رواية تشابك ارواح الفصل التاسع 9 بقلم أمينة محمد الالفي
لفصل التاسع من -تشابك أرواح-
«شجارٌ عنيف»
يتآكلها الخوف، أصابها الذعر وتخف أن يحدث لها اضطرابها الذي لا تستطيع التحكم به وحدها، لم تكن تعلم بأن ذلك كله ستتعرض له هنا في هذا المكان، لم تكن تعلم بأنها ستتعلم كل ذلك في هذه المعيشة.
قالها بتلاعب وهو يقترب نحوها في خطوات بطيئة تثير بها الرعب أكثر، همست بصوتٍ ضعيف وهي تبحث عن نجدة حولها:
"لو ممشتش هصوت وألم عليك الناس، أنت مروان قالك متجيش ليا خالص، أنت إزاي جاي لحد هنا فبيت طنط ودخلت إزاي؟"
_"طنط؟"
قالها بضحكات صاخبة بينما هي ابتلعت غصتها في ذعرٍ، ما الحل الآن سوى الصراخ وهو مازال يقترب نحوها ينظر لجسدها كصقرٍ يشتهي فريسته، اقترب منها أكثر يحاول إلصاق جسده بجسدها بينما هي دفعته بقوة صارخة بكل جوارحها:
"Help me, حد سامعني، ساعدوني"
كان صوتها عالٍ بدرجة كبيرة مما جعله يكمم فمها بقوة وكان جسده ضخمًا أمام جسدها الضئيل الضعيف، حاصرها بجسده يمنعها من التحرك فحاولت التملص منه، هبطت دموعها الساخنة على خدها بخوفٍ مما قد يصيبها من هذا الهجمي الحقير.
لم يفق سوى على صوت أنوثي حاد يصرخ به:
"فتحي، أنت بتهبب إيه نهارك أسود؟"
ابتعد سريعًا بفزع وهو ينظر نحوها، بينما هي ركضت نحو الواقفة تستنجد بها بجسد مرتجف:
"بالله عليكِ خليه يمشي، أنا خايفة أوي ياتسنيم"
كانت عيناها تنظر نحوه بذعرٍ، بينما «تسنيم» كانت نظراتها له حادة غاضبة، وصرخت بوجهه بوجومٍ:
"أنت بتعمل إيه هنا ياحيوان، والله لأعرف مروان باللي حصل ده!"
اقترب لها في خطواتٍ سريعة وبنظراتٍ حادة قابلها بها، يحاول اخافتها حتى لا تفصح عن هذا وهو يقول بسخطٍ:
"لو عرفتيه أنتِ عارفة ممكن يحصلك إيه أنتِ كمان، مش «فتحي» اللي يتهدد ياقطة، واللي وراكِ دي ليا فيها نصيب بس مش دلوقتِ، ماهو مينفعش تبقى هنا مشرفانا في الحارة ومندوقش!"
مالت«تسنيم» تمسك حذائها ورفعته بوجهه وهي تصرخ به بغضبٍ جامح ووجهها تحول للأحمر:
"داقوا عليك القهوة في عزاك يابعيد، وأبقى وريني تقدر تعمل إيه يا أخويا، وآه هعرف مروان"
أنهت حديثها بحنقٍ مع ابتسامة ساخرة تكيده، فتطلع بها بتشدقٍ يعلم أنها ستخف، وتركهما وغادر وهو يلقي نظرة على الخائفة تحتمي بها.
التفتت «تسنيم» لها ووضعت يدها على كتفها تواسيها وهي تخرج تنهيدة عميقة من داخلها:
"حقك عليا أهدي، أنا هقول لمروان يظبطه والله، متقلقيش، هو ده هنا إزاي؟"
همست «سيلين» بصوت مرتبك خائف وتحول وجهها للإصفرار من شدة خوفها:
"مش عارفة بجد، هو لقيته فجأة فـ وشي كأن باب البيت كان مفتوح ودخل"
كان جسدها يرتجف وعقلها يدور فيما حدث، كانت من الأشخاص المتشائمين تُفكر ماذا لو لم تكن ساعدتها «تسنيم» للتو، كيف كانت ستتصرف مع هذا البغيض.
تنهدت الواقفة أمامها وهي تساعدها في الجلوس وتواسيها بنبراتها الحنونة:
"متقلقيش طيب، خلاص أهدي جسمك كله بيترعش هيجيلك نوبة من الخوف ده"
وكأنها كانت تنتظر شخصًا يخبرها ألا تخف حتى تنهار بضعف، برغم من شخصيتها المجنونة التي تُظهرها لتبدو وكأنها لا يهمها شيء إلا أنها أضعف من ذلك بكثير، وقلبها ضعيف يخاف من المؤذي دومًا، بكت بانهيار وهي تتوسل «تسنيم» وممسكة يدها بقوة:
"أنا عايزة أمشي من هنا، أنا مبقتش مستحملة والله أي حاجة بتحصل هنا يعني أنا إيه ذنبي من كل ده، ليه مروان وعمو إبراهيم شايفين إني السبب أو ليا أيد فحاجة، please tell him to let me go"
ترجم عقل «تسنيم» الذنب الموضوع عليها، وتذكرت فورًا صديقتها وأختها «عهد» التي أتت مقتولة في ذلك اليوم للحارة، راودها كل شعورٍ حزين قاسٍ لأجل تلك الذكريات التي لم تمحيها من عقلها أو حتى تتخطاها.
نظرت نحوها لقليلٍ من الوقت فأستنتجت «سيلين» بماذا تفكر الآن، فيبدو أن الجميع هنا يكرهها هي وأبيها، يبدو وكأنها مبغوضة من الجميع ليس إلا.
حاولت أن تهمس من بين شهقاتها الباكية:
"طيب بصي، هو أنتِ ممكن تطمني عليا كل فترة، أوعدك مش هتقل عليكِ في حاجة بس أنا ارتحت لك وأنا خايفة أوي أوي هنا!"
ابتسمت «تسنيم» ابتسامة خافتة بسيطة تعبر لها عن موافقتها على ذلك بالرغم من الألم الذي أحتاجها الآن نتيجة الجالسة أمامها، فمهما كان ومهما جَرى ستظل ابنة قاتل «عهد»:
"متقلقيش، هطمن عليكِ، أنا حتى جاية أطمن عليكِ وجيبالك الدوا مروان قالي أجيبهولك!"
نظرت «سيلين» للدواء بيد «تسنيم» الذي لم تلاحظه عندما دلفت لها، وجدته نفس النوع الذي أخبرته عنه، تنهيدة عميقة خرجت منها وهي ترفع كفيها تمسح دموعها وتجفف عينيها الحمراء، ثم همست بشكرٍ:
"شكرًا بجد، شكرًا ليكم على كل حاجة، أنا هنا اتعلمت منكم كتير أوي وقد إيه أنتو ناس طيبين، أنا يمكن مكنتش أعرف حاجات كتير وأتعلمتها منكم"
نطقت بها «تسنيم»من حنقها بسخطٍ:
"كويس اهو أحسن من اللي عايشة بيه مع أبوكِ"
لحظات صمت جمعتهما لتبتسم لها«سيلين» بأمتنان وتحركت قليلًا بعيدًا عنها لتعطها راحتها، ولكن «تسنيم» هبت واقفة وتحدثت بهدوء:
"أنا همشي، خلي بالك من نفسك"
أومأت لها بابتسامة وتحركت معها نحو الباب وأغلقته خلفها وجلست خلفه تضم قدميها لها وانحدرت الدموع على خديها في بكاء مرير، كانت في حالة يرثى لها، تشعر وكأنها تود أن تُنهي حياتها، لا المكان مكانها ولا الزمان زمانها، لا هنا ولا غير هنا.
_"أنتِ مش شبه حد خالص ياسيلين، Really معرفش بس أنتِ مش شبهنا كدا"
تذكرت حديث صديقتها لها بأنها لا تشبههم، ولا هي تشبه من هنا، ولا حتى تشبه والدها الذي لم تكن يومًا قريبة له، إذًا تشبه مَن بوضعها هذا؟
_______
كان يسير في ممر المستشفى ذهابًا وإيابًا قلبه كاد أن يخرج من مكانه خوفًا على صديقه الذي أتى مهرولًا على صراخ أمه ورآه واقعًا أرضًا بلا حول ولا قوة، كان وجهه شاحب كالأموات وشفتيه زرقاء بشكل مخيف، لا يعلم مابه ولكن مايعلمه أنه كان بخير وهو معهم.
بينما «عبدالله» يقف يتابعه مستندًا بظهره على الحائط يستند بيده اليمنى الموضوعة عند فمه على ذراعه الأيسر القريب لصدره، يضغط على شفتيه تعبيرًا عن الخوف هو الآخر، الهواجس تملكتهما معًا.
رن هاتف «مروان» صادحًا صوتًا بنغمة دينية دون موسيقى "الله يعلم مانشكو من الألمِ
ومانعانِيه من ضِيقٍ ومن سَقمِ
لكن لنا فيه ظنٌ لا يُخيّبُنا
حاشاه أن تَرجِع الأيدِي بِلا نِعمِ"، أخرج هاتفه من جيبه وتبدلت ملامحه للاستغراب لأن المُتصل «تسنيم» وليس بالعادة أن تتصل به!
وضع الهاتف على أذنه وأجابها ينتظر منها الرد:
"السلام عليكم ياتسنيم"
عند ذكر اسمها رفع «عبدالله» بصره سريعًا نحوه في لهفة، دق قلبه بعنفوان وتجرع من كأس البُعد الذي يتجرع منه مرارًا وتكرارًا، انتبه لملامح «مروان» التي تهجمت بغضبٍ شديد وأحمر وجهه بشكلٍ مُفزع، لا يعلم ما الذي أخبرته به ولكنه يبدو أمرًا كبيرًا لدرجة تجعل «مروان» بتلك الحالة، انتظر حتى ينتهي ليسأله.
_"تمام ياتسنيم، أنا هتصرف معاه روحي بيتك وكتر خيرك!"
قالها وأغلق الإتصال فسأله «عبدالله» بنبرة سريعة ولهفة:
"في إيه يامروان؟ حصل حاجة!"
أومئ له «مروان» برأسه وعينيه شاردة في مكانٍ بعيد لبضعٍ ثوانٍ يشع منهما الغضب، ثم تفوه بحدة:
"تسنيم بتقولي راحت تدي سيلين الدوا لقيت فتحي موجود هناك بيحاول يتحرش بيها وهي عمالة تصوت، وبتقول إنه هددها متقوليش حاجة!"
غضب الواقف أمامه ولكن من الجملة الأخيرة، كيف يهدد ذلك الابلة الحقير حبيبة قلبه!
تحدث بغيظٍ ووجهه احتله الإنفعال:
"ده شكله يومه مش معدي، وربنا لأمسح بيه أرض الحارة وأدوس على كرامته في نصها قدام الكل"
يعلم «مروان» أن الأمر لن يُحَل مع «فتحي» إلا بنفس طريقة «عبدالله» العصبية والهمجية، ولكن يود أن ينتهي الأمر بالود والهدوء لأنه يعلم أن «فتحي» شخصًا همجيًا هو الآخر، تفوه في محاولة منه للسيطرة على الموقف الذي اشتعل كمن وضع البنزين جوار النار ليلتهب المكان:
"اهدى بس وصلي عالنبي، خلينا نفكر هنحلها معاه إزاي بشكل يليق بينا يا عبدالله ميقلش مننا، اللي زيه بيستغنى عن فضل الحارة عليه، إحنا عنه هنستغنى"
كان الضيق يتآكل الآخر من داخله، وهو مازال عالقًا عند تلك النقطة؛ عندما أخبره «مروان» أنه هدد من يحب، يتآكله كنارٍ تنهش بما أمسكته، لا يعلم لمتى سيظل هكذا يخاف عليها من الهواء المار حتى بعدما رفضته بلسانها وأمامه.
أجاب بحدة طغت على ملامحه، وهو يرفع كفه يمسد وجهه:
"والله بس آسر يقوم بالسلامة ونطمن عليه وأنا هوريه فتحي الكلب ده!"
انتبهوا لصوت الطبيب خلفهما وهو يطمئن قلوبهما بنبرة خافتة:
"البشمهندس الحمدلله كويس، الضغط عنده مكنش مظبوط بس شوية وأحنا عملناله اللازم ومركبين له محاليل هيخلصها ويطلع من المستشفى ان شاء الله"
تنفسا الاثنين الصعداء براحة وسأله «مروان» بلهفة:
"طب ينفع ندخل نشوفه؟"
أومئ له الطبيب بابتسامة خافتة:
"ينفع أيوه، عن اذنكم"
ثم تحرك وتبادل الاثنين النظرات بمعنى أن يتقدما نحو غرفة صديقهما، اقتربا سويًا حوله كل منهما يحمل القلق والخوف عليه، جلس «مروان» على طرف الفراش جواره وهو يتنهد قائلًا:
"حمدلله عالسلامة ياعم آسر، قلقتنا عليك"
كان «آسر» مستيقظًا ولكنه مغمض العينين، وعندما استشعرهما فتحها بابتسامة شاكرة له:
"تسلم ياصاحبي، الحمدلله"
كان «عبدالله» دوره في تلك الصداقة هو المشاكسة لهم جميعًا برفقة «حمزة»، فتفوه ضاحكًا:
"إيه ياعم ده، أنت طلعت طري يالا"
نظر له بحنقٍ وهو يبحث بعينيه عن شيء يلقيه عليه بينما تعالت ضحكات «مروان» بخفة عليهما، تحدث «آسر» بنبرة متعبة تحمل السخط:
"وربنا لما أشد شوية وأقوملك ياعبدالله"
_"المهندسين اللي زيك بيتكلموا بس مبيعملوش حاجة"
قالها «عبدالله» بمشاكسة وداخله يحمل الإمتنان لوجود هكذا صداقة بحياته، لن تعوضهم الأيام ولا أي أحد، أجابه «آسر» بغيظٍ مكتومٍ:
"أنا هوريك المهندس بيعمل إيه بس أقوم"
حرك"عبدالله» كتفيه بلا مبالاة وأنفٍ مرفوعٍ بتكبر:
"عمومًا مستنيك"
أنهى كلماته بضحكات عالية خرجت منهم هم الثلاثة منها، ضحكات تعبر عن الصداقة التي تجمعهم ومدى قوتها، كانوا سويًا منذ أن كانوا أطفال حتى أصبحوا مراهقين وشباب والآن هم رجال يحملون مسؤوليات أنفسهم فوق أكتافهم.
ولج الحانق ينظر لهم عند الباب بنظراتٍ واجمة يضيق بها عينيه قليلًا بغيظٍ، اقترب ناحيتهم واضعًا يديه خلف ظهره يشبكهما ببعضهما، وهو مطأطأ رأسه كمحقق يفكر فيما قد يسأله:
"ماشاء الله ضحكتكوا يابهوات موصلة آخر المستشفى ممكن أفهم إيه سر الضحكة الجميلة دي.. ومن غيري!"
ضحك «مروان» عاليًا وتحدث يبرر له ماحدث كأنهم مذنبون في حقه:
"سامحنا ياحمزة يا أخويا، الضحك جاب بعضه"
_"جاب بعضه لوحده كدا، ياسلام مخافش وهو جاي!"
قالها المغتاظ «حمزة» فأجابه «عبدالله» بسرعة وبسذاجة يضيع هيبة الموقف الضائعة بالأساس:
"لا جاي مع أمه عشان ميضعش"
ثم مد كفه «لحمزة» الذي صافحه بقوة ضاحكًا هو الآخر وتعالت ضحكاتهم جميعًا على تلك الدعابة السخيفة التي ألقاها «عبدالله» في فوج الخيانة الغير مقصودة منهم «لحمزة».
أقترب «حمزة» ناحية «آسر» جالسًا جواره من الناحية الأخرى وهو يربت على صدره بيد ثقيلة يسأله عن حاله:
"إيه ياقلبي، طمني عليك؟"
سعل الآخر من ضرباته المتتالية وأبعد يده بعنف وهو يقول بحنقٍ:
"ياجدعان أنا مريض، أنتو بتعاملوني كدا ليه!"
مصمص «حمزة» شفتيه يُخرج تعبيرًا ساخرًا من فمه ممثلًا دور الضحية بشكلٍ رائع:
"الحق عليا جاي أطمن عليك، أنت مريض إيه ياعم ما أنت زي القرد أهو، أمك قلقانة عليك ومراتك وبنت خالتك، وأنت قاعد هنا عاملي فيها عيان، قوم يالا أخلص"
تدخل هذه المرة «مروان» المعروف بحنيته عليهم وهو يقول مداعبًا «حمزة» ويبعده من جوار«آسر»:
"بس بقى يالا أنت وهو سيبوا الواد الغلبان، داخل على جواز وحالته صعبة!"
كانت تلك المرة مداعبة ساخرة مما جعل «آسر» يقلب عينيه، وأكمل على كلامه «حمزة» بغمزة مشاكسة:
"لا وعينه خضرا والطمع فيه كتير، ألعب ياعم مين قدك"
ضحكات عالية خرجت من أفواههم ستجعل المسؤولين بالمستشفى يطردوهم من هنا لعدم إحترامهم للمرضى أو حتى لصديقهم المريض، جمعتهم ظروف معيشة وحياة صعبة سويًا ليكونوا سندًا لبعضهم البعض، إن مرض شخصًا منهم يجد الثلاثة جواره، وأن ضاقت بأحدٍ يجد البقية جواره، هكذا كانوا أصدقاء تحت مسمى الإخوة.
______________
كيف أن يجتمع بعين المرء الحب والحرب سويًا، حبًا في ذاته وحربًا لذاته، في داخله ضجيجٌ ثقيل معروفًا باسم الصمت المرغوب به بين المتحاربين مع حذف الراء، ليكون للعيون دورًا في كشف المستور داخل القلوب والتي لا تستطع الألسنة إخراجه، لتبدأ ملحمة لا نهاية لها سوى عذاب الطرفين!
وصل للمنزل تحديدًا لشقة أمه ومعه أصدقائه الذين لم يتخلوا عنه للحظة سوى وهو بين يد أهله ليطمئنوا عليه، اقتربت منه «ابتسام» بلهفة قلقة وعينيها التي ذرفت الدموع رغمًا عنها خوفًا على وحيدها:
"مالك يا نور عيني بس إيه حصلك؟"
ابتسم بتنهيدة عميقة ورفع يده يربت على ظهر أمه وهو يحاول مواساتها:
"أهدي ياحبيبتي أنا كويس والله، الدكتور قال بس شوية تعب كدا والضغط مكنش مظبوط"
أتاه صوتها الباكي والذي عرفه فورًا، واقفة بعيدًا عن الجميع تضم يديها لبعضها، كانت ترتدي حجابها وعباءتها تحاول أن تسيطر على دموعها من النزول الآن أمام الجميع:
"بس ده زي اللي كان بيحصلك من زمان يا آسر، هو الدكتور معملش تحاليل ليه يطمن عليك!"
ابتسم لها وهو يطالعها تقف بتلك الطريقة والقلق باديًا على ملامحها، ثم أجابها بعمقٍ وتنهيدة خرجت منه مجددًا:
"هو يمكن بس من الجيم ولا حاجة، ربنا يسترها"
هنا تدخل «مروان» الذي ابتسم بأدب يستأذن من المتواجدين ووجه حديثه «لآسر»:
"لو فيه حاجة رن على أي حد مننا يا آسر هتلاقينا في وشك، إحنا هنستأذن بقى الساعة بقت 12"
أومئ له «آسر» بإمتنان وللبقية أيضًا رسم بسمة في وجوههم:
"تسلمولي والله، كتر خيركم ياحبيبي"
تحركوا وغادروا من القلق المحاوط للمكان، بينما «آسر» دار بعينيه بالمكان يبحث عن شخصٍ معين، تمنى لو قابلته عندما دلف عند الباب تتطمئن عليه، ولكن الأمر انقلب الآن كإنقلاب السحر على الساحر، ويريد هو أن يطمئن عليها:
"هي فين رنا؟ هي كويسة!"
ربتت أمه على كتفه بحنانٍ مع تنهيدة:
"آه كويسة، دي لسه طالعة شقتها وهتلاقيها نازلة دلوقتي، مرام بتحضرلك عشا خفيف كدا تاكله وادخل نام في أوضتك هنا عشان أطمن عليك طول الليل"
ابتسم هو الآخر بحنو وهو يرفع نفسه يقبلها على رأسها ويضمها بحنانٍ لأعناقه، فاليوم هو يسدد لها الحب والحنان الذي أعطته إياه في صغره، يسدد لها البعض فقط والذي لو قضى عمره كله يحاول أن يرد لها ذلك لن يكفي، رد عليها بابتسامة:
"لا ياحبيبتي متقلقيش عليا، أنا والله العظيم بقيت كويس أهو قدامك، المحلول رجعلي طاقتي وخلاني زي الفل"
_"برضو يا آسر معلش، خليك هنا ياحبيبي أطمن عليك"
قالتها بترجي ليومئ لها وهو يتابع خروج «مرام» من المطبخ تحمل الطعام ودخول «رنا» من باب الشقة في لهفةٍ وقلقٍ:
"إيه ياحبيبي مالك؟ أنت كويس؟"
ابتسم لها وعينيه تتابع الآتية من بعيدٍ تضع الطعام على الطاولة المجاورة ثم أجاب بهدوء:
"كويس الحمدلله متقلقيش عليا"
رفعت كفها تضعه على خده بحنانٍ وعينيها بها القلق الكثير له مترقرقة بالدموع:
"حمدلله على سلامتك يانور عيني، ربنا يطمني عليك"
أنهت جملتها وتبعتها حديث «مرام» بصوتها الهادئ:
"خدي يارنا اديله ياكل عشان فيه دوا المفروض ياخده"
التفتت لها «رنا» والتقت العيون ببعضها، واحدة تحمل الهدوء والثانية تبدلت لاستغراب قائلة بنفس النبرة:
"مسيبتهوش ليه كنت أنا عملته"
تبدلت ملامح «مرام» هي الأخرى للتعجب وحركت كتفيها دليلًا على أن الأمر عاديًا لا يحتاج تلك الحدة من «رنا» الآن، تدخلت «ابتسام» هي الأخرى بنفس الاستغراب تحاول تهدئة الجو:
"عادي يعني يارنا، هي عملته يابنتي مافيش فرق، المهم آسر ياكل"
ثم تحركت هي وتناولت الطعام وقربته لابنها تطعمه بيدها في حنانٍ، بينما وصلة العينين التي لم تنقطع مازالت مستمرة، الحرب بدأت للتو!
___________
وصلا سويًا كل منهما أمام شقته والتي بالأساس أمام بعضهما، كان «مروان» شارد العقل يفكر فيما يصيب صديقه والذي لم يكن عاديًا أبدًا:
"بقولك إيه ياعبدالله، هو أنا بس اللي مركز مع تعب آسر بالشكل ده؟ آسر بيتعب بشكل غريب مع إنه ماشاءالله رياضي ومحافظ على جسمه وأكله"
للحظات فكر «عبدالله» فيما قاله وهو يتمعن بتلك التفاصيل التي كانت تحدث مع «آسر» بالرغم من أنه بخير ثم فجأةً يصبح مريضًا كما حدث.
وجه بصره نحو «مروان» واستند بجسده على الحائط وهو يقول بتعجبٍ:
"آه فعلًا هو بيبقى كويس وفجأة بيتعب كدا، حتى كل حاجة بقى بيعملها تقيلة عليه، المشكلة إنه بيتعب كل فترة التعب ده!"
أخرج «مروان» من جيبه علبة الثقاب ووضع واحد بفمه يضغط عليه وهو يفكر وعينيه تتنقل بالدرج القديم والأرضية الرخامية الخاصة بالبناية:
"دي حقيقة، وأحيانًا الدكاترة بيقولوا معندوش حاجة، أنا قلبي بدأ ياكلني عليه بجد آسر مش طبيعي خالص الفترة دي، والولا حمزة قالي مبقاش يصلي زي الأول وكل ما يصلي يحس بتقل كدا ويقوله مش قادر أقف على رجلي، كنت عايز أقعد أتكلم معاه أصلًا بس محدش فينا كان فاضي والدنيا اتكركبت!"
أخرج «عبدالله» مفاتيح منزله من جيبه وهو يهز كتفه بلا علم، وأردف بنبرة تهدئ الوضع:
"بص سيبها لبكرا كدا نقعد معاه إحنا الكل ونشوف الدنيا دي، مش يمكن محسود ولا حاجة!"
_"ممكن، معرفش الحقيقة بكرا نشوف، يلا تصبح على خير"
قالها «مروان» وهو يخرج من جيبه مفاتيحه هو والآخر ودلفا الاثنين لشقتهما.
_______
عندما يجتمع الكره، البغض، الغضب، ومقابلهم يجتمع في نفس الشخص الشفقة، الحزن، الأسف، فإن الإنسان يعاني من تخبط بالمشاعر، إن غلبت صفات على الثانية ستقود هي صاحبها.
استأذن عمه بأن يأخذ معه «فاطمة» زوجة عمه لمنزل «حكمت» ليرى «سيلين» ويفهم منها ما حدث بالأمس معها، فهي هنا أمانة لديهم ولن يسمح بأن يحدث لها شيء حتى يعيدها لحياتها كما كانت بعدما يأخذ حقه بيده.
طرق الباب طرقات خفيفة حتى قابلته «مديحة» أمامه وهي تبتسم بهدوء وولج التوتر لكيانها أمامه عندما رآته:
"يوه أهلًا أهلًا، اتفضلوا، يما ده مروان والست فاطمة!"
عندما سمعت اسمه من الداخل أتت راكضة ووقفت خلف «مديحة» وهي تراه هو و«فاطمة» يدخلان للمنزل، ألقى عليها نظرة بتنهيدة ولمح عليها الخوف مازال يحتلها، ملامحها التي تغيرت منذ أن أتت لهنا، وعينيها التي أحتلها التعب والأرهاق، حتى أن جسدها أصبح هزيلًا أكثر لقلة أكلها.
تحدثت «فاطمة» تحاول صياغة الموقف ولِمَ هما هنا خاصةً بعدما أتت «حكمت» ورحبت بهما:
"إن شاء الله منكونش بنتقل عليكم، إحنا جايين نشوف سيلين وناخدها معانا"
حركت «مديحة» عينيها على«فاطمة» ثم على «مروان» وسألت بتعجبٍ:
"ليه بقى؟ هتقعد فين أصلًا؟"
أجابها هذه المرة «مروان» بابتسامة خافتة يبرر ذلك وهو يمرر نظره على«مديحة» ثم على «سيلين» التي تغيرت ملامحها عندما عرفت أنها ستنتقل:
"في بيت الست فاطمة، عبدالله هيجي يقعد معايا في شقتي وهي هتقعد مع الست فاطمة والحاج"
سألت «حكمت» بتعجبٍ لذلك القرار:
"ليه يابني، ماهي قاعدة هنا مع مديحة!"
_"إيه ده هو حضرتك معرفتيش ولا إيه ياست حكمت؟ مش فتحي اتهجم على سيلين امبارح واللي ساعدها تسنيم!"
قالها بسخرية وهو ينظر نحو «مديحة» التي يؤنبها على ذلك، فالحارة بأكملها تعلم أنها على وصال به وبينهما شيء مجهول للآن، وتوعد داخله لها إن كان لها يد بذلك، ولكن الغبية فضحت نفسها عندما تلبكت بذلك الشكل أمامهم:
"يالهوي إزاي ده؟"
تقوس حاجبي «سيلين» باستغراب وهي تتحدث بتعجبٍ:
"يعني إيه إزاي؟ على فكرة أنا حكتلك امبارح بليل!"
هنا رفع «مروان» حاجبه وهو ينظر «لمديحة» باستنكار ساخر، وعينيه حكت كل شيء لها من التوعد، ثم تفوه يرمي بكلامه عليها:
"عمومًا فتحي حسابه معانا إحنا، وسيلين هتقعد مع الست فاطمة لأن ده قرار الحاج إبراهيم لأنها أمانة عندنا لحد ما أبوها يخلصنا من اللي بيحصل، وكتر ألف خيركم على استضافتها اليومين دول"
ثم رفع بصره «لسيلين» وتحدث بهدوء ونبرة عميقة:
"هاتي حاجتك يلا"
بالفعل تحركت من أمامه نحو الغرفة بينما «فاطمة» شكّت أيضًا «بمديحة» لتلبكها بذلك الشكل، ولكنها لم تكترث لأن عقلها يدور حول وجود تلك الفتاة بمنزلها، بمنزل ابنتها المقتولة من «وليد الأنصاري»
مر بعض الوقت حتى خرجت هي بحقيبة بها ملابسها واقترب منها «مروان» يحملها عنها دون أن يطيل النظر بعينيها، بل تحرك بالحقيبة ناحية الباب يخرج وتبعته هي و«فاطمة».
وصلا عند المنزل تحديدًا أمام الشقتين ووضع الحقيبة على جنبٍ وهو يسألها بعدما جلس على الدرج:
"فهميني بقى إيه حصل؟"
استندت بجسدها على الباب تلقي بنظراتها عليه وهو جالس بتلك الطريقة ووتابع جسده بهيئته كاملة، ثم ألقت نظرة على «فاطمة» التي تنتظرها أن تقص عليهم ما جَرى لها، هنا مصمصت شفتيها وتحدثت بتلبك:
"هي مديحة سابتني ونزلت هي وطنط مامتها، وبعدين أنا متأكدة أنها قالتلي هقفل الباب ورايا كويس ومتفتحيش لحد وأنا قولتلها ماشي، ونزلت وشوية سمعت صوت حد لسه بقوم أشوف مين، لقيته اللي اسمه فتحي ده في وشي، حاولت أصرخ وأبعده معرفتش ومبعدش عني إلا لما تسنيم جت وصرخت في وشه!"
تنهدت «فاطمة» وفتحت باب المنزل وهي تلقي كلماتها عليهم:
"لا حول ولا قوة الا بالله، ربنا يهديه والله، أنا داخلة عشان سايبة الأكل عالنار"
دخلت للمنزل تهربًا من النظر بوجهها، وتركت لها الباب مفتوحًا حتى تدخل خلفها ولكن «سيلين» جلست جوار «مروان» ليبتعد هو قليلًا حتى يترك بينهما مسافة، فكان الدرج عريض نوعًا ما، بينما هو واضعًا بفمه عود الثقاب الذي يخرج عليه الضغط وقال بنبرة هادئة:
"زي ما قولت أنا هتصرف معاه، أنتِ قعدتك هنا أضمن ليكِ من أنه حد يتعرضلك، وعبدالله ابنهم هيجي يقعد معايا في شقتي عشان تبقي براحتك، وكدا كدا الحاج إبراهيم نفسه بيطلع من الصبح بيقعد فالمجلس ومبيجيش غير آخر النهار!"
ابتسمت بدفئ وهي لم تبعد بصرها عنه أبدًا حتى الآن، وكأن عينيها تأبى أن تُزاح عنه، وهمست بصوت بالكاد سمعه والتعب باديًا عليها:
"أنا بتشكركم على كل اللي بتحاولوا تعملوه ده وأنكم بالرغم من اللي بابي عمله معاكم بتحاولوا توفرولي مكان فيه أمان أقعد فيه!"
ابتسم ساخرًا من حديثها، وأجابها بنفس السخرية التي كانت على ملامحه:
"حاجة غريبة بالنسبالك، أبوكِ ميعرفش أي حاجة عن الذوق والأحترام أكيد"
تنهدت بثقلٍ وأبعدت بصرها عنه للأمام وهي تضم يديها لبعضهما فيما تخلل أصابعها بين بعضها، وأجابته بقلة حيلة:
"عندك حق، Do you know؟ أنا بجد اتغيرت هنا وعرفت حقيقة حاجات كتير مكنتش أعرفها، بس الأكيد إني تعبت أوي بالرغم من الراحة اللي المفروض متوفرة حواليا، معرفش أقول إيه تاني بس يارب حقكم يرجع"
أومئ لها فقط دون كلمة وقام من مكانه ينقض التراب عن ملابسه، فلا يريد أن يكون بينهما أي حديث أكثر، ولكنها استوقفته بسؤالها بنبرة طفل ضائع متجسد في هيئتها:
"مروان، هو أنت اللي بتصلي بالناس وبتأذن كل يوم الفجر؟"
استقر بصره عليها باستغراب، استنبض الضياع الذي بعينيها الآن وأجابها:
"آه، في حاجة ولا إيه؟"
هزت رأسها بالنفي وهي تخرج تنهيدة عميقة من داخلها، ولأول مرة تشعر بأنها في بئر عميق مظلم، ومُعلقة بالمنتصف لا نهاية له، لا تستقر في أرضيته ميتة، ولا حتى تخرج منه لترى النور:
"صوتك جميل، أنا مبعرفش أصلي بس لما سمعت صوتك حسيت إني عايزة أصلي أوي، بس أنا محدش علمني عشان مامي ماتت وأنا صغيرة خالص، وأنت عارف يعني بابي مكنش فاضي ليا ولا حتى المربية بتاعتي"
للحظة شعر وكأن البغض الذي داخله كله تحول لشفقة عليها، كيف للإنسان أن يعش بدون صلاة؟ ما الذي قد يتواجد في هذا العالم أعظم من ذلك الذنب، ومتى قد يستيقظ الإنسان من دوامته التي سيكون نهايتها الهلاك؟
عاد يجلس جوارها ورفع يده يخرج عود الثقاب ثم خلل أصابعه بشعره المموج بلونه البني، وأنزلها نحو ذقنه يرتبها بكف يده، يحاول ترتيب كلامه بتلك الحركات التي يفعلها الآن:
"طيب أنا مقدر ده، بس المفروض اللي عايز يصلي يصلي عشان ربنا ونفسه، يعني العبد بيصلي عشان نفسه لأنه هو اللي محتاج الصلاة دي لما يقف قدام ربنا يوم القيامة، يعني خلينا متفقين إن أول حاجة هتتسألي عليها في القبر هي الصلاة أكيد دي حاجة عرفاها صح؟"
نظر لها فهزت رأسها بالنفي فأغمض عينيه البُنية بأسفٍ لحالتها تلك:
"لا حول ولا قوة إلا بالله، الموضوع طويل أوي يا سيلين وأنتِ شكلك ضايعة أوي!"
_"أنا فعلًا ضايعة، أنا أول مرة في حياتي أحس إني كدا، ممكن تعلمني إزاي أصلي بس وأنا مش عايزة أي حاجة تاني من الدنيا، مش عايزة أموت واتسأل في القبر عن الصلاة وأنا مكنتش بصلي"
قالتها بنبرة متلعثمة تحمل كل معاني الضياع، بينما هو أخرج تنهيدة عميقة واماء برأسه بإيجاب:
"أنا هكلم الست فاطمة تكلمك شوية عن الدين والصلاة وتعلمك إزاي تتوضي وتصلي، وأنا كمان ممكن لو سمح الوقت أبقى أكلمك شوية عن الدين، وهجبلك كتب تقرأيها هتفتح دماغك أكتر، وأكيد لازم تقرأي قرآن أو تسمعيه حتى عشان ينور قلبك وبصيرتك، ربنا يهديكِ"
توسعت ابتسامتها فورًا لذلك العرض الذي أخبرها به، وهمست بشكرٍ وامتنان:
"شكرًا بجد، شكرًا أوي يا مروان!"
عاد يتحرك من مكانه وهو يجيبها بهدوء:
"العفو، قومي يلا ادخلي، سلام!"
ثم تركها وهبط الدرج ليغادر البناية بأكملها وداخله ألف شعور من الأسف والحزن عليها، الشفقة تحتله كونها بذلك الحال، وضع «وليد» بها كل أنواع الفساد لتصبح كما هي الآن.
همس بينه وبين نفسه بتنهيدة غاضبة:
"منك لله ياخبث، أنت ونادر الخبائث اللي معاك، ربنا ينتقم منكم"
ثم أكمل سيره ناحية المحل خاصته ليقابل «حاتم» ويبدآن يومهما في العمل.
_________
قد تجتمع كل صفات الشيطان بإنسان، فهو ليس بحاجة لوسوسة الشيطان لينشر الفساد بالأرض، فقط تكفيه نفسه الأمارة بالسوء بأن تسايره في العالم لينشر الأذى، وتدفعه لمخالطة المعاصي وتزيين الشهوات أمام عينيه.
واضعًا الهاتف على أذنه يصرخ بوجهه والإحمرار يتعالى على وجهه لدرجة أنه قد ينفجر الآن:
"ولاد الكلب دول راحوا رفعوا محضر في النيابة بأني مزور الورق، الورق ده لو اتمسك يا نادر إحنا هنروح في داهية وأنا لو روحت مش هروح لوحدي، لأن دي كانت فكرتك من الأول نزوره عشان استلم الأرض"
_"طب اهدى ياوليد بيه كدا، أنا بفكر على فكرة أعمل إيه تاني، وبعدين ما إحنا رافعين ضدهم قضية خطف بنتك"
عاد يصرخ بغضبٍ جامح، الشرار يتطاير من عينيه:
"ومحصلش إثبات لـ ده عشان هما خافينها، اتصرف بقى"
_"عمومًا أنا فيه قرصة ودن كدا هعملها ليهم، متقلقش، والمحامي شغال كدا كدا بيحاول يوقف المحاضر دي ولا يرشي أي حد من الحكومة يداري عليها"
كان يتحدث وهو جالسًا في سيارته قريبًا للمكان الذي به «حمزة» وسيارته المقلوبة لمقهى على الطريق السريع، وخلفه سيارتين بهما الرجال خاصته، أغلق الإتصال مع «وليد» وأتصل بأحد الرجال وهو يأمره:
"نفذ!"
وبالفعل راقب خمسة من الرجال أصحاب الأجساد القوية يتجهون ناحية «حمزة» الذي راقبهم باستغراب، وهتف بتساؤل:
"في إيه يارجالة؟"
ولم يجد سوى لكمة بوجهه جعلته يتطاير للخلف في وقفته وأمسكه واحدًا من يده يقيده بقوة والثاني أمامه بدأ يسدد له اللكمات بوجهه، والاثنين الباقيين بدأ بالتكسير بسيارته وأدواته تحت أنظاره المتألمة، حاول التملص من يديهم وهو يصرخ بوجههم والألم يجتاح كامل جسده من تلك الضربات التي يسددها له الواقف أمامه بقوة.
تركوه ينزف الدماء من وجهه وفمه، وجسده مملوءًا بالكدمات، وسيارته بأكملها مدمرة، رفع هاتفه والتقط لهم صورًا مهزوزة لإرتجاف جسده وللسيارات التي ركبوها وغادروا بسرعة البرق، كان يأن بألمٍ وأتصل بآخر رقم تحدث معه صباحًا وهو «عبدالله»، تفوه بكلمتين بنبرة خافتة متألمة:
"ألحقني ياعبدالله!"