رواية حان الوصال الفصل الثاني 2 بقلم أمل نصر
تمشطها بعيناها من اعلى رأسها حتى قدميها في الأسفل، بنظرات غير مفهومة وكأنها تحمل بغضًا ما ، حتى اثارت استفزاز بهجة لتبادلها باستفهام وحنق، فكادت ان تثور بها لولا تدخل صباح التي اكتنفها التوجس هي الأخرى:
– دي بهجة يا لورا يا هانم، زي ما قولتلك، ولا انتي مخدتيش بالك.
حدجتها المذكورة بغيظ، تعيد برأسها كلمات الأمس عن هذه الفتاة وما تعانيه، حتى جعلتها ترسم بعقلها صورة مخالفة على الإطلاق لما تراه امامها الاَن، هذه الفتاة ترتدي ملابس باهتة وغير مهندمة كما توقعت، ولكن البؤس لم يؤثر ابدا في جمال وجهها الطبيعي، والافت بقوة.
الاَن فقط شعرت بتسرعها واخبار رئيسها بإيجاد الفتاة المناسبة، ليتها تروت قليلًا قبل اخباره.
– انا افتكرتك يا بهجة، بس المشكلة بقى هي اني نسيت اسمك.
ردا عليها، مطت بهجة شفتيها بابتسامة صفراء:
– سبحان الله يا فندم، نفس الأمر عملتيه معايا المرة اللي فاتت وانتي بتمضيلي، كنتي كل دقيقة برضوا تسأليني عن اسمي .
– يمكن عشان مش لايق عليكي؟
قالتها لورا ببساطة، وبغير تقدير لما احدثته بداخل هذه المسكينة والتي اقرت على صحة قولها بصوت متألم:
– عندك حق يا فندم، بس اعمل ايه انا بقى في حظي، كل واحد بياخد نصيبه، وربنا يرحم والدي اللي سماني كدة .
تألمت صباح لوجعها ف التفت نحو الأخرى تخاطبها بحسم:
– لورا هانم، احنا متأخرين على وردية الشغل، ياريت تدخلي معانا مباشر على طول.
امتقعت ملامح الاخيرة، تهم بإخبارها بالرفض، ولكن منعها صوت الهاتف الذي دوي باللحن المميز الذي تضعه لرقمه، جعلها تأجل لحظات كي تجيبه اولا:
– الوو…. يا رياض باشا تحت امرك
وصلها صوته الغاضب:
– أوامر ايه دلوقتي يا لورا؟ ما تخلصينا وتبعتي البنت اللي قولت عليها، انا عايز اشوفها واديها التعليمات بنفسي، عشان اطمن كمان بالمرة واشوفها ان كانت تصلح ولا لأ
ابتلعت بتوتر تجيبه بثقل ، وقد فات اوان التراجع الاَن، بعد غبائها والمدح فيها امامه بالأمس قبل ان تراها وتتذكرها:
– حاضر سيادتك، انا هجيبها واجيلك حالا.
قالت الأخيرة موجها نظرتها نحو بهجة، وفور ان انهت معه، وجهت الحديث بحزم اليها:
– اسمعي اما اقولك، انا هاخدك ونروح الفيلا دلوقتي، حسك عينك ترفعي عينك في وش رياض باشا، تسمعي كلامه عينك تبقى في الأرض، وحاولي دايما تتجنبيه، والمكان اللي يقعد فيه تبعدي انتي خالص عنه.
نبوية هتفهمك وهاتدربك قبل ما تعتمد عليكي،
طول الساعات اللي هتقضيها هناك، قعدتك بس مع نجوان هانم، اياكي تسيبها ولا تخليه يشوف خيالك، يا اما هتبقي انتي الجانية على نفسك
لماذا التهديد والوعيد؟
غضب مفاجيء اعتلى ملامحها لتنقل بنظرة خاطفة نحو رئيستها التي اشارت لها بالتروي، قبل ان تعود إلى الأخرى تهم بالرفض ولكن الحاجة والعوز الجما لسانها، لتكبت بداخلها متمتمة بالاستغفار تدعو الله الصبر، ثم تتبع هذه المجنونة التي لململت متعلقاتها تخبرها على عجالة :
– ورايا على طول عشان اوصلك، عند الباشا اللي منتظرنا
❈-❈-❈
وفي منزله وقد ضاق ذراعًا بتأخر لورا والجليسة الجديدة هذه الدقائق القليلة، رغم استغلاله الوقت في مراجعة احد الملفات، ولكن هذا لا يمنع الضجر من البقاء في هذا المنزل الكئيب، والذي تقريبا يأتي ويخرج منه كرواد الفنادق ساعة النوم والراحة والطعام.
فوالدته العزيزة لا تقصر ابدا بأفعالها حينما تجده امامها.
زفر بحنق ليتناول الهاتف يتصل باحد الارقام عليه:
– الوو يا كارم، قولي ايه الاخبار؟
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها مع هذه المرأة التي التزمت الصمت، واضعة تركيزها في قيادة السيارة ، ومتابعة الطريق، النظاره على عيناها ، ترديد مع صوت المذياع والاغاني الأجنبية، متجاهلة بهجة، وكأنها ليست معها على الإطلاق،
لتشرد بهجة في التفكير بشأنها، وعقد المقارنة الهائلة بين ما ترتديه من عباءة سوداء باهتة وما ترتديه الأخرى من ماركات باهظة تعلمها جيدا ولكن لا تستطيع حتى الحلم بها، ما أصعبها من مقارنة، حذائها المهتريء مقابل حذاء يلمع كالذهب ، كل شيء بها يثير الحسرة بقلب واحدة مثلها
حرمت من كل تشتهيه الانثى في عمرها، منذ وفاة والدها، وبعد استيلاء عمها على نصيبه في الوكالة ، ليتبقى فقك معاش التأمين والذي لا يكفي حتى الطعام لاربع افراد منهم طفلة تحتاج التغذية حتى تنمو جيدا، عادت برأسها لتنظر من النافذة وتتذكر حديث مر منذ سنة حينما كانت في منزلها في يوم عطلتها الوحيدة
يوم الجمعة
فدوى صوت جرس المنزل، لتسبقها عائشة في فتح الباب ومعرفة الطارق:
– ابلة صفية.
– ازيك يا حلوة يا ام لسان طويل وحشاني.
هللت عائشة بصوت عالي وصل الى شقيقتها:
– ابلة صفية صاحبتك يا بيبة .
اندفعت بهجة بلهفة انستها ما ترتديه، لترحب بصديقتها من الحي المجاور سابقًا، قبل ان تنتقل الأخرى مع اسرتها لمنطقة اخرى ارقى واهم، وذلك بالطبع بعد ان من الله عليهم من فضله .
توقفت في نصف الصالة وقبل ان تصل إليها وتستقبلها، لتبتلع ريقها باضطراب، وقد اجفلت على هيئتها الراقية وتلك الملابس الرسمية لمحامية بعد تخرجها واستلام العمل، هذا الحلم الذي طار ادراج الهواء منها في نصف طريقها اليه .
ليخرج صوتها بحرج:
– اهلا يا صفية، نورتي بيتنا المتواضع.
تبسمت المذكورة بطيبة تعاتبها:
– هو دا سلامك يا خسيسة، كدة من ع الباب.
قالتها واقتربت بخطواتها لتحتضنها بشوق ومحبة اثرت ببهجة، لتغلبها دمعه خائنة هبطت من عيناها، فتلتقطها سريعًا بإبهامها، قبل ان تصل لأعلى كتف الأخرى فتفضح تماسكها الواهي.
وصفية تشدد من احتضانها متمتمة:
‘ وحشتيني اوي يا صاحبتي، انا عارفة اني قصرت في الفترة اللي فاتت، بس ربنا العالم والله، الشغل اصبح واكل كل وقتي تقريبًا
اجادت بهجة رسم ابتسامة زائفة وهي تفلت نفسها عن صديقتها، وتردف هي ايضًا:
– طبعا يستحيل اجيب اللوم عليكي عشان انا كمان مقصرة معاكي ، ما انا برضو الشغل واكل اليوم كله مني
– في مصنع الملابس برضو؟
لهجتها في نطق العبارة تظهر عدم رضاءها على الإطلاق، لتثبت ايضًا بنظرتها السريعة نحو العباءة السمرة التي ترتديها بهجة، بلونها الباهت من كثرة الغسيل..
ثم جلست حتى لا تزيد على المسكينة بدون قصد، متحاشية تكرار هفوتها مرة أخرى:
– طب اسمعيني يا بهجة كدة وركزي معايا، انا بصراحة جاية النهاردة عشان اخد منك شغل ما هو مش معقول يعني ابقى محامية وصاحبتي اقرب واحدة ليا مستنقعش منها
حديثها بتباسط خفف كثيرا عن بهجة وما اكتنفها من مشاعر قاسية في هذه اللحظات القليلة، لتندمج في الأخذ والرد معها:
– لا اله إلا الله، واحنا هننفعك بإيه بقى يا ست المحامية؟ احنا لا عندنا لا حد مشتكي على حد ولا بندور لواحدة مطلقة على نفقة العيال
شهقت صفية بتمثيل ودراما:
– لدرجادي مستهونة بإمكانياتي، يعني انا اخري نفقة مطلقة ولا شكوى على خناقة، انا بحضر في الماجستير يا استاذة، وكلها كام سنة واخد الدكتوراة يعني…..
قطعت فجأة وقد انتبهت على حماقتها، وارتباك بهجة التي صارت تحمحم وتهرب بعيناها عنها.
فهذا الحلم كان من البداية حلم بهجة ، هي التي سبقتها في الالتحاق بالجامعة، وشجعتها في دخول الحقوق، ودائما ما كانت ترسم امالها في ذلك، ولكن القدر كان له رأي اخرى بوفاة والدها ، واستيلاء عمها على نصيبه في الوكالة، عند هذا الخاطر ، اشتدت ملامح صفية لتردف بحزم:
– اسمعي يا بهجة، انا بصراحة جاية النهاردة مخصوص عشان ابلغك اني هرفع قضية على عمك، انا حالفة من قبل ما اتخرج، لشحططه هو والحيزبونة مراته في المحاكم، واجيب حقكم من حبابي عنيه، واطمني يا ستي الاستاذة نوال مرات خالي خالد هي متشجعة وهتساعدني، يعني لو عندك شك في امكانياتي.
سمعت منها لتبزغ ابتسامة على فمها سرعان ما تحولت لضحك متواصل حتى ادمعت عيناها، امام دهشة
صفية، حتى توقفت اخيرًا تعقب على قولها:
– يا عيني يا روح قلبي، نقبك طول شونة، والقضية اللي معشمة نفسك بيها، لو حصل وقدمتيها، هيتحكم فيها من اول جلسة لصالح عمي، ومش بعيد يدفعنا تعويض كمان، بس انا بصراحة معنديش عشان ادفعله، ممكن اقضيها حبس.
– بعد الشر عليكي، ليه بتقولي كدة؟
رددت بها صفية باستهجان، لتخبرها على الفور وتصدمها:
– عشان مفيش اي ورقة تثبت حقنا، ابويا قعد سنين مشارك عمي من غير ورقة واحدة ما بينهم، يعني هو دفع النص بالنص في راس المال، وعمي هو اللي سجل الدكان بإسمه عشان كان بيديرها طبعا، وابويا لانه موظف، كان مكتفي بالمبلغ الشهري اللي بياخده من عمي، ويصدق انه هو الربح اللي طالع من التجارة، وبس كدة،
– وبس كدة
– اه طبعا بس كدة، بابا كان طيب لدرجة السذاجة مع ناس خبيثة زي عمي ومراته الحيزبون، لا ومن بجاحته، يقولي اساعدكم كل شهر بمبلغ من عندي، يعني من فلوسنا عايز يجبي علينا.
زفرت صفية بتعب، وقد فهمت الاَن للمأساة التي تعيشها صديقتها، لتردف بحرقة اصابتها:
– حسبي الله ونعم الوكيل.
❈-❈-❈
وصلت بها الى داخل المنزل المهيب، والحراسة التي تحاوطه من جميع الجهات، لتدلف خلفها تقطع الممر الذي يفصل الحديقة الامامية بالوسط
لم تملك بهجة اي طاقة للفضول او الانبهار، مما تراه امامها ، فشعور الخوف الذي كان يكتسحها من الداخل وما هي مقبلة عليه في هذا المكان الغريب، مع امرأة تعلم جيدا بصعوبة الاختلاط معها، حتى وهي قد قرأت عن حالات مشابهة لها بالأمس عبر محركات البحث، لتعرف كيفية التعامل معها
– رياض باشا مستنينا جوا يا دادة .
كان هذا صوت لورا التي اقتحمت سائلة المرأة باندفاع للداخل قبل ان توقفها نبوية بقولها:
– رياض باشا مش موجود .
– نعم؟
خرجت منها باسفتهام وهي تلتف للمرأة والتي اكدت عليها:
– هو خرج قبل ما توصلوا بخمس دقايق بالظبط، بيقول ان عنده مقابلة مهمة في الشغل، وكلمني انا اقابل البنت واديله التقرير
قالت الأخيرة وقد تركزت لبصارها على بهجة التي تصلبت في وقفتها برهبة، لتشير بذقنها نحوها :
– هي دي؟
زفرت لورا بإحباط لعدم رؤيتها له، بعدما املت في تناول الافطار معه والبعد قليلًا عن جو العمل والرسمية الدائم، فخرج ردها بنزق:
– ايوة هي يا دادة، جربيها شوية وشوفيها تنفع ولا لأ، انا اساسًا موقفتش بحث عن واحدة مناسبة
بحرج متعاظم، جاهدت بهجة لاخفاءه، رفعت ذقنها بإباء توافقها الرأي:
– ايوة صح يا دادة، انا كمان لو مرتحتش…… متزعلوش مني هسيب الشغل هنا فورا.
ارتفعت زاوية شفتي لورا بحنق لقولها، اما نبوية فقد تبسمت باتساع لها، لتعقب بسماحة:
– يا بنتي نبقى احنا الاتنين بقى نجرب بعض اليومين دول، ونشوف الدنيا معانا هترسى على إيه؟، بس انا بصراحة ارتحتلك .
قالتها نبوية بيشاشة ادخلت بعض الارتياح بقلب بهجة ، لتبادلها الرد بابتسامة،
الأمر الذي لم يعجب لورا، لترفع النظاره فوق عينيها ، قائلة بتعجرف:
– طب كويس اوي، امشي انا واسيبكم تتفاهموا مع بعض، اليوم ده اعتبريه اجازة يا ست بهجة لكن من بكرة بقى حضري نفسك لوردية الصبح في المصنع، وبعد الضهر هتيجي على هنا، اما نشوف هتكملي ولا لأ؟
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة دون اي كلمة اخرى ، حتى اذا ذهبت خارج المنزل ، صدر رد نبوية:
– كويس اوي انها مشيت عشان نقعد براحتنا، تعالي معايا بقى
تفاجأت بهجة بكف المرأة التي حطت على رسغها تسحبها دون انذار:
– واخداني ورايحة بيا على فين يا خالتي نبوية؟
ضحكت مرددة بتباسط لتفك تشنجها:
– يا ختي حلوة خالتي منك وطالعة زي العسل، احنا هنفطر الاول في المطبخ، وبعدها افهمك كل حاجة
تمسكت بهجة بالارض فجأة تعارضها:
– لا طبعا انا شبعانة، خلينا في الشغل يا خالتي نبوية الله يرضى عنك
ضحكت المذكورة لتعود بالقبض على يدها التي افلتتها منها ، تقول بحزم لا يخلو من لطف:
– ما هو دا تبع الشغل يا بت بطلي خيابة…. الست نجوان لساها نايمة، نلحق نفطر دلوقتي قبل ما ننشغل فيها ولا نقعد يومنا كله من غير اكل .
❈-❈-❈
بداخل المقر الرئيسي للشركة التي جمعت عدي وكارم سابقًا، اجتمع معه يقص عليه تفاصيل المشروع الجديد بإيجاز ، يفند المميزات المتوقعة منه في المستقبل، بالأرقام والتفاصيل الدقيقة والتي كان يطلع عليه رياض اثناء ذلك، ليخرج رده بإعجاب:
برافو يا كارم، عدي لما قال عنك شعلة نشاط مكدبش، لحقت في وقت قياسي تعمل دراسة الجدوى الهايلة دي، انت بتجيب الوقت منين لكل ده؟
ضحك المذكور بزهو، ليأتي رده متوافقًا مع طبيعة شخصيته:
– يا حبيبي الإنجاز دا الصفة الاهم لكل رجل اعمال قادر على الاستمرار، وانا يا قلبي لو معملتش كدة السوق هيبلعني وهنزل في اخر القائمة ، ودي ابشع من اي كابوس في حياتي، انا عيني دايما ع المقدمة
ابتسامة رائقة ارتسمت على ملامح رياض، ليعلق بذكاء شديد:
– يبقى كدة عينك على مصطفى، عشان دا البريمو علينا كلنا في عيلة عزام والمنطقة كلها كمان
اجابه بصراحة وملامح مفعمة بالحماس والتحدي:
– وابقى قدامه كمان ايه المانع؟ انا عارف انه عبقري وعنده علاقات هايلة بروساء الدول كمان، بس انا بحاول اهو بكل جهدي.
– كلنا بنحاول يا حبيبى، بس انت قولت بنفسك عنده علاقات هايلة وخبرة جبارة جعلته يسبقنا كلنا رغم فرق السن البسيط ما بينا وبينه، بس بصراحة هو جدع، ويستاهل المكانة اللي هو فيها،
خرجت من رياض بصدق اثار فضول الاخر لسؤاله:
– طب ولما هو جدع، وانتوا الاتنين رجال أعمال، مخدكش في سكته يكبرك ليه زي ما بيعمل مع اخوه ولا اصحابه جاسر الريان ولا اللي اسمه طارق دا كمان .
قال الاخيرة بضيق ذكر رياض بالعداوة القائمة مع المذكورين رغم عودة المياه بعض الشيء لمجاريها بين العائليتن ، وقد ذكر امامه سابقا السبب الاساسي وراء ذلك، ليرد بمكر:
– قلبك اسود اوي انت يا كارم وعمرك ما هتنسى، ع العموم يا سيدي عشان اجيبلك الفايدة، انا اللي رافض المشاركة والمساعدة من مصطفى دا بالذات رغم عدم وجود أي خلاف او حزازيات ما بينا، ورغم انه عرض عليا قبل ذلك كتير ، بس انا برضو مصمم على موقفي .
– ليه؟
– من غير ليه؟ انا مش عايز .
قالها بجدية جعلت كارم يطالعه بتمعن، مستغربا إجابته وهذا الجمود في نطقها، ليباغته بعد ذلك بسؤاله:
– رياض انت مفيش اي ست في حياتك؟
– وايه دخل الستات في موضوعنا؟
تمتم بها بابتسامة لاحت على محياه، مستغربًا تغير دفة الحديث فجأة لمنحنى مختلف جذريا عن العمل وجديته، وكان رد كارم ببساطة قبل ان يرتشف من عبوة المياه الغازية التي امامه غامزًا بشقاوة:
– مفيهاش دخل يا سيدي، بس هما اللي بيحلو الدنيا، وبصراحة الحياة من غيرهم ملهاش معنى.
سمع منه ليقهقه بضحكة نادرًا ما تصدر كنه منه معلقًا:
– اقسم بالله انت مش معقول يا كارم،
❈-❈-❈
عادت عائشة في ميعادها اليومي من مدرستها ، لتفاجأ بزوجة عمها التي كانت تتقدمها قي دخول البناية، محملة بعدد كبير من أكياس الخضروات والبقالة من لحوم واشياء اخرى، لتقف وتضعهم اول الدرج وتستند هي بذراعها على الجدار تلتقط أنفاسها بلهاث، لتتهكم هي من خلفها:
– ايه دا؟ هما البياعين السريحة اللي احتلو الحارة وصلوا لهنا وعلى سلمنا كمان؟
استدارت لها درية بغيظ سائلة بعدم فهم:
– بياعين مين يا بت
شهقت عائشة بتمثيل ساخر:
– معقووول طنط دررية، اسفة يا طنط، بس انا افتكرتك واحدة بياعة من اللي بيسرحوا بالخضار وجاية تشوف رزقها عندنا .
برقت عيني المرأة بعدم تصديق مرددة:
– انا بياعة يا منيلة؟ ايه يا ختي حصل حاجة في نظرك ولا ايه؟
– لا والله يا طنط انا نظري ما شاء الله ستة على ستة، بس الكياس الكتييرة اوي دي اللي سادة عتبة السلم ، تخلي اي حد في مكاني يظن كدة .
قالتها عائشة مؤدية الكلمات بيداها المفتوحتين في الهواء، وعيناها التي وسعتها نحوهم بقصد، حتى جعلت درية تتمتم بخوف من الحسد
– خمسة وخميسة الله اكبر في عينك، مش تخلي بالك يا بت من كلامك،
شعرت عائشة بداخلها بالانتشاء لرؤية الزعر الذي ارتسم على ملامح درية، فواصلت تزيد عليها:
– وانا جيبت حاجة من عندي يا طنط، ما انتي اللي سادة المجال قدامي بالخضار بتاعك وكياس البقالة والفراخ…. وانا راجعة من مدرستي وعايزة اطلع بيتنا اريح، اعملها ازاي دلوقتي بقى؟ اطير فوقهم يعنى ، اطيرر.
كزت درية على أسنانها بغيظ شديد، لتدنو وترفع اشيائها، ثم تفسح لها الطريق قائلة:
– اتفضلي يا ست البرنسيسة، اديني شيلت الكياس كلها، اطلعي على بيتكم بقى وريحي على كيفك
تحركت على الفور تتبسم لها بوداعة، كأنها لم تكن على وشك ان تجلطها منذ لحظات.
– شكرا يا طنط.
– شكرا يا طنط
رددت بها درية من خلفها بدماء تغلي برأسها بسبب هذه الملعونة الصغيرة، ولكنها تمالكت سريعًا لتدعوها بابتسامة مزيفة، تريد كسب ودها كي تساعدها:
– طب وانتي طالعة كدة وهتسبقيني، ممكن يا عيوشة يا قمورة، تاخدي بس في ايدك كيس البقالة ده، تخففي عن مراتك عمك شوية.
التفت برأسها لها بعد صعود درجتين من السلم ، تطالعها بفاه مفتوح، قبل ان يخرج ردها الازع:
– بقى يا طنط عايزاني انا يا عيلة يا صغيرة، اشيل واحمل على دراعي الضعيف، الكيس اللي يوزن عشرة كيلو ده.
للمرة الثانية تثير زعرها، وتعبر عنه درية هذه المرة بندمها:
– يا نهاار اسود، يا رتني ما قولتلك، اطلعي يا بت اطلعي، مش عايزة حاجة منك، بسم الله الحافظ منك ومن لسانك.
اهدتها ابتسامة رائقة لتنصاع منفذة الأمر بطاعة في الصعود امامها:
– براحتك يا طنط
❈-❈-❈
بمفتاحها الخاص فتحت درية باب المنزل ، لتلج داخله، تضع الاشياء التي تحملها اعلى الطاولة التي توسطت الردهة، منادية باسم ابنتها، والأخرى زوجة ابنها الأكبر
.- بت يا سامية، بت يا اسراء ، واحدة فيكم تيجي هنا تشوف انا جيبت ايه للغدا
استمرت في النداء حتى خرجت لها اسراء من المطبخ تجفف يداها بالمنشفة الصغيرة:
– انا هنا يا خالتي، معلش كنت بغسل المواعين
– ماشي يا اختي، تعالي خدي كيس اللحمة ده اسلقيه ع النار وشوفي هتطبخيلنا ايه؟ عندك الخضار كله اهو، نقي فيه على كيفك
قالت الأخيرة وهي تفتح لها عدد من الأكياس الكثيرة، تريها العديد من الانواع التي أتت بها، فصدر اعتراض اسراء:
– بس الأكل مش عليا انا يا خالتي، انا رتبت البيت وغسلت المواعين، يبقى الأكل دلوقتي على سامية.
لم تكد تكملها حتى اجفلتها الأخيرة بخروجها المفاجيء
من غرفتها هاتفه:
– بس انا مش فاضية النهاردة ، حرام بقى تسدي عني؟
هتفت اسراء بدورها:
– مين اللي يسد عن مين، انا بشتغل والحمل ههدني، وانتي فاضية وموراكيش حاجة
– لا يا حبيبتي ورايا، ومش فاضية خالص على فكرة، انا صابغة شعري من شوية صغيرين، دا غير اني عاملة ايدي منكير، يعني مينفعش اخسر كل اللي عملته.
– لا يا حبيبتي، نقعد احنا من غير أكل
قالتها اسراء بصفة ساخرة لتقابل بالرد المفاجيء من درية:
– وانتي روحتي فين يا اسراء؟ ما هي قالتلك سدي عني.
بدهشة شديدة تطلعت لها فاغرة فاهها لحظات بعدم تصديق حتى خرج صوتها:
– انا اللي اسد عنها يا خالتي، دي بتقولك صبغة ومنكير هو دا عذر؟
– اه يا ختي عذر، انا خارجة بعد شوية ورايحة احضر اسبوع ابن اخويا الكبير، عايزاني اروح مبهدلة، ولا ريحة الطبيخ لازقة فيا، اما دي عجايب صحيح…..
التفت تستدير متابعة حديثها المستفز نحو والدتها:
– انا راجعة لاؤضتي ياما، اكمل اللي بعمله، عن اذنك.
ردت درية بكل تساهل غير عابئة بالقهر الذي تملك زوجة ابنها لعدم الانصاف الذي تشعر به منها، حتى تصنمت كالتمثال:
– خليها تتزوق وتشوف عدلها يا بنتي، مكنتيش انتي بقى بتعملي زيها قبل ما ربنا يكرمك بابني، ولا على رأيها هي ….. اما عجايب صحيح.
❈-❈-❈
قضت قرابة الساعتين في حديث مستمر ومثمر مع المرأة الودود الطيبة، تناولت معها الفطور الفاخر، فقد تفاجأت بالموقع المميز لنبوية، والذي يجعلها محط تقدير الجميع، نظرا لما تقوم به من عمل شاق مع صاحبة المنزل، في رعايتها ، فهي الوحيدة القادرة على السيطرة عليها بحكمتها في تلك الاوقات التي تثور بها ، وتتهور نحو الافعال المجنونة، كما تحمل لها معزة تختلف عن الجميع.
جينما استيقظت نجوان التزمت بهجة بالمكوث في المطبخ بخوف غريزي انتابها في هذا الوقت، فلم تخرج الا على نداء نبوية والتي ادخلتها الى المرأة تعرفها بها وكأنها اخبرتها عنها، عجبا!
– قربي يا بهجة، سلمي على نجوان هانم، خليها تتعرف بيكي.
هذا ما تفوهت به نبوية، اثناء دفعها لها نحو المرأة بخفة ، كي تحثها على التقدم نحوها، بعدما تصلبت محلها، بصدمة اللقاء الاول للمرأة الستنية ذات الملامح الجميلة رغم خطوط العمر التي حفرت على وجهها
كانت هادئة بشكل يثير الريية، تطالعها بتمعن جعل معدتها تتلوى داخلها من الخوف، يحيرها هذا الصمت الغريب، ولكنها يجب ان تغلب خوفها.
ابتعلت تجسر نفسها ترسم ابتسامة في مخاطبتها:
– ازيك يا نجوان هانم، انا بهجة.
طالعتها بهذه الابتسامة الغير مفهومة تتأرجح بكرسيها الهزاز دون اي رد فعل، لتزيد من بث التوتر داخل بهجة، فتدخلت نبوية بحنكتها:
– نجوان هانم هتحبك اوي يا بهجة، عشان انتي طيبة زيها، اصلها بتحب،الطيبين بس وبتعرف الوحشين من نظرة واحدة
ختمت بابتسامة توجهها للمرأة التي ارتخت ملامحها، لتشيح بوجهها نحو الخارج عبر الزجاج الابيض بسكون تام وكأنها ذهبت لعالم اخر، غير عالمهم .
بعد دقائق خرجت بهجة من الغرفة بمرافقة نبوية التي حدثتها بتهوين:
– شوفتي بقى يا ستي، اهي هادية وزي الفل، يعني مبتعضش ولا هتاكلك.
قالت الأخيرة بدعابة لم تستجب له بهجة حتى قالت بتخوف:
– ايوة بس انا اسمع عن اللي زي حالاتها ، ليهم نوبات هياج بتحصلهم احيانا، ما هي لو ساكنة كدة كانت
هتبقى فين المشكلة؟
خبئت ابتسامة نبوية لتوميء لها بإقرار:
– كلامك صح، بس اللي قولتي عليها دي مش بتحصل غير لما ترفض تاخد دواها او لما……
– لما ايه؟
لم نرغب نبوية في اكمال الحديث، فغيرت على الفور معها:
– خلاص انتي تروحي تاخدي يومك الراحة النهاردة، وبكرة ان شاء الله تيجي ع الساعة اربعة زي ما اتفقنا.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر ليس بغريب عنا.
خرجت من غرفتها، متأنية بخطواتها بحرص شديد، تضع كفها اسفل بطنها بخوف اصبح ملازمًا لها، تجذبها الرائحة الجميلة نحو المطبخ كالمغنطيس، حتى وقفت على مدخله لتقع عينيها على الصنية الرئعة تخرج من فرن الموقد الغازي،
فسأل لعابها نحوها ، لتعبر عما يجول داخلها:
– الله يا طنط مجيدة، صنية البطاطس باللحمة شكلها يجنن .
شهقت المذكورة متفاجأة بحضورها حتى اهتزت منها الصنية الساخنة وكادت ان تقع منها ، لولا وجود الطاولة التي بالقرب منها، والتي وضعتها عليها سريعًا، لتتمتم بجزع:
– يا لهوي عليا، ايه اللي خرجك من اؤضتك يا شهد؟ انتي يا بنتي مش خايفة على نفسك
قالتها وتحركت سريعًا تجلسها، لتبرر الاخيرة:
– ريحة الصنية يا طنط مجيدة هي اللي خرجتني، بصراحة ريقي جري عليها دلوقتي كمان بعد ما شوفتها، وهموت لو ما دوقتش منها حالا،
– يا حبيبتي بعد الشر عليكي من الموت، انا حالا هعبيلك طبق منها دلوقتي .
قالتها مجيدة ثم تحركت على عجالة لتغرف لها كمية كبيرة به ، ثم توجهت لها برجاء:
– اديني حضرت الطبق اهو يا ست شهد ، ممكن بقى يا قلبي تدخلي على اؤضتك زي الحلوة كدة وتاكليه على سريرك.
بتململ وتعب رددت لها باستعطاف:
– يا طنط ما انا تعبت وزهقت من كتر النوم ع السرير، نفسي بقى اتحرك واروح واجي زي زمان، اتخنقت من الحبسة انا مش متعودة على كدة.
قدمت لها مجيدة طبق الطعام، واقتربت تطبع قبلة على اعلى رأسها تهادنها بحنان:
– مقدرة يا بنتي والله اللي انتي فيه، بس نعمل ايه في أوامر الدكتور ، اللي مشدد على نومتك في السرير، انتي حملك صعب والوقعة زودت الدنيا معاكي اكتر.
سقطت منها دمعة، ازالتها سريعا شهد قائلة:
– حمد لله اللي جات على كدة، ربنا كريم ومسقطتش البيبي مع الوقعة اللي اتكسرت فيها رجلي، بس الصبر مع فترة الحمل صعب اوي، انا كل دقيقة بيصبني الرعب مع اي حركة بسيطة تحصل مني، حتى لو قاعدة نايمة ع السرير، واللي مزود اكتر كمان هو تحمكات حسن، مش مكفيه اني رامية الشغل على امنية، لا دا كمان بيعتبر مراجعتها معايا ع التليفون، للحسابات واخد رأيي في المشاكل اللي بتقابلها، مجهود
ناقص يمنع يعني دخول الحمام، ولا يعملي واحد جمب السرير، تصدقي انه عرض عليا الفكرة في مرة؟
– اهبل ويعملها ما انا عارفاه.
خرجت من مجيدة سريعًا، لتعود اليها ناصحة:
– بس انتي كمان يا حبيبتي لازم تقدري خوفه وتفوتيله،
زمت شهد فمها ببؤس، لتردف مجيدة:
– المهم خلينا في الأكل دلوقتي، حطي ايدك في الطبق ده وانسفيه حالا ، خلي الواد يتغذى، كُلي كُلي
سمعت منها لتلتهم الطعام بشهية وتلذذ، لكن هي ملعقتين، وتفاجأتا الاثنتان بشهقة رجالية تتبعها صيحة :
– يا نهار اسود، انتي سايبة سريرك، وقاعدة هنا يا شهد، وانتي يا ماما سايبها، دا على كدة بقى انتوا بتقرطسوني، ومش بعيد اجي في يوم الاقيها خرجت تتمشى في الشارع كمان.
توقف الطعام بفم زوجته، فجاء الرد من مجيدة:
– ينيلك يا زفت الطين خضيتنا، مش تتنحنح يا واد ولا تعمل اي حركة تعرفنا بحضورك.
خرج صوت شهد بدفاعية:
– هما يدوب خطوتين بس يا حسن من اوضة النوم للمطبخ، مروحتش اي حتة تانية، كنت جعانة، وريحة الاكل تجنن مقدرتش اصبر.
– اه والله يا بني ، حتى شوف .
سمع منهم، وبدون اي نقاش دنى منها يرفعها بين ذراعيه يحملها بحزم مرددًا:
– برضوا تفضلي مكانك وتتصلي بماما ، لو مش قادرة تندهي بصوتك، هاتي الاكل ورانا يا ماما .
تبعته مجيدة وهو يخرج بها من المطبخ نحو غرفتهم، ثم ضجر زوجته:
– يا حسن بقى، كنت مخنوقة والله.
– كنت اتصلتي بيا، وانا جيت من شغلي وعملتك قرد حتى، المهم صحتك وصحة الجنين..
قالها بصوت تغيرت نبرته من العصبية الى الحنو فجأة، لتتبسم من خلفهم مجيدة بغبطة تغمرها، لحال الاثنان وتوافقهم، عكس زوج المجانين الاخران ، ابنها امين وزجته لينا ، وشجارهم على اتفه الأسباب، ثم الصلح ايضا على نفس السبب، بصورة تظهر صغر عقلهما هما الاثنان .
❈-❈-❈
حلاقاتك برجالاتك حلقة دهب فى وداناتك
ويارب ياربنا
تكبر وتبقي قدنا
وتجي تعيش وسطنا وسط الحبايب
تكبر وتروح المدرسة وتصاحب شلة كويسة
وتشوف عيون امك وابوك فرحانة بيك
حلاقاتك برجالاتك حلقة دهب فى وداناتك
انا عايزك تطلع واد مجدع
وفي عز الشدة تكون اجدع من اي حد
صوتك بيسمع ويلعلع
هذه الأغنية الشهيرة التي كانت تدوي عبر السماعات في الاحتفال الصغير الذي تقيمه رحمة مع زوجها، ابتهاجًا بقدوم الصغيرة ومرور اسبوع على موعد ولادتها
صبا والتي اطبقت على الطفلة الوليدة داخل احضانها تضمها اليها بحرص؛ حتى لا تؤديها بمشاعر الحب التي تحملها.
– بنتك حلوة جوي يا رحمة ،
ردت الأخيرة بمحبة متبادلة:
– يا حبيبتي دا انتي اللي عيونك حلوة، شدي حيلك بقى واتلحلحي عايزين نشيل ولادك مع شادي .
قالتها لتجد الرد يأتيها من شقيقها بلوعة هو الاخر:
– اه يا رحمة قوليلها ، دا اخوكي قرب يكلم نفسه
ضحكت شقيقته بمراقبتها لرد فعل صبا، والمشاكسة بعيناها نحو شقيقها المتيم بعشقها، والذي عاد كمراهق في العشرين من عمره بافعاله معها .
تدخل زوجها يدلي بدلوه بينهم:
– يا عم مستعجل على ايه بس؟ بكرة تخلف وتملى البيت العيال وتتحسر على ايام العزوبية اسألني انا .
– شوفي الراجل.
علقت بها رحمة تدعي الاستهجان نحوه، لتثير ضحكات الجميع معها ، حتى أتت سامية مقتربة بنعومة مبالغ فيها، والتي تفاجأت بضحكهم تاركة والدتها في الحديث مع مجموعة من النساء.:
– ما ضحكونا معاكم يا جماعة، ولا احنا ملناش تفس نضحك يعني؟….. انا بصراحة جيت على صوت شادي، بقالي سنين مسمعنهاش الضحكة الحلوة دي .
برقت عيني صبا كلبوة شرسة، نحوه حتى لا يتجاوب معها، تعطي الطفلة الوليدة لوالدتها وكأنها على استعداد تام للقتال .
مما اصابه بالتوتر، ليرد بتحفظ :
– متشكرين يا سامية، عقبال سبوعك انتي كمان لما نيجي نباركلك
وقبل ان تزيد بسماجتها تدخل شقيقها، يصرفها بذكاء:
– معلش يا سامية، اديها نظرة على ولاد اخوكي في المطبخ، قلبي حاسس انهم اكلوا كل الحلويات اللي في التلاجة.
استجابت بفم ملتوي
– اه ماشي هروح اشوف
ذهبت تتبختر في خطواتها بميوعة مقصودة، زادت من استفزاز هذه الشرسة لتعلق بغضب:
– معلش يا جماعة، بس انا البت دي حارقة دمي بشكل غبي، خلوها تتجي شري الله يخليكم.
عاودو الضحك مرة اخرى، لتضيف على قولها رحمة:
– يا بنتي دي قدر بالنسبالنا، ولا امها الست درية؛
بتتعامل مع الناس كأنها صاحبة بيت وجدة المولودة بالفعل، اللي محد بيشوف وشها حتى طول السنة.
– ما هم ما يعرفوش انها مرات ابو جوزك، فوتي وكبري يا ست رحمة.
قالها شادي ليتذكر ويسألها:
– هو صحيح انتي مدعتيش بنات خالك خليل ليه ؟
ردت بأسف:
– كلمت بهجة والله وشددت عليها، بس انت عارفهم بقى نفسهم عزيزة ومبيستحملوش القعدة في مكان واحد مع ساميه وامها، اتحججت بشغلها ودروس اخواتها .
نكس زوجها رأسه بخذلان لقلة حيلته مع اولاد عمه، بسبب فعلة ابيه ، ورفضهم هم في المقابل تقبل المساعدة منه.
ليزفر شادي بتنهيدة مثقلة:
– بهجة دي الله يعينها، اللي هي فيه رجالة كبار ميقدروش عليه.
– هي مين بهجة دي؟ حضرت خطوبتنا عشان اعرفها:
خرج السؤال من صبا ، ليجيبها على الفور:
– هبقى احكيلك حكايتها بعدين ويمكن اعرفك عليها كمان
❈-❈-❈
في اليوم التالي
حضرت على الميعاد لتستلم اول يوم عمل لها، في غياب نبوية التي استأذنت منها ، تأخذها فرصة للراحة هذه الساعات القليلة من مسؤولية الرعاية لهذه المرأة المتعبة
تاركة الأمر لبهجة التي حاولت الحديث معها عدة مرات ولكنها لم تستجب للانتباه لها ، حتى طرأت بعقلها فكرة القراءة في احد الكتب لها.
اوهمتها في البداية بالتركيز معها حتى اندمجت بهجة في إحدى الفقرات، فتكتشف الخدعة بعد ذلك باختفائها من الغرفة.
لتنتفض من محلها وتبحث عنها بذعر في الزوايا وجميع الاركان ، حتى خرجت هاتفة بالنداء عليها، وقلبها سقط بين قدميها، تنتحب:
– نجوان هانم، انتي فبن يا نجوان هانم ؟ يا دي المصيبة السودة عليكي وعلى سنينك يا بهجة، يا نجوان هانم؟ انتي فين بس الله يرضى عنك؟
شعرت فجأة بوجود احدهم خلفها وما همت ان تستدير، حتى تفاجأت بصوت دوى بقوة على الارض الرخامية، لتفاجأ بالمزهرية الكبرى التي تزين الردهة على الارض مهمشة لمئات القطع ،
نزلت تلملم فيهم بفزع ودموع على وشك الهطول:
– يا دي البلوة اللي حطت على راسك يا بهجة، اهي تمت معاكي كمان بالزهرية الغالية، ودي هتدفع تمنها ازاي لو اتورطت فيها؟
– مين اللي كسر الزهرية ؟
دوي الصوت الجهوري من الخلف، يجمد الدماء في عروقها، لتتجمد محلها مستسلمة بيقين النهاية، وصوت يتردد داخلها،
– شكلي كدة روحت في داهية، لا انا اكيد روحت في داهية
يتبع…