رواية قطة في عرين الاسد الفصل العاشر 10 بقلم مني سلامة
الحلقة ( 10 )
قضت "مريم" ليلها باكيه حزينه .. لا يفتر لسانها عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل فى اللى ظلمنى" ظلت ترددها دون غيرها .. حتى تعبت ونامت .. ظلت جدتها ساهرة بجوارها حتى اطمئنت لنومها .. دثرتها جيداً وعادت الى غرفتها .. ما هى الا أقل من نصف ساعة حتى استيقظت "مريم" راقبت الساعة التى تسير الى الثانية عشر الا ثلث .. جلست على الفراش فى انتظار مرور الوقت .. وما ان دقت الساعة معلنة منتصف الليل حتى نهضت من فراشها وتوجهت الى الحقيبة الصغيرة التى تحوى خطابات "ماجد" وأخرجت منها الخطاب الذى حان دوره بحسب ترتيب الأرقام وجلست على فراشها تقرأه :
- حبيبتى "مريم" .. أتذكرين كلماتك لى وأنا على فراش المرض .. كنت تذكريننى دائماً بفضل الصبر وبثوابه عند الله .. كنتى تذكريني بالآية التى فى سورة "هود" والتى تقول " إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " ... وبالآية التى فى سورة "النحل" والتى تقول " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ... وبالآية التى فى سورة "المؤمنون" والتى تقول " إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " .. كنتى تذكريني بتلك الآيات وتتليها على مسامعى لأحتسب دوماً آلامى وعذابي ومرضى .. ها أنا الآن أذكركِ بتلك الآيات ليكن لكِ فيها سلوى على فراقى الذى أعلم أنه كان شاقاً عليكِ .. حبيبتي "مريم" .. أثق جيداً فى أن الله سيحفظكِ ويرعاكِ .. لأننى أعرفكِ جيداً أعرف أنك تحاولين قدر استطاعتكِ ألا تغضبيه وأن تفعلى ما يرضيه لذلك أعلم بأنه سيكون معكِ مثلما أنتِ معه .. أختم خطابي بتلك الآية الكريمه .. والتى ستكون طلبي منكِ هذه المره .. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ ".
أنهت "مريم" قراءه الخطاب والدموع فى عينيها وضمت الخطاب الى صدرها قائله :
- ياااه يا "ماجد" .. لو تعرف أنا أد ايه كنت محتاجه أسمع منك الكلام ده .. كأنك حاسس بيا ومعايا
نهضت وتوضأت ووقفت بين يدي الله تبث له شكواها وترجو رحمته .. ظلت تصلى طول الليل ولا يفتر لسانها فى السجود عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل" .. فقد أوكلته وهو حسبها .. أنهت صلاة الفجر وجلست تقرأ وردها حتى الشروق .. شعرت بالسكينة وبالراحة تغمرانها .. وكأن صُب فى قلبها الذى يشتعل بردأً وسلاماً .. فاطمئن وسكن .. شعرت بشعور غريب يجتاح كيانها نظرت من مكانها الى شباك غرفتها والى النور الصباح الذى بدأ يتسلل الى السماء .. شعرت وكأن دعائها قد استجاب .. شعرت بقشعريرة غريبة تسري فى جسدها كله .. ظل نظرها معلقاً بالسماء وصوت بداخلها يهتف "لقد استجاب الله لكِ" .. كبر هذا الشعور بداخلها حتى أدركته بكل حواسها .. كان هذا الشعور بداخلها كما لو كان يقيناً وأمر واقع .. حتى أنها وجدت الإبتسامه تتسلل الى شفتيها وقلبها يرقص فرحاً .. شعور غريب لم تختبره من قبل ولا تعلم سببه ولا حتى تعلم كيف شعرت به .. كل ما تعلمه هو أنا كانت فى تلك اللحظة واثقة من شئ واحد فقط .. "لقد استجاب الله دعائها"
***************************************
طرقت "مى" باب غرفة أمها فأذنت لها بالدخول .. قالت أمها :
- تعالى يا "مى"
كانت الأم جالسه على فراشها تشاهد أحد البرامج فى تلفاز غرفتها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها .. أغلقت الأم التلفاز والتفتت الى ابنتها تنظر اليها بإهتمام .. قالت "مى" بشئ من التردد :
- فاكرة يا ماما لما كلمتينى من كام يوم فى أوضتى وقولتيلى لو فى حاجه حبه أتكلم فيها أتكلم معاكى انتى لانك هتفدينى أكتر من صحابى
- أيوة يا حبيبتى فاكره
بدا عليها التوتر فجذبتها أمها من يدها وأجلستها بالقرب منها وقالت بحنان :
- تخيلى دلوقتى ان احنا صحاب .. مش أم وبنتها .. واتكملى براحتك
قالت "مى" بخجل :
- فى عميل عندنا فى الشركة .. أنا كنت صممتله شغله من فترة .. دلوقتى رجع يتعامل مع مكتبنا تانى فى حملة جديدة و "مريم" هى اللى مسكاله شغله
صمتت فلم تقاطعها أمها .. أكملت "مى" بصوت خافت :
- هو انسان محترم أوى يعنى مشفتش منه حاجه وحشه .. وكمان مؤدب أوى وشخصيته حلوة .. يعني بصراحة .. أنا أعجبت بيه .. وحسه بحاجه نحيته
ثم تلئلئت العبرات فى عينيها وقالت :
- بس هو أنا حسه انه معجب بـ "مريم" .. لما بتغيب بيسأل عليها بإهتمام .. وفى آخر مرة طلب رقمها .. وحسه انه مش شايفنى أصلاً
صمتت أمها قليلا ثم قالت :
- عايز رقم "مريم" ليه
مسحت "مى" العبره التى تساقطت على وجنتها وقالت :
- هو انسان محترم أوى وجد .. يعني أنا حسه انه عايز يتقدم لـ "مريم" .. هو مش بتاع صحوبيه وكده .. وهو عارف ان "مريم" محترمة يعني أكيد عايز حاجه رسمى
قالت أمها وهى تنظر اليها بتمعن :
- وانتى حسه بإيه دلوقتى ؟
أجهشت "مى" فى البكاء وقالت :
- حسه انى بتقطع من جوه .. أنا فعلا حسه انى اتعلقت بيه أوى رغم انه بيتعامل معايا عادى جداً .. بس حسه ان هو ده الانسان اللى نفسي أرتبط بيه .. بس هو مش حاسس بيا خالص .. وكل ما يسألنى عن "مريم" أو يتكلم معاها أدامى بحس انى مخنوقة أوى ومضايقة أوى منه ومنها
ربتت أمها على ظهرها وقالت بهدوء :
- بصى يا "مى" .. أولا وقبل كل شئ انتى عارفه كويس ان الراجل اللى هتتجوزيه ده ربنا كتبهولك من قبل ما انتى تتولدى .. يعني مهما عملتى مش هتاخدى غير نصيبك اللى ربنا كتبهولك .. صح
أومأت "مى برأسها فأكملت أمها بحنان :
- عارفه ان اللى انتى حسه بيه دلوقتى شعور صعب .. بس حبيبتى الى ضايقتى فى كلامك انك قولتى انك لما بتشوفيهم مع بعض بتضايقي منه ومنها .. أولا يا حبيبتى لازم أفكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .. و"مريم" صحبتك وأعز صحباتك .. وحتى لو مكنتش صحبتك وكانت مجرد زميله عاديه أو حتى واحده متعرفيهاش .. برده لازم تحبيلها الخير زى ما بتحبيه لنفسك .. لو هو الراجل ده ربنا اختاره لـ "مريم" محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطهم .. ولو ربنا اختاره ليكي انتى محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطه بيكي
هدأت "مى" قليلاً فأكملت أمها :
- الحقد والحسد أول حاجه بيدمروها هو صاحبهم اللى حاسس بيهم .. كل الناس فى جواها حسد .. مفيش حد مبيحسش الاحساس ده .. بس الفرق بين شخص والتانى هو الايمان .. اللى ايمانه قوى بيقدر يسيطر على مشاعر الحسد اللى جواه ويحولها لطاقة ايجابيه .. واللى ايمانه ضعيف بيسيب الشعور ده يتملك منه ويطغى عليه لحد ما يتدمر نفسياً ويحس انه كاره الناس وكاره نفسه .. اوعى تسيبي الاحساس ده يسيطر عليكي .. ولما تلاقى فى ايد غيرك حاجه انتى بتتمنيها بدل ما تحسديه وتحسي بالغضب وبالحقد .. قولى ما شاء الله لا قوة الا بالله .. ربنا يباركله فيها .. ساعتها الملايكه هتدعيلك زى ما دعيتيله .. وشوفى بأه الملايكة لما تدعيلك .. الملايكة اللى مفيش عليها ذنب واحد .. يعني أفضل من دعائك لنفسك مليون مره
لاحت الإبتسامه على شفتى "مى" وقد شعرت بالراحه تغمرها فأكملت أمها مبتسمه :
- "مريم" انسانه كويسة وتستاهل كل خير .. وانتى كمان كويسة وتستاهل كل خير .. وأكيد زى ما ربنا رزق "مريم" .. هيرزقك انتى كمان .. بس أهم حاجه تتقبلى تأخير الرزق بنفس راضيه .. مش صبر عشان مقدمكيش حل غيره .. لا نفس راضيه .. أنا راضيه يارب بكل اللى ترزقنى بيه وكل اللى تكتبه ليا لانك أدرى بمصلحتى ولانك عارف أكتر منى
ثم مسحت على شعرها قائله :
- اتفقنا يا حبيبتى
ابتسمت "مى" وألقت بنفسها فى حضن أمها قائله :
- ربنا يخليكي ليا يا ماما .. ريحتى قلبي ونبهتيني لحاجات مكنتش واخده بالى منها
قبلت أمها رأسها قائله :
- ربنا يريح قلبك كمان وكمان
****************************************
استيقظ الجميع فى بيت "عبد الرحمن" والتفوا حول طاولة الطعام .. كانت "مريم" هادئة ساكنه .. قال "عثمان" لأبيه وهو يرمق "مريم" بنظراته :
- اتفجنا مع الحاج "سباعى" على كل حاجه .. وكتب الكتاب هيكون اهنه فى بيتنا
قامت "مريم" قائله :
- بعد اذنكوا
هتفت جدتها :
- انتى مكلتيش حاجه يا بنيتي
نظرت اليها "مريم" قائله بوجوم :
- شبعت يا تيته
ثم دخلت غرفتها .. نظرت أم "عثمان" اليه بعتاب قائله :
- كان لزمن الحديث ده على الوكيل يا "عثمان" .. سميت بدن البنيه
قال "عثمان" متهكماً :
- ماهى عارفه انها هتتجوزه .. ولا كانت فالحه بس تجابله فى السر وتجل أدبها معاه
قاطعه "عبد الرحمن" بحدة قائله :
- لما تتكلم عن بنت أخوك تتكلم بإسلوب أحسن من اكده .. آنى لحد دلوجيت مش مصدج ان "مريم" تعمل اكده .. بس مضطر للجوازه لانى عارف ان ده لو محصلش الناس هتاكل وشنا يا اما هتتجلب لدم
قال "عثمان" بعنف :
- يمين بالله لو متجوزته لكون جاتلها هى وياه
قال "عبد الرحمن" بغضب :
- طول عمرك ما بتعرف تحل أمورك بهدوء .. ما كان فى ولادى غير "خيري" الله يرحمه هو الوحيد اللى كان عاجل وعجله يوزن بلد
ثم نظر اليه بإحتقار قائلاً وهو يغادر :
- سديت نفسي الله يسد نفسك
ظلت "صباح" تحاول الإتصال ب "جمال" الذى لم يجيب على أى من اتصالاتها .. كانت تشعر بغضب بالغ .. حبيبها سيتزوج من ابنة أخوها ..
وهى التى ساعدته فى تنفيذ خطته للإيقاع ب "مريم" والزواج بها .. كانت تشعر بغيرة فاقت قدرتها على الإحتمال فحولتها الى كلب مسعور يريد الفتك بمن تسبب بإشعال نار غيرتها .
******************************************
كانت "نرمين" تجلس مع عمتها "بهيرة" فى حديقة الفيلا .. قالت "بهيرة" :
- النجع وأهل النجع وحشونى جوى
بتسمت "نرمين" قائله :
- أنا نفسي أشوف المكان اللى بابا اتربى فيه
ابتسمت "بهيرة" قائله :
- ان شاء الله يا ابنيتى نبجى نروح كلياتنا
ثم تنهدت قائله :
- بس لما ربك يريد والأمور تتصلح
قالت "نرمين" بإستغراب :
- أمور ايه اللى تتصلح
- متشغليش بالك انتى با بنيتي دى مشاكل جديمه جوى متشغليش عجلك بيها
رن هاتف "نرمين" فوجدت رقماً غريباً استأذنت من عمتها وابتعدت قائله :
- السلام عليكم
- حبيبتى وحشتيني
قالت بجديه :
- انت مبتهزهأش
- منك لا طبعاً مستحيل أزهأ
- أفندم عايز ايه
- عايز أقولك انك قاسيه أوى وبسببك معرفتش أنام طول الليل .. كان نفسي أوى أكلمك واسمع صوتك بس تليفونك كان مقفول .. مجاليش نوم طول الليل من خوفى عليكي خوفت تكونى تعبانه أو حاجه حصلتلك ومحتجانى جمبك
قالت "نرمين" بخفوت :
- لأ مش تعبانه ولا حاجه وبعدين أعرفك منين يعني عشان أحتاجك جمبي لو تعبت
- انتى لسه مش حسه بيا يا "نرمين" .. ليه مش قادره تحسي انى فعلاً بحبك ... وانك بقيتي كل دنيتي .. صحيح متكلمناش مع بعض كتير بس أنا قريب منك أوى وشوفتك أكتر من مرة
قالت بإستغراب :
- شوفتنى فين
- أقولك ويبقى سر بينا
- أيوة قول
- أنا واحد من صحاب أخوكى "مراد" .. حبيت بس أقولك كده عشان تكونى مطمنه من نحيتي .. لانى طبعاً مستحيل أكون بلعب بأخت صاحبى
قالت "نرمين" بإستغراب :
- انت مين فيهم .. مين فى صحابه
- تؤ مش هقولك .. هسيب قلبك يدلك
ثم قال :
- سلام يا حبيبتى .. هكلمك تانى متقفليش تليفونك عشان مقلقش عليكي
أنهت "نرمين" المكالمة وابتسامه صغيره قد رتسمت على شفتيها
******************************************
اتصل "سباعى" بـ "بهيرة" قائلاً :
- لازم تيجي النجع يا بهيره .. "جمال "كتب كتابه آخر الإسبوع
قالت "بهيرة" بسعادة :
- بجد .. ما شاء الله أخيرا الواد ده هيعجل ويتجوز
تنهد "سباعى" بحسرة قائلاً :
- اييوه
قالت "بهيرة" بفرحه :
- مين اللى هيتجوزها .. من عيلة مين ؟
تنهد "سباعى" قائلاً :
- من عيلة "السمري"
اختفت ابتسامة "بهيرة" وقالت بوجوم :
- من بيت مين فى عيلة "السمري" ؟
- من بيت "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بحده :
- واشمعنى يعني بيت "عبد الرحمن" .. واشمعنى عيلة "السمري" أصلاً .. "جمال" ملجاش غيرهم فى البلد ولا ايييه
قال "سباعى" بنفاذ صبر :
- أما تيجي هبجى أحكيلك .. المهم دلوجيت آني مستنيكي لازمن تحضرى
- ان شاء الله يا "سباعى" متخافش .. "مراد" لما ييجي هجوله وان شاء الله هجيلك اما بكرة أو بعده بالكتير
- طيب يا "بهيرة" بس خلى "مراد" ياخد باله وميتكلمش مع حد واصل وانتوا فى البلد
- متجلجش يا "سباعى" .. "مراد" عارف اكده امنيح
- طيب سلام دلوجيت
فى تلك للحظة دخلت "مراد" بسيارته من بوابه الفيلا وتوقف أمام الباب .. قامت عمته ونادته قائله :
- "مراد" تعالى شويه
أقبل "مراد" عليها قائلاً :
- ازيك يا عمتو .. اخبار صحتك ايه النهاردة
قبل يدها فقالت :
- امنيحه يا ولدى .. اجعد عايزه أتكلم معاك
جلس قائلاً :
- خير يا عمتو
ابتسمت قائله :
- "جمال" ابن عمك "سباعى" .. كتب كتابه آخر الاسبوع ان شاء الله
ابتسم قائلاً :
- ربنا يتممله على خير
أكملت قائله :
- وأنا بدى أروح وانت طبعاً هتيجي معى
- طبعاً يا عمتو ان شاء الله نروح سوا
- بس يا ولدى آنى حبه أروح جبلها بكام يوم يعني مش معجول أروح يوم كتب الكتاب على طول
ابتسم "مراد" وأومأ برأسه قائلاً
- مفيش مشكلة يا عمتو ممكن نسافر بكرة ان شاء الله .. هرجع دلوقتى على الشركة وأخلص الشغل المهم عشان الكام يوم اللى هنعدهم هناك
ربتت على كتفه قائله :
- ربنا يحميك يا ولدى ويبارك فيك
***************************************
جلست "مريم" واجمة فى غرفتها على فراشها .. دخلت جدها الغرفة وجلس بجوارها .. لم تلتفت اليه "مريم" فقال لها :
- انتى منيحه يا بنتى
أومأت "مريم" برأسها وقالت بهدوء :
- أيوة كويسة لانى واثقة ان ربنا هيجبلى حقى لانه ميرضاش بالظلم .. وانتوا كلكوا ظلمتونى
نظر اليها "عبد الرحمن" قائلاً :
- اسمعيني امنيح يا بنتى .. آنى مش مصدج اللى اتجال عليكي .. عارف ان الرجال شافوكى معاه .. بس آنى مش مصدج .. بس يا بنتى لو متجوزتيش "جمال" هتبجى مشكلة كبيرة جوى .. من ناحية الرجال فى عيلتنا هياكلوا وشنا بسبب اللى حصل والكلام اللى اتنشر دلوجيت فى العيلة كلياتها .. ومن جهه لان محدش منهم هيسكت لو جولنا ما بدهاش تتجوزه .. ويمكن حدا منهم يتهور وتجلب لدم .. اسمعى يا بنتى كان بين عيلتنا وعيلة "الهوارى" مشاكل كتير.. راح فيها شباب زى الورد بسبب التار .. أسر بكاملها راحت فى الرجلين .. وممكن تكون البدايه حاجه تافهه جوى .. بس جلبت بدم .. وكل عيلة عايزة تاخد بتارها من العيلة التانية وهكذا واحد من عيلتنا مقابل واحد من عيلتهم .. استمر الوضع سنين طوال .. لحد ما حصل اللى وحدنا ووجف بحر الدم بيناتنا .. وآنى ما بديش نرجع للى فات تانى والعداوة بيناتنا .. ويضيع رجالتنا وشبابنا بسبب هاى العادة المتخلفة .. وعشان اكده انا و "سباعى" من سنين طوال عاهدنا بعض نعمل كل اللى فى وسعنا عشان نمنع المشاكل بين العيلتين .. ونوجف تيار الدم اللى بيناتنا
التفتت اليه "مريم" قائله بأعين دامعه :
- طيب أنا ذنبي ايه .. أنا مغلطتش .. ومش عايزه أتجوزه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- آنى جولتلك ان مصلحة العيلة والجبيلة فوج كل شئ وبعدين احنا مش هنرميكي يا ابنيتى .. لو "جمال" معرفش يحافظ عليكي هناخدك منيه
قالت "مريم" بحنق :
- بعد ما أكون اتجوزته
قال "عبد الرحمن" :
- يا بنتى "جمال" ابن عيلة أكابر .. وعنده شركه بتاعته .. وراجل زين .. يعني مش هنرميكي لراجل مش من مجامك .. لا عيلة "الهوارى" عيلة كبيرة ومعروفة وسط الخلج
قالت "مريم" بغضب :
- وأنا ميهمنيش هو من عيلة مين أو عنده ايه .. أنا مش عايزه لا أتجوزه ولا أتجوز غيره .. هو ظلمنى معرفش ليه عمل كده وهو ميعرفنيش بس أنا واثقه ان ده بسبب العداوة اللى كانت بين العيلتين .. بس قادر ربنا ينتقم منه ويجبلى حقى
قام "عبد الرحمن" وقال بحزم :
- الكلام ده معدش له لزوم .. لان خلاص كل شئ اتحدد واترتب
قالت "مريم" بعند :
- ربنا معايا وهينصرنى أنا واثقه .. اعملوا اللى تعملوه مفيش مأذون هيرضى يجوزنى من غير ما أقول أنا موافقه
صاح "عبد الرحمن" غاضباً :
- انت دماغك ناشفه كتير
ثم تركها وانصرف .. وعادت "مريم" الى شرودها مرة أخرى ولسانها لا يفتر ترديد الآيه فى سورة الشعراء التى تقول " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ" .. ظلت ترددها ولا تقول غيرها حتى فى صلاتها وسجودها كان هذا دعائها الوحيد " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
****************************************
فى صباح اليوم التالى قاد "مراد" سيارته بصحبة عمته متوجهاً الى النجع .. وصلا بعد عناء السفر واستقبلهم "سباعى" بالترحاب .. أقبل علي "مراد" قائلاً :
- أهلا ومرحبا بإبن خوى
عانقه "مراد" قائلاً :
- ازيك يا عمى أخبارك ايه
ابتسم "سباعى" قائلاً بفرح :
- امنيح يا ولدى كيفك انت وكيف اخواتك البنات
قال "مراد" مبتسماً :
- بخير الحمد لله يا عمى .. ازي عريسنا أخباره ايه
أشار "سباعى" الى الداخل قائلاً :
- عندك جوه ادخله يا ولدى
ساعد "مراد" عمته "بهيرة" على الخروج من السيارة .. استقبلها "سباعى" قائلاً :
- كيفك يا بنت بوى
- الحمد لله يا "سباعى" كيفك انت ومرتك وابنك
- الحمد لله يا "بهيرة" الحمد لله
استقبل "جمال" .. "مراد" بالترحاب وعاقنه قائلاً :
- أهلا أهلا بـ "مراد" ولد عمى
قال "مراد" :
- أهلا بعريسنا .. مبروك يا "جمال" ربنا يتمملك بخير
قال "جمال" بسعادة :
- عجبالك انت كمان يا ولد عمى .. أمال فين عمتى مجتش معاك ولا اييه
- لا جت .. بره مع عمى
- ماشى هروح أسلم عليها .. يلا ادخل غرفتى ارتاح شوى
- ماشى يا "جمال"
توجه "مراد" الى غرفة عمته أولاً ووضع بها حقيبتها ثم توجه الى غرفة "جمال" ووضعه حقيبته بها .. دخل وأخذ دشاً خرج ليجد "جمال" جالساً على فراشه قائلاً بمزاح :
- ايه رأيك نشوفلك واحده من بلدنا مادام بنات مصر مش عاجبينك
ابتسم "مراد" قائلاً :
- هو انا أسيب ماما فى القاهرة تطلعلى انت يا "جمال" .. بقولك ايه عشان منخسرش بعض أفل على الموضوع ده خالص
ضحك "جمال" قائلاً :
- ماشى يا ولد عمى .. بس لو نويت جولى وأنا أختارلك عروستك .. آنى أعرف كل البنات اللى فى البلد .. ومنهم بنات ايييه يا بوى يحلوا من على حبل المشنجه
ضحك "مراد" قائلاً :
- يا ابنى انت كمان كام يوم وهتتجوز .. لو مراتك سمعتك بتتكلم كده متلومش الا نفسك
قال "جمال" :
- لا آنى أجول وأعمل اللى على كيف كيفي .. وهى مش هتكون أكتر من الكرسي اللى انت جاعد عليه ده
ابتسم "مراد" بتهكم وقال :
- بداية غير مبشرة .. ربنا يكون فى عونها
قال "جمال" وهو يغادر الغرفة :
- آنى أدرى بالطريجه اللى أعامل بيها مرتى .. يلا ارتاحلك شوى
التف الجميع حول طاولة الطعام فى بيت "سباعى" .. قالت "بهيرة" التى كانت تشعر بدوار موجهه حديثها الى أخيها :
- جولى بجه يا "سباعى ايه حكاية الجوازه دى بالظبط .. واشمعنى بيت "عبد الرحمن السمري"
فجأة وأمام أعينهم المندهشه سقطت "بهيرة" مغشياً عليها .. فزع "مراد" وهب واقفاً .. جثا على ركبتيه بجوارها وحاول أن يفيقها .. استجابت عمته له بصعوبه .. حملها مع "جمال" الى غرفتها وأحضروا لها الطبيب الذى قال :
- هى مكنش ليها سفر دلوجيت .. شكلها الضغط عندها عالى جوى .. والسفر تعابها بزيادة .. مطلوب راحه تامه وتاخد أدويتها بمعادها .. وكمان الأدوية بتاعة ضهرها تاخدها بإنتظام لان من الواضح انها مكنتش مواظبه عليهم .. وياريت محدش يجولها اى حاجه تضايجها او ترفع ضغطها لان ضغطها عالى كتير
تنهد "مراد" قائلاً :
- شكراً يا دكتور
انصرف الطبيب والتف الجميع حول "بهيرة" .. قالت والدة "جمال" :
- حمدالله على سلامتك يا "بهيرة" خوفتينا عليكى جوى
جلس "مراد" بجوارها وقبل يدها قائلاً :
- حمدالله على سلامتك يا عمتو
التفتت اليه قائله :
- تسلم يا ولدى
قال "سباعى" :
- ارتاحى يا اختى ولو احتجتى حاجه ناديلنا
أومأت برأسها وانصرف الجميع ليتركوها تنعم بالراحه
طلب "سباعى" من زوجته و من "جمال" اللحاق به فى غرفته .. أغلوا الباب خلفهم والتفت اليهم قائلاً :
- حالة "بهيرة" لا تسر عدو ولا حبيب .. مش عايزها تدرى بالمصيبة اللى وجعنا فيها عشان الضغط ميعلاش تانى
قال "جمال" :
- متخافش يا بوى مش هجيبلها سيرة واصل
سأله "سباعى" بقلق :
- جبت سيرة ل "مراد"
- لا متكلمتش معاه فى حاجه
- امنيح .. مجولوش حاجه مفيش داعى يعرف وعشان كمان ميجولش لعمته .. وان شاء الله الموضوع يعدى على خير .. وكتب الكتاب ينكتب فى معاده ونخلص من الورطة دى
**************************************
بعد يومين قال "عثمان" لـ "مريم" التى كانت تساعد جدتها فى المطبخ :
- اعملى حسابك ان بكره هنروح سوا عشان الكشف الطبي اللى بيطلبوه عشان كتب الكتاب
نظرت اليه ببرود قائله :
- مفيش داعى ..لانى مش هتجوز
اقتحم "عثمان" المطبخ صاح فى غضب :
- جولتى اييه سمعيني تانى اكده
أبعدته أمه قائله :
- "عثمان" روح شوف صالحك
نظر الى "مريم" بغضب قائلاً :
- بكرة الصبح تكونى جاهزه بكير سمعتى ولا مسمعتيش
قالت أمه وهى تخرجه من المطبخ :
- طيب هتكون جاهزه يلا انت امشى من هنه .. يلا دلوجيت
عادت "مريم" تكمل ما بيدها وهى تشعر بالحزن والأسى وعادت مرة أخرة تردد "رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
فى صباح اليوم التالى وفى المركز الطبي جلس "مراد" بجوار "جمال" الذى أخذ يهتف بحنق :
- مش عارف آنى لزمته ايه الكشف ده .. أهو عطله على الفاضى
قال له "مراد" :
- متقلقش الموضوع مش بياخد وقت
رن هاتف "مراد" فوجد أن المتصل والدته .. حاول التحدث معها لكن كان الصوت متقطعاَ بشدة فنهض قائلاً :
- ماما اقفلى وهطلع أتكلم من بره لان المكان اللى أنا فيه الشبكة فيه ضعيفه
التفت الى "جمال" قائلاً :
- هطلع أكلمها من بره وأرجعلك
- ماشى يا ولد عمى
نزلت "مريم" من سيارة "عثمان" التى أوقفها أمام المركز الطبي قائلاً :
- اسبجيني انتى .. آنى هركن العربيه وآجيلك
ذهبت فى اتجاه المركز وعلامات الآسى على وجهها .. ستفعل كل ما يطلبوه منها حتى معاد كتب الكتاب .. لكنها لن توافق على الزواج أبداً حتى لو كان البديل هو موتها .. كانت تسير مكتئبه حزينه فما كادت توشك على الدخول من باب المركز حتى وجدت رجلاً خارجاً فرجعت خطوة الى الخلف لتسمح له بالمرور .. رفعت رأسها فارتطمت نظراتها بوجه الرجل .. لم تشعر بحقيبة يدها التى سقطت منها .. انحنى "مراد" والتقطت حقيبتها التى سقطت ونظر اليها قائلاً :
- اتفضلى
بدت "مريم" وكأنها لا تسمعه .. كانت تحدق فى وجهه بشدة بأعين متسعه .. أخذت نظراتها تتفرس فى ملامحه وهى تنظر اليهبذهول .. شعر "مراد" بغرابة نظراتها .. ظل متفرساً فيها هو الآخر يحاول فهم تلك النظرات الغريبة التى ترمقه بها .. كانت نظراتها تتسم بالدهشة والصدمة ثم مالبثت أن تحولت الى نظرة شوق ولهفه وكأنها حبيبه التقت بحبيبها بعد طول غياب .. قال "مراد" مرة أخرى وهو يحاول تفسير نظراتها :
- اتفضلى
مدت يدها تأخذ الحقيبة وهى لا ترفع عينيها عن وجهه فلمست يده .. نظر "مراد" الى يدها الموضوعه على يده ثم رفع نظره اليها .. لحظة وأفاقت لنفسها وشعرت بالخجل الشديد أخفضت بصرها وأخذت الحقيبة ودخلت الى المركز مسرعة .. تابعها "مراد" بنظراته وهو مازال مندهشاً من تمعنها فى النظر اليه بهذا الشكل .. دخلت "مريم" وجلست على أقرب مقعد وهى تشعر بأن قدماها ترتجفان ولا تستطيعان حملها .. وبضربات قلبها تتسارع ويزداد اضطراب تنفسها .. بدا عليها الذهول الشديد .. عندها رفعت نظرها لترى "جمال" الذى كان متجهاً للخارج ويبدو أنه لم ينتبه اليها .. حمدت الله على ذلك فلو جاء للتحدث اليها لما استطاعت التحكم فى أعصابها ولكانت صرخت فى وجهه بكل ما يعتمل فى داخلها من غضب .. خرج "جمال" و انتظر حتى أنهى "مراد" مكالمته ثم قال :
- خلاص خلصت
قال له "مراد" :
- طيب كويس يلا نمشى
التفت "مراد" ليلقى نظرة على المركز قبل أن يغادر وهو مازال مندهشاً من النظرات التى رمقته بها تلك الفتاة .. التقيا ب "عثمان" الذى دلف من بوابه المركز الخارجية فقال له "جمال" بسخرية :
- أهلا يا عم مرتى
قال له "عثمان" بغيظ وهو يسير فى طريقه :
- جبر يلمك
أطلق "جمال" ضحكه عاليه ساخرة وهو يتابعه بنظراته .. قال له "مراد" :
- مين ده
التفت اليه جمال قائلاً :
- عم مرتى
- بس شكله مضايق منك
ابتسم "جمال" بسخرية قائلاً :
- تعالى تعالى متشغلش بالك كتير
*************************************
- متأكد انها بنت "خيري السمري" ؟
ألقى "حسن المنفلوطى" هذا السؤال على أحد رجاله الذى رد قائلاً :
- أييوه متأكد .. وكتب كتابها هى و "جمال السباعى" آخر الاسبوع
كان "حسن المنفلوطى" رجل فى العقد السادس من عمره .. لكن تبدو عليه القوة والصلابة وتعبيرات وجهه التى تتسم بالغلظة والقسوة .. قال وكأنه يتحدث الى نفسه :
- يعني بنت "خيري" هياخدها ابن "سباعى"
ثم التفت الى الرجل قائلاً :
- لسه مفيش أخبارك عن "خيري السمري" أو "خيري الهواري"
- لأ يا حاج "حسن" مظهرش ولا واحد منيهم
قال "حسن" :
- أكيد "خيري السمري" هيظهر فى فرح بنته
قال الرجل :
- وان مظهرش ؟
قال "حسن" بحزم :
- ان مظهرش ومعرفتش أوصله لا هو ولا "خيري الهواري" .. يبجى لازمن الفرح ده يتحول لبركة دم .. والعيلتين يجعوا فى بعض
************************************
آتى اليوم الموعود وتعالت الزغاريد فى بيت "عبد الرحمن" كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وكأن الأمر لا يعنيها .. كانت عازمة ومصرة على رفض هذا الزواج وأن تقف أمام هذا الظلم الذى وقع عليها .. لن تسمح لهذا المدعو "جمال" أن يحقق غرضه مهما كان السبب الذى دفعه لأن يفعل ذلك ويتزوجها بهذه الطريقه المهينه .. أصرت جدتها على ارتداء احدى العباءات المنقوشة .. امتثلت لطلب جدتها بعد الحاح لكنها اصرت على عدم وضع أى زينه .. لبست عبائتها المزركشة وارتدت حجابها والتف حولها النساء يصفقون ويغنون وهى جالسه بينهم فى هدوء
اجتمع رجال العائلتين بالأسفل فى انتظار حضور المأذون الذى سيكتب كتاب "جمال" على "مريم" .. كان "جمال" يبدو سعيداً للغاية ويرحب بالرجال بحماس والابتسامه لا تغادر شفتاه وهى مزهواً بنفسه وبإنتصاره .. قال أحد رجال "المنفلوطى" المندسين بين عائلة "الهوارى" لآخر :
- هو مين هاد ؟
أشار الرجل الى "مراد" الجالس بجوار "سباعى" ويتحدثان معاً .. قال له الرجل :
- معرفش بس اظاهر انه يجرب لعيلة "الهوارى" لانه جاعد وسطيهم واظاهر انه حد مهم لانه جاعد جمب "سباعى" بذات نفسه وبيتكلموا مع بعض
أومأ الرجل المندس برأسه وهو ينظر الى "مراد" بتمعن متفحصاً اياه .. ذهب وسأل أحد الرجال من عائله "السمري" عن "مراد" فرد الرجل :
- معرفش يا ولد العم .. اللى أعرفه انه جاعد فى بيت "سباعى" .. يمكن ابن حد من جرايبه .. معرفش بالظبط
ذهب الرجل بعيداً عن الأبصار وأخذ يتحدث الى هاتفه هامساً .
************************************
اقتربت زوجة "سباعى" من "بهيرة" النائمة فى فراشها والتفتت الى الخادمة قائله بهمس :
- خلى بالك منيها .. من ساعة ما اجت من مصر وهى تعبانه ومبتتحركش من السرير من ألم ضهرها ومن الضغط اللى عنديها .. لو فاجت واحتاجت حاجه متخليهاش تنزل من فرشتها وهاتيهالها انتى
قالت الخادمة :
- حاضر يا حجه متجلجليش ست "بهيره" فى عنيا .. مبروك لـ "جمال" بيه
- الله يبارك فيكي .. يلا فتك بعافيه اتاخرت عليهم
غادرت زوجة "سباعى" وماهى الا لحظات حتى أفاقت "بهيرة" وحاولت الجلسو .. أسرعت الخادمة اليها قائله :
- عايزة حاجه يا ست "بهيرة"
قالت "بهيرة" بصوت خافت من التعب :
- هما اهنه ولا مشيوا
- لا مشيوا راحلوا كلياتهم كتب الكتاب
أومأت "بهيرة" برأسها فأكملت الخادمة :
- والله سي "جمال" ده راجل ولا كل الرجاله مش عارفه ايه بس اللى وجعه فى العيلة دى
تمتمت "بهيرة" قائله :
- وآنى كمان مش عارفه اشمعنى اختار بنت "عبد الرحمن" .. ما البنات مليين البلد
قالت الخادمة :
- لا يا ست "بهيرة" مش بنت "عبد الرحمن"
التفتت اليها "بهيرة" وقالت بضعف :
- بتجولى ايه يا بت .. هيتجوز بنت "عبد الرحمن"
- لا يا ست "بهيرة" هيتجوز حفيدة "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بدهشة :
- حفيدته مين .. "عبد الرحمن" معندوش حفيدة
ابتسمت الخادمة قائله :
- لا عنده .. بنت ابنه "خيري" .. لجوها من فترة وجابوها تعيش حداهم
اتسعت عينا "بهيرة" من الدهشة وقالت وعلامات الصدمة على وجهها :
- "جمال" هيتجوز بنت "خيري عبد الرحمن " ؟
- اييوه
هبت جالسه مكانها وكأنها تناست مرضها وآلامها وهتفت قائله :
- انتى متأكده ؟
قالت الخادمة بتوتر :
- ايوة متأكده
أزاحت "بهيرة" الغطاء بعنف وصاحت بصوت مرتجف وهى تغادر فراشها :
- مستحيل يتجوزها "جمال" .. مستحيل
لكنها ما كادت تقف حتى سقطت على الأرض مغشياً عليها .
ذهبت زوجة "سباعى" الى بيت "عبد الرحمن" واستقبلتها زوجة "عبد الرحمن" وأجلستها مع النساء فى الغرفة .. تطلعت زوجة "سباعى" الى "مريم" من رأسها الى أخمص قدمها وقالت بتهكم :
- هى مش هتيجي تسلم عليا وتبوس يدي ولا اييه
قالت زوجة "عبد الرحمن" لـ "مريم" :
- جومى يا بنتى سلمى على حماتك وبوسى يدها
قامت "مريم" وتوجهت اليها قائله :
- ازيك حضرتك
قالت لها بتهكم :
- امنيحه
عادت "مريم" أدراجها وجلست مكانها دون أن تفكر حتى فى تقبيل يد المرأة .. استمرت النساء فى التصفيق والغناء .. كانت هناك عينان تتطلعان الى "مريم" بحقد وحسد وغل دفين .. عينا "صباح" كانت تشعر بالنار تأكلها من كل جانب .. فها هى تلك الفتاة ستصبح بعد لحظات زوجة لحبيبها .. حبيبها الذى انتظرته سنوات طوال .. وملك حبه كل كيانها .. نظرت اليها وكأنها تريد تقطيع أوصالها .. وكأنها تريد تهشيم رأسها .. وكأنها تريد قتلها .. كانت تغلى من الغضب .. لم تشعر بنفسها الا وهى متوجهه الى غرفة والدها .. فتحت أحد الأدراج الذى كانت تعلم جيداً بإحتوائه على قطعة سلاح .. أخذتها وأخفتها فى ملابسها وخرجت من الغرفة والشرر يتطاير من عينيها .
************************************
جاء المأذون فصاح "عثمان" :
- المأذوج اجه
قال "عبد الرحمن" :
- على خيرة الله
صاح "سباعى" فى أحد الرجال :
- نادوا لـ "جمال" عشان نكتب الكتاب
نهض "عبد الرحمن" قائلاً :
- وآنى هروح أخد موافجة العروسة
سأل المأذون :
- فين العريس ؟
رد "سباعى" :
ثوانى وييجى العريس
لحظات وجاء "جمال" وهتفت بمرح :
- منورينا يا رجاله عجبال عندكم كلياتكوا
جلس "جمال" بجوار المأذون فى انتظار "عبد الرحمن" .. التفت الى "مراد" الجالس بجواره قائلاً :
- عجبالك يا ولد عمى
ابتسم له "مراد" وربت على كتفه
كان أحد رجل "المنفلوطى" المندس وسط الحضور .. يمعن النظر فى "مراد" الجالس بجوار "جمال" ويده تتحسس مسدسه الذى أخفاه بين طيات ثيابه
سُمع صوت الطلقات فى الهواء تعبيراً عن فرحهم بهذا الزواج .. كانت الطلقات تخترق السماء بعشوائيه .. لكن أحدى الطلقات لم تنطلق بعشوائيه .. بل انطلقت متعمدة .. متعمدة لأن تخترق أحد الأجساد .. انطلقت الرصاصة تعرف وجهتها جيداً .. تعرف فى أى جسد ستستقر .. ولم تخطئ الرصاصة وجهتها .. واستقرت فى الجسد الذى أطلقت من أجله .. لتنفجر الدماء من هذا الجسد قبل أن يسقط أرضاً .
يتبع
قضت "مريم" ليلها باكيه حزينه .. لا يفتر لسانها عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل فى اللى ظلمنى" ظلت ترددها دون غيرها .. حتى تعبت ونامت .. ظلت جدتها ساهرة بجوارها حتى اطمئنت لنومها .. دثرتها جيداً وعادت الى غرفتها .. ما هى الا أقل من نصف ساعة حتى استيقظت "مريم" راقبت الساعة التى تسير الى الثانية عشر الا ثلث .. جلست على الفراش فى انتظار مرور الوقت .. وما ان دقت الساعة معلنة منتصف الليل حتى نهضت من فراشها وتوجهت الى الحقيبة الصغيرة التى تحوى خطابات "ماجد" وأخرجت منها الخطاب الذى حان دوره بحسب ترتيب الأرقام وجلست على فراشها تقرأه :
- حبيبتى "مريم" .. أتذكرين كلماتك لى وأنا على فراش المرض .. كنت تذكريننى دائماً بفضل الصبر وبثوابه عند الله .. كنتى تذكريني بالآية التى فى سورة "هود" والتى تقول " إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " ... وبالآية التى فى سورة "النحل" والتى تقول " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ... وبالآية التى فى سورة "المؤمنون" والتى تقول " إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " .. كنتى تذكريني بتلك الآيات وتتليها على مسامعى لأحتسب دوماً آلامى وعذابي ومرضى .. ها أنا الآن أذكركِ بتلك الآيات ليكن لكِ فيها سلوى على فراقى الذى أعلم أنه كان شاقاً عليكِ .. حبيبتي "مريم" .. أثق جيداً فى أن الله سيحفظكِ ويرعاكِ .. لأننى أعرفكِ جيداً أعرف أنك تحاولين قدر استطاعتكِ ألا تغضبيه وأن تفعلى ما يرضيه لذلك أعلم بأنه سيكون معكِ مثلما أنتِ معه .. أختم خطابي بتلك الآية الكريمه .. والتى ستكون طلبي منكِ هذه المره .. " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ ".
أنهت "مريم" قراءه الخطاب والدموع فى عينيها وضمت الخطاب الى صدرها قائله :
- ياااه يا "ماجد" .. لو تعرف أنا أد ايه كنت محتاجه أسمع منك الكلام ده .. كأنك حاسس بيا ومعايا
نهضت وتوضأت ووقفت بين يدي الله تبث له شكواها وترجو رحمته .. ظلت تصلى طول الليل ولا يفتر لسانها فى السجود عن قول "حسبي الله ونعم الوكيل" .. فقد أوكلته وهو حسبها .. أنهت صلاة الفجر وجلست تقرأ وردها حتى الشروق .. شعرت بالسكينة وبالراحة تغمرانها .. وكأن صُب فى قلبها الذى يشتعل بردأً وسلاماً .. فاطمئن وسكن .. شعرت بشعور غريب يجتاح كيانها نظرت من مكانها الى شباك غرفتها والى النور الصباح الذى بدأ يتسلل الى السماء .. شعرت وكأن دعائها قد استجاب .. شعرت بقشعريرة غريبة تسري فى جسدها كله .. ظل نظرها معلقاً بالسماء وصوت بداخلها يهتف "لقد استجاب الله لكِ" .. كبر هذا الشعور بداخلها حتى أدركته بكل حواسها .. كان هذا الشعور بداخلها كما لو كان يقيناً وأمر واقع .. حتى أنها وجدت الإبتسامه تتسلل الى شفتيها وقلبها يرقص فرحاً .. شعور غريب لم تختبره من قبل ولا تعلم سببه ولا حتى تعلم كيف شعرت به .. كل ما تعلمه هو أنا كانت فى تلك اللحظة واثقة من شئ واحد فقط .. "لقد استجاب الله دعائها"
***************************************
طرقت "مى" باب غرفة أمها فأذنت لها بالدخول .. قالت أمها :
- تعالى يا "مى"
كانت الأم جالسه على فراشها تشاهد أحد البرامج فى تلفاز غرفتها .. اقتربت منها "مى" وجلست بجوارها .. أغلقت الأم التلفاز والتفتت الى ابنتها تنظر اليها بإهتمام .. قالت "مى" بشئ من التردد :
- فاكرة يا ماما لما كلمتينى من كام يوم فى أوضتى وقولتيلى لو فى حاجه حبه أتكلم فيها أتكلم معاكى انتى لانك هتفدينى أكتر من صحابى
- أيوة يا حبيبتى فاكره
بدا عليها التوتر فجذبتها أمها من يدها وأجلستها بالقرب منها وقالت بحنان :
- تخيلى دلوقتى ان احنا صحاب .. مش أم وبنتها .. واتكملى براحتك
قالت "مى" بخجل :
- فى عميل عندنا فى الشركة .. أنا كنت صممتله شغله من فترة .. دلوقتى رجع يتعامل مع مكتبنا تانى فى حملة جديدة و "مريم" هى اللى مسكاله شغله
صمتت فلم تقاطعها أمها .. أكملت "مى" بصوت خافت :
- هو انسان محترم أوى يعنى مشفتش منه حاجه وحشه .. وكمان مؤدب أوى وشخصيته حلوة .. يعني بصراحة .. أنا أعجبت بيه .. وحسه بحاجه نحيته
ثم تلئلئت العبرات فى عينيها وقالت :
- بس هو أنا حسه انه معجب بـ "مريم" .. لما بتغيب بيسأل عليها بإهتمام .. وفى آخر مرة طلب رقمها .. وحسه انه مش شايفنى أصلاً
صمتت أمها قليلا ثم قالت :
- عايز رقم "مريم" ليه
مسحت "مى" العبره التى تساقطت على وجنتها وقالت :
- هو انسان محترم أوى وجد .. يعني أنا حسه انه عايز يتقدم لـ "مريم" .. هو مش بتاع صحوبيه وكده .. وهو عارف ان "مريم" محترمة يعني أكيد عايز حاجه رسمى
قالت أمها وهى تنظر اليها بتمعن :
- وانتى حسه بإيه دلوقتى ؟
أجهشت "مى" فى البكاء وقالت :
- حسه انى بتقطع من جوه .. أنا فعلا حسه انى اتعلقت بيه أوى رغم انه بيتعامل معايا عادى جداً .. بس حسه ان هو ده الانسان اللى نفسي أرتبط بيه .. بس هو مش حاسس بيا خالص .. وكل ما يسألنى عن "مريم" أو يتكلم معاها أدامى بحس انى مخنوقة أوى ومضايقة أوى منه ومنها
ربتت أمها على ظهرها وقالت بهدوء :
- بصى يا "مى" .. أولا وقبل كل شئ انتى عارفه كويس ان الراجل اللى هتتجوزيه ده ربنا كتبهولك من قبل ما انتى تتولدى .. يعني مهما عملتى مش هتاخدى غير نصيبك اللى ربنا كتبهولك .. صح
أومأت "مى برأسها فأكملت أمها بحنان :
- عارفه ان اللى انتى حسه بيه دلوقتى شعور صعب .. بس حبيبتى الى ضايقتى فى كلامك انك قولتى انك لما بتشوفيهم مع بعض بتضايقي منه ومنها .. أولا يا حبيبتى لازم أفكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " .. و"مريم" صحبتك وأعز صحباتك .. وحتى لو مكنتش صحبتك وكانت مجرد زميله عاديه أو حتى واحده متعرفيهاش .. برده لازم تحبيلها الخير زى ما بتحبيه لنفسك .. لو هو الراجل ده ربنا اختاره لـ "مريم" محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطهم .. ولو ربنا اختاره ليكي انتى محدش أبداً هيقدر يمنع ارتباطه بيكي
هدأت "مى" قليلاً فأكملت أمها :
- الحقد والحسد أول حاجه بيدمروها هو صاحبهم اللى حاسس بيهم .. كل الناس فى جواها حسد .. مفيش حد مبيحسش الاحساس ده .. بس الفرق بين شخص والتانى هو الايمان .. اللى ايمانه قوى بيقدر يسيطر على مشاعر الحسد اللى جواه ويحولها لطاقة ايجابيه .. واللى ايمانه ضعيف بيسيب الشعور ده يتملك منه ويطغى عليه لحد ما يتدمر نفسياً ويحس انه كاره الناس وكاره نفسه .. اوعى تسيبي الاحساس ده يسيطر عليكي .. ولما تلاقى فى ايد غيرك حاجه انتى بتتمنيها بدل ما تحسديه وتحسي بالغضب وبالحقد .. قولى ما شاء الله لا قوة الا بالله .. ربنا يباركله فيها .. ساعتها الملايكه هتدعيلك زى ما دعيتيله .. وشوفى بأه الملايكة لما تدعيلك .. الملايكة اللى مفيش عليها ذنب واحد .. يعني أفضل من دعائك لنفسك مليون مره
لاحت الإبتسامه على شفتى "مى" وقد شعرت بالراحه تغمرها فأكملت أمها مبتسمه :
- "مريم" انسانه كويسة وتستاهل كل خير .. وانتى كمان كويسة وتستاهل كل خير .. وأكيد زى ما ربنا رزق "مريم" .. هيرزقك انتى كمان .. بس أهم حاجه تتقبلى تأخير الرزق بنفس راضيه .. مش صبر عشان مقدمكيش حل غيره .. لا نفس راضيه .. أنا راضيه يارب بكل اللى ترزقنى بيه وكل اللى تكتبه ليا لانك أدرى بمصلحتى ولانك عارف أكتر منى
ثم مسحت على شعرها قائله :
- اتفقنا يا حبيبتى
ابتسمت "مى" وألقت بنفسها فى حضن أمها قائله :
- ربنا يخليكي ليا يا ماما .. ريحتى قلبي ونبهتيني لحاجات مكنتش واخده بالى منها
قبلت أمها رأسها قائله :
- ربنا يريح قلبك كمان وكمان
****************************************
استيقظ الجميع فى بيت "عبد الرحمن" والتفوا حول طاولة الطعام .. كانت "مريم" هادئة ساكنه .. قال "عثمان" لأبيه وهو يرمق "مريم" بنظراته :
- اتفجنا مع الحاج "سباعى" على كل حاجه .. وكتب الكتاب هيكون اهنه فى بيتنا
قامت "مريم" قائله :
- بعد اذنكوا
هتفت جدتها :
- انتى مكلتيش حاجه يا بنيتي
نظرت اليها "مريم" قائله بوجوم :
- شبعت يا تيته
ثم دخلت غرفتها .. نظرت أم "عثمان" اليه بعتاب قائله :
- كان لزمن الحديث ده على الوكيل يا "عثمان" .. سميت بدن البنيه
قال "عثمان" متهكماً :
- ماهى عارفه انها هتتجوزه .. ولا كانت فالحه بس تجابله فى السر وتجل أدبها معاه
قاطعه "عبد الرحمن" بحدة قائله :
- لما تتكلم عن بنت أخوك تتكلم بإسلوب أحسن من اكده .. آنى لحد دلوجيت مش مصدج ان "مريم" تعمل اكده .. بس مضطر للجوازه لانى عارف ان ده لو محصلش الناس هتاكل وشنا يا اما هتتجلب لدم
قال "عثمان" بعنف :
- يمين بالله لو متجوزته لكون جاتلها هى وياه
قال "عبد الرحمن" بغضب :
- طول عمرك ما بتعرف تحل أمورك بهدوء .. ما كان فى ولادى غير "خيري" الله يرحمه هو الوحيد اللى كان عاجل وعجله يوزن بلد
ثم نظر اليه بإحتقار قائلاً وهو يغادر :
- سديت نفسي الله يسد نفسك
ظلت "صباح" تحاول الإتصال ب "جمال" الذى لم يجيب على أى من اتصالاتها .. كانت تشعر بغضب بالغ .. حبيبها سيتزوج من ابنة أخوها ..
وهى التى ساعدته فى تنفيذ خطته للإيقاع ب "مريم" والزواج بها .. كانت تشعر بغيرة فاقت قدرتها على الإحتمال فحولتها الى كلب مسعور يريد الفتك بمن تسبب بإشعال نار غيرتها .
******************************************
كانت "نرمين" تجلس مع عمتها "بهيرة" فى حديقة الفيلا .. قالت "بهيرة" :
- النجع وأهل النجع وحشونى جوى
بتسمت "نرمين" قائله :
- أنا نفسي أشوف المكان اللى بابا اتربى فيه
ابتسمت "بهيرة" قائله :
- ان شاء الله يا ابنيتى نبجى نروح كلياتنا
ثم تنهدت قائله :
- بس لما ربك يريد والأمور تتصلح
قالت "نرمين" بإستغراب :
- أمور ايه اللى تتصلح
- متشغليش بالك انتى با بنيتي دى مشاكل جديمه جوى متشغليش عجلك بيها
رن هاتف "نرمين" فوجدت رقماً غريباً استأذنت من عمتها وابتعدت قائله :
- السلام عليكم
- حبيبتى وحشتيني
قالت بجديه :
- انت مبتهزهأش
- منك لا طبعاً مستحيل أزهأ
- أفندم عايز ايه
- عايز أقولك انك قاسيه أوى وبسببك معرفتش أنام طول الليل .. كان نفسي أوى أكلمك واسمع صوتك بس تليفونك كان مقفول .. مجاليش نوم طول الليل من خوفى عليكي خوفت تكونى تعبانه أو حاجه حصلتلك ومحتجانى جمبك
قالت "نرمين" بخفوت :
- لأ مش تعبانه ولا حاجه وبعدين أعرفك منين يعني عشان أحتاجك جمبي لو تعبت
- انتى لسه مش حسه بيا يا "نرمين" .. ليه مش قادره تحسي انى فعلاً بحبك ... وانك بقيتي كل دنيتي .. صحيح متكلمناش مع بعض كتير بس أنا قريب منك أوى وشوفتك أكتر من مرة
قالت بإستغراب :
- شوفتنى فين
- أقولك ويبقى سر بينا
- أيوة قول
- أنا واحد من صحاب أخوكى "مراد" .. حبيت بس أقولك كده عشان تكونى مطمنه من نحيتي .. لانى طبعاً مستحيل أكون بلعب بأخت صاحبى
قالت "نرمين" بإستغراب :
- انت مين فيهم .. مين فى صحابه
- تؤ مش هقولك .. هسيب قلبك يدلك
ثم قال :
- سلام يا حبيبتى .. هكلمك تانى متقفليش تليفونك عشان مقلقش عليكي
أنهت "نرمين" المكالمة وابتسامه صغيره قد رتسمت على شفتيها
******************************************
اتصل "سباعى" بـ "بهيرة" قائلاً :
- لازم تيجي النجع يا بهيره .. "جمال "كتب كتابه آخر الإسبوع
قالت "بهيرة" بسعادة :
- بجد .. ما شاء الله أخيرا الواد ده هيعجل ويتجوز
تنهد "سباعى" بحسرة قائلاً :
- اييوه
قالت "بهيرة" بفرحه :
- مين اللى هيتجوزها .. من عيلة مين ؟
تنهد "سباعى" قائلاً :
- من عيلة "السمري"
اختفت ابتسامة "بهيرة" وقالت بوجوم :
- من بيت مين فى عيلة "السمري" ؟
- من بيت "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بحده :
- واشمعنى يعني بيت "عبد الرحمن" .. واشمعنى عيلة "السمري" أصلاً .. "جمال" ملجاش غيرهم فى البلد ولا ايييه
قال "سباعى" بنفاذ صبر :
- أما تيجي هبجى أحكيلك .. المهم دلوجيت آني مستنيكي لازمن تحضرى
- ان شاء الله يا "سباعى" متخافش .. "مراد" لما ييجي هجوله وان شاء الله هجيلك اما بكرة أو بعده بالكتير
- طيب يا "بهيرة" بس خلى "مراد" ياخد باله وميتكلمش مع حد واصل وانتوا فى البلد
- متجلجش يا "سباعى" .. "مراد" عارف اكده امنيح
- طيب سلام دلوجيت
فى تلك للحظة دخلت "مراد" بسيارته من بوابه الفيلا وتوقف أمام الباب .. قامت عمته ونادته قائله :
- "مراد" تعالى شويه
أقبل "مراد" عليها قائلاً :
- ازيك يا عمتو .. اخبار صحتك ايه النهاردة
قبل يدها فقالت :
- امنيحه يا ولدى .. اجعد عايزه أتكلم معاك
جلس قائلاً :
- خير يا عمتو
ابتسمت قائله :
- "جمال" ابن عمك "سباعى" .. كتب كتابه آخر الاسبوع ان شاء الله
ابتسم قائلاً :
- ربنا يتممله على خير
أكملت قائله :
- وأنا بدى أروح وانت طبعاً هتيجي معى
- طبعاً يا عمتو ان شاء الله نروح سوا
- بس يا ولدى آنى حبه أروح جبلها بكام يوم يعني مش معجول أروح يوم كتب الكتاب على طول
ابتسم "مراد" وأومأ برأسه قائلاً
- مفيش مشكلة يا عمتو ممكن نسافر بكرة ان شاء الله .. هرجع دلوقتى على الشركة وأخلص الشغل المهم عشان الكام يوم اللى هنعدهم هناك
ربتت على كتفه قائله :
- ربنا يحميك يا ولدى ويبارك فيك
***************************************
جلست "مريم" واجمة فى غرفتها على فراشها .. دخلت جدها الغرفة وجلس بجوارها .. لم تلتفت اليه "مريم" فقال لها :
- انتى منيحه يا بنتى
أومأت "مريم" برأسها وقالت بهدوء :
- أيوة كويسة لانى واثقة ان ربنا هيجبلى حقى لانه ميرضاش بالظلم .. وانتوا كلكوا ظلمتونى
نظر اليها "عبد الرحمن" قائلاً :
- اسمعيني امنيح يا بنتى .. آنى مش مصدج اللى اتجال عليكي .. عارف ان الرجال شافوكى معاه .. بس آنى مش مصدج .. بس يا بنتى لو متجوزتيش "جمال" هتبجى مشكلة كبيرة جوى .. من ناحية الرجال فى عيلتنا هياكلوا وشنا بسبب اللى حصل والكلام اللى اتنشر دلوجيت فى العيلة كلياتها .. ومن جهه لان محدش منهم هيسكت لو جولنا ما بدهاش تتجوزه .. ويمكن حدا منهم يتهور وتجلب لدم .. اسمعى يا بنتى كان بين عيلتنا وعيلة "الهوارى" مشاكل كتير.. راح فيها شباب زى الورد بسبب التار .. أسر بكاملها راحت فى الرجلين .. وممكن تكون البدايه حاجه تافهه جوى .. بس جلبت بدم .. وكل عيلة عايزة تاخد بتارها من العيلة التانية وهكذا واحد من عيلتنا مقابل واحد من عيلتهم .. استمر الوضع سنين طوال .. لحد ما حصل اللى وحدنا ووجف بحر الدم بيناتنا .. وآنى ما بديش نرجع للى فات تانى والعداوة بيناتنا .. ويضيع رجالتنا وشبابنا بسبب هاى العادة المتخلفة .. وعشان اكده انا و "سباعى" من سنين طوال عاهدنا بعض نعمل كل اللى فى وسعنا عشان نمنع المشاكل بين العيلتين .. ونوجف تيار الدم اللى بيناتنا
التفتت اليه "مريم" قائله بأعين دامعه :
- طيب أنا ذنبي ايه .. أنا مغلطتش .. ومش عايزه أتجوزه
قال "عبد الرحمن" بحزم :
- آنى جولتلك ان مصلحة العيلة والجبيلة فوج كل شئ وبعدين احنا مش هنرميكي يا ابنيتى .. لو "جمال" معرفش يحافظ عليكي هناخدك منيه
قالت "مريم" بحنق :
- بعد ما أكون اتجوزته
قال "عبد الرحمن" :
- يا بنتى "جمال" ابن عيلة أكابر .. وعنده شركه بتاعته .. وراجل زين .. يعني مش هنرميكي لراجل مش من مجامك .. لا عيلة "الهوارى" عيلة كبيرة ومعروفة وسط الخلج
قالت "مريم" بغضب :
- وأنا ميهمنيش هو من عيلة مين أو عنده ايه .. أنا مش عايزه لا أتجوزه ولا أتجوز غيره .. هو ظلمنى معرفش ليه عمل كده وهو ميعرفنيش بس أنا واثقه ان ده بسبب العداوة اللى كانت بين العيلتين .. بس قادر ربنا ينتقم منه ويجبلى حقى
قام "عبد الرحمن" وقال بحزم :
- الكلام ده معدش له لزوم .. لان خلاص كل شئ اتحدد واترتب
قالت "مريم" بعند :
- ربنا معايا وهينصرنى أنا واثقه .. اعملوا اللى تعملوه مفيش مأذون هيرضى يجوزنى من غير ما أقول أنا موافقه
صاح "عبد الرحمن" غاضباً :
- انت دماغك ناشفه كتير
ثم تركها وانصرف .. وعادت "مريم" الى شرودها مرة أخرى ولسانها لا يفتر ترديد الآيه فى سورة الشعراء التى تقول " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ" .. ظلت ترددها ولا تقول غيرها حتى فى صلاتها وسجودها كان هذا دعائها الوحيد " رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
****************************************
فى صباح اليوم التالى قاد "مراد" سيارته بصحبة عمته متوجهاً الى النجع .. وصلا بعد عناء السفر واستقبلهم "سباعى" بالترحاب .. أقبل علي "مراد" قائلاً :
- أهلا ومرحبا بإبن خوى
عانقه "مراد" قائلاً :
- ازيك يا عمى أخبارك ايه
ابتسم "سباعى" قائلاً بفرح :
- امنيح يا ولدى كيفك انت وكيف اخواتك البنات
قال "مراد" مبتسماً :
- بخير الحمد لله يا عمى .. ازي عريسنا أخباره ايه
أشار "سباعى" الى الداخل قائلاً :
- عندك جوه ادخله يا ولدى
ساعد "مراد" عمته "بهيرة" على الخروج من السيارة .. استقبلها "سباعى" قائلاً :
- كيفك يا بنت بوى
- الحمد لله يا "سباعى" كيفك انت ومرتك وابنك
- الحمد لله يا "بهيرة" الحمد لله
استقبل "جمال" .. "مراد" بالترحاب وعاقنه قائلاً :
- أهلا أهلا بـ "مراد" ولد عمى
قال "مراد" :
- أهلا بعريسنا .. مبروك يا "جمال" ربنا يتمملك بخير
قال "جمال" بسعادة :
- عجبالك انت كمان يا ولد عمى .. أمال فين عمتى مجتش معاك ولا اييه
- لا جت .. بره مع عمى
- ماشى هروح أسلم عليها .. يلا ادخل غرفتى ارتاح شوى
- ماشى يا "جمال"
توجه "مراد" الى غرفة عمته أولاً ووضع بها حقيبتها ثم توجه الى غرفة "جمال" ووضعه حقيبته بها .. دخل وأخذ دشاً خرج ليجد "جمال" جالساً على فراشه قائلاً بمزاح :
- ايه رأيك نشوفلك واحده من بلدنا مادام بنات مصر مش عاجبينك
ابتسم "مراد" قائلاً :
- هو انا أسيب ماما فى القاهرة تطلعلى انت يا "جمال" .. بقولك ايه عشان منخسرش بعض أفل على الموضوع ده خالص
ضحك "جمال" قائلاً :
- ماشى يا ولد عمى .. بس لو نويت جولى وأنا أختارلك عروستك .. آنى أعرف كل البنات اللى فى البلد .. ومنهم بنات ايييه يا بوى يحلوا من على حبل المشنجه
ضحك "مراد" قائلاً :
- يا ابنى انت كمان كام يوم وهتتجوز .. لو مراتك سمعتك بتتكلم كده متلومش الا نفسك
قال "جمال" :
- لا آنى أجول وأعمل اللى على كيف كيفي .. وهى مش هتكون أكتر من الكرسي اللى انت جاعد عليه ده
ابتسم "مراد" بتهكم وقال :
- بداية غير مبشرة .. ربنا يكون فى عونها
قال "جمال" وهو يغادر الغرفة :
- آنى أدرى بالطريجه اللى أعامل بيها مرتى .. يلا ارتاحلك شوى
التف الجميع حول طاولة الطعام فى بيت "سباعى" .. قالت "بهيرة" التى كانت تشعر بدوار موجهه حديثها الى أخيها :
- جولى بجه يا "سباعى ايه حكاية الجوازه دى بالظبط .. واشمعنى بيت "عبد الرحمن السمري"
فجأة وأمام أعينهم المندهشه سقطت "بهيرة" مغشياً عليها .. فزع "مراد" وهب واقفاً .. جثا على ركبتيه بجوارها وحاول أن يفيقها .. استجابت عمته له بصعوبه .. حملها مع "جمال" الى غرفتها وأحضروا لها الطبيب الذى قال :
- هى مكنش ليها سفر دلوجيت .. شكلها الضغط عندها عالى جوى .. والسفر تعابها بزيادة .. مطلوب راحه تامه وتاخد أدويتها بمعادها .. وكمان الأدوية بتاعة ضهرها تاخدها بإنتظام لان من الواضح انها مكنتش مواظبه عليهم .. وياريت محدش يجولها اى حاجه تضايجها او ترفع ضغطها لان ضغطها عالى كتير
تنهد "مراد" قائلاً :
- شكراً يا دكتور
انصرف الطبيب والتف الجميع حول "بهيرة" .. قالت والدة "جمال" :
- حمدالله على سلامتك يا "بهيرة" خوفتينا عليكى جوى
جلس "مراد" بجوارها وقبل يدها قائلاً :
- حمدالله على سلامتك يا عمتو
التفتت اليه قائله :
- تسلم يا ولدى
قال "سباعى" :
- ارتاحى يا اختى ولو احتجتى حاجه ناديلنا
أومأت برأسها وانصرف الجميع ليتركوها تنعم بالراحه
طلب "سباعى" من زوجته و من "جمال" اللحاق به فى غرفته .. أغلوا الباب خلفهم والتفت اليهم قائلاً :
- حالة "بهيرة" لا تسر عدو ولا حبيب .. مش عايزها تدرى بالمصيبة اللى وجعنا فيها عشان الضغط ميعلاش تانى
قال "جمال" :
- متخافش يا بوى مش هجيبلها سيرة واصل
سأله "سباعى" بقلق :
- جبت سيرة ل "مراد"
- لا متكلمتش معاه فى حاجه
- امنيح .. مجولوش حاجه مفيش داعى يعرف وعشان كمان ميجولش لعمته .. وان شاء الله الموضوع يعدى على خير .. وكتب الكتاب ينكتب فى معاده ونخلص من الورطة دى
**************************************
بعد يومين قال "عثمان" لـ "مريم" التى كانت تساعد جدتها فى المطبخ :
- اعملى حسابك ان بكره هنروح سوا عشان الكشف الطبي اللى بيطلبوه عشان كتب الكتاب
نظرت اليه ببرود قائله :
- مفيش داعى ..لانى مش هتجوز
اقتحم "عثمان" المطبخ صاح فى غضب :
- جولتى اييه سمعيني تانى اكده
أبعدته أمه قائله :
- "عثمان" روح شوف صالحك
نظر الى "مريم" بغضب قائلاً :
- بكرة الصبح تكونى جاهزه بكير سمعتى ولا مسمعتيش
قالت أمه وهى تخرجه من المطبخ :
- طيب هتكون جاهزه يلا انت امشى من هنه .. يلا دلوجيت
عادت "مريم" تكمل ما بيدها وهى تشعر بالحزن والأسى وعادت مرة أخرة تردد "رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ "
فى صباح اليوم التالى وفى المركز الطبي جلس "مراد" بجوار "جمال" الذى أخذ يهتف بحنق :
- مش عارف آنى لزمته ايه الكشف ده .. أهو عطله على الفاضى
قال له "مراد" :
- متقلقش الموضوع مش بياخد وقت
رن هاتف "مراد" فوجد أن المتصل والدته .. حاول التحدث معها لكن كان الصوت متقطعاَ بشدة فنهض قائلاً :
- ماما اقفلى وهطلع أتكلم من بره لان المكان اللى أنا فيه الشبكة فيه ضعيفه
التفت الى "جمال" قائلاً :
- هطلع أكلمها من بره وأرجعلك
- ماشى يا ولد عمى
نزلت "مريم" من سيارة "عثمان" التى أوقفها أمام المركز الطبي قائلاً :
- اسبجيني انتى .. آنى هركن العربيه وآجيلك
ذهبت فى اتجاه المركز وعلامات الآسى على وجهها .. ستفعل كل ما يطلبوه منها حتى معاد كتب الكتاب .. لكنها لن توافق على الزواج أبداً حتى لو كان البديل هو موتها .. كانت تسير مكتئبه حزينه فما كادت توشك على الدخول من باب المركز حتى وجدت رجلاً خارجاً فرجعت خطوة الى الخلف لتسمح له بالمرور .. رفعت رأسها فارتطمت نظراتها بوجه الرجل .. لم تشعر بحقيبة يدها التى سقطت منها .. انحنى "مراد" والتقطت حقيبتها التى سقطت ونظر اليها قائلاً :
- اتفضلى
بدت "مريم" وكأنها لا تسمعه .. كانت تحدق فى وجهه بشدة بأعين متسعه .. أخذت نظراتها تتفرس فى ملامحه وهى تنظر اليهبذهول .. شعر "مراد" بغرابة نظراتها .. ظل متفرساً فيها هو الآخر يحاول فهم تلك النظرات الغريبة التى ترمقه بها .. كانت نظراتها تتسم بالدهشة والصدمة ثم مالبثت أن تحولت الى نظرة شوق ولهفه وكأنها حبيبه التقت بحبيبها بعد طول غياب .. قال "مراد" مرة أخرى وهو يحاول تفسير نظراتها :
- اتفضلى
مدت يدها تأخذ الحقيبة وهى لا ترفع عينيها عن وجهه فلمست يده .. نظر "مراد" الى يدها الموضوعه على يده ثم رفع نظره اليها .. لحظة وأفاقت لنفسها وشعرت بالخجل الشديد أخفضت بصرها وأخذت الحقيبة ودخلت الى المركز مسرعة .. تابعها "مراد" بنظراته وهو مازال مندهشاً من تمعنها فى النظر اليه بهذا الشكل .. دخلت "مريم" وجلست على أقرب مقعد وهى تشعر بأن قدماها ترتجفان ولا تستطيعان حملها .. وبضربات قلبها تتسارع ويزداد اضطراب تنفسها .. بدا عليها الذهول الشديد .. عندها رفعت نظرها لترى "جمال" الذى كان متجهاً للخارج ويبدو أنه لم ينتبه اليها .. حمدت الله على ذلك فلو جاء للتحدث اليها لما استطاعت التحكم فى أعصابها ولكانت صرخت فى وجهه بكل ما يعتمل فى داخلها من غضب .. خرج "جمال" و انتظر حتى أنهى "مراد" مكالمته ثم قال :
- خلاص خلصت
قال له "مراد" :
- طيب كويس يلا نمشى
التفت "مراد" ليلقى نظرة على المركز قبل أن يغادر وهو مازال مندهشاً من النظرات التى رمقته بها تلك الفتاة .. التقيا ب "عثمان" الذى دلف من بوابه المركز الخارجية فقال له "جمال" بسخرية :
- أهلا يا عم مرتى
قال له "عثمان" بغيظ وهو يسير فى طريقه :
- جبر يلمك
أطلق "جمال" ضحكه عاليه ساخرة وهو يتابعه بنظراته .. قال له "مراد" :
- مين ده
التفت اليه جمال قائلاً :
- عم مرتى
- بس شكله مضايق منك
ابتسم "جمال" بسخرية قائلاً :
- تعالى تعالى متشغلش بالك كتير
*************************************
- متأكد انها بنت "خيري السمري" ؟
ألقى "حسن المنفلوطى" هذا السؤال على أحد رجاله الذى رد قائلاً :
- أييوه متأكد .. وكتب كتابها هى و "جمال السباعى" آخر الاسبوع
كان "حسن المنفلوطى" رجل فى العقد السادس من عمره .. لكن تبدو عليه القوة والصلابة وتعبيرات وجهه التى تتسم بالغلظة والقسوة .. قال وكأنه يتحدث الى نفسه :
- يعني بنت "خيري" هياخدها ابن "سباعى"
ثم التفت الى الرجل قائلاً :
- لسه مفيش أخبارك عن "خيري السمري" أو "خيري الهواري"
- لأ يا حاج "حسن" مظهرش ولا واحد منيهم
قال "حسن" :
- أكيد "خيري السمري" هيظهر فى فرح بنته
قال الرجل :
- وان مظهرش ؟
قال "حسن" بحزم :
- ان مظهرش ومعرفتش أوصله لا هو ولا "خيري الهواري" .. يبجى لازمن الفرح ده يتحول لبركة دم .. والعيلتين يجعوا فى بعض
************************************
آتى اليوم الموعود وتعالت الزغاريد فى بيت "عبد الرحمن" كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وكأن الأمر لا يعنيها .. كانت عازمة ومصرة على رفض هذا الزواج وأن تقف أمام هذا الظلم الذى وقع عليها .. لن تسمح لهذا المدعو "جمال" أن يحقق غرضه مهما كان السبب الذى دفعه لأن يفعل ذلك ويتزوجها بهذه الطريقه المهينه .. أصرت جدتها على ارتداء احدى العباءات المنقوشة .. امتثلت لطلب جدتها بعد الحاح لكنها اصرت على عدم وضع أى زينه .. لبست عبائتها المزركشة وارتدت حجابها والتف حولها النساء يصفقون ويغنون وهى جالسه بينهم فى هدوء
اجتمع رجال العائلتين بالأسفل فى انتظار حضور المأذون الذى سيكتب كتاب "جمال" على "مريم" .. كان "جمال" يبدو سعيداً للغاية ويرحب بالرجال بحماس والابتسامه لا تغادر شفتاه وهى مزهواً بنفسه وبإنتصاره .. قال أحد رجال "المنفلوطى" المندسين بين عائلة "الهوارى" لآخر :
- هو مين هاد ؟
أشار الرجل الى "مراد" الجالس بجوار "سباعى" ويتحدثان معاً .. قال له الرجل :
- معرفش بس اظاهر انه يجرب لعيلة "الهوارى" لانه جاعد وسطيهم واظاهر انه حد مهم لانه جاعد جمب "سباعى" بذات نفسه وبيتكلموا مع بعض
أومأ الرجل المندس برأسه وهو ينظر الى "مراد" بتمعن متفحصاً اياه .. ذهب وسأل أحد الرجال من عائله "السمري" عن "مراد" فرد الرجل :
- معرفش يا ولد العم .. اللى أعرفه انه جاعد فى بيت "سباعى" .. يمكن ابن حد من جرايبه .. معرفش بالظبط
ذهب الرجل بعيداً عن الأبصار وأخذ يتحدث الى هاتفه هامساً .
************************************
اقتربت زوجة "سباعى" من "بهيرة" النائمة فى فراشها والتفتت الى الخادمة قائله بهمس :
- خلى بالك منيها .. من ساعة ما اجت من مصر وهى تعبانه ومبتتحركش من السرير من ألم ضهرها ومن الضغط اللى عنديها .. لو فاجت واحتاجت حاجه متخليهاش تنزل من فرشتها وهاتيهالها انتى
قالت الخادمة :
- حاضر يا حجه متجلجليش ست "بهيره" فى عنيا .. مبروك لـ "جمال" بيه
- الله يبارك فيكي .. يلا فتك بعافيه اتاخرت عليهم
غادرت زوجة "سباعى" وماهى الا لحظات حتى أفاقت "بهيرة" وحاولت الجلسو .. أسرعت الخادمة اليها قائله :
- عايزة حاجه يا ست "بهيرة"
قالت "بهيرة" بصوت خافت من التعب :
- هما اهنه ولا مشيوا
- لا مشيوا راحلوا كلياتهم كتب الكتاب
أومأت "بهيرة" برأسها فأكملت الخادمة :
- والله سي "جمال" ده راجل ولا كل الرجاله مش عارفه ايه بس اللى وجعه فى العيلة دى
تمتمت "بهيرة" قائله :
- وآنى كمان مش عارفه اشمعنى اختار بنت "عبد الرحمن" .. ما البنات مليين البلد
قالت الخادمة :
- لا يا ست "بهيرة" مش بنت "عبد الرحمن"
التفتت اليها "بهيرة" وقالت بضعف :
- بتجولى ايه يا بت .. هيتجوز بنت "عبد الرحمن"
- لا يا ست "بهيرة" هيتجوز حفيدة "عبد الرحمن"
قالت "بهيرة" بدهشة :
- حفيدته مين .. "عبد الرحمن" معندوش حفيدة
ابتسمت الخادمة قائله :
- لا عنده .. بنت ابنه "خيري" .. لجوها من فترة وجابوها تعيش حداهم
اتسعت عينا "بهيرة" من الدهشة وقالت وعلامات الصدمة على وجهها :
- "جمال" هيتجوز بنت "خيري عبد الرحمن " ؟
- اييوه
هبت جالسه مكانها وكأنها تناست مرضها وآلامها وهتفت قائله :
- انتى متأكده ؟
قالت الخادمة بتوتر :
- ايوة متأكده
أزاحت "بهيرة" الغطاء بعنف وصاحت بصوت مرتجف وهى تغادر فراشها :
- مستحيل يتجوزها "جمال" .. مستحيل
لكنها ما كادت تقف حتى سقطت على الأرض مغشياً عليها .
ذهبت زوجة "سباعى" الى بيت "عبد الرحمن" واستقبلتها زوجة "عبد الرحمن" وأجلستها مع النساء فى الغرفة .. تطلعت زوجة "سباعى" الى "مريم" من رأسها الى أخمص قدمها وقالت بتهكم :
- هى مش هتيجي تسلم عليا وتبوس يدي ولا اييه
قالت زوجة "عبد الرحمن" لـ "مريم" :
- جومى يا بنتى سلمى على حماتك وبوسى يدها
قامت "مريم" وتوجهت اليها قائله :
- ازيك حضرتك
قالت لها بتهكم :
- امنيحه
عادت "مريم" أدراجها وجلست مكانها دون أن تفكر حتى فى تقبيل يد المرأة .. استمرت النساء فى التصفيق والغناء .. كانت هناك عينان تتطلعان الى "مريم" بحقد وحسد وغل دفين .. عينا "صباح" كانت تشعر بالنار تأكلها من كل جانب .. فها هى تلك الفتاة ستصبح بعد لحظات زوجة لحبيبها .. حبيبها الذى انتظرته سنوات طوال .. وملك حبه كل كيانها .. نظرت اليها وكأنها تريد تقطيع أوصالها .. وكأنها تريد تهشيم رأسها .. وكأنها تريد قتلها .. كانت تغلى من الغضب .. لم تشعر بنفسها الا وهى متوجهه الى غرفة والدها .. فتحت أحد الأدراج الذى كانت تعلم جيداً بإحتوائه على قطعة سلاح .. أخذتها وأخفتها فى ملابسها وخرجت من الغرفة والشرر يتطاير من عينيها .
************************************
جاء المأذون فصاح "عثمان" :
- المأذوج اجه
قال "عبد الرحمن" :
- على خيرة الله
صاح "سباعى" فى أحد الرجال :
- نادوا لـ "جمال" عشان نكتب الكتاب
نهض "عبد الرحمن" قائلاً :
- وآنى هروح أخد موافجة العروسة
سأل المأذون :
- فين العريس ؟
رد "سباعى" :
ثوانى وييجى العريس
لحظات وجاء "جمال" وهتفت بمرح :
- منورينا يا رجاله عجبال عندكم كلياتكوا
جلس "جمال" بجوار المأذون فى انتظار "عبد الرحمن" .. التفت الى "مراد" الجالس بجواره قائلاً :
- عجبالك يا ولد عمى
ابتسم له "مراد" وربت على كتفه
كان أحد رجل "المنفلوطى" المندس وسط الحضور .. يمعن النظر فى "مراد" الجالس بجوار "جمال" ويده تتحسس مسدسه الذى أخفاه بين طيات ثيابه
سُمع صوت الطلقات فى الهواء تعبيراً عن فرحهم بهذا الزواج .. كانت الطلقات تخترق السماء بعشوائيه .. لكن أحدى الطلقات لم تنطلق بعشوائيه .. بل انطلقت متعمدة .. متعمدة لأن تخترق أحد الأجساد .. انطلقت الرصاصة تعرف وجهتها جيداً .. تعرف فى أى جسد ستستقر .. ولم تخطئ الرصاصة وجهتها .. واستقرت فى الجسد الذى أطلقت من أجله .. لتنفجر الدماء من هذا الجسد قبل أن يسقط أرضاً .
يتبع