اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الرابع عشر 14 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الرابع عشر 14 بقلم شيماء الجندي


لفصل الرابع عشر " وجه جديد ! "

منذ أن وافقت "نيرة" على تواجدها معه بالسيارة وهي بهذه الحالة الغريبة تلتصق بالباب المجاور لها وتنظر إليه بتوتر واضح أدهشه و وزع نظراته بينها وبين الطريق يقول بلطف :

- أنتِ خايفة ولا إيه ؟ متقلقيش أنا !

رفعت عينيها الفيروزية إليه وحدقت به بصمت لكنه استطاع قراءة رعبها و قد أفصحت رجفة يدها التي تقبض على هاتفها عن مدى رهبتها وخوفها منه وكأنه وحش يفتك بمن حوله !!! وقع في حيرة و توقف على جانب الطريق يقول بلطف بالغ :

- مش أنتِ وافقتي تيجي معايا نروح المستشفى لكريم سوا ؟ ليه خايفة كدا !

هزت رأسها بالموافقة على حديثه و ازدردت رمقها بخوف واضح ثم تحدثت أخيرًا بصوتها الرقيق وأردفت :

- سوري ، أنا أول مرة أركب مع حد غريب !

عقد حاجبيه حين تسلل صوتها الرقيق إلى أذنه باعتذارها عن خوفها منه !!! ماذا تفعل تلك الفتاة الفاتنة ! نظر إلى الأريكة الخلفية ثم وإليها وأردف مبتسمًا بلين :

- طيب إيه رأيك ترجعي ورا واعتبريني السواق ، كدا كدا كريم برا المستشفى و رد عليا قالي هيحصلنا على الكافيه فمينفعش تقعدي خايفة بالمنظر دا واتفرج عليكِ !

هزت رأسها بهدوء و هبطت مسرعة من السيارة و كأنها تفر منه و كادت تتجه إلى الخلف لكنها ارتطمت بقوة بالسيارة حين تدافع رجلان بقوة بجانبها واصطدم أحدهم بجسدها يدفعها بقوة ناحية طرف باب السيارة و اختل توزانها إثر ما حدث و ارتطمت رأسها بقوة بطرف الباب المدبب و بدأت الدماء تندفع من رأسها بغزارة و تسقط فوق قميصها الأبيض تلطخه و كان "سليم" قد هرع إليها و عينيه تتسع برعب واضح حين وجدها فوق الأرضية الصلبة مغمضة عينيها وتنزف الدماء بلحظات قصيرة !!!

اجتمع المارة حول الرجلين و بدأت الأحاديث خلفه لكنه هبط إليها يتفقدها ثم وضع يده أسفل خصرها والأخرى أسفل ساقيها وحملها يضعها داخل السيارة مرة أخرى و ركض إلى مقعده دون كلمة واحدة يعود إلى المشفى و عينيه فوقها لا يُصدق إلى الآن أنها بلحظة واحدة سقطت تلك الجميلة الرقيقة و ذهبت إلى عالمها الخاص !!!! ماذا يفعل و كيف يتواصل مع عائلتها و هو إلى الآن لا يعلم صلة قرابتها بهذا الكريم الذي رفض مكالمته منذ ثانية واحدة !!!!!

زمجر بغضب و قال بإنفعال وهو ينظر إلى الهاتف :

- يااااأخي رد هو دااا وقته !!!!!

توتر و فقدت أنفاسه صوابها حيث كان جسدها بجانبه مستسلمًا للغاية و عينيها تحاول إخباره أنها لازالت على قيد الحياة رفعت يدها إلى الهواء تحاول الإشارة إلى حقيبتها ، لكنه عقد حاجبيه و وضع يده أسفل ذقنها يقول محاولًا بث الطمأنية داخلها : متخافيش قربنا على المستشفى !

أرخت يدها و وضعتها فوق ذراعه الذي يمتد تجاهها و سكن جسدها تمامًا حيث فقدت وعيها لتتسع عينيه و يهمس برعب :

- ينهار أسود !!!!!!!

قبض على يدها وتشنجت عضلاته من فرط قلقه عليها و أوقف السيارة أمام المشفى ثم هبط يركض تجاه بابها و يفتحه ثم مال يحملها بين ذراعيه و اعتدل واقفًا لكن من سوء الحظ وصلت سيارة ابن عمه "آسر" بالتوقيت الغير ملائم حيث وجدت "سديم" شقيقتها بين يديه ملطخة بالدماء و جسدها ساكن بين أحضانه !!!!!!

اندفعت من السيارة وركضت إلى شقيقتها بينما تسمر "سليم" بمحله عاقدًا حاجبيه ينظر إليها بدهشة حين وجدها تصرخ به برعب و تتفقد مصدر الدماء من جسد "نيرة" : أنت عملت اييييبه فيهاااا !!!!! نيرة !! حبيبتي !!!!!

ركض بها إلى الداخل و لازال عينيه تراقب ابن عمه و "سديم" التي تركض بجانبه و يدها تقبض على يد تلك الفتاة القابعة بأحضانه باستسلام و شعور الصدمة قد سيطر عليه بشكل كامل ، عجز عن السؤال و قد أصابه الفزع من حالة تلك الرقيقة التي سقطت أرضًا في لحظة واحدة أمام عينيه ، و الآن ابنه العم تقف بجانب فراشها وتراقب بفزع حركة الأطباء حولهم و هي تختلس الحديث من الطبيب المواجه لها والذي يتفقد رأس شقيقتها وربما يتحدث إليه الآن لكنه عاجز عن الإنتباه وتدور داخل تساؤلات عجز عن إخمادها هل تلك الرقيقة شقيقة "كريم" لذلك يرى الفزع على ملامح ابنة عمه ؟! أم أنها على معرفة خاصة بتلك الفتاة !!!!!

مرت ساعتين و أصبحت الجميلة الرقيقة بحال أفضل لكنها إلى الآن داخل أحضان "سديم" تُخبئ وجهها من الجميع بخوف واضح و ذراعيها تحيط خصر شقيقتها التي تربت فوق ظهرها بلطف وتهمس لها بكلمات عجز كلًا من "سليم" و "آسر" عن سماعها من خلف هذا الزجاج الذي يعزلهما عن الفتيات ، تنهد "آسر" بصوت مسموع ونظر إلى ابن عمه الذي وقف يراقب مايحدث حوله بهدوء مريب و كان تركيز الجميع يتجه إلى الجميلة الرقيقة القابعة بأحضان شقيقتها بذعر واضح وغريب !!!

خرج "سليم" عن صمته و اعتدل بوقفته يراقب ملامح ابن عمه وهو يردف بسخرية :

- مش من حقي أفهم إيه اللي بيحصل دا ؟!

تنهد "آسر" و قال بهدوء أشعل غضب ابن عمه :

- مش وقته ياسليم ، نتطمن على نيرة و بعدين نتفاهم سوا !

استنكر معرفته بها وقال بصدمة : نيرة !!!!!!!

ضحك و ضرب كف بالآخر ثم أردف ساخرًا : و أنا اللي كنت مستغرب عرفت المستشفى منين ! واضح إنك عارف البنت نفسها !!!!!!

لم ينتظر إجابة شافية من هذا الصامت بل استغل قرب المسافة بينه و بين باب الغرفة و اندفع إلى الداخل يقول بغضب وصوت مرتفع :

- أنا عايز أفهممم حالاااا إيه اللي بيحصل دااا ؟!!!!

اتجهت نظراته إلى "نيرة" التي انتفضت و انكمشت فوق الفراش تحتضن شقيقتها برعب ثم بدأت بالبكاء وكأنها طفلة صغيرة !!! ازداد غضبه و ظن أنها تفتعل تصرفاتها العفوية و صاح بغضب أهوج : كفاااية بقااا !!!!!

وقف "آسر" بمواجهته وقال بنبرة حاسمة حين ظهر الامتعاض على ملامح "سديم" و كادت تردعه لكنه حاول الإمساك بزمام الأمور قائلًا :

- سليم ! خلينا نتكلم برة أنا هعرفك اللي أنت عايزه !

رفعت "نيرة" وجهها أخيرًا و بدأت بالسعال من فرط بكائها مما استرعى انتباه شقيقتها و أمسكت كوب المياه تناولها إياه وهي تستقيم واقفة و تقول بهدوء متجاهلة غضب "سليم" الغير مبرر من شقيقتها :

- أنا هاخد نيرة اروحها مش هينفع نستنا هنا أكتر من كدا !

ارتكزت عيناه على تلك الفتاة التي رفعت عينيها تنظر إليهما بتوتر واضح و عقدت حاجبيها حين نظرت إلى "آسر" الذي أصبح ملازمًا لـشقيقتها لذلك أطالت النظر إليه خاصة أنه لم يصدر منه أي تصرف ضدها مثلما يفعل هذا الشرس ، انتقلت عيناها بخوف إلى الآخر الذي يحدق بها بصمت و ملامح ثابتة ثم أبعدت عينيها على الفور عنه !!!

عرض "آسر" توصيل الفتيات ولكن قاطع حديثه الخافت معها وصول "كريم" الغرفة و قد اتجه بخطوات سريعة إلى الفتاتين يقول و هو يتفحص رأس "نيرة" بهدوء ثم مال عليها يضع قبلة فوق يدها ويقول بلطف مبالغ به :

- متقلقيش ياحبيبتي ! جرحك بسيط و الدكتور قال الموضوع بسيط !

عقد "سليم" حاجبيه من علاقته الغريبة بهن ونظر إلى ابن عمه الذي ظهر الغضب على ملامحه هو الآخر مع ظهور هذا الرجل لكنه كظم غيظه و قال بفتور :

- تعالى ياسليم برا !

لم ينتظر لحظة أخرى و غادر الغرفة يتبعه "سليم" الذي علق عينيه بتلك الفتاة بينما أبعدت عينيها عنه بتوتر و بللت شفتيها تنظر إلى شقيقتها تنتظر قرارها الأخير !

________________ *** _________________

وقف يحملق به بذهول و كأن الكلمات قد عجزت عن وصف شعوره في تلك اللحظة تجاه ابن عمه الذي خدع جميع أفراد عائلته بل و غضب من بحثه عن "كريم" و يتهمه الآن أنه سبب أذى تلك الفتاة القابعة بالداخل وأنه أخطأ حين تحفظ عليها دون مبرر !!!!

حرك شفتيه وخرجت كلماته مبعثرة يقول بذهول و إصبعه يُشير إلى الفتيات بالداخل :

- يعني اللي جوا دول نصابين !!!! دخلتهم عيلتناا بفلوسك !!!!! دفعت للناس عشان بنصبوا علينا يااا آسر !!!!

عقد حاجبيه و أردف بخشونة و قد أثار حفيظته بحديثه المليئ بالإزدراء :

- نيرة ملهاش أي علاقة ولا كنت أعرف إنها موجودة ، و سديم أنا جايبها لغرض محدد ولو عندك حل تاني اتفضل قوله !

أجابه بدهشة : غرض محدد ؟ النصب على عمك !!! أنت متخيل هيحصله إيه لما النصابة دي تختفي !!

أشعل غضبه بنعته المتكرر لها بهذا اللفظ و صاح به بغضب عاقدًا حاجبيه :

- النصابة دي أنقذت أبوك !!! وكنت متصاحب عليها أكتر من الكل الفترة اللي فاتت !!! إيه اللي اتغير سديم هي هي !

ضحك ساخرًا ثم واصل حديثه بإستهزاء :

- صحيح إيه اللي اتغير فعلًا ، اللي اتغير إن حضرتك دلوقت قولتلي إن كل دا تمثيل و أنها منتحلة شخصية بنت عمي وأنت قابل كدا على عيلتك أنا كنت مصاحب بنت عمى مش النصابة دي !!!

لاحظ الامتعاض على ملامح ابن عمه لذلك تنفس بهدوء وأكمل بحزن شديد :

- آسر أنا مقدر إنك بتفكر في مصلحة الكل و إنك مش بتطيق روزاليا ولا عايزها تاني و دخولها هيخرب العيلة لكن مش معاك في وجود نصابة في بيتنا ، دي ممكن تكون أسوأ من روزاليا نفسها !!! وعمك مسيره يعرف أن بنته ماتت ، صدمته وقتها هتكبر لأنك فتحت عليه أبواب الأمل كلها برجوع بنته لأحضانه !!

تركه وغادر المكان بخطوات غاضبة و سريعة بعدما ألقى نظرة خاطفة و سريعة تجاه الفتيات وكأنه يحاول تكذيب ماحدث له في ساعات قليلة معهن لكن دون جدوى ورغم رغبته بالإطمئنان على هذه الفتاة منعه غضبه المتفاقم داخله يدفعه الآن إلى الابتعاد عنها وعن شقيقتها المحتالة و إلا قد تتدهور الأحوال !

بعد مرور ساعتين و داخل السيارة الخاصة بـ "آسر" ..

راقبت "سديم" شقيقتها التي سكنت و أغمضت عينيها بهدوء بالأريكة الخلفية ، تنهدت و ابتسمت بهدوء ثم اعتدلت بجلستها تنظر أمامها شاردة العقل لاحظ ذلك و حمحم قائلًا بصوت أجش مقاطعًا شرودها عن عمد :

- فرق كبير أوي بينكم !

نجح بما أراد حيث عقدت حاجبيها و سألته بدهشة :

- بتكلمني ؟

هز رأسه بالإيجاب وأشار إلى المرآة الأمامية حيث انعكاس شقيقتها النائمة ثم أوضح قائلًا :

- نيرة مش كدا ؟

ابتسمت وهزت رأسها تؤكد معرفته بالاسم ثم أردفت :

- آه نيرة ، كان قصدك إيه بقا بالفرق بينا !

نظر إليها يقول بهدوء بعدما أوقف السيارة بعيد عن بوابة قصر خالها :

- اقصد هي رقيقة جدًا و مسالمة كدا ، اعتقد متعلقة بيكِ كأنها بنتك مش أخت صغيرة !

رفعت حاجبها و قد شق ثغرها ابتسامه صغيرة ثم سألته بترقب واضح :

- وأنا ؟ مش رقيقة ومسالمة كدا ؟

ابتسم لها ثم قال بمكر متعمدًا هذا السؤال :

- يهمك أنا شايفك إزاي ؟

ضحكت بخفة و رفعت يدها تضع أناملها فوق شفتيها تكتم صوت ضحكتها ثم هزت رأسها بيأس و قالت بعبث :

- أنا مبهتمش بنظرات حد ليا ، بس مش هكدب عليك كان عندي فضول لما قولت إني عكس نيرة !

قرر مجاراة لعبتها معه واستخدام أساليبها الملتوية مما دفعه إلى الابتسام لها رافعًا حاجبه و أجابها بعبث هو الآخر ثم اعتدل و بدأ يواصل سيره تجاه القصر :

- بس أنا مقولتش إنك عكسها ، قولت فيه فرق كبير بينكم !

رفعت حاجبها الأيسر وسألته باستنكار :

- أنت بتلاعبني ؟!

مر من خلال البوابة و هو يقول بصوته الأجش الذي يتراقص داخله العبث :

- أنا بوصفك ! بس للأسف أنت مش بتهتمي برأي حد فيكِ مش دا كلامك ؟

عقدت حاجبيها و ردت بعفوية : بس أنا قولت إن عندي فضول أعرف !

رفع كتفه بلا مبالاة و أجاب بهدوء :

- مش مبرر كافي ، فضولك هيفيدك لوحدك أنا مش مستفاد !

اتسعت عينيها تقول بدهشة :

- و لما أقولك اتفضل اوصفني إيه فايدة حضرتك ؟

تنهد و نظر إلى عينيها وقد شق ثغره تلك البسمة الخلابة قائلًا بصدق :

- كلامي هيلمسك ، لكن لو عشان أرضي فضولك هتاخدي كلامي مجاملة لو كان حلو و هتعتبريه نقد لو كان وحش !

توترت نظراتها حين أطال تحديقه بها و كأن عينيه تقذفها بالسهام و حديثه الصادق بهذه اللحظة قد وقف حائرًا فوق الجسر الواصل بين قلبها و عقلها بللت شفتيها و رفعت يدها تضع خصلاتها خلف أذنها و قد قررت التلاعب بمجرى هذا الحديث الذي أربكها للغاية لتوزع نظراتها بينه وبين شقيقتها و تهمس بهدوء :

- هو أنت عملت إيه مع سليم ؟

غريبة الأطوار و بالغة الفتنة حين ترتبك و تتوتر نظراتها كهذه اللحظة تمامًا يذوب جليد عينيها كاشفة عن فتاة بريئة شديدة الخجل رغم تظاهرها بالعكس دومًا ، اتسعت بسمته لا إراديًا و أجابها بثبات :

- سليم عاقل عارف هو بيعمل إيه كويس .

قاطع حديثهم طرقات خفيفة فوق الزجاج المجاور لها لتعقد حاجبيها و تضغط على زر فتح النافذة تنظر إلى "سامح" الذي وقف مبتسمًا و قال بإسلوب لبق للغاية :

- أهلًا وسهلًا إيه النور دا ، مقولتيش ياسديم ليه إنكم جايين كنا استقبلنا آسر استقبال يليق بيه !

انتفضت شقيقتها بفزع عاقدة حاجبيها حين تسرب إلى أنفها رائحة عطره وظنت أنها بمفردها معه ولكن اعتدلت "سديم" ونظرت إليها ببسمة صغيرة تقول بلطف :

- يلا يانيرة عشان اطلعك واتطمن على أدويتك !

عقد "سامح" حاجبيه و مال برأسه قليلًا يراقب ملامح الفتاة لتتسع عينيه حين وجد الرباط الطبي يحيط رأسها و هرع تجاه بابها وهو يقول بفزع :

- إيه اللي حصلك يانيرة !!!!

اتسعت عينيها وحدقت بشقيقتها برعب و انكمشت إلى الداخل لتهبط "سديم" بسرعة وقد لاحظ "آسر" نظرات القلق المتبادلة بين الشقيقتين ثم هبط هو أيضًا يستمع إليها تقول بإتهام وهي تغلق الباب مرة أخرى على "نيرة" بالداخل :

- على أساس إنك متعرفش اللي حصل ؟!

أجابها بعجب و قال بصدق : أنا وعدتك مش هراقبكم من وقت اتفاقك معايا إلا لما تطلبي مساعدتي ، يبقا هعرف منين ؟!!!

نظرت بطرف عينها إلى "آسر" الذي وقف يطالع ملامح وجوههم باهتمام واضح لتغمض عينيها وتتنفس بهدوء قائلة بإرهاق بعدما هبطت يدها عن الباب :

- طيب على العموم هي بخير دلوقت ، أوعى عشان اساعدها تطلع اوضتها ترتاح !

طريقة الحديث فيما بينهم مثيرة لدهشته و كأن الجفاء يسيطر بشكل كامل على نبرتها أما شقيقتها قد خرجت من السيارة بهدوء تنظر إلى الأرض و تستند إلى "سديم" بيد ترتعش قليلًا وكأنها تخشى هذا الرجل لكنها تعيش معه بمنزل واحد ؟!!

أفاق من شروده على صوت "سامح" يقول رابتًا فوق كتفه :

- صحيح نسيت أقولك حمدلله على السلامة تعالى اتفضل لحد ما سديم تنزل !

فضوله دفعه إلى الابتسام بتكلف رغم تحفظه على حركة يده و سار بجانبه يراقب ملامح المنزل من حوله وكأنه يستكشف الثراء الفاحش الذي يناقض تمامًا عملهما و الإجابة المنطقية الوحيدة أن هذا الرجل شديد الجشع كيف تنشأ فتاة مثلها معه ؟ يذكر أنها إلى الآن لم تحاول إعلان دفعها أجر المشفى نيابة عن السائق !

جلس داخل البهو الواسع ينتظر عودتها و يحاول مجاراة ثرثرة "سامح" بردود مقتضبة و لاحظ "سامح" نظراته المعلقة بالدرج المؤدي إلى الأعلى حيث صعدت "سديم" و "نيرة" منذ قليل لذلك قال بهدوء وهو يستقيم واقفًا :

- بعد إذنك هطلع أتطمن على نيرة و انزل ! تحب تيجي معايا ونشوف سديم أخرت ليه ؟!

عرض غريب من رجل غريب الأطوار !! لكنه أعلن قبول عرضه و استقام واقفًا يتجه معه إلى الأعلى و قد وصلا إلى غرفة "نيرة" و طرق "سامح" الباب بهدوء و كاد يدلف إلى الداخل ، لكن خروج "سديم " تضع إصبعها فوق شفتيها بنظرات تحذيرية موجهة إلى خالها كما يذكر لكن من الواضح أن العلاقة معكوسة بشكل كبير بينهما حيث أذعن "سامح" لها وابتعد خطوتين إلى الخلف يرفع يديه باستسلام و يهز رأسه بتفهم و هو يستمع إليها تحذره قائلة :

- أنا كلمت الدكتور نيڤين وهي هتبعت كمان شوية حد يتابع أدوية نيرة ، محدش يقرب من اوضتها خالص ولا يصحيها نزفت كتير ومحتاجة ترتاح !

عقد "آسر" حاجبيه حين وجد "سامح" يقول بهدوء :

- ماشي يا سديم أنا كنت هشوفها بس واتطمن عليها ، بس خلاص لو نامت يبقا ترتاح أحسن ليها ، آسر قالي إنها اتخبطت وهي مع سليم ، أنا لو كنت اعرف إن كل دا هيحصلها مكنتش هسيبها تروح معاه !

ابتسمت له وأجابت ساخرة و قد بدأت عينيها تشتعل بنيران غضبها منه التي كادت تحرقه وهو يقف محله مشدوه من عدم سيطرتها على شراستها أمام الغريب :

- آه مانا متأكدة من دا ، متتصرفش في أي حاجة تخص نيرة من دماغك تاني ، إلا نيرة ياسامح متدخلهاش في القرف دا تاني أبدًا أما مش هقبل أشوف انهيارها تاني دي مستحملتش مجرد نظرات من سليم ليها لما افتكرها معايا !

توترت نظراته قليلًا من طريقتها بالحديث خاصة حين رفعت إصبعها بوجهه و تجاهلت تواجد فرد آخر معهما يراقب ما يحدث بأعين صقر و أكملت بحدة :

- أنا مش هسمحلك تفكر بس مجرد تفكير إنك تعمل من نيرة سديم تانية !!!! سامعني الكون في كفة عندي ونيرة في كفة لوحدها !!!!!!

رفع "سامح" حاجبه و قال بمكر : و نبيلة ؟ خرجت من الكفة دي ياسديم !

هبطت يدها و فجأة سيطر هذا الجليد على نظراتها و قالت ببسمة صغيرة عابثة : خليك في كفتك ياسامح ومتلعبش معايا بنيرة تاني عشان أنا ممكن أفتح النار على الكفة دي في أي وقت هاا !

احتدت نظراته وعقد حاجبيه لتبتسم له بهدوء و تغادر المكان يتبعها هذا المذهول مما حدث أمام عينيه و من الكلمات الغريبة الحادة التي تراشقها الطرفين و من الواضح أنها أغضبت هذا الرجل بشكل كبير حيث استمع إلى خطواته الغاضبة تأكل الأرض خلفه و صعد إلى الطابق العلوي بينما هبطا هما إلى الأسفل !!!

تجنب الحديث معها طوال طريق العودة ، حيث كان يتضح عليها الضيق و الإرهاق بالرغم من حالتها الخارجية الباردة كعادتها لكنه من خبرته القليلة بها أنها حين تشتعل داخليًا هكذا تصمت و تنظر بجهة بعيدة و كأنها تخشى أن يتمكن أحدهم من قراءة غضبها !!!

انشغل عقله بحديثها غريب الأطوار مع خالها و اسم "نبيلة" الذي يتردد صداه إلى الآن داخل أذنيه ، هل تخشى أن تتبع شقيقتها خطواتها داخل درب الاحتيال أم أنه لم يتمكن من استيعاب ما يحدث ؟! وجه جديد وغريب أظهرته شراستها اليوم حين قررت الدفاع عن حق شقيقتها و قد نجحت بإثارة فضوله تجاه ماضيها بشكل كبير و كأن أمرها يخصه ، و مشهد شراستها في حقوق شقيقتها لا يغادر عقله بل يكاد يُجزم أن وجهها الجديد الذي يراه لأول مرة اليوم جعله بحالة انتشاء كبيرة وكأنه يفخر بصنيعها ؟!!!

و حين تصرخ أجهزة الاستشعار داخلنا وتُحذرنا من اقتراب لهيب قد أحرقنا يومًا ما تنتفض أرواحنا و نبني أسوار حول أحبتنا في التو و الحال ،فنحن نخشى الألم و نخشى اللهيب و نخشى تكرار التجربة و رؤية العذاب داخل أعين من أحببنا لكننا لا نخشى التضحية حينها بل نُفضلها !!!!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close