رواية حان الوصال الفصل الرابع عشر 14 بقلم أمل نصر
تسحبت على أطراف اصابعها حتى وصلت لتقف خلف مدخل باب غرفة والدتها، لتتصنت على مكالمتها عبر الهاتف، بصوتها الخفيض كالهمس، حتى لا يصل لخارج الغرفة:
– ايوة يا ست مبروكة، العمل باينه مشتغلش، خلي الشيخ يعملي غيره شالله يسترك………. يووه…….. يا ولية بقولك العيال على حالهم، لا دا كمان شكلهم زايد اوي النهاردة من ساعة ما شافوها امبارح في فرح ابن عمتهم وهي متزوقة،……… لا يا ست مبروكة هو قالي ان العمل هيشنغل في اليوم نفسه، بس دا محصلش، يبقى الفلوس اللي دفعاها انا وقعت في الارض على كدة……. يا ستي عارفة اني تعبتك معايا ، بس انتي المساعدة بتاعته ولازم تبلغيه يتصرف بحاجة تانية، حرام اكون دافعة ومكلفة وفي الاخر ميجبش فايدة………. تاني هتحدديلي ميعاد ؟ يبقى فيها دفع فلوس تاني يا مبروكة انا عارفة……… خلاص يا ست متتعصبيش حدديلي ميعاد، انا لولا بس واثقة في كرماته ومجرباه قبل كدة، كنت قولت انه نصاب…….. خلاص مش هزعل الاسياد ولا اللبخ، بس انتي استعجليلي ميعاد مقابلتي بيه، متلطعنيش ، انا عايزة اخلص من البت واطمن ع العيال الموقوف حالهم………، كدة طب انا على ما اجي بقى تكوني حضرتي الحاجة مع الشيخ…….. تسلمي يا غالية تسلمي، هجيب حلاوتك معايا حاضر………. انتي تؤمري.
ختمت بتنهيدة مسهدة فور ان انهت المكالمة ، لتلتف بجسدها، وتصطدم ابصارها، بتلك الملعونة ابنتها ، مستندة بظهرها على إطار الباب، تطالعها بنظرات كاشفة وابتسامة ماكرة تخبرها انها سمعت كل الحديث:
– يعني ظني طلع صح……. احبك يا درية لما تخططي وتكتكي في الكوتيمي.
زفرت والدتها تحدجها بغيظ شديد، لتقترب فجأة وتجذبها قابضة على عضدها بعنف لداخل الغرفة فتحذرها كازة على اسنانها؛
– اسمعي يا بت انتي، الكلام ده حسك عينك يطلع لحد، ولا حتى بينك وبين نفسك، يا اما يا سامية قسما بالله لاطلعه على جتتك…
قابلت ابنتها العاصفة الهوجاء منها بتباسط وابتسامة لم تتخلى عنها ، لتطمئنها:
– ياما متقلقيش سرك في بير، انا برضو بنتك والمصلحة واحدة، بس كنت عايزة اعرف بقى، العمل عملاه على اساس ايه؟ يجيلها المرض وتموت بيه؟ ولا تغور في داهية بعيد عننا؟
التوت شفتي درية تمصمص بشفتيها مستنكرة التجني عليها:
– مرض ايه وهباب ايه يا زفت الطين انتي، شايفاني قدامك قتالة قتلة يا بت، دا انا واحدة بتخاف ربنا ، واللي بعمله ده عشان مضطرة، عيالي هيروحوا مني بسببها اقف متكتفة بقى؟ لا طبعا، انا بس موصية الشيخ يطلعها جاموسة ولا قرد في عيونهم، عشان يكرهوها أو يغورها عننا بأي نصيبة، بس كدة .
– بس كدة ياما؟
رددت خلفها بتشكك، لتردف درية بتأكيد:
– بس كدة يا هبابة، واقطمي بقى عشان الرط يجيب مشاكل ويكشف المستور، واحنا بنقول يا حيطة دارينا.
أومأت سامية تهز رأسها بحماس مرددة:
– من عيوني ياما، ما انا قولتلك سرك في بير، بس انا سمعاكي بتقولي انك مجرباه، كنت عايزة اعرف، في ايه بقى جربتيه قبل كدة وعرفتي بكرماته؟
الى هنا ولم تتحمل درية، وقد فاض بها من تدخلها، لتكزها بقبضتها، تنهرها بوعيد:
– وانتي مالك يا زفتة؟ عايزة تحشري نفسك كمان في اللي فات، بقك دا يخرص خالص، وإياكي تنطقي بالكلام ده تاني، لا قدام غيري ولا قدامى، وابعدي بقى خليني اشوف اللي ورايا جاتك الهم .
دفعتها من كتفها وتحركت مغادرة لخارج الغرفة ، لتتبع اثرها ابنتها وبداخلها حماس لا تخفيه، بعد اكتشافها سر هذه القوة الخفية التي تمكن والدتها من فعل ما تريد، وشيطان رأسها يوسوسها للمضي في نفس طريقها.
❈-❈-❈
بصدمة تعلو ملامحها تستعيد الحديث بذهنها وتكرره عدت مرات عل استيعابها الضعيف يصل لشيء اخر، غير هذا الذي فهمته:
– نعم يا رياض باشا، يعني انت عايز تتجوزني في السر، دا حقيقي ولا انا فهمت غلط؟
تحمحم يبرر بملامح جامدة وكأنه يخبرها شيء، عادي:
– انا مش بطلب منك حاجة عيب ولا حرام عشان تتعصبي كدة يا بهجة، لأن دي مش من اخلاقي اصلا، انا عايزك وعايزك بشدة، ولذلك ملقتش قدامي غير حلال ربنا.
عايزك وعايزك بشدة، تكررت في ذهنها عدة مرات، يبرز الامر لها، انه لا يتعدى الرغبة، يعني ليست تلك المشاعر التي كانت تنشدها، لكن يا ترى هل بالفعل هي هكذا؟ ام انه ينكر احساسًا داخله، يصلها في كل همسة وكل كلمة وكل نظرة منه، قلبها الصادق لا يخطيء ابدا، لكن ما الفائدة وهو في كلتا الحالتين اظهر لها وجهه الحقيقي ونظرته الدونية لها، ولكن ما العجب، الم تكن تلك قناعتها من البداية!
تنهيدة مثقلة خرجت منها قبل ان تعقب على قوله:
– بصراحة انا مخضوضة من جرأتك يا رياض باشا، بتبلغني برغبتك فيا كدة من غير تزويق ولا لف ودوران……
قاطعها مردفًا:
– انا راجل عملي يا بهجة، وقولتلك اني مليش في الحرام، ليكي عندي ان ءأمن مستقبلك بمبلغ محترم يغنيكي انتي واخواتك عن الاحتياج…..
قاطعته بدورها:
– على كدة بقى مصاريف مستشفى ايهاب من ضمن الحساب؟
زفر نافيا بهزة من رأسه واعتراض واضح:
– دي ملهاش دعوة يا بهجة .
– لأ ليها دعوة يا باشا، مدام الموضوع كله حساب في حساب .
صدرت منها بقوة لا تدري من اين أتت، كما انها تندهش لصمودها حتى الاَن امامه، بل ومواجهته بحدة، لتستفز هذا الجزء المتعجرف داخله:
– وان وافقتك وقولت امين هتقدرى تسددي التمن وانتي رافضاني؟
سألها ليرى تأثير قسوة السؤال على ملامحها التي امتقعت بقهر نبع بداخلها، ليشفق ملطفًا:
– احسنلك تخرجيها من الحسبة يا بهجة ، عشان يبقى قرارك من غير ضغط ، انا بحط قدامك المميزات بجوازك مني، لا عايز اضغط ولا امسكك من ايدك اللي بتوجعك، فكري كويس واعرفي فين مصلحتك..
– افكر في ايه؟!
تمتمت بها وجرح مزق قلبها لأجزاء ، لتردف بصراحة كاشفة بوجهه:
– طول ما الدين بتاعك مطوق رقبتي، يبقى حضرتك مش سايبلي اختيارات، كان عندها حق لورا لما صدمتني بالحقيقة في وشي، انا اللي كنت غبية وكالعادة غلبتني السذاجة اللي ورثتها من والدي ، عشان اصدق ان حضرتك فعلا بتعمل كدة لوجه الله او كرم منك، يا خسارة.
خرجت كلمتها الاخيرة بصوت بح من فرط ما يكتنفها من الداخل، ورغم الالم الذي كان يجتاحه لهيئتها تلك، الا انه أبى الا يظهر ضعفه امامها، ليواصل بجمود يتقنه:
– تمام يا بهجة، لو حابة تخلي الموضوع كدة، رغم انه على غير رغبتي، انتي حرة، انا بحاول أوسعها في وشك على قد ما اقدر، بس انتي مصممة تاخديها بدراما انا نفسي متفاجيء منها، ع العموم كدة باقي ردك.
اوما بكف يده في الهواء امامها، يوقفها ألا تتعجل التفوه بما لا يعجبه، فور ان افتر فاهاها لتهم بالرد، ليسبقها بحنكته:
– انا مش عايزك تردي في لحظة انفعال دلوقتى….. حاولي تفكري كويس وتعرفي فين مصلحتك، معايا مش هتخسري حاجة بل بالعكس، انتي هتكسبي كتير وكتير اوي كمان.
صمتت للحظات تطالعه بنظرة قادرة على الإطاحة بكل ثباته، ليخر راكعًا امامها يطلب الصفح ويستجدي موافقتها، وبالصورة التي تريدها، ولكن ما الفائدة؟ وقد سبق السيف العزل، ولابد من مواصلة الضغط،
لتحسم هي بالترجل من السيارة دون استئذان، تصفق الباب بقوة وتغادر دون ان ينطق فمها ببنت شفاه.
ليزفر هو طاردًا من صدره دفعة من هواء مشبع بإحباطه، والم ينغز بصدره كلما تذكر صدمتها به.
❈-❈-❈
بحث بعيناه داخل ارجاء الشقة بعد استيقاظه، ليجدها الان داخل المطبخ، تعد فنجان قهوتها على ماكينة القهوة، ف اقترب بخفة ليفاجأها بلف ذراعه حول خصرها من الخلف، يطبع قبلة على كتفها مرددًا:
– مصحتنيش ليه عشان اشرب قهوتي معاكي؟
تبسمت مستمتعة بغمرته لها تجيبه:
– محبيتش ازعجك، خصوصا وانت راجع متأخر امبارح.
– امممم.
زام بفمه بعدم رضا يعقب على قولها بسخرية :
– عندك حق، ما انا جيت لقيتك سهرانة مستنياني.
ضحكت تزيد من غيظه وهي تلتف نحوه واضعة كفيها على صدره:
– وانا اعملك ايه؟ ما انا فعلا قعدت مستنياك لقريب واحدة على فيلم السهرة، بعدها محستش بنفسي غير الصبح وانا على فرشتي ونايمة جمبك، وعقلي قعد ساعة يسألني ، انا جيت هنا ازاي؟
زام بفمه مرة اخرى، يجاري لعبتها، فهو على علم تام انها شعرت بحمله لها حتى وضعها على الفراش، مما شجعه في محاولة ايقاظها بعد ذلك، ولكنه فقد الأمل حين لم تستجيب:
– اكيد بتمشي وانتي نايمة.
ضحكت مما استفزه ليضربها بخفة على جانب رأسها ، متوعدًا:
– وليكي عين كمان تضحكي، دي جزاتي اني سيبتك تنامي وتاخدي راحتك.
واصلت ضحكاتها ، لتلقي برأسها فوق عظام صدره، وتلف ذراعيها حوله قائلة بامتنان:
– انا فعلا كنت عايزة ارتاح امبارح، تعب السفر والسهر كوم عليا، نمت زي الجثة.
شدد بذراعيه عليها، وفضوله يدفعه للتساؤل:
– بعد الشر عليكي يا روح قلبي، انا مقدر لاني انا كمان كنت تعبان ، لكن اعمل ايه بقى في الجماعة اصحابي، واصرارهم الغريب في الاحتفال بيا والسهر معاهم ، ياللا بقى، المهم بقى انا بقول نقضي النهاردة اليوم عائلي ، ايه رأيك نقضيه عندكم .
ارتفعت رأسها فجأة سائلة باستفسار لا يخلو من قلق:
– عندنا فين بالظبط؟
تبسم يداعب طرف ذقنها:
– عندكم اللي هو بيت العيلة، مع مامتك واختك، هي عيلتك عندها كام بيت؟
ابتلعت رمقها برفض مبررة:
– ونبتدي ليه ببيتنا؟ ما نروح عند عبير وبابا عزوز.
اضطرابها الصريح ومراوغتها في الحديث معه، جعلته يتأكد من صحة ظنه بعلمها بخروج هذا الفاسد من محبسه، ليردف لها حازمًا:
– بس انا عندي غاية النهاردة ادوق اكل الست والدتك، وان كان على والدي وعبير، فدول هنروح منهم فين؟
تابع قاطعًا فرصة الجدال معه:
– اتصلي برؤى وبلغيها عشان تعمل حسابها ع الغدا او العشا، اللي يريحها، انا فاضي ولسة في أجازتي، يعني معايا الوقت كله.
ختم قاطفًا قبلة سريعة من ثغرها، ثم غادر بخطواته الشامخة، ليتركها في تخبطها، وتساؤل عن المغزى من خلف زيارة المنطقة في هذا الوقت، وهي تعلم تمام العلم انه علم بخروج ابراهيم من السجن، ترى هل يقصد الاحتكاك به؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعد سماع الجلبة، والصوت الجهوري المميز في مخاطبة والدته، لتقع عينيه عليه جالسًا على مائدة الطعام، يتناول وجبته بنفس شهيته كعادته، بعد اختفائه بالأمس عن الترحيب به واستقباله كباقي افراد الحارة ، انه حتى لم يكلف نفسه بالسؤال عنه، بل والعجيب انه هو من اشتاق اليه، رغم كل ما يحمله من ضغينه نحوه،
ارتفعت ابصار الاخر لتلتقي به، يخاطبه ببرود:
– حمد الله ع السلامة.
– الله يسلمك.
تمتم بها ابراهبم متهكمًا، ليخطو ويقف قباله معقبَا:
– ياااه، اخيرا طلعت منك، كتر خيرك يا عم ورداني، جيت على نفسك ليه يا راجل؟ ما كان بلاها احسن.
سمع منه عابد الورداني ، فواصل تناول طعامه دون اهتمام منه ان يجيبه، ليزداد الحنق بداخل الاخر، حتى انتفخت اوداجه وازداد اللهيب المستعر بداخل عينيه، لتلحق سميرة بذكائها فتجلسه على احد المقاعد، مبررة بلؤم:
– اقعد يا ابراهيم متبقاش حمقي، ابوك كان عنده بيعة مهمة امبارح برا البلد، يعني مكانش فاضي لاستقبالك ، فهمت بقى.
زادت حدة ابراهيم في توجيه الغضب نحو ابيه مرددًا:
– افهم ايه ما انتي قولتي الحجة دي من امبارح، وانا بلعتها بمزاجي، انما اصحى دلوقتي الاقيه بيبصلي ببرود ولا اكني بايت في حضنه، جرا ايه يا عم؟ دا انا لو عدوك هتفرح بخروجي من حبستي، الناس دى ايه قلوبها اللي عاملة زي الحجارة دي ؟
خرج عابد عن صمته ليباغته بسؤاله:
– وتفتكر بقى عشان خدت البراءة يبقى انت بريء بجد؟ ولا فاكرني صدقت انا بلعبة المحامي ابن الحرام اللي امك دفعتله من فلوسي عشان يخرجك؟
شحب وجه ابراهيم متفاجًئ من حدته ، ليستطرد عابد:
– بلاش نتكلم ونفتح لبعض يا ابراهيم، انت شايل مني عشان مستقبلتكش، وانا قلبي مش راضي عليك من ساعة ما اتأكدت من مصيبتك.
انتفض عن كرسيه يلوح بسبابته امامه:
– تقدر تضحك ع الناس كلها وتفهمهم انك بريء، بس انا لا يا بني، عشان اللي ربى خير من اللي اشترى، وانا مش بس مربيك، لا دا انا خاتم على مصيبتك وحاططها في قلبي وساكت، دفعت من حر مالي عشان اخرجك ، لكن عمري ما هنسهالك، انك تخسرني صاحب عمري بقلبك الاسود وعمايلك المهببة، الا لو ربنا هداك، يمكن ساعتها انسى.
دفع بيده الطعام مستطردًا:
– وادي الاكل سايبهولك انت وامك، على الله بس تشبعوا.
قالها ثم انصرف تتبعه ابصار الاثنان، بذهول اخرس السنتهم، فهذه لاول مرة يكشف لهم عن سر امتناعه وغضبه الدائم عن زيارة ابنه الوحيد.
❈-❈-❈
بعد تململ وفترة من التقلب على فراشه، فتح عيناه للضوء الذي تسلل من الجزء الصغير المكشوف من زجاج الشرفة المغلقة، ليستوعب وضعه في الغرفة الجديدة، ليعود اليه الوعي فور ان استفاق لذراعه التي تضمها ، فيتطلع اليها جيدا، ويتبين انه لم يكن يحلم،
إذن تلك الصور الجميلة التي راودت عقله لم تكن حلمها بل واقع وحلق في سمائه منذ ساعات قليلة، الجميلة الساحرة بين يديه، تلك التي قبلت به رغم كل الفروق بينهم، وفضلته على من هو اوسم وأغنى وارقى منه، ما الذي يحدث معه؟ ما تلك السعادة التي تضخمت بقلبه حتى كاد ان ينفجر صارخًا، معلنًا بعشقها على الملأ،
هي العوض، لا بل هي الهدية الجميلة التي منَ الله عليه بها، يريد التأكد كل لحظة وكل دقيقة انه لا يحلم، وما الذ من التنفيذ عمليًا.
مال بعدم تصديق يقصد تقبيلها، ولكن وقبل ان يدنو منها جيدا ، فاجأته بفعلها، حينما عبست ملامحها بضيق، تدفع سبابته التي حركها بغرض إزاحة خصل الشعر التي تغطي نصف وجهها عنه، ليتبسم بمرح لفعلها، مقررًا التكرار بمداعبة طرف انفها، فعادت هي للعبوس مرة أخرى تدفع الهواء وكأنه ذبابة تحوم حولها.
ليزداد استمتاعًا ويضاعف من مشاكستها حتى اجبرها للاستيقاظ، تفتح عيناها للنور بضجر، فتلقفها بالتحية وقبلة خاطفة:
– صباح الجمال.
تجمدت لحظات في اللا وعي هي ايضا حتى استوعبت، لينتابها الخجل ، فتسبل اهدابها عنه دون رد، وقد لاح بذهنها كل ما حدث بالأمس.
فهم عليها ليزداد سعادة، مقبلا جفن عينيها بحنو:
– يا قلب شادي، بقيتي قطة وديعة يا صبا، امال فين الخربشة وروح الشراسة اللي بحبها فيك يا صعيدي انت يا مجنني؟
ارتفعت عيناها اليه مرددة بجرأة تتصنعها في رد له:
– ومالهم الصعايدة على اول الصبح، انت غاوي تجلب الوجه الجبلي عليك في صباحيتك يا شادي؟
جلجلت ضحكته الصاخبة تدوي مقهقهًا يردد:
– اوي يا صبا، انا حابب اوي اشوف الشراسة اللي كنت متوقعها.
أكمل بجرأة يفاجأها:
– أصل انا بصراحة كنت راسم صورة مخالفة خالص، افتكرت بقى هيبقى في خناقات، هجوم ودفاع، صد ورد، لكن الرقة دي مكنتش متوقعها ابدا من صبا.
ضاقت عينيها بغيظ منه ومن وقاحته، لتدفعه بقبضتها في رد له:
– طب بَعد.
تبسم باتساع رافضا التزحزح:
– ابعد ايه بالظبط؟ مش فاهم ، ممكن توضحي اكتر؟
اردفت بغيظ اشد تحاول الفكاك من حصاره:
– بطل غلاسة يا شادي ، احنا لسة في اول اليوم متجفلنيش منك.
– ايه؟
تمتم بها ليقع من الضحك فيزيد من ضمها، هذه المشاكسة، تدعي الضيق والتأفف حتى تخفي خجلها منه كالعادة، ولا تدري بأنه يحفظها:
– صبا انا هموت منك بجد جننتيني….
– بعد الشر عليك متجولش كدة .
قاطعته بها تجذب انتباهه وهذا القلق الذي اعتلى ملامحها، ليواصل مناكفتها:
– ليه يا قلب شادي؟ خايفة عليا؟
جاء ردها بقبضة قوية وجهتها لكتفه مردفه بحنق:
– ودي محتاجة سؤال؟ بعد عني يا شادي عشان انا اتخنجت منك بجد.
عصبيتها في توجيه الخطاب له، وقد احمر وجهها بانفعال جعله يلطف، مرخيًا ذراعيه عنها قائلًا بعشق:
– انا اسف يا قلب شادي لو زعلتك، معلش بقى قدري اني لسة غشيم فى التعامل مع القمر اللي معجون بعصبيه الصعايدة.
تبسمت لغزله، فدنى يدفن رأسه في تجويف عنقها ، يستنشق عبيرها، ثم يمرر شفتاه على بشرتها حتى وصل لثغرها ليعود ويتذوق شهدها من جديد، شاعرًا باستجابة منها على استحياء، ليردف بتأوه:
– ااااه ، يا لهوي عليك يا شادي، دا انت هتشوف الويل مع بنت ابو ليلة .
❈-❈-❈
توقفت سيارة النقل العام بالقرب من الطريق المؤدي لمنطقتها، لتترجل منه عائدة الى منزلها، فلم تملك من الطاقة ما يجعلها تمارس عملها داخل المصنع والذي هو ملكه من الأساس.
ما السبيل وحتى رزقها يأتي عن طريقه، ان استغنت عن مجالسة والدته، كيف تستغني عن عملها في المصنع؟ وهو المصدر الرئيسي لإعالتهم، انه لا يطوق عنقها فقط بالدين، انما يمتلك قوت يومها، تبا له من مغرور ومستغل.
– راجعة بدري ليه عن ميعادك يا بهجة؟
وصلها الصوت المعروف لتغمض عينيها بتعب، فهي لا ينقصها الاَن من سماجة ابناء عمها، لتواصل متجاهلة الرد عليه، لتفاجأ به يتصدر امامها ويوفقها :
– جرالك ايه يا بهجة؟ انا بكلمك، لتكوني سرحانة!
وكأنه ضغط على زر الانفجار، صاحت به مرددة:
– يا سيدي وما اكون سرحانة انت مالك؟ هو انا هلاقيها منك يا سامر، ولا من اخوك اللي مزهقني برزالته في الرايحة وفي الجاية ، ما تحلو عني بقى ، دا انا كرهت الشارع وكرهت البيت اللي ساكنة فيه عشان خاطركم، اولع في نفسي عشان استريح منكم يعني؟
أومأ بصدمة لرد فعلها المبالغ فيه، ليتراجع مرتدًا للخلف بأقدامه، ملوحًا بكل يده امامها:
– خلاص يا بنت عمي، انا اسف والله لو سألتك، سامحينى ان كنت قلقت عليكي ولا على حد من اخواتك ، انتي حقك تعملي اللي انتي عايزاه وانا ابقى مش محترم لو كررتها تاني .
كان قاصدا الضغط على عاطفتها، لعلمه جيدا بشخصيتها، والتي اكتنفها تأنيب داخلها لتلطف بتعب ممسكة بطرفي أصبعيها على أعلى انفها قائلة:
– معلش يا سامر، بس انا مخنوقة وتعبانة ومش قادرة حتى على الكلام، اعذرني في حدتي عليك .
– طب هو انا ممكن اسألك عن سبب الخنقة ؟
رمقته بحدة جعلته يتراجع على الفور:
– بلاش الخنقة، قوليلي ع اللي تاعبك وانا رقبتي سدادة، لو محتاجة دكتور او شيء انا تحت امرك .
زفرت بنفاذ صبر ترفض عرضه بزوق:
– لا يا سيدي كتر خيرك اوي، انا ماشية امدد جسمي ع السرير وان شاء الله محتاجش لأي دكتور، عن اذنك بقى عشان مش متحملة الوقفة .
وبدون انتظار رده، تحركت ذاهبة من امامه على الفور، لتمضي في طريقها، متجاهلة النظرات المصوبة نحوها من اهل الحارة والمتسائلة لعودتها من عملها في هذا الوقت من الصباح .
لتسرع بخطواتها حتى وصلت الى منزلهم، لتدفع الباب بهدوء بعدما فتحت بمفتاحها، ثم تدلف على أطراف اصابعها حتى لا يسيتقظ شقيقها الذي كان نائمًا في هذا الوقت ، بعد ليلة طويلة من السهر واستذكار دروسه، فتخطو بخفة حتى ولجت داخل غرفتها ، تخلع الحذاء، قبل ان ترتمي بجسدها على الفراش، تطلع العنان لدموع تحتجزها منذ لقاءها بهذا المغرور .
❈-❈-❈
به شيء هذا اليوم مختلف ، صفحة البرود التي يتحلى بها دائما تغيب عنه بصورة مزعجة، مع تلك النظرات التي يصوبها نحوها الاَن وهي تدلف اليه بمجموعة من الملفات المطلوب البت بها، وهو جالس يهزهز كرسيه بملامح مغلفة لا تنبيء بشيء:
– حطيهم هنا.
قالها يشير بيده على سطح المكتب بجانبه، دون ان يلتقطهم منها ويعمل عليهم على الفور كما يفعل دائمًا، ثم يفاجأها بمطلبه:
– اتفضلي اقعدي يا لورا عايزك.
قطبت بعدم فهم، تظن انها قد فهمت خطأ، ليزفر بصوت عالي يشير لها مؤكدًا:
– بقولك اقعدي يا لورا ، هو انا بتكلم بلغة مش مفهومة.
جلست على الفور متمتمة بارتباك:
– لا طبعا انا بس استغربت.
وضعت ساق فوق الاخرى مردفة بابتسامة ناعمة تلمس بكف يدها على شعرها:
– اممم انت تؤمر يا رياض باشا.
ضيق عينيه قليلًا يطالعها بصمت زاد من اضطرابها وتضاعف، حتى داعبتها الأماني والأحلام، لربما حدث وقد ما تتوق اليه وبشدة في القرب منه.
لتسبهل اهدابها بخجل تتصنعه، تتحمحم برقة:
– رياض انت مقولتش لحد دلوقتي عايزني في ايه؟
– اسمي رياض بيه يا لورا، كذا مرة انبهك متخلطيش بين القرابة وبين الشغل.
اجفلها برده الجاف حتى ارتفعت عينيها اليه بإجفال ، ليواصل بجموده، غير مكترثًا بإحراجها:
– قوليلي صحيح يا لورا، هو انتي بقالك كام سنة شغالة معايا؟
كتمت زفرة الاحباط بداخلها، لتجيبه برسمية بحتة كما يريد:
– تقريبا من اول ما مسكت انت المصنع بعد المرحوم حكيم، بتسأل ليه حضرتك؟
مال بجسده يسند مرفقيه على سطح المكتب يجيبها بغموض، واضعًا بندقيتيه صوب خاصتيها وكأنه يغوص بأغوارها:
– بسأل عشان اتأكد يا لورا ، بصراحة قاعد بعيد في دماغي، لو كنت في يوم من الايام، خلطت علاقة العمل ما بينا وبين القرابة.
امتقعت ملامحها لتعقب بحنق يسري بداخلها منه:
– حضرتك عمرك ما عملتها، بدليل الموقف اللي حصل من دقايق.
لقد اوقعها في الفخ، هذا ما تأكدت منه فور تبدل ملامحه فجأة ليردف بصوت غريب عنه، وفظاظة تثير التساؤل:
– ولما هو كدة، ومفيش ما بيني وبينك غير الشغل، بتبلغي بهجة بمصاريف المستشفى بتاعة اخوها ليه؟ انا كنت طلبت منك ذلك؟
بهتت فاغرة فمها بازبهلال، وكأن المفاجأة شلت أطرافها، لتأخذ لحظات من الاستيعاب، استغلها هو في توجيه التوبيخ لها مضيفًا:
– كون انك قريبتي دا ميدكيش الحق ابدًا في انك تتدخلي في شئوني، سواء بتصرف صح او غلط ، انتي ميخصكيش.
خرجت الاخيرة بصيحة جعلتها تستفيق لنفسها، مستعيدة بعضًا من دهائها:
– حضرتك بتلومني وكأنك متأكد، انا بقى عايزة اعرف، هي ليه تبلغك بالكلام ده؟ لو بتحاسب على اختلاط علاقة القرابة مع الشغل، يبقى نحاسب البنت دي اللي دخلت البيت تبث سمومها ولا اكنها بقت من اصحابه.
اجابها ببساطة ناسفًا كل اغراضها مما سبق:
– من اصاحبه او غريبة عنه، برضو انتى مالك يا لورا؟ انا حر في ممتلكاتي وحر اعمل اللي عايزه، انتي ملكيش في حياتي الا المسافة اللي محددها، ياريت بلاش تتعديها، عشان متخسريش شغلك قبالها، اكيد تعرفي كويس اني معنديش تهاون .
كان قاسيًا لدرجة افقدتها النطق للحظات، حتى اتجهت لسلاح الانثى الاخير، لتذرف الدموع متمتمة بمسكنة تجيدها:
– انت بتقولى انا الكلام ده؟ سمحت لواحدة زي دي تشوه صورتي قدامك، انا دلوقتي بس ندمانة لصفة القرابة اللي ما بينا، ع الاقل لو بشتغل عند حد غريب، هيراعي اكيد انه يعدل ما بين موظفينه، انا بشتغل عندك بقالي سنين ، عارفني كويس وعارف اخلاقي، مش واحدة شغالة عندك من شهور قليلة، ياريتني مت قبل ما اتعرض للظلم ده منك، ياريتني مت.
نهضت من امامه مواصلة فقرتها:
– حضرتك كمان تقدر ترفدني، ولو عايزها تيجي مني، انا مستعدة اقدم استقالتي برضو مش هعترض….. عن اذنك……
ختمت بشهقة لتكتم بكف يدها على فمها، وتركض من أمامه، منهية وصلتها، على امل التأثير بقلبه المتحجر، والذي تجمد محله، يطرق بقلمه بأعين فارغة كالزجاج، فاقدة للأحساس، حتى لو به شيء من تأنيب الضمير ، تغلبه دائما طبيعته عن التراجع، هذا هو رياض الحكيم، الذي قضى نصف عمره في بلاد الثلج مع قوم لا تهتم ولا تعطي قيمة للعواطف، والجزء الثاني كان بالصدمات المتوالية ، حتى كبر زيادة عن عمره سنوات، وزاد بقلبه الجفاء.
❈-❈-❈
توقفت السيارة اسفل البناية التي يوجد بها منزلهم، لتخرج هي اولا بحلتها الجديدة وقد صارت انثى بالمعنى الحقيقي، تشرح القلب بطلتها، لتتلقى الترحيب بلهفة من شقيقتها التي كانت تنتظرها في شرفة المنزل، لتلوح لها بكفيها في الهواء، فقابلتها هي بابتسامة رائعة، قبل ان تلتف رأسها فتلتقي ابصارها بذلك الذي برقت عينيه بذهول، لا يصدق ان تلك امنية التي كان دائما يراها عادية واقل من عادية،
بوجهها الممتليء وجسدها الذي كان يظهرها اكبر من عمرها رغم اغرائه.
كل هذا ذهب الاَن، الوجه اصبح منحوتا يظهر جمال الملامح التي كانت مدفونة، وجسدها مازال مغريا ولكن برشاقة الابطال، وهذه الهيئة الجديدة والملابس بدلتها تماما.
افترت زاوية فمه بابتسامة جانبية قابلتها بازدراء لتواصل طريقها، بعدما القت بنظرها نحو ذلك الذي كان يقود السيارة حتى ركنها في موقع جيد قبل ان يخرج، بحلته الأنيقة التي تليق به، وعضلاته البارزة تكاد تمزق السترة التي يرتديها ، بهيبة تجعل الجميع يحسبون حسابه، ثم هذه النظارة السوداء على عينيه، لتزيده غموضًا حينما وقف امام الاخر للحظات ، وكأنه يريه من هو،
قبل ان يتحرك بعد ذلك يلحق بزوجته، ليتمتم ابراهيم ف اثره بعدما جفف الدماء بعروقه :
– يا بن ال….. جاي تنفش ريشك عليا وتوريني عضلاتك، ماشي، ماشي يا سيادة الظابط….. ماشي يا امنية.
❈-❈-❈
في إحدى النوادي الاجتماعية الخاصة بالرجال، كانت جلسة الاثنان، بعدما اصر عليه كارم للخروج معه، ليستعلم ولو قليلًا عن سر جموده، وهذا الحالة الغريبة التي تتلبسه منذ لقاءه به، حتى امتنع عن مواصلة العمل، وهذا شيء من النادر أن يحدث،
اتى اليه بعبوة المشروب البارد ليلكزه مشاكسًا:
– ايه يا عمنا؟ فوق كدة واشرب وفك عن نفسك .
تناول منه يتنفس زافرا ببعض الهدوء ليرتشفها متذوقًا لذعتها ، ليتأفف معبرا عن ضيقه:
– ايه ده يا كارم دي حراقة اوي، مش تجيب حاجة اخف.
تجرع منها الاخر بتلذذ قائلا:
– وهو في احلى من الحراق؟ دي حتى طعمها يهبل ومش مسكرة على حد طلبك.
اومأ رياض مستسلمًا دون اعتراض، مما دفع فضول الاخر للتساؤل:
– بس مش غريبة دي يا رياض، ان رغم عشرتك للخواجات العمر دا كله ومتكونش بتحب البيرة ولا حتى تشربها تفاريح.
ابتسامة ضعيفة لاحت على جانب فمه قبل ان يجيبه:
– اللي يعاشر الغرب خصوصا في السن الصغير بتاعي ، أكيد هيمشي على نظامهم، وانت عارف بقى والدي ووالدتي كانوا منفتحين ازاي؟
توقف يطرد من صدره دفعة هائلة من هواء ساخن، تشبع بحزنه بعد ذكره للإثنان، ليتمالك بعد ذلك مردفًا:
– بس طبعا انا لما دخلت الجامعة واشتغلت ، شوية شوية بقيت افتح دماغي اكتر وامقت الحاجات دي من نفسي…….. وعلى رجوعي مصر كنت بطلت خالص، والتفت لشغلي.
اومأ كارم مقدرًا صعوبة الكلمات وهي تخرج من فمه، ليربت بكفه على ركبته بخفة، ثم سرعان ما غير دفة الحديث بتساؤله:
– طب قولي بقى، ايه اللي قالب حالك كدة؟
حينما ظل على صمته، واصل كارم بفراسة:
– هو انا ليه قلبي حاسس، ان ورا قلبتك دي في واحدة ست.
اعتلى الإجفال وجه الاخر، مما أكد الظن لديه، ليردف بإلحاح:
– يا عم احنا رجالة زي بعض، قولي بس لو عندك مشكلة مع واحدة منهم، صاحبك له خبرة برضو مع الصنف.
– صنف؟
تمتم بها بعدم استيعاب، ليقهقه ضاحكًا بمرواغة كي يخفي توتره، فهذا الماكر، لديه من الذكاء الحاد والقدرة على كشف اغواره:
– وربنا انت مشكلة يا كارم، ع العموم يا سيدي لما احتاج مساعدة مش هروح لغيرك، مدام انت راجل عندك خبرة.
بادله كارم الضحك والمزاح، يحترم تحفظه، ليردف مرحبًا بمساعدته:
– وانا جاهز في اي وقت يا سيدي، وقت ما تعوزني بس أشر بإيدك.
اومأ بامتنان له:
– ماشي يا باشا.
❈-❈-❈
والى بهجة التي غفت على فراشها ، بعد وصلة من البكاء والحزن، حتى استيقظت على صوت دفع الباب واقدام احدهم تلج اليها، ثم تخرج سريعًا بخطوات مرتبكه، حتى ارتطم شيئًا ما على الارض ، مما جعلها ترفع رأسها وجذعها سريعًا لتستكشف هوية الشخص الذي صار يصلها صوت اقدامه، لتخرج من غرفتها على الفور، وتفاجأ بفتح الباب الخارجي من المنزل، قبل ان يصفق سريعًا بخروج الشخص، فلاح أمامها سريعا طيف اللون الاخضر.
لتهرول كي تلحق بمن ظنته لصًا، ولكنها تفاجأت بظهر هذه المرأة التي كانت تعطيها ظهرها وتحاول الهبوط على الدرج ببعض السرعة الحريصة….. وترتدي عباءة منزلية خضراء!
فهتفت بها توقفها:
– كنت بتعملي ايه في البيت عندنا يا مرات عمي؟
انتفضت المذكورة وتشنج ظهرها برعب من كشف مصيبتها، لتجبر على الالتفاف لها، تقبض بيداها على هذا الشيء الذي اخدته من الرجل الدجال ( عمل) وقد كانت تنوي اخفاءه بين اشياءها كي يعمل هذه المرة جيدا وينفذ المطلوب، واضعة برأسها ان هذا موعد عملها، لم تحسب ابدا انها ستجدها امامها على الفراش.
ابتلعت ريقها، ترتدي قناع الجمود سائلة:
– انت بتكلميني انا يا بهجة؟
خرجت لها بهجة من مدخل المنزل تضرب كفا على ظهر الاخر مرددة:
– امال بكلم خيالي؟! انا شايفاكي بعيني دلوقتي وانت خارجة من باب البيت.
انتفضت دورية تاخذها العزة بالاثم متهكمة بفجر:
– وايه اللي هيخليني ادخل بيتكم يا عنيا، بدور على الكنز ولا اسرق الفلوس المتكومة يا حسرة؟ ما تصحي لكلامك يا بهجة وبلاش هلفطة خايبة منك.
صاحت بها مرددة؛
– هلفطة خايبة فين؟ انا بقولك شايفاكي بعيوني الجوز وانت خارجة من بيتنا، اما بقى عن السبب، فدا اللي انا عايزة اعرفه منك، ايه اللي يخليكي تدخلي بيت في غياب اهله؟
صوتها العالي جعل شقيقها يخرج من غرفته ليقف بجوارها بتساؤله، وفي الأسفل ايضا دفع سامية الى الصعود لمساندة والدتها التي كانت ترتجف من الزعر عكس ما تدعيه من قوة:
– في ايه يا ست بهجة؟ مالك يا ختي صوتك عالي ليه؟
– نقطتينا انت بسكاتك.
صرخت بها بهجة في وجه هذه الماكرة، والتي جاء تدخلها بنفعه لوالدتها التي استقوت بها:
– تعالي يا بنتي شوفي بعينك واشهدي على امك اللي نازلة من شقة ابنها في امان الله، تقوم تخرج لها دي من غير سلام ولا كلام، وقال ايه، انا دخلت عندهم، يكش يكون عندكم الابعدية وانا مش دريانة!
دعمتها ابنتها في السخرية، تتخصر امام ابنة عمها:
– عندك حق ياما والله، قال ندخل بيتهم قال، دا انتو بتكملوا عشاكم نوم .
– انتى مش محترمة وقليلة الادب.
خرجت من ايهاب يسبق شقيقته، وقد استفزه قلة حياءها والسخرية من وضعهم المادي، لتصيح متمتمة بالسباب، وكأنها تنوي الهجوم عليه، فتتمسك بها والدتها من التقدم:
– بقى انا قليلة ادب، وديني لكون موصلة الموضوع لاخواتي خليهم يربوك يا عيان يا ساقط في هدومك.
رد بقرف وشقيقته هو الاخر تمنعه من التقدم نحوها:
– كان عرفوا ربوكي انتي الاول، بدل ما هما سايبينك على حل شعرك.
– هما مين اللي سابينها على حل شعرها، ما تنقي كلامك يا إيهاب.
جاءت هذه المرة من شقيقها الاكبر والذي وصل على صوت الشجار الذي تجمع له العديد من البشر يتابعون ما يحدث.
لتلتقط سامية فرصتها تخاطبه بمسكنة:
– تعالى يا اخويا الحقنا، بنت عمك بتتبلى على امي انها دخلت بيتهم، واخوها بيقل ادبه عليا انا، ويقول اني مش متربية، انااا بنت عمه بيقول كدة اهيء اهيء.
تذرف الدموع الكاذبة ووالدتها تجاريها ايضا في رسم الدور، لتتجه ابصاره هو نحو بهجة التي علمت انه لا نفع من الجدال مع هاتين العقربتين، ولن تأخذ من المواصلة معهم سوى المزيد من الفضائح.
ليأتي صوته هو ملطفًا، بنظرات هائمة تبغضها:
– اكيد هما ما يقصدوش واللي حصل سوء تفاهم مش اكتر، ولا ايه رأيك يا بهجة؟ انا بقول نقعد مع بعض ونشوف المشكلة فين.
شهقت درية وابنتها لهذا الرد الخانع وقبل ان يأتي توبيخها، صدر الرد من بهجة التي صرخت بقهر ونفاذ صبر:
– مش عايزة حاجة من خلقتكم، لا عايزة اعرف المشكلة ولا حتى اصلها، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل .
صارت تردد بها وهي تسحب شقيقها لتدخله معها ، ثم تصفق الباب بوجههم، لتدلف مع شقيقها الذي صار يردد بتساؤلات عدة تعجز عن الرد عليها،
ماذا ستخبره؟ وقد تجمعت الخيوط برأسها، من بداية حديث عائشة حينما اخبرتها بترجيح دخول هذه المرأة الى المنزل وهي كذبتها، ثم هذا الماء المسحور الذي وجدته رئيستها صباح على باب المنزل، وعلمت منها انها المقصودة، ثم دخولها الاَن الى غرفتها ف ميعاد عملها بالمصنع .
لتذهب الى غرفتها، تضرب بذراعيها على الفراش بانهيار ، هذا اكبر من طاقتها، وقد نفذت طاقتها، الا يكفي ما يثقل ظهرها من هموم قادرة على كسرها لتأتي هذه المرأة بأفعال السحر والشعوذة والله الاعلم بغرضها .
ظلت تفرغ قهرها بالبكاء حتى استفاقت تتذكر حديثها في الصباح معه، وما قد تسبب به من الم داخلي لها زاد من اوجاعها، ولكنها ابدا لن تستمر على هذا الحال، ابدا،
اعتدلت بجذعها تجفف دمعاتها بعنف باطراف اصابعها، لتلتقط الهاتف، وتطلب رقمه، جاءها الرد سريعًا بنبرته الهادئة الباردة:
– الوو يا بهجة، انا معاكي.
استجمعت شجاعتها ليأتي ردها على الفور:
– انا موافقة.
– نعم؟
تمتم بها بعدم تصديق ليأتي التأكيد منها:
-،بقولك اني موافقة على عرضك، بس عندي شروط.
صمت قليلًا ليصلها صوته بعد ذلك:
– وانا موافق على كل شروطك يا بهجة.
جاء قولها بحدة:
– مش لما تسمعها الاول بعد كدة تقرر؟
يتبع….