رواية وله في ظلامها حياة الفصل الثالث عشر 13 بقلم دينا احمد
الفصل الثالث عشر
(اغتصاب)
التفتت إليه لتتسع عيناها بفزع عند رؤيته وشعرت ببرودة تسري في أنحاء جسدها ليرتجف جسدها لا إرادياً و تراجعت للوراء فأبتسم ابتسامة ماكرة:
- يا تري وحشتك زي ما وحشتيني؟!.
شعرت بجفاف حلقها وهو يقترب منها عدة خطوات قائلاً بنبرة ذات مغزى:
- عمر الصغير عامل ايه؟ ما تيجي نروح نعمله تحليل DNA أشوف إذا كان أبني أنا ولا أبن حازم حبيب القلب...!
هزت رأسها قائلة:
- جاسر أنت اتجننت! أبعد عني نهائي، عمر مستحيل يكون ابنك ... منك لله على اللي أنت عملته فيا.
لم يعير كلامها اهتمام بل كانت نظراته لها جريئة للغاية شعرت وكأنه يعريها بينما كان مراد يتابعها بعيناه وهو لا يزال يتحدث بالهاتف ليتفاجأ بمجيء ذلك الرجل! .... قبض على يداه بقوة حتي لا يذهب و يهشم عظام ذلك الرجل الذي ينظر لها بهذه الطريقة و أتجه نحوهم بخطوات سريعة و غاضبة بعد أن أغلق هاتفه ليهتف وهو يرمقه بازدراء:
- مين الأستاذ؟.
لا تعلم بماذا تجيبه ... تشعر بانقباض قلبها خوفاً من رد فعله إذا أخبرته بحقيقة ذلك الجاسر ! فكرت لبرهة محاولة التحدث ولكنها فشلت ليقول جاسر بابتسامة خبيثة و هو يمد له يده لمصافحته:
- أعرفك بنفسي ... أنا جاسر رشاد معرفة قديمة بالمدام نورا والأستاذ حازم.
أومأ له مراد بابتسامة مصتنعة ثم سحبها من رسغ يدها قائلاً باقتضاب:
- فرصة سعيدة يا استاذ جاسر.
أزدادت ابتسامته أتساع فأظهرت أنيابه ناصعة البياض، قائلاً بود مصتنع:
- أنا أسعد يا أستاذ مراد ! واتمني أقابل حضرتك مرة تانية و يكون بينا شغل.
لم يروقه هذا الرجل منذ أن رآه فأبتسامته تلك بالتأكيد وراءها شيء مريب سيكتشفه عاجلاً أم آجلاً، سيتريث ليفهم تلك النظرات التي يرسلها إليها بينما نظرات نورا تبدو خائفة منزعجة و متوترة تحمل الكثير و الكثير...! تُري ما الذي يجمعها هي وأخاه بهذا الرجل؟!.
أومأ له بإقتضاب ثم وجه حديثه إلي نورا قائلاً:
- يالا بينا.
خرجوا من ذلك المول الضخم بخطوات شبه مسرعة الإثنين غارقين في أفكارهم أمّا هي تكاد تموت خوفاً من مواجهة ذلك الوغد الوقح ! لطالما كان السبب الرئيسي في كره حازم لها و تعذيبه لها طوال الشهور الماضية.
صاح مراد قائلاً بعد أن لاحظ شرودها:
- تعرفي اللي أسمه جاسر ده منين؟!.
لا تعلم كيف دلفت إلي السيارة ومتي ولكنها حقاً غارقة في بحر ذكرياتها المريرة، تزايدت خفقات قلبها بخوف من رد فعله إذا أخبرته بالحقيقة كاملة! من الممكن أن يكرهها ويفعل مثلما فعل معها حازم، أو يقتل ذلك الجاسر، تنهدت بعمق وهي تخترع كذبة مناسبة ولكنها تشعر بالتشتت!! فكرت لبرهة ثم تحدثت بتعثلم قائلة:
- دا ... هو يعني صاحب حازم ... انا أصلاً مشفتوش غير مرة واحدة ... يعني شفته أنا وحازم في أول أيام جوازنا.
نظر إليها بشك و ملامح مُنزعجة بالتأكيد ما تقوله ما هو إلا كذبة أخترعتها !! من الممكن أن يكون ذلك الرجل سبباً في موت حازم أو هناك أمر مُريب تعرفه نورا يجب أن يكتشف هذا الرجل نظراته و طريقة حديثه و ارتياب نورا ! يجب أن يذهب إلى ذلك الوغد الآخر (مصطفي) و يستطيع معرفة من هو صاحب تلك المخططات، نظر إليها نظرة جانبية فوجدها تذرف الدموع بصمت مستندة برأسها للناحية الأخري فهتف بقلق:
- نوري ... ممكن أعرف انتي بتعيطي ليه دلوقتي؟!.
هزت الأخري رأسها لتقول بصوت متحشرج:
- ممكن تنزلى هنا؟ انا عايزة أمشي لوحدي شوية.
صف سيارته في طريق جانبي ليقوم بحدة:
- ليه معاكي سوسن عشان اسيبك تمشي لوحدك وبعدين أنتي بتتهربي من أي سؤال ليه.
أجابت بتوتر:
- طب طب ممكن أخرج برة دقيقتين انا مخنوقة أوي ومش قادرة أخد نفس؟.
أومأ لها برأسه فخرجت من السيارة وهي تتنفس الصعداء لتتفاجأ بمراد يقترب منها حتي التصق ظهرها بصدره قائلاً بخفوت:
- نوري أنا مراد! معقولة اللي حصل ما بينا امبارح يكرهك فيا؟! انا مراد اللي مكنتيش بتخبي عليه حاجة.
التفتت إليه لترتمي داخل أحضانه لتحصل على أمانها لا تبكي ولا تفعل أي شيء إنما تشعر بالسكينة والطمأنينة أكثر من أي وقت، ولم يكن رد فعله سوا أنه أزداد من احتضانها بقوة وكأنه هو من يحتاجها وليست هي ...
صاحت امرأة تمر من جانبهم مع زوجها:
- شايف يا راجل الرومانسية! أتعلم بقا مرة في حياتك ولا أقولك طلقني أحسن.
انفجرت هي في وصلة ضحك وهي تخفي وجهها في صدره بسبب كلمات تلك المرأة ليقول هو بابتسامة واسعة تشق شفتاه:
- عاجبك كدا؟! ادينا اتحسدنا، ربنا يستر ومش نولع في بعض قبل ما نوصل البيت!.
أبتعدت عنه بابتسامة صغيرة ثم اخفضت رأسها ارضاً ليمسك ذقنها بأنامله قائلاً بابتسامة جذابة:
- أيوا كدا اضحكي خلي شمس الدنيا تطلع.
أقترب مقبلاً وجنتها لتشتعل وجنتها بالورد الجوري واستبغ وجهها بحُمرة الخجل لتقول بغضب طفولى:
- بطل قلة أدب و يالا عشان عايزة أروح.
قهقه بمرح من مظهرها الطفولى هذا لتدلف إلي السيارة سريعاً وأتبعها هو متجهين إلى القصر..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اجتمع الجميع على طاولة الطعام في جو أسري دافئ أفتقدته لكثير من الوقت ولم يخلو من كلمات ديما السامة التي تقصدها بها، ولكن بات الخوف هو العامل المسيطر عليها في كل الأحوال ... أكلت بعض اللقمات ثم استأذنت منهم و صعدت إلى الأعلى، وما أن دلفت إلى غرفتها حتي وصدت الباب و توجهت نحو الشرفة جالسة على أحدي الكراسي الجلدية السوداء، تفكر و تفكر ... ماذا كانت ستفعل لو لم يكن مراد معها في نفس المكان، هي لا تمتلك الشجاعة حتي تواجه ذلك الشيطان الذي كان سبباً في دمارها !
أغمضت عيناها بألم تتذكر ما حدث مع منذ حوالي سنة
~Flashback~
(ثاني شهر جواز من حازم "بداية الجحيم")
كانت جالسة في غرفتها تقرأ أحدي الروايات بتركيز تام، فالغرفة و الروايات أصبحت رفيقة دربها في هذه الأيام ... لأن حازم دائم الخروج من البيت ولا يأتي إلا في ساعـة متأخرة! وحتي إذا طلبت منه الذهاب إلى والدتها لا تستطيع الجلوس مع والدتها سوا بضع دقائق ثم ينصرفوا.
ابتسمت بوله وهي تتخيل حياتها مثل تلك الرواية حياة مليئة بالسعادة و الأحداث الشيقة!.
تفاجأت بصوت ارتطام في الخارج شعرت بالخوف الشديد خصوصاً أنها وحدها في البيت ... ثوانٍ و فُتح باب غرفتها بقوة لتنتفض في مكانها فور رؤيتها لذلك الشاب (جاسر) بينما كان ينظر إليها بنظرات لم تفهمها هي نظرات مليئة بالشر و الأنتقام و الجرأة، صاحت بخوف:
- أنت مين و عايز إيه؟!.
بلل شفتاه وهو يتفحصها لترتسم أبتسامة شيطانية على ثغره ثم صاح لرجاله في الخارج:
- دخلوه.
دلف الكثير من الرجال المُسلحين بهيئة مخيفة يرتدون بدل من اللون الأسود ملامحهم تبعث الرجفة في القلوب يمسكون حازم من تلابيب ملابسه، يداه و قدمه مُكبلة و يخر الدماء من وجهه و جسده بسبب تعرضه للضرب المُبرح ! القوه أمام قدم جاسر ليبتسم الآخر في تشفي و رضاء بينما تعالت شهقات تلك المسكينة و توجهت نحو حازم ليقبض جاسر على يدها قائلاً بابتسامة مُريبة:
- على فين يا حلوة لسه الليلة طويلة.
أشار للرجال بالخروج فخرجوا واحداً يلي الآخر ثم وصدوا الباب بأحكام ليصرخ حازم قائلاً:
- سيبها هي ... اعمل فيا اللي أنت عايزه بس هي لأ!.
غرست أظافرها في يده الممسكة بها حتي يتركها ولكن هيهات، ليقول جاسر بنبرة يملؤها التشفي:
- تؤ تؤ تؤ انا عايزك توفر صراخك ده لبعدين ... و أتفرج وأنت ساكت أتفرج عليا وانا بدبح مراتك زي ما دبحت أختي وكنت السبب في هروب الوسخة مراتي اللي كانت بتخوني معاك ... بس بجد شاطر يا واد يا حازم عرفت تختار قمر زيها ... مش يالا بينا يا عروسة ولا إيه؟.
نظرت إليهم بصدمة و تجمد جسدها في مكانها ليقترب منها جاسر محاولاً تقبيلها فضربته في معدته بقوة ليتأوه بألم ثم صفعها صفعة مدوية و تلتها عدة صفعات أخري حتي شعرت بطعم الدماء في فمها ليدفعها على الفراش وقد أعماه نيران انتقامه ليُدنس براءة تلك المسكينة و يغتصبها بوحشية ظنناً منه بأنه يثأر لأخته ولا يعلم عقاب اللّٰه الكبير...!
كان حازم يتابع ما يحدث و يصرخ من طيات قلبه حتي يبتعد عنها ولكن لا حياة لمن تنادي، يبكي كالطفل الصغير و قد ترددت تلك الجملة في أذنه "كما تدين تدان" صراخها الذي جرح حلقها هو نفس صراخ أخت جاسر، استجادها بـ مراد وكأنه طوق النجاة هو نفس استنجاد جميلة بجاسر...!
نهض عنها عندما شعر بتشنج جسدها ليجدها فاقدة للوعي وجهها شاحب كالموتي الدماء تفر من وجهها !!
أبتسم بإنتصار ليرتدي ملابسه ثم بصق في وجه ذلك الحازم قائلاً بوعيد:
- دي لسه البداية يا حازم أستعد لجحيمك ! حق جميلة أختي هيرجع.
~End~
أفاقت من ذكرياتها المريرة وقد حجبت الدموع زرقاوتاها لتهز رأسها بأسي، فحازم المختل الآخر منذ ذلك اليوم وهو يكرهها !! يكرهها متناسي تماماً أن هذا ذنبه هو، وهو من يجب أن يعاقب عقاباً وابلاً ... توجهت نحو فراش صغيرها وهي تبتلع غصة مريرة في حلقها فما ذنبه هو أيضاً بأن يكون لديه والدة حياتها عبارة عن مأساة لا نهاية لها بداية من وفاة والدها إلى ظهور هذا البغيض اللعين الذي يدعي أن عمر أبنه فليذهب للجحيم فحملها كان بعد شهر من هذه الحادثة!
توجهت نحو الحمام لتريح ولو القليل من نيران قلبها الذي يصرخ ألماً مما تلقاه طوال السنوات المنصرمة ...
خرجت بعد مرور بعض الوقت لترتدي منامة باللون الأسود مُريحة ثم توجهت نحو مرآة الزينة و بدأت في تمشيط شعرها، وكالعادة فُتح باب غرفتها بدون استئذان للتفاجأ بـ ديما تنظر لها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تبتسم بسخرية:
- اتمني الـ Show اللي مراد عمله معاكي طول اليوم مش ينسيكي نفسك ... أصل مراد حبيبي بيتعاطف مع أي حد حالته زي حالتك خاصاً لما تكوني خلاص اتجننتي !! بس كنت عايزة أسألك سؤال هو أنتي دخلتي في مرحلة التخيل ولا لسه.
شعرت نورا بالإهانة من كلمات تلك العقربة ليهوي كف يدها على وجه ديما بصفعة قوية وتعالت أنفاسها الغاضبة قائلة:
- اطلعي برة يا زبالة واياكي تدخلى هنا تاني.
- نوراااا.
صاح مراد بصوته الأجش وهو يدلف إليهم فأبتسمت ديما داخلياً فهي تعلم بقدومه خلفها فتوجهت نحوه ترتمي في صدره تصتنع البكاء قائلة:
- شايف يا مراد! ضربتني عشان بقولها خلينا صحاب و ترفه عن نفسها بدل الكآبة اللي هي عايشة فيها دي.
ربت على ظهرها قائلاً:
- خلاص أهدي و روحي على أوضتك يالا.
أومأت له وهي بداخلها تتراقص فرحاً، ليحتقن وجه نورا بالغضب قائلة:
- طبعاً أنت صدقتها ... عشان أنا المجنونة اللي في البيت ده.
هز رأسه بيأس قائلاً:
- نوري ... أنا سمعت كل حاجة من البداية، كنت عارف انها هتطلع تقولك كلمتين تضايقك بيهم ... وحتي لو مكنتش سمعت اللي حصل انا واثق أنك متعمليش كدا.
رفرفت بأهدابها محاولة في كبت دموعها ليبتسم لها أبتسامة عذبة جعلتها تحلق في عنان السماء فبادلته بابتسامة صغيرة ليقترب منها قابضاً على كلتا ذراعيها برفق ثم توجه بها نحو المرآة يتأملها لمعت عيناه بحب ليأخذ تلك الفرشاة ثم بدأ بتمشيط خصلاتها الحريرية وهي تبدو كالطفلة أمامه لم تعترض أو تتفوه بأي كلمة فشعورها الآن يجعلها كالمغيبة تماماً عن الواقع، ازدردت في ارتباك عندما لفحت أنفاسه الساخنة بمؤخرة عنقها، وبحركة لا إرادية تشبثت بقميصه حتي لا تسقط أرضاً من هول تلك اللحظة !
انتهي من تصفيف شعرها ليهمس بجانب أذنها ببحته الرجولية:
- لفي يا نوري أنا خلصت.
التفتت إليه وتعالت خفقات قلبها ليمرر إبهامه على شفتيها قائلاً بنبرة آمرة لينة:
- يالا نامي ساعتين انتي تعبتي انهارده.
حك ذقنه بكف يده عندما وجدها بهذا السكون وبدون سابق إنذار حملها متجهاً بها نحو الفراش لتقول بإعتراض:
- سيبني أنا عايزة عمر.
نظر لها رافعاً أحدي حاجباه بسخرية:
- وهتعملى ايه بعمر وهو نايم؟! أسمعي الكلام يالا وبلاش عند.
دثرها بالغطاء جيداً ثم انثني بجذعه نحوها مقبلاً جبينها بعذوبة وترك الأنوار مضاءة فهو يعلم أنها تهاب الظلام، وخرج من الغرفة لتذهب هي في سبات عميق.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور بعض الوقت...
استقل بسيارته أمام ذلك المبني المتواجد به مصطفي ليتوجه إلى الداخل بخطوات رزينة رافعاً أنفه بغرور بينما وقف يحييه رجاله المسلحين ليتوجه نحوه إبراهيم مهرولاً:
- حضرتك اللي أمرت بيه نفذته ودي المعلومات عن جاسر رشاد زي ما أنت طلبت.
أعطاه أحدي الملفات ليومأ له ببرود ولم يلقِ لأحاديث إبراهيم بالاً إنما كان هدفه هو رؤية مصطفي الذي لا يزال رافضاً أن يعترف!
دلف إلي تلك الغرفة واضعاً يده في جيبه وهو يسلط نظره على مصطفي ببرود فجلس أمامه على أحدي الكراسي الكبيرة قائلاً ببرود:
- يعني أنت مش ناوي ترحم نفسك وتقول مين اللي أمرك تعمل كدا.
ظل مصطفي يبكي بوهن وهو يهز رأسه قائلاً بيأس:
- انا لو اتكلمت أمي وأخواتي هينقتلوا ... أرجوك بلاش تضغط عليا اكتر من كدا ! انا بعترف قدامك إني كنت قاصد أديه جرعة كبيرة عشان أخلص منه.
بُرزت عروقه بوضوح من شدة غضبه ليصرخ قائلاً وهو يقبض على عنقه:
- أنا لو صبري نفذ مش هيكفيني فيك روحك ... احسنلك تنطق و تقول.
هز مصطفي رأسه بالإيماء وهو يصرخ من ألم قبضته:
- حاضر والله هقول بس شيل ايدك.
ترك عنقه ليبدأ مصطفي في السعال ويحاول استنشاق الهواء مرة ثانية فأردف مراد بملل:
- هستني لبكرة لحد ما تتكلم ولا ايه يا قذر؟!.
هتف مصطفي سريعاً:
- هقول والله العظيم ... اللي اتفق معايا على موته بينه وبين حازم تار قديم ومعه شريكه التاني وهو قاصد أنه يدمرك أنت وياخد أملاكك.
قطب مراد حاجباه قائلاً بغضب:
- أنطق وقول اسمهم ايه ... هو أنت هتحكي قصة حياتهم.
ثوانٍ وقبل أن ينطق مصطفي بأسمائهم اخترق الرصاص الزجاج صوب جسد مصطفي بعدة طلقات نارية ليغرق في دمائه، بينما شعر مراد بالذهول مما حدث ليجد رجاله يقتحموا المكان يحاولوا حمايته... شل جسده وشعر بصدمة احتلت كيانه ليخرج من ذلك المبني بخطوات جامدة خالية من الحياة، لتوه كان من الممكن أن يُصاب بإحدي الرصاصات ... بالتأكيد ذلك الرجل الذي كان سيعترف عليه مصطفي هو وراء هذا الأمر لا محالة ! إذاً الموضوع يبدو أنه خطير جداً ومن الممكن أن يكون هو المستهدف في الآونة الأخيرة.
حاول رجال مراد العثور على من أطلق هذا الرصاص ولكنه اختفي كالرياح ...! ليتوجه مراد إلى سيارته عازماً على أن يُندم ذلك الأبلة الذي يحاول أن يعبث معه أو مع عائلته.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جلس أمام مكتبه يحك مؤخرة عنقه بتفكير و شرود تام، ثم أخذ ملف ذلك الجاسر وهو يتفحصه بدقة، يبدو رجل أعمال ناجح، لا يوجد شيء مميز في ملفه حتي يتطلع عليه ولكن وراء شخصيته هذه هناك شىء قوي و مُريب سيكتشفه عاجلاً أم آجلا .. دلف إليه خالد ليقول بمرح:
- إيه يا عريس جاي من أول يوم ليه؟ هي بدأت تنكد عليك ولا إيه؟.
نظر له مراد بتهكم ليحمحم خالد ثم قال:
- كويس أنك هنا في أوراق كتير محتاجة موافقتك عليها.
أخذ من يده تلك الأوراق وأخذ يقرأ ما بها و يوقع عليها ... ليرن هاتفه فأجاب قائلاً:
- ايوا يا ست الكل.
أجابته جدته بنبرة باكية:
- أمك رجعت هنا تاني يا مراد و رايحة على القصر دلوقتي.
انتفض مراد من جلسته ليقول سريعاً:
- طب اقفلي دلوقتي وانا هتصرف.
اغلق الهاتف ثم أخذ مفاتيح سيارته متوجهاً إلي الخارج بسرعة كبيرة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
استيقظت من نومها وهي تفرك عيناها بتثاقل فوجدت هاتفها يرن لتجيب بعناس:
- ايوا مين؟.
أجابها جاسر بنبرة شيطانية:
- جاسر يا حبيبتي ... سجلى رقمي بقا عشان هعملك اتصالات كتير في الفترة الجاية.
صرخت هي بإنفعال:
- أنت حيوان !! أنت عايز مني ايه قولتلك أبعد عني.
ليهتف هو ببرود:
- تعرفي لولا أني بحبك كنت ندمتك عشان تتجرئي و تكلميني بالطريقة دي بس يالا الأيام ما بينا كتير.
أغمضت عيناها وهو تشعر بالصداع يفتك برأسها لتقول بنفاذ صبر:
- أنت بتتصل عايز إيه يعني؟!.
أجابها ببروده المستفز:
- عايزك.
ثم أكمل قائلاً:
- بصي بقا يا حلوة واسمعي الكلام اللي هقوله كويس و هتنفذيه بمزاجك أو غصب عنك........
استمعت إلى صوت صراخ في الأسفل ليسقط الهاتف من يدها ثم هبطت إلي الأسفل بخطوات راكضة....
(اغتصاب)
التفتت إليه لتتسع عيناها بفزع عند رؤيته وشعرت ببرودة تسري في أنحاء جسدها ليرتجف جسدها لا إرادياً و تراجعت للوراء فأبتسم ابتسامة ماكرة:
- يا تري وحشتك زي ما وحشتيني؟!.
شعرت بجفاف حلقها وهو يقترب منها عدة خطوات قائلاً بنبرة ذات مغزى:
- عمر الصغير عامل ايه؟ ما تيجي نروح نعمله تحليل DNA أشوف إذا كان أبني أنا ولا أبن حازم حبيب القلب...!
هزت رأسها قائلة:
- جاسر أنت اتجننت! أبعد عني نهائي، عمر مستحيل يكون ابنك ... منك لله على اللي أنت عملته فيا.
لم يعير كلامها اهتمام بل كانت نظراته لها جريئة للغاية شعرت وكأنه يعريها بينما كان مراد يتابعها بعيناه وهو لا يزال يتحدث بالهاتف ليتفاجأ بمجيء ذلك الرجل! .... قبض على يداه بقوة حتي لا يذهب و يهشم عظام ذلك الرجل الذي ينظر لها بهذه الطريقة و أتجه نحوهم بخطوات سريعة و غاضبة بعد أن أغلق هاتفه ليهتف وهو يرمقه بازدراء:
- مين الأستاذ؟.
لا تعلم بماذا تجيبه ... تشعر بانقباض قلبها خوفاً من رد فعله إذا أخبرته بحقيقة ذلك الجاسر ! فكرت لبرهة محاولة التحدث ولكنها فشلت ليقول جاسر بابتسامة خبيثة و هو يمد له يده لمصافحته:
- أعرفك بنفسي ... أنا جاسر رشاد معرفة قديمة بالمدام نورا والأستاذ حازم.
أومأ له مراد بابتسامة مصتنعة ثم سحبها من رسغ يدها قائلاً باقتضاب:
- فرصة سعيدة يا استاذ جاسر.
أزدادت ابتسامته أتساع فأظهرت أنيابه ناصعة البياض، قائلاً بود مصتنع:
- أنا أسعد يا أستاذ مراد ! واتمني أقابل حضرتك مرة تانية و يكون بينا شغل.
لم يروقه هذا الرجل منذ أن رآه فأبتسامته تلك بالتأكيد وراءها شيء مريب سيكتشفه عاجلاً أم آجلاً، سيتريث ليفهم تلك النظرات التي يرسلها إليها بينما نظرات نورا تبدو خائفة منزعجة و متوترة تحمل الكثير و الكثير...! تُري ما الذي يجمعها هي وأخاه بهذا الرجل؟!.
أومأ له بإقتضاب ثم وجه حديثه إلي نورا قائلاً:
- يالا بينا.
خرجوا من ذلك المول الضخم بخطوات شبه مسرعة الإثنين غارقين في أفكارهم أمّا هي تكاد تموت خوفاً من مواجهة ذلك الوغد الوقح ! لطالما كان السبب الرئيسي في كره حازم لها و تعذيبه لها طوال الشهور الماضية.
صاح مراد قائلاً بعد أن لاحظ شرودها:
- تعرفي اللي أسمه جاسر ده منين؟!.
لا تعلم كيف دلفت إلي السيارة ومتي ولكنها حقاً غارقة في بحر ذكرياتها المريرة، تزايدت خفقات قلبها بخوف من رد فعله إذا أخبرته بالحقيقة كاملة! من الممكن أن يكرهها ويفعل مثلما فعل معها حازم، أو يقتل ذلك الجاسر، تنهدت بعمق وهي تخترع كذبة مناسبة ولكنها تشعر بالتشتت!! فكرت لبرهة ثم تحدثت بتعثلم قائلة:
- دا ... هو يعني صاحب حازم ... انا أصلاً مشفتوش غير مرة واحدة ... يعني شفته أنا وحازم في أول أيام جوازنا.
نظر إليها بشك و ملامح مُنزعجة بالتأكيد ما تقوله ما هو إلا كذبة أخترعتها !! من الممكن أن يكون ذلك الرجل سبباً في موت حازم أو هناك أمر مُريب تعرفه نورا يجب أن يكتشف هذا الرجل نظراته و طريقة حديثه و ارتياب نورا ! يجب أن يذهب إلى ذلك الوغد الآخر (مصطفي) و يستطيع معرفة من هو صاحب تلك المخططات، نظر إليها نظرة جانبية فوجدها تذرف الدموع بصمت مستندة برأسها للناحية الأخري فهتف بقلق:
- نوري ... ممكن أعرف انتي بتعيطي ليه دلوقتي؟!.
هزت الأخري رأسها لتقول بصوت متحشرج:
- ممكن تنزلى هنا؟ انا عايزة أمشي لوحدي شوية.
صف سيارته في طريق جانبي ليقوم بحدة:
- ليه معاكي سوسن عشان اسيبك تمشي لوحدك وبعدين أنتي بتتهربي من أي سؤال ليه.
أجابت بتوتر:
- طب طب ممكن أخرج برة دقيقتين انا مخنوقة أوي ومش قادرة أخد نفس؟.
أومأ لها برأسه فخرجت من السيارة وهي تتنفس الصعداء لتتفاجأ بمراد يقترب منها حتي التصق ظهرها بصدره قائلاً بخفوت:
- نوري أنا مراد! معقولة اللي حصل ما بينا امبارح يكرهك فيا؟! انا مراد اللي مكنتيش بتخبي عليه حاجة.
التفتت إليه لترتمي داخل أحضانه لتحصل على أمانها لا تبكي ولا تفعل أي شيء إنما تشعر بالسكينة والطمأنينة أكثر من أي وقت، ولم يكن رد فعله سوا أنه أزداد من احتضانها بقوة وكأنه هو من يحتاجها وليست هي ...
صاحت امرأة تمر من جانبهم مع زوجها:
- شايف يا راجل الرومانسية! أتعلم بقا مرة في حياتك ولا أقولك طلقني أحسن.
انفجرت هي في وصلة ضحك وهي تخفي وجهها في صدره بسبب كلمات تلك المرأة ليقول هو بابتسامة واسعة تشق شفتاه:
- عاجبك كدا؟! ادينا اتحسدنا، ربنا يستر ومش نولع في بعض قبل ما نوصل البيت!.
أبتعدت عنه بابتسامة صغيرة ثم اخفضت رأسها ارضاً ليمسك ذقنها بأنامله قائلاً بابتسامة جذابة:
- أيوا كدا اضحكي خلي شمس الدنيا تطلع.
أقترب مقبلاً وجنتها لتشتعل وجنتها بالورد الجوري واستبغ وجهها بحُمرة الخجل لتقول بغضب طفولى:
- بطل قلة أدب و يالا عشان عايزة أروح.
قهقه بمرح من مظهرها الطفولى هذا لتدلف إلي السيارة سريعاً وأتبعها هو متجهين إلى القصر..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اجتمع الجميع على طاولة الطعام في جو أسري دافئ أفتقدته لكثير من الوقت ولم يخلو من كلمات ديما السامة التي تقصدها بها، ولكن بات الخوف هو العامل المسيطر عليها في كل الأحوال ... أكلت بعض اللقمات ثم استأذنت منهم و صعدت إلى الأعلى، وما أن دلفت إلى غرفتها حتي وصدت الباب و توجهت نحو الشرفة جالسة على أحدي الكراسي الجلدية السوداء، تفكر و تفكر ... ماذا كانت ستفعل لو لم يكن مراد معها في نفس المكان، هي لا تمتلك الشجاعة حتي تواجه ذلك الشيطان الذي كان سبباً في دمارها !
أغمضت عيناها بألم تتذكر ما حدث مع منذ حوالي سنة
~Flashback~
(ثاني شهر جواز من حازم "بداية الجحيم")
كانت جالسة في غرفتها تقرأ أحدي الروايات بتركيز تام، فالغرفة و الروايات أصبحت رفيقة دربها في هذه الأيام ... لأن حازم دائم الخروج من البيت ولا يأتي إلا في ساعـة متأخرة! وحتي إذا طلبت منه الذهاب إلى والدتها لا تستطيع الجلوس مع والدتها سوا بضع دقائق ثم ينصرفوا.
ابتسمت بوله وهي تتخيل حياتها مثل تلك الرواية حياة مليئة بالسعادة و الأحداث الشيقة!.
تفاجأت بصوت ارتطام في الخارج شعرت بالخوف الشديد خصوصاً أنها وحدها في البيت ... ثوانٍ و فُتح باب غرفتها بقوة لتنتفض في مكانها فور رؤيتها لذلك الشاب (جاسر) بينما كان ينظر إليها بنظرات لم تفهمها هي نظرات مليئة بالشر و الأنتقام و الجرأة، صاحت بخوف:
- أنت مين و عايز إيه؟!.
بلل شفتاه وهو يتفحصها لترتسم أبتسامة شيطانية على ثغره ثم صاح لرجاله في الخارج:
- دخلوه.
دلف الكثير من الرجال المُسلحين بهيئة مخيفة يرتدون بدل من اللون الأسود ملامحهم تبعث الرجفة في القلوب يمسكون حازم من تلابيب ملابسه، يداه و قدمه مُكبلة و يخر الدماء من وجهه و جسده بسبب تعرضه للضرب المُبرح ! القوه أمام قدم جاسر ليبتسم الآخر في تشفي و رضاء بينما تعالت شهقات تلك المسكينة و توجهت نحو حازم ليقبض جاسر على يدها قائلاً بابتسامة مُريبة:
- على فين يا حلوة لسه الليلة طويلة.
أشار للرجال بالخروج فخرجوا واحداً يلي الآخر ثم وصدوا الباب بأحكام ليصرخ حازم قائلاً:
- سيبها هي ... اعمل فيا اللي أنت عايزه بس هي لأ!.
غرست أظافرها في يده الممسكة بها حتي يتركها ولكن هيهات، ليقول جاسر بنبرة يملؤها التشفي:
- تؤ تؤ تؤ انا عايزك توفر صراخك ده لبعدين ... و أتفرج وأنت ساكت أتفرج عليا وانا بدبح مراتك زي ما دبحت أختي وكنت السبب في هروب الوسخة مراتي اللي كانت بتخوني معاك ... بس بجد شاطر يا واد يا حازم عرفت تختار قمر زيها ... مش يالا بينا يا عروسة ولا إيه؟.
نظرت إليهم بصدمة و تجمد جسدها في مكانها ليقترب منها جاسر محاولاً تقبيلها فضربته في معدته بقوة ليتأوه بألم ثم صفعها صفعة مدوية و تلتها عدة صفعات أخري حتي شعرت بطعم الدماء في فمها ليدفعها على الفراش وقد أعماه نيران انتقامه ليُدنس براءة تلك المسكينة و يغتصبها بوحشية ظنناً منه بأنه يثأر لأخته ولا يعلم عقاب اللّٰه الكبير...!
كان حازم يتابع ما يحدث و يصرخ من طيات قلبه حتي يبتعد عنها ولكن لا حياة لمن تنادي، يبكي كالطفل الصغير و قد ترددت تلك الجملة في أذنه "كما تدين تدان" صراخها الذي جرح حلقها هو نفس صراخ أخت جاسر، استجادها بـ مراد وكأنه طوق النجاة هو نفس استنجاد جميلة بجاسر...!
نهض عنها عندما شعر بتشنج جسدها ليجدها فاقدة للوعي وجهها شاحب كالموتي الدماء تفر من وجهها !!
أبتسم بإنتصار ليرتدي ملابسه ثم بصق في وجه ذلك الحازم قائلاً بوعيد:
- دي لسه البداية يا حازم أستعد لجحيمك ! حق جميلة أختي هيرجع.
~End~
أفاقت من ذكرياتها المريرة وقد حجبت الدموع زرقاوتاها لتهز رأسها بأسي، فحازم المختل الآخر منذ ذلك اليوم وهو يكرهها !! يكرهها متناسي تماماً أن هذا ذنبه هو، وهو من يجب أن يعاقب عقاباً وابلاً ... توجهت نحو فراش صغيرها وهي تبتلع غصة مريرة في حلقها فما ذنبه هو أيضاً بأن يكون لديه والدة حياتها عبارة عن مأساة لا نهاية لها بداية من وفاة والدها إلى ظهور هذا البغيض اللعين الذي يدعي أن عمر أبنه فليذهب للجحيم فحملها كان بعد شهر من هذه الحادثة!
توجهت نحو الحمام لتريح ولو القليل من نيران قلبها الذي يصرخ ألماً مما تلقاه طوال السنوات المنصرمة ...
خرجت بعد مرور بعض الوقت لترتدي منامة باللون الأسود مُريحة ثم توجهت نحو مرآة الزينة و بدأت في تمشيط شعرها، وكالعادة فُتح باب غرفتها بدون استئذان للتفاجأ بـ ديما تنظر لها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تبتسم بسخرية:
- اتمني الـ Show اللي مراد عمله معاكي طول اليوم مش ينسيكي نفسك ... أصل مراد حبيبي بيتعاطف مع أي حد حالته زي حالتك خاصاً لما تكوني خلاص اتجننتي !! بس كنت عايزة أسألك سؤال هو أنتي دخلتي في مرحلة التخيل ولا لسه.
شعرت نورا بالإهانة من كلمات تلك العقربة ليهوي كف يدها على وجه ديما بصفعة قوية وتعالت أنفاسها الغاضبة قائلة:
- اطلعي برة يا زبالة واياكي تدخلى هنا تاني.
- نوراااا.
صاح مراد بصوته الأجش وهو يدلف إليهم فأبتسمت ديما داخلياً فهي تعلم بقدومه خلفها فتوجهت نحوه ترتمي في صدره تصتنع البكاء قائلة:
- شايف يا مراد! ضربتني عشان بقولها خلينا صحاب و ترفه عن نفسها بدل الكآبة اللي هي عايشة فيها دي.
ربت على ظهرها قائلاً:
- خلاص أهدي و روحي على أوضتك يالا.
أومأت له وهي بداخلها تتراقص فرحاً، ليحتقن وجه نورا بالغضب قائلة:
- طبعاً أنت صدقتها ... عشان أنا المجنونة اللي في البيت ده.
هز رأسه بيأس قائلاً:
- نوري ... أنا سمعت كل حاجة من البداية، كنت عارف انها هتطلع تقولك كلمتين تضايقك بيهم ... وحتي لو مكنتش سمعت اللي حصل انا واثق أنك متعمليش كدا.
رفرفت بأهدابها محاولة في كبت دموعها ليبتسم لها أبتسامة عذبة جعلتها تحلق في عنان السماء فبادلته بابتسامة صغيرة ليقترب منها قابضاً على كلتا ذراعيها برفق ثم توجه بها نحو المرآة يتأملها لمعت عيناه بحب ليأخذ تلك الفرشاة ثم بدأ بتمشيط خصلاتها الحريرية وهي تبدو كالطفلة أمامه لم تعترض أو تتفوه بأي كلمة فشعورها الآن يجعلها كالمغيبة تماماً عن الواقع، ازدردت في ارتباك عندما لفحت أنفاسه الساخنة بمؤخرة عنقها، وبحركة لا إرادية تشبثت بقميصه حتي لا تسقط أرضاً من هول تلك اللحظة !
انتهي من تصفيف شعرها ليهمس بجانب أذنها ببحته الرجولية:
- لفي يا نوري أنا خلصت.
التفتت إليه وتعالت خفقات قلبها ليمرر إبهامه على شفتيها قائلاً بنبرة آمرة لينة:
- يالا نامي ساعتين انتي تعبتي انهارده.
حك ذقنه بكف يده عندما وجدها بهذا السكون وبدون سابق إنذار حملها متجهاً بها نحو الفراش لتقول بإعتراض:
- سيبني أنا عايزة عمر.
نظر لها رافعاً أحدي حاجباه بسخرية:
- وهتعملى ايه بعمر وهو نايم؟! أسمعي الكلام يالا وبلاش عند.
دثرها بالغطاء جيداً ثم انثني بجذعه نحوها مقبلاً جبينها بعذوبة وترك الأنوار مضاءة فهو يعلم أنها تهاب الظلام، وخرج من الغرفة لتذهب هي في سبات عميق.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور بعض الوقت...
استقل بسيارته أمام ذلك المبني المتواجد به مصطفي ليتوجه إلى الداخل بخطوات رزينة رافعاً أنفه بغرور بينما وقف يحييه رجاله المسلحين ليتوجه نحوه إبراهيم مهرولاً:
- حضرتك اللي أمرت بيه نفذته ودي المعلومات عن جاسر رشاد زي ما أنت طلبت.
أعطاه أحدي الملفات ليومأ له ببرود ولم يلقِ لأحاديث إبراهيم بالاً إنما كان هدفه هو رؤية مصطفي الذي لا يزال رافضاً أن يعترف!
دلف إلي تلك الغرفة واضعاً يده في جيبه وهو يسلط نظره على مصطفي ببرود فجلس أمامه على أحدي الكراسي الكبيرة قائلاً ببرود:
- يعني أنت مش ناوي ترحم نفسك وتقول مين اللي أمرك تعمل كدا.
ظل مصطفي يبكي بوهن وهو يهز رأسه قائلاً بيأس:
- انا لو اتكلمت أمي وأخواتي هينقتلوا ... أرجوك بلاش تضغط عليا اكتر من كدا ! انا بعترف قدامك إني كنت قاصد أديه جرعة كبيرة عشان أخلص منه.
بُرزت عروقه بوضوح من شدة غضبه ليصرخ قائلاً وهو يقبض على عنقه:
- أنا لو صبري نفذ مش هيكفيني فيك روحك ... احسنلك تنطق و تقول.
هز مصطفي رأسه بالإيماء وهو يصرخ من ألم قبضته:
- حاضر والله هقول بس شيل ايدك.
ترك عنقه ليبدأ مصطفي في السعال ويحاول استنشاق الهواء مرة ثانية فأردف مراد بملل:
- هستني لبكرة لحد ما تتكلم ولا ايه يا قذر؟!.
هتف مصطفي سريعاً:
- هقول والله العظيم ... اللي اتفق معايا على موته بينه وبين حازم تار قديم ومعه شريكه التاني وهو قاصد أنه يدمرك أنت وياخد أملاكك.
قطب مراد حاجباه قائلاً بغضب:
- أنطق وقول اسمهم ايه ... هو أنت هتحكي قصة حياتهم.
ثوانٍ وقبل أن ينطق مصطفي بأسمائهم اخترق الرصاص الزجاج صوب جسد مصطفي بعدة طلقات نارية ليغرق في دمائه، بينما شعر مراد بالذهول مما حدث ليجد رجاله يقتحموا المكان يحاولوا حمايته... شل جسده وشعر بصدمة احتلت كيانه ليخرج من ذلك المبني بخطوات جامدة خالية من الحياة، لتوه كان من الممكن أن يُصاب بإحدي الرصاصات ... بالتأكيد ذلك الرجل الذي كان سيعترف عليه مصطفي هو وراء هذا الأمر لا محالة ! إذاً الموضوع يبدو أنه خطير جداً ومن الممكن أن يكون هو المستهدف في الآونة الأخيرة.
حاول رجال مراد العثور على من أطلق هذا الرصاص ولكنه اختفي كالرياح ...! ليتوجه مراد إلى سيارته عازماً على أن يُندم ذلك الأبلة الذي يحاول أن يعبث معه أو مع عائلته.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جلس أمام مكتبه يحك مؤخرة عنقه بتفكير و شرود تام، ثم أخذ ملف ذلك الجاسر وهو يتفحصه بدقة، يبدو رجل أعمال ناجح، لا يوجد شيء مميز في ملفه حتي يتطلع عليه ولكن وراء شخصيته هذه هناك شىء قوي و مُريب سيكتشفه عاجلاً أم آجلا .. دلف إليه خالد ليقول بمرح:
- إيه يا عريس جاي من أول يوم ليه؟ هي بدأت تنكد عليك ولا إيه؟.
نظر له مراد بتهكم ليحمحم خالد ثم قال:
- كويس أنك هنا في أوراق كتير محتاجة موافقتك عليها.
أخذ من يده تلك الأوراق وأخذ يقرأ ما بها و يوقع عليها ... ليرن هاتفه فأجاب قائلاً:
- ايوا يا ست الكل.
أجابته جدته بنبرة باكية:
- أمك رجعت هنا تاني يا مراد و رايحة على القصر دلوقتي.
انتفض مراد من جلسته ليقول سريعاً:
- طب اقفلي دلوقتي وانا هتصرف.
اغلق الهاتف ثم أخذ مفاتيح سيارته متوجهاً إلي الخارج بسرعة كبيرة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
استيقظت من نومها وهي تفرك عيناها بتثاقل فوجدت هاتفها يرن لتجيب بعناس:
- ايوا مين؟.
أجابها جاسر بنبرة شيطانية:
- جاسر يا حبيبتي ... سجلى رقمي بقا عشان هعملك اتصالات كتير في الفترة الجاية.
صرخت هي بإنفعال:
- أنت حيوان !! أنت عايز مني ايه قولتلك أبعد عني.
ليهتف هو ببرود:
- تعرفي لولا أني بحبك كنت ندمتك عشان تتجرئي و تكلميني بالطريقة دي بس يالا الأيام ما بينا كتير.
أغمضت عيناها وهو تشعر بالصداع يفتك برأسها لتقول بنفاذ صبر:
- أنت بتتصل عايز إيه يعني؟!.
أجابها ببروده المستفز:
- عايزك.
ثم أكمل قائلاً:
- بصي بقا يا حلوة واسمعي الكلام اللي هقوله كويس و هتنفذيه بمزاجك أو غصب عنك........
استمعت إلى صوت صراخ في الأسفل ليسقط الهاتف من يدها ثم هبطت إلي الأسفل بخطوات راكضة....