رواية حان الوصال الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل نصر
– شوفي يا ختي اللي كنا بنقول عليه عاقل وراسي، صحيح، ياما تحت السواهي دواهي.
تمتمت دورية بالكلمات اثناء تطلعها بالهاتف، توجهها نحو ابنتها المشغولة بوضع قناع البشرة على وجهها امام المراَة، ليدفعها الفضول عما تتحدث عنه والدتها بالسؤال:
– تقصدي مين ياما؟
مصمصمت بشفتيها دورية لترفع امام عينيها شاشة الهاتف، تجيبها بتهكم صريح:
– على الغالي ابن عمتك يا غالية، البت الصعيدية اللي اتجوزها لحست عقله باينها، شوفي واتأكدي بعينك، عشات تعرفي ان العيب فيكي انتي يا خايبة .
اقتربت على الفور تتناول منها الهاتف، لتصدم بصورة ابن عمتها الانيق دائمًا بهيئته الرسمية او حتى في المنزل، وهو الآن بملابس البحر، يضحك بملأ فاه على الشاطيء والرمال في المدينة الساحلية المشهورة ،
وبغل يفوق الوصف صارت تمرر الشاشة على باقي الصور، لترى الأفعال البلهاء التي يفعلها هذا المعروف برزانته المبالغ فيها، اصبح الاَن مع هذه الفتاة وكأنه طفل صغير
فتعقب والدتها بغيظ:
– شوفتي يا ختي اللي كنتي مموتة نفسك عليه، وبقالك سنين بترسمي من غير فايدة ، اهي جات عصفورة من الصعيد الجواني لطشته منك، ياريت بقى تتنيلي وتصحي نفسك،
انتفضت تدفع الهاتف على التخت جوارها بغيظ متعاظم هاتفة ردًا لها:
– وايه هو بقى ان شاء الله اللي اصحى نفسي ليه؟ اكيد قصدك الدهل ابن صاحب جوزك، لأ ياما، الواد البرشامجي دا الا بقبله ولا بطيقه، يعني اصرفي نظر.
عقبت دورية بنفاذ صبر منها:
– خلاص في داهية سيبك منه، خدي العريس اللي جابته خالتك، اهو جيرانها وعارفاه بقالها سنين، لا ليه في البرشام ولا النسوان
– ولا في اي حاجة.
صاحت بها باستهزاء لتردف بعدم تقبل:
– دا ديكي النهار كنت عند خالتي، سمعت امه وهي بتهزقه، وهو مردش بكلمة، هو انا ناقصة كمان اخدلي واحد شخشيخة، دا ايه القرف ده؟
نهضت دورية عن التخت تكز على اسنانها بغيظ تخاطبها:
– يعني مش عاجبك المطيع المؤدب، ولا عاجبك اللي مقطع السمكة وديلها، نقعد بقى نحط ايدنا على خدنا نستنى اللي يدخل مزاجك، ياختي جاتك نيلة، ما ترضي بأي حد بقى، بدل ما انتي تقعدي في قرابيزي، وساعتها لا تبقي طولتي لا عنب الشام ولا بلح اليمن
دفعتها في الاخيرة بقبضة على كتفها من الخلف، لتتحرك وتترك لها الغرفة.
فتغمغم سامية بحقد:
– يعني ما بقاش قدامي غير البرشامجي ولا دلدول امه، وشادي اللي كنت حاطة املي عليه ، خطفته غراب البين صبا، ماشي يا صبا.
❈-❈-❈
– انتي بتتكلمي جد يا بهجة؟ احنا بجد بقى لينا بيت تاني وهنعزل فيه؟
كان هذا رد عائشة والتي هتفت مهللة به تسبق اشقائها، بعدما اجتمعت بهم بهجة لتخبرهم بأمر المنزل الجديد ، بعد اختلاقها قصة من بنات عقلها، كي تقنعهم بالأمر، رغم الصعوبة التي تواجهها في الحبكة.
– ايوة يا بنتي امال انا بتكلم فيه ايه بقالي ساعة؟ كام مرة هشرحها يا عائشة؟
تدخل ايهاب بعدم استيعاب هو الاخر رغم فرحته:
– اعذريها يا بهجة، لما انا نفسي لحد الاَن مش قادر اصدق، معقولة مكافأة التعويض اللي مستنينها من المصلحة اللي كان شغال فيها بابا وبقالنا سنين بنسعى عليها في المحاكم، اتقبلت فجأة، وانتي صرفتيها ولحقتي تجيبي البيت؟ طب ليه مفرحتناش من ساعتها، ع الاقل كنا ساعدناكي في البحث او هيصنا وعملنا هوليلة.
ابتعلت ريقها بتوتر تجاهد اخفاءه في تبريرها له:
– ما هو مكانش ينفع يا ايهاب، انا كنت عايزة اعملها مفاجأه، وبصراحة مكنتش ضامنة ان اصرف الفلوس منهم بجد بعد ما كسبت القضية، وبرضوا كنت خايفة لعمي ولا مرات عمي يشموا خبر دول ما اضمنش رد فعلهم،
– يعني كان هيعملوا ايه؟ هو لا منهم ولا كفاية شرهم.
رددت بها جنات باستهجان، ليأتي الرد. من شقيقها الاصغر بتهكم ساخر:
– الكلام دا على اي حد غير عمك يا حبيبتي، دا مش بعيد يقولنا نصيبي من ورث اخويا، ولا يطلع علينا ديون من شراكة الوكالة عشان ندفعها.. والله ما مستبعد منه.
اومات بهجة رأسها بموافقة، وغصة مؤلمة مررت حلقها فحديثه بالفعل حقيقي :
– انت هتقولي، ما هو حصل فعلا لما جيت اطالب بحقنا في الوكالة، وطلعلي ديون على ابويا بالفعل، الله يرحمه بقى، كان طيب زيادة اوي عن اللزوم..
رددت خلفها جنات بلهفة:
– الله يرحمه، بس احنا كدة عايزين نشوف البيت ده ونشوف ايه اللي ناقصه.
تبسمت شقيقتها الكبرى تخبرها بمرح:
– انتي مش هتشوفيه بس، دا احنا من بكرة هنبقى فيه، انا أنفقت مع عربية نقل كبيرة هتيجي من الفجر ، تسحب كل العفش وتروح معانا ع البيت ، انا مش هستنى دقيقة تاني جمب عمك ولا مرات عمك ولا حتى عيالهم.
– الله اكبر عليكي يا بيبة
صرخت بها عائشة بابتهاج جعل الحماسة تدب بقلب الباقين ، بتجفلها بهجة بإخراج الهاتف:
– طب شوفي الصور اللي لقطها منه بالمرة عشان تعرفي اللي احنا هنسكن فيه.
وقبل ان تصل عائشة كانت جنات وشقيقها اخذين وضعهم ملتصقين بها ، ليسبقوها بالمشاهدة، فصرخت تقفز وسطهم:
– وربنا ما انتو شايفين حاجة قبلي .
التقفتها بهجة لتضعها بحجرها بتدليل لها وكأنه في الثانية من عمرها وليست طفلة كبيرة على الحمل:
– اقعدي يا باشا، هو عندنا كام عائشة بس.
ضحكت لها، ثم تحولت الاصوات لشهقات متتالية مع مشاهدة كل صورة، معبرين عن اعجابهم ، وتساؤلات مختلفة عن الموقع واشياء اخرى تخصهم.
❈-❈-❈
حين أتى ميعاد النوم، ووضعت رأسها على الوسادة، بعدما انتهت من تجهيز الحقائب والاشياء الضرورية المطلوبة لها ولأشقاءها الذين كانت تملأهم الحماسة ، حتى لم يخطر على بالهم التركيز في بعض التفاصيل عن القصة التي حكت بها، تدفعهم الفرحة والذهاب للسكن بعيدا عن اذية اقرب الأشخاص اليهم،
إذن لما تخبرهم وتعكر صفو فرحتهم؟ لما يعرفوا بالثمن اذي سوف تدفعه مقابل تأمين مستقبلهم؟
حتى لو انكشف الامر بعد ذلك لن تندم مهما حدث، يكفيها العوض بهم، يكفيها غلق باب قلبها امام كل غازي يُذهب عنها الراحة، هي فقدت الثقة قبل ذلك في صنف الرجال، والاَن فقدت المعنى من هذا الشيء التافه الذي يدعى بالحب، مدام قلب القاسي لم يهتز لعشقها، إذن…… لكن هو حقا لم يهتز بعشقها،؟
اجابة لا تريد البحث فيها ولا ان تشغل عقلها بها، ما دامت الحياة في نظره؛ هي بيع وشراء….. وقد تقدم لها بالثمن وهي قبلت…..
– ماشي يا رياض يا حكيم ، ماشي
تمتمت بالاخيرة داخل عقلها، قبل ان يغلبها الإرهاق وتستسلم للنعاس.
❈-❈-❈
اما عنه فقد كان في حالة من النشاط الغير عادي، حتى انه ظل في صالة الالعاب يتمرن على الأجهزة ويشعل مشغل الموسيقى بالصوت العالي، يدندن خلف الاغاني بمرح.
يجتاحه شيء واحد ، وهو السعادة لقرب الوصال اليها، علُه يستريح بعد ذلك ، بعدما سيطرت على تفكيره واشعلت مشاعر افتقدها منذ سنوات طويلة.
لم يندم على قرش دفعه لها، هو الكريم مع الجميع، فما باله مع امرأة مثلها ، تستحق ما هو اكثر وأغلى .
نعم تستحق وأكثر، ولكن هذا اقصى ما يمكن ان يقدمه لها، ربما لو كانت في حالة اجتماعية مختلفة، لكان اختلف وضعها معه.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر ، استيقظ خميس وزوجته على اصوات الجلبة والدبدبة المتواصلة فوق رأسهم، حتى اجبرت، لينهض عن فراشه ويسبقها في استكشاف الامر:
– يا ساتر يارب، هو البيت حصل فيه زلزال ولا ايه؟
نهضت هي الأخرى تلحق به:
– روح يا خويا شوف، ليكون نسايبك جم يلموا عفش بنتهم، وابنك الأهبل ما صدق، ما انا عارفاها دا احب ما عنده.
سرى بداخله القلق بعد سماعه ما تفوهت به، لينهرها بحنق:
– اعوذ بالله منك ومن لسانك، دا ايه فال يطلع منك كدة على بداية اليوم.
وقبل ان تردف متهكمة ردا له، انتبهت لوقوف ابنتها في مدخل المنزل، حيث الباب المفتوح على آخره، وكأنه تراقب عرضا ما، ليباغتها والدها بتساؤله:
– ايه يا بت اللي موقفك كدة ع الباب ، وايه الناس طالعة نازلة…. يا نهار اسود…
قطع في الأخيرة وقد انتبه لبعض الأساس الذي يحمله الرجال ليردف لزوجته بفزع:
– يا بوز الفقر يا دورية، دا فالك طلع صح، والعفش اللي نازل ده عفش ابنك.
هتفت به ابنته تصحح له:
– مش عفش ابنك يابا ، انتي مخدتش بالك انه قديم؟ دا عفش ولاد اخوك، اصلهم معزلين هيسيبو البيت، دا اللي عرفٌه سامر اخويا لما سأل الراجل صاحب عربية النقل.
– انتي بتتكلمي جد يا بت.
صدرت من دورية بفرحة لم تخفيها، ليعقب زوجها الذي لم يعنيه الامر بانتباه:
– طب هو اخوكي فين دلوقتي؟
رفعت سبابتها للأعلى مرددة:
– اخويا اما عرف وهو طلع لهم على فوق، ومن ساعتها منزلش ، الله اعلم بيعمل ايه؟ ان كان بيشلهم العفش ولا يترجاهم ما بيبعدوش.
قالت الأخيرة بسخرية جعلت ناقوس الخطر يطرق بعقل دورية والتي تمتمت بهلع:
– نهار اسود ليكون التاني كمان معاهم، دا اهبل وممكن يعملنا فضايح.
رددت سامية بتقليل:
– ياما التاني نومه تقيل، والخبط تحته، مش زينا كان فوق راسنا ، خلانا صحينا من احلاها نومة،
– برضو انا لازم اروح اتأكد بنفسي
قالتها لتسحب سلسلة المفاتيح على الطاولة القريبة من الباب الخارجي، وتتحرك قدميها للخروج مغمغمة:
– لازم اعمل حسابي قبل ما بحس.
هتف زوجها من خلفها :
– رايحة فين يا ولية ؟
التفت اليه قائلة بأمر:
– متشغلش نفسك، انت روح للواد التاني ، جره من قفاه وخليه ينزل ، مش ناقصين عمايله هو كمان.
قالتها واستدارت تصعد الدرج ذاهبة نحو شقة ابنها في الطابق الأعلى، كي تتأكد من عدم خروجه بأغلاقها عليه من الخارج بنسخة المفتاح التي تملكها.
اما خميس والذي توقف لحظات بتردد، لم يملك في الاخير الا ان يطيعها، رغم كم الاسئلة التي تدور بعقله ، عن سبب مغادرة ابناء اخيه، والي ابن سيذهبون؟
❈-❈-❈
– انا اللي عايز اعرفه دلوقتي، انتي ازاي يا بهجة ما بلغتيناش؟ حتى لو في مشاكل ما بينا، احنا برضو مهما كان عيلتك، مش اغراب عنك، دا الغريب بيتعمله حساب لما يبقى جارك، في ايه يا بهجة.
كانت هذه نبذة من وصلة الانفعال التي يتفوه بها الابن الاصغر سامر،، نتيجة الصدمة التي استيقظ عليها من دقائق، بمعرفته بمغادرتهم المنزل هكذا وبدون استئذان او حتى إنذار مسبق.
بهجة والتي لم تقاطعه ولو مرة واحدة، تركته يفرغ ما خلده، ليأتي ردها ببرود وتحكم تحسد عليه في ظل انشغالها بمتابعة العمال التي ترفع اثاث المنزل، واستعداد اشقائها للخروج:
– قرايب ولا جيران يا سامر مش فارقة، احنا ربنا وفقنا في حتة كويسة وهننقل لها، انت ايه اللي مزعلك بقى؟
– كل ده وايه اللي مزعلني؟ دا انتي قلبك حجر يا شيخة.
كان صوته عالي لدرجة لفتت انتباه الرجال العاملين على نقل الأساس، حتى اصابها الحرج ، فتدخل شقيقها والذي خرج من الغرفة بحقيبة كبيرة تحمل ملابسه، لينوب عنها في الرد عليه:
– في ايه يا عمنا؟ اللي يسمع يفتكر ان ليك حق علينا، ما نعزل ولا نهاجر حتى، انتو ما لكم بينا، ولا احنا ملزمين كمان نقدملكم تقرير بخطواتنا
وكأنه وجد وجهته وما سيفرغ به غضبه، ثار متوجهًا بغضبه نحوه:
– انت كمان بقى ليك صوت يا ايهاب، جاي تبجح في وشي على اساس انك راجل وليك كلمة، مش اختك هي اللي ممشياك وانت عامل في ايدها زي الدلدول.
– احترم نفسك انا مقبلش
هتفت بها هي ردا له، وقد اثار غضبها بحق، اما ايهاب والذي استفزه الامر من الداخل فقد ابى ان يعطيه غايته، ليقابل سبته بابتسامة هادئة يردد ببرود كاد ان يجلط الأخر:
– اه يا سيدي انا دلدول اختي ومش مكسوف منها، لا دا انا كمان فخور بيها، سيبتلك انت الشخصية والمرجلة لابوك واخوك….. يا بن دورية.
– يا بن ال….. وكمان بتغلط في امي .
تمتم بها بحماقة فاقدا السيطرة على نفسه ، ليتقدم نحوه يبتغي الهجوم عليه، ولكن سبقه احد العمال، ليمسك به قبل ان يصل اليه، موجها كلماته بما يشبه التوبيخ:
– صلي ع النبي يا عمنا، هو انت حد جه ناحيتك، الناس معزلة وسيبنهالكم خالص ، ايه اللي يزعل في كدة؟
سمع منه ليصيح به كالثور الهائج، يحاول الافلات منه، وقد احتجزه الرجل بين ذراعيه
– وانت مالك انت كمان؟ اوعي سيبني، اوعى سيبني بقولك.
– ايه في ايه؟ ايه اللي بيحصل هنا؟
كان هذا صوت خميس الذي اتي ليجفل على هذا الوضع، ليأتي الرد من ابنة اخيه، وندبة في القلب تشعر بألمها كلما رأته امامها في كل المواقف التي مرت بها بسببه:
– خد ابنك يا عمي ، وخليه يلم اذاه عننا، احنا ماشين وسابينها مخضرة، سيبنا حقنا عند ربنا هو مخلص الحقوق، يبقى ياريت بقى تكفونا الشر الاذية لحد كدا.
هو ليس بالغبي حتى لا يعي بسهام كلماتها التي وجهتها له مباشرة قبل شكوتها من ابنه، والذي كان بحالة من الهياج، جعلته يهذي نحوه:
– مشي كلمتك عليها ومتخلهاش تمشي، انت عمهم وكلمتك فوق رأسهم دي الأصول، يا اما تصالحهم وتديهم حقهم في ورث ابوهم في الوكالة…..
– يا ابن الكلب.
عند هذه النقطة ولم يقوى خميس على الاستماع اكثر من ذلك، لينقض عليه يتناوله من الرجل بقوة ويسحبه معه الى الخارج عنوة، قبل ان يفضحه بغباءه، متابعًا له بالسباب والتوبيخ:
– طب ناس بيعزلوا، انت مالك بيهم يا قليل الادب والتربية، عايزهم يقولو خميس معرفش يربي، خلي عيال عمك يشوفوا مصلحتهم فين وبلاش تقف في طريقهم ولا هي بلطجة وخلاص.
❈-❈-❈
فزعت دورية وهي تشاهد ابنها يجره والده بعنف هابطًا الدرج للأسفل وسط مقاومة من الاخر، حتى خشت ان يأذيه، لتنتظر حتى ولج به داخل المنزل، لتغلق بابه عليهم وتستشكف الأمر:
– اوعى سيبني، انت جارر في ايدك بهيمة، انا سيبتك تمسكني عشان بس مقلش منك قدام ولاد اخوك والاغراب.
دفعه خميس بقوة يوقعه على الارض، مرددًا بفحيح:
– تقل من مين يا ابن الكلب؟ هو انت خليت فيها احترام اصلا،
دنى يتناول سكينة صغيرة من طبق الفواكه، ليردف بتهديد ووعيد:
– انا هاين عليا دلوقتي افتح كرشك بالسكين دي عشان اخلص منك ومن قرفك.
شهقة هلع بصوت عالي خرجت من دورية، قبل ان تهجم على زوجها تتناول منه السكين مرددة:
– يخرب بيتك يا راجل، انت اتجننت ولا ايه؟ اخزي
الشيطان وابعد عن الواد ، هو كان عمل ايه يعني؟
صاح بها ساخطًا :
– عمله اسود ومهبب بستين نيلة يا ختي، عاملي فيها غضنفر فوق وقال ايه عايزاني امشي كلمتي عليهم وامنعهم يمشوا، يا كدة يا ايدهم ورثهم من الوكالة، شوفتي الخيبة.
ضربت بكفها على صدرها، وقد اصابها الهلع هي الأخرى
– يا مصيبتك السودة يا دورية، انت اتجننت يا سامر، بقى دي عمايل ناس عاقلين، ليه كدة بس يا بني تزعلنا منك ، هو احنا كنا ظلمناهم يعني؟ ما كل واحد بياخد نصيبه، ودلوقتي عايزين يعزلوا احنا ايه ذنبنا؟
سمع منها ليصرب بكفه على الارض بعجز، يصيح بجنون :
– ولما هو كدة؟ هما ليه دايما كارهنا؟ ليه دايما بيحسوسنا ان ليهم حق ضايع عندنا؟ بتلم اخواتها وتعزل بيهم من البيت الملك ليه؟ دي حتى مدتنيش فرصة اعرف عنوان الجديد.
– وهو دا اللي تاعبك.
غمغمت بها بتهكم، لتتناول كفه وتساعده على النهوض، تخاطبه بمهادنة، وقد استسلم لها لتذهب به نحو غرفته:
– تعالي يا بني ربنا يهديك، بتزعل وتقهر في نفسك ع الفاضي، لا هي حساك ولا عمرها هتفكر فيك، انت في نظرها زيك زي اخوك، محدش يفرق معاها، امتى بس يا ولاد بطني تعرفوا مصلحتكم؟
سقط خميس في اثرهم على كرسيه بثقل وارهاق، ليزفر انفاس خشنة متحشرجة، بوجه يحمل الهم ، وقد استفزه الامر، بل وجسم على انفاسه، لو كانت ابنة اخيه وافقت منذ البداية على ذلك المبلغ الذي اقترحه ترضية لها، او حتى رضخت تمم الزواج من ابنه فيتكفل هو بمصاريف اخوتها معها ، ما حدث كل ذلك.
انما اصرارها على اقتسام الوكالة بينهم وبينه هو ما زاد الامر تعقيدا، لقد كاد ان يصاب بجلطة حينما رددت بذلك امامه، الوكالة التي عمل عليها وعلى تكبيرها، يقتسم مالها بينه وبينهم، لاااا ابدا هذا لن يحدث، ابدااا.
❈-❈-❈
خرجت اخيرا دورية من غرفة ابنها وقد هدأت الاصوات وسكنت الحركة على الاطلاق، حتى زوجها غادر، فلم يتبقى سوى ابنتها والتي قابلتها بابتسامة منتشية تهزهز اقدامها بتسلية .
مما جعل والدتها تقطب لفعلها سائلة:
– مالك يا محروسة؟ البيت مولع وانتي الوحيدة اللي مبسوطة فيه.
مالت عليها ابنتها فور ان جلست بجوارها، لتطلق ضحكة النصر تخاطبها:
– وانتي كمان لازم تفرحي ياما، ما هو لولا شطارتك واللي عملتيه مكنش دا حصل….
غمزت بعين واحدة تشير بإبهامها بطريقة لم تفهمها والدتها، لتهمس لها بصوت خقيض تملوئه الفرحة:
– انا قصدي ع العمل اللي عملتيه ياما، عشان يغورهم، اتاري الشيخ بتاعك سره باتع .
تذكرت درية لتردد خلفها بتفكير:
– اه تصدقي صحيح يا بت، وانا اللي كنت فاكره انه فسد وروحت عملت واحد غيره، بس معرفتش احطه في اؤضتها، يا رتني صبرت.
– اه والله يا ماما، ياريتك صبرتي.
تمتمت بها ابنتها من خلفها، وشيء ما يدور برأسها، بعدما علمت بالطريقة الناجزة والتي تعمل بها والدتها، والتي انتفضت فجأة من جوارها:
– يا لهوي دا كنت هنسى اخوكي والباب المقفول عليه
، اروح افتحله قبل ما يصحى، حمد لله ان نومه تقيل.
.
❈-❈-❈
وفي المنزل الجديد
هبطت عائشة عائدة من فوق السطح، لتلج الى اشقاءها المنهمكين في ترتيب الاثاث ووضع كل قطعة في المكان المناسب لها، فتجفلهم هي بهتافها:
– السطح فوق يجنن ونضيف، يعني انا ممكن اذاكر فيه براحتي، من غير ما اقرف من ريحة الفراخ ولا الدبان اللي كان بيهش عليا من كراكيب دورية اللي مبتخلصش.
ضحك ثلاثتهم لقولها، وروح الحماس التي اشعلها السكن الجديد، ليردف ايهاب:
– انتي عبيطة يا بنتي انتي، تذاكري ع السطح واوضتك موجودة ، دا بدل ما تخليه للعلب في وقت البريك عشان تستمعتي بالجو النضيف
عارضته جنات هي الأخرى:
– انا بقى اخترت مكاني، كل مذاكرتي هتبقى في الجنينة الصغننة اللي تحت دي، استوعب على ريحة الزهور والوان الفراشات.
– يا حبيبي ع المزاج، انتي يا بت تطلعي رسامة عشان نستغل بالمرة.
عقبت بهجة التي صارت السعادة لا تسعها لفرح اخوتها، بعدما ظهر الارتياح جليًا على ملامحهم بابتعداهم عن اذى عمهم وأولاده وزوجته.
لتسقط بتعب على احد الكراسي المتاحة قائلة:
– طب انا هلكت بقى، بقول نفكر الاول وبعدين نكمل.
ترك ايهاب هو الاخر ما بيده، ليجلس على احدى الحقائب المغلقة والتي مازالت لم تفتح بعد، ليضيف عليها:
– وانا برضو بقول نفطر دلوقتي عشان نكمل وننجز في يومنا، انا متاح النهاردة بس ، من بكرة ان شاء الله استعد لمعركة الامتحان والمذاكرة اللي تهد الحيل، يعني مفيش وقت .
– خلاص انا هروح اطلعلنا طبقين من الكرتونة واحط فيهم حاجة خفيفة والكتل بالمرة عشان الشاي
هتفت في اثرها بهجة:
– متتعبيش نفسك فيهم، انا بس ارجع من مشواري، وارجع ارتب المطبخ على كيفي .
– انتي مش قولتي انك واخدة اليوم دا اجازة من الشغل عشان توضيب البيت .
كان هذا سؤال اخيها والذي اجابت عنه بشرود:
– هو كدة فعلا، بس انا عندي مشوار ضروري لازم اقضيه ، واحدة صاحبتي لازم ازورها، مينفعش أاجله لاي يوم تاني.
هللت عائشة بمرحها كالعادة:
– انا بقى يا عم كفاية على اؤضتي، عمو النجار نصبلي السرير والدولاب، مش فاضل غير بس ارتب هدومي والديكور اللي فيها…… بقولك ايه يا بهجة، انا عايزاكي اول اما تفرج عليكي كدة، تغيري لونها عشان تبقى زي اوضة باربي .
كان رد بهجة بشهقة مبالغ فيها، لتتناول الوسادة القريبة منها ، تضربها بخفة مرددة:
– كمااان باربي ، انتي مبتشعيش، انتي مبتشعيش يا بنتي
لتقهقه عائشة بصخب يرج في قلب المنزل الجديد مع مزاح اشقائها وضحكاتهم ايضا، اسرتها الصغيرة والتي لا تجد سعادتها الا معهم رغم كل ما تقابله في ايامها من ويلات.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد نزل بعد استيقاظه في وقت متأخر من النهار، نظرا لسهره حتى الثانية صباحًا، ليجلس الاَن ويتناول وجبة الإفطار وحده، بعدما انصرف الجميع الى وجهتهم ولم يتبقى سوى شقيقته الصغرى سامية والتي اتخذت مقعدها مقابلا له، تتحرق شوقًا لرد فعله حين يعلم بالأمر:
– صحيت متأخر اوي النهاردة يعني يا سمير.
رمقها بنظرة عابسة يتناول طعامه بنهم، فلم يكلف نفسه بالرد عليها، لتواصل هي القاء الكلمات حتى تصل لغايتها:
– انا عارفة انك بتيجي متأخر وبتصحى متأخر من ساعة ما اسراء سابت البيت وراحت عند اهلها .
ارتشف دفعة كبيرة من الماء ليتجشأ غير مباليًا، رغم غيظه من ذكر اسم زوجته، اما هي فقد تبسمت باتساع وهي تسترسل بالأهم:
– اكيد مستغرب كلامي وقعدتي قدامك على طرابيزة السفرة، بس انا بصراحة كنت صاحية بدري اوي وزهقانة ونفسي اتكلم مع أي حد ع اللي حصل.
ضاقت عيناه منتبهًا لعبارتها الاخيرة، ليتسائل بنزق:
– وايه هو اللي حصل بقى يا غالية؟ جيبي اللي في بطنك عشان انا عارف ان لسانك بيحرقك دلوقتي عشان تذيعي اخر الاخبار ، اتفضلي ياختي الميكرفون معاكي، بس انجزي
– بهجة
– اشمعنا.
– هي وأخواتها لموا هدومهم وعفشهم وسابوا البيت .
توقفت عن تلويك الطعام بفمه، برد فعل اولي، لكن سرعان ما عاد يكذبها ساخرا منها:
– وهجوا على فين ان شاء الله؟ الكويت ولا دبي؟ بت انت انتي انا مش فاضي لقصصك الهبلة دي ع الصبح، وغوري روحي شوفي وراكي ايه؟
ردت بلهفة وابتسامة تجاهد لإخفاءها:
– والله زي ما بقولك كدة، دا حتى سامر طلع عندهم واتخانق هو وابويا عشان يحكم عليهم ميمشوش، بس هي بقى كانت عاملة حسابها ، كل حاجة كانت مجهزاها هي وأخواتها، ومسافة ساعة بس كل عفش البيت كان في العربية ، ورحلو ومحد عرف لهم طريق.
نفض رأسه بعد استرسالها ، ليستشف صدق حديثها والذي شعر بجديته، ليصيح بها مهددًا:
– عليا الحرام يا سامية ما تطلع قصة من خيالك بعد الحلفان اللي حلفتيه لاكون مرقعلك سداغك النهاردة ومحد هينجدك مني.
ارتفع كتفيها وانزلتهم سريعًا، لتجيبه متكتفة الذراعين:
– وانا مالي يا اخويا، ما تروح تبص بنفسك ولا اتصل على اخوك ولا ابوك، دا انت لو سألت اي عيل في الشارع هيقولك ع العربية اللي لمت العفش وطفشو معاهم.
انتفخت اوداجه لمجرد التخيل ، لينتفض ذاهبًا للخارج ولسانه يتمتم بالوعيد :
– عليا الحرام ما يطلع جد الكلام ده، لا اكون مطينها فوق راس الكل، بتطفش هي وأخواتها يسيبو البيت ، ليه مفيش رجالة؟
افتر فاهاها في اثره تمصمص بشفتيها المطلية بسخرية لا تخلو من حقد:
– وتطينها على راس الكل كمان، ليه بقى ان شاء الله؟ انا مش فاهمة، هما محسسني ليه ان اللي سابت البرنسيسة ولا يمكن هي بتصرف عليهم….. ياللا بقى، اهي كويس انها غارت في داهية هي واخواتها،
❈-❈-❈
عاد الى المنزل بشراره ونيرانه ، يهتف نحو ابيه فور ان وقعت عينيه عليه يتناول وجبة الغداء مع زوجته وابنته:
– بنت اخوك راحت فين يابا، سيبت لحمك ومن غير ما تسأل حتى ولا تعرف عنوانهم؟
نزلت ملعقة الأرز من يد خميس قبل ان تصل لفمه، ليلتف اليه يطالعه بغيظ مرددًا:
– انت بتلقح على مين يا بن الكلب انت كمان؟ هو انا مش هخلض منكم النهاردة يا خلفة الندامة .
ضربت دورية هي الأخرى كفيها ببعضهما مرددة بغضب :
– ايوة يا خويا خد دورك، ما احنا خلاص مبقاش لينا سيرة غير عن المحروسة وخروجها من البيت.
تقدم نحوها بانفعال وهياج:
– اه ياما ملناش غيرها، دي بنت عمي وأخواتها، يعني مسؤلين مننا، يبقى لازم نسأل عليهم ونشوف أراضيهم فين؟
تهكم خميس يردد خلفه بسخرية:
– اه يا حيلتها ما انت راجل اوي وبتعرف في المسؤولية، طب لما انت دكر كدة، مسألتش ليه عن مراتك وابنها اللي في بطنها، مش دول الاولى برضو؟.
تلجلج ببعض الخزي وقد اصاب والده في رمي سهامه، ليبرر متجنيًا على زوجته:
– وهي حد قالها تمشي وتسيب البيت، دي اتفرعنت باخوها اللي اخدها من غير استئذان، خليه ينفعها .
جاء رد خميس بصيحة غاضبة؛
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه؟ طب غور من وشي ، جتك الهم ، واياك اسمع صوتك تاني عن بت عمك ولا غيرها، غووور جاتك الهم، خلفة تعر..
زفر سمير بقوة حين لم يجد فائدة من والده، ليحرك اقدامه وينصرف تاركًا المنزل، مغمغمًا بالكلمات الحانقة،
تجاهلها والده ليلتف نحو زوجته وابنته اللتان تشاركنه الطعام، ليتوجه نحوهم بالسؤال:
– الواد التاني غار فين؟ من الصبح هو كمان ماشوفتش، اياك يكون بيدور عليها هو التاني؟ ما انا عارفه دلدول ابن كلب
❈-❈-❈
وكما توقع والده ، وقف سامر يراقب العمال الخارجين من المصنع في موعد مناوبتهم، علُه يلمح طرفها بينهم ، ولكن للأسف خابت ظنونه، حتى كاد ان ييأس او يدفعه الجنون لاختراق المصنع والسؤال عنها في ادارته، ولكن برؤيته لصباح رئيستها في القسم، تلك المرأة البدينة والتي دائما ما تتردد عليها في زيارات للمنزل، تحرك داخله الامل، ليتخذ طريقه نحو وجهتها، مسرعًا بالخطوات حتى تصدر لها يوقفها:
– انا اسف يا ست صباح، بس لو ممكن دقيقة بس اسألك.
حدجته بحنق لا تخفيه، فهي تعلمه وتعلم أسرته جيدا، لذلك لم يكن غريبًا ان تعامله بضيق:
– وانا ايه بيني وبينك يا خويا عشان توقفني كدة ولا اكنك واخد عليا ، في ايه يا جدع انت؟
اجابها سريعًا حتى يتجنب الصدام معه:
– انا اسف في الطريقة وحقك عليا، بس انا قلقان على بنت عمي وأخواتها، وعايز اعرف هما عزلوا وراحو فين ؟ انت صاحبتها واكيد…….
قاطعته بحدة منتبهة لكلماته:
– مين هما اللي عزلوا يا جدع انت؟ انت هتكلمني بالالغاز.
– والله ما بتكلم بالالغاز يا ست صباح، انا زي زيك اتفاجأت بعد ما صحيت الفجرية على صوت العربية اللي بتلم العفش، حاولت اعرف رايحين على فين، لكنها رفضت واخوها شيبط فيا وكان هيتخانق معايا، شكلك انت كمان خبت عنك زي ما عملت معانا .
سهمت ابصار صباح ، وقد لاحت عليها الصدمة، هذه اول مرة تخفي عنها بهجة امرا بهذه الأهمية، منذ متى كان التعامل معها كالغريبة؟ ولما فعلت ذلك، وهي التي تضعها في معزة ابنتها التي لم تنجبها.
شعر سامر بالأسف على هيئة المرأة، ليلطف قائلا:
– طب انا بلغتك يا ست صباح، وحياة اغلى ما عندك، اول ما تيجي المصنع اعرفي منها وطمنيني عليها ، دي مهما كان برضو شرفي وعرضي.
اومأت بهزة من رأسها ، حتى اذا انصرف وتركها، اخرجت هاتفها من الحقيبة تتصل عليها على الفور، لتخاطيها بحدة فور ان سمعت صوتها:
– الوو يا بهجة،، انتي فين يا بت انتي؟ وازاي اسمع انك عزلتي من غير ما تقوليلي:
جاءها الرد من الجهة الاخرى:
– ايوة يا ريسة سامحيني لو خبيت عنك، اول ما اشوفك هفهمك كل حاجة، انا بس مشغولة دلوقتي، .
– اسامحك ليه؟ انت عملتي ايه يا بت؟
– يا ريسة بقولك هفهمك بعدين، معلش هقفل دلوقتي…..
– استني يا بت….
تطلعت صباح بصدمة نحو الهاتف ، تشاهد انتهاء المكالمة وهذا الفعل الغريب من بهجة، لتغمغم بقلق اصبح يسرى داخلها:
– يا لهوي، هي البت دي هببت ايه ومخبياه عني؟
❈-❈-❈
والى بهجة، والتي اضطرت لانهاء المكالمة مع رئيستها، فور ان ترجلت من السيارة ، لتقف امام البناية التي تقصدها، بعدما هاتفت صديقتها، تطلب منها الانفراد في الحديث معها ، فلم تجد الأخرى خيرا من مكتبها الجديد لتلتقيا به،
لتتطلع هي الاَن لواجتهه، تقرأ اليافطة المدونة عليها الاسم بالخط العريض
مكتب صفية محروس للمحاماة.
❈-❈-❈
وفي منزل رياض
وقد كان يتحدث في هذا الوقت مع شريكه في العمل اثناء خروجه من غرفة المكتب:
– ايوة يا كارم، يا راجل بقولك مشغول ومش هقدر احضر معاك النهاردة……. يا سيدي انت الخير والبركة، نوب انت عني وانا واثق فيك……. وافرض يا سيدي صعبين، هو انت في حد يقدر عليك برضو؟….. انا رايق!….. وماله يا سيدي لما ابقى رايق؟ هي دي عجيبة يعني،……. حبيبي ربنا يخليك، انا هبقى اتابع معاك ع الفون، بالتوفيق ان شاء الله.
انهى المكالمة ليُقابل بوجه والدته امامه مباشرة، تطالعه بنظرات غير مفهومة، وكأنها مندهشة لتغيره اليوم، وقد اختفى التجهم الدائم، وحل هدوء غريب جعله، يتقدم ليجلس بجوارها سائلًا ليطمئن عليها:
– عاملة ايه يا ماما النهاردة؟
لم تجيبه وظلت تطالعه بنظراتها فقط ، مما جعله يميل نحوها بنظرات كاشفة ، فهو ايضا يعرفها ويشعر بتحسنها:
– حاولي تجاوبني في مرة يا ماما، انا عارف انك بدأتي تتنبهيلي وتفهمي اللي بيدور جواليكي، ابنك مش غبي .
اشاحت بوجهها عنه ناظرة للأمام مما جعله يستطرد:
– انا مش عدوك يا ماما، حاولي تنسي اللي فات عشان نعيش مع بعض حياة طبيعية.
وكأنها لم تسمع شيء ، تناول جهاز اللوح اللاليكتروني، تأتي بهذه اللعبة التي تعلمتها من عائشة لتمرر بإصبعها على الشاشة، وتندمج في اللعب، مما جعله يفقد الامل، لينهض من جوارها:
– ماشي يا ماما زي ما تحبي.
ولكن وما هي سوى خطوتين ابتعد بهم عنها ، حتى اوقفته بسؤالها المقتضب، وكأنها بالفعل على معرفة بكل شيء
– بهجة.
التف اليها بابتسامة مسترخية يجيبها:
– معلش يا ماما، بهجة مش هتقدر تيجي النهاردة، هي اتصلت بدادة نبوية وبلغت اعتذارها لسبب يخصها
توقف يستشف رد فعلها بهذه النظرة التي كانت تطالعه بها، ولكنها قطعت سريعًا تعود لما تفعله باللعب على الجهاز الذي تمسكه بيدها، وكأنها لم تسأل عن شيء
❈-❈-❈
مساءً
وداخل منزل اخر يمتلكه، ليجعله مسكنا لهما معًا ، كانت الجلسة بحضور رجل الدين الذي كان يعقد عقد زواجهم، والحضور يقتصر عليه، واثنين من رجاله شهود ، وهي قد أتت بصديقتها الوحيدة كما اخبرته، تحفظ السر وتدعمها في هذه اللحظة الفارقة معها .
وقد وافق حينما اخبرته بأمانتها ولكنه تفاجأ بعد ذلك بالمهنة التي تمتهنها، لتجعل نوعا من التسلية يسري بداخله،
ولكنه كان كالعادة متزنا بشكل يفوق الحدود ، يردد خلف الرجل ويطالعها برزانة ، رغم مشاعر الصخب التي كانت تدور برأسه، لقد كانت جميلة بصورة مؤلمة ، رغم نبرة الحزن التي كانت تتخلل صوتها، رقيقة وناعمة كقطعة السكر التي تذوب بالفم ، كيف له الصبر يومين اخرين كما وعدها؟
بعد انتهاء رجل الدين وقد اصبحت زوجته رسميًا، وانصراف الرجلين، لم يتبقى سوى هذه الفتاة صديقتها، تقف معها الاَن وتدعمها، رغم النظرات العدائية التي كانت توجهها نحوه ، فهو ليس بالغبي حتى لا يعرف بما خلف الابتسامة المزيفة التي كانت ترسمها امامه، ليظل جالسًا بأريحية على اريكته في انتظار انصرافها.
– خليكي شوية تاني يا صفية، او استني نمشي مع بعض .
تبسمت الاخيرة بحنو لطيبة صديقتها المفرطة، والتي تستهين بما اوقعت نفسها به، ولكنها ان لم تنجح في اثناءها اليوم عن فعلتها تلك، فهي ابدا لن تتركها .
نظرت نحو الخاتم الذي وضعه هذا المتعجرف بأصبعها، وكأنه يعاملها كعروس حقيقية ، مهر ومنزل ووكالة صغيرة، ياله من مشتري جيد،
تنهدت بقوة، لتضغط على كفها بمؤازرة، وتشديد وتنبيه:
– زي ما قولت وأكدت عليكي قبل سابق، انا تحت أمرك في أي وقت لو عوزتي اي مساعدة، اينعم انا كنت رافضة وما زلت، بس برضو هفضل في ضهرك مهما حصل.
سمعت منها بهجة لتلقي بنفسها عليها وتحتضنها بشدة:
– تسلميلي يا صفية، تسلميلي اوي، انتي مش مجرد صاحبة وبس، لا دا انتي اختي.
لم تبخل عليها صفية ايضًا بدعمها حتى تطمئن وتهدأ سريرتها، فهي الاعلم بما تمر به الاَن.
طال عناقهم حتى اثار سخط هذا الغيور، ليتحمحم بجلافة تحسب عليه، فيهدي صفية ابتسامة مكشوفة حينما اتجهت برأسها اليه، يتحدث بكذب:
– منوارنا يا سيادة المحامية المخضرمة، ايه رأيك تيجي معانا نتعشى في المطعم القريب من هنا.
بادلته صفية بابتسامة صفراء:
– متشكرين يا رياض باشا، الجيات كتير، نخليها مرة تانية ان شاء الله، مش عايزة ابقى عزول.
قالت الأخيرة بابتسامة حقيقية لصديقتها، قبل ان تستأذن وتغادر امامها، برفقة احد الحراس، وهي تتابعها بعينيها حتى اختفت خارج المنزل الذي اغلق عليها وعليه، لتجفل بذراعه التي التفت حول خصرها من الخلف فتجد وجهه مقابلا لها يخاطبها بمرح:
– حلوة اوي حلوة حركة المحامية دي، حركة زكية.
كتمت شهقتها لتعقب بثبات تدعيه:
– ما انا قولتلك من الاول انها جاية بصفة صاحبتي، مش بصفة عملها، وان كان على حقي او العقود، ف انا برضو دارسة حقوق وعارفة كويس بالقوانين.
– جميييل.
لا تعلم بأي صفة وجه الكلمة، ان كانت سخرية او اثناء على ذكائها، ولكنها عادت للإجفال مرة أخرى، حينما قربها اليه بشدة حتى انتفض جسدها بين يديه، لتعبر عن اعتراضها:
– ايه في ايه؟ انت مش قولت انك هتديني فرصتي، يومين
تبسم بمكر يردد بمراوغة:
– طبعا قولت، بس كمان ما قولتلكيش انك زي القمر النهاردة، وانك تاخدي العقل و….
-و ايه؟
هتفت بها مقاطعة له، لتنفضه بعيدا عنها بحركة مباغتة، ولكنه اعادها سريعًا لترتطم بصدره فتجد نفسها محاصرة بين ذراعيه، وانفاسه الخشنة تلفح بشرتها بعدما قرب وجهه منها بشدة، ليردد بصوت مبحوح وعيناه ارتكزت على ثغرها:
– ما انا قولت حاجات كتير وانتي كمان، بس دي مشاعر بتيجي فجأة من غير حساب، وانا برضو بقيت جوزك رسمي ولا انتي مش واخدة بالك؟
انتفضت تحاول الإفلات من بين يديه مرددة:
– لأ واخدة بالي، بس انا مش جاهزة بجد، ولا انت كلامك في الهوا.
بعبارتها الأخيرة استطاعت ان تحرك ذلك الجزء المتعجرف به، ليحل ذراعيه عنها فجأة قائلا بحنق لا يخفيه:
– رياض الحكيم عمره ما يقول حاجة في الهوا.
زفرت بارتياح حينما تركها، وقد علمت الاَن بهذه النقطة التي تستطيع استغلالها في شخصيته، لتعدل من فستانها الذي تجعد، قائلة بتملق زائف:
– انا برضو كنت عارفة، وعشان كدة بقول ان اروح دلوقتي احسن ليا وليك ، عن إذنك.
قالتها لتتحرك مغادرة دون انتظار رد منه، وما ان استدارت لتنصرف نحو وجهتها، حتى وجدت نفسها تعود بسرعة البرق الى وضعها السابق، وقبل ان تستوعب باغتها، لتحط شفتيه على ثغرها هذه المرة تكتم اعتراضها ، في قبلة شغوفة، تخوض تجربتها لأول مرة بين يدي خبير، ذهب بها الى عالم اخر لا تعلمه، ما بين لهفة وتمهل ليسحب استجابة امتزجت ببراءتها التي كادت ان تطيح بعقله، ويتخلى عن وعده، حتى تركها بصعوبة تلتقط انفاسها، لاصقا جبهته بجبهتها، ليردف بصوت يخرج بصعوبة:
– دي بس عشان مش جاهزة.
اصابها الخجل بشدة حتى لم تقوى على رفع عينيها اليه، لتملك زمام امرها في الاخير، ف ابتعدت حينما ارتخت ذراعيه عنها، وبتصميم غبي على المغادرة، فجعلته يزفر مقلبًا مقلتيه بقنوط، ثم امسك بها من رسغها يوقفها، فتجاهلت خجلها لتطالعه قائلة بانفعال:
– ايه تاني؟ مش قولت خلاص.
اجابها ببساطة حتى تكف عن تشنجها:
– هنتعشى مع بعض يا بهجة، ولا دي كمان عايزة تجهيز ؟
ترددت برهة بتفكير، لكن سرعان ما اتخذت قرارها بالرفض مبررة:
– لا طبعا مينفعش استنى دقيقة هنا، انا مضمنش!
اخفضت في الاخيرة رأسها حتى فهم ما تقصده، ليطلق زفرته الأخيرة بخشونة يردد بيأس وهو يتناول سلسلة مفاتيحه من فوق الطاولة:
– احنا هنتعشى في مطعم برا يا بهجة، يعني مفيش داعي للقلق.
حينما نظرت إليه تسشف صدق قوله، أسر خضراوتيها ببندقيته مستطردًا بنبرة جديدة عليها:
– مش عايزة اتعشى لوحدي النهاردة، عايز احس يونسك معايا، ممكن.
يتبع…