رواية سجينة جبل العامري الفصل العشرون 20 بقلم ندا حسن
ترك لقلبه العنان فذهب يحلق في السماء يشعر بسعادة غامرة انتهكته بالحب، فعاد إلى أرض الواقع مطعونًا مخذولًا بسكين الغدر”
“نفس اليوم قبل بضع ساعات”
دلف “جبل” إلى غرفة الطعام حاملًا “وعد” على ذراعه تحتضن عنقه بيدها الاثنين تسير جواره “زينة” مُبتسمة إلى ابنتها بحب وسعادة وتبادلها الصغيرة فرحة بما قدمه إليها والدها من ألعاب أتى بها خصيصًا لأجلها هي فقط..
عندما دلفت الصغيرة إلى الغرفة تقع عينيها على جدتها فحاولت أن تهبط من على ذراعه تنخفض إلى الأرضية ففعل وهو ينخفض بها إلى الأسفل يتركها لتذهب ركضًا إلى جدتها تصرخ بسعادة وفرحة طفولية بحتة:
-تيته تيته شوفتي بابا جابلي ايه
ابتسمت باستغراب واتسعت عينيها مفتعلة الصدمة تُجيبها بحماس:
-لأ مشوفتش وريني جابلك ايه من ورايا
فتحت ذراعيها إلى آخرهما تتحدث بسعادة والحماس يملئ نبرتها الطفولية:
-جابلي عروسه قد كده هتنام معايا على السرير، وجابلي لعبة مطبخ كبيرة أوي أكبر من اللي كانت عندي قبل ما نيجي هنا وحاجات تانية كتير
سألتها مصطنعة الاستغراب وعدم التصديق:
-بجد كل ده
أكدت وهي تؤما برأسها ثم قالت بحزن ويأس وهدأت نبرتها:
-أيوه.. بس هو مش فاضي ممكن أنتي تلعبي معايا بعد ما نفطر علشان إسراء مش بتلعب معايا وماما مع بابا على طول
أشارت إلى “فرح” ابنتها بيدها وهي تقترح عليها مُبتسمة:
-طب ايه رأيك أنا وعمتو فرح نلعب معاكي
نظرت “وعد” إلى “فرح” ثم عادت بعينيها إلى جدتها مرة أخرى لتسائلها برفق:
-عمتو فرح هتوافق؟
أومأت إليها بالايجاب تُشير إليها بيدها قائلة بجدية:
-آه حتى اسأليها
اليوم هو الأول لوجود “فرح” في الأسفل بينهم من جديد، بعد أن ألحت زينة كثيرًا على جبل أن يتركها لتعود للجلوس معهم فقد نحف جسدها كثيرًا وظهر على وجهها أكثر مع ذلك الحزن الشديد الذي دلفت به وحالة الاكتئاب التي مرت بها ولا تستطيع الصمود أمامها
أبعد “جبل” عيناه من على صغيرته إلى شقيقته “فرح” التي طعنته بظهره وكسرت قوته وأضاعت هيبته أمام الجميع، ولكنها في النهاية تبقى شقيقته، إن كان يريد أن ينهي كل ما فعلته من بداية الأمر إلى نهايته فكان عليه قتلها ليمحي كل شيء ولكن.. هي شقيقته لن يستطيع فعلها مهما حدث مع ذلك عقابه لها كان مستمر إلى أن أتت زوجته تلح عليه كثيرًا أن يتركها تخرج فقط من غرفتها لتشاركهم الجلسة حتى لا تسوء حالتها أكثر فهي قد فهمت وأدركت جيدًا ذلك الخطأ الذي وقعت به..
أقتربت منها تقول بهدوء وبراءة:
-هتلعبي معايا أنا وتيته
أومأت برأسها وهي تقترب منها تنخفض إلى الأسفل تقبلها بنحو ورفق لأول مرة تستعمله معها:
-هلعب معاكي طول الوقت
أقتربت منها تحتضنها ببراءة شديدة والفرحة ترتسم على ملامحها وكأنها تلمس أحد نجوم السماء بيديها الطفولية الصغيرة بعد أن أتى لها والدها بالألعاب ووجدت من يقوم بمبادلتها اللعب..
-طيب يلا ناكل علشان نلعب بسرعة
كان “جبل” قد جلس منذ أن ولج إلى الغرفة يتابعها بعينين محبة شغوفه ينظر إلى براءتها وطفولتها الحيوية الجميلة ونبرة صوتها الرقيقة المستغرب منها تمامًا من أين أتت بها؟ والدتها ليست هكذا أبدًا..
ابتسم وهو يتابعها لتتقدم تقف جواره فجلست “زينة” وأخذت “تمارا” مقعدها بجوار “فرح” و “وجيدة” بمحاذاة زوجته
تحدثت “وجيدة” وهي تنظر إلى “زينة” تقول بصوت حاد ماكر:
-عملتي ايه في جبل يا زينة
استدارت برأسها إليها بعد أن نظرت إليه هو باستغراب تسألها مُستنكرة:
-عملت ايه يا طنط؟ ولا حاجه
رفضت والدته حديثها وهي تؤكد قائلة بصرامة:
-لأ عملتي
تدخل “جبل” يبصر والدته بقوة قائلًا:
-عملت ايه يما.. مافيش حاجه
استنكرت بخبث ومكر مفتعلة صوت بفمها تهتف مُبتسمة:
-أنت مش شايف وشك منور إزاي؟ ولا البدر المنور والضحكة مش بتفارقك
وضع يده على يد “زينة” فوق الطاولة يضغط عليها قائلًا بهدوء وجدية موضحًا دون أن يفقد هيبته:
-عملت كل حاجه حلوة شبهها
ابتسمت بسعادة غامرة تنظر إليه بشغف، تبادله ما يأتي إليها من نظراته بأسهم عيناه الخضراء لتتسع ابتسامة والدته أكثر تنظر إليهم بحب قائلة بسعادة ثم أكملت حديثها بمغزى واضح:
-واضح يا حبيبي ما شاء الله جيت على ايد زينة ربنا يخليها لينا هي ووعد وتجبلنا ولي العهد
أومأ إليها وهو يُشدد بيده على يدها وعقب واثقًا:
-قريب، قريب أوي إن شاء الله
تحدثت “تمارا” بغبظ بعد أن انتفخت عروقها من كثرة الغضب والغيرة التي داهتمها وهي تستمع إلى حديثهم:
-مش هنفطر ولا ايه
أبعدت “زينة” وجهها إليها ببرود تام ولا مبالاة مبتسمة بخبث يخرج صوتها بتشفي:
-ما تفطري يا حبيبتي هو حد منعك
بادلتها بنظرات حارقة تنهشها الغيرة والحقد ناحيتها..
تسائلت “وجيدة” بجدية:
-أختك فين يا زينة
أجابتها بهدوء:
-نايمة يا طنط لما تقوم تبقى تاكل
أومأت إليها ثم شرعوا في تناول الطعام ولكن “زينة” نظرت إلى ابنتها قائلة بهدوء:
-تعالي كلي يا وعد
أومأت إليها برأسها بهدوء ورفق وتقدمت ذاهبه إلى الناحية الأخرى متقدمة بين “فرح” و “تمارا” تجذب كوب الماء من على الطاولة لترتشف منه على الرغم من أن هناك آخر قريب ولكنها لم تراه..
جذبته بيدها بهدوء ولكنها اهتزت وهي ترفعه ليقع من بين يديها منسكبًا على جسد “تمارا” يبلل ملابسها..
هبت واقفة بعصبية شديدة ووجها يتحول إلى اللون الأحمر لتصرخ بها بعنف:
-أنتي غبية يا بنتي ما قدامك الطفح هناك أهي
تكونت العبرات بعين “وعد” وهي تبتعد للخلف خوفًا من ثورتها عليها لتقول بضعف:
-مقصدتش أنا آسفة
صرخت بغضب أكبر تخرج كل ما كنه قلبها من غل وحقد تجاهها هي ووالدتها:
-آسفة ايه وزفت ايه على دماغك
وقفت “زينة” هي الأخرى قبالتها بعصبية شديدة فلم تتحمل أن تعامل طفلتها بهذه الطريقة القاسية لأجل خطأ لم تقصده طفلة مثلها.. خرج صوتها حاد بقوة وقسوة تنظر إليها بعصبية شديدة:
-أنتي اتجننتي بتتكلمي كده إزاي مع البنت قالتلك آسفة متقصدش
رفعت “تمارا” وجهها إليها بغضب قائلة بضيق واستهجان تهينها:
-ما لازم تبقى متخلفة ما أنتي أمها
رفعت سبابتها بوجهها تناظر عيناها بقوة وتحدي وأردفت بتهديد واضح:
-الزمي حدك معايا يا بت أنتي.. أنتي متعرفنيش لسه
ما كادت إلا أن تتحدث بعنف تسبها إلا أن “جبل” بتر الكلمات في فمها قبل خروجها ناظرًا إليها بعنف وقسوة يصيح بهميجة:
-اعتذري لوعد ولزينة
أبعدت نظراتها منها إليه، تنظر إليه بقوة غير واعية لما يقول، أيريد منها هي الاعتذار؟، رفضت حديثه قائلة بغضب:
-اعتذر لمين يا جبل أنا مش هعتذر لحد البنت قليلة الأدب زي أمها اللي واقفة تهددني قدامك
وقف هو الآخر ببرود شديد استطاع رسمه على وجه وجسده ولكنه ينظر إليها بحدة وامتعاض:
-الزمي حدك زي ما قالتلك زينة البنت اللي بتتكلمي عنها دي تبقى بنتي وأمها تبقى مراتي وعلشان منكترش كلام قدامك حل من الاتنين أما إنك تعتذري أو إنك تطلعي تلمي حاجتك ونوصلك بره الجزيرة
نهش الغل داخلها، تربع على عرش قلبها بينما هي تستمع إلى كلماته وتدرك جيدًا مدى الاستغناء عنها الذي وصل إليه فهو الآن يطردها مقابل اعتذار:
-أنت بتطردني علشانها يا جبل
اعفته زينة عن الرد قائلة بشماته وقوة الأنثى داخلها خرجت بشراسة:
-أنتي مستنية يرد عليكي يقولك ايه؟ آه بيطردك علشان مراته وبنته
رفعت يدها بوجهها وفتحت فمها لتصرخ بها تسبها:
-أنتي
قاطعتها بعنف وشراسة قبل أن تخطئ مرة أخرى بحقها، تناظر عيناها بقوته وليس قوتها، يخرج صوتها بنبرة واثقة قوية استمدتها منه بسبب أفعاله السابقة معها لتتحدث بأريحية والشماته تتخلل قوتها:
-خليكي فاهمه إني هنا مرات جبل العامري، صاحبة القصر وصاحبة الكلمة هنا بعد جبل وطنط فبلاش تنسي نفسك يا تمارا.. اللي ليكي أنتي رمتيه وأنا أخدته بلاش بقى الشويتين دول علشان قرفوني بصراحة
أقتربت من جبل بطريقة حميمية أمامهم تضع يدها حول عنقه تنظر إليها بمكر واستطردت:
-آه.. وبلاش بردو كل شوية ترمي نفسك عليه مش هيبصلك علشان هو رماكي
تحدثت “وجيدة” بعد صمت دام طويلًا ولكنها للحق كانت سعيدة للغاية برد “زينة” واهتياج “جبل” عليها ووقوفهم هكذا أمامها:
-اعتذري يا تمارا أنتي هتكسري كلام جبل
نظرت إليهم بحقد دفين، الشر اخترق نظراتها نحو الجميع لم تستطع حتى التعبير عنه إلا من خلال اهتياجها ونظرتها القاتلة، لو كانت النظرات تصيب باسهمها لكانت أصابتهم ليقعوا أسفل أقدامها ولكن هذا من حسن حظهم..
وقفت لحظات هكذا والنيران تنهش داخلها تشتعل أكثر وأكثر مخلفة في الداخل خراب لا مثيل له تاركة كل شيء رماد حتى قلبها.. تنفست بهدوء وهي تحول نظرتها إلى أخرى اعتيادية هادئة في لمح البصر وكأن شيء لم يحدث لتقوم بفعل ما أراد منها بهدوء:
-أنا آسفة يا وعد هانم..
نظرت إلى “زينة” لحظة واحدة فقط ثم خرجت كلماتها مشتعلة بالنيران المصاحبة للغيرة الشديدة التي تقتل أن لزم الأمر إلى ذلك:
-أنا آسفة يا زينة هانم
ضيقت عينيها عليها وهي تقف تجواره بكل هذه السهولة والبساطة أمام الجميع وهي لم تستطع فعلها يوم على الرغم من أنهم كانوا على علم بحبهم الكبير الذي تبخر كأنه ماء اشتد غليانه وأخذ وقت أكبر بكثير من وقته المعتاد..
ولكن، هل يقبل المرء بالأمر الواقع أمامه؟ أن يفقد كل ما كان ملكه في يوم وليلة، إن كان هو من تركه ليتقبل الأمر ولكن إن كان أراده وسلب منه فلن يتقبل الأمر إلى الممات، سيفعل أي شيء، أي شيء يجعله يعود بأملاكه أو خسارتها كلها بما فيهم مالكها!؟..
خرجت من الغرفة بخطوات واسعة وعقلها بدأ في التفكير المفرط كيف سينفذ تلك الخطة التي سيقتل بها الأملاك والمالك؟.. ليحرم على الجميع السعادة إن كانت آتية من غيرها!..
❈-❈-❈
دلفت إلى “فرح” في نفس اليوم ليلًا بعد أن أعمت الغيرة عينيها عن كل شيء ولم تعد ترى غير “زينة” التي تربعت على العرش مكانها مستمتعة للغاية بازلالها
جلست على الفراش بعد أن ولجت إلى الغرفة مغلقة الباب وقالت دون سابق إنذار بجدية تامة:
-بقولك ايه أنتي معايا في أي حاجه مش كده
اعتدلت “فرح” في جلستها حيث أنها كانت ممدة على الفراش تنظر إليها باستغراب وسألتها مضيقة عينيها عليها:
-حاجه ايه بالظبط يا تمارا
تحدثت بخبث معتقدة أنها تستطيع الوصول إلى ما تريد من خلال هذه النقطة:
-هو أنتي مش عايزة إسراء تمشي من هنا علشان يخلالك الجو مع عاصم بتاعك
لوت “فرح” شفتيها باستهجان وأكملت ما بدأته ابنة عمها تقول بسخرية:
-وأنتي عايزة زينة تمشي علشان يخلالك الجو مع جبل صح؟
أومأت إليها الأخرى بقوة تؤكد حديثها:
-صح
ابتسمت بتهكم ساخرة على ما بقي برأسها بعد أن رأت كل ما يحدث بينهم بعينيها ولكنها للأسف لا تريد تقبل الوضع، تنفست بعمق ونظرت إليها بقوة وأردفت بجدية شديدة تلقي عليها الحقيقة التي تهرب منها:
-طب اسمعي بقى الخلاصة.. جبل مش هيبصلك تاني خلاص زينة دخلت قلبه مش دماغه بس وعاصم مش هيبصلي تاني ده لو كان في أولاني أصلًا خصوصًا بعد اللي عرفه عني
اعترضت على حديثها قائلة:
-بلاش كتر كلام واسمعي مني خلينا نعمل حاجه ولما يبقوا يغورو من هنا نبقى نشوف هنعمل ايه
عادت “فرح” للخلف بضيق وامتعاض تنظر إلى البعيد قائلة بحزن:
-أنا مش هعمل حاجه يا تمارا خلاص.. عاصم بيحب إسراء وعمره ما هيبصلي لو سمحتي بلاش تفتحي معايا الموضوع ده أنا ما صدقت بدأت أنساه
تابعتها بغل واضح ناحيتها هي الأخرى ولكنها حاولت مداراته وتحدثت بأنانية:
-طيب يا ستي متعمليش أنتي حاجه لسي عاصم وانسيه براحتك بس ساعديني اتخلص من زينة دي وتغور في داهية
عادت إلى الأمام مرة أخرى تخترقها بنظرتها صائحة:
-ولا حتى هعمل حاجه لزينة عارفه ليه؟
زفرت الأخرى بضيق شديد وهي تنظر إليها بكره قائلة بتبرم:
-ليه بقى إن شاء الله أنتي هتبقيها عليا
أومأت إليها بتأكيد واثقة من حديثها تردف متذكرة ما فعلته معها:
-آه هبقيها عليكي علشان زينة هي الوحيدة اللي أخدت بالها مني وهي الوحيدة اللي خافت عليا وكانت بتدخلي في كل وقت بعد اللي حصل
اسطردت تكمل بنبرة حادة تنظر إليها بقوة تخترقها بحديثها الحاد ليصل إليها المعنى:
-جبل منع عني الأكل مرة واحدة بس في اليوم هي كانت بتجبلي من وراه وهي اللي جابتلي أدوية علشان أخف بعد ما كنت بموت من اللي عمله فيا
أكملت تضيق عينيها عليها:
-حتى لما نزلت النهاردة.. كانت هي السبب لما اتحايلت على جبل يخرجني بسبب حالتي
وجدتها تنظر إليها بسخرية وتهكم لا تعير حديثها أي اهتمام فأكملت تحدثها عن الذي فعلته “زينة” ثم أكملت بقسوة تنظر إليها بتقليل وخيبة أمل:
-على الرغم من أن علاقتي بيها كانت زفت وعمر ما كان في بينا كلام عادي حتى.. بس هي الوحيدة اللي وقفت معايا وحسيت أن قلبها عليا وبتعمل ده من غير مقابل.. عملت اللي كان المفروض أنتي تعمليه
صاحت بوجهها بقوة تُهينها دون رحمة:
-اعمل ايه يابت أنتي عبيطة.. دا جبل كان دبحني حرج علينا كلنا هو أنا حمل علقة من اللي اخدتيها
ابتلعت تلك الإهانة منها وأكملت بحديث ذو مغزى:
-ماهو حرج عليها بردو.. بس هي مطلعتش واطية مع أن لو مكانتش عملت كده مكنتش هزعل لأنه متوقع لكن خالفت توقعي..
زفرت بضيق ثانيةً وهي تتابعها بغضب قائلة بنبرة ممتعضة متسائلة:
-من غير تلقيح كتير أنتي معايا ولا لأ
عادت للخلف وتابعتها بهدوء لتجيبها برفق زائف:
-أكيد لأ مش معاكي في حاجه
نظرت إليها بغضب ثم وقفت لتذهب تاركه إياها قائلة بغيظ:
-ماشي
خرجت من الغرفة ودفعت الباب خلفها تذهب إلى الخارج بغيظ وعصبية شديدة، جسدها اشتعل أكثر بسبب تلك الغبية ابنة عمها التي وقفت ضدها ولم تساندها فيما تريد، مرت على غرفتهم، جذبها صوتهم العالي الذي يخرج إليها فتقدمت من باب الغرفة تنظر حولها كي ترى إن كان هناك أحد يراها أو لا اطمئن قلبها وهي تعود برأسها إلى الباب لتستمع إلى أصواتهم العالية.. حديثها عن ماذا يعمل وحديثه عن أنها لا تهدأ أبدًا.. تفهمت بعض الكلمات وغيرها لم تفهمه صوتهم يعلو تارة وينخفض تارة ولم تتوصل إلى أصل الحوار بينهم ولكنها استمعت إلى أشياء ثمينة للغاية!.. لتعود إلى الخلف مُبتسمة مقررة ما الذي ستفعله.. اليوم وليس غد وإن لم يحدث هناك البديل..
❈-❈-❈
رفعت “تمارا” يدها بالسكين بغل وحقد و “زينة” مصوبه عينيها نحوها مازالت الصدمة تلجم جسدها بالسكوت فقط تنظر إليها بخوف شديد، هوت “تمارا” بيدها عليها بقوة شديدة تحركها غيرتها نحوها لتأخذ حياتها وتسترد بها ما ملكته هي ولكن “زينة” استفاقت في آخر لحظة لترفع يدها تقبض على يد “تمارا” الحاملة للسكين الذي أصبح قريب للغاية من صدرها تحاول بقوتها أن تبعدها عنها ترفع يدها للأعلى متمسكة بالحياة وسعادتها التي حصلت عليها مؤخرًا
ولكن “تمارا” عزمت أمرها على إنهاء كل هذا اليوم لتستمر في دفع السكين بها إلى أن وقف على بعد هفوة واحده من قلبها، تنظر إليها “زينة” برهبة شديدة والخوف يبعثر كيانها ليرتفع صوتها بالصراخ فجأة يعم أرجاء الغرفة
صرخت بعنف ممسكة بيدها بقوة واستماته:
-ابعدي عني يا مجنونة
أردفت تُجيبها مبتسمة بسخرية وكراهية:
-مش هسيبك غير وأنتي غرقانة في دمك
تركت إحدى يدها الممسكة بالسكين ترفعها على وجه “زينة” تلطمها بعنف لتصرخ بقوة، صعدت على الفراش قابعة فوقها تخترقها بنظرات الشر الكريهة والحقد الدفين بقلبها تجاهها..
خارت قوى “زينة” وهي تشعر بيدها تنزلق لتمسك بطرف السكين بيد والأخرى تقبض على يدها بها تحاول رفعها للأعلى.. قطرات الدم أصبحت تهبط من يدها بغزارة وقوة فارتفع صوتها أكثر صارخة بعنف تستنجد بزوجها:
-جــبــل… الحقني يا جــبــل
عقبت على ذلك الصراخ بتهكم:
-مشي.. محدش هيلحقك ولا حد هيسمعك القصر كبير أوي والكل نايم
أكملت بجنون هستيري:
-مش هسيبك يا زينة غير وأنتي ميتة النهاردة
حاولت مرة أخرى بعدما أدركت أنه بالفعل رحل إلى الخارج:
-يا طــنــط.. يا فـــرح
تعالت صرخاتها أكثر والسكين تنغرز بيدها بقوة أكبر لتدلف إلى الأعمق والدماء تهبط على صدرها بينما السكين تقترب من موضع قلبها ولم يبقى سوى القليل للفراق.. رفعت وجهها إليها غير قادرة على ردعها عما تفعله أو مجابهتها بالقوة بل كان جسدها يرتعش من هول الموقف ويدها لم تستطع أن تساعدها لم يبقى أمامها سوى الصراخ بصوت أعلى لعلى وعسى يستمع إليها أحد
بينما كان هذا الصراع دائر أما النجاة أو الموت، كان “جبل” مازال في الأسفل مع “عاصم” يسير في الحديقة بعيدًا عن القصر يتحدثون سويًا، سار إلى أن وقف أمام البوابة الخارجية لينظر إليه قائلًا بجدية:
-هروح أنا أشوف الموضوع ده وأنت خليك هنا
أومأ إليه ليفتح له الحارس بوابة القصر يهم بالخروج ولكن صوتها الصارخ المستنجد بإسمه بقوة وشراسة اخترق أذنه يجلجل قلبه في صدره، استدار ينظر إلى الأعلى لشرفة غرفتهم وقلبه يدق بعنف ولهفة خوفًا عليها يستمع إلى صراخها مرة أخرى وأخرى فلم يستطع الانتظار أكثر ليؤكد ظنه بل ركضت قدميه دون إرادة منه للداخل..
ركض خلفه “عاصم” خوفًا من أن يكون هناك أحد دلف إلى القصر ولكن هذا من المستحيل بعد كل هذه التشديدات وإلا سيكون هكذا وجودهم مثل عدمه..
صعد “جبل” الدرج ركضًا يلهث بقوة وعنف، ضربات قلبه تتعالى ووتيرة أنفاسه متضاربة للغاية، جسده متشنج مهتاج بقوة ولم يكن معه سلاح لمواكبة الأمر بسهولة ولكن “عاصم” كان خلفه فصرخ به:
-طلع سلاحك
امتثال لأوامره يركض خلفه في الرواق ناحية غرفته واستمع إلى صوت “إسراء” الصارخ بخوف:
-زينة مالها
ركضت خلفهم بلهفة وخلفها والدته و “فرح” التي استنتج عقلها ما يحدث..
اقتحم الغرفة بهمجية شديدة مُعتقد أن هناك غريب يفعل لها شيء شنيع بعد كل هذا الصراخ الذي أودى بقلبه إلى التهلكة.. نقطة ضعف خلقت بقلبه ليكن أضعف ما يكون
تقدم سريعًا إلى الداخل يرفع “تمارا” من على الفراش بقسوة وغلظة لتأخذ السكين بيدها يمر على يد “زينة” أعنف فخرجت من بين شفتيها صرخة حادة متألمة للغاية..
ألقى بها على الأرضية بعنف وقسوة فرفعت نظرها إليه بكره شديد يخرج الشر من عينيها تجاهه أكثر من “زينة” نفسها.. وضع “عاصم” سلاحه في موضعه متقدمًا من “تمارا” بعد أن انشغل “جبل” بزوجته ليأخذ منها السكين عنوة عنها تحت صمت تام..
احتضنها “جبل” بقوة يربت على ظهرها يردد عبارات هادئة كي تهدأ وتطمئن إنه معها هنا ولن يتركها، ترتعش أسفل يداه يشعر بها وبحالتها المزرية على الرغم من أنها امرأة قوية للغاية..
أبتعد ينظر إليها بهدوء ودلفت “إسراء” إليها لتجلس جوارها تبكي بقهر خائفة للغاية يخرج صوتها متعلثم:
-أنتي كويسه
أومأت برأسها بعد أن جلست على الفراش يساعدها جبل ممسكًا بيدها التي تنزف، وقف سريعًا متقدمًا من المقعد في الغرفة الذي كان عليه قميصه القطني ليجلبه واضعًا إياه على يدها يكتم الدماء الخارجة منها بغزارة ناظرًا إليها بضعف وقلة حيلة شعر بها تجاهها بعدما فعلت بها هكذا وهو بعيد عنها لم يستطيع حمايتها..
اقتربت والدته وشقيقته بخوف حقيقي ولهفة شديدة عليها، صرخت “وجيدة” بعنف بوجه “تمارا” وهي تتقدم منها تجذبها من خصلات شعرها:
-أنا يا بت مش حذرتك.. ورحمة أهلك ما هسيبك تفلتي بعملتك السودة دي
نظراتها تحولت إلى القسوة الشديدة والعنف الخالص وهي تشتد بيدها على خصلاتها غير عابئة بأي شيء لا من هي ولا أين هي، لقد حذرتها سابقًا ولكنها لم تمتثل لما قالته لها عليها تحمل النتيجة التي ستكون مروعة للغاية..
دفعت رأسها للخلف بعنف لترطدم بالحائط تآن بألم فابتعدت عنها وتركتها متقدمة من زوجة ابنها بلهفة وتغيرت ملامحها من القسوة إلى اللين تنظر إليها بهدوء:
-أنتي كويسه يا زينة
أومأت إليها مُجيبة بخفوت:
-كويسه يا طنط
رفعت “إسراء” وجهها الباكي لتنظر إلى “عاصم” الذي كان يقف يعطيهم جانبه عينيه على “تمارا”، أخفض رأسه سريعًا عندما أدرك أن “زينة” مرتدية قميص نوم عاري الصدر وقدميها ظاهرتان منه فقد خلعت المئزر بعدما هبط “جبل” إلى الأسفل وتركها..
كل هذا الوقت و “جبل” ينظر إليها بخوف حقيقي، ذعر عندما استمع إلى صوتها الصارخ الذي يستنجد به شعر وكأن قلبه على نيران أو جمر مشتعل يتلوى من شدة الألم..
ينظر إليها الآن يحمد ربه أنه أتى بالوقت المناسب، لو كان تأخر قليلًا لا يستطيع تحديد ما الذي كان حدث بها على يد ابنة عمه أكثر من هذا..
عودة قلبه ينبض بالحب والشغف، شعوره بالعشق واللهفة جعل هناك نقطة ضعف كبيرة للغاية متحكمة به إلى أبعد حد..
شعوره الآن بالعجز وهو ينظر إلى تلك العبرات التي هبطت من عينيها لا يوصف، منذ أن أتت إلى الجزيرة وهو كل يوم بحال وحكمه كل يوم بحال، ليس هناك أحد في القصر أو في الجزيرة بأكملها بقي على حاله..
ما الذي بها يجعلها تعيد ترتيب كل شخص منهم.. لحظات لا يجب بها التفكير ولكنه للأسف الشديد لم يستطع منع عقله عن ذلك وهو يتابعها بعينيه الخضراء..
تنهد بعمق محاولًا استعادة نفسه، وقف على قدميه ينظر إلى “تمارا” والآن أدرك أن “عاصم” بقيٰ واقفًا ولكنه لا ينظر إليهم، عاد إلى “زينة” مرة أخرى جاذبًا المئزر من على طرف الفراش يجعلها ترتديه بيده تحت نظرات الجميع إلا “عاصم”..
ترك كل شيء، تركها وهو يعلم أنها الآن بحاجه إليه لتستمد منه الشعور بالأمان والقوة، ولكن الآن لن يصدر عنه إلا القسوة والغلظة المميته..
أقترب من “تمارا” ليقف أمامها وهي جالسة على الأرضية تتابع قلق الجميع عليها، انخفض قليلًا ليقبض على ذراعها يقف معتدلًا جاذبًا إياها معه لتقف أمامه مباشرة..
تابعها بعينيان حادة للغاية، كريهة مشمئزة منها والأسوأ الشر الذي يخرج لها، في لحظة واحدة كانت يده تصفع وجنتيها بعنف وقسوة ليقوم بالقبض على ذراعيها الاثنين بشراسة قائلًا بصوت خافت يهبط على أذنها كالفحيح:
-عايزة تقتليها؟
لم يلقى منها ردًا فابتسم وهو ينظر نحوها تلك النظرة الثاقبة، ومرة أخرى تركها ليعود يصفعها من جديد، مرة وخلفها الأخرى يلطم وجنتيها الاثنين بقوة وعنف إلى أن نزفت شفتيها وأنفها..
حاولت دفعه للخلف وهي تصرخ بجنون:
-أيوة هقتلها، مش هسيبها يا جبل هقتلها وهندمك
أكملت تنظر إليه بحقد:
-بقى أنا تسيبني علشان مرات أخوك.. يعني يوم ما تقرب منها تفتكر إن أخوك عملها قبلك
هبط على وجنتيها بالصفعات المميتة بعدما أحرقت قلبه بتلك الكلمات الشرسة التي هبطت على قلبه دون هوادة تحطمه إلى أشلاء مبعثرة على الأرضية تشعل نيران غيرته عليها من شقيقه الراحل!!
أقترب “عاصم” منه سريعًا عندما وجده لم يستطع التحكم بنفسه يجذبه للخلف بعيد عنها صائحًا به بصوت عالي:
-كفاية يا جبل
دفعه جبل بعنف يود الفتك بها تلك الحقيرة التي تلعب بالنيران على أوتار قلبه ليصرخ هو الآخر:
-هقتلها بنت الكلب.. هقتلها
لم يتركه بل أحكم قبضته عليه وهو يدفعه للخلف بعنف أكثر حتى لا يفعل بها شيء يندم عليه فاستمع إلى صوت والدته تقول بقسوة:
-عاصم.. خديها احبسها في أي داهية دلوقتي
تابعت تنظر إلى جبل:
-وأنت يا جبل شوف مراتك الأول وسيبها ليها فوقه
دفعه “عاصم” وتقدم يجذبها بقوة من ذراعها يأخذها إلى الخارج تاركًا إياهم..
إلى الآن لم يصدر عن “زينة” أي ردة فعل فنظر إليها بعمق محاولًا الهدوء، أخذ نفسٍ عميق وزفره بحدة متوجهًا إليها يجلس أمامها على الفراش موجهًا حديثه إلى “إسراء”:
-انزلي ورا عاصم خليه يكلم الدكتور
أومأت إليه برأسها ووقفت سريعًا تركض خلف “عاصم” لتلحق به، تقدم إلى الأمام أكثر يمسك بيدها التي نزفت كثيرًا، رفع بصره إليها بهدوء:
-حبيبتي.. أنتي كويسه
تابعته بعينيها السوداء تحاول أن تتدارك الأمر وتستوعب أنه مر وكأنه كابوس بشع، حركت رأسها إليه بالإيجاب فاقترب يأخذ رأسها إلى صدره يريحها يربت على خصلاتها بهدوء قائلًا بحنو:
-متخافيش.. أنا معاكي
كانت تريد أن تنعم داخل أحضانه حقًا بالراحة والاطمئنان، شعرت أنها في لحظة واحدة ستكون مع الأموات تاركة كل شيء خلفها على الرغم من أنها تمسكت بالحياة بقوة وشراسة تحاول مجابهة قتلها ولكن الأخرى كانت الأقوى وهي تعتليها مستغله خوفها وارتعاش جسدها ويدها التي جرحت وأعاقت صمودها.. كانت لحظات فارقة وستتوجه إلى الاستسلام ولكن للقدر رأي آخر..
اعتقدت أنه رحل بعدما تركها وهبط إلى الأسفل، كُتب أنه لا يرحل ويبقى بالقصر لوقت أطول حتى يكن هو المنقذ لها، ذلك الدرع الحامي، الأمن المحب..
الآن تشعر بالضعف الشديد والخوف الذي فتك بقلبها ولكن بينما هي تضع رأسها على صدره وكأن العالم أجمع بين يديها في موضع ذلك القميص القابض على جرحها..
رسم الهدوء على ملامحه وداخله نيران لا تهدأ، كانت مشتعلة بسبب فعلتها ولكنها سكبت عليها البنزين لتشتعل أكثر تحرق كل ما به وهي تذكر شقيقه وعلاقتها به، تذكر أنها كانت له قبله، كانت تفعل معه كل ما تقدمه إليه الآن.. من حب وغيره..
حرك رأسه يمينًا ويسارًا وهو قابض عليها بين يده محاولًا طرد تلك الأفكار المسمومة من عقله فهي ألقتها عليه بمغزى واضح وصريح للغاية، لن يجعلها تفعل ما أرادت بهذه السهولة..
بقي جوارها كثيرًا ولم يتحرك يبعث إليها كلماته الهادئة التي تنافي داخله، يرسل إليها بعيناه نظرات حنونة محبه يحاول أن يجعلها لا تخاف وهو جوارها وقد فعل عندما خرجت من حالتها تتحدث معه عن تلك الغبية الحقيرة التي كانت تريد قتلها..
بقيٰ إلى أن أتى الطبيب الذي تولى أمر يدها ورحل ومعه الجميع إلى الخارج..
نظر إلى قميصها المتسخ بدماء يدها وقال بهدوء:
-قومي اساعدك تغيري هدومك
اعترضت بخجل:
-مش لازم
زفر بامتعاض من خجلها الزائد الذي ربما سيزعجه قريبًا:
-زينة.. أنا مش غريب عنك أنا جوزك وحصل بينا حاجات كتير تخليني متتكسفيش مني..
أومأت برأسها إليه فذهب هو إلى الخزانة يخرج إليها قميص غيره بالمئزر الخاص به غير الذي ترتديه، توجه إليها بثبات ورزانة، جلس أمامها يساعدها في تبديل ملابسها ينظر إلى جسدها باشتهاء على الرغم من أنه كان غارق معها منذ قليل.. حاول ضبط أنفاسه التي تسارعت وهي ينظر إليها وقد شعرت به فاخفضت وجهها عنه بخجل تجذب من يده القميص سريعًا تقوم بارتداءه وهي تبعد أنظارها عنه..
أقترب منها محاوطًا جسدها بيده الاثنين يضغط على خصرها بأصابعه قائلًا بنبرة متألمة ضعيفة:
-متعرفيش حصلي ايه لما سمعت صوتك..
أبعد إحدى يداه ومازالت الأخرى على خصرها يرفعها إلى وجهها يحركها على وجنتها برفق وحنان يقترب منها يتحدث أمام شفتيها بشغف:
-حسيت أن قلبي طلع من مكانه ومعرفتش أفكر للحظة ايه اللي بيحصل مدرتش بنفسي حتى غير ورجلي جيباني عندك
أكمل محاولًا بهدوء أن يوصف لها إلى أي مدى أصبح عشقها يسري به ولكنه لا يستطيع:
-زينة، متتصوريش أنا بحبك قد ايه ولا بحبك إزاي.. مش عارف اعبرلك عن اللي جوايا ولا حتى أعبر بيه لنفسي بس أنتي حاجه كبيرة أوي عندي..
استنشق أنفاسها اللاهثة بفعل اقترابه منها إلى هذا الحد، يتحدث أمام شفتيها مباشرة لا يفصل بينهم شيء ليكمل:
-نقطة ضعفي اللي عمرها ما كانت موجودة بالشكل ده
رفعت يدها المعافاة إلى وجنته تبادله بحب تنظر إليه بشغف أكبر منه بكثير تتحدث برفق ولين أمام وجهه:
-متفكرش إنك لوحدك اللي كده.. جبل أنا كمان حبيتك.. حبيتك أوي مش عارفه إزاي وامتى
اخفضت بصرها إلى الفراش تبتعد بعينيها عنه تقول بجدية وحزن:
-عارفه إن كلام تمارا أثر فيك عن علاقتي بيونس، هي عندها حق
رفعت بصرها ثانيةً تنظر إلى داخل خضار عيناه تحرك يدها بحميمية عليه قائلة بعشق خالص:
-بس اللي متعرفهوش إني والله العظيم بعيش معاك مشاعر كأنها أول مرة
أكملت تحرك عينيها على ملامحه بشغف ورغبة:
-أنا أيوه كنت بحب يونس أوي، لو مكنتش بحبه وبيهمني نفسي أكتر منه ومن بنته كنت اتجوزت غيره من زمان.. بس فجأة اكتشفت أنه ضحك عليا، حبي ليه بدأ يقل لحد ما حسيت إني مش بحبه بالعكس بقيت كاره اللي كان بينا بسبب كدبه وغدره بيا
وجدته ينظر إليها برضاء تام، يبعثر نظراته على كافة ملامحها يستشعر صدقها فأكملت بثقة:
-فجأة حبه ده بقى ليك أنت أضعاف، متسألنيش امتى وازاي بقى أضعاف، أنا كنت بكرهك أوي يا جبل، كنت عايزة اقتلك وحاولت أعملها إزاي اتغيرت كده معرفش بس يمكن علشان حسيت أنك غير اللي بتظهره ليا، أنك شخص تاني رحيم وعادل، وحسيت بحبك.. يمكن حبيتك أضعاف يونس علشان مريت معاك بحاجات كتير غيره..
زفرت ثم اسطردت بعقلانية:
-الحياة معاه كانت تقليدية، معاك مريت بالجنون، الشغف، المغامرة والمجابهة، الكره والحب، الضعف والقوة وكل حاجه وعكسها..
حركت إصبع يدها على شفتيه باغراء:
-صدقني أنا بحبك زيك بالظبط وأكتر يا حبيبي.. قوتي دلوقتي باخدها منك أنت.. طول عمري القوية بس والله جوايا ضعف كان نفسي استقوى بحد والحد ده هو أنت يا جبل
لم يجد أي كلمات يعبر بها، إلى هذه الدرجة الدنيا راضية عنه؟ إلى هذه الدرجة أيامه القادمة ستكون سعادة خالصة تبعث إليه إنذار بلحظات السعادة التي سيدوب بها عشقًا..
انقض على شفتيها يقبلها قبلات دامية قاتلة، يبعث بها كل شعور مختلف داخله يطمئن قلبه وعقله راضيًا تمامًا عما قالته عن شقيقه، كلمات بسيطة للغاية جعلت رجولته راضية عنها متناسيًا تلك الغيرة الواهية.. أيغير من متوفي!؟..
التهم شفتيها وما بها يقبلها بعنف وشراسة قابضًا على رأسها من الخلف يقربها منه يحرك يده عليها بحرية تامة، قابلته بالحب موافقة بالقوة على كل ما يصدر عنه تبادله حدته وقوته بعاصفتها الهوجاء التي قد تناست وجودها منذ فترة كبيرة.. لحظات والأخرى وهو يستمر في ذلك لتشعر بآلام تآن بين شفتيه فهدأ قليلًا يغير طريقه يأخذها في درب عشق آخر قبلات رقيقة هادئة وزعها على وجهها بالكامل يهبط إلى عنقها..
توقف يرفع رأسه إليها لاهثًا بعنف والرغبة تحترق داخله:
-أنا بحبك أوي يا زينة.. بحبك
ابتسمت بسعادة محاولة التحدث بثبات بعد ارتفاع وتيرة أنفاسها الذي سلبها منها قائلة بعشق متبادل:
-أنا بموت فيك يا جبل
دعنا ننصهر بين النجوم والكواكب نعبر عن ملحمة الحب خاصتنا، دعنا نحدث العالم عن عشقنا المستحيل وبغضنا الذي كان قريب، ألا تريد أن تجعل العالم يرى القوة التي تتحلى بها والسطوة التي تتميز بها! ألا تريد أن يرى العالم قلبك القاسي وضعفه المميت، يبدو أنك تخاف من ظهور نقطة ضعفك فتصبح مطمع للجميع بعد أن كنت القوة الخالية من أي مشاعر..
كان نجم معتم فأصبح ضوء مشتغل بين الظلام
تمتع بقلب قاسي قوي ليتحول إلى الضعف المراد
رأى الكره تميُز والبغض تعالي فأصبح هاوي غرام
الآن يآن من لوعة نيران الاشتياق شاعرًا أنه سيلقى مصرعه بسبب الفراق..
❈-❈-❈
أخرج “جبل” “تمارا” من الجزيرة بأكملها بعدما ترجته “زينة” ألا يؤذيها قد امتثل لطلبها وجعل حراسه يطردونها منها شر طرده، لم يعيرها أدنى اهتمام وهي تخرج تهدد الجميع بأنها ستفعل ما لا يحمد عقباه..
تهدده بأنها ستدمر حياته وستجعله بيده يقتلها ويلقيها هي الأخرى خارج الجزيرة كما فعل معها.. لم يعطي أحد لحديثها أهمية وهي تذهب صارخة عليهم
تنفست والدته الصعداء بعد رحيلها فهي من البداية لم تكن مرحبة بها أبدًا، والآن لا يجوز أن تخرب كل شيء بعد أن استقر وأصبح ابنها يريد زوجته بكل جوارحه وهي تبادله ذلك..
حزنت “فرح” على ما حدث لها ولكنها لن تستطيع التدخل لأنها هي من فعلت بنفسها هكذا، أخطأت كما أخطأت هي الآخرى سابقًا..
كل شخص منهم بدأ بالتفكير في حياته ونفسه تاركًا ما حدث خلف ظهره..
بدأت “فرح” في التأقلم على حياتها الآن تاركة “عاصم” تحاول أبعاده عن تفكيرها على الرغم من أنها مازالت تحبه وتريده ولكنه لن ينظر إليها، هي على علم تام بأنه يعشق شقيقة “زينة” وهي الأخرى تبادلة.. حاولت الصمود وتركه وشأنه والنظر إلى حياتها بعد أن دمرتها ربنا هناك ما يمكن إنقاذه..
تتفادى النظر إلى شقيقة “زينة” والجلوس معها في مكان واحد، مازالت تشعر بالغيرة ناحيتها وتراها حصلت على شيء كان من حقها هي ولكن.. لا شيء يتغير هو من اختار وليست هي من سلبته عنوة الآن فهمت ذلك..
وجيدة ليس هناك شيء يسعدها أكثر من وجود حفيدتها ووالدتها التي أصبحت زوجة محبه لابنها وفي انتظار الحفيظ الآخر له.. أهناك سعادة أكثر من هذه!
بينما “جبل” شعر أن الحياة تفتح ذراعيها له لتستقبله بحبها وعشقها، لتجعله يتذوق حلاوتها يتناسى تلك المرارة التي تجرعها لكثير من السنوات..
وهي كانت مثله، رأت العوض به بعد أن كان البغيض على قلبها مُنتهك حريتها، بعد أن كان رجل يريد فقط ترويض امرأة الآن تروضه كما تحب ويروضها كما يحب.. الآن رفعت شعائر الحب..
وقفت “إسراء” أمام “عاصم” الغاضب بقوة ينظر إليها بغضب يهتاج عليها صارخًا:
-وأنتي بتخرجي ليه أصلًا وهو موجود
عادت للخلف خطوة وهي تراه يكاد يبتلعها ينخفض بجسده عليها بسبب ذلك الطول وملامح وجهه حادة ناحيتها فقالت بجدية:
-في ايه يا عاصم أنا خرجت وخلاص هو أنا محبوسه
أومأ برأسه بحدة مؤكدًا حديثها يخرج صوته بغلظة:
-آه ياستي محبوسه.. آه محبوسه
رفعت يدها تُشيح بها قائلة بصوت حاد ترفض حديثه:
-لأ على فكرة مش محبوسه
وقف معتدلًا ناظرًا إليها باستغراب يحرك عيناه على ملامحها الجامدة وتفوه بعصبية:
-هو أنتي يوم ما يطلعلك لسان يطلع عليا ما تتظبطي
-على فكرة أنا ليا لسان من زمان أوي أهو شوف
أنهت حديثها الحاد وهي تخرج له لسانها بطريقة طفولية بريئة للغاية تناسى هو غضبه وغيرته العمياء وقف ينظر إليها ضاحكًا بصوت مرتفع وأردف قائلًا بعبث:
-أنتي مجنونة ولا ايه
وضعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت معتدلة قائلة بجدية:
-أنت بتضحك على ايه دلوقتي مش متعصب كمل عصبيتك
عاد هو الآخر إلى الحدة ومحى تلك الابتسامة سريعًا وكأنها لم تكن يسألها بقوة:
-آه صح.. قولتيلي طلعتي ليه بقى
حركت كتفيها بلا مبالاة وهدوء مردفة:
-عادي أنا كنت طالعة اتمشى
ضيق عيناه عليها بتركيز ورفع إصبعيه مُتسائلًا بخبث ومكر:
-مرتين؟
أومأت برأسها تكيده أكثر غير مبالية بغضبه:
-آه عادي صدفة يعني
اقترب منها خطوة ضاغطًا على شفتيه بقوة شديدة بأسنانه الحادة:
-قسمًا بالله ههينك
فكت يدها من بعضهما لتصيح بهمجية غير معتادة عليها بعدما تمادى في الحديث:
-تهين مين أنت اتتجننت
قطب جبينه قائلا بحدة:
-اتكلمي عدل وأنا مش هتجنن
زفر بحنق وهو يبتعد بوجهه عنها ثم عاد مرة أخرى ليسألها ساخرًا:
-عرفتي أنه طلبك للجواز
استنكرت قائلة:
-ايه الهبل ده
قال بقسوة وغلظة وعادت الغيرة تنهش قلبه من جديد:
-عرفتي بقى أنا ليه اتجننت
بررت موقفها بجدية تامة ثم لانت في حديثها تقول بدلال وخفوت:
-أنا مكنتش أعرف على فكرة وكمان والله كنت خارجة عادي يعني وبعدين أنا بحب واحد أصلًا حتى لو مليون حد طلبوني للجواز
ابتسم بهدوء وترك غضبه وتلك الغيرة الغبية جانبًا ليهبط برأسه إليها مرة أخرى قائلًا بابتسامة متسعة:
-واحد مين طيب
رفعت وجهها إلى الأعلى تعاكس ما فعله لحظة وتفوهت بسخرية وتهكم:
-واحد طويل أوي علشان يتكلم معايا بينزل لتحت
أشار إلى نفسه بيده مضيقًا عينيه عليها:
-أنتي بتتريقي عليا
قالت بتعالي وهي تبتعد للخلف تنظر إليه باشمئزاز مصطنع:
-هو مين جاب سيرتك أصلًا
أقترب في خطوة واحدة منها قاطعًا المسافة التي ابتعدتها قابضًا على يدها يصيح بغل وعنفوان:
-نعم يا روح أمك
اتسعت عينيها عليه وهي تجذب يدها بحدة وأردفت بانزعاج حقيقي:
-أنت على فكرة بدأت تتمادى معايا في الكلام عيب كده
نظر إليها، رأى لمعة تلك العيون الغريبة، وتلك الرائحة التي تنبعث منها بالعشق الخالص فلم يجد نفسه إلا يردد بعفوية وشغف:
-إسراء.. أنا عايز اتجوزك
نظرت إليه بقوة شديدة وعيون متسعة عليه كأنه قال كلمات مخلة مصدومة للغاية فتركته وذهبت راكضة مبتعده عنه ذاهبه إلى القصر والفرحة تغرق جسدها تغدقها بالحب والجنون به..
ابتسم ضاحكًا مغمغمًا:
-يا بنت المجنونة
عاد هو الآخر يبتعد وتركها تتخفى من نظراته، ينتظر الفرصة المناسبة لخوض المعركة وبدأ الحرب من أجلها، ينتظر بحب أن تكون ملكه، تاركًا لوعة الاشتياق تفتك بقلبه، تاركًا لهفة قربها منه تتغنج أمام عيناه وكأنها تقول له لن تنالها بسهولة.. ولكنه يُجيب صبرًا..
❈-❈-❈
وقف في الشرفة ليلًا يبتسم بهدوء وحده، تداعب نسمات الهواء الباردة صدره، يفكر في كل ما حدث وما مر عليه في الفترة الأخيرة كالذي قبلها.. أصبحت حياته عبارة عن نعيم على الأرض بوجودها مع ذلك الاستقرار الذي حدث في الآونة الأخيرة بعدما أبتعد كل حاقد من بينهم تارك الجزيرة أو العالم كله..
دلف إلى الداخل يجلس على الفراش أمسك بهاتفه الذي أتى إليه رسالة من رقم “طاهر” الذي إلى الآن لا يعرف طريقه ولكن لن يستسلم وسيأتي به وإن عاد إلى بطن والدته..
لا يحب أبدًا النظر إلى رسائلة أو معرفة محتواها دائمًا تكون أشياء تعكر صفوه، فتح الرسالة على مضض ينظر إليها بجدية تحولت فجأة إلى دقات متعالية في القلب وأنفاس متلاحقة وكأنه يركض في سباق لن يفوز به أبدًا..
“خلي بالك من المدام، يمكن تكون مكان جلال”
رفع بصره عن الشاشة ينظر أمامه في الفراغ، مستحيل، لا يعقل أن تكون هكذا لن تخونه أنها ليست خائنة أنها تحبه إلى حد لا يوجد مثله..
ليس من طبعها الغدر لا، لن يجعله يشكك بها وبحبها له، لن يجعله يشكك بأي شيء يأتي منها، أنه أحبها ولا يستطيع الإبتعاد عنها فقد أصبحت ملاذه الوحيد تلك التي تعري أمامها من كل شيء.. أصبح عاري الجسد والفكر، أصبح عاري بقلبه سواء أن كان قسوة أو ضعف..
ستكون هذه الضربة الأكثر ألمًا وبغضًا، ستكون هذه النهاية ولن يكن بعدها بداية.. سيكون هنا سقوط “جبل العامري”..
فارت الدماء بعروقه وهو يفكر بهذا الحديث يأبى أن يصدق أنها هكذا، يشعر بالحيرة وبراكين الغدر مشتعلة داخله.. لا ليس هي
نظر إلى جواره وجد هاتفها على الكومود، أمسك به بين يده المرتعشة لأول مرة.. لأول مرة يشعر بالارتجاف في سائر جسده وقلبه بالأخص
فتح هاتفه هو الآخر مع هاتفها وبدأ بنقل إحدى عشر رقمًا، منذ أن كتب على الهاتف خمسة أرقام وظهر وكأنه أتم الجميع ليتأكد من ظنونه الخبيثة التي نهشت عقله، أعاده أكثر من خمسة مرات.. ينظر إليه ويقرأه ويُعيد كتابته مرة أخرى..
كان هذا رقم طاهر المسجل بهاتفها “طريقي”
كيف طاهر طريقها؟ ضغط على زر الاتصال ووضعه على أذنه ليأتيه الرد سريعًا منه:
-بقالي فترة مستني مكالمتك ومش عايز أنا أتكلم.. ها عندك أخبار تانية عن حضرة الأستاذ مصاحب الحكومة
أغلق الهاتف وأخفض يده ينظر إلى الفراغ المميت حوله، سكين حاد ملطخ بالحب الكاذب احتال على عقله ليتمسك بها اعتقادًا أنه سيقطع بها ثمار الغرام فغدرت به وتوجهت نحو قلبه تطعنه بمنتهى البساطة يتخلل الغدر نظرتها نحوه، مستهزئة به إلى أبعد حد..
خنجر آخر ملطخ بكلمات معسولة من كثرة حدته وروعته إلتف عليه ليطعنه في منتصف ظهره ضاحكًا بصوت عالي للغاية يستمع إليه كل من على الجزيرة، نيلها وجبلها وسكانها وكل نملة ساكنه بها، ينظرون إليه بسخرية مميتة..
هبط بعيناه إلى الأسفل، لقد طعنته بسكين تالم، لقد أخذت قلبه من مكانه ووضعته أسفل قدميها، أتمنها على أكبر سر بحياتها فغدرت به وأعطته إلى أكبر أعدائه..
لا يهمه أنه الآن أمام الدولة رجل غير مسؤول أضاع شقاء سنوات لرجال كثيرة شرفاء، أضاع سهر ليالٍ وعمل شاق فقط لأنه رجل غبي هواه الحب ولعب به أقذر لعبة…
هبطت دمعة من عيناه على الأرضية مباشرة وهو منحني على نفسه بهذه الطريقة، خذلان للمرة الثانية ولكنه الأقوى والأكثر عنف وقسوة..
انحنى “جبل العامري” وبكت عيناه على امرأة خائنة، لم يبكي على ابنة عمه، والله أنها كانت رحيمة عنها، رحلت دون أن تسبب له أذى بينما هذه كانت تنام بأحضانه تلقي عليه بكلماتها الغرامية كل ليلة وهي تعاون أكبر أعدائه.. تعطي إليه أكثر المعلومات خطورة منه على الدولة..
ألهذا السبب كانت دائمًا فضولية! ألهذا السبب أتت إلى هنا؟
استمع إلى باب المرحاض يغلق وشعر بها خلفه في الناحية الأخرى من الفراش، استعاد نفسه في لمح البصر ووقف على قدميه يستدير ينظر إليها بقوة وغلظة.. قسوة بعيناه لم تراها أبدًا حتى عندما أتت إلى الجزيرة..
رفع الهاتف أمام عينيها بعدما قام بفتحه وقال بسخرية شديدة ونبرته تخرج كفحيح الأفعى وهو يقترب منها:
-طريقي!
وقف أمامها ينظر إلى عيناها السوداء يخفي عتابه لها وخذلانه منها لا يظهر إليها إلا القسوة والعنفوان القابع داخله تجاهها..
ابتعلت غصة مريرة وقفت بجوفها وتابعته بنظرات خائفة أدركت حينها لما رأت تلك القسوة بعيناه، حاولت التحدث وهي ترتعش بقوة ولكنه قاطعها قبل أن تردف بكلمة واحدة صارخًا بقوة اهتزت لها أرجاء الغرفة:
-طــريــقــك
قبض على خصلات شعرها بشراسة وغلظة، لا يحركه نحوها إلا الطعنة التي أخذها منها في منتصف قلبه وظهره، لا يحركه نحوها إلا الحب الذي لم يشعر به إلا تجاهها، لا يحركه إلا الخذلان الذي ناله منها.. والغدر الذي ألقته عليه وكأنه قنبلة موقوتة..
تأججت عروقه بالتهاب النيران بها وهو يصرخ بقوة دافعًا بها على الفراش بشراسة:
-طـريـقـك لـجـنـهـم
هنا انفتحت أبواب الجحيم في حياة “جبل العامري”، لتدلف به العاصفة التي أتت إليه من أبعد البلاد لتُكَون معه قصة حب غير معهودة، ولكن الغدر كان سبيلها للهرب منه، فلا طريق عودة أو نجاة سوى المرور بالجحيم الماثل أمامها..
❈-❈-❈
يتبع…