رواية ارامينتا كامله وحصريه
كان يعرف أنه لن يستطيع ، لكنه لم يكن يدرك أن اعترافه بالخوف سيريحه ويلقي عن كاهله عبئا هو أكبر من كل مخاوفه . نوبة من الغضب والبكاء قادته نحو فراغ سقطت فيه روحه ، كانت روحه حبيسة غرفة معزولة ،لا يسمع فيها صوته رغم ضجة الطريق ، ألم بقاؤه حيا كان أكبر من خوفه من الموت ، كانت لحظة أو قل ساعة أو ليلة طالت أو ربما قصرت .
جلس أسفل النافذة ظهره للحائط ، ورأسه الضخم فوق كتفيه ملقى للخلف ، رأسه كصخرة عظيمة سقطت بين جبلين ، فمه مفتوح ولعابه يسيل يختلط بدموع وجهه..
من قال أن البكاء يريح؟! ...بعض الدمع حارق كاللهيب ، لم أكن بكامل وعيي وكأنني خارج هذا الجسد أراقبه ..لا أحتمل العودة فيه ، روحي تتبخر ..جسدي يحرقها.. تنسلخ منه ، الحياة عبء على جسدي يلفظها وترفضه ، خيار الموت أرحم لي من قهري علي الحياة .
أريد أن أموت ، لم أدفع بنفسي للحياة والآن أنسحب منها ... أريد الانسحاب منها ..أريدها أن تعتقني ، لا أريد البقاء في عالم ليست فيه راوية.
حاولت مِراراً هدم الصّور التي تتكرر، أعدت ترتيب الغرف في المنزل كما تريد القصيدة، أقحمت في الأبواب والجدران ذكريات العائلة، ربطت أجساد الرّفاق بالمقاهي التي كانت لنا، بأرصدةٍ مزقناها تحت أدّعاء أَنّها *عادة لا إرادية*، غيّرت الموسيقا التي أسمعها، ضحكت بشكلٍ مبالغ فيه كما لو أن الذي يضحك هو أنا.فتحت الباب لكثيرين حتَى يتغير في أثر الغرفة شيء، خضت حوارات طويلة كما لو كنت شاعراً أو فناناً أو مثقفاً كما يظن البعض، حاولت أن لا ألاحق الظّلال وأن أرى الأشخاص كما هم تماماً وكانت
النتيجة أنني أصبحت أكثر حرفية في تخصص الإعلام، حاولت مراراً تغيير أشياء كثيرة، حاولت مراراً رؤية أشياء مغايرة، لكنني بعد كلّ هذا أعاود النّظر لحياةٍ لم تتغير، إنه البيت ذاته والغرفة التي لم يُترّك فيها أثر، إنّه البكاء الذي يشبهني دوماً، إنهم الرّفاق بشكلٍ حقيقي في المقهى، وإنّهم النّاس الذين ستبقى ظلالهم مثلما هي، وإنها الموسيقى التي لو لم تعد موجودة في الهاتف ستكون في رأسي، لكنني لم أعد أنا.
قلْ لي بربكَ من تكونُ؟" صاحتْ هي لكني اكتفيت بإغلاق عيناي لترذف "أسرتني
فأضعتُ فيكَ رزانتي والمنطقا !
وبأي حقٍ هكذا أغويتني؟
بل كيفَ أوهمتَ الفؤادَ فصدقَا؟"
"كاَيت ارجوكِ اعاني من صداع رإسٍ حاد! اكتفيتُ من مشاجراتنا السخيفةِ يومياً، كفى!"
"بيكهيون انتَ تعلمْ انني احبكَ لما تتصرفُ دائما بهذه الطريقة بحق الجحيم؟"
نبرتهاَ الغاضبةُ ازعجتني أكثر، انها مثيرةً للشفقةِ،تحاول ان تستغلني لأتعاطفَ معها !
هي تعرف حق المعرفةَ انني اعاني من المونخهاوزن، (متلازمة مونخهاوزن هي
خلل نفسي حيث يختلق المصاب به أمراضاً ووعكات صحية أو ازمات نفسية بغرض جذب الانتباه او التعاطف من الآخرين. في بعض الحالات المتطورة والمتقدمة منها، قد يتسبب المريض لنفسه بالإصابات وذلك للغرض نفسه.)
لقد كنت احبهاَ ذات يومٍ والشوقُ اليها بدأ ينقصُ يوماً بعد يومٍ.
بدأت اشعر بالفراغ الشديد حقاً، لا اريدُ ان أتذكرَ الماضي وما حدث حينها قبل، الامر فقط مزعج و يُصيبني بأزماتٍ طوال الوقت.
بصراحةٍ كايت اكثرُ ازعاجاً فهي تستمرُ بطرحِ الاسئله عن سبب الأزمات التي تصيبني وانا احاول قدر المستطاع تجنب اسئلتها.
كنت دائمًا خارج السرب، لا أحد يعرف ما يدور في خلدي، لا أتعمّق مع أحد، كأنما لي قضية أخرى وأرض أخرى، وحرب لا تعني الجميع، أرى بأني فكل يوم اخبئ نفسي أسفل وسادتي واخرج هاتفي وانتظر واعلم لا جدوى لكن انتظر واقع بالهاويه نفسها وانظر لحزني بيأس و اهرب للنوم بعد صراع .
أنا لست الشخص المناسب لاي أحد إنني ممل جداً وسخيف لا أجيد الكلام إلا مع نفسي منطفئ من الداخل ولن أستطيع أن أكون كما يريدون.
كاَيت اكتفتْ بالرحيل عندما لاحظتْ شرودي وأن لا جدوةَ فالمحاولةِ معي مرةً اخرى.
أجلسُ الآنَ على حافَّةٍ كأرجوحةٍ أدلِّي ساقيَّ أغمضُ و لا ألوِّحُ لأحد.
الهاويةُ ورائي،و ليسَ الغناءُ طريقًا
لأتوقَّفَ.
أيامي باردةٌ وميتة، أدفئ قلبي الجليدي،
في ليلة البدر، تحت السماوات المرصعة بالنجوم و شعرتُ بأنّ في روحي ثُقبًا، ثُقبًا يتّسع و يمتصُّ كل أحلامي و ذكرياتي.
ودِدتُ لو كان بجانبِي شخص أعرفه، أحكي له كل شيء.
أقصّ عليه حكاية الثُقب.
كنت قد أستغرقت في وحدة عميقة،
حتى أني أصبحت ذات لحظة غريبة عن العالم كلّه، لقد فقدت الأشياء معناها وكذلك الوجوه، وأنا.
إنها كلحظة يخذلك فيها الهواء، وتشعر بأنك لا تقوى على النفس، وتذكر الجرح المنسدل تحت رقبتك
إلى قلبك، وتسقط.
+