رواية حان الوصال الفصل الخامس عشر 15 بقلم أمل نصر
قطر الحياة يسير رغم انفنا، لا يتوقف لمرض، ولا يحزن لوفاة، ونحن العالقين بداخله، ماضين في طريقنا معه، رغم كل ما نواجهه من ويلات، يدفعنا الامل في الوصول بالمثابرة والتحمل .
حتى تجبرنا الظروف على أشياء كنا نستنكرها قبل ذلك، بل ونمقت من يفعلها ، فتدور الدائرة ونجد أنفسنا بين شقي رُحى، إما التنازل والتكيف مع الواقع، وإما ان نصارع طواحين الهواء؛ في حرب بذل الجهد بلا نتيجة تذكر، او ربما هزيمة تصيبنا بالدهس تحت عجلاته.
ترى هل سيأتي ذلك اليوم ويتوقف بنا في محطة السعادة، ام هي النتيجة الحتمية والمتوقعة، ولا ينتظرنا سوى المحطة الوحيدة التي نعلمها جميعا، علّ بها نجد الراحة الأبدية من كل شيء.
بنت_الجنوب
بداخل احد المطاعم الفاخرة.
وقد اتى بها بعد اتصالها مباشرةً به، لتجلس امامه الاَن مقابلة له، على طاولة جمعتهما وحدهما في ركن مميز ومنزوي عن البشر، حتى تأخذ حريتها وتتحدث دون خجل:
– ها يا بهجة، تحبي اطلبك ايه؟
بادرها بالحديث، ينتشلها من شرود اكتنفها، وكأنها سبحت بعالم اخر، بتأملها لتلك التفاصيل الصغيرة، والمعبرة عن شيء مضاد تماما عن مغزى الجلسة، الاضاءة الخفيفة وهذه الشموع التي تزين وسط الطاولة، والموسيقى الهادئة، وكأنه يسخر منها بهذه الأجواء الرومانسية.
ابتسامة جانبية لاحت على زاوية فمها، لتلتف اليه قائلة:
– شكرا يا باشا، انا مش عايزة اي حاجة، خلينا ندخل في الموضوع اللي جينا عشانه.
اومأ ملوحًا بيده امامها كي تتريث قليلًا، لينظر للنادل الواقف بالقرب منهما، يخبره بإسم اجنبي للمشروب الذي يريده له ولها.
لتزفر هي متغاضية عن الاعتراض، وانتظرت حتى انتهى، ليعطيها اهتمامه بالكامل قائلا بابتسامة هادئة اثارت استفزازها من الداخل:
– انا طلبت لنا احنا الاتنين نفس المشروب، لأني متأكد انه هيعجبك، وان كان ع الكلام، احنا لسة في بداية القعدة.
سحب شهيقًا طويلاً قبل ان يزفره، في فعل فضح توتره، رغم اتزانه المبالغ فيه، ليستطرد:
– يلا يا ستي اتفضلي قولي شروطك.
تطلعت اليه ببعض الجمود وكأن العدوى اصابتها، لتجيبه بثبات:
– أولًا عشان نبقى واضحين من اولها، الجواز حتى لو في السر مش هيتم غير على ايد مأذون.
تحمحم يحك جانب فكه الشمال في لفتة اظهرت إعتراضًا هم بالتعبير به، ولكنها سبقته قاطعة، ناجزة، تجاهد غضبها من الداخل:
– لا حضرتك دا مش محتاج تفكير، لأن انا مبعترفش بأي حاجة تانية غيره، لا ورقة عادية ولا حتى مسجلة في الشهر العقاري، حتى لو كانت مباحة، في شرعي انا اسمها زنا وانا عمري ما كنت خاطية.
قالتها بانفعال جعلته يبرر بأسف:
– محدش قال الكلام دا يا بهجة، انا دارس برا وبشوف الحاجات عادية جدا، يعني بس…..
هم ان يتابع لإقناعها ولكن امام حدتها اضطر للإذعان يوميء على مضض:
– اللي تحبيه يا بهجة، كدة خلصنا من الاول، اللي بعده بقى.
لانت ملامحها بعض الشيء لعدم تشدده في هذه النقطة وموافقته السريعة، لكن سرعان ما عاد جمودها في التفوه بالاخر:
– ياريت المدة متزيدش عن شهر ولا شهرين، عشان منعطلش بعضنا كتير، وكل واحد يمارس حياته في…..
– استني هنا وقفي.
قاطعها سائلًا بضيق لا يخلو من ريبة:
– هو ايه اللي شهر ولا شهرين، هو احنا رايحين رحلة؟
– امال يعني هنتجوز جواز طبيعي؟
تمتمت بها، تجفله بصراحتها، لتواصل بإفحامه:
– حضرتك من الاول حددت انها رغبة وقولتها في وشي بدون تزويق، واظن يعني الرغبة دي مهما كانت قوتها مبتزيدش عن كدة، يبقى لزومو ايه العطلة ع الفاضي؟
عض على نواجزه، يكتنفه غيظ شديد، لا تعجبه هذه الصراحة الفجة منها، لماذا لا تسهل عليها وعليه الامر؟
ضاقت عينيه بزفرة قانطة ينهي هذا البند:
– اللي بعده يا بهجة خلينا نخلص.
دارت مقلتيها بتفكير سريع تجيبه:
– اللي بعده يعتبر مش شرط، اصل مدام بانتهاء العقد هينتهي شغلي في المصنع….
قاطعها سائلًا بإجفال:
– شغل ايه اللي هينتهي؟ وتسيبي الشغل ليه اصلا؟
ردت ببساطة :
– عشان مهينفعش اكمل في مكان انت موجود فيه.
تبًا، لما يشعر بالقسوة خلف كلماتها، ولما هذا الضيق المفاجيء الذي يجثم على انفاسه لمجرد الفكرة، ليكن الصمت هو رده فتابعت هي:
– ومدام كدة كدة هكمل الشهر او الشهرين دول في الشغل يبقى ارجع لقسمي القديم مع زملائي اللي قضيت معاهم احلى سنين….
– لأ.
خرجت منه سريعًا برفض تام، وقد لاح على الفور وجه هذا الفتى الذي يعمل معها وينتظر موافقتها على الزواج، والذي قد يحدث فور انفصالها عنه، بعدما تتيسر حالتها المادية، اللعنه.
تلك الافكار طرأت سريعًا بعقله لتعبث به، فيشدد هو بتعصب تام:
– رجوعك لقسم التفصيل تاني، انسيه خالص يا بهجة، عندي اقبل بكل شروطك إلا دي، اقلبي يلا ع اللي بعده خلينا نخلص.
زفرت بحنق يسري بداخلها من هذا المتسلط، يريد فرض امره حتى في شيء صغير كهذا .
– هتفضلي ساكتة كتير؟ ولا اعتبر كدة انتهينا؟
– لا طبعا مانتهيناش.
صدرت منها في رد له، بعدما اجبرها لذلك، لتبتلع ريقها ، مردفة شرطها الاخير بحرج:
– انت قولت هتأمن مستقبلي انا واخواتي بمبلغ…..
– دي مسأله مفروغ منها يا بهجة، المبلغ هيتحط في حسابك مجرد ما توافقي ونحدد الميعاد.
– طبعا ما بيعة وشروة وانت تاجر شاطر ومحدش يغلبك .
غمغمت بها وكأنها تحدث نفسها ، لتثير بداخله الفضول بسؤالها:
– بتبرطمي بتقولي ايه يا بهجة؟ سمعيني .
– مش ببرطم ولا ازفت.
رددت بها نافية بخشونة، ليعتلي التوتر ملامحها بعدها، وتردف بأمنيتها الاخيرة:
– بس انا كنت عايزة حاجة تاني غير الفلوس……. يعني لو……
– لو ايه يا بهجة؟ قولي.
تشجعت تجيبه:
– لو تقدر تشوف لنا بيت لينا انا واخواتي، يكون فيه جنينة، مش عايزاه كبير، كفاية يكون محندق علينا، وبعيد عن اي جيران تأذينا، حتى بعدها، مش عايزة فلوس في البنك ولا اي حاجة تاني، المهم يبقى أمان، بس كدة.
نبرتها الضعيفة اثارت التكهنات بداخله ليسألها بتوجس وغضب لا يعرف سببه:
– ليه يا بهجة؟ انتي حد بيضايقك في المنطقة اللي ساكنة فيها؟
– مش لازم حد يضايقني، انا عايزة امشي وخلاص
رددت بها بنفي قاطع اصابه بالإحباط، والغيظ ايضا لتكتمها الشديد في أمر كهذا يعتبره يخصه، ليعض على باطن خده من الداخل يردف:
– عايزة حاجة تانية غير البيت؟ لو هنشيل فرض الفلوس من اساسه.
اومأت برأسها بملامح تبدلت تمامًا ، بلمحة من اشراق اعتلت تعابيرها:
– نفسي في وكالة بدل اللي ضاعت من ابويا .
❈-❈-❈
والى سمير الذي مازال يتابع بأسئلته ، ينتابه الشك في حديث والدته وشقيقته واللتان لم يكفا عن القاء اللوم نحوه.
– ايوة برضو مش قادر اعقلها، ايه اللي يخلي بهجة توقف امي وتتبلى عليها؟ دي اكتر من سلام ربنا ما بتزودش غير لما احنا نلح عليها.
– يعني قصدك ان انا اللي بتبلى عليها؟ طبعا وانا هستنى ايه منك يا خلفة الندامة، دا انت وقفت قدامها وريلت زي الدهول في عز ما الخناقة قايمة، بدل ما تدافع عني وتيجبلي حقي.
دعمتها ابنتها تتهكم بسخرية:
– لا ياما ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده؟ هو يجيب حق السنيورة اولى، اصلها مظلومة يا عيني، واحنا الناس المفترية.
كز على اسنانه ينهرها بغضب:
– اتلمي يا سامية بدل ما اديكي كفين يعدلوكي، انا على اخري منك يا بت.
شهقت فاغرة فاهها بمبالغة تقارعه بما يشبه الردح الشعبي:
– تضربني دا ايه يا عنيا؟ كنت ابويا انت ولا كنت ابويا ، ولا هو مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة .
– مين الحمار يا حمارة؟
صاح بها مندهشًا لوقاحتها، فتدخلت والدته توقفه عن الفتك بها:
– خلاص يا بت اهمدي بقى، وانت يا خويا روح لها وقويها على امك، يمكن تحن عليك وترضى، مش خدت غرضها وخربت بيتك انت عشانها .
– بيت مين اللي خربته عشانها؟
غمغم بها بعدم استيعاب، ليضرب كفا بالاخر يردف بالحوقلة:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، دا انتو هتخرجوني من هدومي.
– هما مين دول يا واد اللي هيخرجوك من هدومك؟
جاء الصوت الاجش من مدخل المنزل، وقد تسائل به والده، والذي دلف بصحبة ابنه الاصغر سامر، تتنابه الريبة هو الاخر:
– هو انتو متخانقين ولا ايه؟
امتنع سمير عن الرد ينفض سترته بغضب ، فلا ينقصه تدخل شقيقه اللزج، والذي قد يستغل الفرصة لصالحه، اما سامية ووالدتها فقد تشتت تركيزهم، مع عدد الاكياس التي دلف به خميس ، يرتدي ملابس جديدة بهيئة متأنقة وكأنه اتى حالا من صالون الحلاقة للرجال .
.
انتفضت سامية سريعًا تتناول الاكياس، لتفتش عن محتوياتها بفضول:
– ايه الاكياس دي كلها؟ هو انت جبت حاجات جديدة يابا؟
تبسم يتفاخر ، رافعًا بنطاله الذي يسقط دائما منه للأعلى، لتمصمص بشفتيها زوجته، معقبة بسخرية:
– ايوة ياختي ما يشتريش ليه؟ هو صغير؟ دا كمان وشه منور ومحلو ، ايه يا خميس؟ يكونش يا خويا بتعمل ماسكات عند الحلاق وتخفف حواجبك زي العيال اللي طالعة؟
عبست ملامحه بتعالي عن سخريتها يقول:
– وماله لما اهتم ببشرتي يا جاهلة؟ دي حاجة تفيدني مش تعيبني، قال زي العيال اللي طالعة قال…. على اساس اني عجزت اصلا!…… جاهلة .
بصق كلماته وتحرك نحو غرفته ذاهبًا، حتى اذا دلف اليها اتجه الى المراَة يتأمل هيئته الجديدة بزهو :
– يا سلام عليك يا واد يا خميس، رجعت عشرين سنة لورا، قال والبومة بتتريق عشان منور عنها ، ااااه، ياما نفسي القمر يرجع من تاني للحارة ، هي بطلت ما تيجي ليه بس ؟!
❈-❈-❈
نهض عن مائدة الطعام، يرفع كفيه بامتلاء مرددًا:
– ياااه دا انا كنت محتاج الاكل الدسم ده اوي ، تسلم ايدك يا حماتي.
ردت شربات بانتشاء وقد أسعدها اطراؤه:
– يسلم عمرك يا قلب حماتك، بس انت اكلتك ضعيفة، دا برضو كلام؟ كمل اكلك كويس يا حضرة الظابط.
جلجلت ضحكته الصاخبة مرددًا لها:
– كل ده وصغيرة، ولا انا بطني اساسا بقى فيها مكان للميا حتى، قوليلي الحق ادور على حاجة للهضم.
جاء الرد هذه المرة من رؤى:
– لا يا حضرة الظابط معلش بقى استني شوية على دوا الهضم على ما تاكل الحلو عشان يبقى بالمرة .
– كمان في حلو؟ يبقى استني، الحمام فين بقى عشان اغسل ايدي؟
– كدة شمالك على طول يا عصام، ولا استنى اروح معاك احسن.
قالتها امنية، لتلحق به وتحضر له المنشفة، حتى اذا انتهى طلب منها الانتظار بداخل غرفتها، وهي كالعادة اطاعته.
لتلج به داخلها، ترحب به:
– اهي يا سيدي اوضتي، اللي قضيت فيها طفولتي وشبابي .
خطا داخلها يتأمل كل ركن بها بأعين متفحصة، يعلق بمرح على بعض الاشياء الانثوية بها، ويسخر من بعضها كي يثير غيظها حتى جلس على تختها مرددًا بخبث:
– حلو السرير ده، خشبه متين ويتحمل .
– يتحمل ايه؟
سألته ببرائة ، لتجد الرد منه بغمزة وقحة صائحة به:
– انت بقيت قليل الأدب اوي يا عصام.
عض على شفتيه، يشير بسبابته على فمه متمتمًا بهمس:
– عيب يا بنت، صوتك يطلع برا ونتفضح، وتعالي يلا من سكات .
قال الاخيرة مشيرا لها بيده، لتعترض هي ضاحكة:
– لا وحياتك ما يحصل، بعد ما عرفت نيتك اجي برضو؟ دا انا ابقى عبيطة.
لتتحرك نحو الشرفة، تفتح شراعيها متابعة:
– وادي كمان البلكونة فتحتهالك، عشان تلم نفسك بالمرة.
عض على شفته السفلى بغيظ في رد لها:
– ماشي يا امنية، لينا بيت يلمنا.
ضحكت متكتفة الذراعين شامتة به، لينهض مكررا لها بالوعيد، واقدامه تتقدم نحوها ، حتى دلف داخل الشرفة يسبقها في النظر للخارج، عيناه تدور في كل زاوية بالحارة وكأنه يقيمها، حتى وقعت ابصاره على المقصود ، وقد كان جالسًا يدخن الشيشة على احد مقاعد القهوة المقابلة لهم، ف انتبه له الاخر، ليغمغم بحنق، من بين دخانه الكثيف الذي يخرجه بفمه:
– وبعدين بقى في رزالة امك دي ع المسا، غاوي تجر شكلي ولا ايه؟ دا انا على اخري.
أما امنية والتي انتبهت هي الأخرى للحرب الباردة بين الطرفين،
درءًا للمشاكل سحبت زوجها من ذراعه تعود به للداخل قائلة:
– عصام يا حبيبي، بلاش تخليني اصدق ظني في انك قاصد تجر شكله.
رد بتعالي يليق به:
– وهو مين دا كمان عشان احطه في مخي؟ فسحي يا امنية خليني ادوق الحلو، حكم نفسي انفتحت اوي عشان احلي.
تابعت ذهابه امامها تتنهد بيأس ، تتضرع الى الله كي يمر الامر على خير.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها في طريقها للعودة الى منزلها، وقد كانت صامتة معظم الوقت، على عكسه هو الذي لم يمنعه صمتها في الحديث وسؤالها حتى على اشياء تافهه، فتجيبه باقتضاب، وكلمات محددة، ليس لديها طاقة لأي شيء.
عيناها لخارج النافذة، شاردة فيما يحدث وما آل اليه حالها كي توافق على شيء كهذا، مع رجل أملت فيه خيرا ان يعيد ثقتها في جنس الرجال اجمعهم، ليعيدها بموقفه الى نفس النقطة بل اكثر، وان كانت وافقت على بيع نفسها له، من اجل الامان لها ولأخوتها، فهي تبصم بالعشرة انها لن تكرر هذا الأمر بالزواج من غيره.
– أكمل بيكي لحد فين بالظبط يا بهجة؟
انتبهت لقوله، لتستدرك قرب مرور السيارة من منطقتها، فهتفت به بجزع:
– لا وقف هنا طبعا، وقف حالا يلا .
امتثل لرغبتها وتوقف حيث اشارت، ليلتف اليها بابتسامة مطمئنًا:
– خلاص يا ستي وقفنا متقلقيش.
اومأت تهم بالترجل، ولكنه منعها ممسكًا مرفقها:
– استني يا بهجة، على طول كدة ماشية!
نزعت يدها ناظرة له باستفهام:
– وهستنى ليه؟
– تستني يا ستي عشان تسمعيها مني، وتعرفي اني مبسوط اوي بموافقتك، مبسوط لدرجة اني مش عارف اعبر بالكلام.
قالها بصوت غريب عن بروده المعتاد، نبرة تتخللها الحرارة، حرارة الاحساس ، ياللعجب.
هذا ما تهكمت به داخلها، فكان ردها إيماءة على مضض، قابلها بابتسامة عابثة وكأنه قرأ أفكارها:
– انا عارف ان انتي لسة مشتتة، وعقلك بيروح في مية حتة، بس احب اكدلك، ان عمرك ما هتندمي على قرارك، خليكي واثقة في كدة.
هذه المرة قابلت قوله، بابتسامة صفراء مرددة له:
– ماشي يا باشا، عن اذنك بقى؟ مش عايزة اتأخر على اخواتي.
❈-❈-❈
دلف الى المنزل ليفاجأ بأصوات التذمر من والدته، وتحايل الدادة نبوية لها، هي وشقيقتها؛
– حبيبتي طب كُلي الاول وبعد كدة اعملي اللي انتي عايزاه.
– يا مدام نجوان حرام عليكي نفسك بقى؟
– ايه في ايه؟ هي مالها؟
تمتم بالأسئلة فور اقترابه منهم، ليصعق بهيئتها المزرية، وهي منكمشة على نفسها، بحزن تجمدت به قسماتها، وقبل ان يعاود استفساره، جاءه الرد من نبوية :
– تعالى يا رياض يا بني وشوفها بنفسك، من امبارح قالبة الدنيا على بهجة اللي غايبة عنها بقالها يومين، حتى وصيفة اللي كانت بتحبها زمان، رافضة اي تعاون منها، كل اللي على لسانها بهجة او عائشة ، انا بصراحة احترت معاها.
تدخلت وصيفة بحزن هي الأخرى:
– شكلها مش متقبلاني بدل اللي اسمها بهجة دي، ياريتني ما سيبت مكاني ولا جيت من اساسه، وانتو برضو استعجلتوا على طرد البنت.
انتبهت نجوان على العبارة الاخيرة، لتلتف نحو ابنها بنظرة متسائلة بغضب، قابلها هو نافيًا:
-اهدي يا ماما ، انا مطردتهاش، بهجة متطردتش يا جماعة، هي بس كان عندها ظروف منعتها تيجي النهارده.
عادت لتلتف اليه فتطوعت نبوية باقتراحها:
– طيب ممكن تتصل بيها تيجي دلوقتي؟
وقبل ان يرد زامت والدته بتذمر تضرب الارض بقدمها:
– عائشة، عائشة.
– اه دي عايزة العيلة كلها بقى.
عقبت بها وصيفة ساخرة ليأخذ هو القرار على الفور، ليهاتفها، فجاءه الرد بعد مدة من الوقت، بنبرة متسائلة لا تخلو من ضيق:
– الووو….. ايه في ايه تاني؟
لملم بصعوبة ابتسامة لاحت على جانب فمه، ليستجدي الجدية في الرد عليها :
– معلش يا ست بهجة هنتعبك معانا، بس احنا عايزينك في طلب ضروري.
زاد التوجس داخلها، لتردد متسائلة:
– طلب ايه؟
❈-❈-❈
في غرفتها السابحة في الظلام منذ ساعات لا تذكر عددها، كانت منزوية بها، تعيش كاَبتها بعد الذي حدث منه، على امل اتصال منه، او ترضيتها عن قسوته في توبيخه لها، ولكن طال الانتظار دون جدوى، لتهبط عزيمتها ولا تجد سبيلا امامها الا بالنوم كحل جيد للهرب؛ لتأتي الاَن والدتها محملة بطاقة من الغضب، تزيح الستائر بقوة ، حتى تدخل ضوء النهار الى القلب المظلم ، قلب ابنتها؛
– اصحييييي، اصحي بقى، ايه؟ دا كله ولسة مشبعتيش، نوم؟ هتفضلي فيها لحد ما تموتي وتعفني مكانك؟
تذمرت ترفع رأسها عن الوسادة، تغطي بكفها على عيناها:
– طب خففي الضي دا شوية الاول، عيني مش عارفة افتحها.
رفضت المرأة بتصميم تام تجلس على جانب فراشها:
– لا يا حبيبتي مش هخفف، انا عايزاها كدة قوية، تدخل عينك تشيل الغشاوة اللي عليها، او تنزل لجوا قلب وتنضفه من كل الرواسب المعلقة فيه.
تمتمت لورا بإحباط، لتعود للنوم ضاربه بقبضتها على الوسادة:
– رواسب ايه بس يا ماما؟ انا الغلطانة اللي حكيتلك.
قالتها بإشارة عن موقفها مع رئيسها في العمل رياض الحكيم، لتنتفض المرأة بضيق متعاظم:
– بقى هو دا اللي وصله تفكيرك المحدود؟ دا بدل ما تلومي نفسك، اللي وصلتك لحالتك دى مع راجل زي ده، بارد المشاعر ومعندوش احساس، ما تخلي عندك كرامة وتسبيه يحتاس مع نفسه، يمكن ساعتها يعرف قيمتك.
– اسيبه وابعد عنه؟
تمتمت بها، لترتمي على الفراش مرة اخرى تغمغم باسف:
– ياريت كنت اقدر كنت عملتها ومستنتش، بس اعمل ايه بقى؟ وانا عارفة ومتأكدة انه حتى لو ملقاش غيري يسد مكاني، برضو مش هيغلب ومش بعيد كمان يقوم هو بنفسه بكل حاجة، دا زي القطر ما بيوقفش غير في محطته ويدوس في طريقه على غيره بكل سهولة، والغلط ع اللي يوقف في وشه.
زفرت المرأة تردد خلفها كازة على اسنانها:
– يعني عارفة كل العيوب دي فيه، وبرضوا باقية عليه ومتمسكة؟ لا دا انتي مريضة بقى وربنا يشفي عنك.
نهضت عن التخت مغمغمة بيأس منها:
– انا قايمة قبل ما اتشل منك ولا اتجلط ، صبرني يارب.
قابلت عاصفة والدتها بهدوء تام تردد بهذيان:
– انا فعلا مريضة بيه، وبرضوا دوايا هو.
❈-❈-❈
ترجلت من السيارة بفرحة، تندفع نحو البناية السكنية بلهفة، لدرجة جعلتها تترك يد نبوية التي صارت تلحق بها بقلق، امام ابتسامات العم علي سائق السيارة ، والذي اعتاد على اهل المنطقة من تعدد ارتيادها:
– استني يا هانم، لا تدخلي في حد بلهوجتك دي….. يا نجوان هانم استني .
حمدت الله حينما وجدتها تدلف داخل البناية بسلام وما همت بدخولها هي الأخرى، حتى تفاجأت بالرجل المتصابي الذي تعرض لهم من قبل يشهق بفرحة امامها فيسد عنها الصعود الى الدرج .
– يا نهار ابيض يا ولاد، يدوب افتكرك من دقايق، قوم اتفاجأ دلوقتي والاقيكي في وشي ولوحدك كمان من غير عزول، دا يوم الحظ بالنسبالي ولا ايه؟ يا ريتني افتكرت جوازة بالمرة .
لحقت نبوية لتفعل بجسدها حاجز بينها وبينه، منتبهة للزعر الذي اصاب سيدتها، حتى خشت من رد فعل غير محسوب منها.
– في ايه يا استاذ انت؟ مش ملاحظ المدام مخضوضة منك؟ ابعد بقى عن وشها الله يرضى عنك.
تشدق خميس وكأنها اخطأت في شخصه الكريم:
– مخضوضة مني انا؟ ليه يا ختي شايفاني عفريت ولا شايفاني عفريت، دا انا راجل ملو هدومي، الارض بتتهز تحت رجليا مع كل خطوة بخطيها.
اصاب نبوية الذهول وهي تتطلع اليه، بفم منفرج، لا تصدق هذه الثقة التي يتحدث بها:
– يا استاذ محدش غلط فيك ، انا بس بقولك خليها تعدي، الست هانم خايفة منك بجد والله، مش شايف حالتها؟
– مالها حالتها؟ ما هي زي القمر اهي، شعر اصفر ولا الخواجات، وبشرة بيضة ولا بت اربعتاشر…..
باشر يوجه باقي الكلمات نحو نجوان التي وجدت ملاذها بالتمسك بنبوية والاحتماء بها:
– تصدقي بالله يا هانم، انتي احلى من البت سامية بنتي واللي يشوفك يديكي اصغر منها، رغم انها حلوة، ومش زي البومة امها لكن برضو فرق السما والارض ما بينكم .
– هي مين دي اللي بومة يا خميس؟ هاا؟
صدر الصوت الجهوري من الأعلى، ليشهق هو بفزع، جعله يرتد بظهره خطوات، حتى كاد ان يسقط على المسكينة نبوية لترتد بخطواتها مرددة:
– يا نهار اسود، ما تخلي بالك يا راجل انت.
تمتم خلفها يحدث نفسه وعيناه منصبة على تلك التي تهبط نحوه بهيئة لا تبشر بالخير:
– استني انتي كمان، ولا خديلك ساتر، روحت في شربة مية يا خميس.
وصلت درية بشرارها ونارها، تلقي بحريق نظراتها نحو زوجها وتلك المرأة الجميلة والتي كان يتغزل بها زوجها، لتردف بغضب:
– والله عال يا سي خميس، بقى بتغلط فيا انا وتقول عليا بومة عشان دي؟ دا انا هخلص عليكم انتو الاتنين .
جاء رد زوجها والذي كان ملتصقًا بالحائط:
– يا روح قلبي انتي اكيد فهمتي غلط، انا عمري ما اغلط فيكي، ما تقوليلها انا كنت بقولك ايه؟
ردت نبوية والهاتف بيدها تحاول مهاتفة شخص ما:
– اقول ايه ولا اعيد ايه انت كمان؟ انا غلطتي اني ما اتصلتش بالست بهجة اول ما وصلت.
– الوو يا بهجة، انزلي الحقينا الله يرضى عنك ، احنا في مدخل البيت.
هتفت بكلماتها الاخيرة حينما جاءها الرد من الجهة الاخرى، لتترك الباقي لها. وتعطي انتباهها لتلك المرأة التي صارت تهلل بعدم اكتراث:
– نعم يا حبيبتي، خليها تنزل لنا الامورة وتورينا هتعمل ايه؟ يعني مش كفاية موقفة حال ولادي الرجالة، عشان تجيب اللي يشغل ابوهم كمان ، لا ده انا اطين الدنيا على راسكم كلكم.
هبطت على اثر كلماتها بهجة لتتولى زمام الامور في رد مفحم لها:
– يعني هي حصلت كمان تتعرضو لضيوفي وللهانم اللي بشتغل عندها……..، لا بقى يا مرات عمي، انتي تروحي تشوفي مشكلتك عند واحد شيخ، يحل عقد الولاد، ومشكلة ابوهم اللي بيدور على شبابه اللي راح منه مع واحدة زيك .
بتلميحها المبطن استطاعت بالفعل الجامها، لينعقد لسانها بإجفال جفف الدماء بعروقها، وكأنها تهدد بفضحها امام زوجها الابله، والذي وقف يراقب ابنة اخيه تسحب نجوان وتصعد بها هي ومساعدتها نبوية، امام زوجته التي اصابها خرس غريب، يثير التعجب بحق ، ولكنه كان فرصة ليهرب هو الاخر من امامها ، خارجا من البناية.
❈-❈-❈
في الأعلى وبعد ان صعدت معها، اكتفت نجوان بالجلوس مع عائشة وتجاهل شقيقتها الكبرى رغم محاولاتها الدائمة في الحديث معها:
– يا نوجة يا قمر، معقول تكوني شايلة مني للدرجادي؟
تبسمت نبوية شارحة لها، ما انا قولتلك من الاول، هي زعلانة عشان غايبة عنها بقالك يومين، وشبطتها النهاردة في عائشة .
سمعت منها بهجة لتشاكس الاخرى بمزاح:
– يعني انا الحق عليا اني نزلت اجيبك بنفسي؟ طب ما كنت بعت عائشة بقى عشان تشبط في درية بالمرة، مدام كدة كدة هتفضليها عني.
عقبت الاخيرة بانفعال ليس غريب عنها:
– انتي بتقولي فيها يا بيبو، وربنا لولا بس البت جنات حاشتني ما انزل ما كنت سكت، لساني بياكلني اقسم بالله، نفسي افش غليلي فيها الست دي، ولا عمك سبع الرجال اللي فاكر نفسه رجع عيل صغير.
تنهدت بهجة قائلة:
– معلش يا عائشة، ربنا يفرجها علينا ونسبيهالهم خالص، يمكن حالهم يتصلح لما نمشي، مدام احنا السبب في كل المصايب اللي بتحصل لهم.
وصل نبوية غصة المر في نبرتها، لتربت بكفها عليها بحنو مهونة:
– معلش يا بنتي ربنا كريم، قادر ربنا يزيح عنكم، صعبة اوي الاذية لما تيجي من القريب .
– اوي يا دادة نبوية اوي .
تمتمت بها بهجة، تسبقها دمعة خائنة، لم تقوى على كبتها، فحاولت ازاحتها بسبابتها، لتتظاهر بالقوة كعادتها، لتفاجأ بنجوان التي تركت شقيقتها ، لتجلس بجوارها بصمت، فتجذبها اليها، وتضمها الى صدرها بغمرة اطاحت بالبقية الباقية من ثباتها، لتفرغ في حضنها دموع القهر ، وتبكي بحرقة طفل صغير ، وجد في صدر والدته المأوى، كيف يحدث هذا ؟ ومع هذه المرأة! لا تعلم
❈-❈-❈
في المدينة الساحلية،
وداخل جناحه بالفندق الذي استقر به منذ مساء الأمس ضمن سلسلة الفنادق التي يعمل بها، يقضي الاَن أجازة شهر العسل مع عروسه، يخطفا اوقاتًا جميلة بعد عذاب الانتظار وشقاء السعي الدائم .
استغل الاَن اختفائها عنه في المرحاض ليهاتف شقيقته ويطمئن عليها هي ووالدته:
– ايوة يا رحمة عاملة ايه انتي والولاد……….. يا بت اهمدي وبطلي قلة حيا…..
قهقه لجرأتها في الحديث معه ، ليواصل حديثه:
– يا بت كويسين وعال العال والحمد لله، كفاية عليكي كدة……… ايوة اضحكي يا اختي، انا هحاسبها ع الصور اللي نزلتها، عشان جابت لنا الكلام من امثالك……… حبيبتي ربنا يخليكي ليا، عارفك والله فرحانة طبعا، المهم بقى طمنيني عليها…….. يا نهار ابيض ، هي كمان شافت الصور، يادي الفضايح…….. يا بت بطلي ضحك لاخنقك…… خلااااص يا بت اقفلي خليني افضى للي ورايا.
قال الاخيرة، لينهي المكالمة بالفعل ، بعدما انتبه لخروج جنيته من المرحاض، بمنامة جسمت الجسد المتناسق، تجفف بالمنشفة الشعر المبلل، ونضارة الوجه الندي تأسر النظر نحوها، وتضعف العزيمة عن حسابها وتوعده لها.
– جفلت ليه مع رحمة، كنت خليني اكلمها.
سألته ببراءة، وقد تناست ما ارتكبته يداها، لتستدرك لنظراته المتوعدة نحوها، وعينيه التي ازدادت ضيقًا، بصورة جعلتها تتذكر، لتتسائل بشقاوة:
– ايه مالك يا شادي؟ بتبصلي كدة كأنك متحلفلي؟ لتكون البت رحمة فتنت ما بينا، هنبتدي بجى شغل الحريم والكلام الفاضي…
قالتها بدراما مصطنعة، ليردد من خلفها وهو ينهض عن مقعده، يقترب منها بخطوات رتيبة متمهلة،
– شغل الحريم والكلام الفاضي اااه……. امال شغل العفاريت يبقى ايه ها؟
صدرت الاخيرة وهو ينقض عليها، يحملها بذراع واحد يسقطها على التخت، ليردف بتوعده وسط ضحكاتها التي صارت تدوي في قلب الجناح:
– بتنزلي صورتي بلبس البحر يا صبا وتشيريها في جروب العيلة، شادي الراجل العاقل الراسي، جايباه بيلعب في الرملة مع العيال الصغيرين وبيبلبط في المية بنصه العريان.
بصعوبة صارت توقف ضحكاتها وتجيبه بمهادنة، بعدما كتف ذراعيها، مانعًا اي حركة منها بجسده:
– طب وفيها ايه بس يا حبيبي؟ هو انا صورتك في الحمام…… دا احنا كنا ع البحر، وانت باين بعضلاتك، يعني مش اي كلام .
– مش أى كلام ايه يا مجنونة؟
هتف بها يضغط ليهزهزها بالتخت، فتزداد مرحًا امام غيظه:
– دا انا بتكسف اقلع التيشرت قدام امي، تقومي تطلعيني قدام العيلة بالبل…… بوكسر، استني هنا….
تذكر فجأة ليسألها بتوجس:
– لتكوني كمان نزلتي الصور الغبية اللي كنت بطلع فيها لساني، وعمايل الفلتر اللي كنتي بتعمليها على وشي معاكي؟
زمت فمها بصمت لم يدم سوى لحظات، حتى انفجرت ضاحكة، تجيبه بهز رأسها، لينطلق هو صارخًا:
– كمااان دي طلعتيها، هخلص عليكي يا صبا، انا هخلص عليكي النهاردة يا صبا.
قالها ليبدا معركة استرداد الكرامة، ولحظات من الشد والجذب اللذيذة، وهي لا تقصر بأفعالها الطفولية، لتخرج منه شقاوة كانت غائبة عنه، ومرح لا يتوقف، حتى ينتهي الامر بها، متنعمة بدفء حضنه، وهو يتنهد بعدم تصديق، لهذه السعادة التي اصبحت تجتاحه بقربها .
❈-❈-❈
دلفت اليه تحمل بعض الملفات ، تتعامل بعملية وجمود ، وكأنها انسان آلي، لا تخفي غضبها من كلماته القاسية بالأمس ، ليفتر فاهه هو بشبه ابتسامة ملطفًا:
– كنت خايف لمتجيش النهاردة يا لورا، بعد ما شديت معاكي امبارح، بس انتي طلعتي احسن مني.
مطت شفتيها المطليه باللون الأحمر الداكن، لتعقب بسخرية:
– كتر خيرك يا فندم ع المجاملة الرقيقة دي، ع العموم انا عارفة ان في الف حد يسد مكاني.
رفع عيناه اليها بنظرة خاطفة عن المستند الذي بعمل به، ثم قال وكأنه يُراضيها:
– لا يا لورا، انت محدش يسد مكانك، مش كل يوم الواحد هيعتر على موظفة نشطة وممتازة زيك.
اعتدل يوجه ابصارها مباشرة لها:
– بس انتي اكيد عرفتي طبعي خلاص، وقت الغضب مبشوفش قدامي.
همت تجادله بفتح الموضوع ذاته :
– ايوة حضرتك بس انت مدتنيش فرصة اوضحلك ولا اشرحلك عن البنت دي اللي حاولت…..
اوقفها برفع كفه امامها، ليردف حاسمًا:
– خلاااص يا لورا، مفيش داعي نفتح ونرغي في موضوع اتقفل، اللي عدى وفات خلاص ننساه.
توقف برهة ليستطرد بنبرة تحمل في طياتها الشد واللين:
– خلينا اولاد النهاردة يا لورا، انتي مش موظفة عادية عندي، تاريخك معايا يشفعلك اغفر واتغاضى دلوقتي، بس دا بشرط عدم تكرار الخطأ طبعا.
اومأت رأسها بإذعان لتنصرف من عنده خالية الوفاض، لا هي التقطت منه ما يرضيها بحق، ولا وجدت منه ما يجبرها على الإبتعاد، انه بالفعل مراوغ .
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت تمارس عملها بجدية رغم تخبطها وشرود عقلها الملازم لها هذه الايام، وقد اندمجت في الأجواء الجديدة في العمل المكتبي، وزملائها رويدا رويدا بدأت تعتاد عليهم ويعتادو عليها، ويرجع الفضل بالطبع لرئيسها الرجل الطيب عبد الفضيل، والذي شاكسها بلطف وقد انتبه لشرودها:
– بهجة النهاردة هادية من الصبح، شكلها اطبعت بطباع الموظفين في التكشير والبوز ابو شبرين.
تبسمت لمزاحه مرددة:
– يا نهار ابيض، ليه بس يا عم عبد الفضيل؟ دا الموظفين احسن ناس، وحلوين وزي العسل
قالت الأخيرة بإشارة نحو زميلاتها الاخريات، والتي عبست احداهما بعدم تقبل ، عكس الثانية فقد تقبلت الأمر ضاحكة، لتتشارك معهما المزاح بعد ذلك ، قبل ان يأتي الاتصال المفاجيء لبهجة،
وفور ان فتحت تجيبه، جاءها رده:
– انزلي على طول بهجة وتعالي، انا مستنيكي تحت فى العربية.
عارضته بحرج:
– انزل فين انا لسة يومي مخلصش.
– وانا صاحب الشغل يا بهجة وبقولك انزلي، مش عايز انتظر كتير..
انهى المكالمة بعدما اجبرها بحزمه ، لأن تستأذن بحجة اختلقتها لرئيسها كي تغادر، ومن داخلها تمتم بالسباب نحو هذا المتسلط، واصراره على لقاءها في اوقات العمل ، ترى ماذا يحمل في جعبته اليوم.
❈-❈-❈
اوقف السيارة امام احدى البنايات الجديدة ، ليلتف إليها ويأمرها:
– انزلي يا بهجة.
القت بنظرة سريعة من النافذة، لتعود اليه سائلة بعدم فهم:
– انزل فين؟ اللي انا شايفاه قدامي دا هو المقصود، ولا اللي وراه ولا ايه بالظبط؟
ترجل يسبق ويجيبها بجديته:
– هو بذاته يا بهجة، انزلي بقى؟
بعد قليل كانت بداخل المنزل بصحبته، يرافقهم مالك المنزل، والذي دار بهما على جميع الغرف، يعرفهم على كل ركن به ، حتى توقف بهما داخل الحديقة التي كانت حلمها، ووجدتها ع الحقيقة، لا تصدق انه تم بالفعل، المنزل الصغير المختصر دون جيران تزعجهم، وحديقة ممتلئة بالانواع العديدة من الزهور، رغم ضيق مساحتها، كيف عثر على طلبها بهذه السرعة؟ وهي التي ظنت انها قد تكون فرصة لمراجعة نفسها او تراجعه هو عن التنفيذ والزواج من الأساس، انه بالفعل رجل الإنجاز
– بهجة الراجل بيكلمك.
جاء صوته الأجش كتنبيه ينتشلها من شرودها، فتلتف نحوه ونحو صاحب المنزل الذي كان يخاطبها؛
– انا كنت بسألك يا هانم عن البيت لو عجبك.
ااومأت بتواضع:
– الله يعزك يا عم، هانم ايه بس؟ حلو اوي البيت وتنظيمه، ما شاء الله يعني .
– كويس اوي.
كان هذا رد رياض والذي اردف نحو الرجل:
– خلاص يا عم عزت، جهز العقود وانا هخلص على طول معاك .
تمتم الرجل بكلمات الامتنان والشكر لعدم مجادلته في السعر الذي لم تعرفه بهجة، ليثني على كرم الاخر، قبل ان يتركهما ويذهب نحو وجهته
ويأتي سؤالها هي على الفور:
– هو اتفق معاك على كام؟
ابتسامة خفيفة لاحت على زاوية فمه، ليجيبها بعملية :
– مش كتير يا بهجة متقلقيش، هو اصلا كان مسكون قبل كدة، بس الراجل هيهاجر مع عيلته وتقريبا مش راجع ع البلد تاني، خلينا في المهم .
– مهم ايه؟ انت لحقت تجيبه ازاي اساسا وبالسرعة دي،
هذه المرة توسعت الابتسامة حتى شملت عرض وجهه، ليردف بثقة:
– انا قلبت الدنيا وانا بفتش وابحث، مقدرتش انام امبارح اصلا غير وانا باعت للراجل، وان كان ع الوكالة، ف انا برضو اتفقت مع صاحب مخزن فاضي قريب من هنا، ومن مهرك تمليه انتي بالبضاعة، وكدة ابقى نفذت
كل اللي انتي عايزاه،
اطرقت رأسها بحرج، تنتظر باقي الحديث والذي جاء يفوق المتوقع:
– جهزي نفسك بكرة كتب كتابنا يا بهجة؟
رفعت اليه خضرواتيها بإجفال وعدم تصديق:
– كتب كتاب ايه دا اللي بكرة؟ واجهز نفسي لإيه بالظبط؟ حضرتك اكيد بتهزر، انا لسة ممهدتش لاخواتي ع البيت ولا لسة انتقلنا ولا حطينا رجلينا فيه من اساسه……
– كل دا ممكن يتم من النهاردة ومن بكرة يتم الانتقال لهنا، وبرضو كتب الكتاب هيتم بكرة يا بهجة، ومتخافيش انا برضو هديكي فرصتك ، بس يوم او يومين مش أكتر .
قال الاَخيرة بمغزى فهمت عليه، لتسبل اهدابها عنه بخجل شديد راقه هو، اما هي فكانت تتمتم بالسباب لجرأته في الحديث المباشر معها دون حياء او مراعاة.
يتبع….