رواية المتاهة القاتلة الفصل الرابع 4 بقلم حليمة عدادي
فكَّر “رام” جيدًا، ثم نظر إلى “جان” وتحدث سريعًا:
جان، أنا هجري من ناحية، وانت اجري من ناحية تانية علشان نشتتهم ونفرقهم، وبكدا البنات يقدروا يهربوا.
شعر “جان” بالخطر فعددهم كبير، تحدث بأمل:
أتمنى إن خطتك تنجح، ماريا، دينيز، بعد ما نجري انتوا اجروا ومتبصوش وراكم.
كادت “دينيز” تتكلم، لكن الكلام وقف في حلقها حينما رأت أحدهم يطلق السهم باتجاه “جان”، بكل قوتها دفعته، فاستقر السهم في كتفها، خرجت منها شهقةٌ عالية حين وقعت أرضًا، التفوا حولها بهلع، هوى قلبه حين سقطت بين يديه وشعر بغصةٍ في قلبه، فهي كل حياته، إن حدث لها شيء فلا حياة له من دونها، اجتمعوا حولهم ولم ينتبهوا إلى هؤلاء الكائنات، حتى قيَّدوهم بالسلاسل وهم يصرخون بكلمةٍ واحدة:
دم، دم، دم.
حاولوا المقاومة ولكن خوفهم على “دينيز” شلّ حركتهم، قادوهم وهم لا قوة لهم للمقاومة، “دينيز” كتفها كانت تنزف والتعب ظاهر عليها، لكنها تحاملت على نفسها.
نظر إليها “جان” بحزنٍ على حالتها وتحدث:
دينيز، أنتِ كويسة استحملي، أنتِ قوية.
أما “ماريا”، فلم تعد قادرة على التحمل من كمية الصدمات التي تعرضوا لها، ما زالت لم تصدق، وتفكر أنه حلم وسوف تستيقظ منه، هي هربت من الخطر وأتت إلى خطرٍ أكبر منه، تحدثت قائلة:
أنا حاسة إني في حلم مش قادرة أفوق منه.
فكَّر “جان” كي يجد حلًا عندما رأى كتف “دينيز” بدأت تنزف، وحالتها تسوء بعد كل دقيقة، وكلما تألمت شعر بتمزق قلبه ينزف دماء، فهي النفس الذي يتنفس، إن أصيبت بشيءٍ فسيتألم أضعاف ألمها، انتشله من حزنه صوت “رام” قائلًا وهو يهمس بتساؤل:
الخنجر لسه معاك، ممكن نقدر نفك السلاسل، لكن خلي بالك حد منهم ياخد باله.
شعرت “دينيز” بتعب، كانت تشعر بدوران بسبب النزيف، ولم تعد تقدر على السير، فكلما تحركت زاد ألمها وأنين صوتها المتألم.. نظر إليها ذلك العاشق، فقلبه لم يعد يتحمل أن يراها تتألم، كلما تألمت يعتصر قلبه، يكاد يخرج من مكانه، يقسم إنه أصبح لا يتحمل أكثر، سحب الخنجر من خصره دون أن ينتبه أحد، وبكل إصرار وعزيمة بدأ يحاول فك السلاسل بكل قوة حتى وصلوا بهم.
وقفوا أمام كهفٍ كبيرٍ يوجد أمامه سهامٌ وأقواس، تنبعث منه رائحةٌ كريهة، نظروا أمامهم، وهنا ألجمتهم الصدمة، كادت أعينهم تخرج من محجرها، لم يصدقوا ما تراه أعينهم، يأكلون لحم البشر، يقطعون جسد إنسان وكل واحد منهم يأكل من طرف بلا رحمة، أفواههم كانت مملوءة بالدماء، منظر مقزز.
عندما رأوهم تركوا الجثة التي أمامهم وركضوا إليهم، انكمشت الفتيات بهلعٍ ورعب، لم تتحمل إليف المنظر وسقطت فاقدة الوعي، انتبهت “ماريا” لسقوط أختها، جلست بجانبها ولم تقدر على الحديث، فقط الدموع تنهمر من عينيها تحرق وجنتيها، نبضات قلبها مسموعة مثل طبول الحرب.
صرخ أحدهم – يبدو أنه زعيمهم – وقطرات الدماء تخرج من فمه:
اليوم صيدنا وفير، الليلة هنحتفل، اختاروا مين اللي هيكون طعامنا الليلة.
أكملوا كلامهم وعادوا إلى تلك الجثة التي قُطِّعت إربًا، ارتعدت أوصالهم وكل واحدٍ منهم يقول في نفسِه هذه نهايتي، احتضنت “ماريا” أختها، وحاولت إفاقة الأخرى.
ارتعب “جان” من فكرة أن يأخذوا واحدًا منهم، ويفعلوا به كما فعلوا في تلك الجثث التي أمامهم، حاول جاهدًا أن يفك السلاسل بقلبٍ مرتجف.
تعالت ضحكاتهم حتى ظهرت أنيابهم الملطخة بالدماء المقرفة، فتحدث “رام” والخوف يظهر في وجهه:
لازم نهرب قبل الليل، وإلا هيكون واحد منا وليمة ليهم.
“جان”:
أنا هفك السلاسل بتاعتي، وهفك اتنين من البنات، ممكن الوقت ميكفيش.
تحدث “رام” بعصبية:
دا مش وقت كلام، فك دينيز وإليف واهربوا من هنا.
بدأ “جان” يحاول فك السلاسل، أما البنات فلم تعد لديهن قوة بسبب الجوع والعطش وقلة النوم، وأكثر شيء الذعر الذي كان يسيطر على الجميع.
بعد مدة استطاع “جان” فك السلاسل من يده، وفك “دينيز” بصعوبة، كان الوقت كافيًا فبدأ يفك الباقي، حتى انتهى من فك جميع السلاسل، وطلب منهم الركض بسرعة قبل مجيء هؤلاء آكلي لحوم البشر.
شعر “جان” بأحدٍ ما خلفه، استدار ببطء.. وجد واحدًا منهم يقف أمامه وأنيابه ظاهرة ودماءٌ تنزل منها.
يتبع….