسمتها الماكرة لكنها قررت تجاهل الأمر والتركيز على خطوتها القادمة في الصباح الباكر و بالطبع فور أن تحصل على ساعات نوم كافية لجسدها و عقلها ، كادت تفتح الباب لكنها استمعت إلى رجاء الجدة لها وهي تقول بتأكيد :

- سديم ، مش هوصيكِ على عاصم و هستنى تطمنيني بكرة أنا بثق فيكِ وعارفة إنك مش هتخذليني !

بسمة صغيرة ارتسمت فوق شفتيها و هزت رأسها بالإيجاب ثم انصرفت إلى غرفتها و داخلها قلق غريب من يومها القادم اتجهت إلى المرحاض تهمس لحالها بسخرية :

- مكنتش بقلق وأنا بنصب و بقيت أقلق و أزعل على واحد معرفوش كمان !

وقفت أمام المرآة تنظر إلى انعكاسها و واصلت بحزن :

- شكل سامح كان صح لما قال المشاعر بتضعف صاحبها أنا اتعاطفت معاهم زيادة عن اللزوم ولا إيه !

و كأني عالق في منتصف درب المشاعر ، يخشى عقلي اختبار قسوتها ويرغب قلبي تذوق لذتها أما عن روحي فهي زاهدة تتمنى فقط الخلاص من أغلال المشاعر !


أعلن هاتفها عن مكالمة هاتفية من "كريم" عقدت حاجبيها و أجابت بهدوء و هي تتحرك تجاه الفراش :

- في وقتك ! أنا كنت لسه بفكر أكلمك !

استمعت إليه لحظات ثم ابتسمت وقالت بلطف :

- لا متخافش على نيرة هي تمام وأنا اتطمنت عليها و غالبًا هنسرع كل حاجة فاهمني ؟

كادت تواصل حديثها لكنها تذكرت الحديث الذي دار بين "آسر" و "سليم" و أن غرفتها مراقبة من جهته ، لذلك أنهت مكالمتها معه و ختمتها قائلة برهبة داخلية :

- خليك على تواصل معايا بكرة ضروري أنا مش ضامنة أي حاجة حواليا !!!

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close