رواية ليل يا عين الفصل الثالث 3 بقلم رضوي جاويش
٣- أمل مفقود
أصبحت بداخل بيت صخري مبني في أحضان الجبل يطل من بعد على بيوت قرية نوبية تسكن تلك الجزيرة التي قدموا إليها بالقوارب الشراعية التي كانت تنتظرهم .. أُلقي بها في قاع أحد تلك القوارب باهمال، فانكمشت وهي تتطلع لرئيسهم المدعو ليل ممدد على أحد الجوانب في حرص وعناية .. يتابعه أحدهم كل دقيقة مطمئنا على حاله حتى حملوه على نقالة إلى ذاك البيت وهي معهم بدورها لا تملك من أمر نفسها شيئا ولا يمكنها حتى الاعتراض، تضم حقيبة النقود في تشبث ولا تجرؤ إلا على الانصياع لأوامرهم حتى يقتادوهم لأختها وهذا كل ما كانت تطمع فيه .. أن ترى نجوى وتطمئن أنها بخير وليكن ما يكون بعدها ..
تكومت على نفسها بأحد الأركان داخل تلك الحجرة، تاركة لهم محاولة علاج إصابة سيدهم الأسود .. وهم تجاهلوها بدورهم وهم يتفحصون جرحه النازف..
هتف صاحبه الذي كان برفقته بالمعبد في قلق : دِه محتاچ داكتور ضروري ..لو فضل ينزف كِده هيروح فيها ..
هتف آخر كان ممن لحقوا بهم من خارج المعبد حيث كانوا ينتظرونهم بالخارج على تلك القوارب لتخليصهم من المدعو حداد :- هنچيبوا منين داكتور دلوجت يا چابر!؟.. ..
هتفت عين الحياة في تهور وبصوت متحشرج: أنا ممكن..
هتف صاحبه المدعو جابر بلهجة نوبية في ضيق ظاهر: هيلوليقا .. استغفرالله العظيم .. أنتِ السبب ف حاله دِه .. يبجى نجطينا بسكاتك ..الراچل دمه هيتصفى..
نهضت عين الحياة من موضعها، هاتفة في حزم لا تعلم من أين واتتها الشجاعة لإظهاره : أنا ممكن اساعد لأني دكتورة .. ده اللي أنا عايزة أقوله من الصبح ..
واتجهت إلى حيث يرقد ليل ممددا وقد بدأ يهزي أمرة في حزم :- لو سمحت نفذ اللي هقولك عليه وجيب اللى هطلبه بسرعة وإلا ريسكم ده ممكن فعلا هيروح فيها ومش هيطلع عليه صبح ..
هتف جابر في طاعة بعد أن علم كونها طبيبة، وقد أرسلها الله إليهم في الوقت المناسب :- جولي أنتِ عايزة إيه ولو كان لبن العصفور نچبهولك .. بس المهم يجوم منيها ..
طلبت ورقة وقلم وبدأت تخط بعض الطلبات ناولته إياها .. انتشل جابر الورقة واندفع خارجا لإحضارها على وجه السرعة، بينما طلبت من الرجل الآخر الذي كان يقف منتظرا أوامرها، لتأمر بعض من الماء الفاتر وبعض المناشف النظيفة ..
اندفع الرجل يحضر ما طلبت في عجالة ..
تطلعت إلى ذاك الممدد قبالتها بلا حول ولا قوة تتمنى أن يستفيق للحظة ليخبرها أين يأسر أختها الوحيدة، لكنه ظل يهمهم غائبا عن الوعي ..
مدت كفها حيث موضع اصابته، ومزقت جزء من جلبابه الأسود لتستطيع تفحص الإصابة بشكل أكثر وضوحا ..
وصل راشد ذاك الرجل الذي أرسلته لاحضار الماء والمناشف ليضعهم أمامها منتظرا أي تعليمات آخرى، لكنها مدت كفها لمنشفة وبللتها بالماء وبدأت في تنظيف ما حول الجرح لاستيضاح عمق الإصابة .. زاد تململه وعلت همهماته نظرا لوجعه البادي على قسمات وجهه التي تغضنت في ضيق ..
ظهر جابر لاهثا على أعتاب الحجرة التي تضمهم، هاتفا في عجالة وهو يلتقط أنفاسه :- أهاا كل اللي طلبتيه يا داكتورة ..
هتفت أمرة :- لازم نقص له جلبيته دي .. هات مقص عشان مش هاننفع نحركه ..
هتف جابر وراشد طائعين : حلاً ..
نهضت من موضعها جواره تاركة لهما المجال لقص جلبابه وكذا فك عمامته عن رأسه لتستلق على الوسادة بشكل أكثر راحة ..
كانت عين تلتزم أحد الأركان تتشاغل حتى ينتهيا، وأخيرا هتف جابر وهو يجذب الغطاء على جسده المسجي حتى خصره تاركا جزءه الأعلى عاريا: اتفضلي يا داكتورة ..
تنحنحت في اضطراب وهى ترى جسده ممددا بهذا الشكل، لكنها جلست ومدت كفها متناولة ذاك الخنجر العجيب الملتهب النصل، وبدأت في محاولة استخراج الرصاصة وتطهير الجرح ..
أمرت راشد وجابر بامساك كتفيه حتى لا ينتفض وهى تخرجها، وما أن دفعت بها خارجا في سرعة واحترافية حتى أطلق صرخة مدوية شعرت أنها زلزلت الجبل الذي يقلهما .. ضمدت الجرح بمساعدتهما ليلتف الشاش الطبي حول كتفه الأيسر وصدره ..
اعطته بعض الآدوية اللازمة من خلال الحقن، وهمست وهى تنهض متنهدة في راحة :- بإذن الله هيبقى تمام .. بس لازم يتغذي كويس عشان يعوض الدم اللي نزفه ويستعيد صحته بسرعة ..
هتف جابر مؤكدا : هوصي على أحسن أكل يخليه يجوم يرمح ..
بينما هتف راشد متسائلا :- هو هيفوج ميتا يا داكتورة !؟..
هتفت عين : ف خلال كام ساعة بإذن الله ..
همس كلاهما :- بإذن الله ..
هتف جابر ممتنا : احنا مش عارفين كنّا هنعملوا إيه من غيرك يا داكتورة .. دِه كن ربنا بعتك عشان تلحجيه ..
همست مؤكدة :- أنا برد له جميله ..لولاه لكنت أنا اللي مكانه دلوقتي أو يمكن كنت رحت فيها أصلا..
ساد الصمت وجابر يتطلع في محبة لجسد ليل الممدد، لتهمس عين في تردد :- أنا عايزة أعرف فين نجوى أختي !؟..
تطلع إليها جابر في تعجب متسائلا : نچوى أختك..!؟.. ودي هنعرفوا مكانها كيف !؟..
هتفت متوجسة : هي مش معاكم .. مش انتوا العصابة اللي خطفتها وطلبتوا فدية !؟..
هتف جابر مستعجبا : لاه محصلش .. لا إحنا بتوع خطف حريم !؟.. ولا طلبنا فدية من حد !؟.. ولا نعرفوا فينها أختك دي من أساسه !؟..
هتفت عين في صدمة : أمال هي فين !؟..
يا ترى حصل لها إيه دلوقتي !؟.. ده أنا لو مسلمتهمش الفدية ممكن يعملوا فيها حاجة ..
توقفت صامتة لبرهة، وأخيرا تحركت في تثاقل تسير مترنحة قدماها تشبه الهلام .. جلست منهارة أرضا جوار حقيبة النقود التي تطلعت إليها في وجع للحظة قبل أن تشهق باكية في قلة حيلة لا تدرك أين أختها ولا ما عليها فعله الآن وهي أسيرة بدورها لا تملك من أمرها شيئا..
لم يعقب جابر بحرف، وإنما همهم ببعض الكلمات التي لم تهتم لسماعها تاركا إياها موضعها ملقيا عليها نظرة مشفقة قبل أن يغادر الحجرة ..
ساد صمت قاتل إلا من همهمات المصاب المسجي هناك على الجانب الآخر من الغرفة .. وفجأة تذكرت أمرا .. أين هاتفها !؟..
تساءلت في نفسها وهي تبحث عنه بين طيات ثيابها تارة، وداخل الحقيبة تارة آخرى .. كانت متلهفة جدا لايجاده لعلها تستطيع الوصول لأختها أو حتى يمكن لأختها الاتصال من جديد عندما أخلفت الميعاد المتفق، فربما يحدد أفراد العصابة ميعاد آخر .. لكن كيف لها الذهاب وهي الأخرى مختطفة مع قوم لا تعلم شيئا عنهم إلا انهم إحدى عصابات التهريب!؟...
فقدت الأمل في إيجاد الهاتف، فتيقنت أنه سقط منها أثناء الصراع الذي دار بالمعبد .. وفقدت الأمل معه كذلك في استطاعتها الوصول لأختها .. ما دفعها لتنكمش على نفسها متخذة الحقيبة كوسادة وضعت عليها رأسها واستمرت في البكاء والنحيب حتى غلبها النعاس ..
*****************
يتبع..
أصبحت بداخل بيت صخري مبني في أحضان الجبل يطل من بعد على بيوت قرية نوبية تسكن تلك الجزيرة التي قدموا إليها بالقوارب الشراعية التي كانت تنتظرهم .. أُلقي بها في قاع أحد تلك القوارب باهمال، فانكمشت وهي تتطلع لرئيسهم المدعو ليل ممدد على أحد الجوانب في حرص وعناية .. يتابعه أحدهم كل دقيقة مطمئنا على حاله حتى حملوه على نقالة إلى ذاك البيت وهي معهم بدورها لا تملك من أمر نفسها شيئا ولا يمكنها حتى الاعتراض، تضم حقيبة النقود في تشبث ولا تجرؤ إلا على الانصياع لأوامرهم حتى يقتادوهم لأختها وهذا كل ما كانت تطمع فيه .. أن ترى نجوى وتطمئن أنها بخير وليكن ما يكون بعدها ..
تكومت على نفسها بأحد الأركان داخل تلك الحجرة، تاركة لهم محاولة علاج إصابة سيدهم الأسود .. وهم تجاهلوها بدورهم وهم يتفحصون جرحه النازف..
هتف صاحبه الذي كان برفقته بالمعبد في قلق : دِه محتاچ داكتور ضروري ..لو فضل ينزف كِده هيروح فيها ..
هتف آخر كان ممن لحقوا بهم من خارج المعبد حيث كانوا ينتظرونهم بالخارج على تلك القوارب لتخليصهم من المدعو حداد :- هنچيبوا منين داكتور دلوجت يا چابر!؟.. ..
هتفت عين الحياة في تهور وبصوت متحشرج: أنا ممكن..
هتف صاحبه المدعو جابر بلهجة نوبية في ضيق ظاهر: هيلوليقا .. استغفرالله العظيم .. أنتِ السبب ف حاله دِه .. يبجى نجطينا بسكاتك ..الراچل دمه هيتصفى..
نهضت عين الحياة من موضعها، هاتفة في حزم لا تعلم من أين واتتها الشجاعة لإظهاره : أنا ممكن اساعد لأني دكتورة .. ده اللي أنا عايزة أقوله من الصبح ..
واتجهت إلى حيث يرقد ليل ممددا وقد بدأ يهزي أمرة في حزم :- لو سمحت نفذ اللي هقولك عليه وجيب اللى هطلبه بسرعة وإلا ريسكم ده ممكن فعلا هيروح فيها ومش هيطلع عليه صبح ..
هتف جابر في طاعة بعد أن علم كونها طبيبة، وقد أرسلها الله إليهم في الوقت المناسب :- جولي أنتِ عايزة إيه ولو كان لبن العصفور نچبهولك .. بس المهم يجوم منيها ..
طلبت ورقة وقلم وبدأت تخط بعض الطلبات ناولته إياها .. انتشل جابر الورقة واندفع خارجا لإحضارها على وجه السرعة، بينما طلبت من الرجل الآخر الذي كان يقف منتظرا أوامرها، لتأمر بعض من الماء الفاتر وبعض المناشف النظيفة ..
اندفع الرجل يحضر ما طلبت في عجالة ..
تطلعت إلى ذاك الممدد قبالتها بلا حول ولا قوة تتمنى أن يستفيق للحظة ليخبرها أين يأسر أختها الوحيدة، لكنه ظل يهمهم غائبا عن الوعي ..
مدت كفها حيث موضع اصابته، ومزقت جزء من جلبابه الأسود لتستطيع تفحص الإصابة بشكل أكثر وضوحا ..
وصل راشد ذاك الرجل الذي أرسلته لاحضار الماء والمناشف ليضعهم أمامها منتظرا أي تعليمات آخرى، لكنها مدت كفها لمنشفة وبللتها بالماء وبدأت في تنظيف ما حول الجرح لاستيضاح عمق الإصابة .. زاد تململه وعلت همهماته نظرا لوجعه البادي على قسمات وجهه التي تغضنت في ضيق ..
ظهر جابر لاهثا على أعتاب الحجرة التي تضمهم، هاتفا في عجالة وهو يلتقط أنفاسه :- أهاا كل اللي طلبتيه يا داكتورة ..
هتفت أمرة :- لازم نقص له جلبيته دي .. هات مقص عشان مش هاننفع نحركه ..
هتف جابر وراشد طائعين : حلاً ..
نهضت من موضعها جواره تاركة لهما المجال لقص جلبابه وكذا فك عمامته عن رأسه لتستلق على الوسادة بشكل أكثر راحة ..
كانت عين تلتزم أحد الأركان تتشاغل حتى ينتهيا، وأخيرا هتف جابر وهو يجذب الغطاء على جسده المسجي حتى خصره تاركا جزءه الأعلى عاريا: اتفضلي يا داكتورة ..
تنحنحت في اضطراب وهى ترى جسده ممددا بهذا الشكل، لكنها جلست ومدت كفها متناولة ذاك الخنجر العجيب الملتهب النصل، وبدأت في محاولة استخراج الرصاصة وتطهير الجرح ..
أمرت راشد وجابر بامساك كتفيه حتى لا ينتفض وهى تخرجها، وما أن دفعت بها خارجا في سرعة واحترافية حتى أطلق صرخة مدوية شعرت أنها زلزلت الجبل الذي يقلهما .. ضمدت الجرح بمساعدتهما ليلتف الشاش الطبي حول كتفه الأيسر وصدره ..
اعطته بعض الآدوية اللازمة من خلال الحقن، وهمست وهى تنهض متنهدة في راحة :- بإذن الله هيبقى تمام .. بس لازم يتغذي كويس عشان يعوض الدم اللي نزفه ويستعيد صحته بسرعة ..
هتف جابر مؤكدا : هوصي على أحسن أكل يخليه يجوم يرمح ..
بينما هتف راشد متسائلا :- هو هيفوج ميتا يا داكتورة !؟..
هتفت عين : ف خلال كام ساعة بإذن الله ..
همس كلاهما :- بإذن الله ..
هتف جابر ممتنا : احنا مش عارفين كنّا هنعملوا إيه من غيرك يا داكتورة .. دِه كن ربنا بعتك عشان تلحجيه ..
همست مؤكدة :- أنا برد له جميله ..لولاه لكنت أنا اللي مكانه دلوقتي أو يمكن كنت رحت فيها أصلا..
ساد الصمت وجابر يتطلع في محبة لجسد ليل الممدد، لتهمس عين في تردد :- أنا عايزة أعرف فين نجوى أختي !؟..
تطلع إليها جابر في تعجب متسائلا : نچوى أختك..!؟.. ودي هنعرفوا مكانها كيف !؟..
هتفت متوجسة : هي مش معاكم .. مش انتوا العصابة اللي خطفتها وطلبتوا فدية !؟..
هتف جابر مستعجبا : لاه محصلش .. لا إحنا بتوع خطف حريم !؟.. ولا طلبنا فدية من حد !؟.. ولا نعرفوا فينها أختك دي من أساسه !؟..
هتفت عين في صدمة : أمال هي فين !؟..
يا ترى حصل لها إيه دلوقتي !؟.. ده أنا لو مسلمتهمش الفدية ممكن يعملوا فيها حاجة ..
توقفت صامتة لبرهة، وأخيرا تحركت في تثاقل تسير مترنحة قدماها تشبه الهلام .. جلست منهارة أرضا جوار حقيبة النقود التي تطلعت إليها في وجع للحظة قبل أن تشهق باكية في قلة حيلة لا تدرك أين أختها ولا ما عليها فعله الآن وهي أسيرة بدورها لا تملك من أمرها شيئا..
لم يعقب جابر بحرف، وإنما همهم ببعض الكلمات التي لم تهتم لسماعها تاركا إياها موضعها ملقيا عليها نظرة مشفقة قبل أن يغادر الحجرة ..
ساد صمت قاتل إلا من همهمات المصاب المسجي هناك على الجانب الآخر من الغرفة .. وفجأة تذكرت أمرا .. أين هاتفها !؟..
تساءلت في نفسها وهي تبحث عنه بين طيات ثيابها تارة، وداخل الحقيبة تارة آخرى .. كانت متلهفة جدا لايجاده لعلها تستطيع الوصول لأختها أو حتى يمكن لأختها الاتصال من جديد عندما أخلفت الميعاد المتفق، فربما يحدد أفراد العصابة ميعاد آخر .. لكن كيف لها الذهاب وهي الأخرى مختطفة مع قوم لا تعلم شيئا عنهم إلا انهم إحدى عصابات التهريب!؟...
فقدت الأمل في إيجاد الهاتف، فتيقنت أنه سقط منها أثناء الصراع الذي دار بالمعبد .. وفقدت الأمل معه كذلك في استطاعتها الوصول لأختها .. ما دفعها لتنكمش على نفسها متخذة الحقيبة كوسادة وضعت عليها رأسها واستمرت في البكاء والنحيب حتى غلبها النعاس ..
*****************
يتبع..