رواية اغلال الروح الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء الجندي
لفصل الحادي عشر " ائْتِمَان ! "
أمسك يدها بلطف و كأنه يحاول بث الأمان داخلها تجاهه و خرج معها من غرفتها يتجه إلى منزله ، دلف إليه ثم اتجه معها إلى غرفته و منها إلى غرفة الملابس أما "سديم" كانت صامتة فقط شعرت بيده تضغط قليلًا فوق يدها قبل أن يتركها و يسحب عمود محدد من مكانه ثم ضغط على جانب رف و بعدها بدأ حائط جانبي يتحرك و ينشق و هي تنظر إليه ثم إلى الباب الذي أعلن عن وجود باب آخر خلفه برقم سري و بصمة يد ، شعرت بالتوتر حين وجدت كل هذا الأمان والحرص منه على تخبئة شيئ ما ، كان والدها يخبرها أن المرء يصبح بهذا الحرص على أسراره حين يتألم أو يخذله أحدهم ، وهذا ما أثبتته لها دروس الحياة و الآن يؤكد عليه هذا الرجل الذي تعرف عليها منذ أيام و يود كسب ثقتها به !!!
و ما نخفيه خلف الأبواب ماهو إلا أسرار ، نحميها من خيبة الآمال و نُظهرها في حالة الثقة و الأمان ، فإن أتيت إليك واثقًا لا تتركني خائبًا !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
نظر إليها "آسر" و أردف بنبرة جادة تتزين باللطف :
- أنا مش عايز منك وعود عن اللي هتعرفيه ، أنا عايزك تعرفي حاجه واحدة ياسديم ، محدش قبلك دخل هنا و لا بعدك ومتسألنيش هتشوفيه ليه أنا عايزك تثقي فيا زي ما أنا بدأت أثق فيكِ !
رفع يده و بسطها لها بدعوة راقية منه أن تدلف معه برغبتها ، وبالفعل نظرت إليه بتردد خاصة بعد كلماته عن الثقة ثم تنهدت و وضعت يدها داخل قبضته ليبتسم لها و يتجها معًا إلى الداخل و فور أن دخلت معه أُغلق الباب خلفهما و انتفضت عاقدة حاجبيها تقبض على ذراعه بيدها الأخرى و تختبئ بجسده مما أضحكه بقوة و قال و يجذبها من خلف جسده بهدوء :
- متقلقيش الباب اتقفل بس ! عشان محدش ياخد باله من المكان !
وضعت يدها فوق صدرها و قالت وهي تزفر أنفاسها التي حبستها داخل رئتيها :
- خضتني !
لم يترك يدها بل احتفظ بها داخل قبضته و أنار الأضواء بأصابعه و هو يواصل سيره مرددًا بتأكيد على أفكاره :
- مش بقولك مش واثقة فيا !
حاولت الدفاع عن حالها ورفعت يده القابضة على يدها بلطف أمام عينيه ثم أردفت باستنكار :
- داخلة معاك مكان غريب و لوحدنا و ماسكة في إيدك كل دا مش واثقة فيك !!!
ظهرت بسمة عابثة فوق شفتيه و وقف فجأة يدفعها من خصرها إلى الحائط بلطف ثم رفع يده و ترك يدها أخيرًا و بدأ يجمع خصلاتها الناعمة بهدوء و يكشف عن عنقها الجميل ثم سار بأنامله بتأني فوق بشرتها الرقيقة قبل أن يميل عليها و يهمس لها بمكر و قد أصبح شبه ملتصقًا بها :
- يعني مش خايفة مني و أنتِ لوحدك معايا هنا !!!
كان تنفسها غير منتظم بشكل ملحوظ و صدرها يعلو ويهبط بتوتر وخجل خاصة حين هبط بيده و أحاط خصرها بقوة ينتظر إجابتها و عينيه تجوب ملامحها ثم استقرت فوق شفتيها ، ابتعلت رمقها و هبطت عينيها تنظر إليه بدهشة و تعمدت تنكيس رأسها إلى أن لامست جبهتها شفتيه لكن ليتها لم تفعل حيث استقرت عينيها على صدره العريض العضلي و كأن أزرار قميصه مفتوحة بشكل مبالغ به تلك المرة ! أو هي التي أصبحت غريبة الأطوار و يهرب منها الحديث وتهتم لأشياء غريبة من أين واتتها جراءة التحديق به هكذا ؟ ، لا تعلم سر ما يحدث لكنها بأشد حالات توترها الآن خاصة مع شعورها بدفئ شفتيه فوق بشرتها الآن واتسعت عينيها حين ترك قُبلة صغيرة بين خصلاتها و حرر جسدها من بين براثنه قائلًا بلطف :
- تعالي أقولك جايبك هنا ليه !
رفعت رأسها و بدأت عينيها تستكشف المكان الذي تقف به لتعقد حاجبيها حين وجدت نفسها داخل غرفة مليئة بالكتب أو بمعنى أدق مكتبة شديدة التنظيم و الإبهار و على الجانب يوجد مكتب قديم للغاية لكنه من الواضح يتم تنظيفه بشكل مستمر ، و في جانب مقابل ألعاب قديمة و بقايا ألعاب مُهشمة اتجهت إلى هذا الركن تجلس على ركبتيها و أمسكت أول لعبة مكسورة و قالت بدهشة واستنكار:
- إيه دا ؟ متحاولش تقنعني إنك كنت طفل متوحش كدا !
ابتسم وقال :
- هو واضح إنها لعبي أوي كدا !!
هزت رأسها و تركتها بهدوء ثم بدأت تجوب بعينيها ما تبقى من هذا الركن و أجابت بتأكيد :
- المكان هنا تبعك كله و محدش عارفه و دي لعب أولاد قديمة أوي يبقا شيئ بديهي إنها بتاعتك بس ليه كنت بتعمل فيهم كدا يعني ؟
نظر إليها ثم إلى بقايا الألعاب و جثى بجانبها على ركبتيه يقول بصوت يشوبه الاختناق :
- مش أنا اللي عملت ! روزاليا ، مرات عمي ومامت سيلا !
رفعت عينيها عن الألعاب و نظرت إليه عاقدة حاجبيها تنتظر توضيحه و بالفعل أكمل :
- والدتي صاحبة المكتبة الكبيرة دي على فكرة !
أشار إلى المكتبة لتستقيم معه و تتجه حيث أشار تنظر إلى أسماء الكتب و تستمع إليه يُكمل بأعين دامعة و قد بدأ صوته يهتز و يظهر به الألم :
- كانت بتجيب ليا أنا ويوسف قصص الأطفال دي !
أشار إلى أوراق قصص ممزقة و موضوع داخل صندوق مفتوح من الأعلى و قد اتسعت عينيها من هيئة الأوراق التي من الواضح أن أحدهم حاول إصلاحها و ها هو يُكمل و يخبرها :
- كان بين والدتي و بين روزاليا مامت سيلا خلافات دايمًا مش فاكر تفاصيلها أوي بس هي كانت شرسة لدرجة في مرة هاجمت والدتي و وقعتها من على السلم و طبعًا عمي عاصم عرف وقتها و قامت خناقة كبيرة بينه وبينها و كانت شايفة إن كل دا سببه ماما ، ماما كانت رقيقة جدًا ، رقيقة لدرجة أنا كنت بخاف عليها و بعد حادثة السلم دي روحنا سفرية مع جدو عشان كان شايف ماما اتأذت جامد و نفسيتها تعبت قرر جدو ياخدنا أنا وهي ويوسف و نسافر يومين وبابا وقتها كان في شغل برا البلد ومعرفش أصلًا كل دا ، وفعلًا روحنا و قضينا يومين من أجمل أيامي مع ماما ، و آخرهم !!!
جلس فوق المقعد و أكمل وقد بدأت دمعات خفيفة تلتمع فوق ذقنه المشذبة و واصل يقول متجنبًا النظر إليها :
- و احنا راجعين عملنا حادثة اتوفى فيها جدو و ماما ! و دي كانت ذكرى ليها معايا ، و خرجنا انا ويوسف بكسور خفيفة و بدأت معاملة روزاليا تبقا أسوأ ومعانا انا وأخويا تحديدًا و لأن جدو اللي كان مسيطر جدًا و متحكم في أسلوبها اتوفى و كمان والدتي اللي كانت بتبعدها عننا مبقتش موجودة رجعت تتعامل أسوأ من الأول و كنت بخاف منها أنا ويوسف جدًا صغيرين بقا ! وقتها و زي أي طفل فقد أمه مهما بابا جاب لعب ليا كنت بحن لحاجتها كلها ، ونقلت كل لعبي أوضة مكتبتها اللي كنا بنقضي أغلب وقتنا فيها معاها ، وفي يوم اتخانقنا مع سيلا لأنها كسرت لعبة ليا منهم ، و دخلت والدتها وقتها و ضربتنا ، وقتها قولتلها اني بكرهها جدًا ، جابت شاكوش كبير كدا من أوضة المخزن و نزلت على اللعب بمنتهي الشراسة ، ومن خوفي روحت لأبعد ركن و بقيت بعيط و أصرخ لحد ما والدة سليم جات تجري عليا عقبال ما هديت في حضنها اتبقى المنظر اللي أنتِ شايفاه دا ، و يوسف كان ماسك من قصص الكرتون و بيتفرج على الصور قبل ما كل دا يحصل ، لمحت القصة و ركن القصص بدأت تقطع فيهم و تزعق و تتخانق معايا وأنا مش فاهم عايزة إيه و خوفنا نقول لعمي عاصم لأنه كان متعلق بسيلا جدًا و كل دا اتنقل أوضة المخزن في القصر وهو متكسر ومعاه طفولتي و ذكريات أمي و كتبها اللي كانت بتوقعها في الأرض بهستريا ، ولما كبرت بقا كونت الأوضة دي ، وكرهي لروزاليا بقا بيكبر معايا و لما عرفت إنها في احتمال صغير تشارك في ورث معانا حلفت إنها مش هتطول أي حاجه مننا خصوصًا إنها رمتنا كلنا في عز الأزمة ومشيت !
رفع يده يمسح دموعه لكنها كانت قد جلست أمامه مباشرة على طرف المكتب و رفعت يديها تُزيل القطرات عن وجنتيها و تقول بصوت متحشرج محاولة العبث معه وتجنب إحراجة :
- عاجبك كدا أهو عيطتني تاني ، هو دا اللي مش هتضغط عليا !
ابتسم لها و استقام واقفًا يسألها بحزن :
- عرفتي ليه بقا أنا جبتك هنا ! لو كنتِ وحشة مكنش هيفرق معاكِ حرف واحد من اللي قولته !
رفعت حاجبها الأيسر بدهشة و قالت بألم :
- مش يمكن بمثل عليك دلوقت !
هز رأسه بالسلب وهو يجذبها من يدها ويتجه معها إلى الأعلى مرة أخرى يقول :
- على فكرة أنتِ فاشلة في التمثيل جدًا ، وسهل يتضحك عليكِ مش يمكن أنا ألفت القصة دي دلوقت إيه اللي خلاكِ واثقة فيا ؟
عقدت حاجبيها و هي تراقبه وهو يغلق المكان كما كان و قالت بعبث :
- كل اللفة دي عشان تثبت إني واثقة فيك و في كلامك ، أنا مش قلقانة منك ياآسر أصلًا !
وجدته ينتظر حديثها لذلك تنهدت و أكملت بصدق :
- أنا معنديش شجاعة زيك أحكي حكايتي كدا ! و معنديش استعداد تعطف عليا بنظراتك على الأقل دلوقت اوعدك لما نخلص كل حاجة بينا وقتها هحكيلك ومش هتشوفني تاني بعدها !
عقد حاجبيه و ردد بدهشة :
- لما نخلص !
هزت رأسها بالإيجاب و قالت حين وجدت التوقيت يناسب حديثها :
- أيوا مش دا اتفاق بينا ! هو أنا ممكن أسألك سؤال ؟
أجابها يهز رأسه بإنهاك :
- أكيد !
ازدردت رمقها و سألته مباشرة :
- هو عمك اتجوز أميرة إزاي ؟
عقد حاجبيه وقال بدهشة :
- لأ أنا مكنتش موجود وقتها كنت مسافر و محدش فينا كان بيتدخل في حياة عمي عاصم خصوصًا بعد موضوع سيلا !
عقدت حاجبيها هى الأخرى و سألته باستنكار :
- أنت ليه مقولتلوش على موضوع وفاة بنته و هو من نفسه كان يلغي كل دا بدل اللفة دي كلها !
تنهد و أجاب برفض :
- أنت شايفة عامل معاكِ إيه من ساعة ما جيتي دا تقريبًا مش بيفارقك تخيلي كدا واحد هيتجنن على بنته وبيدور عليها كل السنين دي أقوله لا دي ماتت !!
بللت شفتيها و سألته بترقب : طيب و نورهان ؟
عقد حاجبيه و أردف بدهشة : مالها نورهان !
أجابته متسائلة بتوتر طفيف لم يدركه : يعني علاقتكم بيها زي سيلا كدا ؟ وخصوصًا إن مامتها مش ألطف حاجه يعني !
تنهد و هز كتفيه بلامبالاة واضحة و أجاب : أكيد مش بناخد طفلة صغيرة بذنب أمها الفكرة كلها إن سيلا نفسها كانت شيطانة و ربايتها غلط و يمكن جدتي أخدت بالها من دا في نورهان و هي زي ما شوفتي مسالمة و بريئة !
رفعت خصلاتها خلف أذنها و قالت بهدوء :
- طيب و لو مكنتش مسالمة وكانت زي سيلا ممكن تحاول تبعدها عن عيلتك ؟
رفع حاجبه بدهشة و أجاب باستنكار :
- ابعدها عن عيلتي ؟! هو إيه حكاية نورهان معاكِ !
قررت إنهاء الحديث حين شعرت أنها سوف تُثير الشكوك داخله و قالت ببسمة صغيرة : مفيش حكاية أنا بس حابه أعرف هتعمل إيه لو أميرة زي روزاليا كدا ؟
ضيق عينيه و أجابها بجفاء و صراحة :
- هنفيها من على وش الأرض لكن برضه نورهان شايلة اسم عيلة الجندي و مش ممكن نحاول نضرها !
اتسعت عينيها و سألته بخوف : يعني هي لو مش من عيلة الجندي هتضرها !!!!
عقد حاجبيه ينظر إليها بدهشة و هي تحدق به منتظرة اجابه شافية ليسألها مباشرة : فيه إيه ياسديم أنت تعرفي حاجة عن أميرة و نورهان !
هزت رأسها بالسلب ثم زفرت بإنهاك وقالت وهي تضع يدها فوق رأسها المتألم :
- أنا مصدعة أوي ومحتاجة ارتاح شوية !
استدارت من أمامه و تحركت إلى الخارج لكنه أوقفها بسؤاله الذي خرج منه بتردد ملحوظ :
- هتخرجي بليل مع سليم ويوسف ؟!!
وقفت محلها و استدارت تهز كتفيها بعدم معرفة ثم أوضحت قائلة :
- مش عارفة لسه أنا مش حابة الفكرة بس نور امبارح سمعت يوسف بيقولي تاني و أصرت تنزل النهاردة !
ابتسم لها و ابتهج داخله أن الرغبة آتية من الصغيرة و ليس هي ! و زادت بسمته حين قالت وهي تقف عند باب الغرفة :
- على فكرة مامتك كانت جميلة أوي ، و اعتبرني مشوفتش حاجه النهاردة !
________________ *** _________________
حل المساء على المنزل و وافقت "سديم" على الذهاب إلى العشاء بعد طلب الجدة و "عاصم" منها وقد أصرت "نورهان" على الذهاب معهم رغم رفض والدتها في البداية لكنها وافقت حين تحدثت الطفلة أمام الجميع عن رغبتها و ذهبت تجلس بجانب اختها و تخبئ وجهها بجسدها بخوف ، مما دفع "سديم" إلى احتضانها و عقد "آسر" حاجبيه يقول بجدية :
- وفيها إيه يعني لما تيجي معانا !
جلس "سليم" بجانب "سديم" و مد يده إلى وجه الصغيرة يداعبها برفق و يقول بحنو غافلًا عن نظرات "آسر" الذي حدق به و بحركة جسده كأنه يحتفظ بصورة تذكارية :
- طيب و زعلانة ليه يانور لو عايزة تيجي هناخدك طبعًا !
بدأت تبتسم و رفعت رأسها و لازالت تتشبث بخصر "سديم" و قالت متسائلة : بجد ياديمي ؟
وكأنها لا تثق سوى بها ، هى عل يقين مدهش أنها لن تخذلها أبدًا ! مما دفع "سديم" إلى الابتسام و رفعت يدها تضعها فوق وجنتها و تقول بهدوء :
- بجد ياقلب ديمي !
بينما كانت داخل عالم آخر و هي تراقب معاملة العائلة تجاه الطفلة و دلالها المحبب على قلوب الجميع كيف يمكن أن يتحطم كل هذا في ليلة واحدة !! و بكلمة واحدة منها !!!
لم تتابع باقي الحديث بل ظلت تحتضن الصغيرة التي ابتهجت بموافقة والدتها و استقامت تجذب ذراعها وتقول بحماس :
- يلاا ياديمي !
أفاقت من شرودها و استقامت واقفة تسير معها وقد عينيها تعلقت بـ "أميرة" التي تراقب تشبث صغيرتها بتلك الفتاة المحتالة بخوف واضح و ملحوظ مما دفع "يوسف" إلى القول :
- متخافيش كدا ياأميرة احنا ولاد عمها مش هنخطفها يعني دا غير إن أختها سديم معانا !
كيف تخبره الآن أنها تخشى فقط من "سديم" تلك اللعينة السارقة التي استحوذت على صغيرتها الوحيدة و أصبحت تشكل خطر بالغ الشدة عليها ، بينما "روزاليا" _الكندية والدة سيلا _ شددت عليها ألا تحاول التحدث مع تلك الفتاة إلى أن تتصرف هي !!!
آثرت الصمت هذه المرة أيضًا وهزت رأسها ببسمة صغيرة ، و بدأ الجميع يغادر المكان استعدادًا لسهرة شبابية هادئة بعيدًا عن أجواء المنزل التي كادت تدفعه إلى الرتابة والملل !
داخل المطعم الراقي ..
جلس الجميع و بدأت الصغيرة تتأمل الأجواء الهادئة حولها ببسمة مشرقة أدهشت "يوسف" الذي سألها :
-أنتِ مبسوطة يانور ؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت ببهجة واضحة :
- ايوا أنا بحب ابقا معاكم !
ضحك "سليم" الذي كان يجاور "سديم" و قال بلطف :
- و إحنا بنموت فيكِ ! قوليلي إيه الـ "dress" الـفستان الجميل دا ؟
ابتسمت له الصغيرة بوداعة وخجل ثم قالت وهي تتأمل اختها بنظرات مليئة بالمحبة : و ديمي جميلة !
رفعت "سديم" يدها تهندم خصلات الصغيرة ومالت تضع قُبلة صغيرة فوق وجنتها مبتسمة لها بلطف ، بينما ارتكزت عيني "آسر" فوق ابن عمه الذي رد بعفوية :
- انتوا الاتنين أجمل من بعض الحقيقة !
كلماته العفوية أغضبته للغاية و خاصة حين أكد شقيقه "يوسف" على حديثه وقال :
- أنا مكنتش اتوقع تنسجموا مع بعض أوي كدا ، بس سديم حقيقي تتحب عن زمان خالص يعني !
رفعت حاجبها الأيسر و اجابته بدهشة : ودا مدح ولا ذم دا بقاا ؟!
ضحك "يوسف" و اعتدل بجلسته قائلًا بخوف مصطنع :
- مدح ياباشاا ، مدح جدًا كمان !!!
لم يتسمع إلى رد "سليم" الضاحك حيث استقام واقفًا و مد يده إليها حين بدأت الفرقة بالعزف و كأنه يخشى الرفض و يخشى أن يكرر ابن العم فعلته السابقة و يراقصها مرة أخرى أمام أنظار الجميع لذلك قال بهدوء وعينيه تجوب ملامحها الساكنة :
- تسمحي ؟
نظر كلًا من "سليم" و "يوسف" إلى بعضهما بدهشة بينما ابتسمت له بهدوء و وضعت يدها للمرة الثانية في هذا اليوم داخل و برغبتها !
اتجهت معه إلى ساحة الرقص و أحاط خصرها بذراعه و بدأت الرقصة بينما رفعت ذراعيها تحيط عنقه هامسة ببسمة عابثة و هي تُشير بعينيها إلى كتف المُصاب :
- متوقعتش حركة زي دي منك الحقيقة !
ابتسم لها و رفع حاجبه الأيسر واستنكر يهمس لها :
- ليه هو أنا مشلول ولا إيه ما أنا بعرف اتعامل بدراعي التاني عادي جدًا ، وقريب أوي هرجع تمام زي الأول .
اجابته بهدوء و هي ترفع كتفيها بلامبالاة و تتجه بعينيها تجاه الطاولة التي يجلس فوقها رفاقهم :
- خلاص وزعلت كدا ليه ، اقصد إني متوقعتش التصرف دا منك يعني من يوسف أو .. اممم أو من .. سليم مثلًا !!
ضمها إليه بقوة و ضغط بخفة فوق خصرها يهمس لها عاقدًا حاجبيه :
- ليه بقاا أنا معملش كدا ؟ إيه الفكرة الغريبة اللي وخداها عني دي !
ابتسمت له ثم رفعت حاجبها تقول بدهشة : فكرة ايه إنك معقد مبتحبش البنات ولا إن المعاملة دي ليا أنا بالذات عشان مش بتحب تشوفني لكن سليم ويوسف بيعاملوني عادي ؟
اغضبه حديثها للغاية خاصة حين قارنت بين معاملته ومعاملة "سليم" لها و بالرغم من التنازلات التي يقدمها لأجلها لازالت ترى "سليم" أفضل منه !!!! تحدث بنبرة حادة قليلًا و قال ساخرًا :
- خدي بالك إن سليم ويوسف بيتعاملوا مع بنت عمهم !
كلماته واضحة للغاية و كأنه يتعمد تذكيرها في كل لحظة أنها المحتالة و أن تلك المعاملة لأجل "سيلا" و ليست "سديم" ، حدق بعينيها بتوتر خاصة حين اختفى هذا البريق اللطيف و العابث من مقلتيها و عادت إلى نبرتها الراكدة معه تقول بألم داخلي :
- عندك حق ! بس ياريت تاخد بالك إن أنت اللي بتتعامل معايا أنا مفرضتش نفسي عليك !
خرجت من أحضانه و قالت بهدوء : أنا صدعت هروح اقعد بقا !
تنهد بحزن حين شعر أنه تسرع للغاية بحديثه لكنه ساخط على كل ما يدور حوله و لا يعلم هل ما يحدث هو الصواب أم أنه يضل الطريق و يتجه خلفها داخل دربها المُلبد بالضباب الناعم !!!!
سار بجانبها لكنه توقف عاقدًا حاجبيه حين أقبل عليهما هذا الشاب الوسيم و قال ببهجة واضحة :
- عامله إيه ياسديم !!!!
كان الجميع أمام الطاولة ووقف كلًا من "سليم" و "يوسف" ينتظران مبادلة "سديم" إياه الحضن بل إنها أحاطت عنقه و هبطت يدها تربت فوق ظهره بخفة وعينيه تراقب حركاتها و تشتعل كلما لمسها هذا الرجل الذي بالغ حين ضمها إلى صدره بطريقة استفزته للغاية و ازداد غضبه حين نادته بلطف تقول : كريم !!!
أين سمع هذا الاسم ؟!!! خرجت من أحضانه أخيرًا و بدأت تقدمه إلى الشباب ثم قالت وهي تُشير إليه : ودا آسر اللي أنت انقذته !!!
تذكره الآن هذا هو "كريم" الطبيب الذي تحدثت إليه ليلة مرضه و من الواضح أن علاقتهما ليست علاقة صداقة كما أخبرته ، أعين الطبيب تشتاق إليها وتتأملها داخل هذا الرداء القصير والكاشف بشكل مُريب و لايعلم ما سر اشتعاله داخليًا الآن لكن ماهو على يقين منه أنه يتمنى تسديد لكمات متتالية لوجه وجسد هذا الطبيب الوسيم الذي جلس بجانبها يتهامس معها وهي تبتسم وعينيها تتجاهله و كأنه خارج المجلس أو لم يحضر من الأساس حيث كانت تتابع الحديث مع "سليم" و "يوسف" و أيضًا الصغيرة "نورهان" التي اهتمت بتواجدها بشكل خاص و كأنها تخشى أن تمل الجلسة أو تبقى وحيدة و لن ينكر أنه لاحظ تصرفها التلقائي مع الطفلة و أعجبه للغاية اهتمامها الخاص بالصغيرة والذي دفع "نورهان" إلى التعلق بها هو يعلم جيدًا أن الطفل يميل إلى الأمان والرفق و هذا ما جعله يؤمن أنها ليست سيئة كما تُظهر له !!!!!!
كانت الجلسة هادئة و لطيفة ابتعدت "سديم" عن الجميع و اتجهت إلى المرحاض تتحدث إلى شقيقتها "نيرة" تطمئن على أخبارها و تتأكد أنها بخير و أنها بجانبها إن أرادت في أي وقت سوف تهرول إليها و حين عادت إليهم كان "كريم" يقول بتوتر طفيف :
- آه أنا اعرف سديم من سنين فعلًا !
جلست تحاول استنباط الحديث و خاصة حين قال "آسر" بسخرية واضحة :
- مش فاهم برضه تعرفها منين !
نظر "كريم" إليها خاصة أنه لا يميل إلى الكذب و المراوغة ومن الواضح أن هذا الآسر يتحدث هكذا عمدًا ، ضيقت "سديم" عينيها بدهشة من أسئلته الغير مرغوب بها و كأنه يحاول الإيقاع بـ "كريم" ، ماذا يفعل !!! ولكن أنقذ "سليم" الموقف وقال :
- طيب أنا مش عارف بقا هديتي هتعجبك ولا لأ بس أنا مقدرتش اسمع كلامك ومجبهاش !
عقدت حاجبيها و اعتدلت تنظر إليه برفض واضح بينما أكمل حديثه موجهًا السؤال إلى الصغيرة :
- شوفي يانور احكمي أنتِ و كلنا هنوافق على حكمك ، أنا ويوسف جايبين هدايا لسديم نطلعها ولا لأ !
هزت الطفلة رأسها بالإيجاب و ابتسمت تعض على شفتيها بخجل طفيف وتنظر إلى "سديم" بوداعة جعلتها تهز رأسها بيأس و تبتسم لها ثم وقف "سليم" و أخرج العقد من صندوقه يقول بلطف مُشيرًا إلى عنقها :
- تسمحيلي ؟
تنهدت و قالت بهدوء :
- اتفضل!
جمعت خصلاتها ورفعتها إلى الأعلى كاشفة عن نحرها الناعم البض و استقر "سليم" خلفها مباشرة يضعه لها و قد غفل عن نظرات "آسر" التي كادت تحرقهما من فرط غضبه ، و كأنها وافقت على هذا العُقد تأديبًا له على حديثه الأهوج معها حيث رفعت عينيها أخيرًا و نظرت إليه بشموخ ، و لم تكن الوحيدة التي لاحظت نظراته بل "كريم" أيضًا لاحظه و آثر الصمت ثم انتظر تقديم هدية "يوسف" و التي أدهشت الجميع و اضحكتهم آن واحد ، حيث أحضر خلخالين لها وللصغيرة التي ابتهجت به بشدة و أصرت أن تضعه لها "سديم" التي لبت رغبتها بينما وقف "كريم" و قال بهدوء :
- طيب ياجماعة مبسوط إني اتعرفت عليكم ، و حمدلله على سلامتك يا آسر !
انسحب من المجلس ولم ينتظر الرد ولكن استقامت "سديم" مسرعة و أسرعت خلفه تقول بحزن بعدما أمسكت ذراعه و أوقفته :
- كريم ، أنا حقيقي آسفة مكنتش أعرف أن آسر ممكن يعمل كدا بس يوسف أصر يشكر الدكتور اللي أنقذ أخوه ؟!!
عقد حاجبيه و قال بخفوت و هو ينظر تجاه الطاولة ثم إليها :
- سديم أنتِ متأكدة أن دا شغل !!! مش حاسة إنك مندمجة مع العيلة دي و انساحبك هيدمرهم ؟!! الناس بتهاديكِ بألماظ ياسديم ، تخيلي لو عرفوا حقيقتك بالمستوى دا و بدمارهم وقتها ممكن يعملوا فيكِ إيه ؟ أنا أكتر واحد عارفك و عارف وصلتي للحالة دي إزاي بس أنتِ بالمنظر دا بتدمري نفسك !
تنهدت وقالت محاولة الدفاع عن حالها :
- ويعملوا فيا ليه ابنهم هو اللي جابني ، دا غير إني والله مااقصد كل دا ، كل الحوادث دي حصلت صدفة و أنا معرفتش اسيبهم وامشي كنت عايزني اعمل إيه بس ياكريم اسيبهم بيموتوا وامشي ؟! دا غير إني كنت همشي واسيب كل دا بس البنت الصغيرة دي ذنبها إيه تبقا سديم جديدة ؟
أنهت حديثها بأعين لامعة بالدموع متألمة و رفع "كريم" يديه يربت فوق ذراعيها و يقول بهدوء :
- أنا عارف ياسديم وحضرت القصة من أولها كمان مش محتاج توصفيلي بتعملي كدا ليه ، بس خليني أبشرك ان الكابتن اللي جاي علينا دلوقت ونظراته هتحرقني مش واخد الموضوع زيك كدا ، و شايفك بشكل تاني !
أنهى حديثه بهدوء و نبرة محذرة :
- خدي بالك من نفسك ياسديم ، نيرة و مامتك محتاجينك زي البنت الصغيرة دي بالظبط ! هكلمك بعدين ، سلام !
انصرف بخطوات سريعة بينما وقف هو أمامها يقول بنبرة آمرة : يلا عشان نمشي !
عقدت حاجبيها حين تركها و غادر ثم نظرت إلى الجهة الأخرى ووجدت الصغيرة تركض إليها و بيدها حقيبتها تعطيها إياها و تمسك يدها و وجدت "يوسف" يُقبل عليها قائلًا بتهكم :
- واضح أن آسر و كريم حبوا بعض أوي !
تنهدت تردف بحزن و جدية :
- أنا حقيقي ندمت إني جبت كريم ، مكنش فيه داعي يايوسف !
أجابها بهدوء و قد ظن أن "كريم" أيضًا تضرر من معاملة أخيه الفظة : بجد ياسديم معرفش آسر عمل كدا ليه ، ومتوقعتش كدا أبدًا أول مرة يبقا قليل ذوق كدا !
لكزه "سليم" بخفة وقال بحرج :
- طيب نكلمه ياسديم نعتذرله ؟
هزت رأسها بالسلب وأجابت بيأس : لأ لأ مفيش داعي هو مش متضايق من آسر ! يلا نروح بقا نور بدأت تنام !
نظر "يوسف" إلى الطفلة التي تثائبت و أعلنت عن بداية خمولها و أمسكت يد "سديم" تسند إليها وجنتها و تبتسم لها بلطف ، ابتسم لها و قال بمداعبة :
- نوري عايزة تناام خلاص !!! يلا بينا نروح حالًا أهو !
و بالفعل عاد الجميع إلى المنزل سالمين و حين وصل الشباب إلى المنزل حمل "سليم" الصغيرة النائمة إلى الأعلى بينما طلب "عاصم" التحدث إليهم حيث كان ينتظر عودتهم داخل الحديقة و هدر بصوت واضح فور رؤيتهم :
- سديم !! استني عاوزك أنتِ و آسر !
أمسك يدها بلطف و كأنه يحاول بث الأمان داخلها تجاهه و خرج معها من غرفتها يتجه إلى منزله ، دلف إليه ثم اتجه معها إلى غرفته و منها إلى غرفة الملابس أما "سديم" كانت صامتة فقط شعرت بيده تضغط قليلًا فوق يدها قبل أن يتركها و يسحب عمود محدد من مكانه ثم ضغط على جانب رف و بعدها بدأ حائط جانبي يتحرك و ينشق و هي تنظر إليه ثم إلى الباب الذي أعلن عن وجود باب آخر خلفه برقم سري و بصمة يد ، شعرت بالتوتر حين وجدت كل هذا الأمان والحرص منه على تخبئة شيئ ما ، كان والدها يخبرها أن المرء يصبح بهذا الحرص على أسراره حين يتألم أو يخذله أحدهم ، وهذا ما أثبتته لها دروس الحياة و الآن يؤكد عليه هذا الرجل الذي تعرف عليها منذ أيام و يود كسب ثقتها به !!!
و ما نخفيه خلف الأبواب ماهو إلا أسرار ، نحميها من خيبة الآمال و نُظهرها في حالة الثقة و الأمان ، فإن أتيت إليك واثقًا لا تتركني خائبًا !!!!
#أغلال_الروح
#شيماء_الجندي
نظر إليها "آسر" و أردف بنبرة جادة تتزين باللطف :
- أنا مش عايز منك وعود عن اللي هتعرفيه ، أنا عايزك تعرفي حاجه واحدة ياسديم ، محدش قبلك دخل هنا و لا بعدك ومتسألنيش هتشوفيه ليه أنا عايزك تثقي فيا زي ما أنا بدأت أثق فيكِ !
رفع يده و بسطها لها بدعوة راقية منه أن تدلف معه برغبتها ، وبالفعل نظرت إليه بتردد خاصة بعد كلماته عن الثقة ثم تنهدت و وضعت يدها داخل قبضته ليبتسم لها و يتجها معًا إلى الداخل و فور أن دخلت معه أُغلق الباب خلفهما و انتفضت عاقدة حاجبيها تقبض على ذراعه بيدها الأخرى و تختبئ بجسده مما أضحكه بقوة و قال و يجذبها من خلف جسده بهدوء :
- متقلقيش الباب اتقفل بس ! عشان محدش ياخد باله من المكان !
وضعت يدها فوق صدرها و قالت وهي تزفر أنفاسها التي حبستها داخل رئتيها :
- خضتني !
لم يترك يدها بل احتفظ بها داخل قبضته و أنار الأضواء بأصابعه و هو يواصل سيره مرددًا بتأكيد على أفكاره :
- مش بقولك مش واثقة فيا !
حاولت الدفاع عن حالها ورفعت يده القابضة على يدها بلطف أمام عينيه ثم أردفت باستنكار :
- داخلة معاك مكان غريب و لوحدنا و ماسكة في إيدك كل دا مش واثقة فيك !!!
ظهرت بسمة عابثة فوق شفتيه و وقف فجأة يدفعها من خصرها إلى الحائط بلطف ثم رفع يده و ترك يدها أخيرًا و بدأ يجمع خصلاتها الناعمة بهدوء و يكشف عن عنقها الجميل ثم سار بأنامله بتأني فوق بشرتها الرقيقة قبل أن يميل عليها و يهمس لها بمكر و قد أصبح شبه ملتصقًا بها :
- يعني مش خايفة مني و أنتِ لوحدك معايا هنا !!!
كان تنفسها غير منتظم بشكل ملحوظ و صدرها يعلو ويهبط بتوتر وخجل خاصة حين هبط بيده و أحاط خصرها بقوة ينتظر إجابتها و عينيه تجوب ملامحها ثم استقرت فوق شفتيها ، ابتعلت رمقها و هبطت عينيها تنظر إليه بدهشة و تعمدت تنكيس رأسها إلى أن لامست جبهتها شفتيه لكن ليتها لم تفعل حيث استقرت عينيها على صدره العريض العضلي و كأن أزرار قميصه مفتوحة بشكل مبالغ به تلك المرة ! أو هي التي أصبحت غريبة الأطوار و يهرب منها الحديث وتهتم لأشياء غريبة من أين واتتها جراءة التحديق به هكذا ؟ ، لا تعلم سر ما يحدث لكنها بأشد حالات توترها الآن خاصة مع شعورها بدفئ شفتيه فوق بشرتها الآن واتسعت عينيها حين ترك قُبلة صغيرة بين خصلاتها و حرر جسدها من بين براثنه قائلًا بلطف :
- تعالي أقولك جايبك هنا ليه !
رفعت رأسها و بدأت عينيها تستكشف المكان الذي تقف به لتعقد حاجبيها حين وجدت نفسها داخل غرفة مليئة بالكتب أو بمعنى أدق مكتبة شديدة التنظيم و الإبهار و على الجانب يوجد مكتب قديم للغاية لكنه من الواضح يتم تنظيفه بشكل مستمر ، و في جانب مقابل ألعاب قديمة و بقايا ألعاب مُهشمة اتجهت إلى هذا الركن تجلس على ركبتيها و أمسكت أول لعبة مكسورة و قالت بدهشة واستنكار:
- إيه دا ؟ متحاولش تقنعني إنك كنت طفل متوحش كدا !
ابتسم وقال :
- هو واضح إنها لعبي أوي كدا !!
هزت رأسها و تركتها بهدوء ثم بدأت تجوب بعينيها ما تبقى من هذا الركن و أجابت بتأكيد :
- المكان هنا تبعك كله و محدش عارفه و دي لعب أولاد قديمة أوي يبقا شيئ بديهي إنها بتاعتك بس ليه كنت بتعمل فيهم كدا يعني ؟
نظر إليها ثم إلى بقايا الألعاب و جثى بجانبها على ركبتيه يقول بصوت يشوبه الاختناق :
- مش أنا اللي عملت ! روزاليا ، مرات عمي ومامت سيلا !
رفعت عينيها عن الألعاب و نظرت إليه عاقدة حاجبيها تنتظر توضيحه و بالفعل أكمل :
- والدتي صاحبة المكتبة الكبيرة دي على فكرة !
أشار إلى المكتبة لتستقيم معه و تتجه حيث أشار تنظر إلى أسماء الكتب و تستمع إليه يُكمل بأعين دامعة و قد بدأ صوته يهتز و يظهر به الألم :
- كانت بتجيب ليا أنا ويوسف قصص الأطفال دي !
أشار إلى أوراق قصص ممزقة و موضوع داخل صندوق مفتوح من الأعلى و قد اتسعت عينيها من هيئة الأوراق التي من الواضح أن أحدهم حاول إصلاحها و ها هو يُكمل و يخبرها :
- كان بين والدتي و بين روزاليا مامت سيلا خلافات دايمًا مش فاكر تفاصيلها أوي بس هي كانت شرسة لدرجة في مرة هاجمت والدتي و وقعتها من على السلم و طبعًا عمي عاصم عرف وقتها و قامت خناقة كبيرة بينه وبينها و كانت شايفة إن كل دا سببه ماما ، ماما كانت رقيقة جدًا ، رقيقة لدرجة أنا كنت بخاف عليها و بعد حادثة السلم دي روحنا سفرية مع جدو عشان كان شايف ماما اتأذت جامد و نفسيتها تعبت قرر جدو ياخدنا أنا وهي ويوسف و نسافر يومين وبابا وقتها كان في شغل برا البلد ومعرفش أصلًا كل دا ، وفعلًا روحنا و قضينا يومين من أجمل أيامي مع ماما ، و آخرهم !!!
جلس فوق المقعد و أكمل وقد بدأت دمعات خفيفة تلتمع فوق ذقنه المشذبة و واصل يقول متجنبًا النظر إليها :
- و احنا راجعين عملنا حادثة اتوفى فيها جدو و ماما ! و دي كانت ذكرى ليها معايا ، و خرجنا انا ويوسف بكسور خفيفة و بدأت معاملة روزاليا تبقا أسوأ ومعانا انا وأخويا تحديدًا و لأن جدو اللي كان مسيطر جدًا و متحكم في أسلوبها اتوفى و كمان والدتي اللي كانت بتبعدها عننا مبقتش موجودة رجعت تتعامل أسوأ من الأول و كنت بخاف منها أنا ويوسف جدًا صغيرين بقا ! وقتها و زي أي طفل فقد أمه مهما بابا جاب لعب ليا كنت بحن لحاجتها كلها ، ونقلت كل لعبي أوضة مكتبتها اللي كنا بنقضي أغلب وقتنا فيها معاها ، وفي يوم اتخانقنا مع سيلا لأنها كسرت لعبة ليا منهم ، و دخلت والدتها وقتها و ضربتنا ، وقتها قولتلها اني بكرهها جدًا ، جابت شاكوش كبير كدا من أوضة المخزن و نزلت على اللعب بمنتهي الشراسة ، ومن خوفي روحت لأبعد ركن و بقيت بعيط و أصرخ لحد ما والدة سليم جات تجري عليا عقبال ما هديت في حضنها اتبقى المنظر اللي أنتِ شايفاه دا ، و يوسف كان ماسك من قصص الكرتون و بيتفرج على الصور قبل ما كل دا يحصل ، لمحت القصة و ركن القصص بدأت تقطع فيهم و تزعق و تتخانق معايا وأنا مش فاهم عايزة إيه و خوفنا نقول لعمي عاصم لأنه كان متعلق بسيلا جدًا و كل دا اتنقل أوضة المخزن في القصر وهو متكسر ومعاه طفولتي و ذكريات أمي و كتبها اللي كانت بتوقعها في الأرض بهستريا ، ولما كبرت بقا كونت الأوضة دي ، وكرهي لروزاليا بقا بيكبر معايا و لما عرفت إنها في احتمال صغير تشارك في ورث معانا حلفت إنها مش هتطول أي حاجه مننا خصوصًا إنها رمتنا كلنا في عز الأزمة ومشيت !
رفع يده يمسح دموعه لكنها كانت قد جلست أمامه مباشرة على طرف المكتب و رفعت يديها تُزيل القطرات عن وجنتيها و تقول بصوت متحشرج محاولة العبث معه وتجنب إحراجة :
- عاجبك كدا أهو عيطتني تاني ، هو دا اللي مش هتضغط عليا !
ابتسم لها و استقام واقفًا يسألها بحزن :
- عرفتي ليه بقا أنا جبتك هنا ! لو كنتِ وحشة مكنش هيفرق معاكِ حرف واحد من اللي قولته !
رفعت حاجبها الأيسر بدهشة و قالت بألم :
- مش يمكن بمثل عليك دلوقت !
هز رأسه بالسلب وهو يجذبها من يدها ويتجه معها إلى الأعلى مرة أخرى يقول :
- على فكرة أنتِ فاشلة في التمثيل جدًا ، وسهل يتضحك عليكِ مش يمكن أنا ألفت القصة دي دلوقت إيه اللي خلاكِ واثقة فيا ؟
عقدت حاجبيها و هي تراقبه وهو يغلق المكان كما كان و قالت بعبث :
- كل اللفة دي عشان تثبت إني واثقة فيك و في كلامك ، أنا مش قلقانة منك ياآسر أصلًا !
وجدته ينتظر حديثها لذلك تنهدت و أكملت بصدق :
- أنا معنديش شجاعة زيك أحكي حكايتي كدا ! و معنديش استعداد تعطف عليا بنظراتك على الأقل دلوقت اوعدك لما نخلص كل حاجة بينا وقتها هحكيلك ومش هتشوفني تاني بعدها !
عقد حاجبيه و ردد بدهشة :
- لما نخلص !
هزت رأسها بالإيجاب و قالت حين وجدت التوقيت يناسب حديثها :
- أيوا مش دا اتفاق بينا ! هو أنا ممكن أسألك سؤال ؟
أجابها يهز رأسه بإنهاك :
- أكيد !
ازدردت رمقها و سألته مباشرة :
- هو عمك اتجوز أميرة إزاي ؟
عقد حاجبيه وقال بدهشة :
- لأ أنا مكنتش موجود وقتها كنت مسافر و محدش فينا كان بيتدخل في حياة عمي عاصم خصوصًا بعد موضوع سيلا !
عقدت حاجبيها هى الأخرى و سألته باستنكار :
- أنت ليه مقولتلوش على موضوع وفاة بنته و هو من نفسه كان يلغي كل دا بدل اللفة دي كلها !
تنهد و أجاب برفض :
- أنت شايفة عامل معاكِ إيه من ساعة ما جيتي دا تقريبًا مش بيفارقك تخيلي كدا واحد هيتجنن على بنته وبيدور عليها كل السنين دي أقوله لا دي ماتت !!
بللت شفتيها و سألته بترقب : طيب و نورهان ؟
عقد حاجبيه و أردف بدهشة : مالها نورهان !
أجابته متسائلة بتوتر طفيف لم يدركه : يعني علاقتكم بيها زي سيلا كدا ؟ وخصوصًا إن مامتها مش ألطف حاجه يعني !
تنهد و هز كتفيه بلامبالاة واضحة و أجاب : أكيد مش بناخد طفلة صغيرة بذنب أمها الفكرة كلها إن سيلا نفسها كانت شيطانة و ربايتها غلط و يمكن جدتي أخدت بالها من دا في نورهان و هي زي ما شوفتي مسالمة و بريئة !
رفعت خصلاتها خلف أذنها و قالت بهدوء :
- طيب و لو مكنتش مسالمة وكانت زي سيلا ممكن تحاول تبعدها عن عيلتك ؟
رفع حاجبه بدهشة و أجاب باستنكار :
- ابعدها عن عيلتي ؟! هو إيه حكاية نورهان معاكِ !
قررت إنهاء الحديث حين شعرت أنها سوف تُثير الشكوك داخله و قالت ببسمة صغيرة : مفيش حكاية أنا بس حابه أعرف هتعمل إيه لو أميرة زي روزاليا كدا ؟
ضيق عينيه و أجابها بجفاء و صراحة :
- هنفيها من على وش الأرض لكن برضه نورهان شايلة اسم عيلة الجندي و مش ممكن نحاول نضرها !
اتسعت عينيها و سألته بخوف : يعني هي لو مش من عيلة الجندي هتضرها !!!!
عقد حاجبيه ينظر إليها بدهشة و هي تحدق به منتظرة اجابه شافية ليسألها مباشرة : فيه إيه ياسديم أنت تعرفي حاجة عن أميرة و نورهان !
هزت رأسها بالسلب ثم زفرت بإنهاك وقالت وهي تضع يدها فوق رأسها المتألم :
- أنا مصدعة أوي ومحتاجة ارتاح شوية !
استدارت من أمامه و تحركت إلى الخارج لكنه أوقفها بسؤاله الذي خرج منه بتردد ملحوظ :
- هتخرجي بليل مع سليم ويوسف ؟!!
وقفت محلها و استدارت تهز كتفيها بعدم معرفة ثم أوضحت قائلة :
- مش عارفة لسه أنا مش حابة الفكرة بس نور امبارح سمعت يوسف بيقولي تاني و أصرت تنزل النهاردة !
ابتسم لها و ابتهج داخله أن الرغبة آتية من الصغيرة و ليس هي ! و زادت بسمته حين قالت وهي تقف عند باب الغرفة :
- على فكرة مامتك كانت جميلة أوي ، و اعتبرني مشوفتش حاجه النهاردة !
________________ *** _________________
حل المساء على المنزل و وافقت "سديم" على الذهاب إلى العشاء بعد طلب الجدة و "عاصم" منها وقد أصرت "نورهان" على الذهاب معهم رغم رفض والدتها في البداية لكنها وافقت حين تحدثت الطفلة أمام الجميع عن رغبتها و ذهبت تجلس بجانب اختها و تخبئ وجهها بجسدها بخوف ، مما دفع "سديم" إلى احتضانها و عقد "آسر" حاجبيه يقول بجدية :
- وفيها إيه يعني لما تيجي معانا !
جلس "سليم" بجانب "سديم" و مد يده إلى وجه الصغيرة يداعبها برفق و يقول بحنو غافلًا عن نظرات "آسر" الذي حدق به و بحركة جسده كأنه يحتفظ بصورة تذكارية :
- طيب و زعلانة ليه يانور لو عايزة تيجي هناخدك طبعًا !
بدأت تبتسم و رفعت رأسها و لازالت تتشبث بخصر "سديم" و قالت متسائلة : بجد ياديمي ؟
وكأنها لا تثق سوى بها ، هى عل يقين مدهش أنها لن تخذلها أبدًا ! مما دفع "سديم" إلى الابتسام و رفعت يدها تضعها فوق وجنتها و تقول بهدوء :
- بجد ياقلب ديمي !
بينما كانت داخل عالم آخر و هي تراقب معاملة العائلة تجاه الطفلة و دلالها المحبب على قلوب الجميع كيف يمكن أن يتحطم كل هذا في ليلة واحدة !! و بكلمة واحدة منها !!!
لم تتابع باقي الحديث بل ظلت تحتضن الصغيرة التي ابتهجت بموافقة والدتها و استقامت تجذب ذراعها وتقول بحماس :
- يلاا ياديمي !
أفاقت من شرودها و استقامت واقفة تسير معها وقد عينيها تعلقت بـ "أميرة" التي تراقب تشبث صغيرتها بتلك الفتاة المحتالة بخوف واضح و ملحوظ مما دفع "يوسف" إلى القول :
- متخافيش كدا ياأميرة احنا ولاد عمها مش هنخطفها يعني دا غير إن أختها سديم معانا !
كيف تخبره الآن أنها تخشى فقط من "سديم" تلك اللعينة السارقة التي استحوذت على صغيرتها الوحيدة و أصبحت تشكل خطر بالغ الشدة عليها ، بينما "روزاليا" _الكندية والدة سيلا _ شددت عليها ألا تحاول التحدث مع تلك الفتاة إلى أن تتصرف هي !!!
آثرت الصمت هذه المرة أيضًا وهزت رأسها ببسمة صغيرة ، و بدأ الجميع يغادر المكان استعدادًا لسهرة شبابية هادئة بعيدًا عن أجواء المنزل التي كادت تدفعه إلى الرتابة والملل !
داخل المطعم الراقي ..
جلس الجميع و بدأت الصغيرة تتأمل الأجواء الهادئة حولها ببسمة مشرقة أدهشت "يوسف" الذي سألها :
-أنتِ مبسوطة يانور ؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت ببهجة واضحة :
- ايوا أنا بحب ابقا معاكم !
ضحك "سليم" الذي كان يجاور "سديم" و قال بلطف :
- و إحنا بنموت فيكِ ! قوليلي إيه الـ "dress" الـفستان الجميل دا ؟
ابتسمت له الصغيرة بوداعة وخجل ثم قالت وهي تتأمل اختها بنظرات مليئة بالمحبة : و ديمي جميلة !
رفعت "سديم" يدها تهندم خصلات الصغيرة ومالت تضع قُبلة صغيرة فوق وجنتها مبتسمة لها بلطف ، بينما ارتكزت عيني "آسر" فوق ابن عمه الذي رد بعفوية :
- انتوا الاتنين أجمل من بعض الحقيقة !
كلماته العفوية أغضبته للغاية و خاصة حين أكد شقيقه "يوسف" على حديثه وقال :
- أنا مكنتش اتوقع تنسجموا مع بعض أوي كدا ، بس سديم حقيقي تتحب عن زمان خالص يعني !
رفعت حاجبها الأيسر و اجابته بدهشة : ودا مدح ولا ذم دا بقاا ؟!
ضحك "يوسف" و اعتدل بجلسته قائلًا بخوف مصطنع :
- مدح ياباشاا ، مدح جدًا كمان !!!
لم يتسمع إلى رد "سليم" الضاحك حيث استقام واقفًا و مد يده إليها حين بدأت الفرقة بالعزف و كأنه يخشى الرفض و يخشى أن يكرر ابن العم فعلته السابقة و يراقصها مرة أخرى أمام أنظار الجميع لذلك قال بهدوء وعينيه تجوب ملامحها الساكنة :
- تسمحي ؟
نظر كلًا من "سليم" و "يوسف" إلى بعضهما بدهشة بينما ابتسمت له بهدوء و وضعت يدها للمرة الثانية في هذا اليوم داخل و برغبتها !
اتجهت معه إلى ساحة الرقص و أحاط خصرها بذراعه و بدأت الرقصة بينما رفعت ذراعيها تحيط عنقه هامسة ببسمة عابثة و هي تُشير بعينيها إلى كتف المُصاب :
- متوقعتش حركة زي دي منك الحقيقة !
ابتسم لها و رفع حاجبه الأيسر واستنكر يهمس لها :
- ليه هو أنا مشلول ولا إيه ما أنا بعرف اتعامل بدراعي التاني عادي جدًا ، وقريب أوي هرجع تمام زي الأول .
اجابته بهدوء و هي ترفع كتفيها بلامبالاة و تتجه بعينيها تجاه الطاولة التي يجلس فوقها رفاقهم :
- خلاص وزعلت كدا ليه ، اقصد إني متوقعتش التصرف دا منك يعني من يوسف أو .. اممم أو من .. سليم مثلًا !!
ضمها إليه بقوة و ضغط بخفة فوق خصرها يهمس لها عاقدًا حاجبيه :
- ليه بقاا أنا معملش كدا ؟ إيه الفكرة الغريبة اللي وخداها عني دي !
ابتسمت له ثم رفعت حاجبها تقول بدهشة : فكرة ايه إنك معقد مبتحبش البنات ولا إن المعاملة دي ليا أنا بالذات عشان مش بتحب تشوفني لكن سليم ويوسف بيعاملوني عادي ؟
اغضبه حديثها للغاية خاصة حين قارنت بين معاملته ومعاملة "سليم" لها و بالرغم من التنازلات التي يقدمها لأجلها لازالت ترى "سليم" أفضل منه !!!! تحدث بنبرة حادة قليلًا و قال ساخرًا :
- خدي بالك إن سليم ويوسف بيتعاملوا مع بنت عمهم !
كلماته واضحة للغاية و كأنه يتعمد تذكيرها في كل لحظة أنها المحتالة و أن تلك المعاملة لأجل "سيلا" و ليست "سديم" ، حدق بعينيها بتوتر خاصة حين اختفى هذا البريق اللطيف و العابث من مقلتيها و عادت إلى نبرتها الراكدة معه تقول بألم داخلي :
- عندك حق ! بس ياريت تاخد بالك إن أنت اللي بتتعامل معايا أنا مفرضتش نفسي عليك !
خرجت من أحضانه و قالت بهدوء : أنا صدعت هروح اقعد بقا !
تنهد بحزن حين شعر أنه تسرع للغاية بحديثه لكنه ساخط على كل ما يدور حوله و لا يعلم هل ما يحدث هو الصواب أم أنه يضل الطريق و يتجه خلفها داخل دربها المُلبد بالضباب الناعم !!!!
سار بجانبها لكنه توقف عاقدًا حاجبيه حين أقبل عليهما هذا الشاب الوسيم و قال ببهجة واضحة :
- عامله إيه ياسديم !!!!
كان الجميع أمام الطاولة ووقف كلًا من "سليم" و "يوسف" ينتظران مبادلة "سديم" إياه الحضن بل إنها أحاطت عنقه و هبطت يدها تربت فوق ظهره بخفة وعينيه تراقب حركاتها و تشتعل كلما لمسها هذا الرجل الذي بالغ حين ضمها إلى صدره بطريقة استفزته للغاية و ازداد غضبه حين نادته بلطف تقول : كريم !!!
أين سمع هذا الاسم ؟!!! خرجت من أحضانه أخيرًا و بدأت تقدمه إلى الشباب ثم قالت وهي تُشير إليه : ودا آسر اللي أنت انقذته !!!
تذكره الآن هذا هو "كريم" الطبيب الذي تحدثت إليه ليلة مرضه و من الواضح أن علاقتهما ليست علاقة صداقة كما أخبرته ، أعين الطبيب تشتاق إليها وتتأملها داخل هذا الرداء القصير والكاشف بشكل مُريب و لايعلم ما سر اشتعاله داخليًا الآن لكن ماهو على يقين منه أنه يتمنى تسديد لكمات متتالية لوجه وجسد هذا الطبيب الوسيم الذي جلس بجانبها يتهامس معها وهي تبتسم وعينيها تتجاهله و كأنه خارج المجلس أو لم يحضر من الأساس حيث كانت تتابع الحديث مع "سليم" و "يوسف" و أيضًا الصغيرة "نورهان" التي اهتمت بتواجدها بشكل خاص و كأنها تخشى أن تمل الجلسة أو تبقى وحيدة و لن ينكر أنه لاحظ تصرفها التلقائي مع الطفلة و أعجبه للغاية اهتمامها الخاص بالصغيرة والذي دفع "نورهان" إلى التعلق بها هو يعلم جيدًا أن الطفل يميل إلى الأمان والرفق و هذا ما جعله يؤمن أنها ليست سيئة كما تُظهر له !!!!!!
كانت الجلسة هادئة و لطيفة ابتعدت "سديم" عن الجميع و اتجهت إلى المرحاض تتحدث إلى شقيقتها "نيرة" تطمئن على أخبارها و تتأكد أنها بخير و أنها بجانبها إن أرادت في أي وقت سوف تهرول إليها و حين عادت إليهم كان "كريم" يقول بتوتر طفيف :
- آه أنا اعرف سديم من سنين فعلًا !
جلست تحاول استنباط الحديث و خاصة حين قال "آسر" بسخرية واضحة :
- مش فاهم برضه تعرفها منين !
نظر "كريم" إليها خاصة أنه لا يميل إلى الكذب و المراوغة ومن الواضح أن هذا الآسر يتحدث هكذا عمدًا ، ضيقت "سديم" عينيها بدهشة من أسئلته الغير مرغوب بها و كأنه يحاول الإيقاع بـ "كريم" ، ماذا يفعل !!! ولكن أنقذ "سليم" الموقف وقال :
- طيب أنا مش عارف بقا هديتي هتعجبك ولا لأ بس أنا مقدرتش اسمع كلامك ومجبهاش !
عقدت حاجبيها و اعتدلت تنظر إليه برفض واضح بينما أكمل حديثه موجهًا السؤال إلى الصغيرة :
- شوفي يانور احكمي أنتِ و كلنا هنوافق على حكمك ، أنا ويوسف جايبين هدايا لسديم نطلعها ولا لأ !
هزت الطفلة رأسها بالإيجاب و ابتسمت تعض على شفتيها بخجل طفيف وتنظر إلى "سديم" بوداعة جعلتها تهز رأسها بيأس و تبتسم لها ثم وقف "سليم" و أخرج العقد من صندوقه يقول بلطف مُشيرًا إلى عنقها :
- تسمحيلي ؟
تنهدت و قالت بهدوء :
- اتفضل!
جمعت خصلاتها ورفعتها إلى الأعلى كاشفة عن نحرها الناعم البض و استقر "سليم" خلفها مباشرة يضعه لها و قد غفل عن نظرات "آسر" التي كادت تحرقهما من فرط غضبه ، و كأنها وافقت على هذا العُقد تأديبًا له على حديثه الأهوج معها حيث رفعت عينيها أخيرًا و نظرت إليه بشموخ ، و لم تكن الوحيدة التي لاحظت نظراته بل "كريم" أيضًا لاحظه و آثر الصمت ثم انتظر تقديم هدية "يوسف" و التي أدهشت الجميع و اضحكتهم آن واحد ، حيث أحضر خلخالين لها وللصغيرة التي ابتهجت به بشدة و أصرت أن تضعه لها "سديم" التي لبت رغبتها بينما وقف "كريم" و قال بهدوء :
- طيب ياجماعة مبسوط إني اتعرفت عليكم ، و حمدلله على سلامتك يا آسر !
انسحب من المجلس ولم ينتظر الرد ولكن استقامت "سديم" مسرعة و أسرعت خلفه تقول بحزن بعدما أمسكت ذراعه و أوقفته :
- كريم ، أنا حقيقي آسفة مكنتش أعرف أن آسر ممكن يعمل كدا بس يوسف أصر يشكر الدكتور اللي أنقذ أخوه ؟!!
عقد حاجبيه و قال بخفوت و هو ينظر تجاه الطاولة ثم إليها :
- سديم أنتِ متأكدة أن دا شغل !!! مش حاسة إنك مندمجة مع العيلة دي و انساحبك هيدمرهم ؟!! الناس بتهاديكِ بألماظ ياسديم ، تخيلي لو عرفوا حقيقتك بالمستوى دا و بدمارهم وقتها ممكن يعملوا فيكِ إيه ؟ أنا أكتر واحد عارفك و عارف وصلتي للحالة دي إزاي بس أنتِ بالمنظر دا بتدمري نفسك !
تنهدت وقالت محاولة الدفاع عن حالها :
- ويعملوا فيا ليه ابنهم هو اللي جابني ، دا غير إني والله مااقصد كل دا ، كل الحوادث دي حصلت صدفة و أنا معرفتش اسيبهم وامشي كنت عايزني اعمل إيه بس ياكريم اسيبهم بيموتوا وامشي ؟! دا غير إني كنت همشي واسيب كل دا بس البنت الصغيرة دي ذنبها إيه تبقا سديم جديدة ؟
أنهت حديثها بأعين لامعة بالدموع متألمة و رفع "كريم" يديه يربت فوق ذراعيها و يقول بهدوء :
- أنا عارف ياسديم وحضرت القصة من أولها كمان مش محتاج توصفيلي بتعملي كدا ليه ، بس خليني أبشرك ان الكابتن اللي جاي علينا دلوقت ونظراته هتحرقني مش واخد الموضوع زيك كدا ، و شايفك بشكل تاني !
أنهى حديثه بهدوء و نبرة محذرة :
- خدي بالك من نفسك ياسديم ، نيرة و مامتك محتاجينك زي البنت الصغيرة دي بالظبط ! هكلمك بعدين ، سلام !
انصرف بخطوات سريعة بينما وقف هو أمامها يقول بنبرة آمرة : يلا عشان نمشي !
عقدت حاجبيها حين تركها و غادر ثم نظرت إلى الجهة الأخرى ووجدت الصغيرة تركض إليها و بيدها حقيبتها تعطيها إياها و تمسك يدها و وجدت "يوسف" يُقبل عليها قائلًا بتهكم :
- واضح أن آسر و كريم حبوا بعض أوي !
تنهدت تردف بحزن و جدية :
- أنا حقيقي ندمت إني جبت كريم ، مكنش فيه داعي يايوسف !
أجابها بهدوء و قد ظن أن "كريم" أيضًا تضرر من معاملة أخيه الفظة : بجد ياسديم معرفش آسر عمل كدا ليه ، ومتوقعتش كدا أبدًا أول مرة يبقا قليل ذوق كدا !
لكزه "سليم" بخفة وقال بحرج :
- طيب نكلمه ياسديم نعتذرله ؟
هزت رأسها بالسلب وأجابت بيأس : لأ لأ مفيش داعي هو مش متضايق من آسر ! يلا نروح بقا نور بدأت تنام !
نظر "يوسف" إلى الطفلة التي تثائبت و أعلنت عن بداية خمولها و أمسكت يد "سديم" تسند إليها وجنتها و تبتسم لها بلطف ، ابتسم لها و قال بمداعبة :
- نوري عايزة تناام خلاص !!! يلا بينا نروح حالًا أهو !
و بالفعل عاد الجميع إلى المنزل سالمين و حين وصل الشباب إلى المنزل حمل "سليم" الصغيرة النائمة إلى الأعلى بينما طلب "عاصم" التحدث إليهم حيث كان ينتظر عودتهم داخل الحديقة و هدر بصوت واضح فور رؤيتهم :
- سديم !! استني عاوزك أنتِ و آسر !