رواية اغلال الروح الفصل العاشر 10 بقلم شيماء الجندي
فصل العاشر " مداهمة ! "
كان من السهل عليها إقناع "سامح " هاتفيًا أنها لن تترك العمل مع "آسر" بل أن الأمر كان عبارة عن مشادة كلامية بينهما و انتهت !!!
جلست فوق الفراش داخل غرفة شقيقتها شاردة تربت فوق خصلاتها الناعمة إلى أن ذهبت في رحلة نوم عميقة و قد إطمأنت أن شقيقتها الحبيبة هدأت تمامًا و تحدثت معها أيضًا في عدة مواضيع متفرقة قبل أن تقرر استغلال أحضان شقيقتها والنوم داخلها !
مالت "سديم" قليلًا برأسها و وجدتها نائمة في سلام كاد يفسده عليها "سامح" الذي طرق الباب بخفة و دلف الآن إلى الغرفة ، أشارت إليه بالخروج ثم سحبت جسدها و
حلّت ذراع شقيقتها عن خصرها تضع قُبلة هادئة فوق خصلاتها ثم أمسكت حقيبتها و هاتفها وخرجت من الغرفة تغلق الباب بهدوء ثم وقفت أمامه تردف عاقدة حاجبيها :
- إيه فيه إيه مش عارفة اقعد مع أختي شوية ؟!!! شغلك يستني لكن أختي لاء و أنت عارف كدا كويس !
تنهد و قال بخفوت :
- خلاص تعالي بعيد عن اوضتها نتكلم !
ابتعدت بالفعل و هبطت معه إلى غرفة المكتب تجلس بهدوء فوق الأريكة و تضع ساق فوق الأخرى تنظر إليه بملامح خاوية غير مقرؤة ثم أخرجت علكة صغيرة من حقيبتها ووضعتها داخل فمها تمضغها ببطء ، لاحظ بطرف عينيه أنها تتابعه إلى أن جلس في مواجهتها حدقت داخل عنينه بجراءة بالغة و كأنها تبحث عن إجابة أمر ما ؟! كان حديث واحد يدور داخل عقله " سديم لا تتعامل هكذا إلا حين تخطط إلى كارثة ! " تُرى ما الذي اغضبها منه ؟
جلسة مليئة بالترقب كل منهما صامت و ينتظر حديث الآخر إلى أن تحدث "سامح" بغضب من فرط توتره منها هكذا و قال :
- مالها بقاا نيرة ماهي تمام الحمدلله أهو ! كانت قالتلي كنت جبتلها مستشفى كاملة تحت ايدها في المدرسة ، أنتِ عارفة إني لا يمكن أهمل فيها ليه بقاا تسيبي شغلك و تتخانقي مع الراجل كدا ؟
ابتسمت وقالت بهدوء :
- آه عارفة ! صحيح و أنا فاكرة ياسامح هي ماما لسه موافقتش على العملية ؟
رفع حاجبه بدهشة و قال :
- إيه اللي فكرك بنبيلة دلوقت ؟
عقدت حاجبيها و أردفت ساخرة :
- دا سؤال برضه ؟ هو في حد بينسى أمه ! على العموم لما جبت سيرة المستشفى افتكرت !
فرط قلقه سوف يفضح أمره أمام تلك الفتاة ، قرر الحديث عن العمل و ترك الأمور العائلية إلى أن يهدأ و قال بغضب :
- إحنا مش هنقعد نتناقش في كلام جانبي ونسيب اللي عملتيه مع آسر !
ابتسمت له و أجابت بعبث :
- عملت إيه بقا هو عيل صغير بيشتكي مني ؟ متقلقش أوي كدا يا سامح أنت واخد منه حقك أضعاف دا أنت نهبته كل دا مش مكفيك !
رفع حاجبه و انتقل جانبها فوق الأريكة يقول بتمني :
- لأ أنا متلزمنيش الفتافيت دي ، أنا عايز الراس الكبيرة ياسديم ! و محدش غيرك يعرف يعمل دا ، شوفي مش هتدخل في طريقتك بس توعديني إن ثروة عاصم تبقا بتاعي في أيام !
ضيقت عينيها و رددت كلمته تقول :
- بتاعتك !!!! يعني أنا اعمل كل دا بدون أي مقابل ؟
إنها المرة الأولى التي تطالبه بالأموال فيها !!! كانت تأخذ الأموال في كل مرة على مضض ، لكنها ترغب بالثروة هذه المرة !! هل أصبحت مثله أم أنها بدأت تتأقلم مع الأوضاع حولها و أن العالم لن يتحرك بقيم ومبادئ والدها السامية التي زرعها داخلها ومنذ أعوام و هو يكافح معها محاولًا تغيير عقليتها الصماء !!!
اتسعت عينيه و أردف بترحيب :
- بتاعتنااا طبعًا ! أنتِ عارفة ومتأكدة إن أي مقابل تطلبيه هيكون تحت أمرك !
أدركت أنه لن يتخلى عنها ! بل أنه يتمنى أن ترضى بشكل دائم عنه ، احتياجه لها هو نقطة ضعفه ، إذًا تلك هي بدايتها معه ، لن تترك الصغيرة و لن تترك شقيقتها ووالدتها فقط عليها أن تبدأ من داخل منزل آل الجندي وليس من هذا المكان !
تنفست بهدوء و قالت مبتسمة :
- خلاص يبقا سيبني اتصرف مع عاصم لوحدي و هترتاح في الآخر متقلقش !
بدا عدم الاقتناع على ملامحه لذلك أكملت مبتسمة رغبة في زيادة جشعه تجاه الثروة :
- يبقا معاك ثروة عاصم بس ؟ و لا ثروة أكبر من كدا ؟!! أنا جوا العيلة وعارفة تفاصيلهم كلها دلوقت و نقط ضعفهم يبقا تسيبني أكمل و لا اولع الدنيا و ينتقموا مننا بما اخوهم يموت و ننهبه ماهو أكيد مش هيقفوا يتفرجوا عليك خصوصًا آسر !!!!
كانت قد أدركت منذ فترة مدى رهبته من نفوذ هذا الشاب و ها هي تستغل جميع نقاط ضعفه و تصل إلى آخر نقطة ! الآن عليها إغلاق الدائرة بإحكام و استغلال نفسها حيث أكملت بهدوء :
- أنا مبحبش اللي يراقب تصرفاتي و يؤمرني و أنت عارف كدا كويس ياسامح و بصراحة بقا لو عندت معايا المرة دي خلاص كل واحد فينا من طريق و أبدأ اشتغل لصالحي ، وأنت عارف كويس إني اقدر أكمل لوحدي !
عقد حاجبيه حين ذكرته أنها يمكنها الإستغناء عنه و هذا ما يحاول تجاهله دومًا ، لماذا التسرع إذًا هي على حق لينتظر قليلًا و يرى ما الذي سوف تفعله هي ، من الواضح أن "آسر" اغضبها أو اخرجها عن طورها و لأول يشعر انها تفكر مثله و بدأت تسير على نهجه ، كما أنها حادة الذكاء و طالما ابهرته في بداية عملها معه و قبل وفاة والدها بأفكار رائعة هل تعود إليه حقًا !!!!
ابتسم لها و قال ببهجة و هو يرفع يديه و يقبض بخفة على كتفيها قائلًا :
- اعتبر دا وعد منك إننا هنرجع زي زمان ياسديم ؟!!
ابتسمت له و قالت بجدية و نبرة عابثة :
- أوعدك ياسامح هرجع زي زمان !!!
ثم استقامت واقفة و هي ترى السرور والبهجة يتراقصان فوق ملامحه و كأنه ظفر في مباراة نهائية معها و سارت خطوات قليلة لكنها توقفت تقول :
- آه متصحيش نيرة من نومها اليومين دول هتلاقيها بتتصرف بطريقة غريبة شوية عشان مجهدة و عندها خلافات مع صحابها في المدرسة ، سيبها براحتها و أنا هطلع اشوف ماما و امشي عشان متأخرش عليهم أكتر من كدا و يلاحظوا غيابي أنا معايا عربيتهم برا !
هز رأسه بالموافقة و قال بلطف حين وجدها حقًا تخطط إلى العودة و بقوة هكذا ! :
- أكيد أنا مش هقرب من نيرة متقلقيش و لو مقدرتش تنزل للغدا هبعتلها الاكل المهم تابعي معايا ياسديم أول كا تبدأي و هوفرلك كل اللي تحتاجيه في أي وقت متخافيش أنا مش هسيبك !
رسمت بسمة فوق شفتيها و أخفتها فور أن أدارت جسدها ثم خرجت على الفور و لم تحاول العرج إلى والدتها ، بل أسرعت من المكان و كأنها هاربة !!!!
وصلت إلى طريق هادئ و أوقفت السيارة ثم وضعت رأسها فوق المقود يإنهاك و سقطت دموعها أخيرًا ، لكنها لا تعلم هل تلك دموع الخذلان من الأقرب لها أم دموع ندمها على ما فعلت حين رأت إنهيار شقيقتها اليوم ، أم دموع وحدتها داخل طريقها المليئ بالضباب ، أم دموع ألمها من وحدتها بين هؤلاء القوم ؟!! ما تمنت سوى حياة هادئة دافئة بين أسرتها الصغيرة ، ما رغبت يومًا في المال و السلطان ، و لكنها داخل دائرة الشك دومًا كما يراها هذا المتعجرف مجرد محتالة ، تتلاعب بمن حولها و كأنها لا تملك مشاعر !
ضحكت بين بكائها حين أتى ذكر المشاعر ، والدتها كانت تعلم !!!! أين مشاعر أمومتها إذًا ! لقد تركتها داخل طريق مظلم مليئ بالذئاب و فرت هاربة ! كيف فعلت هذا بها !!! كيف استطاعت أن تتخلى عنها هكذا ؟! أجهشت بالبكاء و انتفض جسدها بقوة و تشتت عقلها تمامًا لكنها لن تتخلى عن الصغيرة وتتركها بين أنياب خالها السامة ! ما ذنب تلك البريئة و ماذنب شقيقتها ، هو ذنبها ، لقد تركت حالها داخل الظلام الحالك و استسلمت لرغبة "سامح" منذ أعوام ، سواء هي أو أمها لن تترك غيرها يدفع ثمن خطأ لم يرتكبه !
وضعت يدها فوق قلادتها التي تحيط عنقها و همست بألم :
- قولي أعمل إيه بدل ماتلوم عليا ، اتصرف من دماغي واخبي عليه و اكمل مع سامح و لا كفاية كدا وألحق نيرة وابعد عن كل دا !!!
أدهشها تفكيرها الغريب ومخاوفها التي تسيطر عليها لازالت تتجسد أمامها نظراته التائهة بالصباح و كأنها أعلنت مسؤليتها الكاملة عنه و عن عائلته دون شعور منها لن تخفي اعجابها بمحبته تجاه عائلته ودفاعه عنها لكنها أيضًا شبه تتورط بمرور الأيام معه ومع أسرار عائلته الغريبة !!!
رفعت يديها ووضعتها فوق وجهها و أخذت تتنفس ببطء إلى أن هدأت تمامًا و قررت مواصلة ما بدأته منذ قليل مع "سامح" و لن تتركه تلك المرة إلا بالقضاء على أثره ، قادت السيارة إلى شركة "آل الجندي" و اتجهت إلى مكتب "سليم" مباشرة !!!!
________________ *** _________________
طرقت الباب ثم دلفت فور أن أذن لها و ابتسمت بهدوء تقول فور أن دلفت :
- ممكن آخد من وقتك شـ .آآ
قطعت كلماتها حين وجدته يجلس فوق المقعد المقابل له فوق منضدة الاجتماعات الصغيرة ، بينما وقف "سليم" و اتجه إليها يقول ببهجة واضحة :
- دا الوقت كله ملكك ! إيه النور دا !!!
ابتسمت له بهدوء و رفعت خصلاتها خلف أذنها بتوتر طفيف ثم أردفت :
- أنا كنت جاية أقولك إني فاضية النهاردة لو حابين تنزلوا !
كان وجهها واضح عليه الإرهاق بشكل ملحوظ و عينيها التي تحاول تهريبها منه تكاد تتحدث و تقول أنها لم تكف عن البكاء منذ الصباح مما دفعه إلى التساؤل بدهشة :
- أنتِ بخير ؟ كنت معيطة ياسديم !!
هزت رأسها بالسلب و قالت بهدوء متعمدة تجاهل عينيه الثابتة فوقها بالرغم أنها تتحدث إلى "سليم" إلا أنها تشعر بعينيه وكأنها تخترق عظامها و ما زاد الأمر سوء حين وقف و اتجه إليهما فور سماعه تعليق ابن عمه عن حالتها :
- لا أنا بس منمتش حلو امبارح عشان كدا قولت اعدي عليك دلوقت واروح بعدها !
أجابها برفض قاطع :
- لا طبعًا مننزلش و أنتِ مجهدة أوي كدا ، تعالي اروحك و النزول يوم تاني عادي ، يكون كمان يوسف رجع من بورسعيد !
تنهدت و أردفت مبتسمة :
- زي ما تشوف أنا همشي !
استدارت و تركته تتحرك إلى الخارج وكاد يتجه خلفها لكن قال "آسر" رابتًا فوق كتفه :
- استنى أنت أنا هشوفها !
حدق به "سليم" بارتياب لكنه تجاهل نظراته واتجه خلفها بخطوات مسرعة و دلف خلفها إلى المصعد قبل أن يغلق بابه عليها !
عقدت حاجبيها و رفعت وجهها الذابل تنظر إليه بدهشة خاصة حين قال بهدوء :
- مالك ؟
وكأنها تنتظر حديثه لتفر دمعة خائنة من عينيها و لكنها نكست رأسها و رفعت يدها تجفف دموعها و تقول بصوت متحشرج :
- مفيش !
امتدت أنامله إلى ذقنها يرفع وجهها و يقترب منها حد الإلتصاق هامسًا :
- بتعيطي ليه ؟
أجابت على الفور وصوتها يحارب البكاء و قد أزاحت يده عن وجهها :
- مش بعيط ! و أنت بالذات لو آخر واحد في الدنيا مش هحكيلك أي حاجه عني !
عقد حاجبيه ينظر إليها بدهشة و سألها مباشرة :
- ليه ؟
رفعت يديها تجمع خصلاتها و تهندم حالها ثم وضعت نظاراتها الشمسية فوق رأسها و أجابت :
- عشان أنا معاك للشغل بس !
أوقف المصعد وقال بغضب :
- أنتِ بتعامليني كدا عشان اللي حصل الصبح ؟ أنا معنديش أي مشكلة تمشي لو هتكملي معايا بالاسلوب دا !!!
صاحت به و بدأت دموعها تسقط بألم :
- أنا مش عايزة اكمل مع أي حد !!!!! أنا تعبتتت وقرفت !
حاولت الحركة و الضغط على المصعد والهروب من أمامه لكنه أمسك ذراعها بيده و قال بنبرة متوترة :
- متمشيش بتعيطي كدا ! أنتِ مش بالضعف دا !!
فاض الكيل و دفعته بقوة فجائية و هي تبكي بألم وتهبط أرضًا فوق ركبتيها تصرخ به :
- لا أنااا ضعيفة عاااادي و بشر زيكممم على فكرة !!!!!
هبط يجاورها بالرغم أنها دفعته بذراعه المصاب لكنه لأول مرة يراها هكذا و ظن أن هذه الحالة بسبب شقيقتها رفع يده يربت فوق خصلاتها و يهمس لها :
- خلاص إهدي شوفي عايزة إيه و هعمله !
لم تتحدث رفعت يديها تغطي وجهها و تجهش بالبكاء و كأن ألمها اخترق صدره هيئتها تلك مؤلمة للغاية شاحبة الوجه جسدها يرتعش و عينيها متورمة ، لا يعلم قصتها لكنه حقًا أشفق اليوم عليها حين وجد شقيقتها تتشبث بها ، إن كانت بهذا السوء لماذا تتحمل مسؤلية فتاة مراهقة في عمر شقيقتها !!
لم يشعر إلا حين رفع ذراعه و أحاط جسدها يضمها إلى صدره و يهمس لها :
- خرجي طاقتك كلها و أوعدك محدش هيعرف حاجة !
وكأنها تنتظر الإذن دست وجهها بصدره و رفعت يدها تتشبث بقميصه و تبكي فقط تبكي ! تبكي على حالها ووالدها و شقيقتها و والدتها التي طعنتها اليوم من جديد ، و كأن الجراح تتجدد و كأن والدها توفي منذ قليل و كأن العالم توقف في هذه اللحظات !
ظل يربت فوق خصلاتها إلى أن هدأت و أدركت فعلتها !!!
ابتسم حين وجدها بدأت تهدأ و تحاول تنظيم تنفسها و عضت على شفتيها بخجل ، رفعت رأسها و من حظها الجيد هبطت خصلاتها تغطي وجهها لكنه استقام واقفًا و ضغط فوق زر الإنطلاق و مد يده إليها وبالفعل أمسكتها و وقفت تنظر إلى الأرض و تجفف دموعها بيديها متجاهلة النظر إليه ، لكن ما ادهشها حقًا حين قال بهدوء :
- أنا هروح دلوقت طريقنا واحد تعالى معايا و مش هتكلم معاكِ لحد ما نوصل أحلي أي حاجة بينا لحد بليل !
خرج من المصعد و وقف ينتظرها بصمت تام ! قررت الذهاب معه و بالفعل لم يتحدث مطلقًا ، بل أنه أصر على إحضار طعام فطور من نوع خاص و من اختيارها وأخبرها أن ميعاد دواء خاص به اقترب و لن يتناول الطعام دونها ، بالفعل وافقت و جلب طعامهما إلى السيارة و الذي كان عبارة عن بيتزا من اختيارها ، و قال بعبث :
- أنا باكل أكل صحي بس على فكرة بس وعدتك هفطر على ذوقك !
ابتسمت و بدأت تتناول الطعام بشهية واضحة وهي تقول بثقة :
- هيعجبك ذوقي جدًا أنا كمان بقالي فترة مش باكل كل دا !! هو مش فطار أوي يعني بس هيعجبك ! وبعدين دوا إيه اللي بتاخد دلوقت مفيش أدوية معادها دلوقت ليك !
رفع حاجبه و قال بمكر :
- و أنتِ مركزة مع مواعيد أدويتي ؟
رفعت حاجبها مثله و قالت بعبث :
- التركيز دا طبيعة فيا مش حاجة خاصة يعني !
ابتسم لها و باغتها قائلّا :
- أنتِ معايا أنا بس كدا !
عقدت حاجبيها و إلتقطت المحارم الورقية تسأله بدهشة :
- كدا إزاي يعني ؟ عشان ردودي عليك ؟
أجابها بصدق : يعني اسلوبك و كلامك ، بصراحة النهاردة اتصدمت بمعاملتك مع أختك كان واضح إنها عكسك خالص حتى الملامح ، و اتصدمت إن عندك أخت أصلًا !
رفعت حاجبها الأيسر و قالت ضاحكة :
- اااه أنت أصلًا فاكرني نصابة مليش أهل وكدا ! أنا كان عندي عيلة أجمل من عيلتك !
ثم أكملت بنبرة متألمة : بس مفيش حاجه بتفضل على حالها !
نكست رأسها تخفي لمعة عينيها بالدموع و أكملت حين وجدته صامت يستمع إلى حديثها بهدوء : نيرة عكسي فعلًا ، و معنديش أي استعداد تبقى شبهي !!!
اعتدلت بجلستها و حمحمت تقول بتوتر و اختناق واضح :
- إيه دا أنت عايز تشوفني بعيط مرتين ولا ايه !!
ضحك حين بدلت الحديث و قال بلطف غير معهود :
- مش هنكر إني عرفت نقطة ضعفك و ايه اللي بيوترك و احتمال استغل دا !
نظرت إليه لحظات ثم قالت بمكر :
- طيب ما أنا عارفة نقط ضعفك و اللي بيوترك و مااستغلتوش ! صحيح وأنا فاكرة ، ما أنت ضحكتك حلوة أهو و بتعرف تبتسم مبتضحكش في وشي ليه بقا !
توترت نظراته و اعتدل هو أيضًا و يبدأ بقيادة السيارة بينما صدحت ضحكاتها بقوة و ألقت برأسها إلى الخلف تضع يدها فوق قلبها ، ليراقبها عاقدًا حاجبيه موزعًا نظراته بينها و بين الطريق عاجزًا عن تجاهل لطافتها بتلك الضحكات الصادحة من قلبها بطلاقة أدهشته لكنه شاركها ببسمة هادئة حين قالت موضحة سبب ضحكاتها :
- وترتك في لحظة أهو !
هز رأسه بيأس و قال مبتسمًا :
- مفيش فايدة معاكِ !
لملمت خصلاتها على كتفها الأيمن و قالت و هي تضغط على زر فتح النافذة بجانبها :
- متحاولش تاني بقا !
لازالت بسمتها اللطيفة تتراقص برقة فوق شفتيها لماذا لا تصبح الأمور هكذا دائمًا معها إلى أن تنتهي من عملها معه ، عقد حاجبيه حين وردت تلك الفكرة على عقله ، هي ذاهبة يومًا ما ، سوف تتركه و تترك عائلته و تعود إلى حالها السابق ، ما الذي يعكر صفوه إذًا ، و لماذا يؤخر عودتها ، و لماذا داهم حياتها اليوم و تطفل عليها هي و شقيقتها !
عقد حاجبيه حين صمتت تنظر من خلال النافذة بهدوء و قد تراقص الهواء الطلق مع خصلاتها برقة و بدأت عنينيه تجوب ملامحها الساكنة من جانب وجهها وتهبط إلى نحرها الناعم وكاد يُكمل لكنها قالت ولازالت عينيها تتابع الطريق :
- هنعمل حادثة تاني كدا و ابقا أنا السبب بجد المرة دي !
بعغوية واضحة انطلقت كلماته يقول :
- متأكد إنك هتلحقيني !
لاذ بالصمت و هرب بعينيه منها بعد أن ألقى كلماته و دلف إلى محيط منزله من البوابة الإلكترونية ، و ألجمتها صدمة اعترافه عن الحديث ، هل يراها منقذ بالفعل و يقر الآن بدورها في إنقاذه !!!!
اغضبها للغاية و لاحظت أنه يُصبح بتلك اللطافة حين يكون بمفرده معها ! لكن أمام صديقه يتركها إلى أنياب كلماته و هذا ما صرحت به بوضوح قبل أن تهبط من السيارة :
- خايفة اشكرك على النهاردة و اصحا بكرة اشوفك بتتكلم مع صاحبك عليا !
تركته وهبطت من السيارة لكنه هبط و سار خلفها ثم أمسك ذراعها يردف بتوتر و نظراته الحائرة تجوب ملامحها :
- رائف خايف منك يعني من دخولك العيلة هو متربي معانا و العيلة دي زي عيلته بالظبط و أنا معنديش اللي اطمنه بيه و لا حتى اطمن نفسي واللي عملته النهاردة بعيد تمامًا عن الشغل اللي بينا وعن رائف و عن كل اللي بيحصل !
رفعت حاجبها و حدقت داخل عينيه تسأله :
- وعملت كدا ليه النهاردة ؟
أجاب بغلظة حين شعر أنه بالغ معها اليوم إلى درجة تساؤلها : عشان أختك ملهاش ذنب !
هبط كتفيها وقالت بألم تعقد حاجبيها :
- عملت كدا معايا عشان اللي شوفته الصبح !!! شفقة يعني !
سألها بدهشة :
- ليه هو فيه سبب تاني ممكن اعمل عشانه كدا ؟
كانت سوف تخبره كل ما لديها ، كادت أن تقول حقيقة الصغيرة له تلك الليلة لكنه مزاجي للغاية ومتسرع و لن تخاطر بمستقبل الصغيرة مع شخص مثله !
أجابت بهدوء : لا مفيش !
ثم تركته و اتجهت إلى غرفتها من جهة الحديقة حيث أنها غير قادرة على مواجهة أحد الآن و عليها ترتيب أمورها سريعًا حتى تتخلص من براثنه و براثن خالها إلى الأبد !
بينما زفر هو بغضب و همس لحاله :
- أنا إيه اللي هببته النهاردة دا !!!!
ارتفع رنين هاتفه و أجاب على الفور يقول بغضب :
- أنا مش طايق كلمة واحدة يارائف أنا حالي كله متلغبط !
أغلق الهاتف و لم يعود إلى منزله بل اتجه إلى غرفتها و دلف خلفها مباشرة يغلق الباب ثم أمسك ذراعها فجأة وأدارها على حين غرة لتسقط فوق صدره بأعين متسعة و كادت تستجمع حالها و تبتعد عنه إلا أنه أحاط خصرها بقوة يقول بأعين تائهة :
- أنا معرفش عملت كدا ليه النهاردة ولا اعرف منعتك الصبح تمشي ليه ! و لا اعرف روحت وراكِ النهاردة ليه ، بس اللي اعرفه ومتأكد منه إني لما شوفتك في الحالة دي في الاسانسير معرفتش امشي و أديكي ضهري وأقول وأنا مالي !! زي ما أنا معرفتش دلوقت اسيبك متضايقة من كلامي زي كل مرة كنت قاصد اوجعك فيها بالكلام و انتقد تصرفاتك !!!
لازالت تحدق به بأعين متسعة و انتفض جسدها حين رفع أنامله إلى ذقنها و همس لها بتوتر :
- أنا عارف أن اللي بقوله غريب و كل تصرفاتي النهاردة غريبة بس أنا مش عارف أنا عايز منك ايه ياسديم ! بس صدقيني آخر حاجة أتمناها دلوقت هي إني أذيكِ !
نظرت إليه بحزن وهمست له بإنهاك :
- وأنت مش مطلوب منك أي حاجة ناحيتي يا آسر مش أنت السبب في أذيتي !
سألها :
- سامح ؟
هزت رأسها بالسلب و قالت :
- سيبني ياآسر أنت مش فاهم حاجه !
عقد حاجبيه يقول بجدية :
- فهميني ياسديم ! قوليلي إيه اللي يجبر واحدة زيك بكل مميزاتها دي أنها تبقا كدا !
ابتسمت ساخرة و حاولت الابتعاد عنه تقول بحزن :
- نصاابة مش كدا !! محدش أجبرني ياآسر أنا اخترت دا بنفسي !
عقد حاجبيه وقال بتكذيب :
- و أنتِ اللي خفيتي كل أوراقك ؟!!!! و أنت اللي رافضة تعيشي مع أختك اللي كأنها شافت كنز النهاردة لما شافتك ؟ أنا عايز اساعدك ياسديم !
ابتعلت رمقها و قالت بحزن و بإرهاق :
- ليه مش عايز تفهمني ، محدش في الدنيا هيقدر يساعدني !
حدق بها بصمت يقول بهدوء :
- أنتِ مش واثقة فيا !
رفعت عينيها وقالت بألم :
- أنت اللي مش بتثق فيا ، عايز تتسلى بحكايتي مش أكتر وأنا مش بتاعة حكاوي وتسلية !
ابتسم لها وقال جاذبًا انتباهها :
- بس أنا اقدر اثبتلك دلوقت إني بثق فيكِ !
وما العلاقات سوى بنيان شاهق الإرتفاع حجر أساسه الثقة و مِصعده المحبة و طوابقه بُنيت باللطف واللين !
كان من السهل عليها إقناع "سامح " هاتفيًا أنها لن تترك العمل مع "آسر" بل أن الأمر كان عبارة عن مشادة كلامية بينهما و انتهت !!!
جلست فوق الفراش داخل غرفة شقيقتها شاردة تربت فوق خصلاتها الناعمة إلى أن ذهبت في رحلة نوم عميقة و قد إطمأنت أن شقيقتها الحبيبة هدأت تمامًا و تحدثت معها أيضًا في عدة مواضيع متفرقة قبل أن تقرر استغلال أحضان شقيقتها والنوم داخلها !
مالت "سديم" قليلًا برأسها و وجدتها نائمة في سلام كاد يفسده عليها "سامح" الذي طرق الباب بخفة و دلف الآن إلى الغرفة ، أشارت إليه بالخروج ثم سحبت جسدها و
حلّت ذراع شقيقتها عن خصرها تضع قُبلة هادئة فوق خصلاتها ثم أمسكت حقيبتها و هاتفها وخرجت من الغرفة تغلق الباب بهدوء ثم وقفت أمامه تردف عاقدة حاجبيها :
- إيه فيه إيه مش عارفة اقعد مع أختي شوية ؟!!! شغلك يستني لكن أختي لاء و أنت عارف كدا كويس !
تنهد و قال بخفوت :
- خلاص تعالي بعيد عن اوضتها نتكلم !
ابتعدت بالفعل و هبطت معه إلى غرفة المكتب تجلس بهدوء فوق الأريكة و تضع ساق فوق الأخرى تنظر إليه بملامح خاوية غير مقرؤة ثم أخرجت علكة صغيرة من حقيبتها ووضعتها داخل فمها تمضغها ببطء ، لاحظ بطرف عينيه أنها تتابعه إلى أن جلس في مواجهتها حدقت داخل عنينه بجراءة بالغة و كأنها تبحث عن إجابة أمر ما ؟! كان حديث واحد يدور داخل عقله " سديم لا تتعامل هكذا إلا حين تخطط إلى كارثة ! " تُرى ما الذي اغضبها منه ؟
جلسة مليئة بالترقب كل منهما صامت و ينتظر حديث الآخر إلى أن تحدث "سامح" بغضب من فرط توتره منها هكذا و قال :
- مالها بقاا نيرة ماهي تمام الحمدلله أهو ! كانت قالتلي كنت جبتلها مستشفى كاملة تحت ايدها في المدرسة ، أنتِ عارفة إني لا يمكن أهمل فيها ليه بقاا تسيبي شغلك و تتخانقي مع الراجل كدا ؟
ابتسمت وقالت بهدوء :
- آه عارفة ! صحيح و أنا فاكرة ياسامح هي ماما لسه موافقتش على العملية ؟
رفع حاجبه بدهشة و قال :
- إيه اللي فكرك بنبيلة دلوقت ؟
عقدت حاجبيها و أردفت ساخرة :
- دا سؤال برضه ؟ هو في حد بينسى أمه ! على العموم لما جبت سيرة المستشفى افتكرت !
فرط قلقه سوف يفضح أمره أمام تلك الفتاة ، قرر الحديث عن العمل و ترك الأمور العائلية إلى أن يهدأ و قال بغضب :
- إحنا مش هنقعد نتناقش في كلام جانبي ونسيب اللي عملتيه مع آسر !
ابتسمت له و أجابت بعبث :
- عملت إيه بقا هو عيل صغير بيشتكي مني ؟ متقلقش أوي كدا يا سامح أنت واخد منه حقك أضعاف دا أنت نهبته كل دا مش مكفيك !
رفع حاجبه و انتقل جانبها فوق الأريكة يقول بتمني :
- لأ أنا متلزمنيش الفتافيت دي ، أنا عايز الراس الكبيرة ياسديم ! و محدش غيرك يعرف يعمل دا ، شوفي مش هتدخل في طريقتك بس توعديني إن ثروة عاصم تبقا بتاعي في أيام !
ضيقت عينيها و رددت كلمته تقول :
- بتاعتك !!!! يعني أنا اعمل كل دا بدون أي مقابل ؟
إنها المرة الأولى التي تطالبه بالأموال فيها !!! كانت تأخذ الأموال في كل مرة على مضض ، لكنها ترغب بالثروة هذه المرة !! هل أصبحت مثله أم أنها بدأت تتأقلم مع الأوضاع حولها و أن العالم لن يتحرك بقيم ومبادئ والدها السامية التي زرعها داخلها ومنذ أعوام و هو يكافح معها محاولًا تغيير عقليتها الصماء !!!
اتسعت عينيه و أردف بترحيب :
- بتاعتنااا طبعًا ! أنتِ عارفة ومتأكدة إن أي مقابل تطلبيه هيكون تحت أمرك !
أدركت أنه لن يتخلى عنها ! بل أنه يتمنى أن ترضى بشكل دائم عنه ، احتياجه لها هو نقطة ضعفه ، إذًا تلك هي بدايتها معه ، لن تترك الصغيرة و لن تترك شقيقتها ووالدتها فقط عليها أن تبدأ من داخل منزل آل الجندي وليس من هذا المكان !
تنفست بهدوء و قالت مبتسمة :
- خلاص يبقا سيبني اتصرف مع عاصم لوحدي و هترتاح في الآخر متقلقش !
بدا عدم الاقتناع على ملامحه لذلك أكملت مبتسمة رغبة في زيادة جشعه تجاه الثروة :
- يبقا معاك ثروة عاصم بس ؟ و لا ثروة أكبر من كدا ؟!! أنا جوا العيلة وعارفة تفاصيلهم كلها دلوقت و نقط ضعفهم يبقا تسيبني أكمل و لا اولع الدنيا و ينتقموا مننا بما اخوهم يموت و ننهبه ماهو أكيد مش هيقفوا يتفرجوا عليك خصوصًا آسر !!!!
كانت قد أدركت منذ فترة مدى رهبته من نفوذ هذا الشاب و ها هي تستغل جميع نقاط ضعفه و تصل إلى آخر نقطة ! الآن عليها إغلاق الدائرة بإحكام و استغلال نفسها حيث أكملت بهدوء :
- أنا مبحبش اللي يراقب تصرفاتي و يؤمرني و أنت عارف كدا كويس ياسامح و بصراحة بقا لو عندت معايا المرة دي خلاص كل واحد فينا من طريق و أبدأ اشتغل لصالحي ، وأنت عارف كويس إني اقدر أكمل لوحدي !
عقد حاجبيه حين ذكرته أنها يمكنها الإستغناء عنه و هذا ما يحاول تجاهله دومًا ، لماذا التسرع إذًا هي على حق لينتظر قليلًا و يرى ما الذي سوف تفعله هي ، من الواضح أن "آسر" اغضبها أو اخرجها عن طورها و لأول يشعر انها تفكر مثله و بدأت تسير على نهجه ، كما أنها حادة الذكاء و طالما ابهرته في بداية عملها معه و قبل وفاة والدها بأفكار رائعة هل تعود إليه حقًا !!!!
ابتسم لها و قال ببهجة و هو يرفع يديه و يقبض بخفة على كتفيها قائلًا :
- اعتبر دا وعد منك إننا هنرجع زي زمان ياسديم ؟!!
ابتسمت له و قالت بجدية و نبرة عابثة :
- أوعدك ياسامح هرجع زي زمان !!!
ثم استقامت واقفة و هي ترى السرور والبهجة يتراقصان فوق ملامحه و كأنه ظفر في مباراة نهائية معها و سارت خطوات قليلة لكنها توقفت تقول :
- آه متصحيش نيرة من نومها اليومين دول هتلاقيها بتتصرف بطريقة غريبة شوية عشان مجهدة و عندها خلافات مع صحابها في المدرسة ، سيبها براحتها و أنا هطلع اشوف ماما و امشي عشان متأخرش عليهم أكتر من كدا و يلاحظوا غيابي أنا معايا عربيتهم برا !
هز رأسه بالموافقة و قال بلطف حين وجدها حقًا تخطط إلى العودة و بقوة هكذا ! :
- أكيد أنا مش هقرب من نيرة متقلقيش و لو مقدرتش تنزل للغدا هبعتلها الاكل المهم تابعي معايا ياسديم أول كا تبدأي و هوفرلك كل اللي تحتاجيه في أي وقت متخافيش أنا مش هسيبك !
رسمت بسمة فوق شفتيها و أخفتها فور أن أدارت جسدها ثم خرجت على الفور و لم تحاول العرج إلى والدتها ، بل أسرعت من المكان و كأنها هاربة !!!!
وصلت إلى طريق هادئ و أوقفت السيارة ثم وضعت رأسها فوق المقود يإنهاك و سقطت دموعها أخيرًا ، لكنها لا تعلم هل تلك دموع الخذلان من الأقرب لها أم دموع ندمها على ما فعلت حين رأت إنهيار شقيقتها اليوم ، أم دموع وحدتها داخل طريقها المليئ بالضباب ، أم دموع ألمها من وحدتها بين هؤلاء القوم ؟!! ما تمنت سوى حياة هادئة دافئة بين أسرتها الصغيرة ، ما رغبت يومًا في المال و السلطان ، و لكنها داخل دائرة الشك دومًا كما يراها هذا المتعجرف مجرد محتالة ، تتلاعب بمن حولها و كأنها لا تملك مشاعر !
ضحكت بين بكائها حين أتى ذكر المشاعر ، والدتها كانت تعلم !!!! أين مشاعر أمومتها إذًا ! لقد تركتها داخل طريق مظلم مليئ بالذئاب و فرت هاربة ! كيف فعلت هذا بها !!! كيف استطاعت أن تتخلى عنها هكذا ؟! أجهشت بالبكاء و انتفض جسدها بقوة و تشتت عقلها تمامًا لكنها لن تتخلى عن الصغيرة وتتركها بين أنياب خالها السامة ! ما ذنب تلك البريئة و ماذنب شقيقتها ، هو ذنبها ، لقد تركت حالها داخل الظلام الحالك و استسلمت لرغبة "سامح" منذ أعوام ، سواء هي أو أمها لن تترك غيرها يدفع ثمن خطأ لم يرتكبه !
وضعت يدها فوق قلادتها التي تحيط عنقها و همست بألم :
- قولي أعمل إيه بدل ماتلوم عليا ، اتصرف من دماغي واخبي عليه و اكمل مع سامح و لا كفاية كدا وألحق نيرة وابعد عن كل دا !!!
أدهشها تفكيرها الغريب ومخاوفها التي تسيطر عليها لازالت تتجسد أمامها نظراته التائهة بالصباح و كأنها أعلنت مسؤليتها الكاملة عنه و عن عائلته دون شعور منها لن تخفي اعجابها بمحبته تجاه عائلته ودفاعه عنها لكنها أيضًا شبه تتورط بمرور الأيام معه ومع أسرار عائلته الغريبة !!!
رفعت يديها ووضعتها فوق وجهها و أخذت تتنفس ببطء إلى أن هدأت تمامًا و قررت مواصلة ما بدأته منذ قليل مع "سامح" و لن تتركه تلك المرة إلا بالقضاء على أثره ، قادت السيارة إلى شركة "آل الجندي" و اتجهت إلى مكتب "سليم" مباشرة !!!!
________________ *** _________________
طرقت الباب ثم دلفت فور أن أذن لها و ابتسمت بهدوء تقول فور أن دلفت :
- ممكن آخد من وقتك شـ .آآ
قطعت كلماتها حين وجدته يجلس فوق المقعد المقابل له فوق منضدة الاجتماعات الصغيرة ، بينما وقف "سليم" و اتجه إليها يقول ببهجة واضحة :
- دا الوقت كله ملكك ! إيه النور دا !!!
ابتسمت له بهدوء و رفعت خصلاتها خلف أذنها بتوتر طفيف ثم أردفت :
- أنا كنت جاية أقولك إني فاضية النهاردة لو حابين تنزلوا !
كان وجهها واضح عليه الإرهاق بشكل ملحوظ و عينيها التي تحاول تهريبها منه تكاد تتحدث و تقول أنها لم تكف عن البكاء منذ الصباح مما دفعه إلى التساؤل بدهشة :
- أنتِ بخير ؟ كنت معيطة ياسديم !!
هزت رأسها بالسلب و قالت بهدوء متعمدة تجاهل عينيه الثابتة فوقها بالرغم أنها تتحدث إلى "سليم" إلا أنها تشعر بعينيه وكأنها تخترق عظامها و ما زاد الأمر سوء حين وقف و اتجه إليهما فور سماعه تعليق ابن عمه عن حالتها :
- لا أنا بس منمتش حلو امبارح عشان كدا قولت اعدي عليك دلوقت واروح بعدها !
أجابها برفض قاطع :
- لا طبعًا مننزلش و أنتِ مجهدة أوي كدا ، تعالي اروحك و النزول يوم تاني عادي ، يكون كمان يوسف رجع من بورسعيد !
تنهدت و أردفت مبتسمة :
- زي ما تشوف أنا همشي !
استدارت و تركته تتحرك إلى الخارج وكاد يتجه خلفها لكن قال "آسر" رابتًا فوق كتفه :
- استنى أنت أنا هشوفها !
حدق به "سليم" بارتياب لكنه تجاهل نظراته واتجه خلفها بخطوات مسرعة و دلف خلفها إلى المصعد قبل أن يغلق بابه عليها !
عقدت حاجبيها و رفعت وجهها الذابل تنظر إليه بدهشة خاصة حين قال بهدوء :
- مالك ؟
وكأنها تنتظر حديثه لتفر دمعة خائنة من عينيها و لكنها نكست رأسها و رفعت يدها تجفف دموعها و تقول بصوت متحشرج :
- مفيش !
امتدت أنامله إلى ذقنها يرفع وجهها و يقترب منها حد الإلتصاق هامسًا :
- بتعيطي ليه ؟
أجابت على الفور وصوتها يحارب البكاء و قد أزاحت يده عن وجهها :
- مش بعيط ! و أنت بالذات لو آخر واحد في الدنيا مش هحكيلك أي حاجه عني !
عقد حاجبيه ينظر إليها بدهشة و سألها مباشرة :
- ليه ؟
رفعت يديها تجمع خصلاتها و تهندم حالها ثم وضعت نظاراتها الشمسية فوق رأسها و أجابت :
- عشان أنا معاك للشغل بس !
أوقف المصعد وقال بغضب :
- أنتِ بتعامليني كدا عشان اللي حصل الصبح ؟ أنا معنديش أي مشكلة تمشي لو هتكملي معايا بالاسلوب دا !!!
صاحت به و بدأت دموعها تسقط بألم :
- أنا مش عايزة اكمل مع أي حد !!!!! أنا تعبتتت وقرفت !
حاولت الحركة و الضغط على المصعد والهروب من أمامه لكنه أمسك ذراعها بيده و قال بنبرة متوترة :
- متمشيش بتعيطي كدا ! أنتِ مش بالضعف دا !!
فاض الكيل و دفعته بقوة فجائية و هي تبكي بألم وتهبط أرضًا فوق ركبتيها تصرخ به :
- لا أنااا ضعيفة عاااادي و بشر زيكممم على فكرة !!!!!
هبط يجاورها بالرغم أنها دفعته بذراعه المصاب لكنه لأول مرة يراها هكذا و ظن أن هذه الحالة بسبب شقيقتها رفع يده يربت فوق خصلاتها و يهمس لها :
- خلاص إهدي شوفي عايزة إيه و هعمله !
لم تتحدث رفعت يديها تغطي وجهها و تجهش بالبكاء و كأن ألمها اخترق صدره هيئتها تلك مؤلمة للغاية شاحبة الوجه جسدها يرتعش و عينيها متورمة ، لا يعلم قصتها لكنه حقًا أشفق اليوم عليها حين وجد شقيقتها تتشبث بها ، إن كانت بهذا السوء لماذا تتحمل مسؤلية فتاة مراهقة في عمر شقيقتها !!
لم يشعر إلا حين رفع ذراعه و أحاط جسدها يضمها إلى صدره و يهمس لها :
- خرجي طاقتك كلها و أوعدك محدش هيعرف حاجة !
وكأنها تنتظر الإذن دست وجهها بصدره و رفعت يدها تتشبث بقميصه و تبكي فقط تبكي ! تبكي على حالها ووالدها و شقيقتها و والدتها التي طعنتها اليوم من جديد ، و كأن الجراح تتجدد و كأن والدها توفي منذ قليل و كأن العالم توقف في هذه اللحظات !
ظل يربت فوق خصلاتها إلى أن هدأت و أدركت فعلتها !!!
ابتسم حين وجدها بدأت تهدأ و تحاول تنظيم تنفسها و عضت على شفتيها بخجل ، رفعت رأسها و من حظها الجيد هبطت خصلاتها تغطي وجهها لكنه استقام واقفًا و ضغط فوق زر الإنطلاق و مد يده إليها وبالفعل أمسكتها و وقفت تنظر إلى الأرض و تجفف دموعها بيديها متجاهلة النظر إليه ، لكن ما ادهشها حقًا حين قال بهدوء :
- أنا هروح دلوقت طريقنا واحد تعالى معايا و مش هتكلم معاكِ لحد ما نوصل أحلي أي حاجة بينا لحد بليل !
خرج من المصعد و وقف ينتظرها بصمت تام ! قررت الذهاب معه و بالفعل لم يتحدث مطلقًا ، بل أنه أصر على إحضار طعام فطور من نوع خاص و من اختيارها وأخبرها أن ميعاد دواء خاص به اقترب و لن يتناول الطعام دونها ، بالفعل وافقت و جلب طعامهما إلى السيارة و الذي كان عبارة عن بيتزا من اختيارها ، و قال بعبث :
- أنا باكل أكل صحي بس على فكرة بس وعدتك هفطر على ذوقك !
ابتسمت و بدأت تتناول الطعام بشهية واضحة وهي تقول بثقة :
- هيعجبك ذوقي جدًا أنا كمان بقالي فترة مش باكل كل دا !! هو مش فطار أوي يعني بس هيعجبك ! وبعدين دوا إيه اللي بتاخد دلوقت مفيش أدوية معادها دلوقت ليك !
رفع حاجبه و قال بمكر :
- و أنتِ مركزة مع مواعيد أدويتي ؟
رفعت حاجبها مثله و قالت بعبث :
- التركيز دا طبيعة فيا مش حاجة خاصة يعني !
ابتسم لها و باغتها قائلّا :
- أنتِ معايا أنا بس كدا !
عقدت حاجبيها و إلتقطت المحارم الورقية تسأله بدهشة :
- كدا إزاي يعني ؟ عشان ردودي عليك ؟
أجابها بصدق : يعني اسلوبك و كلامك ، بصراحة النهاردة اتصدمت بمعاملتك مع أختك كان واضح إنها عكسك خالص حتى الملامح ، و اتصدمت إن عندك أخت أصلًا !
رفعت حاجبها الأيسر و قالت ضاحكة :
- اااه أنت أصلًا فاكرني نصابة مليش أهل وكدا ! أنا كان عندي عيلة أجمل من عيلتك !
ثم أكملت بنبرة متألمة : بس مفيش حاجه بتفضل على حالها !
نكست رأسها تخفي لمعة عينيها بالدموع و أكملت حين وجدته صامت يستمع إلى حديثها بهدوء : نيرة عكسي فعلًا ، و معنديش أي استعداد تبقى شبهي !!!
اعتدلت بجلستها و حمحمت تقول بتوتر و اختناق واضح :
- إيه دا أنت عايز تشوفني بعيط مرتين ولا ايه !!
ضحك حين بدلت الحديث و قال بلطف غير معهود :
- مش هنكر إني عرفت نقطة ضعفك و ايه اللي بيوترك و احتمال استغل دا !
نظرت إليه لحظات ثم قالت بمكر :
- طيب ما أنا عارفة نقط ضعفك و اللي بيوترك و مااستغلتوش ! صحيح وأنا فاكرة ، ما أنت ضحكتك حلوة أهو و بتعرف تبتسم مبتضحكش في وشي ليه بقا !
توترت نظراته و اعتدل هو أيضًا و يبدأ بقيادة السيارة بينما صدحت ضحكاتها بقوة و ألقت برأسها إلى الخلف تضع يدها فوق قلبها ، ليراقبها عاقدًا حاجبيه موزعًا نظراته بينها و بين الطريق عاجزًا عن تجاهل لطافتها بتلك الضحكات الصادحة من قلبها بطلاقة أدهشته لكنه شاركها ببسمة هادئة حين قالت موضحة سبب ضحكاتها :
- وترتك في لحظة أهو !
هز رأسه بيأس و قال مبتسمًا :
- مفيش فايدة معاكِ !
لملمت خصلاتها على كتفها الأيمن و قالت و هي تضغط على زر فتح النافذة بجانبها :
- متحاولش تاني بقا !
لازالت بسمتها اللطيفة تتراقص برقة فوق شفتيها لماذا لا تصبح الأمور هكذا دائمًا معها إلى أن تنتهي من عملها معه ، عقد حاجبيه حين وردت تلك الفكرة على عقله ، هي ذاهبة يومًا ما ، سوف تتركه و تترك عائلته و تعود إلى حالها السابق ، ما الذي يعكر صفوه إذًا ، و لماذا يؤخر عودتها ، و لماذا داهم حياتها اليوم و تطفل عليها هي و شقيقتها !
عقد حاجبيه حين صمتت تنظر من خلال النافذة بهدوء و قد تراقص الهواء الطلق مع خصلاتها برقة و بدأت عنينيه تجوب ملامحها الساكنة من جانب وجهها وتهبط إلى نحرها الناعم وكاد يُكمل لكنها قالت ولازالت عينيها تتابع الطريق :
- هنعمل حادثة تاني كدا و ابقا أنا السبب بجد المرة دي !
بعغوية واضحة انطلقت كلماته يقول :
- متأكد إنك هتلحقيني !
لاذ بالصمت و هرب بعينيه منها بعد أن ألقى كلماته و دلف إلى محيط منزله من البوابة الإلكترونية ، و ألجمتها صدمة اعترافه عن الحديث ، هل يراها منقذ بالفعل و يقر الآن بدورها في إنقاذه !!!!
اغضبها للغاية و لاحظت أنه يُصبح بتلك اللطافة حين يكون بمفرده معها ! لكن أمام صديقه يتركها إلى أنياب كلماته و هذا ما صرحت به بوضوح قبل أن تهبط من السيارة :
- خايفة اشكرك على النهاردة و اصحا بكرة اشوفك بتتكلم مع صاحبك عليا !
تركته وهبطت من السيارة لكنه هبط و سار خلفها ثم أمسك ذراعها يردف بتوتر و نظراته الحائرة تجوب ملامحها :
- رائف خايف منك يعني من دخولك العيلة هو متربي معانا و العيلة دي زي عيلته بالظبط و أنا معنديش اللي اطمنه بيه و لا حتى اطمن نفسي واللي عملته النهاردة بعيد تمامًا عن الشغل اللي بينا وعن رائف و عن كل اللي بيحصل !
رفعت حاجبها و حدقت داخل عينيه تسأله :
- وعملت كدا ليه النهاردة ؟
أجاب بغلظة حين شعر أنه بالغ معها اليوم إلى درجة تساؤلها : عشان أختك ملهاش ذنب !
هبط كتفيها وقالت بألم تعقد حاجبيها :
- عملت كدا معايا عشان اللي شوفته الصبح !!! شفقة يعني !
سألها بدهشة :
- ليه هو فيه سبب تاني ممكن اعمل عشانه كدا ؟
كانت سوف تخبره كل ما لديها ، كادت أن تقول حقيقة الصغيرة له تلك الليلة لكنه مزاجي للغاية ومتسرع و لن تخاطر بمستقبل الصغيرة مع شخص مثله !
أجابت بهدوء : لا مفيش !
ثم تركته و اتجهت إلى غرفتها من جهة الحديقة حيث أنها غير قادرة على مواجهة أحد الآن و عليها ترتيب أمورها سريعًا حتى تتخلص من براثنه و براثن خالها إلى الأبد !
بينما زفر هو بغضب و همس لحاله :
- أنا إيه اللي هببته النهاردة دا !!!!
ارتفع رنين هاتفه و أجاب على الفور يقول بغضب :
- أنا مش طايق كلمة واحدة يارائف أنا حالي كله متلغبط !
أغلق الهاتف و لم يعود إلى منزله بل اتجه إلى غرفتها و دلف خلفها مباشرة يغلق الباب ثم أمسك ذراعها فجأة وأدارها على حين غرة لتسقط فوق صدره بأعين متسعة و كادت تستجمع حالها و تبتعد عنه إلا أنه أحاط خصرها بقوة يقول بأعين تائهة :
- أنا معرفش عملت كدا ليه النهاردة ولا اعرف منعتك الصبح تمشي ليه ! و لا اعرف روحت وراكِ النهاردة ليه ، بس اللي اعرفه ومتأكد منه إني لما شوفتك في الحالة دي في الاسانسير معرفتش امشي و أديكي ضهري وأقول وأنا مالي !! زي ما أنا معرفتش دلوقت اسيبك متضايقة من كلامي زي كل مرة كنت قاصد اوجعك فيها بالكلام و انتقد تصرفاتك !!!
لازالت تحدق به بأعين متسعة و انتفض جسدها حين رفع أنامله إلى ذقنها و همس لها بتوتر :
- أنا عارف أن اللي بقوله غريب و كل تصرفاتي النهاردة غريبة بس أنا مش عارف أنا عايز منك ايه ياسديم ! بس صدقيني آخر حاجة أتمناها دلوقت هي إني أذيكِ !
نظرت إليه بحزن وهمست له بإنهاك :
- وأنت مش مطلوب منك أي حاجة ناحيتي يا آسر مش أنت السبب في أذيتي !
سألها :
- سامح ؟
هزت رأسها بالسلب و قالت :
- سيبني ياآسر أنت مش فاهم حاجه !
عقد حاجبيه يقول بجدية :
- فهميني ياسديم ! قوليلي إيه اللي يجبر واحدة زيك بكل مميزاتها دي أنها تبقا كدا !
ابتسمت ساخرة و حاولت الابتعاد عنه تقول بحزن :
- نصاابة مش كدا !! محدش أجبرني ياآسر أنا اخترت دا بنفسي !
عقد حاجبيه وقال بتكذيب :
- و أنتِ اللي خفيتي كل أوراقك ؟!!!! و أنت اللي رافضة تعيشي مع أختك اللي كأنها شافت كنز النهاردة لما شافتك ؟ أنا عايز اساعدك ياسديم !
ابتعلت رمقها و قالت بحزن و بإرهاق :
- ليه مش عايز تفهمني ، محدش في الدنيا هيقدر يساعدني !
حدق بها بصمت يقول بهدوء :
- أنتِ مش واثقة فيا !
رفعت عينيها وقالت بألم :
- أنت اللي مش بتثق فيا ، عايز تتسلى بحكايتي مش أكتر وأنا مش بتاعة حكاوي وتسلية !
ابتسم لها وقال جاذبًا انتباهها :
- بس أنا اقدر اثبتلك دلوقت إني بثق فيكِ !
وما العلاقات سوى بنيان شاهق الإرتفاع حجر أساسه الثقة و مِصعده المحبة و طوابقه بُنيت باللطف واللين !