اخر الروايات

رواية اغلال الروح الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيماء الجندي

رواية اغلال الروح الفصل الثالث عشر 13 بقلم شيماء الجندي



فصل الثالث عشر " معك ! "

مر شهر ونصف ولازالت تتجنبه بطريقة غريبة منذ تلك الليلة التي تركته بها بين ظلمات الظنون والشكوك و بالرغم من ذلك هو لا يصدق أنه شديد التناقض إلى هذا الحد يلازمه الهدوء و السكينة بحضرتها و في ذات التوقيت النظرة داخل متاهة عينيها تكاد تدفعه إلى الجنون من فرط تشابك الأحاديث الصامتة داخلها !

لاحت بسمة صغيرة فوق شفتيه حين تجسد أمام عينيه الآن تصرفاتها هادئة و جلستها أغلب الوقت مع عمه و ابنته الصغيرة "نورهان" التي أصبحت مسحورة بها و تعلقت بها بشكل مريب و بالرغم أنها لا تحاول العبث معه لكنه لا يمنع حاله من محاولات صغيرة بغرض مشاكستها و إثارة غضبها بالحديث أمام الجميع و هذا أيضًا أصبحت تتجاهله حين أدركت أنه يتعمده ولكن سؤال الجدة ليلة أمس بعد رؤيتها إياه أخيرًا بصحة جيدة يدور داخل عقله حيث قالت ببسمة ماكرة :

- حمدلله على السلامة ياآسر ، مشوفتش سديم من الصبح بسأل عليها مش موجودة !

نظر إليها عاقدًا حاجبيه و أجاب بدهشة وهو يبحث بعينيه عن أثرها خلف زجاج غرفتها : لا مشوفتهاش ، بس مش موجودة إزاي يعني ! سألتي عمي عليها ؟!!

ابتسمت له و قالت بهدوء : اهدى ياحبيبي اتخضيت كدا ليه ، هي أكيد مش هتهرب مننا ، كنت فاكراها عدت عليك الصبح ولا هي لسه بتتجنبك ؟

عقد حاجبيه و استقام واقفًا يقول باقتضاب :

- لأ مش بتتجنب ولا حاجه كل الحكاية إنك عارفاني مش بتكلم غير في شغل معاها و هي أكيد زهقت !

ابتسمت له بلطف ثم همست بحزن : عندك حق أنا عارفاك !

ألقى نظرة خاطفة عليها ثم انصرف من أمامها و الآن تذكر الحديث و النظرات !!! ما الذي تقصده الجدة بالتحديد !!!!

وقف فجأة حين خطر على باله أنها أصبحت شديدة القرب لها ، إنها "سديم" غريبة الأطوار هل يمكن أن تتبادل معها الحديث بشأنه ؟ جدته ليست ساذجة و من الممكن أن تكشف ما يدور حولها بأي لحظة !!!!!

أسرع يخرج من مكتبه و يتجه إلى غرفة مكتبها ثم فتح الباب فجأة لكنه وجد المكان فارغ و هذا ما أشعل النيران بشكل كبير داخله و قال بغضب :

- أكيد عند سليم !!

و بالفعل سار بخطوات غاضبة وكأنه يأكل الأرض حيث تراقص الإنفعال الشديد على ملامحه إلى أن وقف أمام غرفة ابن العم متجاهلًا المساعدة التي كادت تتحدث معه وفتح الباب فجأة ليتصاعد غضبه و يتضاعف حين وجدها تضحك بقوة و ابن عمه "سليم" يحاول تثبيت وجهها و بسمة مشرقة تتراقص فوق شفتيه مسلطًا عينيه على عنقها من الجهة اليمني ، عقد حاجبيه وواصل سيره إليهم ينظر إلى يديه و قد وجد أنامله تعبث عند طرف أذنها و يده الأخرى يضعها أسفل ذقنها يحاول تثبيتها و هي تقبض على يده بقوة وتعض شفتيها ولازالت بسمتها تزين شفتيها بينما يحذرها هو ضاحكًا :

- أثبتي ياسديم بقاا !

اخترقت رائحة عطره المميزة أنفها لكنها انتظرت إلى أن اقترب منهما و اختطفت بطرف عينها نظرة تجاهه وتأكدت أنه هو ! بدأت بسمتها تختفي تدريجيًا و لكنها قالت بلطف :

- خلاص ياسليم مش مشكلة هو مش واجعني أصلًا !

هز الآخر رأسه بالسلب ورحب بابن عمه سريعًا و لم يحرك ساكنًا حتى عينيه لم تتحرك قيد أنملة عن نحرها !! :

- أهلًا ياآسر اقعد واقف ليه لحظات وابقا معاك !

ثم أكمل :

- لا لا استني دقيقة واحدة بس خلاص خرجته !

وبالفعل ماهي إلا لحظات و اخرج القطعة الصغيرة العالقة بأذنها و وضعها داخل يدها مع ماتبقى من قُرْطُ أذنها المحطم و قال بعبث :

- تستاهلي عشان قولتلك الصبح ودنك لونها أحمر وضحكتي !

ابتسمت له و قالت وهي تلكزه بكوعها في كتفه بخفة : خلاص بقاا أنا كنت فاكراك بتهزر !

أمسك ذراعها و مال بجزعه العلوي ثم أمسك المحارم الورقية و وضعها داخل يدها يقول ببسمة لطيفة غافلًا عن عيني ابن عمه التى أصبحت اشبه بجهاز التسجيل لما يحدث بينهما خاصة منها :

- بس برضه ادخلي اغسلي ودنك عشان فيه دم خفيف خالص و لو حصل حاجه نروح للدكتور !

هزت رأسها بالإيجاب و تناولت من يده المحارم الورقية تتجه إلى مرحاض مكتبه و عينيه لازالت تتابعها و قد اشتعلت نظراته من تجاهلها إياه دون مبرر وبشكل ملحوظ للغاية ألا يكفي اللمسات والحديث المتبادل بينهما ؟!! أفاق على صوت "سليم" يقول بتوضيح عفوي :

- سديم حلقها اتكسر و كنا بنخرج جزء باقي منه لو كانت أميرة كان زمانها خاربة الدنيا كلها ، بس سديم عاقلة أوي بصراحة !

نظر إليه بصمت للحظات ثم هز رأسه تجاوبًا مع حديثه يردف باقتضاب :

- عندك حق ، أنا هروح اشوف اللي ورايا كنت جاي افكرك بالمعاد بتاع بكرة عشان عمي عاصم عايز سديم تطلع معايا السفرية دي !

إلتفت كلًا منهما على صوتها تقول بدهشة واستنكار لعدم معرفتها المسبقة بالأمر :

-سفرية إيه ؟ مين قال إني هروح معاك في مكان !!!

صمت "آسر" ينظر إليها بهدوء مريب بينما تحدث "سليم" حين شعر بالحرج من ردها الجاف للغاية مع ابن عمه :

- سديم السفريات دي بتكون مفاجأة وجوا البلد متقلقيش يعني !

ولم يحاول "آسر" إطالة فترة صمته حيث عقد حاجبيه وأردف :

- وتقلق ليه أصلًا هو أنا هاكل حته منها !!! عندك أي كلام قوليه لعمي عاصم هو اللي عايزك تيجي مش أنا ، أنا عن نفسي مش بحب أسافر مع حد !!!

تركهما وغادر و عقدت حاجبيها تسأل بدهشة عن سبب انزعاجه إلى تلك الدرجة :

- ماله دا هو أنا جيت جنبه ؟

تنهد "سليم" و قال بحزن : آسر فعلًا مش بيحب يسافر مع حد من العيلة في العربية و إنه وافق تروحي معاه دي معجزة ، هو أكيد متوتر بس كدا !

تذكرت حادث والدته الذي قَصّهُ عليها حين أخبرها عن سره الوحيد و شعرت بالحرج من طريقتها معه بالرغم أنه احترم تجنبها له ولم يحاول ازعاجها بالفترة الأخيرة هو بالفعل سيئ الظن لكنه لا يستحق كل هذه المبالغة و فظاظة التعامل أمام ابن عمه !

زفرت أنفاسها بهدوء ثم أردفت وهي تغادر الغرفة :

- خلاص أنا هتصرف .

تركها تغادر مكتبه ثم رفع هاتفه يحادث "يوسف" قائلًا :

- بقولك إيه معرفتش حاجة عن كريم دا اللي بيظهر ويختفي بطريقة غريبة من وقت حادثة آسر ؟

صمت لحظات ينصت إليه ثم قال رافعًا حاجبه :

-يعني هو قالك بيروح كتير المدرسة دي ؟ لأ خلاص أنا هشوف بنفسي !

أغلق الهاتف و اتجه إلى مكتبة يغلق حاسوبه ويجمع متعلقاته ثم رحل !!!

بينما وقفت "سديم" خارج غرفة مكتبه الخاص و تنفست بهدوء وهي تهمس لحالها بتوتر طفيف :

- هي دقيقة واحدة بس هقول مقصدش وأخرج !

طرقت الباب و ارتفع صوته يسمح لها بالدخول و قد فعلت ثم وقفت محلها تنظر إليه حيث كان يقف عند النافذة و يوليها ظهره العريض تحركت تجاهه و رمشت بتوتر حين استدار يراقب تقدمها منه صامتًا لكنه لاحظ تحديقها به وكأنها تستكشفه من جديد حين سارت عينيها فوق جسده لقد اعتادت رؤية كتفه المصاب و كأنه اكتسب وسامة فوق وسامته و طغت هيبته حين سقطت أشعة الشمس من خلال الزجاج وتراقصت فوق بشرته و ماظهر من صدره العريض ؟! أَم أصابها الجنون من فرط جلوسها مع شقيقه "يوسف" و أصبحت تهتم بأشياء غريبة لكنه حقًا قد نجح بلفت انتباهها هذه المرة صعدت بعينيها إلى وجهه المبتسم لها بهدوء و أردفت بخجل من تحديقها الجرئ به و خاصة حين شعرت أنه أدرك سبب شردوها لذلك يبتسم لها :

-أنا هسافر عادي !

استدارت و كادت تفر من أمامه مندهشة لكنه أسرع يجذبها من خصرها إليه و قد أصبحت بحالة يُرثى لها حيث بدأ صدرها يعلو ويهبط كعادتها معه و كأن وجهها أصبح مثل كرة النار المتوجهة من فرط توترها خاصة أنها كانت تتعمد الهروب منه بفترتها الأخيرة حتى بعد أن أدركت أنه سرق عُقد "سليم" بتلك الليلة لكنها حين حسمت أمرها شعرت أنها بدأت تحيد عن طريقها معه و أنه بدأ يعلم عنها أمور كثيرة وهذا أرعبها على شقيقتها لأنه من الممكن أن يتهور و يدمر ترتيبات تخليصها هي وعائلتها الصغيرة من براثن خالها وليتها لم تقترب منه اليوم أيضًا !! بدأت أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها و اتسعت عينيها حين وضع أنامله أسفل ذقنها و ترك يديها تستقر فوق صدره و تحاول بيأس إبعاده عنها ليزفر أنفاسه عاقدًا حاجبيه يقول بعبث :

- استفادتي إيه بقا من هروبك مني ؟

ضيقت عينها و صاحت به غاضبة حين اكتشفت أنه كان يتلاعب بها و تصرف بتلك الكريقة داخل مكتب ابن عمه عن عمد !!!! :

- أنت كنت قاصد اللي عملته دا ؟ عشان اجيلك لحد عندك !

رفع حاجبه مرددًا بدهشة و ظهرت بسمة ملتوية فوق شفتيه :

- طيب ما أنا لما بحتاجك بجيلك و لما حسيتك متضايقة الفترة اللي فاتت مكنتش بقرب منك ، فين المشكلة !

صمتت تحدق بعينيه فقط ، و عقلها يهمس لها أن تخبره تفاصيل تجنبها له و تصرخ به الآن أنه أصل الكارثة والمشكلة و أن ابتعادها عنه لا تفسير له لديها سوى أنها تخشى تلك الهالة المحيطة به ، بل و تتوتر بتواجده برغم هذا الدفئ الغريب داخل أحضانه ، بل وتقاوم لذة هذا الشعور !!! كيف تخبره أنها اعتادت عدم الاعتياد خاصة الأشخاص و هو يكاد يخرق القاعدة بل يدمرها حيث كانت صورته تتراقص داخل مخيلتها و أحلامها ؟! أيظنها تكره هذا القُرب لذلك تبتعد عنه !!! خرج الحديث من شفتيها بعدما طال صمتها وتحديقها به و قالت بجمود :

- المشكلة إني مش بحب أكون معاك و بتضايق من تصرفاتك دي !

عقد حاجبيه و سألها بترقب و كأنه يحاول التأكد من إهانتها المبطنة و إتهامه بتواجده معها دون رغبتها :

- بس أنا مشوفتش دا مع سليم من شوية !

ركدت نظراتها و اختفت لمعة عينيها حين أجابت بنبرة حادة قليلًا :

- سليم مش بيجبرني أكون معاه وبيحترم حدودي !

حل يده عن خصرها و تركها بهدوء يعود خطوة إلى الخلف و يقول بجفاء احتل نبرته بلحظات :

- تمام ، اتفضلي !

أشار بيده إلى الباب و تجنب النظر إليها بل خفض يده و سار بخطوات ثابتة تجاه مكتبه وقد خرجت بخطوات سريعة من فرط حرجها و رغم صدمتها من طريقته الغريية و أسلوبه هذه المرة لكنها تمنت أن يخرج ما بجعبته و يخبرها عن سر صمته و صبره الغريب عليها منذ ما يقرب الشهر و النصف شهر و هو صامت يتركها تتعامل مع عائلته كأنها بالفعل أحد أفرادها !!! ، لقد ظنت أنه سوف يصرخ بوجهها أن "سليم" يفعل هذا لأنه يجهل حقيقتها وأنها مجرد محتالة مثلما يقول دائمًا عنها لكنه فاجئها و تركها وشأنها مثلما أرادت !

________________ *** _________________

دلفت إلى غرفة مكتبها و جلست فوق الأريكة التي تواجه زجاج غرفته و لازالت داخل حلقة شرودها من فعلته و دهشتها من اهتمامها الغريب برد فعله منذ متى و "سديم" تبالي هكذا ؟! ، أيقظها صوت الهاتف الذي ارتفع فجأة و عادت إلى طبيعتها حين نظرت إلى الرقم الذي شوه شاشة هاتفها و كأنه وصمه بالعار ثم تنهدت بهدوء تجيب ببرود :

- خير ياسامح ؟ مش قولتلك متتصلش في أي وقت !!

صمت تستمع إلى صوته الغاضب يقول بحدة واضحة :

- أنتِ سحبتي النهاردة الصبح تاني يااسديم !!!!

عقدت حاجبيها وقالت بسخرية :

- قصدك على فلوسي !!!! آه سحبتها هو فيه مشكلة ولا إيه ؟!!! مش دا تعبي برضه و بقالك سنين بتقولي إحنا واحد !!!!

أجابها بغضب :

- ولما إحنا واحد بقالك شهرين بتسحبي كل المبالغ الضخمة دي ليه ياسديم !!!! دي ثروة !!!!

استقامت واقفة تنظر إلى جرح أذنها الصغير بالمرآة والذي لطخته الدماء قليلًا ثم سحبت محارمها الورقية من العلبة أمامها و مسحت تلك القطرات تلقي مابيدها داخل سلة المهملات و هي تردف بهدوء متعمدة إثارة غضبه : مش شايفة أي مشكلة إني أخد حقي و تعبي يعني و بعدين مش قولتلك إني هاخد فلوسي الفترة الجاية ولا أنت نسيت ؟ الثروة تروح وتيجي ياسامح لكن أنا لو روحت مش هاجي !!!

كانت نبرتها التحذيرية صريحة للغاية معه و أغلقت الهاتف ولم تنتظر رد فعله حيث لفت انتباهها حركته داخل الغرفة من خلال الزجاج و كأنه يجمع متعلقاته ويرحل !!!!

لا تعلم لماذا غادرت غرفتها مسرعة تتجه إليه و بالفعل وجدته عند المصعد و كاد يضغط عليه لكنها أمسكت يده و توقفت محلها تحدق به بتوتر و هو ينظر إليها عاقدًا حاجبيه بدهشة ثم نظر إلي يدها التي تقبض على أنامله و انتظر حديثها لكنها تركت يده فجأة وقالت بتوتر :

- أنت هتمشي ؟!!!

لم يتحدث بل رفع يده يضغط فوق زر استدعاء المصعد و هو ينظر أمامه متجاهلًا تواجدها ، و قد احرجها بفعلته لكن كلماتها لازالت تصول وتجول بعقله و رؤيتها الآن تجعله أكثر غضبًا و شراسة معها و هو يتجنب أفعاله البربرية معها بالنهاية هي فتاة !

وقفت محلها بتوتر خاصة حين أعلن المصعد عن وصوله و فُتح الباب بانتظار دخوله وبالفعل دلف إلى الداخل و دون تفكير أسرعت هي خلفه و ابتسمت حين وجدت أن متعلقاتها معها حيث أن حقيبتها العصرية الصغيرة للغاية علقتها بشكل جانبي من جهة كتفها الأيسر إلى خصرها من الجهة اليمنى و هاتفها بين أناملها لكن إلى أين تذهب معه ! و لماذا تقف من الأساس هنا بجانبه بل لماذا قفزت داخل المصعد معه من الأساس ؟! لا تعلم فقط كل ما تعلمه أنها أفسدت أمر ما معه و يجب عليها إصلاحه !!!!

خرج من المصعد و لازال يتجاهل تواجدها كأنه بمفرده و توجه إلى المرأب حيث تتواجد سيارته ثم دلف إليها و هي تتبعه بصمت تام !!!

جلست بجانبه تنتظر إقلاعه لكنه عقد حاجبيه وخرج عن صمته يسألها بدهشة :

- أنتِ رايحة فين ؟

ابتسمت وقالت بانتصار حين أخرجته عن صمته :

-خليتك تتكلم الأول أهو ! ، معرفش هروح معاك أنا زهقانه و مش بحب أصلًا اقعد في أماكن مقفولة ، معرفش أنت طايق المكان هنا إزاي ؟

رفع حاجبه و أردف بخشونة حين ظن أنها سوف تغادر لأجل مغادرة ابن عمه : زهقانة !!! ده عشان سليم مش موجود مش كدا ؟ انزلي ياسديم !

عقدت حاجبيها وقالت بدهشة صادقة : هو سليم مش فوق !!! أنا معرفش أنه مشي ، وبعدين أنا لو عايزة ابقا مع سليم هجيلك ليه ؟

حدق بها بصمت ثم أغمض عينيه و قال محاولًا السيطرة على مارد غضبه الذي يكاد بنفجر بها من شدة تناقضها و غرابة تصرافاتها معه :

- سديم ، لآخر مرة هقولك انزلي ! أنا عايز ابقى لوحدي !

اتسعت عينيها حين خرجت كلماتها العفوية و قالت :

- وأنا عايزة ابقااا معاك !

رفع حاجبه و سألها مباشرة : نعم ؟! عايزة تبقي معايااا !

بللت شفتيها و عاد إليها توترها حين شعرت أنها اندفعت بحديثها معه و اعتدلت تنظر أمامها و قد تركت خصلاتها تنسدل و تغطي وجهها و رفعت هاتفها تعبث به غافلة عن تلك البسمة الصغيرة التي زينت ثغره يراقبها بها للحظات قبل أن يعتدل ويبدأ بقيادة سيارته و بعد مرور دقائق بدأت تعود إلى طبيعتها ورفعت يدها تعبث بخصلاتها و تجمعها على جانب واحد بعفوية وهو يختطف نظراته تجاهها بطرف عينه لكنه اعتدل ينظر إليها عاقدًا حاجبيه بعد أن توقف على جانب الطريق و قال وهو يحدق بجانب عنقها :

- أي الدم دا ؟

لوهلة ظنت أنه يعبث معها لكنها وجدت خيط رفيع من الدماء يهبط إلى قميصها الأبيض و يلطخه بالفعل ، كيف لم تشعر أو تلاحظ دماء أذنها !! رفعت عينيها إليه و قد توترت وشعرت بالخجل من إصابته بالاشمئزاز من هيئتها خاصة أنه لازال عاقدًا حاجبيه وينظر تجاه جانب نحرها المنساب فوقه الدماء !!!

فاجئها حين سحب المحارم الورقية ووضعها فوق أذنها يقول بهدوء :

- أنا مش قادر أشوف النزيف واقف ولا لأ أمسكي كويس لحد مااكلم رائف !

عقدت حاجبيها و سألته بدهشة و قد رفع هاتفه إلى أذنه بلحظات و هو يسحب محارم أخرى و يحاول إزالة الدماء من فوق نحرها : ليه رائف !!!

كان حديثه كافي لإجابتها حيث قال موجهًا حديثه إلى "رائف" : بقولك إيه ابعتلي دلوقت رقم صاحبك الدكتور اللي يوسف راحله قبل كدا بسبب ودنه !!

طبيب !!!! لأجل أذنها !!!! وجهت مرآة السائق إلى حالها و اقتربت للغاية تحدق بجرح أذنها غافلة أنها مالت بجزعها العلوي إلى أن أصبحت شبه ملتصقة به بل و استندت إلى مقعده بيدها و رفعت عنقها المثير و هي تقترب من المرآة الأمامية ، أغلق هاتفه و قرر الثبات بمحله رغم أنه كان بإمكانه العودة بجسده إلى الخلف لكنها كانت قريبة بشكل مُهلك جعله يتناسي جميع أفكاره بالابتعاد عنها و ترك رائحتها الجميلة تخترق أنفه و كأنها تنعشه بينما قالت غافلة عن عينيه التي ارتكزت فوق عنقها و سارت إلى شفتيها القريبة والتي تتحرك الآن وتخبره أمر ما و كأنها تزداد بهاء وفتنة كلما اقتربت تدفعه إلى نسيان أحاديثها الجافية و طريقتها السيئة و أسلوب حياتها الخاطئ ، وكأن الاحتيال على الناس لا يكفيها أصبحت سارقة عقول أيضًا !!!! :

- مش محتاجة دكتور ، هو بس مجرد جرح صغير لما اتكسر الحلق !

عقدت حاجبيها حين وجدت الصمت هو المقابل منه و أدارت رأسها تنظر إليه و ليتها لم تفعل حيث شهقت بخجل واضح حين وجدت حالها داخل أحضانه و حاولت التراجع لكن من فرط توترها صدمت صدره و اتسعت عينيها حين عقد حاجبيه و رفعت يدها التي تستند إليها بعفوية تحاول الاعتذار لكنها سقطت داخل أحضانه و اسندها بذراعه خوفًا من تفاقم الأمر ، تركت عينيها تجوب ملامحه الوسيمة عن كثب يد فوق صدره والأخرى فوق خصره الصلب و الأسوأ أنها تلتصق بجسده و أنفاسها تعمدت فضح أمر توترها وخجلها و كأنها تفقد السيطرة على ردود أفعال جسدها حين تصبح داخل أحضان هذا الرجل ، وما كان ينقصه سوى أن تعض شفتها السفلية بتوتر بالغ لذلك صرف عينيه عن شفتيها و صعد إلى عينيها التي حاولت إيجاد ملاذها منه داخل مقلتيه الساكنة ، وكأنها تخبره بصمت أنها لا تُجيد الاعتذار و لكنها نادمة وهي هنا تحاول التعبير عن كل هذه الضجة داخلها ، أم أن هذا ما يتمنى أن تخبره به ، مشاعره تراقصت داخل عينيه و بين خيبة و أمل تمكنت تلك الفاتنة من إشعال فتيل غضبه منها وعليها !!!!

سرت رعشة خفيفة بجسدها حين تمكنت من رؤية لهيب غضبه يشتعل بلحظة واحدة داخل عينيه أو هكذا ظنت من فرط توترها كل ما أدركته الآن أن هذا القرب مُهلك و رغم الدفئ الغريب الذي يجعلها ساكنة هكذا لكنها ترتعب أن يخرج الأمر عن سيطرتها و خاصة أن رغبتها الآن بالبقاء معه ما هي إلا لحظة إندفاع حركتها كأنها دُمية وقد استلمت لها !!!

ارتفع رنين هاتفها و بدأت تستعيد توازن خاصة حين أنار اسم شقيقتها بمكالمة صوت و صورة استندت إلى صدره ودفعت جسدها إلى الخلف ثم اعتدلت بجلستها سريعًا و أعادت ضبط خصلاتها تخفي بها الدماء فوق ملابسها خوفًا من فزع شقيقتها لأجلها و ضغطت على زر الإجابة تقول بلطف :

- نيرة حبيبتي !

جاء صوت شقيقتها الخائف وهي تتلفت حولها و تقول بخفوت : سديم في واحد اسمه سليم بيقول أنه عارف كريم و سألني عليه و عليكِ و طلب مني امشي معاه و كلمت سامح قالي أركب معاه و أنا خايفة أوي !!!

اشتعلت عينيها حين وجدت أن "سامح" اللعين وافق على دخول شقيقتها هذه اللعبة لكن قالت بلطف محاولة تهدئة شقيقتها ويدها ترتعش من فرط رعبها وقد لاحظها هذا الهادئ بجانبها الذي يحدق بردود أفعالها وكأنه يدرسها وهي في غفلة عنه :

- طيب أنتِ فين ياحبيبتي ؟

نظرت حولها وقالت برعب واضح :

- أنا معاه في عربيته وهو دخل عند كريم المستشفى ! بس أنا مرعوبة ياسديم !!!

هزت رأسها بالسلب ورسمت بسمة صغيرة فوق شفتيها تقول بهدوء : لأ لأ ياروحي متقلقيش ، سليم صاحب كريم و أنا هجيلكم على المكان اللي تروحيه متخافيش شوية وتلاقيني قدامك !

ابتسمت لها شقيقتها و هزت رأسها بالإيجاب و قالت برقة بالغة : أنا خوفت يا سديم خالص ، افتكرت حد تبع سامح !

أنهت الحديث مع شقيقتها وارسلت إلى "كريم" رسالة نصية ثم رفعت هاتفها إلى أذنها و انتظرت لحظات قبل أن تقول بهدوء :

- قولت لنيرة تركب مع سليم ومتروحش مع السواق ليه ؟

استمتعت إلى رده و قالت بنبرة ساخرة و ثبات :

- والله ؟ وأنت بقا حددت إن سليم مش هيضرها ؟ طيب المرة الجاية ابقا فكر حلو قبل ما تتصرف شكلك مش واخد بالك إن سليم لو عرف بالطريقة دي أول واحد هيتضر فيه هو أنت ، أصل أنا مش هلبس ليلة مش بتاعتي ! ولو اتكررت الحركة دي تاني مش هتشوف وشي فعلًا !!!

أغلقت هاتفها ثم أغمضت عينيها لحظات وكأنها تحاول إعادة تنظيم أفكارها بعيدًا عن كل تلك الضغوط ! تنهدت و أردفت بامتعاض من تطور الأمور من حولها بشكل مريب وخارج عن إرادتها :

- كدا سليم لازم يعرف ! ولازم نتحرك دلوقت نروحلهم !

رفع حاجبه و كاد يتحدث لكنها اعتدلت بجلستها ورفعت سبابتها تقول بحدة بالغة و نظرات مشتعلة :

- أنا معنديش أي استعداد إني اغامر بأختي عشان تخبي على سليم ، أنا مش هدخلها في القرف دا مهما حصل !

تنهد وقال محاولًا تهدئتها حين وجد يدها تتجه إلى مقبض الباب و كأنها على استعداد الهرب منه دون أن تستمع إليه :

- مكنتش هعترض أنا اقدر أضمن سليم و هعرف اتفاهم معاه و متقلقيش هو لا يمكن يضر نيرة ، قوليلي فين مكان كريم دا ؟

عقدت حاجبيها وسألته : هتيجي معايا ؟ وتقوله إنك عارف !

سألها بتلقائية : أومال هسيبك تتورطي معاه لوحدك ؟ وأنا أصلًا اللي جايبك ؟!!! هتروحي تقوليله إيه أنا دخلت عيلتك اخدعكم من دماغي ، ده مش ذنبك عشان تتحمليه ؟

حدقت به بذهول و أجابت :

- عايز تروح تقول لابن عمك إنك أجرتني عشان اخدعهم ! وبعدين دا شغلي مش ذنب و أنا متعودة على كدا أنت بتدفع لسامح مقابل اللي بيحصل دا كله !

رفع حاجبه و أجابها باستتنكار :

- مش دي الحقيقة ؟! أنا فعلًا اللي جايبك ، و أنت هتعملي كدا دلوقت عشان أختك مش عشان سامح و شغل زي مابتقولي و أكيد مش هسيبكم في ورطة و هي مرعوبة كدا و أقف اتفرج عليكم و أقول أنا بدفع لخالها !

أنهى كلماته و تحرك بسيارته و هي لازالت تحدق به بأعين متسعة و عقلها يحاول استيعاب ما قاله الآن !!! وكأنها لأول مرة تتعرض لهذا الدعم و رغم صدمتها من فعلته إلا أنها تمتن له بشكل غير معهود ، لأول مرة يدعمها أحدهم منذ وفاة والدها ، صرامته الآن بالحديث و إدراكه أنها تفعل هذا لأجل شقيقتها ذكرتها بأبيها الحبيب حين كان يبتسم لها و يخبرها أنه سوف يدعمها لأنها تتحمل مسؤلية شقيقتها الصغيرة رغم صغر سِنها !!!!!

اعتدلت بجلستها و نظرت خارج النافذة بأعين دامعة حين هاجمتها ذكريات أبيها الغالي و أفاقها من شرودها حين رفع يده بالمحارم الورقية و تلك البسمة اللطيفة قد زينت وجهه يقول :

- امسحي ودنك و خلي ايدك عليها لحد ما نوصل المول القريب !

عقدت حاجبيها و لكنها آثرت الصمت و نفذت ما قاله و عقلها لازال داخل حلقة ذكرياتها التي لم تغادر عقلها منذ تعرفت على هذا الرجل وعائلته !

أوقف السيارة و هبط منها يقول باعتذار :

- دقايق وجاي !
رفعت هاتفها إلى أذنها وحاولت التواصل مع "كريم" هاتفيًا لكنه رفض المكالمة ، ظهر التوتر على ملامحها و أعادت الإتصال بـ "سامح" الذي رد متسائلًا بفضول : عملتي إيه مع سليم ؟ نيرة بخير !

رفعت حاجبها و أجابت ساخرة : إيه الحنية دي ، على العموم آسر قال إنه هيتصرف مع سليم ، خد بالك عشان متبوظش الدنيا !

كانت تخشى أن يُفسد ترتيباتها أو يشعر بالريبة من كتمانها لأنه لازال يظن أنها سوف تزف إليه خبر استيلائها على أملاك "عاصم" قريبًا و ماهي إلا خطة تحاول حبكها جيدًا ليس إلا !

أغلقت الهاتف بعدما تحدث قليلًا معها و أخبرها عن معلوماته الجديدة عن "عاصم"ونظرت إلى التوقيت يقترب منها و في يده حقائب مشتريات و دار حول السيارة يضعهم بالخلف عدا واحدة أبقاها في يده ثم دلف يجلس بجانبها ويضع الحقيبة فوق ساقها وهو يقول بهدوء :

- ألبسي دا عشان أختك متقلقش لما تشوفك !

لم ينتظر ردها بل مال بجزعه العلوي و أخرج صندوق الإسعافات الأولية يعبث بها وهو يقول :

- أنا مش عارف إزاي نسيت إني معايا هنا العلبة !

أخرج المعقم و القطن ثم رفع ذقنها بطرف أنامله و بدأ يضعه فوق جرحها وهو يقول باهتمام : بصي هتحسي بألم خفيف أوي بس هتبقي تمام متقلقيش !

سرت قشعريرة خفيفة بجسدها حين وضع القطن المعقم فوق جرحها و رفعت يدها بعفوية تقبض بقوة على يده و واصل مايفعله إلى أن وضع الضمادة الصغيرة و ارتسمت بسمة صغيرة فوق شفتيه حين وجدها لازالت تغمض عينيها بتوتر و ترفع كتفيها و هي تضم الحقيبة إلى جسدها بقوة ! تأملها لحظات ثم أردف بعبث و يرتب الأدوات داخل الصندوق بيده الحرة و يعيده إلى مكانه :

- محتاج أسوق بالإيد دي ؟

أدركت حديثه وتركت يده على الفور ثم رفعت أناملها تتحسس الضمادة بحرج و تقول بتوتر : مأخدتش بالي على فكرة !

ابتسم و اعتدل بجلسته يقول بهدوء : براحتك على فكرة !

بدأت تعبث بالحقيبة التي جلبها ثم أفرغت محتوياتها وهي تقول بدهشة : إيه دا عرفت مقاسي منين ؟

لم يتحدث بل اكتفى ببسمة صغيرة و واصل القيادة متجنبًا النظر تجاهها أثناء تبديل ملابسها ، ولاحظت هي ذلك حيث كانت تنظر إليه و هي تسرع بارتداء القميص الذي جلبه إليها و دهشتها تزداد من تصرفاته تجاهها اليوم رغم حديثها الجاف لم يتركها بل هو معها !!!

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close