رواية شعيب ولتين الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم شيماء عصمت
انتفضت برعب تطالعه بعيون متسعة فارتبكت نظراته من مظهرها وارتعش قلبه تعاطفاً معها ودون إرادة منه إندفع يحتضنها بتملك وحماية يهمس في أذنيها: بغير ونار بتكويني لما شفايفك تنطق اسمه .. بموت لما عينه تقع عليكِ .. بتعذب لما بحس إنه شاغل بالك .. وجعتيني يا لتيـن وجعتيني وخذلتيني لما روحتيله طول الليل والنوم مخاصمني وعقلي مش بيبطّل تفكير .. ياترى قالّك إيه؟ جرحك بكلامه؟ طب بصلك؟ شاف عيونك اللي بيحيوني؟ إزاي يشوفهم وأنا اتحرمت منهم يوم بحاله!! دة عدل؟ إزاي يسمع صوتك وأنا بين أربع حيطان عايز أهدهم وأجيلك وأشبع من صوتك اللي بيشفيني! إزاي تكوني قصاده وأنا بعيد عنك إزاي تسيبيني هنا وتروحيله هو؟ إزاي توجعيني كدة! إزاي يا مالكة القلب والوجدان
إنفجرت باكية واحتضنته بشدّة قائلة بإعتذار: أنا آسفة ..آسفة والله أنا كنت خايفة عليك أنا بكرهه يا شعـيب بكرهه أكتر من أي حاجة في الدنيا.... إني أشوفه دة عذاب بالنسبالي بس عشانك أي عذاب يهون
تأوه بإنتشاء ودفن وجهه في عنقها الطري يستنشق رائحتها المميزة بإفتتان قائلاً: إزاي ريحتك حلوة وغريبة أوي كدة؟ .. خليط بين النعناع والفانيليا وريحة كمان مش عارف أحددها بس حقيقي أنا بعشقها
ضحكت بخجل قائلة: عادي يعني إسبراي بالنعناع لشعري ومخمرية بالفانيليا وبس كدة
أجابها بإعتراض محبب: لا في حاجة تالتة وهي اللي مميزاهم تقريبا عشان عليكِ أنتِ مش على حد تاني
همست بخجل: شعـيب
أجابها على الفور: عيونه
هتفت لتيـن بوجنتين تشتعلان خجلاً: أنت قاصد تكسفني
أبعد وجهه عن عنقها ونظر في وجهها البهي وتلك الحمرة التي اكتست وجنتيها لتزيدها جمالاً فوق جمالها قائلًا بهيام: أنا بحبك يا لتيـن بحبك من قبل ما أعرف يعني إيه حب
إنتفضت تبتعد عنه ترمقه بعدم تصديق تهز رأسها بإعتراض وكأنها تكذب أذنيها لما سمعته أما الأخير فقال بثبات وعينيه تحاصرها: أيوة بحبك ومن زمان أوي من وقت ما كنت بشدك من ضفايرك
همست بتلجلج: مش حقيقي أنتَ .. أنتَ بتحب زهرة
أومأ موافقاً واقترب منها فإبتعدت عدة خطوات للخلف فقال مؤيداً: ولسة بحبها وعمري ما هنساها لأنها بنت عمتي وكانت مراتي وأم بناتي كانت هدية ربنا ليا وأنا حافظت عليها لحد ما استرد أمانته (وأكمل بنبرة تقطر ألمًا وعشقاً) لكن أنتِ إحساسي بيكِ مختلف .. إحساس أتولد جوايا من غير إرادة مني ، لقيتك بتحتليني من غير مجهود، بتسكني قلبي قبل عقلي ، أنا .. أنا كنت عايز أتجوزك أنتِ متخيلتش واحدة تكون مراتي وحبيبتي غيرك بس محدش وقف جانبي وأولهم جدي (صمت قليلًا ثم وضع كفه على وجهه قائلاً بشرود) أول لما قولتله عايز أتجوز لتيـن رده ليا كان عبارة عن قلم .. قلم نزل على قلبي وكبريائي قبل ما ينزل على وشي .. قلم نهى أي حلم حلمته يجمعني بيكي
شهقت لتيـن ببكاء تضع يديها على قلبها مصدر آلامها قائلة بعذاب: أنا آسفة .. أنا مش مصدقـ
قاطعها بـإبتسامة حنونة ليس لها نظير: مفيش داعي تتأسفي أنا عارف إنك ما حبيتينيش ودة شيء في الحقيقة مش بلومك عليه لأن الحب مش بإيدينا أنا صحيح ما اخترتش أحبك بس اختارت أعيش وأكمل حياتي معاكي ، إختارتك يا لتيـن والحقيقة أن جدي ما أجبرنيش أني أتجوزك لأني ببساطة مش صغير لا سنناً ولا مكانة ، عشان إنسان مهما كانت مكانته بالنسبالي يجبرني على حاجة ، أنا كنت أناني فكرت في نفسي حبيت أحقق حلم حلمت بيه زمان هو إنك تكوني مكتوبة على اسمي ، آه حبيت أحميكِ وآه كنت خايف عليكِ بس اخترت لأول مرة أكون أناني .. أناني عشان نفسي .. أناني عشان بحبك يا لتيـن
انهارت لتيـن باكية ، تبكي لوعته ومرارة صوته ، تبكي عمرها الضائع ، تبكي عشقه وحبها ، تبكي بكاء مزّق نياط قلبه قبل قلبها
ولكن كالعادة كان حضنه موجوداً .. حصناً وأمانًا وسنداً لها مهما كان ..
عانقها بحماية وعشق أضناه قائلًا بهمس: أنا بحكيلك علشان تعرفي مكانتك عندي علشان تراعي إحساسي بيكي .. علشان متأذنيش فـآذي نفسي فيكي
ربااااه شعيب لم ولن يتوقف عن إبهارها وسلب أنفاسها بكلماته .. هل من الممكن أن يكون عاشقاً لها منذ البداية؟!! كيف!! عقلها غير قادر على إستيعاب إعترافه الذي حطم كل حصونها وسلب أغوارها
ترى أيقول الصدق؟!! إذاً فلماذا فعلت تلك السيدة المسماة....
قاطع شرودها صوت شعيب الرخيم: اللي واخد عقلك
أجابته بـإبتسامة: يتهنى بيه (صمتت لعدة ثواني قبل أن تقول برجاء) شعـيب ممكن أبات الليلة دي مع البنات
على الفور تجهمت ملامحه برفض قاطع ولكنه تنفس بعمق مفكراً بها ، يجب أن يترك لها مساحة تتنفس بها .. تستوعب كلماته جيداً وتتيقن من عشقه لها .. فأجابها بهدوء: اللي تحبيه أعمليه
وكم تمنت لو فعلت ما تحب .. تمنت لو تنعمت بصدره المنيع مصدر أمانها ولكنها تحتاج للبعد والتفكير ، تحتاج أن تنفس عن مشاعرها المكبوتة المتضاربة وترتبها ، يجب أن تتزن أولاً قبل أن تبوح له بمشاعرها اتجاهه..!
××××××××××××
هتف مازن بضيق: ممكن أعرف أنتِ مش بتردي عليا ليه؟
وصله صوتها عبر الهاتف تقول ببرود:مسمعتش
هدر مازن بعضب: كدابـــة
هتفت تقى بصدمة: مـازن!!!!
نفخ بضيق قائلاً: أنتِ قاصدة مترديش ياتقى ممكن أعرف السبب بدون لف ودوران؟
هتفت بكمد: لأني مش عايزة أرد يا مـازن ، مش عايزة أتخانق معاك
عقد حاجبيه بإستهجان قائلًا: تتخانقي معايا ليه؟ هو أنا عملتلك حاجة يابنتي؟!
انفجرت به قائلة بإتهام: المشكلة أنك معملتش، تقدر تقولي كنت فين اليومين اللي فاتوا؟ أوك عارفة أن عمـاد تعبان وأنت معاه بس أنا كنت محتاجاك يا مـازن محتاجة أحس بدعمك محتاجاك جانبي تطمني ولو بمجرد وجودك مش أكتر
هتف مبرراً: لا اله إلا الله مش أول ما قولتيلي أن شعـيب في مشكلة سبت كل حاجة ورحت اطمنت عليه؟ ولما أتاكدت إنه كله تمام رجعت على المستشفى من تاني! وأنتِ عارفة أن عماد مش عايز أي حد يكون معاه غيري (ثم أكمل بتعب) أنا كل حاجة متلغبطة معايا الفترة دي نومي مش متظبط شغلي ومشاكله اللي سايبها المفروض تكوني مقدرة اللي بمر بيه!!!
همست مذهولة: وأنا مش مقدرة اللي بتمر بيه يا مـازن؟!! أنا طول الفترة اللي فاتت وأنا فاهمة ومقدرة اللي أنت فيه وعلى قد ما أقدر كنت واقفة معاك ، بدعمك حتى لو بمكالمة تليفون بس أنا لما أحتاجتك حتى المكالمة أستخسرتها فيا!!
هدر مـازن غاضباً: أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟ عايزة مقابل لدعمك ليا؟!!!!
هتفت تقى بالمقابل بعصبية أشد: أنا مش عايزة منك أي حاجة حتى دبلتك اللي عندي مش عايزاها أبقى تعالى خدها ولا أقولك هبقى أبعتهالك ما أنت يا حرام مش فاضي
ثم أنهت المكالمة وأزاحت هاتفها بعيدا عنها قبل أن تشهق ببكاء عنيف
أما على الطرف الأخر رمق مـازن الهاتف بصدمة قبل أن ينظر لعماد المتابع للمكالمة منذ البداية
هتف عماد بسخرية: دبش بيتكلم؟ أنا أول مرة أشوف دبش بيتكلم!!!
أجابة مـازن بغيظ: بالله عليك أسكت مش ناقصة خفة دمك
ثم دفن رأسه بين كفيه يتنهد بتعب ، هو مرهق للغاية وغالباً لم يستوعب معظم حديثها فهو لم ينم منذ ليلتين انتبه لعماد الذي قال: هشوف هتصالحها أزاي! ما تسيبهاش زعلانة منك
أجابه مـازن بحنق: شوف مين بيتكلم؟!!
هتف عمـاد بمرارة: ماهو عشان كدة بنصحك روحلها وأتكلم معاها وإسمعها .. إسمعها بجد مش تقضية واجب ، اسمع وافهم وقدّر .. ما تبقاش غبي زي أخوك
هتف مـازن بإشفاق وهو يرى ملامح شقيقه تتلون بالألم والندم: عمـاد أنا مقصدش حاجة
قاطعه عماد بهدوء: عارف يا مـازن وإن شاء الله من بكرة هنرجع للبيت كفاية قاعدة في المستشفى (وأكمل بهمس لم يصل للأخير): كفاية هروب من المواجهة
×××××××××××
بعد مرور عدة ساعات
هتفت صباح بتساؤل: ناوي على إيه يا مهران؟
أجابها بتخبّط: مش عارف يا صباح أديكي شوفتي مـازن لسة مبلغني قبل ما يطلع لعمه سالم إن عمـاد هيطلع بكرة من المستشفى وحقيقي أنا مش عارف أعمل إيه؟!! أقعدّه فين؟ خايف يحصل مشاكل بينه وبين شعـيب وبرضو مقدرش أتخلى عن عمـاد وأبعده عننا خصوصاً في الظروف اللي هو فيها
هتفت صباح بتفكير: ماهو برضو هيكون لوحده ، هو أنا صحيح مش عارفة ليه صمم يقعد في آخر شقة في البرج مش في شقة أبوه تحس وكأنه بيبعد عننا
هز رأسه موافقاً: هو فعلاً بيبعد عن الكل ودة مطمنّي عليه وشكل الوقعة اللي وقعها فوّقته
هتفت صباح: يبقى كدة المشكلة اتحلّت عماد هيبقى بعيد عن شعـيب وأكيد شعـيب مش هيطلعله يعني
مهران: عارف ، بس الوضع كله مش مريح وخصوصاً لـلتيـن
صباح: خليها على الله يا مهران إن شاء الله كل حاجة هتتعدل
همس بتضرّع: يااا رب
××××××××××××
كان سـالم يقبض على تلابيبه وكأنه أحد اللصوص فهتف مـازن بإعتراض: ياعمي والله ما ينفع كدة إيه المسكة اللي تقلّ القيمة دي؟!!!
هدر سـالم بغضب: وأنتَ لسة شوفت حاجة يا ابن توفيق؟ وحياة أبوك لأعرفك إن الله حق، بقى يادكتور نص كم أنت بنتي تعيط بسببك؟ أنتَ مين أنتَ يالا؟ أنطق يا بني آدم براس عجل
قال مـازن برجاء: يا عمي يا حاجّ الله يخليك سيبني تقى دلوقتي تطلع وشكلي هيبقى وحش قدامها!!
هدر سالم بسخرية: تقى مين اللي تطلع؟ تقى بنتي!! وحياة ربنا ما أنتَ شايف ظافرها يلا ياض من هنا
ثم أزاحه بعنف فكاد مـازن أن يسقط ولكنّه تماسك في اللحظة الأخيرة قائلاً بنبرة أوشكت على البكاء: ياعمي عيب كدة دة أنا زي ابن أخوك حتى
تفاجئ مـازن بمن يضربه خلف عنقه قائلاً بسخرية: يا أخي دة أنا أبوك وزهقت منك
هتف مـازن بتذمّر: بابا!
تجاهله توفيق وصافح سـالم بمحبة قائلاً بهمس: الواد دة عمل إيه؟ زعل خطيبته طب ومالو هو يزعلها مرة هي تزعله 100والمركب تمشي خليه يقعد مع تقى ويحلوا مشاكلهم مع بعض يا سـالم
هتف مـازن بنفس الهمس: بيني وبينك أنا عايز الجوازة دي تبوظ .. معلش ماهو مش أنا أكبّر وأربّي وأدلّع ويجي البغل دة ياخد على الجاهز وأنت عارف إن تقى قلب أبوها
قهقه توفيق بمرح قبل أن يقول: معلش خلّي قلبك أبيض ونادي بنتك
قال سـالم بتذمر: أمري لله بس ابنك لو زعلّ بنتي تاني هزعله طب والله أعلقه من قفاه
بعد مرور عدة دقائق جلست تقى متذمرة على المقعد المقابل لـمـازن وعلى مسافة ليست بـبعيدة كان سـالم وتوفيق يتحدثون بعدة مواضيع إلا أن سـالم كان يراقب مـازن كظلّه فإن اقترب مـازن من ابنته ستكون نهايته!
هتف مـازن بهدوء: أنا آسف
أشاحت بوجهها بعيداً عنه فأكمل بندم: أنا عارف إني أتنرفزت عليكِ بس صدقيني أعصابي فلتت مني ومنمتش بقالي يومين وحالي متشقلب
هتفت ببرود أغاظه: والله دة مش مبرر وعلى فكرة أنا طلعت بس عشان خاطر بابا
همس بتودد: وأنا ماليش خاطر عندك؟!
رمقته بسخرية: خاطر الله يرحمه ولو سمحت قول اللي عندك عشان عندي حاجات كتير عايزة أعملها
همس بغضب: تقى
أجابته بشجاعة: نعم
هتف بنعومة: أنعم الله عليكِ يا حبيبتي
شهقت بعنف قائلة: بقولك أيه قلة أدب ومسخرة هجبلك بابا وشعيب وجدي وساعتها شوف هيعملوا فيك إيه؟
هتف بغيظ: على فكرة قولت آسف
قالت تقى بعند: وعلى فكرة أنا مقبلتهوش
صمت ثواني ثم قال بعد تفكير: طب أجبلك شاورما؟
رمقته بإشمئزاز قائلة: شاورما!! هو حد قالك إني محرومة!!!
أسرع مـازن قائلًا بنفي: لا لا مقصدش بس أسمع أن البنات بتحب الشاورما وبتتصالح بيها
تنفسّت بعمق عدة مرات قبل أن تقول: مـازن أنا مهما كنت متضايقة مخنوقة تعبانة عمري ما هتعصب عليك فمن حقي أتعامل بنفس المعاملة أنا لا يمكن أسمحلك تيجي على كرامتي ..
هتف مـازن بصدق: والله العظيم أنا فعلا آسف أني إتعصبت عليكِ دة مش طبعي أبداً يا تقى وحتى لو طبعي فلا يمكن أمارسه عليكِ أنا .. أنا عايز أقولك كلمة من أربع حروف جايز تختصر شعوري تجاهك بس للأسف مش من حقي أغازلك ولا أعبرلك عن شعوري فأنا آسف .. آسف يا مازن
رغم خجلها الواضح قالت بإعتراض: أنا تقى على فكرة
مـازن بمرح: ماهو أنتِ أنا مفيش فرق يعني
كشرت على أنيابها فهمس بإحراج:إفيه مش حلو؟ تمام
ثم صرخ بعلو صوته قائلاً: عمي سـالم عايز أكتب الكتاب لو سمحت
××××××××××××
كانت تهذي كالمجانين تهمس بهستيريا: يابن الكلـ×ـب يا عمـاد دمرت كل حاجة خططت ليها؟!!! خليتني أكشف نفسي قدام شعـيب وفي الآخر تطلعه من القضية صاغ سليم؟!! أعمل إيه؟ شعـيب .. شعـيب مش هيسيبني في حالي هيفضل يدوّر ورايا لحد ما يجيب اللي ورايا واللي ورايا فيه نهايتي!! نهايتي أنا! نـورا توفيق مهران!!
صمتت لثواني ودارت حول نفسها قبل أن تهدر بوحشية: بس لأ دة أنا أنهيكم كلكم ولا تيجي نهايتي .. أنا اللي أستاهل الحياة وهما لأ أنا أحسن منهم أستاهل أتحب وأعيش أنا أحسن من لتيـن وزهرة وحتى تقى ، أنا نـورا .. أنا وبس اللي أستاهل ، أنا وبس
ثم قامت بإخراج أحد الأظرف الصغيرة الممتلئة بهذا المسحوق الأبيض تستنشق منه بإنتشاء كميى لا بأس بها
فكما قالت صديقة لها هذا المسحوق رغم خطورته ولكنه يساعد على الإسترخاء!!! وهي في أمس الحاجة لهذا الشعور!!
××××××××××××
في غرفة لتيـن
انتهى شعـيب من الإستحمام وارتدى إحدى بيجاماته البيتية وتهيأ للنوم فلم يغمض له جفن طوال بقائه في قسم الشرطة ولكن النوم كان كالحلم المستحيل فرائحتها التي يعشقها كانت عالقة بالفراش وكأنها تقصد تعذيبه زفر بعنف قبل أن يستقيم بعنفوان .. لن يستطع النوم دونها فلتذهب المسافات للجحيم
أسرع الخطى باتجاه غرفة الفتاتين قبل أن يفتح الباب بقوّة صائحاً بعصبية: لتيـن حاجتي فين مش لاقيها
أجابته بإرتباك: حاجة إيه؟ كل حاجة موجودة زي ما سيبتها
هتف بعند: لا في حاجات كتييير ناقصة اتفضلي قدامي شوفي الحاجة فين؟
أومأت بموافقة وأسرعت تجاه غرفتهم دلف ورائها وأغلق الباب بالمفتاح
رمقته لتيـن بإستغراب قائلة: قفلت الباب ليه؟ وإيه الحاجة اللي نقصاك؟
إحتضنها بقوّة قائلًا بعشق: أنتِ
ابتسمت بخجل وبادلته العناق تتنفس رائحته بعمق
همس شعـيب داخل أذنها: أنا عارف إني سمحتلك تنامي النهاردة مع البنات بس حقيقي مش عارف أنام وبقالي يومين ما نمتش
ابتعدت عنه ببطء قبل أن تسحبه معها برقة باتجاه الفراش .. جلست عليه وأشارت له بأن ينام بجانبها ففعل مسلوب الإرادة ولكن وضع بعض التعديلات فقد ألقى رأسه المتعب على قدميها وسحب يديها يضعها على خصلات شعره في دعوة صريحة منه لمداعبتهم وكانت أناملها سريعة الإستجابة فأخذت تمسح على خصلاته بنعومة ورقّة وكان للمستها مفعول السحر فقد ثقلت جفونه وراح في سبات عميق
××××××××××××
في صباح اليوم التالي تم نقل عماد من إحدى المستشفيات إلى بيت آل مهران
إستقبله الجميع ماعدا شعـيب وزوجته كانت وفاء هي الأكثر سعادة على الإطلاق بعودة عماد رغم إعتراضها الشديد على مكوثه بآخر شقة بالبناية ولكنه كان أكثر عناداً وإصراراً
هتفت وفاء بتذمر وهي تساعده هي و مـازن في الجلوس على الفراش: مش كنت نوّرت بيت أبوك يا عماد وتريّح قلبي؟ لازمتها إيه قعدتك في آخر دور كدة؟
أجابها بهدوء: معلش يا ماما بس أنا هكون مرتاح كدة
وفـاء: ربنا يريح قلبك يا ابني ويشفيك شفاءً لا يغادره سقماً
هتف مازن وعماد في آن واحد: آمين
دلف توفيق للغرفة قائلًا بمحبّة: متجمعين عند النبي
الجميع: عليه أفضل الصلاة والسلام
أكمل توفيق: جدك وجدتك كانوا عايزين يطلعوا بس قولتلهم أنا حابب ترتاح
عماد: خير ما عملت ياحاج أنا فعلاً تعبان وعايز أنام
هتف مـازن بمرح: آاااه كدة بتطرد رسمي يا رجالة بس ولا يهمنا سنظل صامدون وقاعد على قلبك ومربع
قهقه الجميع بمرح فقال عماد: لا أنتَ كفاية تقعد معايا لحد كدة أنا عايز أشوف ناس تفتح النفس والحاج والحاجة هيسدوا وزيادة إنما أنتَ خلاص جزعت منك يا ابني دة أنا بشوفك أكتر من خطيبتك إتقي الله
شهق مـازن بصدمة مصطنعة قائلاً بطريقة درامية: أخس عليك يا واطي تاخدني لحم وترميني عضم؟ آه ياني ياما ياني ياما ياني ياما
إرتفعت ضحكات الجميع في صورة شبه هستيرية ولكن عمَّ الصمت مع دخول نورا المفاجئ
تجهمّت ملامح عمـاد بطريقة ملحوظة أما وفـاء فقالت بحيرة: أنتِ طلعتي وسبتي ابنك لوحده؟
أجابتها بلا مبالاة وأنظارها مسلّطة على عمـاد: قاعد تحت مع جدي وأنا طلعت أطمّن على عمـاد أخويا أصله واحشني
مـازن بسخرية: إن شاء الله ماتشوفيش وحش مع أنك شايفة نفسك
صرخت بغضب: مـازن
هتف ببرود: بس يا ماما أحبالك الصوتية هتتشرخ وانتي عضمة كبيرة مش حمل الحاجات دي
رمقته بحقد فتجاهلها ببرود أغاظها قبل أن يقول لعماد: طب يا عمدة أسيبك أنا بقى شوف لمدة سنة قدام مش عايز أشوفك أنا فعلاً بشوفك أكتر من خطيبتي ودة مش صحّي سلام يا عمدة
ثم اندفع خارج الشقة
بعد خروج مـازن
هتفت وفـاء قائلة: تعال ياتوفيق حط معايا الحاجات في المطبخ
أومأ موافقاً وخَرجا من الغرفة تاركين عمـاد ونورا التي إقتربت منه قائلة بحقد: لعبتها صح يا عمـاد بس تبقى غبي لو فكرّت إني هسيبك بعد عملتك السودة دي، غدرك ليا هتدفع تمنه روحك
عمـاد ببرود: وأنتِ فاكراني هخاف؟ بل بالعكس الموت راحة للي زيي على الأقل أنا توبت بس أنتِ بقا يانورا عندك إستعداد تقابلي ربنا
تجاهلت تلك الرعشة العنيفة التي أصابتها عند ذكر المولى عز وجل وأجابت بعنفوان: هتعملي فيها الشيخ الشعراوي؟ الكلام دة مش هياكل معايا دة إحنا دافنينو سوى
هز رأسه مؤكداً: إحنا فعلاً دفناه ودفنّا معاه عماد القديم وقفّي شرك يا نـورا كفاية لحد كدة وقفي وتوبي وأنا معاكي صدقيني أي حاجة عملتيها زمان هنساها
هدرت بشراسة: أبداً لازم أوصل لهدفي شعـيب دة حقي أنا ، أنا اللي أستحقه أنا أول واحدة حبيته
هتف عمـاد بإعتراض: مش صحيح أنتِ عمرك ما حبيتيه أنتِ عايزة تملكيه ودة مش هيحصل
أجابته بعند: لا هيحصل وبكرة تقول نـورا قالت
ثم اندفعت خارج الغرفة تاركه عمـاد يتآكله القلق
××××××××××××
في شقة شعـيب
لقد انقلبت حياته رأساً على عقب بعد تلك المكالمة الهاتفية التي تلقاها صباح اليوم .. كان وجهه شديد التجهم بحاجبين معقودين بشدة .. أما عروق عنقه فكانت نافرة بشدة
همست لتيـن اسمه بإضطراب: شعـيب!!
إلتفت إليها قائلاً بجمود: مهما حصل ومهما سمعتي متخرجيش برة باب الشقة لا أنتِ ولا البنات .. سامعة؟
أومأت موافقة دون تفكير فأسرع خارج الشقة بخطوات سريعة شبه راكضة .. وصل لوجهته أخيراً ، أخذ يطرق الباب بقوّة حتى كاد أن ينكسر قبل أن يفتح الباب على مصراعيه ويطل مـازن صارخًا بفزع: شعـيب!!! في إيه؟ بتخبط على الباب كدة ليه؟
هدر شعيب بصوت جهوري: أختك الـ×××× تطلعلي حالا وإلا هدخل أجيبها من شعرها عايزها قدامي حالًا .. يا نـــــورا