اخر الروايات

رواية حان الوصال كامله وحصريه بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال كامله وحصريه بقلم أمل نصر



ما بعد الفجر وقبل الصباح، ذاك الوقت الفاصل ما بين ظلام الليل وشروق الشمس، هذا هو وقتها، الذي تجد فيه سكينتها، تصلي الفجر ثم تقف في شرفتها تتمتع بالنسمات العليلة مع الهدوء الذي يعم المنطقة الا من بعض الاصوات القليلة للمارة الذاهبين الى شئونهم، ان كان الى عمل او شيء آخر.

تتأمل المباني حولها وتراقب انقشاع الظلام رويدا رويدا حتى تحط الشمس بضيائها وتزين الأرض.

تتنفس هواء نقيًا، بعيدا عن الصخب والمسؤوليات المعلقة في رقبتها.


بهجة…. هذا اسمها وياليتها نالت حظها منه، او ربما كانت تناله قديما ، قبل ان ينكسر ظهرها بموت الاب، الذي كان سندها رغم طيبته الشديدة والتي كانت تصل الى حد السذاجة في بعض الأحيان ، ولكنه كان حنونا ورؤوفا بها، لم يقصر ابدا في واجباته، او يتزوج بأخرى بعد وفاة الأم في ولادة اصغر أبناءه عائشة

لتحمل بهجة المسؤولية معه منذ الصغر ، ثم تتولاها كاملة بعد وفاته في حادث سيارة غادر، لم يعرف أحد بالسائق المتهور الذي دهسه اثناء ذهابه للعمل.

وتبدأ هي مرحلة جديدة تفصلها تماما عن السابق من عمرها، حيث اكتشاف الغدر من اقرب الأشخاص اليها، وانقشاع الغمامة التي كانت تعصب عينيها عن معرفتهم الحقيقية ونفوسهم السوداء، تبًا لتلك الطيبة التي ورثتها عن والدها، وقد كانت من أهم اسباب قهرها في كثير من الأحيان، حتى اشتدت عظامها ونضجت مع مرارة الأيام.

– يا بهجة يا بهجة، انا صحيت يا جميل، فين الفطار؟
كان هذا الصوت المميز لشقيقها، بنبرة خشنة اكتسبها حديثًا مع بدء بلوغه لمرحلة الرجولة رغم صغر سنه.

تحركت لتخرج اليه من غرفتها تهتف بردها:
– حالا يكون جاهز يا سيادة الدكتور المستقبلي، على ما تكون غسلت وشك وصليت الصبح

بعد مدة من الوقت
وقد استيقظ الجميع لتناول الفطور مع بهجة التي اعدته كالعادة قبل ان ترتدي ملابس الخروج للعمل ، وهي الاَن في انتظار البقية لتخرج أخرهم.

خرج شقيقها ايهاب من غرفته اثناء تصفيفها هي لشعر شقيقتها الصغرى، يهديها قبلة قي الهواء وهو في طريقه للذهاب من المنزل:

– سلام يا بيبو ، اركِ اليوم حين اعود .
ضحكت مرددة خلفه:
– ترجع بألف سلامة يا قلب بيبو
بعث لها قبلة اخيرة، ثم اندفع مغادرًا، لتعود هي الى حديث شقيقتها الثرثارة:

– والله زي ما بقولك كدة يا بيبو، بنت عمك كانت رايحة جاية تتقصع قدام شادي وتلاغيه بالكلام قدام خطيبته صبا لحد ما كشرتلها وكانت عايزة تفط في كرشها.

– تفط في كرشها كمان، ياه على الفاظك يا ست عائشة، بتجيبيها منين دي يا بت.؟
– من الشارع ههه
تمتمت بها عائشة ردا على شقيقتها، لتتبادلا المزاح لحظات حتى انتهت من عمل ضفيرتين لها، لتتركها بعد ذلك تنظم حقيبتها والجدول الدراسي، ثم تأخذها وتذهب بها،

وقبل كل ذلك، دلفت بهجة لغرفة شقيقتها الوسطى جنات، والتي استيقظت لها فور دخولها تستقبلها

– صاحية يا بيبو اطمني.
– ولما انتي صاحية مبتقوميش ليه؟
تمتمت بها بهجة تضربها بخفة بالمنشفة القطنية، فضحت لها جنات تقول باستسلام:
– بريح شوية يا ست، لسة راسي تقيلة .

كرمشت بهجة ملامحها بامتعاض مزيف، لتخرج من حقيبتها الصغيرة عدد من الاوراق المالية تعطيهم لها:
– طب خدي يا ختي المصروف على ما رفعتي راسك التقيلة من ع المخدة وقومتي.

– من ايد ما نعدمها يارب.
قالتها جنات وهي تقبلهم برضا، لتتوقف شقيقتها بتأثر،
لهذه الكلمات البسيطة التي تتلقاها من اخوتها، فتزيح عن كاهلها المشقات وعلقم الأيام الذي تتجرعه في عملها والتعامل مع غابة البشر ، فتهون عليها الصبر والتضحية من اجلهم .

استدركت فجأة قبل ان تتحرك ، لتسألها بتذكر:
– استني يا هنا ، هو انتي مش عندك برضوا مصاريف جامعة والكارنيه بتاع الطلبة.

تغضنت ملامح جنات بحرج لتعتدل بجذعها قائلة بتهوين:
– مااا مش مهم بقى الكارنيه والحاجات دي ، انا بحاول اتصرف واخش سرقة مع البنات ، وان كان ع الكتب برضوا تدبر ان شاء الله.

ابتعلت بهجة غصة مؤلمة بحلقها، للإحساس العجز الذي يتملكها في كل مرة لا تقدر على سد احتياجات اشقائها، وخجلهم الدائم بأن لا يزيدو عليها من الهموم.

لتتنهد رافعة ذقنها بابتسامة نحو شقيقتها:
– وتدخلي سرقة ليه ولا تحتاجي للسلف من اصحابك الكتب ؟ انا هدبرهم في اقرب وقت أن شاء الله، وانتي متخبيش عني تاني حاجات مهمة زي دي، دا مستقبلك يعني مينفعش التقصير فيه، ولا انك تعرضي نفسك للاحراج او الإهانة من حرس الجامعة لو اتقفشتي من غير كارنيه، سامعاني.

اومأت جنات بطاعة رغم الحزن الذي يتملكها في كل مرة تزيد بمتطلباتها على شقيقتها الحنون، والتي تضحي بزهرة شبابها من اجلهم ، وحلم الزواج كباقي الفتيات من عمرها قد تبخر ادراج الهواء، بعد صدمتها وتطليقها من ابن عمها الخسيس قبل ان يتم فرحه عليها او يتزوجها، صاغرا لأمر والدته المتجبرة، والتي لم يكف اذاها لهم حتى الاَن.

❈-❈-❈

بعد قليل
كان خروج بهجة من شقتهم في تلك البناية المكونة من أربعة طوابق، يسكن الطابق الارضي الحاجة صبرية مالكة المنزل، وفي الطابق الثاني خميس الراوي وعائلته، اما الثالث فذلك مسكن بهجة واشقائها بعد وفاة الوالد ، فيتبقى الرابع وذلك الذي بني حديثًا منذ سنوات قليلة، ليكون شقة الزوجية لسمير ابن خميس الرواي وابن عم بهجة الذي كانت على وشك الزواج به لولا موت الوالد وما حدث من مشاكل بعدها افسدت كل شيء حتى حدث وانفصل عنها، رغم عقد قرانه به لأكثر من شهور، ليتزوج بأخرى، وتنفض هي عنها فكرة الزواج على الإطلاق، لتقوم على تربية اخوتها ورعايتهم حتى تطمئن عليهم، وقد ساهم هو بغبائه في تأصيل القرار داخلها بعدما رأت منه ومن عائلته خسه ووضاعة جعلتها تفقد الثقة في جميع الرجال.

ولكنها جميلة وليست كامرأة عادية، تمر امام الخلق فتلفت ابصار الجميع نحوها، حتى وهي تتعمد عدم الاهتمام وارتداء الملابس الواسعة التي تفتقر للأناقة،
ولف الطرحة حول وجهها دون نظام، ولكن منذ متى نجحت التغطيه في اخفاء جمال امرأة؟ خصوصا اذا امتلكت الروح الجميلة معها.

نزلت الدرج خلف شقيقتها الصغيرة ، لتفاجأ به كعادته مؤخرًا، يقف في انتظارها، يدعي الانشغال بالهاتف كحجة يستخدمها دائمًا، وعيناه تطالعها بلوعة، يتحرق للحديث معها ، حتى وهو لا يجد منها غير الصد والتجهم ، ونظرة الازدراء، ولكن الشوق يقتله، ولكن نظرة هذه الصغيرة التي كانت رافعة حاجبها بشر، تجعله يعيد النظر، فكم من مرة جلدته بلسانها اللازع، فيتراجع بخزي، لا يعلم من اين تأتي بهذه الجرأة والجبروت رغم سنوات عمرها التي لا تتعدى الحادية عشر

– ما تيلا بقى يا بيبة، عايزين نخرج من العمارة اللي حررت دي على اول الصبح، والجو فيها بقى ملزق.

كبتت بهجة ابتسامتها بصعوبة، لتواصل السير مع هذه الملعونة الصغيرة، ولسانها الذي ليس ظابط ولا رابط.

اما عنه، فقد تسمر للحظات يكتنفه الذهول، انها سبته بدون حتى ان يتكلم ويأخذ فرصته .

واصلتا الفتاتان سيرهما، في طريق الحارة الشعبية التي نشأن بها، وجاء الدور الاَن في المرور على الوكالة التي كان ابيها شريكًا بها، قبل ان يتوفى، ثم استولي عليها عمها خميس بالحيلة والخداع، مستغلا طيبة شقيقه الفقيد، لأنه لم يفعل حساب هذا اليوم،

تنهدت بحسرة، فلو استمر فقط نصيبهم في هذه الوكالة، لكان وفر عليها المشقة والمذلة في اعمال تسحق كرامتها في بعض الأحيان من اجل اخوتها.

كان في هذا الوقت يتشاجر مع احد الزبائن ويصيح بصوته الجهوري به، لتغمغم هي داخلها:
– صوتك ميطلعش غير برا البيت، انما عند درية المستقوية، حتى عينك متقدرش ترفعها فيها.

تنهدت بيأس لتنفض عن رأسها الفكر المرهق،، وتلتف للأمام، ولكن ابصارها اصطدمت بالضلع الثالث من هذه الأسرة التي تحاصرها من جميع الزويا.

– يوووه علينا ، هيهل علينا دلوقتي ويقول اوصلكم.
خرجت من شقيقتها، وكأنها تقرأ افكارها، لتبزغ ابتسامتها فور ان اقترب منهم سامر عارضا بالفعل:

– صباح الخير على احلى عرايس، متيجو اوصلكم في طريقي.
عبست عائشة تكور شفتيها بضيق لا تخفيه، لتتسع الابتسامة على وجه بهجة، فترفض بزوق:
– تشكر يا سامر، بس انت عارفنا بنحب ناخدها كعابي .
شجعته ابتسامتها الا يستلم متابعًا؛
– يا ستي عارف، بس انا نفسي في مرة تعملوها وتجبروا بخاطري.

هذه المرة جاء الرد من عائشة التي لم تقوى على الصمت اكثر من ذلك:
– يا عم اجبر بخاطرنا احنا وعدينا، المدرسة هتفوتني.
اكتنفه الحرج ليعبر بعتاب ومزاح:

– يا نهار أبيض على لسانك يا عائشة ميفضلش في بوقك نهائي، اتفضلي يا ستي وحصلي مدرستك.
أومأت بهجة تكتم ضحكتها، وصارت عائشة معها تهديه ابتسامة صفراء، لتواصل بعد ذلك المرور مع شقيقتها نحو وجهتهم.

❈-❈-❈

وفي مكان اخر
حيث الهدوء الذي يعم الأنحاء، في ذاك المسكن الخاص به ، رجل الاعمال رياض الحكيم، وقد استيقظ في ميعاده الصباحي الساعة الثامنة، دون الاحتياج لمنبه او مساعدة من بشر، وكأن الساعة برأسه، يسير بنظام لا يحيد عنه ابدا .

يستيقظ على ميعاده في الثامنة ، يأخذ حمامه الصباحي ، يتناول وجبة الافطار سريعًا، ثم يرتشف القهوة بداخل غرفة مكتبه، حيث يراجع بعجالة على بعض الملفات قبل الذهاب الي العمل، ورغم امتلاكه لصالة للالعاب الا انه لا يدخلها الا مساءًا بعد ان ينتهي من جميع اعماله، ويطمئن على سير العمل بكل دقة.

عملي لدرجة الجمود احيانا والصلف احيانا، لديه اصرار دائم على النجاح بكافة الصور، ولذلك لم يكن غريبًا ان يتشارك العمل مع رجل مقارب لشخصيته وقد عرفه عليه ابن خالته، عدي عزام قبل ان يستقر بتركيا مع زوجته، يراعي مصالح العائلة وينوب عن شقيقه مصطفي صاحب اكبر راس مال في المنطقة.

في هذا الوقت كان يجري مكالمته التليفونية بغرفة المكتب:
– ايوة يا كارم…….. لا انا معاك يا باشا، قريت دراسة الجدوى وشجعتني اوي عشان اغامر معاك…….. طبعا مغامرة، ومش اي حاجة كمان، بس انا واثق في قدراتك، ومعاك ياااا…… ثوانى


قطع فجأة ينهض عن مقعده بالانتباه الى شيء ما، وقد ارتكزت ابصاره لما خلف زجاج مكتبه، وبالقرب من حوض السباحة، لينهي المكالمة على عجالة:
– كارم هكلمك بعدين.
اغلق على الفور وركض ليلحق قبل ان تأتيه كارثة، خرج اليها، ليرى سبب تعاسته ومشكلته الابدية، تجلس على حافة الحوض الرخامية، تطوح قدميها في المياه باستمتاع، ليكز على اسنانه بغيظ مكتوم، ثم صاح بصوته الجهوري، جعلها تنتفض له:

– يا نبوية ، انتي يا للي اسمك نبوية.
اتت المرأة مهرولة على صيحته، مرددة بإذغان وخوف:
– نعم يا باشا نعم، تؤمر بأيه.
اومأ لها بعيناه لتفهم على الفور فتذهب سريعًا نحو المرأة:

– يا نهار اسود، انتي ايه اللي جابك هنا؟ ولحقتي امتى تخرجي من الاوضة؟ قومي معايا يا ست هانم قومي.

حاولت المرأة الستينية الاعتراض ولكن نبوية بخبرتها استطاعت مهادنتها، لتنهض معها مستجيبة لسحبها وفور ان اقتربت من رياض بررت بأسف:
– سامحني يا بيه، بس انا والله يدوب رديت ع بنتي في مكالمة التليفون، مش فاهمة ساهتني وخرجت امتى؟ .

مد بطول ذراعه امامها كي تذهب بعدم تقبل لعذرها، لتنصاع نبوية لأمره بأسف وتتحرك لتذهب فخرج صوت المرأة الأخرى بعدم اتزان:

– انت شبهه، شبهه.
امتقعت ملامحه بشدة، واحمرت عيناه بخطر جعل نبوية تسرع هاربة بها من العقاب ، ليزفر هو انفاس بحريق ما يشتعل بداخله، وقد فهم على قولها، انها تكرر نفس القول، حتى وعقلها قد ذهب منها، تذكره دائمًا بأبشغ صفة يكرهها، وهو الشبه الكبير بينه وبين والده، الذي كان السبب هو الرئيسي في جنونها، جنون والدته التي احبت رجلا بكل كيانها لدرجة الهوس رغم كل افعاله الخسيسة معها، ثم كانت صدمتها به اكبر من ان يتحملها عقلها .

بعد قليل .
كان قد انتهي من عمله السريع بغرفة المكتب، ليرتدي سترته في طريقه للخروج، فركضت خلفه نبوية توقفه بندائها:
– رياض باشا، يا رياض باشا، دقيقة من وقتك معلش.
توقف يطالعها بأسفل عينيه بجمود لم يؤثر بها، فهي تعلم تمام العلم انه سيأخذ وقته ثم يصفى لها كالعادة، لذلك تجرأت تفاتحه بطلبها على الفور

– سامحني يا باشا، بس انا كلمتك كذا مرة وانت شكلك بتنسى،
تنهد بسأم يقلب عيناه بتفكير مرهق وقد فهم مقصدها، وهذا من اصعب الاشياء على قلبه،

استرسلت نبوية امام صمت الاخر باعتقادها انه قد نسي بالفعل:
– يا سعادة الباشا انا كنت طلبت منك حد يساعدني الفترة الجاية عشان بنتي اللي رجعت من سفرها، انا بروح البيت مهدودة مبلحقش اقعد معاها ولا اتهنى بأحفادي منها.

اومأ بأنفاس خشنة:
– حاضر، حاضر يا دادة، هحاول اتصرفلك في واحدة، بس انتي عارفة اني دي من اصعب المشاكل بالنسبالي، مش كل الناس امينة زيك.

– تشكر يا باشا دا من زوقك.
رددت بها بامتنان لاطراءه، ليرتدي هو نظارته الشمسية، ويتحرك للذهاب فورًا نحو اعماله.

❈-❈-❈

والى هذا العاشق الساخط، وقد كان واقفًا يستند على سيارته، يطالع ساعة يده كل لحظات قليلة، فيزفر بضيق لهذا التأخير الملازم لها ، في كل مرة يذهب بها الى مقر عملهم،

ليغمغم داخله بالتوعد لها، حتى تكف عن هذه العادة التي تفقده اعصابه، فهو المعتاد دائمًا على الانجاز والسرعة، يأتي عليه الوقت الاَن ليقف في الشمس منتظرا بالنصف ساعة لهذه ال……..


توقف سيل تفكيره، فور ان ابصرها، تطل من مدخل البناية بابتسامة قادرة على ان ترديه قتيلا، تقترب منه بملابسها الفضفاضة، ترتدي الحجاب الكبير ، ومع ذلك تبقى فتنة متحركة، كيف يستطيع التماسك امام سحرها؟ او منع نفسه ان يسحقها الاَن بضمها بين ذراعيه؟ لقد طال انتظاره ولم تعد به طاقة للتحمل.

عند هذا الخاطر، اشتدت ملامحه، ليرسم الجمود امامها، حتى اذا تلقى تحيتها:
– صباح الفل .
– صباح النور مكنتي استنيتي ساعة ولا ساعتين تاني.
تهكم بها ، ليفتخ لها باب السيارة ، ثم يلتف هو للجهة الاخرى، فيتخذ مقعده خلف عجلة القيادة

وتجلس هي بجواره تشاكسه كعادتها:
– كان نفسي يا مستر شادي، بس انا الصراحه خوفت على خطيبي من حرجة الشمس.

مال برأسه ساخرا نحوها، ويداه تدير المحرك
– لا يا شيخة هامك اوي خطيبك، صدقت انا !

– ويعني متصدجش ليه بس؟ هكون بهزر ولا بتمسخر مثلًا
قالتها بدلال كاد ان يفقده صوابه، ليقبض على عجلة القيادة بقوة، يغمض عيناه ويفتحها سريعًا يلتف نحوها بتحذير:

– لمي نفسك يا صبا وبطلي دلعك ده، انا على اخري، فاهماها دي؟ على اخري…. يعني تنشفي نفسك كدة وتسترجلي قدامي، يا حل وعدي من اتفاق ابوكي واصورلكو قتيل…

توقف برهة ليستطرد بانفعال:
– كان زمانك حامل بابني دلوقتي، لكن اعمل ايه في ابوكي بقى؟ الله يجازيه

ضحكت بصوت مكتوم، تزيد من مناكفته:
– حرام عليك يا شادي تدعي عليه، وافتكر انه مجبركاش على حاجة، هو بس عرض عليك الأمر وانت تبعته بشهامتك.

– متفكرنيش.
هتف بها، ليتابع بتحسر:
– دا انا كل ما افتكر دمي يغلي، طب جدتك ام امك
ماتت والفرح باقي عليه اسبوعين، ابوكي يطلب التأجيل وانا اوافق عشان الشهامة والرجولة، لكن الحداد بقى يستمر لست أشهر، ليه يا عم؟ ابوكي خمني يا صبا وانا لا يمكن انسهاله دي؟

لم تقوى على كبت ضحكاتها اكثر من ذلك، كما تفعل في كل مرة ذكر لها ذلك الامر، والنتيجة كالعادة ازدياد انفعاله، ، ولكنها تعلمت اخماد غضبه بكلماتها المعسولة:

– انت جولتها بنفسك يا شادي، عشان هو عارف بشهامتك ورجولتك، ودي عوايدنا اللي طلعنا عليها، مفيش فرح يتم طول ما في حزن في العيلة، لازم الكل يفرح مع بعض، كيف ما بنشيل الحزن مع بعض.

ارتخت معالمه، رغم الضيق الذي يدعيه، ليرمقها بنظرة طمأنتها ، قبل ان يعقب بتحدي:
– ع العموم هانت، هو شهر واحد بس اللي فاضل، يفوت زي اللي فاتوا وعلى اخر يوم فيه ان شاء الله نكتب الكتاب،واليوم اللي بعده الفرح على طول، مش هستني دقيقة تاني مهما حصل يا صبا .

– يا سيدي ربنا يمنع الموانع
– ياااارب.
خرجت منه بحرقة اثرت بها، لتغير دفة الحديث بالدخول في موضوع اخر:
– انا كلمت ابويا بخصوص اسبوع ابن رحمة بكرة

– امممم
زام بفمه بترقب لردها، والذي أتى مثلجًا له:
– طبعا وافق، وجالي روحي يا بتي، دا خطيبك دا زينة الرجال.

هذه المرة البسمة لاخت على محياه ليعلق بحيرة:
– ابوكي دا بمية حال يا صبا، يعقدها من ناحية ويوسعها من ناحية تانية، كأنه قاصد يشلني.

وكأن ردها الضحك بدون توقف.

❈-❈-❈

عودة الى بهجة والتي فور ان حطت قدميها بذاك المصنع محل عملها، توجهت على الفور الى رئيستها، مدام صباح، تلك المرأة التي تكن لها كل الاحترام والتقدير، رغم عصبيتها المرافقة لها على الدوام ، ولكن قلبها الطيب هو الغالب، وهذا ما شجعها في طلبها .

– يا ست الريسة، بقولك محتاجة السلفة ضروري، ياريت توصليها النهاردة او دلوقتي لمديرة القسم هنا.

بأعين ضاقت بريبة:
– ومدخليها انتي يا بهجة، ليه مصرة تحشريني حتى في دي.
اجابتها سريعًا وبعفويتها المعتادة:
– بصراحة خايفة منها لترفضني، ما انتي عارفاها ست رافعة مناخيرها في السما ومحدش بيعرف يتكلم معاها، وانا خلقي في مناخيري بصراحة، دي بتخليني اكرر في اسمي كذة مرة عشان تعرفني،

ضاقت عيني صباح نردد باستنكار:
– وعشان كدة بقى بتصدريني انا اتحمل عنجهيتها وكبرها، يا حلاوة عليكي وكمان بتقولهالي في وشي.


تبسمت بهجة بحرج، لتردف بتملق اصبحت تجيده معها هذه الايام:
– ما انتي أكيد بتعملك حساب يا ست الكل،،هو انا في مقامك برضو، عشان خاطري يا ست الريسة، اختي بقالها شهر دخلت الجامعة ولحد دلوقتي لا عارفة تخش كويس من غير كارنيه الطلاب، ولا عارفة تجيب الكتب ومرتب المصنع هنا على ايدك، بيضع كله على مصاريف البيت

اخرجت صباح تنهيدة متعبة تتناول منها الطلب، بوجه تدعي به الجمود، لكن من داخلها، قلبها يقطر ألمًا على حال هذه المسكينة التي تتحمل ما يفوق طاقتها، من اجل رفعة مستقبل اخوتها، على حساب شبابها وجمالها، وسنوات العمر التي تمر مرور المياه بين اصابع اليد.

– خلاص يا بهجة، هشوف موضوعك واللي فيه الخير يقدمه ربنا
– ونعم بالله .

❈-❈-❈

بنصف يوم العمل تشجعت صباح لتذهب إلى هذه المتعجرفة، والطلب في يدها، وكما توقعت تجاهل كالعادة ولكن هذه المرة يزيد عن الطبيعي، في مراجعة الملفات، والتحدث كل دقيقة عبر الهاتف:

– ايوة يا ميمي اخلص بس شغلي ونتقابل على ميعادنا….. لا بقى متسألنيش عن الوقت انتي عارفة بقى مواعيد رياض باشا….. ماشي هحاول متأخرش.

انهت المكالمة ثم القت نظرة سريعة نحو صباح قبل ان تعود لأوراقها:
– قولتلي بقى عايزة ايه يا صباح؟

زمت المرأة شفتيها بضيق لتعاود الكرة في سرد طلبها:
– يا لورا هانم، انا جيبالك طلب السلفة ده عشان تمضيه ، مش هتعب راسك بأي حاجة تاني.

زفرت الاخيرة تصفق بيدها على الاوراق ، لتتناول هذا الطلب وكي تتخلص من ثرثتها، ولكن وما ان وقعت عيناها على الاسم حتى ضيقت عيناها بتذكر تسألها:

– مش بهجة دي برضوا اللي مضيتلها نفس الطلب، من يجي شهرين؟
على الفور بررت لها صباح:
– ايوة سيادتك بس هي اتعذرت من تاني ودي مسكينة وبتسعى على اخواتها، دا انا لو رئيس المصنع اديها مساعدة من عندي.

ضحكة مكتومة صدرت من لورا لتردد بسخرية:
– واخدة راحتك اوي انتي يا صباح، بس يا حبيبتي دي مش تكية ، دا مصنع ماشي بالساعة وهي تبوس ايدها وش وضهر انها شغالة وبتاكل لقمة عيشها منه، اما عن السلفة، ف انا اسفة ابلغك ، ان طلبها مرفوض حسب قوانين العمل هنا .

واصلت صباح باستجداء :
– يا لورا هانم انا بقول استثناء، اعتبروها حالة انسانية، البنت هالكة نفسها والله وبرضوا مش مكفية مصاريف خواتها

قلبت لورا عيناها، لتزفر بسأم اشعر الاخرى باليأس وقبل ان تعطيها ردها النهائي، تسلل لأنفها رائحة العطر القوية التي تعلمها ، لتنتفض عن مقعدها وتعدل هندام ملابسها، ثم تنثر بخصلات الشعر الكثيف المموج على جانبي رأسها على عجالة، ليعطيها مظهرا جذابا يرضيها، أمام دهشة صباح التي لم تعد تشعر بوجودها من الأساس، حتى اذا دلف بهيبته زادت سرعة الدقات في صدرها، تستقبله بلهفة:

– صباح الفل يا رياض باشا.
– صباح الخير يا نورا.
قالها بجموده المعروف، ليدخل غرفة مكتبه ، فتتبعه هي بتناول الملفات المطلوبة ، وتتذكر صباح فتصرفها بقولها:
– روحي انتي دلوقتي يا صباح شوفي شغلك.

همت المذكورة ان تسألها عن ردها الاخير، ولكن الاخرى لم تعطيها فرصة، وقد سبقتها في الدخول الى مكتب رئيسها.

❈-❈-❈

وبداخل المكتب ، وقفت في انتظار انتهائه من المراجعة والتوقيع على الملفات المطلوبة منه، لتأخذ هي فرصتها بتأمله، وهذه الجاذبية الكامنة في جموده الذي يقارب البرود،

كم من مرة تمنت ان ينظر اليها ويلتفت الى هيئتها المتجددة على الدوام، انها لا تدخر جهدا في هذا الشأن حتى تلفت انتباهه، ترى الاعجاب من الجميع الا هو.

وحتى وبرغم صلة القرية التي تجمعهما، تظل معاملته بحدود حتى لا يزرع داخلها العشم، ولو بغير قصد، قلبه كجدران محصنة، لا يستطيع احد اختراقها .

– لورا

اتت صيحته القوية تخطفها من سيل افكارها، لتنتبه وتعتذر بأدب:
– اسفة حضرتك، انا معاك اهو.
اعتقدت بأنه انتهى مما يقوم به، ولكنها تفاجأت به متوقف، ويمرر على خده الايسر بتفكير وشرود ، لتتجرأ وتسأله:

– حضرتك لو في مشكلة انا تحت أمرك.
التف لها بعينيه البندقية التي لطالما افقدتها صوابها، يقول بعتب :
– انا فعلا عندي مشكلة، كنت كلمتك عنها قبل كدة وانتي شكلك مهتمتيش.

اشارت على نفسها بجزع:
– انا ساعدتك، معقول! انا يستحيل منفذش امرك في طلب كلمتني فيه.
مالت رأسه نحوها بشيء من سخرية:
– وجليسة الست الوالدة اللي كلمتك عنها

توقف فاهها مفتوح للحظات قصيرة تذكرت بها الطلب الذي كان منذ الشهر، لتتحمحم، مبررة بحرج:
– انا اسفة يا فندم اني خذلتك فيها دي، بس انا والله عملت جهدي في البحث في كل المكاتب المشهورة، عمالة ادور ع اللي تليق بدخول القصر عندك ، وتتحمل ااا اسفة يعني… الست الوالدة

عند هذه النقطة اشاح عيناه بضيق انتبهت عليه، فواصلت بدفاعها:
– عملت مقابلة مع يجي عشرين واحدة، وانا احاول اجمع فيهم الصفات المطلوبة، انها تكون نضيفة، ومتفهمة وامينة، وعندها قدرة على الصبر زي نبوية بس للأسف كنت دايما بفشل في البحث، او اللي اكلمها عن الحالة، هي نفسها ترفض.

قالت الأخيرة بصوت خفيض، زاد من ثقل ما يحمله بداخله، يعلم انها مشكلة تقارب المعضلة، ف العثور على واحدة مثل نبوية يعتبر دربًا من المستحيل في هذا الوقت، ولكن المرأة تتحمل فوق طاقتها وحتى وهو يغدق عليها بالأموال بغير حساب، ولكنها في الاخير بشر ولها قدرة على التحمل.

ليوميء بتهكم:
– خلاص يا لورا، افضي انا وادور بنفسى، او اخدلي اجازة من الشغل بالمرة، مدام مش لاقي اللي يسد ورايا

قصد بكلماته ان يحفز روح التحدي بداخلها، وهو ما أتى بنتائجه على الفور:
– لا طبعا حضرتك، انا من النهاردة، مش هنام ولا هريح دقيقة حتى غير لما الاقي طلبك.

تبسم بخبث وقد وصل لغرضه:
– وانا واثق فيكي يا لورا ، وطبعا مش هوصيكي انه يبقى في اسرع وقت

❈-❈-❈

بعد دقائق خرجت لورا تغلق باب المكتب من الخارج، تزفر انفاسها بتعب، بعدما كبلت نفسها بهذه المهمة الثقيلة، تعلم ما ينتظرها من مشقة في البحث، وجدولها من الأساس مزدحم هذه الأيام، استعداد لفرح صديقتها الاقرب ميمي

لتتوسع حدقتيها باستغراب، حينما وجدت صباح مازالت في انتظارها ولم تغادر، فسقطت على كرسبها بإرهاق سائلة لها:
– انتي لسة قاعدة مكانك وممشتيش يا صباح

جاء جواب الاخرى:
– ما انتي مردتيش عليا يا لورا هانم، وانا بصراحة عشمانة في مرؤتك، بهجة دي من احسن العمال عندنا ، بتشتغل ورديتين وتهلك نفسها عشان تكفي مصاريف اخواتها


اعتدلت لورا بتركيز وقد استرعت انتباهاها ، فتجاريها لمعرفة المزيد عنها:

– وانتي متشددالها اوي كدة ليه؟، لدرجادي البنت هماكي.

– طبعا يا لورا هانم، دي زينة البنات والله وحرام فيها البهدلة، طب اقولك بقى هي تقدر تتجوز من بكرة، عمال كتير زمايلها وموظفين هنا كلموني عنها، لكن هي ابدا، مصرة تكمل تعليم اخواتها وحارمة نفسها حتى من الهدمة الكويسة. صابرة ع المر وراضية ، بس ياريت الناس ترحمها.

– اممم
زامت بفمها تتراجع بجلستها، وتريح ظهرها بتفكير ، ظل لمدة من اللحظات حتى حسمت امرها قائلة:
– طب مدام انتي واثفة فيها اوي كدة، انا عندي عرض احسن من السلفة مية مرة .

تهللت اسارير صباح تسألها بلهفة:
– ايه هو يا لورا هانم؟ قولي ربنا يعمر بيتك يارب .

❈-❈-❈

– جليسة، اشتغل جليسة في بيت راجل غريب يا ابلة صباح، معقول!
تفوهت بهجة بالكلمات اثناء جلوسها مع المذكورة في وقت استراحة العمال، بجلستها معها على طاولة وحدهم ، تتناول الغذاء بعدد من الشطائر التي تعدهم في المنزل ، حتى لا تزيد عليها التكلفة بشرائهم من كافتيريا المصنع،

ردت الأخيرة والتي كانت متوقفة عن الطعام بقلق داخلها:
– ويعني هو هيشوفك فين؟ دا طول الوقت برا اساسا ، انا اعرف ان الفيلا بتاعته مفيهاش تقريبا غيرها هي الهانم دي، والباقي هما الخدم والحراس ، وتلت اربع ساعات في مبلغ زي ده، فرصة ما تتعوضتش، المشكلة بس…..

– بس ايه؟
زفرت صباح بضيق تجيبها:
– شوفي يا بهجة انا هقولك ع الوضع كله، واشرحلك حالة الست بالظبط، على حسب اللي سمعته، لأن لورا اكيد مبتقولش الحقيقة كاملة، عن الست اللي هتعاشريها لو حصل ووافقتي

❈-❈-❈

مساءًا ،وفي الثامنة بعد المغرب، هذا وقت عودتها من العمل في مصنع الملابس الجاهزة، والذي يعلم عنوانه جيدا ويعلم بوقت خروجها منه، فيأخذ جلسته في شرفة شقته ، ينتظر ان تهل عليه من مطلع الشارع المكشوف امامه.

سمع تأوه من الخلف وخطوات عرف صاحبتها، والتي ما ان اقتربت منه وجهت حديثها اللازع اليه:
– قاعد في البلكونة ليه يا سمير؟ ما تدخل جوا يا حبيبي تحت التكيف، دي حتي القعدة هنا متعبة وتوجع القلب

حرك رأسه بنصف التفافة، رافعًا حاجبه الايسر ليطالعها بطرف عيناه قائلًا بشر:
– خليكي في حالك يا اسراء ومتدخليش في اللي ملكيش فيه، انا اقعد في الحتة اللي تريحني.

بقلب يحترق تطلعت لما اشتدت رأسه وتركزت ابصاره عليه اول الشارع، بعودة المقصودة تتأبط ذراع شقيقها بمحبة تثير الحسد نحوهما من المحرومين مثلها، لتعبر عن حنقها بقهر

– وانا مين يريحني، تعبانة ليل نهار، شغل هنا وشغل تحت عندك اهلك، واختك البرنسيسة قاعدة غير للزواق والدلع، وطبعا مينفعش ارفع عيني فيها، لا الست والدتك تعلقلقي الفلكة وتتهمني اني بغير منها، وانت سواء هنا او هناك في الحالتين مش معايا.

لم يعيرها اهتماما وانتظر بهجة حتى اختفت بداخل البناية ثم رد بعدم اكتراث:
– والله انا كدة ومش هتغير يا بنت الناس، عاجبك ولا مش عاجبك انتي حرة.

انه حتى لا يجاملها بالكذب، يغرز سهام كلماته السامة بنصف صدرها، ولا يكترث لألمها، ياله من ظالم .

– هتفضلي كدة بقى، واقفة فوق دماغي زي صنفور المحطة، اتحركي ياما وهوينا، انا دماغي عايزة الهدوء ومش ناقص.

مطت شفتبها بابتسامة خالية من أي مرح:
– لا وعلى ايه يا سيدي، انا اصلا تعبانة وعايزة ارتاح، يعني مش مشتاقة اوي للقعدة معاك.

قالتها وتحركت ذاهبة ليطالع اثرها بضيق مغمغمًا:
– في داهية يا اختي،
مصمص بشفتيه متذكرا من تحتل احلام يقظته ومنامه:
– الله يسامحك ياما، انتي السبب.

❈-❈-❈

وفي الشقة اسفلهم

دلفت بهجة برفقة شقيقها الذي مازال متمسكُا بها ، مرحبا بأن تستند على كتفه الذي اصبح يشتد هذه الايام رغم نحافته،

– يا هلا يا هلا، الاستاذ ايهاب مع الكبيرة ذات نفسيها، يا دا الهنا يا ولاد.

ضحك شقيقها وجاء الرد من بهجة التي عبرت عن فرحتها:
– الدكتور ايهاب باشا، خلص دروسه وجاه عندي المصنع يروحني معاه، اسكتي يا بت يا جنات ، البنات هناك كانو هيتجننوا على حلاوته وعلى عيونه الخضرا، وانا اقولهم وسعي يا بت وهي، دا ابني حبيبي مش اخويا وبس .

– حبيبتي يا بيبو ، ربنا ما يحرمني منك.
تمتم ايهاب بالكلمات يقبل رأسها بحب، لتعلق جنات بغيرة:
– ايوة يا عم المشاعر الاخوبة الميالغ فيها دي، عايزين ناكل يا حنين، انا قاعدة مستنية بقالي ساعة.

جاء نداء اصغرهم من الداخل هي أيضًا:
– وانا النوم كابس عليا، يعني ممكن انام من غير عشا، ساعتها هيبقى ذنبي في رقبتكم

ولج ثلاثتهم اليها ليجدوها جالسة على المائدة تتناول دون انتظار، ليتمتم ايهاب وهو يسحب احد المقاعد يجلس بجوارها ويشاركها الطعام:

– كل ده وهتنامي من غير عشا يا مفترية، طب سبيلنا حاجة.
انضمت جنات لتشترك معهما، داعيه شقيفتها الكبرى:
– يا للا بسرعة يا بيبو انتي كمان، كيس البانية اللي جايبينوا بالعافيه، هيروح كله في بطون الأوغاد،.

تحركت قدمي بهجة متمتمة لها:
– بالهنا والشفا ليكم انتو التلاتة، انا هروح اغسل ايدي الاول

– خلاص يبقى انا هحتفظ بالطبق لحد ما تيجي.
قالتها جنات ، لتبعد الطبق الكبير بما يحتويه عن متناولهم بالفعل، فتصدر اصوات الاعتراض، مقابل استمتاعها هي بمشاكستهم:

– قولت لا يعني لا يا مفاجيع .
– ويعني انتي اللي عاقلة اوي، دا تلاقيكي واكله نصه اصلا ع البوتجاز.
– برضوا هتصبرو واتفلقوا انتوا الاتنين.
– انتي غلسة اوي يا ست جنات
– ههه عارفة

وقفت بهجة على مدخل غرفتها تتابعهم بشرود، اشقائها الصغار، لم تندم ابدا على تضحياتها من اجلهم ، لأنهم يستحقون مستقبل افضل من مستقبلها ، حظا افضل من حظها البائس
ولكن قلة الحيلة والعجز عن تحقيق الحد الأدنى لمتطلباتهم، يصيب قلبها بالحزن، ترى ما السبيل الاُن؟ اتوافق على العرض المقدم لها بمرافقة هذه المرأة التي ذهب عقلها بموت زوجها المحبوب واكتشافها لخيانته بعد فوات الاوان، كما اخبرتها رئيستها ام ترفض وتتمسك بأمانها ؟

هذه مشكلة كبيرة ولابد من التفكير بجدية الاَن من اجل اختيار القرار الصائب

يتبع…



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close