رواية المتاهة القاتلة الفصل الثالث 3 بقلم حليمة عدادي
هياكل عظمية متناثرةٌ في كل مكان، الرائحة لا تطاق، دماءٌ على الجدران ومكتوب عليها بالدم، حاولوا قراءتها، اقترب “رام” من الحائط وقرأ بصوتٍ هامس (الموت، لعنة، دم).
نظرت “ماريا” إلى تلك الكلمات، وابتلعت لعابها بصعوبة، علمت أنهم الآن بين أحضان الموت، لا مفر لهم من هنا، نطقت بذعرٍ وصعوبة:
احنا بخطر.
استداروا بسرعةٍ عندما سمعوا صوتَ إغلاق الباب بقوة، وأصوات تستنجد وصوتَ صراخ، أصبح المكان شديد الظلمة، أصواتٌ تقشعر لها الأبدان، وضعوا أصابعهم في آذانهم كي لا يسمعوا شيئًا، ولكن دون جدوى، كأن الأصوات تخترق آذانهم، اقتربوا من بعضهم بذعر، شعروا بحرارة المكان من حولهم، صرخت “ماريا” بفزع عندما شعرت بيدٍ على كتفها:
لا، لا، أرجوكم خرجونا من هنا نايا، إليف، انتوا فين.
“رام”:
اهدوا.. “ماريا”، أنتِ خليكِ جنب أخواتك، جان ودينيز، اسمعوني، احنا هنخرج من هنا، امسكوا إيدين بعض.
أمسكوا أيدي بعضهم ليستمدوا القوةَ من بعضهم، لكن عندما تحركوا، سمعوا صرخة خرجت من حلق “ماريا”، واختفى صوتها مرةً واحدة، وقفوا بذعرٍ ينادون باسمها، تحدث “رام” عندما أيقن أن هناك أمرًا غير طبيعي:
ماريا، أنتِ كويسة، حصل إيه؟!
لم يجد منها ردًا، ظنوا أنها خائفة ولا تستطيع التكلم، تحدث “رام” مرةً أخرى يسأل أختيها:
إليف، نايا، ماريا لسه ماسكة إيديكم؟
هتفت “نايا” بصوتها المخنوق من الدموع، خرج منها الكلام بصعوبة:
ماريا سابت ايدي مرة واحدة، ومعرفش…
حاولت “دينيز” أن تهدئها، هي أيضًا كانت ترتجف من الخوف، تحدثت بصوتٍ ظاهر عليه الخوف، تحاول أن تطمئنها رغم أنها تشعر بالذعر من هذه الأصوات:
متخافيش يا نايا، ماريا هتكون بخير.
وقبل أن تكمل كلامها… شعرت بشيءٍ يسحبها من قدميها، صرخت بهلعٍ ووقعت على الأرض، وظلت تصرخ وتبكي في آنٍ واحد، تحرك “جان” ناحية صوتها بسرعةٍ وتحدث بقلق:
دينيز، أنتِ كويسة؟ حصل إيه؟ ردي عليَّ.
وقفت “دينيز” بصعوبة بجسدٍ يرتعش، وجبينٍ يتصبب عرقًا، شعرت أن الكلام وقف في حلقها ولم تعد تقدر على الصمود أكثر، فانفجرت في بكاءٍ مرير.
تحدث “رام” بعصبيةٍ لم تعد أعصابه تتحمل:
دينيز، اتكلمي، حصل إيه؟ بتعيطي ليه؟
تحدثت “دينيز” من وسط شهقاتها بصوتٍ مرتجف:
حسيت بحاجة بتسحبني من رجلي، ووقعت على الأرض، في حاجة بتحصل، خلونا نخرج من هنا.
حل الصمت في المكان، هدوءٌ رهيب.. فقط دقات القلوب تخفق من الهلع، أصواتٌ مرعبة هبّت، فجأة أنار ضوء أبيض المكان كله، نظروا إلى بعضهم، ثم نظروا إلى المكان حولهم، المكان أصبح متغيرًا، لم يكن هذا هو المكان الذي دخلوا إليه، كان أبيضَ ناصعًا، اهتز المكان بقوةٍ وتشققت الأرض تحت أقدامهم، فزعوا وعلا صراخهم بذعر مما يحدث، كان “رام” يحاول تهدئتهم رغم خوفه الشديد:
اهدوا متخافوش، خليكوا جنب بعض.
زاد بكاء “إليف، ونايا” عندما تذكرتا “ماريا”، لم يعد لها وجود!
نظر “رام” حوله، بدأ يظهر في المكان أكثر من باب، فتحدث بحزمٍ قائلًا:
امسكوا بإيدين بعضكم، هنخرج من الباب اللي قدامنا دا ونحاول إننا نلاقي ماريا.
تحرك “رام” وهم خلفه، لم تعد لهم طاقة للركض أو السير، بلغ الجوع والعطش بهم مبلغهما، خرجوا من الباب الذي كان أمامهم مباشرةً بحرصٍ شديد، وجدوا أمامهم ممرًا مظلمًا، شعروا بالخوف، ترددوا.. ولكن ليس أمامهم سبيل غيره، دخلوا وأكملوا السير في الممر، أوقفتهم هزة في المكان، أدركوا أنهم حقًا غدوا على حافة الموت ولا نجاة لهم، صوتٌ قوي أتى من خلفهم، وقفوا بفزع.. في كل مرة يحاولون الصراخ يأبى صوتهم الخروج.
تحدث “رام” بصوتٍ مرتجف:
انت مين، وعايز مننا إيه؟!
صوتٌ قويٌ شق الصمت، ونزلت خطوطٌ من الدماء في كل مكان، ومما زاد فزعهم وذعرهم سقوط “ماريا” من الأعلى وثيابها مليئة بالدماء:
اخرجوا من هنا.
صرخ بصوتٍ هز الأرجاء، وانفتحت عدة أبواب:
اخرجوووا.
حملوا “ماريا” وركضوا إلى الخارج، ولكن هبَّت رياحٌ قوية، حتى شعروا بأنفسهم مرفوعين من على الأرض إلى الهواء، لم يعرفوا أين هم من شدة ذهولهم ورعبهم مما يحصل لهم، لم يقدروا حتى على الحركة إلا عندما سقطوا أرضًا بقوة، وصار جسد كل واحدٍ منهم كأنه ميت دون أن يشعر أي منهم بشيء.
بعد مدة من الزمن، فتح “رام” عينيه على ضوء النهار، كان يحاول أن يتذكر ما حدث لهم في الليلة الماضية، وعندما تذكر ما حصل لهم قفز من مكانه بذعر، نظر إلى أصدقائه كانوا نائمين على الأرض، شعر بالقلق، تحدث بصوتٍ هامس كي لا يفزعهم:
جان، دينيز، ماريا.
فتحوا أعينهم ونظروا إلى المكان باستغراب، الأشجار تحاوطهم من كل مكان، خرير شلال مياه يلفت انتباههم، جعلهم يتساءلون كيف وصلوا إلى هنا بعد تلك الليلة المرعبة!
تحدث “جان” وهو ما زال لم يصدق ما يحدث:
رام، إيه اللي حصل بعد ما خرجنا من القصر؟
رد عليه “رام” وفي رأسه يدور السؤال نفسه:
مش عارف.
نظر إلى “ماريا” التي كانت تنظر أمامها بشرود، كأنها جسدٌ بلا روح، أشفق على حالها، تحدث متسائلًا:
ماريا، أنتِ كويسة، إيه اللي حصل بعد ما اختفيتِ من وسطنا؟
نظرت إليه “ماريا” مطولًا وارتجفت أوصالها عندما تذكرت ما رأت، تلك الهياكل العظمية، تلك النيران المشتعلة، ما لم تقدر على نسيانه هو ذلك الشخص، الذي لم يظهر منه سوى عينيه اللتين من نار كأنه جحيم مشتعل، أولئك الأشخاص الذين لديهم أعينٌ بيضاء ينزل منها سيلُ دمٍ أسود، وأفواههم ينبعث منها دخانٌ أسود، كل هذا قصَّته عليهم وهي ترتجف مما رأته.
أكملت “ماريا” وهي تنظر أمامها، وكأن روحها سُلبت منها:
مش عارفة الشجاعة جاتلي منين وقدرت أطلع صوتي، وبدأت أقرأ قرآن، فجأة المكان اهتز بقوة، وصوت الصرخات عِلي، وسمعت صوت قوي بيقول خرّجهم، بعدها معرفتش أي حصل لي.
وقف “رام”، شعر بالاختناق، في عقله ألف سؤال يفكر، علم أنهم في متاهةٍ خطيرة، وحياتهم معرضة للخطر في أي لحظة، ويجب أن يجدوا مخرجًا، نظر إليهم وتحدث بشرود:
المكان اللي احنا فيه خطير جدًا.
وقفت “ماريا” وهي ترتجف، قدماها لم تعد تحملانها، قلبها يخفق بقوة، لم تصدق كل ما رأته، ساعدتها “دينيز” وأختاها على السير.. تحركوا بحذرٍ، علموا أن المكان ليس سهلًا، كانوا يسمعون أصواتًا غريبة ومرعبة، وقفوا ليعلموا ما الأمر، لكن قبل أن يستوعبوا ما يحدث، وجدوا أنفسهم محاصرين من قِبَل أشخاص غريبي الأشكال، أجسادهم مليئة بالشعر، أسنانهم حادة وأظافرهم طويلة، يصرخون بأصواتٍ غريبة دون توقف.
نظر “رام” إليهم لعله يجد مخرجًا، لكن بدأ عددهم يزداد، فعلم أن هذه الأصوات هي نداؤهم بعضهم، وأنه لا مفر لهم من هذه الكائنات الغريبة.
يتبع….